الكتاب: كشف المشكل من حديث الصحيحين المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ) المحقق: علي حسين البواب الناشر: دار الوطن - الرياض سنة النشر: عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- كشف المشكل من حديث الصحيحين ابن الجوزي الكتاب: كشف المشكل من حديث الصحيحين المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ) المحقق: علي حسين البواب الناشر: دار الوطن - الرياض سنة النشر: عدد الأجزاء: 4   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الَّذِي أحسن إِلَيْنَا إِذْ أنزل علينا أحسن الحَدِيث، ووسم أَئِمَّة أمتنَا: أهل الْفِقْه والْحَدِيث، وَجعل نقاد الروَاة يعْرفُونَ وضع الغواة ويميزون الطّيب من الْخَبيث. أَحْمَده على رجولية الْفَهم، وَأَعُوذ بِهِ من التخبيث، وأشكره على وراثة الْعلم، وأسأله حفظ الْمَوَارِيث، وأستغيث بِزِيَادَة إنعامه وَإِن كنت لَا أستبطئه وَلَا أستريث. وَصلى الله على رَسُوله مُحَمَّد أفضل الْأَنْبِيَاء من لدن آدم وشيث، وَصلى على أَصْحَابه وَأَتْبَاعه مَا أُجِيب مطر أَو غيث. أما بعد: فَإِن الله تَعَالَى حفظ كتَابنَا بِمَا لم يحفظ كتابا قبله، فَقَالَ عز وَجل فِي الْأُمَم الْمُتَقَدّمَة: {بِمَا استحفظوا من كتاب الله} [الْمَائِدَة: 44] وَقَالَ فِي كتَابنَا: {وَإِنَّا لَهُ لحافظون} [الْحجر: 9] . ثمَّ أنعم علينا بِحِفْظ المنقولات عَن نَبيا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فألهم الْعلمَاء جمع ذَلِك، والطلاب الْجد فِي طلبه، حَتَّى سافروا الْبلدَانِ، وهجروا الأوطان، وأنفقوا فِي حفظ ذَلِك قوى الْأَبدَان، وَأقَام جهابذتهم يفتقدون وينتقدون، فيرفعون التحريف ويدفعون التخريف. فَمضى على ذَلِك كثير من الزَّمن، إِلَى أَن لحق ساعي الرغبات الزَّمن، وشيد فتور الهمم فِي طلب الْعلم إِلَى أَن درس، وَصَارَت صبابته الْبَاقِيَة فِي آخر نفس، فَأَما الطَّالِب لَهُ فِي زَمَاننَا فقد فُقِد، والمتصدر يَقُول وَلَا يعْتَقد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 وَأعظم الْعُلُوم اضمحلالا علم الْأَثر. على أَن الشَّرْع عَنهُ صدر. فَإِن رَأَيْت طَالبا لَهُ فهمته فِي الْغَالِب السماع، لَا الْفَهم وَلَا الِانْتِفَاع. وَأكْثر الْفُقَهَاء عَنهُ معرضون، وَإِن كَانُوا للْحكم على الحَدِيث يبنون. فواعجبا من وَاضع أسا لم ينظر فِي أرضه، ثمَّ أَخذ يهتم بِطُولِهِ وَعرضه، أَلا يخَاف أَن تكون الأَرْض رملا فينهار، فكم من بَان على شفا جرف هار، وَكم من فَقِيه أفتى بِغَيْر الْمَشْرُوع، وَكم من متعبد تَعب بِحَدِيث مَوْضُوع. وَلما قد أحسن بفتور الهمم الَّذِي قد صَار فِي زَمَاننَا، تلقى أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي نصر الْحميدِي لحظ متون الصَّحِيحَيْنِ، تسهيلا لاقتباس الْفَوَائِد على المتقاعد، لِأَن اخْتِصَار اللَّفْظ صديق الْحِفْظ. فَصَارَ كِتَابه لقدره فِي نَفسه مقدما على جَمِيع جنسه، فَتعلق بِهِ من قد بَقِي عِنْده من الرَّغْبَة فِي النَّقْل رَمق. وَمَعْلُوم أَن الصَّحِيح بِالْإِضَافَة إِلَى سَائِر الْمَنْقُول كعين الْإِنْسَان، بل كإنسان الْعين. وَكَانَ قد سَأَلَني من أثر سُؤَاله أَمارَة همتي شرح مشكله، فأنعمت لَهُ وظننت الْأَمر سهلا، فَإِذا نيل سُهَيْل أسهل، لما قد حوت أَحَادِيث من فنون المشكلات ودقائق المعضلات. وَكَانَ الْحميدِي قد جمع كتابا أَشَارَ فِيهِ إِلَى تَفْسِير الْحُرُوف الغريبة فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَيْثُ اللُّغَة. وَمَعْلُوم أَن شرح الْمَعْنى أمس، وكشف الْإِشْكَال الْمَعْنَوِيّ أَجْدَر بِالْبَيَانِ وأحق. فَلَمَّا رَأَيْت طرق شَرحه شاسعة، شمرت عَن سَاق الْجد، مستعينا بِاللَّه عز وَجل رَجَاء الثَّوَاب فِي إسعاف الطَّالِب. وَإِلَى الله سُبْحَانَهُ أَرغب فِي تلقيح الْفَهم، وَتَصْحِيح الْقَصْد، وتعجيل النَّفْع، إِنَّه ولي ذَلِك والقادر عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 (مُقَدّمَة قبل الشَّرْح) من الْمَعْلُوم أَنه قد يَأْتِي الحَدِيث وَأَكْثَره ظَاهر لَا يحْتَاج إِلَى شرح، وَإِنَّمَا يشْرَح مَا يشكل. وَقد يَقع على الحَدِيث اعْتِرَاض فيفتقر إِلَى جَوَاب، وَذكر ذَلِك مُتَعَيّن. وَقد يتَرَدَّد الحَدِيث فِي مسانيد، فَنحْن نفسره فِي أول مَا يَلْقَانَا ثمَّ نحيل عَلَيْهِ مَا يَأْتِي بعد ذَلِك، مثل قَوْله: نهى عَن المحاقلة. وَقد أجرينا إِلَى الِاخْتِصَار مَعَ تَحْصِيل الْمَقْصُود. وَنحن نرجو أَن يَسْتَغْنِي النَّاظر فِي كتَابنَا هَذَا - بِحل مُشكل المشروح - عَن النّظر فِي كتاب، أَو سُؤال عَالم. وَهَذَا حِين شروعنا فِيمَا انتدبنا لَهُ. وَالله الْمُوفق قَالَ أَبُو عبد الله الْحميدِي فِي خطْبَة الْكتاب: لما خيف اخْتِلَاط الصَّحِيح بالسقيم انتدب جمَاعَة إِلَى التَّأْلِيف كمالك بن أنس وَابْن جريج وسُفْيَان. قلت: وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي الْمُبْتَدِئ بتصانيف الْكتب على ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا: أَنه عبد الْملك بن جريج. وَالثَّانِي: سعيد ابْن أبي عرُوبَة، ذكر الْقَوْلَيْنِ أَبُو بكر الْخَطِيب. وَالثَّالِث: الرّبيع بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 صبيح، قَالَه أَبُو مُحَمَّد الرامَهُرْمُزِي. وَمن قدماء المصنفين: سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة بِمَكَّة، وَمَالك بن أنس بِالْمَدِينَةِ، وَعبد الله بن وهب بِمصْر، وَمعمر وَعبد الرَّزَّاق بِالْيمن، وسُفْيَان الثَّوْريّ وَمُحَمّد بن فُضَيْل ابْن غَزوَان بِالْكُوفَةِ، وَحَمَّاد بن سَلمَة وروح بن عبَادَة بِالْبَصْرَةِ، وهشيم بواسط، وَعبد الله بن الْمُبَارك بخراسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وَأول من صنف الْمسند على تراجم الرِّجَال عبيد الله بن مُوسَى الْعَبْسِي، وَأَبُو دَاوُد سُلَيْمَان بن دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، ثمَّ بعدهمَا أَحْمد ابْن حَنْبَل، وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَأَبُو خَيْثَمَة، وَعبيد الله بن عمر القواريري. ثمَّ كثر من جمع المسانيد، واتسعت التصانيف، إِلَّا أَنه لم يفصح أحد بِتَسْمِيَة كِتَابه بِالصَّحِيحِ، وَلَا شدد فِي انتقاء الحَدِيث الْمَجْمُوع فِيهِ قبل البُخَارِيّ. ثمَّ تبعه مُسلم فِي ذَلِك. قَالَ الْحميدِي وَقد جمعت أَحَادِيث الصَّحَابَة، ورتبتهم على خمس مَرَاتِب: فبدأنا بِالْعشرَةِ، ثمَّ بالمقدمين بعد الْعشْرَة، ثمَّ بالمكثرين، ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 بالمقلين، ثمَّ بِالنسَاء. قلت: اعْلَم أَن هَذَا التَّرْتِيب مَا وفى فِيهِ بِالشّرطِ: فَإِنَّهُ ذكر فِي المقدمين خلقا من المؤخرين، وَبَيَانه: أَنه لما ذكر بعد الْعشْرَة ابْن مَسْعُود، وَعمَّارًا - وَكِلَاهُمَا شهد بَدْرًا - كَانَ هَذَا ترتيبا حسنا، فَلَمَّا ذكر بعدهمَا حَارِثَة بن وهب، وَأَبا ذَر، وَحُذَيْفَة، وَأَبا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَجَرِير بن عبد الله، لم يحسن تَقْدِيم هَؤُلَاءِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فيهم من شهد بَدْرًا، وَجَرِير إِنَّمَا أسلم فِي سنة عشر قبل موت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَمْسَة أشهر، ثمَّ ذكر بعد جرير جمَاعَة فيهم سُلَيْمَان ابْن صرد، وَهُوَ من الْمُتَأَخِّرين جدا، ثمَّ جَاءَ بعده بِجَمَاعَة، ثمَّ بمعاذ ابْن جبل وَهُوَ من أهل بدر، فِي تَخْلِيط من هَذَا الْجِنْس يعجب مِنْهُ عُلَمَاء الحَدِيث إِذا تأملوه. ثمَّ إِنَّه ذكر فِي المقلين جمَاعَة لَهُم حَدِيث كثير مِنْهُم عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، فَإِنَّهُ ذكره فِي المقلين، وَذكر لَهُ خَمْسَة وَأَرْبَعين حَدِيثا. وَقد ذكر فِي المقدمين جمَاعَة لكل وَاحِد مِنْهُم حَدِيث أَو حديثان، وَلَا أَدْرِي مَا الَّذِي مَنعه من جعلهم فِي المقلين وَلَيْسوا من المقدمين على مَا بيّنت لَك. وَقد ذكر فِي المقلين خلقا كَانَ يصلح ذكرهم فِي المقدمين: مثل بِلَال، وخباب، والمقداد، وَخلق كثير. فالترتيب فِي نِهَايَة الْخَطَأ، غير أَنه لَا بُد من الجري على رسمه، فَإِن الْمَقْصُود إِنَّمَا هُوَ الحَدِيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الَّذِي أحسن إِلَيْنَا إِذْ أنزل علينا أحسن الحَدِيث، ووسم أَئِمَّة أمتنَا: أهل الْفِقْه والْحَدِيث، وَجعل نقاد الروَاة يعْرفُونَ وضع الغواة ويميزون الطّيب من الْخَبيث. أَحْمَده على رجولية الْفَهم، وَأَعُوذ بِهِ من التخبيث، وأشكره على وراثة الْعلم، وأسأله حفظ الْمَوَارِيث، وأستغيث بِزِيَادَة إنعامه وَإِن كنت لَا أستبطئه وَلَا أستريث. وَصلى الله على رَسُوله مُحَمَّد أفضل الْأَنْبِيَاء من لدن آدم وشيث، وَصلى على أَصْحَابه وَأَتْبَاعه مَا أُجِيب مطر أَو غيث. أما بعد. فَإِن الله تَعَالَى حفظ كتَابنَا بِمَا لم يحفظ كتابا قبله، فَقَالَ عز وَجل فِي الْأُمَم الْمُتَقَدّمَة: {بِمَا استحفظوا من كتاب الله} [الْمَائِدَة: 44] وَقَالَ فِي كتَابنَا: {وَإِنَّا لَهُ لحافظون} [الْحجر: 9] . ثمَّ أنعم علينا بِحِفْظ المنقولات عَن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فألهم الْعلمَاء جمع ذَلِك، والطلاب الْجد فِي طلبه، حَتَّى سافروا الْبلدَانِ، وهجروا الأوطان، وأنفقوا فِي حفظ ذَلِك قوى الْأَبدَان، وَأقَام جهابذتهم يفتقدون وينتقدون، فيرفعون التحريف ويدفعون التخريف. فَمضى على ذَلِك كثير من الزَّمن، إِلَى أَن لحق ساعي الرغبات الزَّمن، وشيد فتور الهمم فِي طلب الْعلم إِلَى أَن درس، وَصَارَت صبابته الْبَاقِيَة فِي آخر نفس، فَأَما الطَّالِب لَهُ فِي زَمَاننَا فقد فُقد، والمتصدر يَقُول وَلَا يعْتَقد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 وَأعظم الْعُلُوم اضمحلالا علم الْأَثر. على أَن الشَّرْع عَنهُ صدر. فَإِن رَأَيْت طَالبا لَهُ فهمته فِي الْغَالِب السماع، لَا الْفَهم وَلَا الِانْتِفَاع. وَأكْثر الْفُقَهَاء عَنهُ معرضون، وَإِن كَانُوا للْحكم على الحَدِيث يبنون. فواعجبا من وَاضع أسا لم ينظر فِي أرضه، ثمَّ أَخذ يهتم بِطُولِهِ وَعرضه، أَلا يخَاف أَن تكون الأَرْض رملا فينهار، فكم من بَان على شفا جرف هار، وَكم من فَقِيه أفتى بِغَيْر الْمَشْرُوع، وَكم من متعبد تَعب بِحَدِيث مَوْضُوع. وَلما قد أحس بفتور الهمم الَّذِي قد صَار فِي زَمَاننَا، تلقى أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي نصر الْحميدِي لحظ متون الصَّحِيحَيْنِ، تسهيلا لاقتباس الْفَوَائِد على المتقاعد، لِأَن اخْتِصَار اللَّفْظ صديق الْحِفْظ. فَصَارَ كِتَابه لقدره فِي نَفسه مقدما على جَمِيع جنسه، فَتعلق بِهِ من قد بَقِي عِنْده من الرَّغْبَة فِي النَّقْل رَمق. وَمَعْلُوم أَن الصَّحِيح بِالْإِضَافَة إِلَى سَائِر الْمَنْقُول كعين الْإِنْسَان، بل كإنسان الْعين. وَكَانَ قد سَأَلَني من أثر سُؤَاله أَمارَة همتي شرح مشكله، فأنعمت لَهُ وظننت الْأَمر سهلا، فَإِذا نيل سُهَيْل أسهل، لما قد حوت أَحَادِيثه من فنون المشكلات ودقائق المعضلات. وَكَانَ الْحميدِي قد جمع كتابا أَشَارَ فِيهِ إِلَى تَفْسِير الْحُرُوف الغربية فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَيْثُ اللُّغَة. وَمَعْلُوم أَن شرح الْمَعْنى أمس، وكشف الْإِشْكَال الْمَعْنَوِيّ أَجْدَر بِالْبَيَانِ وأحق. فَلَمَّا رَأَيْت طرق شَرحه شاسعة، شمرت عَن سَاق الْجد، مستعينا بِاللَّه عز وَجل رَجَاء الثَّوَاب فِي إسعاف الطَّالِب. وَإِلَى الله سُبْحَانَهُ أَرغب فِي تلقيح الْفَهم، وَتَصْحِيح الْقَصْد، وتعجيل النَّفْع، إِنَّه ولي ذَلِك والقادر عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 مُقَدّمَة قبل الشَّرْح: من الْمَعْلُوم أَنه قد يَأْتِي الحَدِيث وَأَكْثَره ظَاهر لَا يحْتَاج إِلَى شرح، وَإِنَّمَا يشْرَح مَا يشكل. وَقد يَقع على الحَدِيث فِي مسانيد، فَنحْن نفسره فِي أول مَا يَلْقَانَا ثمَّ نحيل عَلَيْهِ مَا يَأْتِي بعد ذَلِك، مثل قَوْله: نهى عَن المحاقلة. وَقد أجرينا إِلَى الِاخْتِصَار مَعَ تَحْصِيل الْمَقْصُود. وَنحن نرجو أَن يَسْتَغْنِي النَّاظر فِي كتَابنَا هَذَا - بِحل مُشكل المشروح - عَن النّظر فِي كتاب، أَو سُؤال عَالم. وَهَذَا حِين شروعنا فِيمَا انتدبنا لَهُ. وَالله الْمُوفق. قَالَ أَبُو عبد الله الْحميدِي فِي خطْبَة الْكتاب: لما خيف اخْتِلَاط الصَّحِيح بالسقيم انتدب جمَاعَة إِلَى التَّأْلِيف كمالك بن أنس وَابْن جريج وسُفْيَان. قلت: وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي الْمُبْتَدِئ بتصانيف الْكتب على ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا: أَنه عبد الْملك بن جريج. وَالثَّانِي: سعيد ابْن أبي عرُوبَة، ذكر الْقَوْلَيْنِ أَبُو بكر الْخَطِيب. وَالثَّالِث: الرّبيع بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 صبيح، قَالَه أَبُو مُحَمَّد الرامَهُرْمُزِي. وَمن قدماء المصنفين: سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة بِمَكَّة، وَمَالك بن أنس بِالْمَدِينَةِ، وَعبد الله بن وهب بِمصْر، وَمعمر وَعبد الرَّزَّاق بِالْيمن، وسُفْيَان الثَّوْريّ وَمُحَمّد بن فُضَيْل ابْن غَزوَان بِالْكُوفَةِ، وَحَمَّاد بن سَلمَة وروح بن عبَادَة بِالْبَصْرَةِ، وهشيم بواسط، وَعبد الله بن الْمُبَارك بخراسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وَأول من صنف الْمسند على تراجم الرِّجَال عبيد الله بن مُوسَى الْعَبْسِي، وَأَبُو دَاوُد سُلَيْمَان بن دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، ثمَّ بعدهمَا أَحْمد ابْن حَنْبَل، وَإِسْحَق بن رَاهَوَيْه وَأَبُو خَيْثَمَة، وَعبيد الله بن عمر القواريري. ثمَّ كثر من جمع المسانيد، واتسعت التصانيف، إِلَّا أَنه لم يفصح أحد بِتَسْمِيَة كِتَابه بِالصَّحِيحِ، وَلَا شدد فِي انتقاء الحَدِيث الْمَجْمُوع فِيهِ قبل البُخَارِيّ. ثمَّ تبعه مُسلم فِي ذَلِك. قَالَ الْحميدِي وَقد جمعت أَحَادِيث الصَّحَابَة، ورتبتهم على خمس مَرَاتِب: فبدأنا بِالْعشرَةِ، ثمَّ بالمقدمين بعد الْعشْرَة، ثمَّ بالمكثرين، ثمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 بالمقلين، ثمَّ بِالنسَاء. قلت: اعْلَم أَن هَذَا التَّرْتِيب مَا وفى فِيهِ بِالشّرطِ: فَإِنَّهُ ذكر فِي المقديمن خلقا من المؤخرين، وَبَيَانه: أَنه لما ذكر بعد الْعشْرَة ابْن مَسْعُود، وَعمَّارًا - وَكِلَاهُمَا شهد بَدْرًا - كَانَ هَذَا ترتيبا حسنا، فَلَمَّا ذكر بعدهمَا حَارِثَة بن وهب، وَأَبا ذَر، وَحُذَيْفَة، وَأَبا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَجَرِير بن عبد الله، لم يحسن تَقْدِيم هَؤُلَاءِ، لأنهل يس فيهم من شهد بَدْرًا، وَجَرِير إِنَّمَا أسلم فِي سنة عشر قبل موت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَمْسَة أشهر، ثمَّ ذكر بعد جرير جمَاعَة فيهم سُلَيْمَان ابْن صرد، وَهُوَ من الْمُتَأَخِّرين جدا، ثمَّ جَاءَ بعده بِجَمَاعَة، ثمَّ بمعاذ ابْن جبل وَهُوَ من أهل بدر، فِي تَخْلِيط من هَذَا الْجِنْس يعجب مِنْهُ عُلَمَاء الحَدِيث إِذا تأملوه. ثمَّ إِنَّه ذكر فِي المقلين جمَاعَة لَهُم حَدِيث كثير مِنْهُم عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، فَإِنَّهُ ذكره فِي المقلين، وَذكر لَهُ خَمْسَة وَأَرْبَعين حَدِيثا. وَقد ذكر فِي المقدمين جمَاعَة لكل وَاحِد مِنْهُم حَدِيث أَو حديثان، وَلَا أَدْرِي مَا الَّذِي مَنعه من جعلهم فِي المقلين وَلَيْسوا من المقدمين على مَا بيّنت لَك. وَقد ذكر فِي المقلين خلفا كَانَ يصلح ذكرهم فِي المقدمين: مثل بِلَال، وخباب، والمقداد، وَخلق كثير. فالترتيب فِي نِهَايَة الْخَطَأ، غير أَنه لَا بُد من الجري على رسمه، فَإِن الْمَقْصُود إِنَّمَا هُوَ الحَدِيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 كشف الْمُشكل من مُسْند أبي بكر الصّديق واسْمه عبد الله بن عُثْمَان. وَفِي تَسْمِيَته بعتيق ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى عَتيق من النَّار فَلْينْظر إِلَى أبي بكر " روته عَائِشَة. وَالثَّانِي: أَنه اسْم سمته بِهِ أمه. قَالَه مُوسَى بن طَلْحَة. وَالثَّالِث: أَنه سمي بذلك لجمال وَجهه، قَالَه اللَّيْث بن سعد. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: لقبه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك لجمال وَجهه. وَهُوَ أول رجل أسلم، وَقد أسلم على يَده من الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ خَمْسَة: عُثْمَان، وَطَلْحَة، وَالزُّبَيْر، وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَسعد بن أبي وَقاص. وَجُمْلَة مَا حفظ لَهُ من الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَمَانِيَة عشر. 1 - / 1 - الحَدِيث الأول: أَنه قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلمنِي دُعَاء الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتي. قَالَ: " قل اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا، وَلَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت، فَاغْفِر لي مغْفرَة من عنْدك ". قَوْله " اللَّهُمَّ " قَالَ الزّجاج: قَالَ الْخَلِيل وسيبويه وَجَمِيع النَّحْوِيين الموثوق بعلمهم: اللَّهُمَّ بِمَعْنى يَا الله، وَالْمِيم الْمُشَدّدَة زيدت عوضا من " يَا " لأَنهم لم يَجدوا الْيَاء مَعَ هَذِه الْمِيم فِي كلمة وَاحِدَة، ووجدوا اسْم الله عز وَجل مُسْتَعْملا ب " يَا " إِذا لم يذكرُوا الْمِيم، فَعَلمُوا أَن الْمِيم فِي آخر الْكَلِمَة بِمَنْزِلَة " يَا " فِي أَولهَا، والضمة الَّتِي فِي الْهَاء ضمة الِاسْم المنادى الْمُفْرد. وَقَوله: " ظلمت نَفسِي " الظُّلم: وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه، وَقيل: التَّصَرُّف فِيمَا لَا يملك. والحدان مستمران على العَاصِي. وَالظُّلم للنَّفس مُوَافقَة الْهوى فِيمَا يُوجب عقوبتها، وَقد يكون فِيمَا ينقص أجرهَا، أَو يفوتها فَضِيلَة. وَقَوله: " فَاغْفِر لي " الغفران: تَغْطِيَة الذَّنب بِالْعَفو عَنهُ. والغفر: السّتْر. وَغفر الْخَزّ وَالصُّوف: مَا علا فَوق الثَّوْب مِنْهَا كالزئبر، سمي غفرا لِأَنَّهُ يستر الثَّوْب. وَيُقَال: اصبغ ثَوْبك، فَهُوَ أَغفر للوسخ. وَيُقَال لجنة الرَّأْس مغفر، لِأَنَّهَا تستر الرَّأْس. وَقَالَ بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 اللغويين: الْمَغْفِرَة مَأْخُوذَة من الغفر، وَهُوَ نبت تداوى بِهِ الْجراح، إِذا ذَر عَلَيْهَا دملها وأبرأها. فَإِن قَالَ قَائِل: مَا معنى قَوْله: " مغْفرَة من عنْدك "؟ وَهل تكون الْمَغْفِرَة إِلَّا من عِنْده؟ فَالْجَوَاب أَن الْمَعْنى: هَب لي الغفران بِفَضْلِك وَإِن لم أكن أَهلا لَهُ بعملي. وَهَذَا الحَدِيث من أحسن الْأَدْعِيَة؛ لِأَنَّهُ إِقْرَار بظُلْم النَّفس، واعتراف بالذنب والذنُوب كالمانع من الإنعام، وَالِاعْتِرَاف بهَا يمحوها، فيرتفع الحاجز. وَهَذَا الدُّعَاء مِمَّا يسْتَحبّ أَن يدعى بِهِ فِي الصَّلَاة قبل التَّسْلِيم، لصِحَّته، وللإنسان أَن يَدْعُو فِي صلَاته بِمَا فِي الْقُرْآن من الدُّعَاء، وَبِمَا صَحَّ فِي النَّقْل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَيْسَ لَهُ أَن يَدْعُو بِمَا سوى ذَلِك من كَلَام النَّاس. 2 - / 2 - الحَدِيث الثَّانِي: قَالَ أَبُو بكر: نظرت إِلَى أَقْدَام الْمُشْركين وَنحن فِي الْغَار وهم على رؤوسنا، فَقلت: يَا رَسُول الله، لَو أَن أحدهم نظر إِلَى قَدَمَيْهِ أبصرنا تَحت قَدَمَيْهِ. فَقَالَ: " يَا أَبَا بكر، مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ، الله ثالثهما ". الْغَار: النقب فِي الْجَبَل، وَكَانَ هَذَا الْغَار فِي جبل يُقَال لَهُ ثَوْر، وَهُوَ مَعْرُوف بِمَكَّة، أَقَامَا فِيهِ ثَلَاثَة أَيَّام، وَكَانَ طلب الْمُشْركين لَهما لَا الحديث: 2 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 يفتر، فَبعث الله عز وَجل حَمَامَتَيْنِ فباضتا، وألهم العنكبوت فَنسجَتْ عِنْد بَاب الْغَار، فَلَمَّا وصل الْمُشْركُونَ إِلَى قريب من الْغَار، قَالُوا: ارْجعُوا، فَلَو كَانَ هَاهُنَا أحد لم تكن هَذِه الْحَمَامَة، وَلَا العنكبوت. وَفِي هَذَا الحَدِيث مَا يدل على جَوَاز الْهَرَب من الْخَوْف، والتمسك بالأسباب. خلافًا للجهال من المتزهدين الَّذين يَزْعمُونَ أَن التَّوَكُّل رفض الْأَسْبَاب، وَإِنَّمَا التَّوَكُّل فعل الْقلب لإنزال السَّبَب، وَقد قَالَ عز وَجل: {خُذُوا حذركُمْ} [النِّسَاء: 71] فَلَو كَانَ التَّوَكُّل ترك السَّبَب لما قَالَ: {خُذُوا حذركُمْ} . وَقَوله: " مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما " أَي بالنصرة والإعانة، أفتظن أَن يخذلهما، فَرده من النّظر إِلَى الْأَسْبَاب إِلَى الْمُسَبّب. وَقَالَ بعض الرافضة لبَعض أهل السّنة: من يكون أشرف من خَمْسَة تَحت عباءة سادسهم جِبْرِيل؟ فَقَالَ السّني: اثْنَان فِي الْغَار، ثالثهما الله. 3 - / 3 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: قَالَ الْبَراء بن عَازِب: اشْترى أَبُو بكر من عَازِب رحلا، وَقَالَ: ابْعَثْ معي ابْنك فَحَملته. وَفِي لفظ: فَقَالَ الحديث: 3 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 عَازِب: لَا، حَتَّى تحدثنا كَيفَ فعلت لَيْلَة سريت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ أَبُو بكر: أسرينا ليلتنا ... . الرحل للبعير كالسرج للدابة. وَقَوله: لَا، حَتَّى تحدثنا. كَانَ بعض الْمُتَأَخِّرين من شُيُوخ الْمُحدثين الَّذين لم يَذُوقُوا طعم الْعلم، فَلم يُبَارك لَهُم فِيمَا سَمِعُوهُ لسوء مقاصدهم يحْتَج بِهَذَا فِي جَوَاز أَخذ الْأُجْرَة على التحديث. وَلَا يبعد من ناقل لَا يفهم مَا ينْقل أَن يكون مبلغ علمه الِاحْتِجَاج بِمثل هَذَا، فَأَما من اطلع على سير الْقَوْم بفهم، فَإِنَّهُ يعلم أَنه مَا كَانَ هَذَا بَينهم على وَجه الْأُجْرَة، فَإِن أَبَا بكر لم يكن ليبخل على عَازِب بِالْحَدِيثِ، وَلَا هُوَ مِمَّن يبخل عَلَيْهِ بِحمْل الرحل، وَإِنَّمَا هُوَ انبساط الصّديق إِلَى صديقه، فَإِنَّهُ رُبمَا قَالَ لَهُ: لَا أَقْْضِي حَاجَتك حَتَّى تَأْكُل معي. يُحَقّق هَذَا أَن عازبا من الْأَنْصَار، وهم قد آثروا الْمُهَاجِرين بِأَمْوَالِهِمْ، وأسكنوهم فِي دِيَارهمْ، طلبا لثواب الله عز وَجل فَكيف يبخل على أبي بكر بِقَضَاء حَاجَة! والمهم من الْكَلَام فِي هَذَا أَن نقُول: قد علم أَن حرص الطّلبَة للْعلم قد فتر، لَا بل قد بَطل، فَيَنْبَغِي للْعُلَمَاء أَن يحببوا إِلَيْهِم الْعلم. فَإِذا رأى طَالب الْأَثر أَن الْأُسْتَاذ يُبَاع، وَالْغَالِب على الطّلبَة الْفقر، ترك الطّلب، فَكَانَ هَذَا سَببا لمَوْت السّنة، وَيدخل هَؤُلَاءِ فِي معنى {الَّذين يصدون عَن سَبِيل الله} . وَقد رَأينَا من كَانَ على قانون السّلف فِي نشر الْعلم، فبورك لَهُ فِي حَيَاته وَبعد مماته، ورأينا من كَانَ على السِّيرَة الَّتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 ذممناها، فَلم يُبَارك لَهُ على غزارة علمه، فنسأل الله عز وَجل أَن يرزقنا الْإِخْلَاص فِي الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال، إِنَّه قريب مُجيب. وَقَوله: أسرينا ليلتنا. يُقَال: سريت وأسريت، فقد جمع فِي هَذَا الحَدِيث بَين اللغتين، حِين قَالَ عَازِب لأبي بكر: كَيفَ صنعت حِين سريت؟ فَقَالَ أَبُو بكر: أسرينا. أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور قَالَ: أخبرنَا ثَابت بن بنْدَار قَالَ: أخبرنَا على بن مُحَمَّد بن قشيش قَالَ: أخبرنَا الْحسن بن عبد الْغفار قَالَ: قرئَ على أبي إِسْحَق الزّجاج وَأَنا أسمع: قَالَ: يُقَال سريت وأسريت: إِذا سرت لَيْلًا ... كَمَا يُقَال: بشرت الرجل بِخَير وأبشرته. وبل من مَرضه وأبل. وَبَدَأَ الله الْخلق وأبدأهم. وَتمّ الله النِّعْمَة وأتمها. وتعسه الله وأتعسه. وثوى الرجل فِي الْمَكَان وأثوى. وَجَاز الرجل الْوَادي وَأَجَازَهُ. وخم اللَّحْم وأخم. وخدجت النَّاقة وأخدجت. ودجى اللَّيْل وأدجى. ودبر وَأدبر. وداد الطَّعَام وأداد. وراع الطَّعَام وأراع. ورث الشَّيْء وأرث: إِذا أخلق. ورعدت السَّمَاء وأرعدت. وزهرت الأَرْض وأزهرت: كثر زهرها. وسنفت النَّاقة وأسنفتها: إِذا كففتها بزمامها. وشكل الْأَمر عَليّ وأشكل. وشجاني الْأَمر وأشجاني. وصل اللَّحْم وأصل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 إِذا تغير. وصفقت الْبَاب وأصفقته. وضاء الْقَمَر وأضاء. وطشت السَّمَاء وأطشت. وعرشت الْكَرم وأعرشته: إِذا جعلت لَهُ عَرِيشًا. وعصفت الرّيح وأعصفت: إِذا اشْتَدَّ هبوبها. وعتم اللَّيْل وأعتم. وغل الرجل فِي الْغَنِيمَة وأغل. وغمدت السَّيْف وأغمدته. وغبس اللَّيْل وأغبس. وغبش وأغبش. وغسق وأغسق. وغطش وأغطش. وغامت السَّمَاء وأغامت. وفتيت الرجل وأفتيته. وَقلت الرجل البيع وأقلته. متع الله بك وأمتع بك. ومطرت السَّمَاء وأمطرت. ومح الثَّوْب وأمح: إِذا خلق. ومرأني الطَّعَام وأمرأني. ومهرت الْمَرْأَة وأمهرتها ومكر الرجل وأمكر. ومذى وأمذى. وَمنى وأمنى. ومحضته الود وأمحضته. ونكرت الشَّيْء وأنكرته. ونويت الصَّوْم وأنويته. ووفيت بالعهد وأوفيت. ووتدت الوتد وأوتدته. وهديت الْمَرْأَة إِلَى زَوجهَا وأهديتها. وَقَوله: أسرينا ليلتنا: يَعْنِي بعد خُرُوجهمْ من الْغَار. وَقَوله: حَتَّى قَامَ قَائِم الظهيرة: يُرِيد بِهِ ظُهُور الْحر واشتداده. وَمعنى رفعت لنا صَخْرَة: بَانَتْ وَظَهَرت. وَقَوله: وَأَنا أنفض مَا حولك: يُرِيد أنظر: هَل أرى عدوا. والنفضة: قوم يبعثون فِي الأَرْض ينظرُونَ هَل بهَا خوف أَو عَدو، وَكَذَلِكَ النفيضة. وَالْعرب تَقول: " إِذا تَكَلَّمت لَيْلًا فاخفض، وَإِذا تَكَلَّمت نَهَارا فانفض " أَي الْتفت، هَل ترى من تكره. وَقَوله لِلرَّاعِي: لمن أَنْت؟ فَقَالَ: لرجل من أهل الْمَدِينَة. وَرُبمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 ظن ظان أَن المُرَاد بِالْمَدِينَةِ دَار الْهِجْرَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، إِنَّمَا أَرَادَ بهَا مَكَّة، وكل بلد يُسمى مَدِينَة. وَفِي اشتقاق الْمَدِينَة قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا من الدّين، وَالدّين: الطَّاعَة، فسميت بِمَدِينَة لِأَنَّهَا تقوم فِيهَا الطَّاعَة وَالشَّهَادَة. وَالثَّانِي: أَنَّهَا من دنت الْقَوْم: أَي ملكتهم، فسميت مَدِينَة لِأَن أَهلهَا دينوا: أَي ملكوا. يُقَال: دَان فلَان بني فلَان: أَي ملكهم، قَالَ النَّابِغَة: (بعثت على الْمَدِينَة خير رَاع ... فَأَنت إمامها وَالنَّاس دين) وَيُقَال للْأمة مَدِينَة، لِأَنَّهَا مَمْلُوكَة. قَالَ الأخطل: (ربت وَربا فِي حجرها ابْن مَدِينَة ... يظل على مسحاته يتركل) يُرِيد: ابْن أمة فَإِن قَالَ قَائِل: لم صرفت الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة، وَهَذَا الِاسْم إِذا أطلق أُرِيد بِهِ دَار الْهِجْرَة؟ فَالْجَوَاب: أَن الْقَوْم إِنَّمَا سَارُوا يَوْمًا وَلَيْلَة، ثمَّ لقوا الرَّاعِي، وَقد علم أَن راعي الْمَدِينَة لَا يرْعَى بِقرب مَكَّة لبعد الْمسَافَة. وَفِي بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 أَلْفَاظ الحَدِيث فَقلت: لمن أَنْت يَا غُلَام؟ فَقَالَ: لرجل من قُرَيْش. ثمَّ قد روينَاهُ من حَدِيث لوين عَن حديج بن مُعَاوِيَة عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء، فَقَالَ فِيهِ: فَقلت: لمن أَنْت؟ فَسمى رجلا من أهل مَكَّة. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ لم يتورع الرَّسُول وَلَا أَبُو بكر من شرب ذَلِك اللَّبن، وَقد حلبه لَهما مَمْلُوك لَا يدرى: هَل أذن لَهُ سَيّده فِي مثل ذَلِك أم لَا؟ فَالْجَوَاب: أَنه لَا يَخْلُو الْحَال من أحد خَمْسَة أَشْيَاء: الأول: أَن يكون الْأَمر مَحْمُولا على الْعَادة، وَالْعَادَة جَارِيَة من الْعَرَب بقرى الضَّيْف، وَأَن الموَالِي لَا يمْنَعُونَ المماليك من ذَلِك. وَالثَّانِي: أَن قَوْله: أفتحلب لي؟ يشبه أَن يكون مَعْنَاهُ: هَل أذن لَك فِي ذَلِك؟ . وَالثَّالِث: أَنه قد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث أَحْمد فِي مُسْنده فَقَالَ فِيهِ: فَقلت: لمن أَنْت يَا غُلَام؟ فَقَالَ: لرجل من قُرَيْش، فَسَماهُ، فعرفته. فَيجوز أَن يكون لذَلِك الرجل قرَابَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو لأبي بكر، أَو صديقا لَا يبخل. وَالرَّابِع: أَن الجائع والعطشان إِذا مر بِغنم لَا يملكهَا جَازَ لَهُ أَن يَأْخُذ قدر حَاجته. هَذَا مَذْهَب أَصْحَابنَا، وَالْحسن، وَالزهْرِيّ. قَالُوا: وَكَذَلِكَ إِذا مر بالثمار الْمُعَلقَة وَلَا حَائِط عَلَيْهَا جَازَ لَهُ الْأكل من غير ضَمَان، سَوَاء اضْطر إِلَيْهَا أَو لم يضْطَر. وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: إِنَّمَا يُبَاح ذَلِك للمحتاج. قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة صَالح: أَرْجُو أَلا يكون بِهِ بَأْس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 إِذا كَانَ مُسَافِرًا. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث أبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا مر أحدكُم بِإِبِل فَأَرَادَ أَن يشرب فليناد: يَا راعي الْإِبِل، فَإِن أَجَابَهُ، وَإِلَّا فليشرب ". وَالْخَامِس: أَن يكون اسْتحلَّ ذَلِك بِموضع كفرهم، وَأَن أَمْوَالهم كالفيء. وَقَوله: فَحلبَ لي كثبة من اللَّبن: وَهِي الْقطعَة، سميت بذلك لاجتماعها، وَكَذَلِكَ الكثبة من التَّمْر. والإداوة كالركوة يحمل فِيهَا المَاء. وَقَوله: أرتوي فِيهَا: أَي أحمل فِيهَا المَاء للري. وَقَوله: فَصَبَبْت على اللَّبن: يُرِيد على الْقدح الَّذِي فِيهِ اللَّبن. وَقد بَين هَذَا فِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث. وَإِنَّمَا صب على الْقدح الَّذِي فِيهِ اللَّبن ليبرد اللَّبن سَرِيعا لشدَّة جوعهم. وَمَا فعله أَبُو بكر من بسط الفروة تَحت رَسُول الله، وَاخْتِيَار الظل لَهُ، وَأمر الرَّاعِي بنفض الضَّرع من الْغُبَار، كُله يُنَبه على اللطف بِالنَّفسِ، وَأَنه يَنْبَغِي أَن يرفق بهَا؛ لِأَن لَهَا حَقًا، خلافًا لجهلة المتزهدين فِي الْحمل على النَّفس. وَكَذَلِكَ حمل الْإِدَاوَة فِي السّفر، خلافًا لجهلة المتوكلة. وَقَوله: فَشرب حَتَّى رضيت: أَي طابت نَفسِي لعلمي بريه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وسراقة هُوَ ابْن مَالك بن جعْشم. فقد نسب هَاهُنَا إِلَى جده. وَسَتَأْتِي قصَّة إِسْلَامه فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَالْجَلد: الأَرْض الغليظة الصلبة. وارتطمت بِمَعْنى غاصت يُقَال: ارتطم الرجل فِي الوحل: إِذا نشب فِيهِ وَلم يكد يتَخَلَّص. وارتطم على الرجل أمره: إِذا سدت عَلَيْهِ مذاهبه. وَقَوله: هَذِه كِنَانَتِي: الكنانة: الْوِعَاء الَّذِي فِيهِ السِّهَام. وَقَوله: فقدمنا الْمَدِينَة لَيْلًا: يَعْنِي وصلنا إِلَيْهَا، إِلَّا أَنهم أَقَامُوا خَارِجا مِنْهَا، ثمَّ دخلُوا نَهَارا، وَهَذَا مُبين فِي حَدِيث عَائِشَة. وَقَوله: فتنازعوا: يَعْنِي قبائل الْأَنْصَار. وَقَوله: " أنزل على بني النجار أخوال عبد الْمطلب " كَانَ هِشَام قد تزوج امْرَأَة من بني النجار، فَولدت عبد الْمطلب، فَلذَلِك كَانُوا أَخْوَاله. أَنبأَنَا عبد الْوَهَّاب بن الْمُبَارك قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن بن عبد الْجَبَّار: أخبرنَا عبد الْبَاقِي بن عبد الْكَرِيم قَالَ: أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن عمر الْخلال قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن يَعْقُوب بن شيبَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 قَالَ: حَدثنِي جدي يَعْقُوب قَالَ: أم عبد الْمطلب سلمى بنت زيد بن خِدَاش بن أُميَّة بن أَسد بن عَاصِم بن غنم بن عدي بن النجار. وَاسم زيد مَنَاة. قَالَ يَعْقُوب: وَحدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن فليح عَن مُوسَى بن عقبَة عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: أم عبد الْمطلب سلمى بنت عَمْرو بن زيد بن عدي بن النجار. 4 - / 4 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: عَن أبي هُرَيْرَة: أَن أَبَا بكر بَعثه فِي الْحجَّة الَّتِي أمره عَلَيْهَا رَسُول الله قبل حجَّة الْوَدَاع فِي رَهْط يُؤذن فِي النَّاس يَوْم النَّحْر: أَن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك، وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان. ثمَّ أرْدف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بعلي بن أبي طَالب، وَأمره أَن يُؤذن ب " بَرَاءَة ". اعْلَم أَن هَذِه الْحجَّة كَانَت فِي سنة تسع من الْهِجْرَة، وَإِنَّمَا أمكن هَذَا لِأَن مَكَّة فتحت فِي سنة ثَمَان، وَقد كَانَ الْمُشْركُونَ يحجون كل سنة، وَقد ظن قوم أَن فِي بَعثه عليا عَلَيْهِ السَّلَام ليقْرَأ " بَرَاءَة " نقضا لأبي بكر، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا أجْرى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَرَب فِي نقض العهود على عَادَتهَا، فَكَانَ لَا يتَوَلَّى ذَلِك على الْقَبِيلَة إِلَّا سيدهم أَو رجل من رهطه دينا، كأخ، أَو عَم، أَو ابْن عَم. وَقد كَانَ للْعَرَب أَن يَقُولُوا: إِذا تَلا عَلَيْهِم نقض العهود من لَيْسَ من رَهْط رَسُول الله: الحديث: 4 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 هَذَا خلاف مَا نعرفه، فأزاح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعلَّة بِمَا فعل، وَمِمَّا يزِيل الْإِشْكَال أَن أَبَا بكر كَانَ الإِمَام فِي تِلْكَ الْحجَّة، فَكَانَ عَليّ يأتم، وَأَبُو بكر الْخَطِيب وَعلي يسمع. وَقَوله: {وَإِن خِفْتُمْ عيلة} [التَّوْبَة: 28] . الْعيلَة: الْفقر وَالْحَاجة، وَإِنَّمَا خَافَ الْمُسلمُونَ الْفقر لِأَن الْمُشْركين كَانُوا يحملون التِّجَارَات إِلَيْهِم ويجيئون بِالطَّعَامِ وَغَيره، فَقيل لَهُم: إِن خِفْتُمْ فقرا بِانْقِطَاع الْمُشْركين فَسَوف يغنيكم الله من فَضله إِن شَاءَ، فأغناهم بالجزية الْمَأْخُوذَة من أهل الْكتاب، كَذَلِك قَالَ قَتَادَة. وَقَالَ مقَاتل: فأغناهم بِأَن جعل أهل نجد وجرش وَصَنْعَاء أَسْلمُوا، فحملوا الطَّعَام إِلَى مَكَّة. فَأَما قَوْله: وَيَوْم الْحَج الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر، فَإِنَّهُ من قَول حميد بن عبد الرَّحْمَن الرَّاوِي عَن أبي هُرَيْرَة. وَقد اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي يَوْم الْحَج الْأَكْبَر على ثَلَاثَة أَقْوَال: فأحدها: أَنه يَوْم عَرَفَة، وَهُوَ مَذْهَب عمر، وَابْن عمر، وَابْن الزبير، وَأبي جُحَيْفَة، وطاووس، وَعَطَاء. وَالثَّانِي: يَوْم النَّحْر، وَهُوَ مَذْهَب أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 أبي أوفى، والمغيرة بن شُعْبَة، وَابْن الْمسيب، وَعِكْرِمَة، وَالشعْبِيّ، وَالزهْرِيّ، وَالنَّخَعِيّ، وَابْن زيد، وَالسُّديّ. وَعَن عَليّ وَابْن عَبَّاس كالقولين. وَالثَّالِث: أَنه أَيَّام الْحَج كلهَا، فَعبر عَن الْأَيَّام بِالْيَوْمِ، كَمَا يُقَال: يَوْم الْجمل، وَيَوْم صفّين، وَهَذَا مَذْهَب سُفْيَان الثَّوْريّ. وَعَن مُجَاهِد كالأقوال الثَّلَاثَة. فَإِن قيل: لم سَمَّاهُ الْأَكْبَر؟ فللعلماء فِي ذَلِك أَرْبَعَة أَقْوَال. أَحدهَا: لِأَنَّهُ يحلق فِيهِ الشّعْر، ويهراق الدَّم، وَيحل فِيهِ الْحَرَام، قَالَه عبد الله بن أبي أوفى. وَالثَّانِي: أَنه اتّفق فِي سنة حج فِيهَا الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، وَوَافَقَ ذَلِك عيد الْيَهُود وَالنَّصَارَى، قَالَه الْحسن. وَالثَّالِث: أَن الْحَج الْأَكْبَر هُوَ الْحَج، فالحج الْأَصْغَر هُوَ الْعمرَة، قَالَه عَطاء وَالشعْبِيّ، وَاخْتَارَهُ ابْن جرير. وَالرَّابِع: أَن الْحَج الْأَكْبَر الْقرَان، والأصغر الْإِفْرَاد. قَالَه مُجَاهِد. وعَلى هَذِه الْأَقْوَال اعْتِرَاض: وَهُوَ أَن يُقَال: إِنَّمَا حج أَبُو بكر فِي ذِي الْقعدَة، وَحج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعده فِي ذِي الْحجَّة، وَقَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 " إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض " فَكيف يكون أَذَان أبي بكر يَوْم عَرَفَة، أَو يَوْم النَّحْر على مَا ذكرْتُمْ؟ وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الْقَوْلَيْنِ قد رويا، وَلَيْسَ أَحدهمَا بِأولى من الآخر، أَعنِي بالقولين: أَن أَبَا بكر نَادَى يَوْم عَرَفَة أَو يَوْم النَّحْر، وَأَنه حج فِي ذِي الْقعدَة. وَالثَّانِي: أَن يكون سمي يَوْم حج أبي بكر يَوْم الْحَج الْأَكْبَر، لأَنهم جَعَلُوهُ مَكَان يَوْم النَّحْر، فَسُمي باسم مَا حل مَحَله. 5 - / 5 - الحَدِيث الْخَامِس: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: لما توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، واستخلف أَبُو بكر، وَكفر من كفر من الْعَرَب، قَالَ عمر لأبي بكر: كَيفَ تقَاتل النَّاس وَقد قَالَ رَسُول الله: " أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَه إِلَّا الله، فَمن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله، عصم مني مَاله وَنَفسه إِلَّا بِحقِّهِ، وحسابه على الله " فَقَالَ أَبُو بكر: وَالله لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة؛ فَإِن الزَّكَاة حق المَال، وَالله لَو مَنَعُونِي عنَاقًا كَانُوا يؤدونها إِلَى رَسُول الله لقاتلتهم على منعهَا. وَفِي لفظ آخر: عقَالًا كَانُوا يؤدونه. فَقَالَ عمر: فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَن شرح الله صدر أبي بكر لِلْقِتَالِ، فَعرفت أَنه الْحق. الحديث: 5 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 قد اعْترض على هَذَا الحَدِيث بعض الرافضة فَقَالَ: لَا يَخْلُو أَن يكون هَؤُلَاءِ كفَّارًا أَو مُسلمين: فَإِن كَانُوا كفَّارًا فَكيف قَالَ: لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة، فَجعل عِلّة قِتَالهمْ ترك الزَّكَاة لَا الْكفْر؟ ثمَّ كَيفَ يشكل قتال الْكفَّار على عمر؟ وَإِن كَانُوا مُسلمين فَكيف اسْتحلَّ قَتلهمْ، وَسبي ذَرَارِيهمْ؟ كَيفَ قَالَ: لَو مَنَعُونِي عنَاقًا - أَو عقَالًا - والعناق والعقال لَا يؤخذان فِي الزَّكَاة؟ ثمَّ كَيفَ يَقُول عمر: رَأَيْت الله قد شرح صدر أبي بكر لِلْقِتَالِ، فَعرفت أَنه الْحق، وَظَاهر هَذَا أَنه وَافقه بِلَا دَلِيل؟ وَالْجَوَاب: أَن أهل الرِّدَّة فِي زمن أبي بكر انقسموا فرْقَتَيْن: ففرقه عَادَتْ إِلَى الْكفْر، وهم المذكورون فِي قَوْله: وَكفر من كفر من الْعَرَب. وَفرْقَة فرقت بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة، فأقرت بِالصَّلَاةِ دون الزَّكَاة، فَهَؤُلَاءِ بغاة، غير أَنهم لم يسموا بذلك لدخولهم فِي فريق الْمُرْتَدين، فأضيف الِاسْم إِلَى الرِّدَّة لكَونهَا أعظم الْأَمريْنِ. وأرخ مبدأ قتال الْبُغَاة بأيام عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، إِذْ كَانُوا فِي زَمَانه منفردين لم يختلطوا بالمشركين. وَإِنَّمَا سميناهم بغاة لقرب الْعَهْد وجهلهم بِأَمْر الشَّرْع، بِخِلَاف مَا لَو سعت الْيَوْم طَائِفَة تجحد الزَّكَاة، فَإِنَّمَا نسميها كَافِرَة لَا باغية؛ لِأَن وجوب الزَّكَاة قد استفاض. وَفِي أَحْوَال أُولَئِكَ الْبُغَاة وَقعت الشُّبْهَة لعمر، فراجع أَبَا بكر تعلقا بِظَاهِر لفظ الرَّسُول قبل أَن يتَأَمَّل الْمَعْنى. فَقَالَ أَبُو بكر: إِن الزَّكَاة حق المَال، يُفَسر لَهُ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِلَّا بِحقِّهِ " فَبَان الدَّلِيل لعمر، فَوَافَقَ لذَلِك لَا بالتقليد، وَهُوَ المُرَاد بقوله: فَمَا هُوَ إِلَّا أَن رَأَيْت الله شرح صدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 أبي بكر لِلْقِتَالِ: أَي فهمه مَا يُوجب عَلَيْهِ أَن يُقَاتل. وَأما مَا جرى على أُولَئِكَ من السَّبي، فَأمر رَأَتْهُ الصَّحَابَة من بَاب الِاجْتِهَاد فِي ذَلِك الْوَقْت، واستولد عَليّ جَارِيَة من سبي بني حنيفَة فَولدت لَهُ مُحَمَّد بن عَليّ. ثمَّ لم ينقرض ذَلِك الْعَهْد حَتَّى تغير اجْتِهَاد الصَّحَابَة فاتفقوا على أَن الْمُرْتَد لَا يسبى. وَأما قَوْله: لَو مَنَعُونِي عنَاقًا: فالعناق: اسْم للْأُنْثَى من الْمعز أول سنة الْوَضع، وَيُقَال للذّكر جدي، وَهَذَا يدل على أَن الزَّكَاة تجب فِي صغَار الْغنم، وَعِنْدنَا أَنَّهَا تجب فِي الصغار إِذا انْفَرَدت وَبَلغت نِصَابا، وَيخرج مِنْهَا، سَوَاء ابْتَدَأَ ملكهَا من أول الْحول، أَو نتجت عَنهُ وَهَلَكت الْأُمَّهَات قبل الْحول. وَهَذَا قَول مَالك، وَالشَّافِعِيّ، وَأبي يُوسُف، وَزفر. إِلَّا أَن مَالِكًا وَزفر يَقُولَانِ: تجب فِي الْكَبِيرَة من جِنْسهَا. وَفِيه ثَانِيَة عَن أَحْمد: لَا تجب الزَّكَاة فِي الصغار إِذا انْفَرَدت، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، وَمُحَمّد، وَدَاوُد. فَأَما قَوْله: لَو مَنَعُونِي عقَالًا. فالعقال: اسْم مُشْتَرك يَقع على الَّذِي يشد بِهِ الْبَعِير، فَإِن أَرَادَ ذَلِك فَهُوَ للْمُبَالَغَة. وَيَقَع العقال على صَدَقَة عَام. قَالَ الْأَصْمَعِي: العقال: زَكَاة عَام، وَأنْشد: (سعى عقَالًا فَلم يتْرك لنا سبدا ... فَكيف لَو قد سعى عَمْرو عِقَالَيْنِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 وَالْمعْنَى: أَخذ عَمْرو صَدَقَة عَام، والسبد: الشّعْر. واللبد: الصُّوف. قَالَ أَبُو عبيد: وَمِنْه حَدِيث ابْن أبي ذُبَاب: أَن عمر أخر الصَّدَقَة عَام الرَّمَادَة، فَلَمَّا أَحْيَا النَّاس بَعَثَنِي فَقَالَ: اعقل عَلَيْهِم عِقَالَيْنِ، فاقسم فيهم عقَالًا وائتني بِالْآخرِ. فَهَذَا يشْهد أَن العقال صَدَقَة عَام. وَقَوله: وحسابهم على الله. أَي فِيمَا يستسرون ويخلون بِهِ، لَا فِيمَا يخلون بِهِ من الْأَحْكَام الظَّاهِرَة. 6 - / 6 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: أَن فَاطِمَة وَالْعَبَّاس أَتَيَا أَبَا بكر يلتمسان ميراثهما من رَسُول الله، وهما حنئيذ يطلبان أرضه من فدك، وسهمه من خَيْبَر، فَقَالَ أَبُو بكر: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا نورث، مَا تركنَا صَدَقَة، إِنَّمَا يَأْكُل آل مُحَمَّد فِي هَذَا المَال " وَإِنِّي لَا أدع أمرا رَأَيْت رَسُول الله يصنعه فِيهِ إِلَّا صَنعته، إِنِّي أخْشَى إِن تركت شَيْئا من أمره أَن أزيغ. فَأَما صدقته بِالْمَدِينَةِ فَدَفعهَا عمر إِلَى عَليّ وعباس، فغلبه عَلَيْهَا عَليّ، وَأما خَيْبَر وفدك فَأَمْسَكَهُمَا عمر وَقَالَ: هما صَدَقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَتَا لحقوقه الَّتِي تعروه ونوائبه، وَأَمرهمَا إِلَى من ولي الْأَمر. اعْلَم أَن الْأَمْوَال الَّتِي أفاءها الله على رَسُوله كفدك، وأموال بني النَّضِير، كَانَ يَأْخُذ مِنْهَا نَفَقَته وَنَفَقَة أَهله، وَيصرف الْبَاقِي فِي مصَالح الْمُسلمين، وَقد قَالَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " لَا تقتسم ورثتي دِينَارا، الحديث: 6 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وَمَا تركت بعد نَفَقَة نسَائِي وَمؤنَة عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَة ". وَكَانَ سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة يَقُول: أَزوَاج رَسُول الله فِي معنى المتعبدات لِأَنَّهُ لَا يجوز لَهُنَّ النِّكَاح أبدا، فجرت عَلَيْهِنَّ النَّفَقَة، وَتركت حجرهن لَهُنَّ يسكنهَا، وَأَرَادَ بمؤنة عَامله من يَلِي بعده، فظنت فَاطِمَة وَالْعَبَّاس أَن ذَلِك مِمَّا يقسم. قَالَ: فَلَمَّا قَالَ أَبُو بكر: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا نورث، مَا تركنَا صَدَقَة " انْقَطع الْكَلَام. ثمَّ اخْتصم عَليّ وَالْعَبَّاس فِيمَا جعل إِلَيْهِمَا من صدقته بِالْمَدِينَةِ، وَهِي أَمْوَال بني النَّضِير، فَإِنَّهَا كَانَت قَرِيبا من الْمَدِينَة. قَالَ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي: وَإِنَّمَا اخْتَصمَا فِي قسمتهَا، وسألا عمر أَن يقسمها بَينهمَا نِصْفَيْنِ ليستبد كل وَاحِد مِنْهُمَا بولايته، فَلم ير عمر أَن يُوقع الْقِسْمَة على الصَّدَقَة، وَلم يطلبا قسمتهَا ليتملكا ذَلِك. وَهَذَا الَّذِي ذكره أَبُو دَاوُد فِي غَايَة الْحسن. وَإِنَّمَا طلبا الْقِسْمَة لِأَنَّهُ كَانَ يشق على كل وَاحِد مِنْهُمَا أَلا يعْمل عملا فِي تِلْكَ الْأَمْوَال حَتَّى يسْتَأْذن صَاحبه. وَمعنى: فغلبه عَلَيْهَا: أَي على الْولَايَة. وَقَوله: إِنِّي أخْشَى أَن أزيغ: أَي أميل عَن الصَّوَاب. وَقَوله: وَأما خَيْبَر وفدك فكانتا لحقوقه الَّتِي تعروه ونوائبه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 وَأَمرهمَا إِلَى من ولي الْأَمر. وَمعنى تعروه: تغشاه وتنتابه. وَمِمَّا عَابَ النَّاس على عُثْمَان أَنه أقطع مَرْوَان بن الحكم فدكا، قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: لَعَلَّه تَأَول قَول رَسُول الله: " إِذا أطْعم الله نَبيا طعمة فَهُوَ للَّذي يقوم من بعده " فَلَمَّا اسْتغنى عُثْمَان عَنْهَا بِمَالِه جعلهَا لأقربائه. وَفِي هَذَا الحَدِيث أَن فَاطِمَة هجرت أَبَا بكر. وَرُبمَا أشكل هَذَا، فَقَالَ قَائِل: أتراها اتهمته فِيمَا روى؟ وَالْجَوَاب: أَنَّهَا خرجت من عِنْده غَضبى؛ لِأَنَّهَا سَمِعت قولا يُخَالف مَا عَلَيْهِ النَّاس من التَّوَارُث، فَكَأَنَّهَا ظنت فِي أبي بكر أَنه شبه عَلَيْهِ فِيمَا روى مِمَّا يُخَالف الْكتاب، وَاتفقَ مَرضهَا وامتد، فَقيل: هجرت أَبَا بكر، وَوَافَقَ ذَلِك امْتنَاع عَليّ من مبايعته ظنا مِنْهُ أَن النّسَب يُؤثر فِي الْولَايَة كَمَا أثر فِي حمله " بَرَاءَة " إِلَى أَن بَان لَهُ الصَّوَاب فَبَايع أَبَا بكر، رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ. فَإِن قيل: إِذا كَانَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام انْقَطع عَن الْبيعَة، وَوَافَقَهُ جَمِيع بني هَاشم، فَكيف يُقَال: إِن بيعَة أبي بكر ثبتَتْ بِالْإِجْمَاع؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الْقَوْم انْقَطَعُوا عَن الْبيعَة وَمَا أنكروها، وَإِذا تكلم بعض الْعلمَاء فِي مَسْأَلَة، وَسكت بَعضهم، لم يقْدَح سكُوت السَّاكِت فِيمَا أجمع عَلَيْهِ المتكلمون؛ لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون السَّاكِت سكت رَاضِيا، أَو لينْظر. وَالثَّانِي: أَنه مَا انقرض ذَلِك الْعَصْر حَتَّى انْعَقَد الْإِجْمَاع، فَبَايعهُ من تقاعد مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وَفِي هَذَا الحَدِيث: وَكَانَ لعَلي وَجه من النَّاس، أَي جاه عِنْدهم. وَفِيه: فضرع إِلَى مصالحة أبي بكر: أَي سَأَلَ الصُّلْح. وَفِي هَذَا الحَدِيث: فَأرْسل عَليّ إِلَى أبي بكر: أَن ائتنا، وَلَا تأتنا مَعَك بِأحد. الَّذِي يظنّ أَنه أَشَارَ بالأحد إِلَى عمر، وَقد كَانَ فِي عمر شدَّة، فَلم يَأْمَن عتابه إِيَّاه فِي التَّخَلُّف. وَقَول عَليّ: وَلَا نفاسة عَلَيْك: النفاسة: الْحَسَد. وَقَوله: قد كُنَّا نرى أَن لنا فِي هَذَا الْأَمر حَقًا: يجوز أَن يُرِيد بِهِ الْولَايَة، وَيجوز أَن يُرِيد بِهِ الْمُشَاورَة. وَقَوله: موعدك العشية: أَرَادَ أَن يبايعه وَالنَّاس يسمعُونَ. وَقد روى أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ عَن أبي عمر الزَّاهِد عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: أول خطْبَة خطبهَا السفاح فِي قَرْيَة يُقَال لَهَا العباسية بالأنبار، فَلَمَّا افْتتح الْكَلَام وَصَارَ إِلَى ذكر الشَّهَادَة من الْخطْبَة قَامَ رجل من آل أبي طَالب فِي عُنُقه مصحف فَقَالَ: أذكرك الله الَّذِي ذكرته إِلَّا أنصفتني من خصمي، وحكمت بيني وَبَينه بِمَا فِي هَذَا الْمُصحف. فَقَالَ لَهُ: وَمن ظالمك؟ فَقَالَ: أَبُو بكر الَّذِي منع فَاطِمَة فدك. فَقَالَ لَهُ: وَهل كَانَ بعده أحد؟ قَالَ: نعم. قَالَ: من؟ قَالَ: عمر. قَالَ: فَأَقَامَ على ظلمك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: وَهل كَانَ بعده أحد؟ قَالَ: نعم. قَالَ: من؟ قَالَ: عُثْمَان. قَالَ: فَأَقَامَ على ظلمك؟ قَالَ: نعم. قَالَ وَهل كَانَ بعده أحد؟ قَالَ: نعم. قَالَ: من؟ قَالَ: أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب. قَالَ: وَأقَام على ظلمك. قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 فأسكت الرجل، وَجعل يلْتَفت إِلَى مَا وَرَاءه يطْلب مخلصا. فَقَالَ لَهُ: وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، لَوْلَا أَنه أول مقَام قمته، ثمَّ إِنِّي لم يكن تقدّمت إِلَيْك فِي هَذَا قبل، لأخذت الَّذِي فِيهِ عَيْنَاك، اقعد. وَأَقْبل على الْخطْبَة. 7 - / 7 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: تأيمت حَفْصَة من خُنَيْس بن حذافة. أَي بقيت بِلَا زوج، يُقَال: رجل أيم، وَامْرَأَة أيم: لَا زوج لَهما، وَسَوَاء كَانَت الْمَرْأَة بكرا أَو ثَيِّبًا: كَذَلِك حَكَاهُ الْحَرْبِيّ عَن أبي نصر صَاحب الْأَصْمَعِي. وَقَوله: من خُنَيْس: قد أشكل هَذَا الِاسْم على معمر بن رَاشد فَقَالَ: حُبَيْش بِالْحَاء الْمُهْملَة والشين الْمُعْجَمَة. وَقَالَ: ابْن حُذَيْفَة أَو حذافة. وَالصَّوَاب خُنَيْس بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَبعدهَا نون وياء مُعْجمَة بِاثْنَيْنِ وسين مُهْملَة، ابْن حذافة. وَهَذَا الرجل اسْمه خُنَيْس بن حذافة ابْن قيس بن عدي بن سعد بن سهم، وَهُوَ من أهل بدر، وإسلامه قديم الحديث: 7 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 قبل دُخُول رَسُول الله دَار الأرقم الَّتِي يُقَال لَهَا دَار الخيزران، وَكَانَ قد هَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة، ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة، وَمَات على رَأس خمس وَعشْرين شهرا من الْهِجْرَة، وَدفن بِالبَقِيعِ إِلَى جَانب قبر عُثْمَان بن مَظْعُون، وَهُوَ أَخُو عبد الله بن حذافة الَّذِي قَالَ لرَسُول الله: من أبي؟ فَقَالَ: " أَبوك حذافة ". وَأما حُبَيْش بِالْحَاء الْمُهْملَة وَبعدهَا بَاء فصحابي أَيْضا، يُقَال لَهُ حُبَيْش بن خَالِد. وَفِي الصَّحَابَة وهب بن خنيش بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَبعدهَا نون وياء. وَقَول عمر: فَلَقِيت عُثْمَان فعرضت عَلَيْهِ حَفْصَة، يدل على أَن السَّعْي من الْأَب للأيم فِي التَّزْوِيج، وَاخْتِيَار الأكفأ جَائِز غير مَكْرُوه. وَقَوله: فَلَقِيت أَبَا بكر فعرضتها عَلَيْهِ فَلم يرجع إِلَيّ شَيْئا، فَكنت عَلَيْهِ أوجد مني على عُثْمَان. وَذَلِكَ لشيئين: أَحدهمَا: أَنه كَانَ أقرب إِلَى صداقته ومخالطته من عُثْمَان. وَالثَّانِي: أَن عُثْمَان أفْصح لَهُ بِالرَّدِّ فأراحه، وَأَبُو بكر صمت فَتَركه على الترقب. وَلذَلِك اعتذار أبي بكر عَن الْإِمْسَاك بِأَنَّهُ سمع رَسُول الله يذكرهَا. 8 - / 8 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: ارقبوا مُحَمَّدًا فِي آل بَيته. الْمَعْنى راقبوه وراعوه واحفظوه فيهم، وَذَلِكَ يكون بحبهم وتوقيرهم الحديث: 8 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 ومراعاة حُقُوقهم. قَالَ الزّجاج: وَأهل بَيته الرِّجَال الَّذين هم آله، ونساؤه. 9 - / 9 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: قَالَ زيد بن ثَابت: أرسل أَبُو بكر مقتل أهل الْيَمَامَة ... يَوْم الْيَمَامَة: هُوَ الْيَوْم الَّذِي قتل فِيهِ مُسَيْلمَة الْكذَّاب، وَكَانَ قد ادّعى النُّبُوَّة، وَقَالَ أَنا أُؤْمِن بِمُحَمد، لكني قد اشتركت مَعَه فِي النُّبُوَّة. وَتُوفِّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومسيلمة قد استفحل أمره، ثمَّ إِن الْمُسلمين حَارَبُوهُ، فَقتل مِنْهُم خلق كثير، وقتلوه يَوْمئِذٍ. وَقَوله: إِن الْقَتْل قد استحر. أَي: كثر وَاشْتَدَّ، وَالْمَكْرُوه أبدا يُضَاف إِلَى الْحر، والمحبوب إِلَى الْبرد. وَمِنْه قَوْلهم: " ول حارها من تولى قارها " وَقَول عمر لأبي بكر: إِنِّي أرى أَن تَأمر بِجمع الْقُرْآن - رَأْي حسن لَا يخفى وَجه الصَّوَاب فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إِذا جمع أَمن أَن يُزَاد فِيهِ أَو ينقص. وَقَوله: كَيفَ نَفْعل شَيْئا لم يَفْعَله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ من يُؤثر الِاتِّبَاع، ويخشى الابتداع، وَإِنَّمَا لم يجمعه رَسُول الله لِأَنَّهُ كَانَ بِعرْض أَن ينْسَخ مِنْهُ وَأَن يُزَاد فِيهِ، فَلَو جمعه لكتب، فَكَانَ الَّذِي عِنْده نُقْصَان يُنكر على من عِنْده الزِّيَادَة. فَلَمَّا أَمن هَذَا الْأَمر بِمَوْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمعه أَبُو بكر، وَكَانَ مَكْتُوبًا فِي الرّقاع والعسب، والعسب: سعف النّخل. واللخاف، واحدتها لخفة: وَهِي حِجَارَة بيض رقاق. الحديث: 9 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وَقَوله: وجدت آخر " التَّوْبَة " مَعَ خُزَيْمَة أَو أبي خُزَيْمَة، وَالصَّوَاب خُزَيْمَة من غير شكّ، وَإِنَّمَا بعض الروَاة يشك. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يثبت الْقُرْآن بِخَبَر وَاحِد؟ فَالْجَوَاب: أَن خُزَيْمَة أذكرهم مَا نسوه، وَلِهَذَا قَالَ زيد: وَجدتهَا مَعَ خُزَيْمَة، وَلم يقل: عرفني أَنَّهَا من الْقُرْآن، وَقد صرح زيد بِهَذَا الْمَعْنى فَقَالَ فِي رِوَايَة: فقدت آيَة كنت أسمعها من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} [التَّوْبَة: 128] فالتمستها فَوَجَدتهَا مَعَ خُزَيْمَة ابْن ثَابت. وَزيد من جملَة من حفظ الْقُرْآن قبل موت رَسُول الله، غير أَن الْحَافِظ قد يَسْتَعِين بِغَيْرِهِ، وبالمسطور. وَفِي هَذَا الحَدِيث: قدم حُذَيْفَة على عُثْمَان وَكَانَ يغازي أهل الشَّام فِي فتح أرمينية وأذربيجان، فأفزعه اخْتلَافهمْ فِي الْقِرَاءَة، فَقَالَ لعُثْمَان: أدْرك هَذِه الْأمة قبل أَن يَخْتَلِفُوا فِي الْكتاب اخْتِلَاف الْيَهُود وَالنَّصَارَى. فَأرْسل عُثْمَان إِلَى حَفْصَة: أَن أرسلي إِلَيْنَا بالصحف ننسخها فِي الْمَصَاحِف ثمَّ نردها إِلَيْك، فَلَمَّا نسخهَا أرسل إِلَى كل أفق بمصحف، وَأمر بِمَا سوى ذَلِك من الْقُرْآن أَن يحرق. اعْلَم أَنهم لما نسخوا الْقُرْآن فِي زمن أبي بكر كَانَت تِلْكَ الصُّحُف عِنْده، فَلَمَّا مَاتَ أَخذهَا عمر، فَلَمَّا مَاتَ أَخَذتهَا حَفْصَة. وَكَانَ أَبُو بكر قد جمع الْقُرْآن وَلم يمْنَع من عِنْده مِنْهُ شَيْء من تِلَاوَة مَا عِنْده، وَكَانَ مُرَاد عُثْمَان أَن يجمع النَّاس على مصحف وَاحِد وَيمْنَع من تِلَاوَة غَيره، لِأَنَّهُ قد كَانَ الشَّيْء يُتْلَى ثمَّ ينْسَخ أَو يُزَاد فِيهِ وَينْقص مِنْهُ، حَتَّى اسْتَقر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 الْأَمر على الْعرض الْأَخير الَّذِي عرضه رَسُول الله على جِبْرِيل. وَكَانَ الَّذِي تولى جمعه فِي زمن عُثْمَان زيد بن ثَابت أَيْضا فِي آخَرين. وَقَوله: يغازي أهل الشَّام: أَي يَغْزُو. وإرمينية مَكْسُورَة الْألف. وَفِي قرأة الحَدِيث من يضمها، وَهُوَ غلط. وأذربيجان مَقْصُورَة الْألف مسكنة الذَّال، وهما اسمان أعجميان. كَذَلِك قرأتهما على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ وَفِي قِرَاءَة الحَدِيث من يَقُول آذربيجان بِالْمدِّ، وَهُوَ غلط. وَفِي المبتدئين من يَقُول: أذريبجان بِتَقْدِيم الْيَاء على الْبَاء، وَهُوَ جهل. فَإِن قيل: كَيفَ حرقت الْمَصَاحِف وَهِي معظمة؟ فَالْجَوَاب: أَن ذَلِك لتعظيم الْقُرْآن وصيانته عَن التَّغْيِير، وَرب فَسَاد فِي الظَّاهِر تضمنه صَلَاح. وَبَعض النَّاس يَقُول: خرق الْمَصَاحِف بِالْخَاءِ، وَالصَّوَاب بِالْحَاء، لِأَنَّهُ لَيْسَ كل الْمَكْتُوب كَانَ فِي رق، وَلَا كَانَ لَهُم ورق. وَفِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث: قَالَ زيد: فقدت آيَة من " الْأَحْزَاب " كنت اسْمَع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ بهَا، فالتمسناها فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَة - الَّذِي جعل رَسُول الله شَهَادَته شَهَادَة رجلَيْنِ: {من الْمُؤمنِينَ رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} [الْأَحْزَاب: 23] . وَرُبمَا قَالَ قَائِل هَذَا خلاف مَا تقدم من أَنهم وجدوا مَعَ خُزَيْمَة آخر " التَّوْبَة "، فَأَيّهمَا أصح؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 فَالْجَوَاب: أَن كليهمَا صَحِيح، والآيتان وجدتا مَعَ خُزَيْمَة، فآخر " التَّوْبَة " وجدوها مَعَه. فِي زمن أبي بكر، وَالْآيَة من " الْأَحْزَاب " وجدوها مَعَه فِي زمن عُثْمَان. وَأما جعل شَهَادَته بِشَهَادَة رجلَيْنِ فلسبب أَنبأَنَا بِهِ هبة الله بن مُحَمَّد ابْن الْحصين قَالَ: أخبرنَا الْحسن بن عَليّ التَّمِيمِي قَالَ أخبرنَا أَحْمد بن جَعْفَر بن حمدَان قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان قَالَ: أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: حَدثنِي عمَارَة ابْن خُزَيْمَة الْأنْصَارِيّ أَن عَمه حَدثهُ - وَهُوَ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْتَاعَ فرسا من أَعْرَابِي فاستتبعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليقبضه ثمن فرسه، فأسرع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبْطَأ الْأَعرَابِي، فَطَفِقَ رجال يعترضون الْأَعرَابِي فيساومون بالفرس، لَا يَشْعُرُونَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابتاعه، حَتَّى زَاد بَعضهم الْأَعرَابِي فِي السّوم على ثمن الْفرس الَّذِي ابتاعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَنَادَى الْأَعرَابِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن كنت مبتاعا هَذَا الْفرس فابتعه وَإِلَّا بِعته، فَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين سمع نِدَاء الْأَعرَابِي فَقَالَ: " أَو لَيْسَ قد ابتعته مِنْك؟ " قَالَ الْأَعرَابِي: لَا، وَالله مَا بِعْتُك. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " بلَى، قد ابتعته مِنْك " فَطَفِقَ النَّاس يلوذون بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والأعرابي وهما يتراجعان، فَطَفِقَ الْأَعرَابِي يَقُول: هَلُمَّ شَهِيدا يشْهد أَنِّي قد بَايَعْتُك. فَمن جَاءَ من الْمُسلمين قَالَ للأعرابي: وَيلك، إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن ليقول إِلَّا حَقًا، حَتَّى جَاءَ خُزَيْمَة، فاستمع لمراجعة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 ومراجعة الْأَعرَابِي، فَطَفِقَ الْأَعرَابِي يَقُول: هَلُمَّ شَهِيدا يشْهد أَنِّي قد بَايَعْتُك. فَقَالَ خُزَيْمَة: أَنا أشهد أَنَّك قد بايعته. فَأقبل النَّبِي على خُزَيْمَة فَقَالَ: " بِمَ تشهد؟ " فَقَالَ: بتصديقك يَا رَسُول الله. فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَهَادَة خُزَيْمَة شَهَادَة رجلَيْنِ. وَأما أَخُو خُزَيْمَة الَّذِي روى هَذَا الحَدِيث فَلم يذكر اسْمه، وَقد كَانَ لَهُ أَخَوان: وحوح، وَعبد الله. وَوجه هَذَا الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا حكم على الْأَعرَابِي بِعِلْمِهِ، وَجَرت شَهَادَة خُزَيْمَة مجْرى التوكيد لقَوْله. 10 - / 10 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عَن أنس: أَن أَبَا بكر كتب لَهُ حِين وَجهه إِلَى الْبَحْرين: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة الَّتِي فَرضهَا رَسُول الله على الْمُسلمين وَالَّتِي أَمر بهَا رَسُوله. وَمعنى الْفَرْض هَاهُنَا: بَيَان التَّقْدِير، كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَو تفرضوا لَهُنَّ فَرِيضَة} [الْبَقَرَة: 236] أَي تقدروا مبلغ كميتها. فَأَما بنت مَخَاض: فَهِيَ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا حول وَدخلت فِي السّنة الثَّانِيَة، وحملت أمهَا فَصَارَت من الْمَخَاض: وَهن الْحَوَامِل. وَأما بنت اللَّبُون: فَهِيَ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا حولان وَدخلت فِي الثَّالِث، الحديث: 10 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 فَصَارَت أمهَا لبونا بِوَضْع الْحمل. فَإِن قيل: مَا معنى قَوْله: بنت لبنون أُنْثَى، وَابْن لبون ذكر وَهُوَ مَعْلُوم؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون ذَلِك توكيدا للتعريف وَزِيَادَة فِي الْبَيَان، كَقَوْلِه تَعَالَى: {تِلْكَ عشرَة كَامِلَة} [الْبَقَرَة: 196] . وَالثَّانِي: أَن يكون تَنْبِيها لرب المَال ليطيب نفسا بِالزِّيَادَةِ الْمَأْخُوذَة مِنْهُ، وللمصدق ليعلم أَن سنّ الذُّكُورَة مَقْبُول من رب المَال فِي هَذِه الْمَوَاضِع، وَهُوَ أَمر نَادِر يخرج عَن الْعرف فِي بَاب الصَّدقَات. وَأما الحقة: فَهِيَ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا ثَلَاث سِنِين وَدخلت فِي الرَّابِعَة، فَاسْتحقَّ عَلَيْهَا الْحمل والضراب. وَقَوله: طروقة الْجمل: هِيَ الَّتِي طرقها الْفَحْل، أَو بلغت أَن يطرقها. وَهِي فعولة بِمَعْنى مفعولة، كالحلوبة. وَأما الْجَذعَة من الْإِبِل فَهِيَ الَّتِي لَهَا أَربع سِنِين وَقد دخلت فِي الْخَامِسَة. وَقَوله: فَإِذا زَادَت على عشْرين وَمِائَة فَفِي كل أَرْبَعِينَ ابْنة لبون. فِيهِ دَلِيل على أَن الْفَرِيضَة لَا تسْتَأْنف بعد الْعشْرين وَالْمِائَة، وَهَذَا قَول الشَّافِعِي وَأحمد، خلافًا لأبي حنيفَة فِي قَوْله: إِذا زَادَت على عشْرين وَمِائَة استؤنفت الْفَرِيضَة، فَفِي خمس شَاة، وَفِي عشر شَاتَان. وَقَوله: فِي صَدَقَة الْغنم فِي سائمتها. قد دلّ على التَّقْيِيد بالسوم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 على أَنه لَا يجب الزَّكَاة فِي العوامل والمعلوفة، وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، خلافًا لمَالِك. وَقَوله: لَا يجمع بَين متفرق، وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع خشيَة الصَّدَقَة. قَالَ الشَّافِعِي: الخشية خشيتان: خشيَة السَّاعِي أَن تقل الصَّدَقَة، وخشية رب المَال أَن تكْثر الصَّدَقَة. فَأمر كل وَاحِد مِنْهُمَا أَلا يحدث فِي المَال شَيْئا من الْجمع والتفريق. وَشرح هَذَا أَن يكون لِرجلَيْنِ ثَمَانُون شَاة، لكل وَاحِد مِنْهُمَا أَرْبَعُونَ، فَيجْمَعُونَ بَينهمَا عِنْد مَجِيء السَّاعِي ليَأْخُذ شَاة. أَو يكون لرجل وَاحِد أَرْبَعُونَ، فيفرقها فِي موضِعين لتسقط الصَّدَقَة. وَقَوله: وَمَا كَانَ من خليطين فَإِنَّهُمَا يتراجعان بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ. وَهَذَا إِذا أَخذ الْمُصدق من نصيب أَحدهمَا شَاة فَإِنَّهُ يرجع بِقِيمَة نصفهَا على خليطه. وَقد اخْتلف الْعلمَاء: هَل للخلطة تَأْثِير فِي إِيجَاب الزَّكَاة؟ فعندنا لَهَا تَأْثِير، وَأَنَّهَا تجْعَل الْمَالَيْنِ كَالْمَالِ الْوَاحِد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تَأْثِير لَهَا. والْحَدِيث صَرِيح فِي الْحجَّة عَلَيْهِ. وَقَوله: لَا يخرج فِي الصَّدَقَة هرمة: وَهِي الْكَبِيرَة. وَلَا ذَات عوار، قَالَ لنا أَبُو مُحَمَّد بن الخشاب: الْعين مَفْتُوحَة فِي العوار: وَهُوَ الْعَيْب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وَقَوله: وَلَا تَيْس: وَهُوَ فَحل الْغنم، وَإِنَّمَا لم يُؤْخَذ لنقصه ورداءة لَحْمه. وَقَوله: إِلَّا أَن يَشَاء الْمُصدق: يَعْنِي السَّاعِي؛ لِأَن لَهُ ولَايَة النّظر وَيَده كيد الْفُقَرَاء، إِذْ هُوَ وكيلهم، وَلِهَذَا يَأْخُذ أجرته من مَالهم. وَكَانَ أَبُو عبيد يرويهِ: الْمُصدق، بِفَتْح الدَّال، يُرِيد صَاحب الْمَاشِيَة. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: وَقد خَالفه الروَاة على ذَلِك وَرَوَوْهُ بِكَسْر الدَّال. وَالْمَقْصُود بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ أَن حق الْفُقَرَاء فِي وسط المَال لَا فِي خِيَاره وَلَا فِي رذالته، فَأَما إِذا كَانَ من النّصاب كُله معيبا، فَإِن السَّاعِي يَأْخُذ من عرضه. وَقَوله: وَفِي الرقة ربع الْعشْر. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الرقة: الْفضة، دَرَاهِم كَانَت أَو غَيرهَا. وَقَوله: وَمن بلغت عِنْده من الْإِبِل صَدَقَة الْجَذعَة وَلَيْسَت عِنْده وَعِنْده حَقه، فَإِنَّهُ يقبل مِنْهُ الحقة وَيجْعَل مَعَه شَاتين إِن استيسرتا لَهُ، أَو عشْرين درهما. فِيهِ من الْفِقْه أَن كل وَاحِد من الشاتين أَو الدَّرَاهِم أصل فِي نَفسه وَلَيْسَ بِبَدَل، لِأَنَّهُ خير بَينهمَا بِحرف " أَو "، فَعلم أَن ذَلِك لَا يجْرِي مجْرى تَعْدِيل الْقيمَة، لاخْتِلَاف ذَلِك فِي الْأَزْمِنَة والأمكنة، وَإِنَّمَا هُوَ تعويض شَرْعِي، كالغرة فِي الْجَنِين، والصاع فِي الْمُصراة. والسر فِي هَذَا التَّقْوِيم الشَّرْعِيّ أَن الصَّدَقَة كَانَت تُؤْخَذ فِي البراري وعَلى الْمِيَاه حَيْثُ لَا يُوجد سوق وَلَا مقوم يرجع إِلَيْهِ، فَحسن فِي الشَّرْع أَن يقدر شَيْئا يقطع التشاجر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وَفِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث: أَن عُثْمَان جلس على بِئْر أريس، فَسقط فِيهَا خَاتمه، فَنُزِحَتْ فَلم يُوجد. بِئْر أريس بِالْمَدِينَةِ، والنزح: الِاسْتِقْصَاء فِي إِخْرَاج مَا فِي الْبِئْر من مَاء. 11 - / 11 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: خرج أَبُو بكر يمشي وَمَعَهُ عَليّ، فَرَأى الْحسن يلْعَب، فَحَمله على عَاتِقه وَقَالَ: " بِأبي، شَبيه بِالنَّبِيِّ، لَيْسَ شَبِيها بعلي " وَعلي يضْحك. هَذَا الْكَلَام من جنس الرجز الَّذِي كَانَت الْعَرَب ترقص بِهِ أَوْلَادهَا. والترقيص للصَّغِير بالرجز وَنَحْوه من الْكَلَام الْمُرَتّب أسْرع لإيقاظ فطنته، وَقد كَانَت أم الْأَحْنَف ترقصه فَتَقول: (وَالله لَوْلَا حنف بِرجلِهِ ... ) (ودقة فِي سَاقه من هزله ... ) (مَا كَانَ فِي فتيانكم من مثله ... ) وَكَانَ الْحسن شَدِيد الشّبَه برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ أنس: لم يكن فيهم أحد أشبه بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحسن. وَمِمَّنْ كَانَ يشبه برَسُول الله جَعْفَر بن أبي طَالب، وَقثم بن الْعَبَّاس، وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث، والسائب بن عُبَيْدَة، وَكَانَ من التَّابِعين رجل يُقَال لَهُ كابس بن ربيعَة السَّامِي، من بني سامة بن لؤَي، كَانَ يُشبههُ، فَبعث إِلَيْهِ مُعَاوِيَة فَقبل الحديث: 11 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 بَين عَيْنَيْهِ، وأقطعه قطيعة، وَكَانَ أنس بن مَالك إِذا رَآهُ بَكَى. 12 - / 12 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: لما اسْتخْلف أَبُو بكر قَالَ: لقد علم قومِي أَن حرفتي لم تكن تعجز عَن مُؤنَة أَهلِي، وشغلت بِأَمْر الْمُسلمين، فيأكل آل أبي بكر من هَذَا المَال، ويحترف للْمُسلمين فِيهِ. الاحتراف: الِاكْتِسَاب، وَكَانَ أَبُو بكر تَاجِرًا، فَلَمَّا ولي الْخلَافَة رام التِّجَارَة، فَقَالَ الصَّحَابَة: افرضوا لخليفة رَسُول الله مَا يعنيه. قَالُوا: نعم، برْدَاهُ إِذا أخلقهما وضعهما وَأخذ مثلهمَا، وظهره إِذا سَافر، وَنَفَقَته على أَهله كَمَا كَانَ ينْفق قبل أَن يسْتَخْلف، فَقَالَ أَبُو بكر: رضيت. أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْبَزَّاز قَالَ: أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْجَوْهَرِي قَالَ: أَخْبرنِي ابْن حيويه قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْحسن بن مَعْرُوف قَالَ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن الْفَهم قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سعد قَالَ: أخبرنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم قَالَ: حَدثنَا هِشَام الدستوَائي قَالَ: حَدثنَا عَطاء بن السَّائِب قَالَ: لما اسْتخْلف أَبُو بكر أصبح غاديا إِلَى السُّوق وعَلى رقبته أَثوَاب يتجر بهَا، فَلَقِيَهُ عمر بن الْخطاب وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح، فَقَالَا لَهُ: أَيْن تُرِيدُ يَا خَليفَة رَسُول الله؟ قَالَ: السُّوق، قَالَا: تصنع مَاذَا، قد وليت أَمر الْمُسلمين؟ قَالَ: فَمن أَيْن أطْعم عيالي؟ قَالَا لَهُ: انْطلق حَتَّى نفرض لَك شَيْئا. فَانْطَلق مَعَهُمَا، ففرضوا لَهُ كل يَوْم شطر شَاة، وماكسوه فِي الرَّأْس والبطن. الحديث: 12 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 13 - / 13 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: كَانَ لأبي بكر غُلَام يخرج لَهُ الْخراج، فجَاء يَوْمًا بِشَيْء فَأكل مِنْهُ أَبُو بكر. فَقَالَ: كنت تكهنت لإِنْسَان فِي الْجَاهِلِيَّة، فَهَذَا الَّذِي أكلت مِنْهُ. فَأدْخل أَبُو بكر يَده، فقاء كل شَيْء فِي بَطْنه. الْخراج: الضريبة الَّتِي يتَّفق العَبْد مَعَ سَيّده على إخْرَاجهَا لَهُ وأدائها إِلَيْهِ فِي كل يَوْم أَو كل شهر. والتكهن: تعَاطِي علم الْغَيْب. وَأَبُو بكر أول من قاء من الشُّبُهَات تحرجا. 14 - / 14 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: أقبل أَبُو بكر من مَسْكَنه بالسنح، فَدخل على عَائِشَة فَبَصر برَسُول الله مسجى بِبُرْدَةٍ، فكشف عَن وَجهه، وأكب عَلَيْهِ فَقبله، ثمَّ بَكَى وَقَالَ: بِأبي أَنْت وَأمي، لَا يجمع الله عَلَيْك موتتين. السنح: نَاحيَة من نواحي الْمَدِينَة. والمسجى: المغطى. وأكب على الشَّيْء: مَال عَلَيْهِ يلْزمه. وَكَانَ النَّاس قد شكوا فِي موت رَسُول الله، وَكَانَ عمر يَقُول: لم يمت، حَتَّى جَاءَ أَبُو بكر ثمَّ خرج إِلَى الْمَسْجِد فَقَالَ: من كَانَ يعبد مُحَمَّدًا فَإِن مُحَمَّدًا قد مَاتَ، وَمن كَانَ يعبد الله فَإِن الله حَيّ لَا يَمُوت. الحديث: 13 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 15 - / 15 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: لم يكن أَبُو بكر يَحْنَث فِي يَمِين حَتَّى أنزل الله كَفَّارَة الْيَمين. إِنَّمَا كَانَ يتْرك الْحِنْث لموْضِع التَّعْظِيم، فَلَمَّا نزلت كَفَّارَة الْيَمين، ثمَّ سمع النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول: " من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليكفر " صَار يفعل ذَلِك. 16 - / 16 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: دخل أَبُو بكر على امْرَأَة من أحمس، فرآها لَا تَتَكَلَّم، فَقَالَ: مَالهَا؟ قَالُوا: حجت مصمتة، فَقَالَ لَهَا: تكلمي؛ فَإِن هَذَا لَا يحل، فَقَالَت: مَا بقاؤنا على الْأَمر الصَّالح الَّذِي جَاءَ الله بِهِ بعد الْجَاهِلِيَّة؟ فَقَالَ: مَا استقامت بكم أئمتكم. المصمت: السَّاكِت، يُقَال: صمت وأصمت: إِذا سكت. وَهَذِه كَانَت عَادَة لَهُم فِي الْجَاهِلِيَّة يتعبدون بهَا. وأرادت بِالْأَمر الصَّالح دين الْإِسْلَام. وَمعنى قَوْله: مَا استقامت بكم أئمتكم: يَعْنِي أَنَّهَا إِذا حادت ملتم عَن الصَّوَاب. 17 - / 17 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: جَاءَ وَفد بزاخة من أَسد وغَطَفَان إِلَى أبي بكر يسْأَلُون الصُّلْح، فَخَيرهمْ بَين الْحَرْب المجلية وَالسّلم المخزية. فَقَالُوا: هَذِه المجلية قد عرفناها، فَمَا المخزية؟ قَالَ: الحديث: 15 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 ننزع مِنْكُم الْحلقَة والكراع، ونغنم مَا أصبْنَا مِنْكُم، وتردون علينا مَا أصبْتُم منا، وتدون لنا قَتْلَانَا، وَتَكون قَتْلَاكُمْ فِي النَّار، وتتركون أَقْوَامًا يتبعُون أَذْنَاب الْإِبِل حَتَّى يري الله خَليفَة رَسُول الله والمهاجرين أمرا يعذرونكم بِهِ. فَقَالَ عمر: نعم مَا قلت، إِلَّا أَن قَتْلَانَا قتلت على أَمر الله، أجورها على الله، لَيْسَ لَهَا ديات. فتتابع الْقَوْم على مَا قَالَ عمر. أما الْحَرْب المجلية فَهِيَ المخرجة عَن المَال والوطن. وَالسّلم: الصُّلْح، وَيُقَال بِكَسْر السِّين وَفتحهَا، وتذكر وتؤنث. المخزية: المقرة على الذل وَالصغَار. وأصل الخزي الهوان. قَالَ الزّجاج: المخزي فِي اللُّغَة: المذل المحقور بِأَمْر قد لزمَه وبحجة. يُقَال: أخزيت فلَانا: أَي ألزمته حجَّة أذللته بهَا. وَالْحَلقَة بِسُكُون اللَّام حَلقَة الْحَدِيد، وَالْمرَاد بهَا السِّلَاح، وَقيل: هِيَ الدروع خَاصَّة. والكراع: اسْم لجَمِيع أَنْوَاع الْخَيل. وتدون قَتْلَانَا: أَي تؤدون دياتهم. وَقَوله: يتبعُون أَذْنَاب الْإِبِل: كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى نفيهم. وَأما قَول عمر: لَيْسَ لقتلانا ديات، فغاية فِي الْحسن؛ لِأَنَّهُ لم يرض أَن يكون عرض الدُّنْيَا عوضا لنفوس الشُّهَدَاء الَّتِي ثومنت بِالْجنَّةِ، فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة} [التَّوْبَة: 111] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وَفِيمَا انْفَرد بِهِ مُسلم من هَذَا الْمسند 18 - / 18 - قَالَ أَبُو بكر لعمر بعد وَفَاة رَسُول الله: انْطلق بِنَا إِلَى أم أَيمن نزورها كَمَا كَانَ رَسُول الله يزورها. أم أَيمن اسْمهَا بركَة، وَهِي مولاة رَسُول الله وحاضنته، ورثهَا من أَبِيه وأعتقها حِين تزوج خَدِيجَة، فَتَزَوجهَا عبيد بن زيد، فَولدت لَهُ أَيمن، ثمَّ تزَوجهَا بعد النُّبُوَّة زيد بن حَارِثَة، فَولدت لَهُ أُسَامَة. وَكَانَت حِين هَاجَرت قد أَصَابَهَا عَطش فِي الطَّرِيق، فدلي عَلَيْهَا من السَّمَاء دلو برشا أَبيض، فَشَرِبت حَتَّى رويت، فَكَانَت تَقول: مَا أصابني عَطش بعد ذَلِك. وَقد تعرضت للعطش بِالصَّوْمِ فِي الهواجر فَمَا عطشت. وَحَضَرت أم أَيمن أحدا، فَكَانَت تَسْقِي المَاء، وتداوي الْجَرْحى. وَشهِدت خَيْبَر، وَتوفيت فِي خلَافَة عُثْمَان، وروت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة أَحَادِيث، إِلَّا أَنه لم يخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ شَيْء، فَلذَلِك ذكرت أَخْبَارهَا هَاهُنَا. الحديث: 18 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 كشف الْمُشكل من مُسْند أبي حَفْص عمر بن الْخطاب أسلم فِي سنة سِتّ من النُّبُوَّة، وَقيل: فِي سنة خمس. قَالَ هِلَال ابْن يسَاف: أسلم بعد أَرْبَعِينَ رجلا وَإِحْدَى عشرَة امْرَأَة. وَقَالَ اللَّيْث: أسلم بعد ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ رجلا. وَيُقَال: إِنَّه أتم الْأَرْبَعين، فَنزل جِبْرِيل فَقَالَ: " يَا مُحَمَّد، استبشر أهل السَّمَاء بِإِسْلَام عمر " وَسمي الْفَارُوق؛ لِأَن الْإِسْلَام ظهر يَوْم أسلم. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسمِائَة وَسَبْعَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أحد وَثَمَانُونَ. 19 - / 19 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: بَينا عمر يخْطب دخل عُثْمَان بن عَفَّان، فناداه عمر: أَيَّة سَاعَة هَذِه؟ قَالَ: إِنِّي شغلت الْيَوْم، فَلم أنقلب إِلَى أَهلِي حَتَّى سَمِعت التأذين، فَلم أَزْد على أَن تَوَضَّأت. فَقَالَ عمر: وَالْوُضُوء أَيْضا، وَقد علمت أَن رَسُول الله كَانَ يَأْمر بِالْغسْلِ! . قَوْله: أَيَّة سَاعَة هَذِه؟ لَيْسَ مُرَاده استعلام الْوَقْت، لِأَنَّهُ مَا خطب حَتَّى عرف الْوَقْت، وَإِنَّمَا هُوَ إِنْكَار على عُثْمَان، كَأَنَّهُ يَقُول: كَيفَ الحديث: 19 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 تَأَخَّرت إِلَى هَذِه السَّاعَة، وَكَذَلِكَ قَوْله: وَالْوُضُوء أَيْضا؟ أَي كَيفَ اقتصرت على الْوضُوء دون الْغسْل. وَأَرَادَ مِنْهُ اسْتِعْمَال الْفَضَائِل. وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه: أَن غسل الْجُمُعَة لَيْسَ بِوَاجِب؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ وَاجِبا لما تَركه عُثْمَان، ولأمره بِهِ عمر، فَلَمَّا سكت عَن أمره بذلك بِمحضر الصَّحَابَة دلّ على أَنه مسنون. وَفِيه أَن للْإِمَام أَن يتَكَلَّم فِي الْخطْبَة. 20 - / 20 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كَانَ رَسُول الله يعطيني الْعَطاء فَأَقُول: أعْطه من هُوَ أفقر إِلَيْهِ مني. فَقَالَ: " خُذْهُ، وَمَا جَاءَك من هَذَا المَال وَأَنت غير مشرف لَهُ وَلَا سَائل فَخذه، ومالا فَلَا تتبعه نَفسك ". المشرف والمستشرف على الشَّيْء: المتطلع إِلَيْهِ الطامع فِيهِ، وَمَتى طمعت النَّفس فِي شَيْء فَحصل لَهَا عَادَتْ فاستعملت آلَات الْفِكر فِي الطمع، فَإِذا وَقع عِنْدهَا الْيَأْس من ذَلِك بالعزم على التّرْك، رَأَتْ أَن الاستشراف لَا يفيدها صرفت الْفِكر إِلَى غير ذَلِك، وَإِذا جَاءَ الشَّيْء لَا عَن استشراف قل فِيهِ نصيب الْهوى، وتمحض تعلق الْقلب بالمسبب. وَقَالَ عَليّ بن عقيل: معنى الحَدِيث: مَا جَاءَ بمسألتك فَإنَّك اكْتسبت فِيهِ الطّلب وَالسُّؤَال، وَلَعَلَّ الْمَسْئُول استحيا أَو خَافَ ردك فأعطاك مصانعة، وَلَا خير فِي مَال خرج لَا عَن طيب نفس، وَمَا استشرفت إِلَيْهِ نَفسك فقد انتظرته وارتقبته، فلنفسك فِيهِ نوع استدعاء، وَمَا جَاءَ من غير ذَلِك فَإِنَّمَا كَانَ المزعج فِيهِ للقلوب نَحْوك، والمستسعي للإقدام الحديث: 20 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 إِلَيْك الْخَالِق سُبْحَانَهُ، فَمَتَى رَددته رددت فِي الْحَقِيقَة على الْمُعْطِي، لِأَن الْمُعْطِي هُوَ الَّذِي أهاج نَحْوك الْقُلُوب. وحنن عَلَيْك النُّفُوس. فَلَمَّا كَانَ هُوَ الَّذِي تولى سوقه إِلَيْك كَانَ ردك لَهُ ردا عَلَيْهِ. وَقَوله: أَمر لي بعمالة. العمالة: أجر الْعَامِل. وَقد اشْتَمَل هَذَا الحَدِيث على ثَلَاث فَوَائِد: أَحدهَا: أَنه من نوى وَجه الله بِعَمَل وَلم يرد ثَوابًا عَاجلا فأثيب، جَازَ لَهُ أَن يَأْخُذ، وَلم يُؤثر أَخذه فِي قَصده الصافي. وَمثل هَذَا أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سقى لبنتي شُعَيْب [عَلَيْهِ السَّلَام] لله تَعَالَى، فَلَمَّا قَالَت لَهُ إِحْدَاهمَا: {إِن أبي يَدْعُوك ليجزيك} لم يمْتَنع، لِأَنَّهُ مَا عمل ليجازى فَجعل ذكر الْجَزَاء لَغوا. وَالثَّانيَِة: تَعْلِيم الجري على اخْتِيَار الْحق عز وَجل، فَإِذا بعث شَيْئا قبل، وَإِذا منع رَضِي بِالْمَنْعِ. وَالثَّالِثَة: أَن مثل هَذَا المستغنى عَنهُ الْآخِذ جعله مَالا، لقَوْله: " فتموله " وَهَذَا يدل على فضل الْغَنِيّ على الْفَقِير، أَو يتَصَدَّق بِهِ فَيكون الثَّوَاب لَهُ، وَلَو لم يَأْخُذهُ فَاتَهُ ذَلِك الْأجر. وَرُبمَا تعلق بِهَذَا الحَدِيث جهال المتزهدين فِي قعودهم على الْفتُوح. وَلَا حجَّة لَهُم فِي ذَلِك؛ لِأَن قعُود أحدهم فِي رِبَاط مَعْرُوف تهيؤ للقبول، وَمد كف الطّلب، فَهُوَ كمن يفتح حانوتا يقْصد، ثمَّ كَونه يَنْوِي الْقبُول لما يزِيد على استشراف النَّفس؛ لِأَن الاستشراف تطلع مَا، وَهَذَا عازم على الْقبُول قطعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 ثمَّ لابد من النّظر فِي حَال الْآخِذ والمأخوذ مِنْهُ، فَإِن كَانَ الْمَأْخُوذ زَكَاة أَو صَدَقَة والآخذ يَسْتَحِقهَا جَازَ لَهُ، وَإِن كَانَ غير مُسْتَحقّ، مثل أَن يكون قَادِرًا على الْكسْب، أَو عِنْده مَا يَكْفِيهِ، فقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ، وَلَا لذِي مرّة سوي ". وَإِن كَانَ هَدِيَّة نظر الْآخِذ فِي حَال نَفسه: هَل يخَاف أَن يكون قبُوله إِيَّاهَا سَببا لمداهنة الْمَأْخُوذ مِنْهُ، أَو لتَعلق قلبه بِهِ، واستشراف نَفسه طَمَعا فِي تكْرَار الْعَطاء أَو لمنته عَلَيْهِ، أَو كَسبه غير طيب. فَمن خَافَ شَيْئا من هَذِه الْأَشْيَاء لم يقبل، وَقد كَانَ السّلف ينظرُونَ فِي هَذِه الدقائق، فيقل قبولهم للعطايا، ثمَّ جَاءَ أَقوام يدعونَ التزهد، وَإِنَّمَا مُرَادهم الرَّاحَة وإيثار البطالة، وَلَا يبالون أخذُوا من ظَالِم أَو مكاس. وَيُمكن أَن تكون الْإِشَارَة بقوله: " وَمَا جَاءَك من هَذَا المَال " إِلَى بَيت المَال الَّذِي للْمُسلمِ فِيهِ حق، فَيُؤْمَر بِالْأَخْذِ مِنْهُ بِخِلَاف غَيره، وَيكون الاستشراف الْمَكْرُوه إِلَى مَا يزِيد على حق الْمُسلم فِيهِ. 21 - / 21 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " إِن الله يَنْهَاكُم أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ " فَقَالَ عمر: فو الله مَا حَلَفت بهَا مُنْذُ سَمِعت رَسُول الله ينْهَى عَنْهَا ذَاكِرًا وَلَا آثرا. كَانَ من عَادَة الْعَرَب أَن يحلفوا بآبائهم. وَالْحلف بالشَّيْء تَعْظِيم لَهُ، فَنهى رَسُول الله عَن تَعْظِيم غير الله بالقسم بِهِ. الحديث: 21 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لَيْسَ قَوْله ذَاكِرًا من الذّكر بعد النسْيَان، إِنَّمَا أَرَادَ: متكلما بذلك، كَقَوْلِك ذكرت لفُلَان حَدِيث كَذَا. وَقَوله: وَلَا آثرا: يُرِيد مخبرا عَن غَيْرِي أَنه حلف بِهِ. وَمِنْه: حَدِيث مأثور: أَي يخبر بِهِ النَّاس بَعضهم بَعْضًا. فَإِن قيل: فقد روى أَبُو دَاوُد فِي " سنَنه " من حَدِيث طَلْحَة بن عبيد الله أَن أَعْرَابِيًا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ عَمَّا افْترض الله عَلَيْهِ، فَلَمَّا أخبرهُ قَالَ: وَالله لَا أَزِيد على هَذَا وَلَا أنقص، فَقَالَ رَسُول الله: " أَفْلح وَأَبِيهِ إِن صدق. دخل الْجنَّة وَأَبِيهِ إِن صدق ". فَكيف ينْهَى عَن شَيْء يَسْتَعْمِلهُ؟ فَالْجَوَاب من أَرْبَعَة أوجه: أَحدهَا: أَنه لَيْسَ فِي الْأَلْفَاظ المخرجة فِي الصَّحِيح، وَالصَّحِيح مقدم. وَالثَّانِي: أَن أَكثر الروَاة يروون بِالْمَعْنَى على مَا يَظُنُّونَهُ، فَيحمل على أَنه من قَول بَعضهم. وَالثَّالِث: أَنه يحمل على مَا قبل النَّهْي؛ لِأَن قَوْله: " إِن الله يَنْهَاكُم " يشْعر بإتيان وَحي فِي ذَلِك. وَالرَّابِع: أَن يكون هَذَا مِمَّا جرى على لِسَانه على سَبِيل الْعَادة، وَلم يقْصد بِهِ قصد الْقَوْم، لأَنهم كَانُوا يعظمون الْآبَاء ويفتخرون بهم، وَكَانُوا إِذا اجْتَمعُوا بِالْمَوْسِمِ ذكرُوا فعال آبَائِهِم وأيامهم فِي الْجَاهِلِيَّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 فافتخروا بذلك، فَنزل قَوْله تَعَالَى: {فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم أَو أَشد ذكرا} [الْبَقَرَة: 200] 22 - / 22 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: قَالَ ابْن عمر: دخلت على حَفْصَة ونوساتها تنظف، فَقَالَت: أعلمت أَن أَبَاك غير مستخلف؟ قلت: مَا كَانَ ليفعل. قَالَت: إِنَّه فَاعل ... فَذكر الحَدِيث. وَفِيه أَن عمر قَالَ: وددت أَن حظي مِنْهَا الكفاف لَا لي وَلَا عَليّ. فَقَالُوا: جَزَاك الله خيرا، رَاغِب وراهب. النوسات: مَا تحرّك من شعر أَو حلي متدليا. والنوس: تحرّك الشَّيْء متذبذبا. يُقَال: نَاس ينوس نوسا ونوسانا. وَكَانَ ملك يُقَال لَهُ ذُو نواس، سمي بذلك لذؤابة كَانَت تنوس على ظَهره. وَيُقَال: نطف الشّعْر وَغَيره ينطُف وينطِف: إِذا قطر. وَلَيْلَة نطوف: دائمة الْقطر. وَكَأَنَّهُ دخل عَلَيْهَا وَقد اغْتَسَلت. وَلما علم عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسْتَخْلف، وَأَن أَبَا بكر اسْتخْلف، أَرَادَ الْجمع بَين الْحَالَتَيْنِ، فنص على سِتَّة وَلم يعين أحدا مِنْهُم. والكفاف: مَا لَا يقصر عَن المُرَاد وَلَا يفضل عَن الْحَاجة، وَأَصله الْمُسَاوَاة لما جعل بإزائه، فَكَأَنَّهُ يَقُول: لَيْتَني أسلم ولايتي لَا أكتسب أجرا وَلَا أحتقب وزرا. وَقَوله: رَاغِب وراهب: مَعْنَاهُ: إِنِّي أَرْجُو وأخاف. 23 - / 23 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي كنت الحديث: 22 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 نذرت فِي الْجَاهِلِيَّة أَن أعتكف لَيْلَة - وَفِي لفظ: يَوْمًا - فِي الْمَسْجِد الْحَرَام. قَالَ: " فأوف بِنَذْرِك ". الِاعْتِكَاف: الْإِقَامَة واللبث. وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن الِاعْتِكَاف يَصح بِلَا صَوْم، وَيصِح فِي اللَّيْل وَحده، وَهَذَا قَول أَحْمد وَالشَّافِعِيّ. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: أَنه لَا يَصح، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، وَمَالك. فَإِن قَالَ قَائِل: نذر الْكَافِر مطرح، فَكيف أثبت لَهُ الرَّسُول حكما؟ فَالْجَوَاب: أَن أَصْحَابنَا اخْتلفُوا فِي هَذَا، فَمنهمْ من منع وَقَالَ: مَتى كَانَ نذر الْكَافِر على وفَاق حكم الْإِسْلَام فَهُوَ صَحِيح. وَمِنْهُم من تَأَول فَقَالَ: معنى قَوْله: فِي الْجَاهِلِيَّة، أَي وَنحن بِمَكَّة قبل فتحهَا وَأَهْلهَا جَاهِلِيَّة، فعلى هَذَا لَا يكون ناذرا فِي الْكفْر. ثمَّ إِن عندنَا وَعند الشَّافِعِي أَن يَمِين الْكَافِر صَحِيحَة، وَإِذا حنث وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة، خلافًا لأبي حنيفَة. قَالَ الْخطابِيّ: إِذا جَازَ إِيلَاء الْكَافِر وَأخذ بِحكمِهِ فِي الْإِسْلَام جَازَت يَمِينه وظهاره. وَقد روى هَذَا الحَدِيث ابْن عمر فَقَالَ فِيهِ: إِنِّي نذرت أَن أعتكف. قَالَ: " اذْهَبْ فاعتكف " فعلى هَذَا اللَّفْظ إِنَّمَا أمره بالاعتكاف، لَا على أَن النّذر لَازم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 24 - / 24 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " الْمَيِّت يعذب فِي قَبره بِمَا نيح عَلَيْهِ " وَفِي لفظ: " مَا نيح عَلَيْهِ " وَفِي لفظ: " ببكاء الْحَيّ عَلَيْهِ ". وَفِي لفظ: أَن عمر قَالَ ذَلِك لما عولت حَفْصَة وصهيب عَلَيْهِ. أما قَوْله: بِمَ نيح عَلَيْهِ: فَمَعْنَاه. بالنياحة عَلَيْهِ. وَقَوله: مَا نيح عَلَيْهِ أَي مُدَّة النِّيَاحَة. وعولت بِمَعْنى أعولت. وَقَالَت الْخطابِيّ: عول لَيْسَ بجيد، وَإِنَّمَا الصَّوَاب أعول. فَإِن قيل: كَيفَ يعذب الْمَيِّت بِفعل غَيره وَقد قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} [الْأَنْعَام: 164] ؟ ثمَّ إِن الْإِنْسَان لَا يملك رد الْبكاء، وَقد بَكَى رَسُول الله على وَلَده، وَقَالَ: " إِن الْعين لتدمع "، فَإِذا جَازَ الْبكاء فِي حق الباكي وَمَا يُؤَاخذ بِهِ، فَكيف يُؤَاخذ بِهِ غَيره؟ فَالْجَوَاب: أما الْبكاء فِي قَوْله: " يعذب ببكاء الْحَيّ " فَلَيْسَ المُرَاد بِهِ دمع الْعين فَحسب، وَإِنَّمَا المُرَاد بِهِ الْبكاء الَّذِي يتبعهُ النّدب والنياحة، فَإِذا اجْتمع ذَلِك سمي بكاء؛ لِأَن النّدب على الْمَيِّت كالبكاء عَلَيْهِ، وَهَذَا مَعْرُوف فِي اللُّغَة، سَمِعت شَيخنَا أَبَا مَنْصُور اللّغَوِيّ يَقُول: يُقَال للبكاء إِذا تبعه الصَّوْت وَالنَّدْب بكاء، وَلَا يُقَال للنَّدْب إِذا خلا عَن بكاء بكاء. فَيكون المُرَاد بِالْحَدِيثِ الْبكاء الَّذِي يتبعهُ النّدب، لَا مُجَرّد الدمع، وَلَا إِشْكَال فِي مُؤَاخذَة الْحَيّ بالندب والنياحة؛ لِأَنَّهُ أَمر مَنْهِيّ عَنهُ، وَإِنَّمَا الْإِشْكَال فِي مُؤَاخذَة الْمَيِّت بذلك. وَجَوَاب هَذَا الْإِشْكَال من خَمْسَة أوجه: الحديث: 24 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 أَحدهَا: أَن حَدِيث عمر مُجمل، وَقد فسرته عَائِشَة، فجَاء فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيثهَا: أَنه ذكر لَهَا حَدِيث ابْن عمر: " إِن الْمَيِّت ليعذب ببكاء الْحَيّ " فَقَالَت: يغْفر الله لأبي عبد الرَّحْمَن، أما إِنَّه لم يكذب، وَلكنه نسي أَو أَخطَأ، إِنَّمَا مر رَسُول الله على يَهُودِيَّة يبكى عَلَيْهَا فَقَالَ " إِنَّه ليبكى عَلَيْهَا، وَإِنَّهَا لتعذب فِي قبرها ". وَفِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: إِنَّمَا قَالَ رَسُول الله: " إِن أهل الْمَيِّت يَبْكُونَ عَلَيْهِ، وَإنَّهُ ليعذب بجرمه " فعلى هَذَا يكون التعذيب لَا لأجل النوح وَيكون الرَّاوِي: " بِمَا نيح عَلَيْهِ " غالطا فِي اللَّفْظ. وَقد كَانَت عَائِشَة تحفظ أَشْيَاء ترد بهَا على جمَاعَة من الصَّحَابَة، فيرجعون إِلَى قَوْلهَا. وَمن ذَلِك مَا سَيَأْتِي فِي مُسْند ابْن عمر: أَنه سُئِلَ: هَل اعْتَمر رَسُول الله فِي رَجَب؟ فَقَالَ نعم. فَقَالَت عَائِشَة: مَا اعْتَمر قطّ فِي رَجَب، وَابْن عمر يسمع، فَلم يُنكر مَا قَالَت، وَمَا ذَاك إِلَّا أَنه علم أَنه غلط، فَرجع إِلَى قَوْلهَا. وَهَذَا الْجَواب لَا أعْتَمد عَلَيْهِ لثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا أَن مَا روته عَائِشَة حَدِيث وَهَذَا حَدِيث، وَلَا تنَاقض بَينهمَا، بل لكل وَاحِد مِنْهُمَا حكمه. وَالثَّانِي: أَنَّهَا أنْكرت برأيها وَقَالَت بظنها، وَقَول الرَّسُول إِذا صَحَّ لَا يلْتَفت مَعَه إِلَى رَأْي، وَلَيْسَ هَذَا بِأَعْجَب من إنكارها الرُّؤْيَة لَيْلَة الْمِعْرَاج، وَإِنَّمَا يرجع إِلَى الروَاة المثبتين. وَالثَّالِث: أَن مَا ذكرته لم يحفظ إِلَّا عَنْهَا، وَذَلِكَ الحَدِيث مَحْفُوظ عَن عمر، وَابْن عمر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 والمغيرة، وهم أولى بالضبط مِنْهَا. وَالْوَجْه الثَّانِي: أَنه مَحْمُول على من أوصى بذلك، وَهَذَا مَشْهُور من عادات الْعَرَب: أَنهم كَانُوا يوصون بالندب والنياحة، كَمَا قَالَ عبد الْمطلب لبنَاته عِنْد وَفَاته: ابكينني وَأَنا أسمع، فبكته كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ بِشعر، فَلَمَّا سمع أُمَيْمَة وَقد أمسك لِسَانه، جعل يُحَرك رَأسه: أَي قد صدقت، وَقد كنت كَذَلِك. وَكَانَ الَّذِي قَالَت: (أعيني جودا يدمع دُرَر ... على طيب الخيم والمعتصر) (على ماجد الْجد وارى الزِّنَاد ... جميل الْمحيا عَظِيم الْخطر) (على شيبَة الْحَمد ذِي المكرمات ... وَذي الْمجد والعز والمفتخر) (وَذي الْحلم وَالْفضل فِي النائبات ... كَبِير المكارم جم الْفَخر) (لَهُ فضل مجد على قومه ... مُبين يلوح كضوء الْقَمَر) (أَتَتْهُ المنايا فَلم تشوه ... بِصَرْف اللَّيَالِي وريب الْقدر) وَقَالَ لبيد يُخَاطب ابْنَتَيْهِ: (فقوما فقولا بِالَّذِي قد علمتما ... وَلَا تخمشا وَجها وَلَا تحلقا الشّعْر) (وقولا: هُوَ الْمَرْء الَّذِي لَا صديقه ... أضاع، وَلَا خَان الْأَمِير وَلَا غدر) (إِلَى الْحول ثمَّ اسْم السَّلَام عَلَيْكُمَا ... وَمن يبك حولا كَامِلا فقد اعتذر) وَقَالَ آخر: (إِذا مت فانعيني بِمَا أَنا أَهله ... وشقي عَليّ الجيب يَا ابْنة معبد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وَهَذَا كثير فِي أشعارهم. وعَلى هَذَا يلْزم الْمَيِّت الْعقُوبَة، لِأَنَّهُ أوصى بذلك وَأمر بِهِ. وَالْوَجْه الثَّالِث: أَن " الْبَاء " فِي قَوْله: ببكاء أَهله بِمَعْنى " عِنْد "، كَقَوْلِه تَعَالَى: {والمستغفرين بالأسحار} [آل عمرَان: 17] وَالْمعْنَى أَنه يعذب عِنْد وَقت النِّيَاحَة، وغالب النِّيَاحَة يَقع عِنْد قرب الْعَهْد، ومعظم عَذَاب المعذب فِي الْقَبْر يكون عِنْد نزُول اللَّحْد، ثمَّ يَدُوم مِنْهُ مَا يَدُوم، فَيكون الْعَذَاب وَاقعا حَال النوح لَا بِسَبَب النوح. حَكَاهُ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ عَن بعض أهل الْعلم. وَالْوَجْه الرَّابِع: أَن النوح يتَضَمَّن الثَّنَاء على الْمَيِّت بفضائله، وَكَانَ الْغَالِب على فَضَائِل الْجَاهِلِيَّة أَنهم يسْتَحقُّونَ التعذيب بهَا، فَإِنَّهُ قل أَن يرؤس مِنْهُم إِلَّا متجبر، وَكَانُوا يُغير بَعضهم على بعض، فَيصير لَهُم الْأَمْوَال من ذَلِك. فَإِذا قَالَت النائحة: يَا رئيساه، وَيَا جبلاه، عذب لكَونه رَأس بِغَيْر حق، وَعلا على وَجه التجبر، فيعذب بِمَا يمدح بِهِ، ويضاف الْعَذَاب إِلَى النوح لِأَنَّهُ السَّبَب فِي ظُهُور الْعَذَاب. وَنَحْو هَذَا قَوْله: {ذُقْ إِنَّك أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم} [الدُّخان: 49] فَهَذَا مِمَّا يوبخ بِهِ أَبُو جهل فِي النَّار، لِأَنَّهُ عز بِغَيْر حق. وَرُبمَا وَقع تَعْذِيب الْمُسلم بقوله النائحة: واعضداه، من جِهَة أَنه كَانَ يظنّ أَنه عضد لأَهله فِي بَاب الرزق، وَأَنه ركنهم فِي النَّصْر، كَمَا قَالَ بَعضهم عِنْد الْمَوْت لأَهله: (إِلَى من ترجعون إِذا حثوتم ... بِأَيْدِيكُمْ عَليّ من التُّرَاب) وَيُؤَيّد هَذَا مَا أخبرنَا بِهِ هبة الله بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنَا الْحسن بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 عَليّ قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر بن مَالك قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَامر قَالَ: حَدثنَا زُهَيْر عَن أسيد بن أبي أسيد عَن مُوسَى بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " الْمَيِّت يعذب ببكاء الْحَيّ، إِذا قَالَت النائحة: واعضداه، واناصراه، واكاسياه، جبذ الْمَيِّت وَقيل لَهُ: أَنْت عضدها؟ أَنْت كاسيها؟ " وَسَيَأْتِي فِي مُسْند النُّعْمَان بن بشير قَالَ: أُغمي على عبد الله بن رَوَاحَة فَجعلت أُخْته عمْرَة تبْكي: واجبلاه، واكذا، واكذا، فَقَالَ حِين أَفَاق: مَا قلت شَيْئا إِلَّا قيل لي: أَنْت كَذَلِك؟ فَلَمَّا مَاتَ لم تبك عَلَيْهِ. فعلى هَذَا الْوَجْه إِذا كَانَ الْمَيِّت كَافِرًا أَو عَاصِيا عذب، وَكَانَ النوح سَببا فِي تعذيبه بذنوبه، وَإِن كَانَ صَالحا أخبر بِمَا تَقول النائحة فيزيده ذَلِك ألما، لِأَنَّهُ يَرْجُو الاسْتِغْفَار، فَإِذا بلغه مَا يكرههُ كَانَ غمه عذَابا؛ لعلمه أَن الله تَعَالَى يكره ذَلِك. وَقد أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي قَالَ: أخبرنَا الْجَوْهَرِي قَالَ: أخبرنَا ابْن حيويه قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن مَعْرُوف قَالَ: أخبرنَا الْحُسَيْن ابْن الْفَهم قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سعد قَالَ: أخبرنَا عُثْمَان بن عمر قَالَ: أخبرنَا يُونُس بن يزِيد عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: لما توفّي أَبُو بكر أَقَامَت عَائِشَة النوح، فَبلغ عمر، فجَاء فنهاهن عَن النوح على أبي بكر، فأبين أَن ينتهين، فَقَالَ لهشام بن الْوَلِيد: اخْرُج إِلَى ابْنة أبي قُحَافَة، فعلاها بِالدرةِ ضربات، فَتفرق النوائح حِين سمعن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 ذَلِك، وَقَالَ: تردن أَن يعذب أَبُو بكر ببكائكن، إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن الْمَيِّت يعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ ". قلت: ابْنة أبي قُحَافَة هِيَ أم فَرْوَة أُخْت أبي بكر، فَلَمَّا لم يُمكنهُ أَن يكلم عَائِشَة هَيْبَة لَهَا واحتراما، أدب هَذِه. وَالْوَجْه الْخَامِس: أَنه يعذب بذنوبه، وَيذكر لَهُ النوح توبيخا، فَكَأَنَّهُ يُقَال لَهُ: أَيهَا الْمُسِيء الْمُسْتَحق للتعذيب، أمثلك ينْدب عَلَيْهِ؟ فَكلما ذكر لَهُ مَا نيح بِهِ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِك عذَابا، وَرب توبيخ زَاد على التعذيب. 25 - / 25 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: قَالَ عمر على مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نزل تَحْرِيم الْخمر، وَهِي من خَمْسَة: من الْعِنَب، وَالتَّمْر، وَالْعَسَل، وَالْحِنْطَة، وَالشعِير. وَالْخمر مَا خامر الْعقل. إِنَّمَا ذكر عمر هَذِه الْخَمْسَة لِأَن الْغَالِب عمل الْخمر مِنْهَا، وَقد تعْمل من غَيرهَا، وَقد اتّفق عُلَمَاء الْإِسْلَام على أَن الْخمر اسْم لعصير الْعِنَب المشتد الَّذِي يحصل بِهِ السكر، وَاخْتلفُوا فِي المشتد من غَيره مثل نَقِيع التَّمْر وَالزَّبِيب وَالْحِنْطَة وَنَحْو ذَلِك، فَذهب الْجُمْهُور مِنْهُم مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل إِلَى أَنه يَقع عَلَيْهِ اسْم الْخمر، ويشارك الْمُتَّفق عَلَيْهِ فِي التَّحْرِيم، وَخَالف فِي ذَلِك أَبُو حنيفَة. وَقَول عمر: الْخمر مَا خامر الْعقل، دَلِيل على مَا قُلْنَا. فَأَما تَسْمِيَة الْخمر خمرًا، فَذكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم الْأَنْبَارِي فِي ذَلِك الحديث: 25 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنَّهَا سميت خمرًا لِأَنَّهَا تخامر الْعقل: أَي تخالطه. وَالثَّانِي: لِأَنَّهَا تخمر الْعقل: أَي تستره، من قَوْلهم: خمرت الْمَرْأَة رَأسهَا بخمار: أَي غطته. وَالثَّالِث: لِأَنَّهَا تخمر: أَي تغطى لِئَلَّا يَقع فِيهَا شَيْء. وَجَمِيع الأنبذة قد سَاوَى عصير الْعِنَب فِي هَذَا الْمَعْنى فشملها اسْمه، وَهَذَا مَبْنِيّ على مَسْأَلَة أصولية وَهِي: هَل يجوز إِثْبَات الْأَسْمَاء بِالْقِيَاسِ أم لَا؟ فَعِنْدَ جُمْهُور الْعلمَاء يجوز ذَلِك، فيسمى النَّبِيذ خمرًا قِيَاسا على الْخمر، والنباش سَارِقا قِيَاسا على السَّارِق، واللوطي زَانيا قِيَاسا على الزَّانِي. وَيدل على هَذَا قَول عمر: الْخمر مَا خامر الْعقل. وَذهب الحنفيون وَجُمْهُور الْمُتَكَلِّمين إِلَى الْمَنْع من ذَلِك، وَقَالُوا: قد نراهم يسمون الزّجاج الَّذِي تقر فِيهِ الْمَائِعَات قَارُورَة، وَلَا يسمون الْكوز قَارُورَة، فَبَان بذلك أَن الْأَسْمَاء تثبت توقيفا. وَأجَاب الْأَولونَ فَقَالُوا: الْأَسْمَاء على ضَرْبَيْنِ: أَعْلَام، وَهِي الألقاب الْمَحْضَة الَّتِي يقْصد مِنْهَا تَعْرِيف الْأَعْيَان وتفريق مَا بَين الذوات لَا لِمَعْنى وَلَا لإِثْبَات صفة، كَقَوْلِنَا: زيد وَعمر، فَهَذَا من الِاصْطِلَاح وَالِاخْتِيَار، وَلَا مدْخل للْقِيَاس فِي ذَلِك. وَالثَّانِي: اسْم مُقَيّد بِصفة وضع لأَجلهَا، كَقَوْلِنَا: قَاتل؛ فَإِنَّهُ سمي بذلك لوُجُود الْقَتْل مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْخمر لمَكَان مخامرتها لِلْعَقْلِ. على أَن الصَّحَابَة الَّذين سموا هَذِه الْأَشْيَاء أفْصح الْعَرَب. وَأما تَسْمِيَة القارورة خَاصَّة فَإِنَّهُم خالفوا بَين الْأَسْمَاء لاخْتِلَاف الْأَنْوَاع، وَذَلِكَ لَا يرفع أصل الْقيَاس فِيمَا بَقِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وَفِي هَذَا الحَدِيث: ثَلَاث وددت أَن رَسُول الله عهد إِلَيْنَا فِيهَا: الْجد، والكلالة، وأبواب من الرِّبَا. أما ذكر الْجد فلموضع الِاخْتِلَاف فِيهِ، فَأحب عمر أَن ينص الرَّسُول على شَيْء يسْتَغْنى بِهِ عَن الِاخْتِلَاف فِي الْجد، وَفِي أَبْوَاب الرِّبَا. وَأما الْكَلَالَة فَفِيهَا أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنَّهَا مَا دون وَالْوَالِد الْوَلَد. قَالَه أَبُو بكر الصّديق، وَعمر، وَعلي، وَابْن مَسْعُود، وَزيد بن ثَابت، وَابْن عَبَّاس فِي خلق. وَالثَّانِي: أَنه من لَا ولد لَهُ. رُوِيَ عَن عمر أَيْضا، وَهُوَ قَول طَاوس. وَالثَّالِث: أَنه مَا عدا الْوَالِد، قَالَه الحكم. وَالرَّابِع: أَن الْكَلَالَة بَنو الْعم الأباعد، قَالَه ابْن الْأَعرَابِي. وعَلى مَاذَا تقع الْكَلَالَة، فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: على الْحَيّ الْوَارِث. وَالثَّانِي: على الْمَيِّت الْمَوْرُوث. وَفِيمَا أخذت مِنْهُ الْكَلَالَة قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه اسْم مَأْخُوذ من الْإِحَاطَة، وَمِنْه الإكليل لإحاطته بِالرَّأْسِ. وَالثَّانِي من الكلال، كَأَنَّهُ يصل الْمِيرَاث من بعد وإعياء. قَالَ الْأَعْشَى: (فآليت لَا أرثي لَهَا من كَلَالَة ... وَلَا من حفى حَتَّى تزور مُحَمَّدًا) 26 - / 26 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: قَالَ ابْن عَبَّاس: كنت أَقْْرِئ الحديث: 26 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 رجَالًا من الْمُهَاجِرين مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. أما إقراء ابْن عَبَّاس لمثل عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَفِيهِ تَنْبِيه على أَخذ الْعلم من أَهله وَإِن صغرت أسنانهم أَو قلت أقدارهم. وَقد كَانَ حَكِيم ابْن حزَام يقْرَأ على معَاذ بن جبل، فَقيل لَهُ: تقْرَأ على هَذَا الْغُلَام الخزرجي؟ فَقَالَ: إِنَّمَا أهلكنا التكبر. وَفِي الحَدِيث: أَن الْمَوْسِم يجمع الرعاع والغوغاء، فأمهل حَتَّى تقدم الْمَدِينَة فتخلص بِأَهْل الْفِقْه. الرعاع: السفلة، والغوغاء نَحْو ذَلِك، وأصل الغوغاء صغَار الْجَرَاد. وَفِي هَذَا تَنْبِيه على أَلا يودع الْعلم عِنْد غير أَهله، وَلَا يحدث الْقَلِيل الْفَهم بِمَا لَا يحْتَملهُ فهمه، وَمن هَذَا الْمَعْنى قَالَ الشَّافِعِي: (أأنثر درا بَين سارحة النعم ... أأنظم منثورا لراعية الْغنم) (لَئِن سلم الله الْكَرِيم بفضله ... وصادفت أَهلا للعلوم وللحكم) (بثثت مُفِيدا واستفدت ودادهم ... وَإِلَّا فمخزون لدي ومكتتم) (وَمن منح الْجُهَّال علما أضاعه ... وَمن منع المستوجبين فقد ظلم) قَوْله: فقدمنا الْمَدِينَة، وَذَاكَ أَن عمر قبل مشورة ابْن عَبَّاس، فَلم يتَكَلَّم بذلك حَتَّى قدم الْمَدِينَة. وَفِي هَذَا الحَدِيث زِيَادَة لم تذكر فِي الصَّحِيحَيْنِ: قَالَ ابْن عَبَّاس: فعجلت الرواح صَكَّة عمي. قَالَ أَبُو هِلَال العسكري: عمي رجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 غزا قوما فِي قَائِم الظهيرة، فصكهم صَكَّة شَدِيدَة، فَصَارَ مثلا لكل من جَاءَ فِي ذَلِك الْوَقْت، لِأَنَّهُ كَانَ خلاف الْعَادة فِي الْغَارة؛ لِأَن وَقتهَا الْغَدَاة. قَالَ: وَقيل: عمي تَصْغِير أعمى، وَهُوَ تَصْغِير التَّرْخِيم، قَالَ: وَيَعْنِي بِهِ الظبي، وَيُرَاد أَنه يسدر فِي شدَّة الْحر والهواجر، فَكل مَا يستقبله يصكه. قَالَ: وَرُوِيَ: صَكَّة عمى على فعلى، مثل حُبْلَى: وَهُوَ اسْم رجل. وَفِي هَذَا الحَدِيث: أنزل الله آيَة الرَّجْم، فأخشى أَن يَقُول قَائِل: مَا نجد الرَّجْم فِي كتاب الله، فيضلوا. اعْلَم أَن الْمَنْسُوخ من الْقُرْآن على ثَلَاثَة أضْرب. أَحدهَا: مَا نسخ لَفظه وَحكمه. الثَّانِي: مَا نسخ حكمه وبقى لَفظه، وَهُوَ كثير، لأَجله وضعت كتب النَّاسِخ والمنسوخ. وَالثَّالِث: مَا نسخ لَفظه وَبَقِي حكمه، كآية الرَّجْم. فَمَعْنَى قَول عمر: فيضلوا: أَن الْإِجْمَاع انْعَقَد على بَقَاء حكم ذَلِك اللَّفْظ الْمَرْفُوع من آيَة الرَّجْم، وَترك الْإِجْمَاع ضلال. فَإِن قيل: فَمَا فَائِدَة نسخ رسم آيَة الرَّجْم من الْمُصحف مَعَ كَون حكمهَا بَاقِيا، وَلَو كَانَت فِي الْمُصحف لاجتمع الْعَمَل بحكمها وثواب تلاوتها؟ فقد أجَاب عَنهُ ابْن عقيل فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك ليظْهر بِهِ مِقْدَار طَاعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 هَذِه الْأمة فِي المسارعة إِلَى بذل النُّفُوس بطرِيق الظَّن من غير استقصاء لطلب طَرِيق مَقْطُوع بِهِ فيسرعون قنوعا بأسرع شَيْء، كَمَا سارع الْخَلِيل إِلَى ذبح وَلَده بمنام، والمنام أدنى طرق الْوَحْي وأقلها. وَقَوله: أَو كَانَ الْحَبل. قَالَ ابْن جرير: يَعْنِي حَبل المحصنة الَّتِي لَا زوج لَهَا، وَلَا يُنكر الزَّانِي أَنه من زِنَاهُ. وَقَوله: " لَا تطروني " الإطراء: الإفراط فِي الْمَدْح. وَالْمرَاد بِهِ هَاهُنَا الْمَدْح الْبَاطِل. وَالَّذين أطروا عِيسَى ادعوا أَنه ولد الله، تَعَالَى الله عَن ذَلِك، واتخذوه إِلَهًا، وَلذَلِك قَالَ: " وَلَكِن قُولُوا: عبد الله وَرَسُوله ". فَإِن قَالَ قَائِل: وَمَا علمنَا أَن أحدا ادّعى فِي رَسُول الله مَا ادّعى فِي عِيسَى. فَالْجَوَاب أَنهم بالغوا فِي تَعْظِيمه، حَتَّى قَالَ معَاذ بن جبل: يَا رَسُول الله، رَأَيْت رجَالًا بِالْيمن يسْجد بَعضهم لبَعض، أَفلا نسجد لَك؟ فَقَالَ: " لَو كنت آمرا بشرا أَن يسْجد لبشر، لأمرت الْمَرْأَة أَن تسْجد لزَوجهَا " فنهاهم عَمَّا عساه يبلغ بهم الْعِبَادَة. ثمَّ لَيْسَ من شَرط النَّهْي أَن يكون الْمنْهِي عَنهُ قد فعل، وَإِنَّمَا هُوَ منع من أَمر يجوز أَن يَقع. وَقَوله: كَانَت بيعَة أبي بكر فلتة. الفلتة: مَا وَقع عَاجلا من غير تمكث. وَرُبمَا توهم سامع هَذَا الْكَلَام أَن عمر كالنادم على بيعَة أبي بكر، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا استعجل عمر بالبيعة مَخَافَة الْفِتْنَة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وَلَو وَقع توقف لم تؤمن. قَالَ أَبُو عبيد: عوجل ببيعة أبي بكر خوف انتشار الْأَمر، وَأَن يطْمع من لَيْسَ بِموضع لذَلِك، فَكَانَت تِلْكَ الفلتة هِيَ الَّتِي وقى الله بهَا الشَّرّ الْمخوف. وَقَالَ ثَعْلَب: فِي الْكَلَام إِضْمَار؛ تَقْدِيره: كَانَ فلتة من فتْنَة وقى الله شَرها. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: وَحدثنَا أَبُو عمر عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الفلتة: اللَّيْلَة يشك فِيهَا: هَل من رَجَب أَو شعْبَان، وَقد كَانَ الْعَرَب يعظمون الْأَشْهر الْحرم وَلَا يقتتلون فِيهَا، وَإِذا كَانَ آخر لَيْلَة من الْأَشْهر الْحرم فَرُبمَا شكّ فِيهَا قوم: هَل هِيَ من الْحرم أم من الْحَلَال؟ فيبادر الموتور الحنق فِي تِلْكَ اللَّيْلَة، فينتهز الفرصة فِي إِدْرَاك ثَأْره، فيكثر الْفساد فِي تِلْكَ اللَّيْلَة، وَسَفك الدِّمَاء، وَشن الغارات. قَالَ الشَّاعِر يذكر ذَلِك: (سَائل لقيطا وأشياعها ... وَلَا تدعن وسل جعفرا) (غَدَاة الْعرُوبَة من فلتة ... لمن تركُوا الدَّار والمحضرا) فَشبه عمر أَيَّام حَيَاة رَسُول الله وَمَا كَانَ النَّاس عَلَيْهِ من الألفة وَوُقُوع الأمنة بالشهر الْحَرَام الَّذِي لَا قتال فِيهِ. وَكَانَ مَوته شبه الفلتة الَّتِي هِيَ خُرُوج من الْحرم، لما ظهر فِي ذَلِك من الْفساد، فوقى الله شَرها ببيعة أبي بكر. قلت: وَقد روينَا عَن سيف بن عمر عَن مُبشر عَن سَالم بن عبد الله قَالَ: قَالَ عمر: كَانَت بيعَة أبي بكر فلتة. قلت: مَا الفلتة؟ قَالَ: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يتحاجزون فِي الْحرم فَإِذا كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي يشك فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 أدغلوا فَأَغَارُوا، وَكَذَلِكَ كَانَ يَوْم مَاتَ رَسُول الله أدغل النَّاس فِيهِ، من بَين مُدع إِمَارَة، أَو جَاحد زَكَاة، فولا اعْتِرَاض أبي بكر دونهَا لكَانَتْ الفضيحة. وَقَوله: لَيْسَ فِيكُم من تقطع إِلَيْهِ الْأَعْنَاق مثل أبي بكر. وَالْمعْنَى لَيْسَ فِيكُم سَابق إِلَى الْفَضَائِل يقطع أَعْنَاق مسابقيه فَلَا يلحقون لَهُ شأوا مثل أبي بكر. يُقَال للسابق من الْخَيل: تقطعت أَعْنَاق الْخَيل فِي مسابقته فَلم تطقه، وَهَذَا لِأَن المسابق يمد عُنُقه، فَإِذا لم ينل مُرَاده مَعَ تِلْكَ الْمَشَقَّة قيل: تقطعت عُنُقه. وَإِذا كَانَت هَذِه صفة أبي بكر فَلَا وَجه للتردد فِي ولَايَته، وَإِنَّمَا يَقع التَّرَدُّد فِيمَن لَهُ نظراء ليَقَع التخير. وَقَوله: لَقينَا رجلَانِ، وهما عويم بن سَاعِدَة، ومعن بن عدي. وَقَوله تمالأ عَلَيْهِ الْقَوْم: أَي اجْتمع رَأْيهمْ على ذَلِك الشَّيْء. وَقَوله: فَإِذا رجل مزمل بَين ظهرانيهم: المزمل: المغطى المدثر وَبَين ظهرانيهم: أَي فِيمَا بَينهم، يُقَال: نزلت بَين ظهرانيهم وظهريهم، وَلَا يُقَال بِكَسْر النُّون. وَقَوله: يوعك، أصل الوعك: ألم الْمَرَض. يُقَال وعك الرجل: إِذا أَخَذته الْحمى. والكتيبة: الْقطعَة المجتمعة من الْجَيْش. والرهط: الْعِصَابَة دون الْعشْرَة، وَيُقَال: بل إِلَى الْأَرْبَعين. فَإِن قيل: كَيفَ يُقَال هَذَا والمهاجرون خلق كثير؟ فَعَنْهُ جوابان: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 أَحدهمَا: أَنه إِنَّمَا هَاجر إِلَيْهِم الْآحَاد بعد الْآحَاد، حَتَّى اجْتَمعُوا فنظروا إِلَى أَن نصْرَة الرَّسُول بِكَثْرَة جمع الْأَنْصَار وَقعت. وَالثَّانِي: إِن الْإِشَارَة بذلك إِلَى من تكلم بذلك الْأَمر، وَإِنَّمَا ذهب إِلَيْهِم أَبُو بكر وَعمر، وَتكلم فِي ذَلِك عدد يسير. وَقَوْلهمْ دفت دافة: أَي جَاءَت جمَاعَة. والدفيف: سير فِي لين. ويختزلونا: بِمَعْنى يقطعونا عَن مرادنا. وانخزل الرجل: ضعف. وَقَوْلهمْ: يحضنونا عَن الْأَمر: يُقَال: حضنت الرجل عَن الْأَمر حضنا وحضانة: إِذا نحيته عَنهُ وانفردت بِهِ دونه. وأصل الحضن الِانْفِرَاد بتدبير الْمَحْضُون. وَقَوله: زورت فِي نَفسِي مقَالَة: أَي هيأتها لأقولها. قَالَ أَبُو عبيد التزوير: إصْلَاح الْكَلَام وتهيئته قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: المزور من الْكَلَام والمزوق وَاحِد وَهُوَ المصلح المحسن، وَكَذَلِكَ الْخط إِذا قوم. قَوْله: كنت أداري مِنْهُ بعض الْحَد. المداراة: الملاينه، قَالَ الزّجاج: يُقَال داريت الرجل: إِذا لاينته. ودارأته بِالْهَمْز: إِذا دَفعته. ودريته: إِذا اختلته. وَقد سوى أَبُو عبيد بَين داريت ودارأت فِي بَاب مَا يهمز وَمَا لَا يهمز. وَالْحَد: الحدة من الْغَضَب، يُقَال: حد الرجل: إِذا غضب. وَقَوله: على رسلك: أَي على مهلك. قَالَ ابْن السّكيت: الرُّسُل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 بِكَسْر الرَّاء: اللين وَالسير اللين. وَقَالَ الْخطابِيّ: الرُّسُل بِفَتْح الرَّاء: السّير الرفيق اللَّيْل، وبكسرها اللين. والبديهة: مَا قيل من غير تقدم فكر فِيهِ. وَقَوله: لن تعرف الْعَرَب هَذَا الْأَمر إِلَّا لهَذَا الْحَيّ من قُرَيْش. الْأَمر هَاهُنَا بِمَعْنى الْإِمَارَة. والحي أَصله من حَيّ الرجل: وهم رهطه الأدنون. وَأما قُرَيْش فهم ولد النَّضر بن كنَانَة، وَمن لم يلده النَّضر فَلَيْسَ بقرشي. وَقيل: هم ولد فهر بن مَالك بن النَّضر، فَمن لم يلده فَلَيْسَ بقرشي. وَإِنَّمَا سموا قُريْشًا لتجارتهم وجمعهم المَال. والقرش فِي اللُّغَة: الْكسْب، يُقَال: فلَان يقرش لِعِيَالِهِ ويقترش. أَي يكْتَسب. وَسَأَلَ مُعَاوِيَة عبد الله بن الْعَبَّاس: لم سميت قُرَيْش قُريْشًا؟ فَقَالَ: بِدَابَّة تكون فِي الْبَحْر يُقَال لَهَا القريش، لَا تمر بِشَيْء إِلَّا أَكلته، وَأنْشد: (وقريش هِيَ الَّتِي تسكن الْبَحْر ... ، بهَا سميت قُرَيْش قُريْشًا) وَحكى ابْن الْأَنْبَارِي أَن قوما قَالُوا: سموا قُريْشًا بالاقتراش، وَهُوَ وُقُوع الرماح بَعْضهَا على بعض، وَأنْشد: (وَلما دنا الرَّايَات واقتراش القنا ... وطار مَعَ الْقَوْم الْقُلُوب الرواجف) وَقَوله: هم أَوسط الْعَرَب نسبا ودارا. الْأَوْسَط وَالْوسط: الْأَفْضَل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وَهَذَا إِن خير الْأَشْيَاء أوساطها، وَإِن الغلو وَالتَّقْصِير مذمومان. وَالْمرَاد بِالدَّار: الْقَبِيلَة. وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " أَلا أنبئكم بِخَير دور الْأَنْصَار؟ " يَعْنِي الْقَبَائِل. وَإِنَّمَا أضَاف أَبُو بكر أَبَا عُبَيْدَة إِلَى عمر؛ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي أبي عُبَيْدَة: " هُوَ أَمِين هَذِه الْأمة " فَرَأى أَن الأمارة تفْتَقر إِلَى الْأَمَانَة، وَقد وَصفه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهَا. وَقَوله: فَقَالَ قَائِل من الْأَنْصَار: أَنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب. وَأما الْقَائِل فقد رُوِيَ أَن الْقَائِل الْحباب بن الْمُنْذر، وَقيل: هُوَ سعد بن عبَادَة قَالَ أَبُو عبيد: الجذيل تَصْغِير جذل أَو جذل: وَهُوَ عود ينصب لِلْإِبِلِ الجربى لتحتك بِهِ من الجرب، فَأَرَادَ أَنه يستشفى بِرَأْيهِ كَمَا تستشفى الْإِبِل بالاحتكاك بذلك الْعود. وَقَالَ غَيره: بل أَرَادَ: إِنِّي أثبت فِي الشدائد ثُبُوت الْعود الَّذِي يحتك بِهِ الْإِبِل مَعَ كَثْرَة ترددها عَلَيْهِ. والعذيق تَصْغِير عذق بِفَتْح الْعين: وَهُوَ النَّخْلَة. فَأَما العذق بِكَسْر الْعين فَهُوَ الكباسة. وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّخْلَة. والترجيب أَن يدعم النَّخْلَة إِذا كثر حملهَا إِمَّا بخشبة ذَات شعبتين أَو تبني بَيْتا حولهَا؛ شَفَقَة على حملهَا، وحبا لَهَا، وَأَرَادَ: أَنِّي مُعظم فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 النُّفُوس، أصلح للائتمام بِي. واللغط: ارْتِفَاع الْأَصْوَات بِمَا لَا يُفِيد. وَقَوله: منا أَمِير ومنكم أَمِير. رُبمَا ظن ظان بالأنصار أَنهم شكوا فِي تَفْضِيل أبي بكر؛ وَلَيْسَ كَذَلِك، إِنَّمَا جروا فِي هَذَا على عَادَة الْعَرَب: وَهِي أَن لَا يسود الْقَبِيلَة إِلَّا رجل مِنْهَا، وَلم يعلمُوا أَن حكم الْإِسْلَام على خلاف ذَلِك، فَلَمَّا ثَبت عِنْدهم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " الْخلَافَة فِي قُرَيْش " أذعنوا لَهُ وَبَايَعُوهُ. وَقَوله: ونزونا: مَعْنَاهُ وثبنا، وَذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ للازدحام. وَقَوله: قتل الله سَعْدا: إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَن سَعْدا أَرَادَ الْولَايَة وَمَا كَانَ يصلح أَن يتَقَدَّم أَبَا بكر. وَقَالَ الْخطابِيّ: معنى قَوْله: قتل الله سَعْدا: أَي احسبوه فِي عداد من مَاتَ وَهلك، أَي لَا تَعْتَدوا بِحُضُورِهِ، لِأَنَّهُ أَرَادَ أَن يكون أَمِيرا، فَخَالف. وَقَوله: تغرة أَن يقتلا: أَي حذارا، وَهُوَ مَأْخُوذ من التَّغْرِير، كالتعلة من التَّعْلِيل. وَقَالَ أَبُو عبيد: أَرَادَ أَن فِي بيعتهما تغريرا بأنفسهما للْقَتْل، وتعرضا لذَلِك. 27 - / 27 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: قَالَ ابْن عَبَّاس: حججْت مَعَ عمر، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق عدل وَعدلت مَعَه بِالْإِدَاوَةِ فَتبرز. الحديث: 27 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 أما الْإِدَاوَة فَهِيَ من جُلُود، كالركوة، يتَوَضَّأ فِيهَا. وتبرز بِمَعْنى خرج إِلَى البرَاز وَهُوَ الْمَكَان الفسيح لقَضَاء الْحَاجة. وَقَوله: من الْمَرْأَتَانِ اللَّتَان قَالَ الله عز وَجل: {إِن تَتُوبَا إِلَى الله} ؟ [التَّحْرِيم: 4] الْمَعْنى: إِن تَتُوبَا من التعاون على رَسُول الله بالإيذاء {فقد صغت قُلُوبكُمَا} أَي زاغت عَن الْحق وَعدلت. وَإِنَّمَا قَالَ {قُلُوبكُمَا} لِأَن كل اثْنَتَيْنِ فَمَا فَوْقهمَا جمَاعَة. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: الْعَرَب تَقول: وضعا رحالهما، يُرِيدُونَ رحلي راحلتيهما. والمرأتان: عَائِشَة وَحَفْصَة، وتعاونهما أَنَّهُمَا أحبتا مَا كرهه رَسُول الله من اجْتِنَاب جَارِيَته مَارِيَة، وَذَلِكَ أَن حَفْصَة ذهبت يَوْمًا إِلَى بَيت أَبِيهَا، فَأرْسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جَارِيَته مَارِيَة، فظلت عِنْده فِي بَيت حَفْصَة، وَكَانَ الْيَوْم الَّذِي يَأْتِي فِيهِ عَائِشَة، فَرَجَعت حَفْصَة فَوَجَدتهَا فِي بَيتهَا، فَجعلت تنْتَظر خُرُوجهَا، فَلَمَّا دخلت حَفْصَة قَالَت: قد رَأَيْت من كَانَ عنْدك، وَالله لقد سؤتني، فَقَالَ: " وَالله لأرضينك، وَإِنِّي أسر إِلَيْك سرا فاحفظيه: إِنِّي أشهد أَنَّهَا عَليّ حرَام، فَلَا تذكري هَذَا لأحد " فَذَكرته لعَائِشَة، فَمَا زَالَت بِهِ عَائِشَة حَتَّى حلف أَلا يقربهَا فَهَذَا هُوَ السَّبَب فِي هجره إياهن. قَالَ ابْن حبيب الْهَاشِمِي: يُقَال إِنَّه ذبح ذبحا، فقسمته عَائِشَة بَين أَزوَاجه، فَأرْسل إِلَى زَيْنَب بنت جحش نصِيبهَا، فَردته، فَقَالَ: " زيديها "، فزادتها ثَلَاثًا وَهِي ترده. فَقَالَ: " لَا أَدخل عليكن شهرا ". وَقَالَ غَيره: بل كن قد سألنه زِيَادَة فِي النَّفَقَة، وآذينه بالغيرة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 فآلى مِنْهُنَّ شهرا. وَقَوله: فَطَفِقَ نساؤنا - أَي أخذن فِي تعلم ذَلِك. وطفق مثل قَوْلك: أنشأ يَقُول، وَجعل يَقُول. وَأكْثر اللُّغَة على طفق يطفق، وَقد جَاءَ طفق بِفَتْح الْفَاء، يطفق بِكَسْرِهَا. وَقَوله: لَا يغرنك أَن كَانَت جارتك هِيَ أوسم. أَرَادَ بالجاره عَائِشَة، وَإِنَّمَا سَمَّاهَا جَارة لِأَنَّهَا قد شاركتها فِي الزواج. وَأَرَادَ بقوله أوسم: الوسامة: وَهِي الْحسن. وَالْمعْنَى أَن عَائِشَة تدل بحسنها ومحبة الرَّسُول لَهَا، فَلَا تغتري أَنْت. ويوشك بِمَعْنى يقرب. يُقَال: أوشك الْأَمر يُوشك فَهُوَ وشيك: إِذا قرب. والمشربة بِضَم الرَّاء وَفتحهَا، وَجَمعهَا مشارب ومشربات: وَهِي الغرفة. وَقَوله: على رمال حَصِير. الرمال يُقَال بِكَسْر الرَّاء وَضمّهَا، وَمَعْنَاهُ مَا نسج من حَصِير أَو غَيره. قَالَ الزّجاج: يُقَال: رملت الْحَصِير رملا، وأرملته إرمالا: إِذا نسجته، وَمعنى الحَدِيث: أَنه لم يكن فَوق الْحَصِير فرَاش وَلَا غَيره. وَقَوله: استأنس: أَي أَجْلِس وأستقر. والأهبة جمع إهَاب: والإهاب اسْم الْجلد، وَيُقَال فِي جمعه أهب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وَأهب وآهبه، قَالَ النَّضر بن شُمَيْل: إِنَّمَا يُقَال إهَاب لجلد مَا يُؤْكَل لَحْمه. وَقد جَاءَ فِي لفظ آخر: أَنه دخل عَلَيْهِ وَعِنْده أفِيق. والأفيق: الْجلد لم يتم دباغه، وَجمعه أفق. يُقَال: أفِيق وأفق، وأديم وأدم، وعمود وَعمد، وإهاب وَأهب. وَلم يجِئ " فعيل " وَلَا: " فعول " يجمع على " فعل ": إِلَّا هَذِه الأحرف، وَإِنَّمَا يجمع على فعل نَحْو صبور وصبر. وَقَوله: " الشَّهْر تسع وَعِشْرُونَ ". يُشِير إِلَى ذَلِك الشَّهْر الَّذِي حلف فِيهِ، فَإِنَّهُ طلع الْهلَال فَكَانَ الشَّهْر تسعا وَعشْرين، وَلَيْسَ كل الشُّهُور يكون كَذَلِك. وَقَوله: " حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك " الاستئمار: طلب أَمر المستأمر ليمتثله المستأمر. وَقَوله: {إِن كنتن تردن الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا} وَهَذَا لِأَن عملهن بِمُقْتَضى الْغيرَة وطلبهن زِيَادَة النَّفَقَة إِرَادَة مِنْهُنَّ للدنيا. وَقَوله: {فتعالين أمتعكن} [الْأَحْزَاب: 28] يعْنى مُتْعَة الطَّلَاق. وَالْمرَاد بالسراح: الطَّلَاق. وبالدار الْآخِرَة: الْجنَّة. والمحسنات: المؤثرات للآخرة. فَلَمَّا أخترنه أنبأهن الله عز وَجل ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهَا: التَّفْضِيل على سَائِر النِّسَاء بقوله: {لستن كَأحد من النِّسَاء} [الْأَحْزَاب: 32] . وَالثَّانِي: أَن جَعلهنَّ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ. وَالثَّالِث: أَن حظر عَلَيْهِ طلاقهن والاستبدال بِهن، لقَوْله: {لَا يحل لَك النِّسَاء من بعد} [الْأَحْزَاب: 52] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وَهل أُبِيح لَهُ بعد ذَلِك التَّزَوُّج عَلَيْهِنَّ؟ فِيهِ قَولَانِ. وَقَوله: وَلم يُرْسِلنِي مُتَعَنتًا. المتعنت: المشدد الَّذِي يُكَلف من يتعنته الْأَمر الصعب، وَرُبمَا قصد بذلك إِظْهَار عَجزه. وأصل الْعَنَت الْمَشَقَّة يُقَال: أكمة عنوت: إِذا كَانَ سلوكها شاقا. وَيُقَال: عنت الْبَعِير يعنت عنتا: إِذا حدث فِي رجله كسر لَا يُمكنهُ مَعَه تصريفها. وَقَوله: تحسر الْغَضَب عَن وَجهه: أَي انْكَشَفَ. وكشر بِمَعْنى تَبَسم. وَقَوله: {وَإِذا جَاءَهُم أَمر من الْأَمْن أَو الْخَوْف} [النِّسَاء: 83] الْإِشَارَة إِلَى الْمُنَافِقين، وَالْمعْنَى أَنهم إِذا سمعُوا خَبرا يحدث خيرا أَو يُوجب خوفًا أشاعوه من غير تثبت فِي مَعْرفَته، {وَلَو ردُّوهُ إِلَى الرَّسُول} حَتَّى يكون هُوَ الْمخبر بِهِ {وَإِلَى أولي الْأَمر مِنْهُم} كالأكابر من الصَّحَابَة {لعلمه الَّذين يستنبطونه مِنْهُم} . وَفِي هَذَا الْعلم قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن رَاجع إِلَى المذيعين، فَلَو ردُّوهُ إِلَى أولي الْأَمر مِنْهُم علمُوا حَقِيقَته وفهموا مَا يستنبطونه مِنْهُ بإعلام أُولَئِكَ. وَالثَّانِي: أَنه رَاجع إِلَى أولي الْأَمر، وَالْمعْنَى: لعلمه أولو الْأَمر عِنْد استنباطهم لَهُ. والاستنباط فِي اللُّغَة: الاستخراج. وَقَالَ الزّجاج: أَصله من النبط: وَهُوَ المَاء الَّذِي يخرج من الْبِئْر فِي أول مَا يحْفر. يُقَال من ذَلِك: قد أنبط فلَان فِي غضراء: أَي استنبط المَاء من طين حر. وَسمي النباط نباطا لاستنباطهم مَا يخرج من الأَرْض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وعَلى مُقْتَضى حَدِيث عمر أَن هَذَا الَّذِي أذاعوه قَوْلهم " طلق رَسُول الله نِسَاءَهُ، فَإِنَّمَا أشاعوا مَا لم يتيقنوه حَتَّى استنبط ذَلِك عمر. وَقَوله: دخل عمر على أم سَلمَة لِقَرَابَتِهِ مِنْهَا. أم سَلمَة بنت عَم أم عمر؛ لِأَن أم عمر حنتمة بنت هَاشم بن الْمُغيرَة ابْن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم. وَأم سَلمَة بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة. وَقَوْلها لَهُ: قد دخلت فِي كل شَيْء حَتَّى تبتغي أَن تدخل بَين رَسُول الله وأزواجه. كَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ ناصحا لِلْإِسْلَامِ، فَكَانَ ينبسط على رَسُول الله، فَيَقُول: افْعَل، وَلَا تفعل، فَيعلم رَسُول الله شدَّة شفقته وَمَوْضِع نصحه فَلَا يُنكر عَلَيْهِ، وَقد قَالَ لرَسُول الله: احجب نِسَاءَك، وَقَالَ: لَا تصل على ابْن أبي، إِلَى غير ذَلِك. 28 - / 28 - الحَدِيث الْعَاشِر: قَالَ ابْن عَبَّاس: شهد عِنْدِي رجال مرضيون، وأرضاهم عِنْدِي عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الصَّلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تشرق الشَّمْس، وَبعد الْعَصْر حَتَّى تغرب. قلت: شهد عِنْدِي: مَعْنَاهُ بينوا لي هَذَا وأعلموني بِهِ، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ إِقَامَة الشَّهَادَة الَّتِي تكون عِنْد الْحُكَّام. وَمثل هَذَا قَوْله تَعَالَى: {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} [آل عمرَان: 18] قَالَ الزّجاج: مَعْنَاهُ: بَين. قَالَ: وأشرقت الشَّمْس: إِذا أَضَاءَت وصفت، وشرقت: إِذا طلعت، هَذَا أَكثر اللُّغَة، وَقَالَ بَعضهم: هما بِمَعْنى وَاحِد. الحديث: 28 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وَاعْلَم أَن هَذَا النَّهْي يخْتَص النَّوَافِل الَّتِي لَا سَبَب لَهَا، وَأما الَّتِي لَهَا سَبَب كتحية الْمَسْجِد، فَهَل يجوز فعلهَا؟ فِيهِ عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا لَا يجوز، وَالْأُخْرَى يجوز كَقَوْل الشَّافِعِي. وَاعْلَم أَن كَرَاهِيَة التَّنَفُّل فِي أَوْقَات النَّهْي تعم جَمِيع الْمَسَاجِد جَمِيع الْأَيَّام. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يكره التَّنَفُّل فِي هَذِه الْأَوْقَات بِمَسْجِد مَكَّة خَاصَّة، وَلَا يكره التَّنَفُّل يَوْم الْجُمُعَة عِنْد الزَّوَال. وَأما قَضَاء الْفَوَائِت وَفعل المنذورات فِي أَوْقَات النَّهْي فَيجوز عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة. فَإِن قَالَ قَائِل: فقد صَحَّ عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يتْرك رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر. فَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي مسندها إِن شَاءَ الله. 29 - / 29 - الحَدِيث الْحَادِي عشر: بلغ عمر أَن فلَانا بَاعَ خمرًا، فَقَالَ: قَاتل الله فلَانا، ألم يعلم أَن رَسُول الله قَالَ: " لعن الله الْيَهُود؛ حرمت عَلَيْهِم الشحوم، فجملوها فَبَاعُوهَا ". الْكِنَايَة بفلان عَن سَمُرَة بن جُنْدُب، وَكَانَ واليا على الْبَصْرَة من قبل عمر، وَفِي كَيْفيَّة بَيْعه للخمر ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه كَانَ يَأْخُذهَا من أهل الْكتاب عَن قيمَة الْجِزْيَة فيبيعها مِنْهُم ظنا مِنْهُ أَن ذَلِك جَائِز، قَالَه لنا ابْن نَاصِر. وَإِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يوليهم بيعهَا، قَالَ ابْن عقيل فهم إِذا باعوها أخذُوا ثمنهَا وَنحن نَأْخُذ مِنْهُم ذَلِك الثّمن عشرا، وَهَذَا الْقدر الْحَائِل بَين الأخذين يخرج اسْم الحديث: 29 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 الْمَأْخُوذ مِنْهُم عَن اسْم الثمنية، كَمَا قَالَ البريرة: " هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَة، وَلنَا هَدِيَّة ". وَالثَّانِي: أَن يكون سَمُرَة بَاعَ الْعصير مِمَّن يَتَّخِذهُ خمرًا، وَذَلِكَ مَكْرُوه، وَقد يُسمى الْعصير خمرًا لِأَنَّهُ يؤول إِلَى الْخمر، كَمَا قَالَ عز وَجل: {أعصر خمرًا} [يُوسُف: 36] . وَالثَّالِث: أَن يكون خلل الْخمر وباعها، وَإِذا خللت لم تطهر وَلم تحل عندنَا. ذكر هذَيْن الْوَجْهَيْنِ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ. وَالصَّحِيح الأول. وَمعنى جملوها: أذابوها. والجميل: الشَّحْم الْمُذَاب. قَالَ أَبُو عبيد: يُقَال: جملت وأجملت واجتملت. قَالَ لبيد: (وَغُلَام أَرْسلتهُ أمه ... بألوك فبذلنا مَا سَأَلَ) (أَو نهته فَأَتَاهُ رزقه ... فاشتوى لَيْلَة ريح واجتمل) 30 - / 30 - الحَدِيث الثَّانِي عشر: قَالَ ابْن الزبير: لَا تلبسوا نساءكم الْحَرِير؛ فَإِنِّي سَمِعت عمر يَقُول: سَمِعت رَسُول الله يَقُول: " لَا تلبسوا الْحَرِير؛ فَإِن من لبسه فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة " وَفِي لفظ: " إِنَّمَا يلبس الْحَرِير من لَا خلاق لَهُ ". الحديث: 30 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 وَأما قَول ابْن الزبير: لَا تلبسوا نساءكم الْحَرِير، فَإِنَّهُ قد حمل لفظ رَسُول الله فِي النَّهْي على الْعُمُوم فِي حق الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَهَذَا مُقْتَضى هَذَا اللَّفْظ، غير أَن هَذَا الْإِطْلَاق خص بقوله عَلَيْهِ السَّلَام: " هَذَانِ حرَام على ذُكُور أمتِي، حل لإناثها ". والخلاق: النَّصِيب 31 - / 31 - الحَدِيث الثَّالِث عشر: عَن الْمسور وَعبد الرَّحْمَن بن عبد الْقَارِي أَن عمر قَالَ: سَمِعت هِشَام بن حَكِيم بن حزَام يقْرَأ سُورَة الْفرْقَان على حُرُوف كَثِيرَة لم يقرئنيها رَسُول الله، فكدت أساوره فِي الصَّلَاة. أما عبد الرَّحْمَن بن عبد الْقَارِي، فالياء مُشَدّدَة، وَهُوَ من القارة، وَله ولدان يذكران فِي الحَدِيث بذلك النّسَب، إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد، وَرُبمَا نسبه بعض قرأة الحَدِيث إِلَى الْقِرَاءَة فَلم يشدد الْيَاء، وَذَلِكَ غلط. وَقَوله: فكدت أساوره فِي الصَّلَاة: مَعْنَاهُ فاربت ذَلِك وَلم أفعل، وَكَاد كلمة إِذا أَثْبَتَت انْتَفَى الْفِعْل، وَإِذا نفيت ثَبت الْفِعْل. وَيشْهد للنَّفْي عِنْد الْإِثْبَات {يكَاد الْبَرْق} [الْبَقَرَة: 20] {يكَاد سنا برقه} [النُّور: 43] ، {يكَاد زيتها يضيء} [النُّور: 35] وَيشْهد للإثبات عِنْد النَّفْي: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [الْبَقَرَة: 71] ، {لَا يكادون يفقهُونَ حَدِيثا} [النِّسَاء: 78] ، {لم يكد يَرَاهَا} [النُّور: 40] ، {وَلَا يكَاد يبين} [الزخرف: 52] هَذَا هُوَ الأَصْل فِي كَاد، وَقد جَاءَت بِمَعْنى فعل، قَالَ ذُو الرمة: الحديث: 31 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 (وَلَو أَن لُقْمَان الْحَكِيم تعرضت ... لعينيه مي سافرا كَاد يَبْرق) أَي: لَو تعرضت لبرق: أَي دهش وتحير. وَجَاءَت المنفية بِمَعْنى الْإِثْبَات، وَقَالَ ذُو الرمة أَيْضا: (إِذا غير النأي المحبين لم يكد ... رسيس الْهوى من حب مية يبرح) أَرَادَ: لم يبرح. وَمعنى أساوره: أواثبه، من سُورَة الْغَضَب. وَقَوله: فتربصت. التَّرَبُّص: الِانْتِظَار. وَقَوله: لببته بردائه: جررته. اللبب: مَوضِع النَّحْر. وَأَرَادَ: جررته بالرداء الْمُتَعَلّق بنحره. وَقَوله: " إِن هَذَا الْقُرْآن أنزل على سَبْعَة أحرف ". وَاخْتلف الْعلمَاء فِي المُرَاد بِهَذَا على خَمْسَة وَثَلَاثِينَ قولا، حَكَاهَا أَبُو حَاتِم بن حبَان الْحَافِظ. غير أَن جمهورها لَا يخْتَار، وَالَّذِي نختاره أَن المُرَاد بالحرف اللُّغَة، فالقرآن أنزل على سبع لُغَات فصيحة من لُغَات الْعَرَب، فبعضه بلغَة هُذَيْل، وَبَعضه بلغَة هوَازن، وَغَيرهم من الفصحاء. وَقد يشكل على بعض النَّاس فَيَقُول: هَل كَانَ جِبْرِيل يلفظ بِاللَّفْظِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الْوَاحِد سبع مَرَّات؟ فَيُقَال لَهُ: إِنَّمَا يلْزم هَذَا إِذا قُلْنَا إِن السَّبْعَة الأحرف تَجْتَمِع فِي حرف وَاحِد، وَنحن قُلْنَا: إِن السَّبْعَة الأحرف تَفَرَّقت فِي الْقُرْآن، فبعضه بلغَة قُرَيْش، وَبَعضه بلغَة غَيرهم. وَلَو قُلْنَا: إِنَّهَا اجْتمعت فِي الْحَرْف الْوَاحِد قُلْنَا: كَانَ جِبْرِيل يَأْتِي فِي كل عرضة بِحرف إِلَى أَن تمت سَبْعَة أحرف. 32 - / 32 - الحَدِيث الرَّابِع عشر: وَافَقت رَبِّي فِي ثَلَاث: قلت: يَا رَسُول الله، لَو اتخذنا مقَام إِبْرَاهِيم مصلى، فَنزلت: {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} [الْبَقَرَة: 125] وَقلت: يَا رَسُول الله، يدْخل على نِسَائِك الْبر والفاجر، فَلَو أمرتهن يحتجبن فَنزلت آيَة الْحجاب. وَاجْتمعَ نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغيرَة، فَقلت: {عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن} فَنزلت كَذَلِك. معنى وَافَقت رَبِّي: أَي وَافَقت حكمه. ومقام إِبْرَاهِيم: مَوضِع قِيَامه، وَهُوَ مَفْتُوح الْمِيم، فَإِذا ضمت فَالْمُرَاد الْإِقَامَة، ثمَّ قد يسْتَعْمل كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي مَوضِع الآخر. وَالْمرَاد بمقام إِبْرَاهِيم الْحجر الْمَعْرُوف. وَفِي سَبَب قِيَامه عَلَيْهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه جَاءَ من الشَّام إِلَى مَكَّة لزيارة ابْنه إِسْمَاعِيل فَلم يجده، فَقَالَت لَهُ زَوجته: انْزِلْ، فَأبى؛ لِأَن سارة اشْترطت عَلَيْهِ أَلا ينزل غيرَة عَلَيْهِ. فَقَالَت لَهُ: فَدَعْنِي أغسل رَأسك، فَأَتَتْهُ بِالْحجرِ فَوضع رجله عَلَيْهِ وَهُوَ رَاكب، فغسلت شقَّه، ثمَّ رفعته وَقد غَابَتْ فِيهِ رجله، فَوَضَعته تَحت الشق الآخر وغسلته، فغابت فِيهِ رجله، فَجعله الله عز وَجل من الشعائر، وَهَذَا مَرْوِيّ عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس. الحديث: 32 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وَالثَّانِي: أَنه قَامَ على الْحجر لبِنَاء الْبَيْت، وَإِسْمَاعِيل يناوله الْحِجَارَة، قَالَه سعيد بن جُبَير. فَإِن قيل: فَمَا السِّرّ فِي أَن عمر لم يقنع بِمَا فِي شريعتنا حَتَّى طلب الاستنان بِملَّة إِبْرَاهِيم، وَقد نَهَاهُ رَسُول الله عَن مثل هَذَا حِين أَتَى بأَشْيَاء من التَّوْرَاة، فَقَالَ. " أمطها عَنَّا يَا عمر "؟ فَالْجَوَاب: أَنه لما سمع قَوْله تَعَالَى: {إِنِّي جاعلك للنَّاس إِمَامًا} [الْبَقَرَة: 124] . ثمَّ سمع قَوْله: {أَن اتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم} [النَّحْل: 123] علم أَن الائتمام بِهِ مَشْرُوع فِي شرعنا دون الائتمام بِغَيْرِهِ من الْأَنْبِيَاء. ثمَّ رأى أَن الْبَيْت مُضَاف إِلَى إِبْرَاهِيم وَأَن أثر قدمه فِي الْمقَام كرقم اسْم الْبَانِي فِي الْبناء ليذكر بِهِ بعد مَوته، فَرَأى الصَّلَاة عِنْد الْمقَام كَقِرَاءَة الطَّائِف بِالْبَيْتِ اسْم من بناه، فَوَقَعت مُوَافَقَته فِي رَأْيه. فَأَما غير إِبْرَاهِيم من الْأَنْبِيَاء فَلَا يجرى مجْرَاه. على أَن هَذَا الْقدر من شرع إِبْرَاهِيم مَعْلُوم قطعا، وَمَا فِي أيدى الكتابيين من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل أَمر مغير مبدل، فَنَهَاهُ عَنهُ للعلتين جَمِيعًا. وَقد بَان هَذَا بِمَا أخبرنَا بِهِ أَبُو الْقَاسِم الْكَاتِب قَالَ: أخبرنَا أَبُو عَليّ ابْن الْمَذْهَب قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر بن مَالك. قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا شُرَيْح بن النُّعْمَان قَالَ: حَدثنَا هشيم قَالَ: أخبرنَا مجَالد عَن الشّعبِيّ عَن جَابر بن عبد الله: أَن عمر ابْن الْخطاب أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكِتَاب أَصَابَهُ من بعض أهل الْكتاب، فقرأه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَغَضب وَقَالَ: " أمتهوكون فِيهَا يَا ابْن الْخطاب؟ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لقد جِئتُكُمْ بهَا بَيْضَاء نقية. لَا تسألوهم عَن شَيْء فيخبركم بِحَق فتكذبوا بِهِ أَو بباطل فتصدقوا بِهِ. وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ حَيا مَا وَسعه إِلَّا أَن يَتبعني ". وَأما آيَة الْحجاب فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ جَارِيا على عَادَة الْعَرَب فِي ترك الْحجاب، حَتَّى أَمر بذلك، وَالَّذِي أَشَارَ بِهِ عمر لم يكن يخفى على رَسُول الله، لكنه كَانَ ينْتَظر الْوَحْي فِي الْأَشْيَاء، وَكَانَ السَّبَب فِي نزُول الْحجاب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج زَيْنَب، وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا، فَأكل جمَاعَة من الصَّحَابَة عِنْده فِي الْبَيْت وَهِي مولية وَجههَا لحائط، فانتظر رَسُول الله خُرُوجهمْ فَلم يخرجُوا، وجلسوا يتحدثون، فَخرج رَسُول الله فَلم يخرجُوا، ثمَّ عَاد وَلم يخرجُوا، فَنزلت: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي إِلَّا أَن يُؤذن لكم} [الْأَحْزَاب: 53] . وَهَذَا يَأْتِي مشروحا فِي مُسْند أنس إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَأما أُسَارَى بدر فَإِن رَسُول الله كَانَ قد اسْتَشَارَ فيهم أَبَا بكر وَعمر، فَأَشَارَ أَبُو بكر بِالْفِدَاءِ، وَأَشَارَ عمر بِالْقَتْلِ، على مَا سَيَأْتِي عَن قريب، فَنزل قَوْله تَعَالَى: {مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أسرى حَتَّى يثخن فِي الأَرْض} [الْأَنْفَال: 67] فَكَانَ ذَلِك على مُوَافقَة عمر. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ خَفِي الصَّوَاب على رَسُول الله وَأبي بكر؟ فَالْجَوَاب لثَلَاثَة أوجه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 أَحدهَا: ليظْهر النَّقْص على التَّام. وَالثَّانِي: ليعلم أَن الْإِصَابَة بِتَوْفِيق الله عز وَجل، لَا بِرَأْي الْإِنْسَان وترويه، وَلذَلِك اطلع سُلَيْمَان على مَا خَفِي عَن دَاوُد، وَالْخضر على مَا غَابَ عَن مُوسَى [عَلَيْهِم السَّلَام] . وَالثَّالِث: أَنه إِذا أصَاب عمر وَالرَّسُول حَيّ، لم يرتب باستحقاقه الْولَايَة بعد أبي بكر. 33 - / 33 - الحَدِيث الْخَامِس عشر: " إِذا أقبل اللَّيْل وَأدبر النَّهَار فقد أفطر الصَّائِم ". فِي معنى " فقد أفطر " قَولَانِ: أَحدهمَا: فقد دخل وَقت الْفطر. وَجَاز لَهُ. وَالثَّانِي: فقد صَار فِي حكم الْمُفطر وَإنَّهُ لم يَأْكُل. 34 - / 34 - الحَدِيث السَّادِس عشر: " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لكل امْرِئ مَا نوى، فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله، وَمن كَانَت هجرته إِلَى دنيا يُصِيبهَا أَو إِلَى امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ ". الْكَلَام فِي هَذَا الحَدِيث من أَرْبَعَة أوجه: أَحدهَا: من جِهَة الرِّوَايَة: فقد رَوَاهُ عَن يحيى بن سعيد نَحْو من مِائَتَيْنِ وَخمسين رجلا. وَقد رُوِيَ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، الحديث: 33 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 رَوَاهُ نوح بن حبيب البذشي، فرفعه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، فَانْقَلَبَ عَلَيْهِ إِسْنَاد حَدِيث بِحَدِيث. وَرُوِيَ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَابْن عَبَّاس، وَابْن عمر، وَمُعَاوِيَة، وَغَيرهم، وَلَا يَصح مُسْندًا إِلَّا من حَدِيث عمر. وَالثَّانِي: بَيَان سَبَب هَذَا الحَدِيث: فَإِن كثيرا من الْأَحَادِيث جَاءَت على أَسبَاب، كَمَا أَن كثيرا من الْآيَات نزلت على أَسبَاب: وَذَلِكَ أَن رجلا خطب امْرَأَة بِمَكَّة، فهاجرت إِلَى الْمَدِينَة، فتبعها الرجل رَغْبَة فِي نِكَاحهَا، فَقَالَ رَسُول الله هَذَا الحَدِيث، فَكَانَ يُقَال للرجل: مهَاجر أم قيس. وَالثَّالِث: فضل هَذَا الحَدِيث وشرفه: فَإِن الْعلمَاء كَانُوا يستحبون تَقْدِيمه فِي التصانيف لعُمُوم الْحَاجة إِلَيْهِ؛ إِذْ النِّيَّة أصل الْعَمَل، وَكَانَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي يَقُول: يَنْبَغِي لمن صنف كتابا أَن يَبْتَدِئ بِهَذَا الحَدِيث. وَلِهَذَا افْتتح البُخَارِيّ كِتَابه بِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي: يدْخل هَذَا الحَدِيث فِي سبعين بَابا من الْفِقْه. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: أصُول الْإِسْلَام على ثَلَاثَة أَحَادِيث: " الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ "، و " حَلَال بَين، وَحرَام بَين "، و " من أحدث فِي أمرنَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رد ". وَقَالَ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي: الْفِقْه يَدُور على خَمْسَة أَحَادِيث: " الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " و " حَلَال بَين " و " مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْكُم فَاجْتَنبُوهُ، وَمَا أَمرتكُم بِهِ فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم " و: لَا ضَرَر وَلَا ضرار " و " الدّين النَّصِيحَة ". وَفِي رِوَايَة عَن أبي دَاوُد قَالَ: كتبت عَن رَسُول الله خَمْسمِائَة ألف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 حَدِيث، انتخبت مِنْهَا مَا ضمنته كتاب " السّنَن "، فَذكرت الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ ويقاربه، وَيَكْفِي الْإِنْسَان لدينِهِ من ذَلِك أَرْبَعَة أَحَادِيث: أَحدهمَا: " الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " وَالثَّانِي: " الْحَلَال بَين " وَالثَّالِث: " من حسن إِسْلَام الْمَرْء تَركه مَا لَا يعنيه "، وَالرَّابِع: " لَا يكون الْمُؤمن مُؤمنا حَتَّى يرضى لِأَخِيهِ مَا يرضاه لنَفسِهِ ". وَالْوَجْه الرَّابِع: تَفْسِير الحَدِيث: فَقَوله: " إِنَّمَا " كلمة ترَاد للحصر، تثبت الْمشَار إِلَيْهِ وتنفي مَا عداهُ، فَهِيَ تعْمل بركنيها إِثْبَاتًا ونفيا. وَمَعْلُوم أَن الرَّسُول لم يرد نفي الْأَعْمَال الحسية، لِأَنَّهَا قد تُوجد بِغَيْر نِيَّة، وَإِنَّمَا أَرَادَ صِحَة الْأَفْعَال الشَّرْعِيَّة، فَبين أَن النِّيَّة هِيَ الفاصلة بَين مَا يَصح وَمَا لَا يَصح. وَمعنى النِّيَّة: قصدك الشَّيْء، وتحريك طلبه. وَقَالَ بعض اللغويين: أصل النِّيَّة الطّلب، وَيُقَال: لي عِنْد فلَان نِيَّة: أَي طلبة وحاجة. وَأنْشد لكثير: (وَإِن الَّذِي يَنْوِي من المَال أَهلهَا ... أوارك لما تأتلف وعوادي) يُرِيد: مَا يطلبونه من الْمهْر. والأوراك: المقيمة فِي الْأَرَاك تَأْكُله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 يُقَال مِنْهُ: أركت تأرك أروكا: إِذا أَقَامَت فِي الْأَرَاك تَأْكُله، وَهِي إبل آركة مثل فاعلة. فَإِن اشتكت بطونها عَنهُ قيل: إبل أراكى، وَكَذَلِكَ رماثى وطلاحى، من الرمث والطلح. وَقد أَفَادَ هَذَا الحَدِيث أَن الشَّرْع إِنَّمَا يعْتد بِالْعَمَلِ الَّذِي فِيهِ النِّيَّة، فَلَو أَن إنْسَانا اغْتسل بِقصد التبرد لم يجزه عَن الْجَنَابَة، وَهَذَا قَول مَالك، وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد بن حَنْبَل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجب النِّيَّة فِي طَهَارَة المَاء، وَتجب فِي التَّيَمُّم. وَقَالَ: الْأَوْزَاعِيّ: لَا تجب فيهمَا. وَقَوله: " وَإِنَّمَا لامرئ مَا نوى " تَأْكِيد للْكَلَام الأول. ويحتوي على فَائِدَة تخصه: وَهِي إِيجَاب تعْيين النِّيَّة للْعَمَل الْمُبَاشر، فَإِنَّهُ لَو صلى الْإِنْسَان أَربع رَكْعَات، فَقَالَ فِي نَفسه: هَذِه قَضَاء فَرِيضَة إِن كَانَت عَليّ، وَإِلَّا فَهِيَ نَافِلَة، لم يجزه عَن فَرْضه إِذا بَان أَن عَلَيْهِ فَرِيضَة، لِأَنَّهُ لم يمحض النِّيَّة للْفَرض. وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ لَيْلَة الْغَيْم: إِذا كَانَ غَدا من رَمَضَان فَهِيَ فَرضِي، وَإِن لم يكن فَهُوَ نفل، فَإِنَّهُ لَا يجْزِيه حَتَّى يقطع أَنه صَائِم غَدا من رَمَضَان، فِي الْمَنْصُور عِنْد أَصْحَابنَا. وَقَوله: فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله: أَي فَهجرَته مَقْبُولَة عِنْد الله وَرَسُوله. وَقَوله: " إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ " إِخْرَاج لما لم يقْصد بِالنِّيَّةِ، يُرِيد أَن حَظه من هجرته مَا قَصده من دُنْيَاهُ دون مَا لم يَقْصِدهُ من آخرته. فبعض الحَدِيث يُقَوي بَعْضًا ويؤكده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 35 - / 35 - الحَدِيث السَّابِع عشر: من رِوَايَة مَالك بن أَوْس النصري عَن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الذَّهَب بِالذَّهَب رَبًّا إِلَّا هَاء وهاء. وَالْوَرق بالورق رَبًّا إِلَّا هَاء وهاء. وَالْبر بِالْبرِّ رَبًّا إِلَّا هَاء وهاء. وَالشعِير بِالشَّعِيرِ رَبًّا إِلَّا هَاء وهاء. وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ رَبًّا إِلَّا هَاء وهاء ". الْكَلَام فِي هَذَا الحَدِيث فِي أَرْبَعَة مقامات: الأول: فِي نسب الرواي وَهُوَ النصري بالنُّون وَالصَّاد غير الْمُعْجَمَة، وَهُوَ أحد بني نصر بن مُعَاوِيَة، وَقد ذكره قوم فِي الصَّحَابَة، وَلَا يَصح ذَلِك، وَقد كَانَ يركب الْخَيل فِي الْجَاهِلِيَّة، إِلَّا أَنه تَأَخّر إِسْلَامه، فروى عَن بعض الصَّحَابَة، وَفِي الصَّحَابَة خلق كثير يشاركونه فِي النّسَب، وَأما النضري بالضاد فقليل. الْمقَام الثَّانِي: فِي تَصْحِيح اللَّفْظ: فالورق مَكْسُورَة الرَّاء. وهاء وهاء ممدودة، وَعَامة الْمُحدثين يقصرونها وَالصَّوَاب الْمَدّ: أخبرنَا ابْن نَاصِر قَالَ: أَنبأَنَا أَبُو مُحَمَّد السَّمرقَنْدِي قَالَ: أخبرنَا عبد الغافر بن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنَا أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ قَالَ: قَوْله: إِلَّا هَاء وهاء ممدودان، والعامة تقصرهما. وَمعنى هَاء: خُذ، يُقَال للرجل: هَاء. وللمرأة: هائي. وللاثنين من الرِّجَال وَالنِّسَاء: هاؤما، وللرجال هاؤم، وللنساء هاؤمن. وَإِذا قلت هاك قصرت، وَإِذا حذفت الْكَاف مددت، فَكَانَت الْمدَّة بَدَلا من كَاف المخاطبة. الحديث: 35 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 الْمقَام الثَّالِث: فِي تَفْسِير اللَّفْظ: الْوَرق: الْفضة. وَالْبر: الْحِنْطَة. وهاء بِمَعْنى هاك: أَي خُذ. الْمقَام الرَّابِع: بَيَان الحكم: فَاعْلَم أَن الرِّبَا على ضَرْبَيْنِ: رَبًّا الْفضل، وَربا النَّسِيئَة. فربا الْفضل يحرم بعلة كَونه مَكِيل جنس أَو مَوْزُون جنس، على مَا سَيَأْتِي فِي شَرحه فِي مُسْند عبَادَة بن الصَّامِت إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فَإِن ذكره هُنَاكَ أليق. وَأما رَبًّا النَّسِيئَة: فَاعْلَم أَن كل شَيْئَيْنِ يتحد فيهمَا عِلّة رَبًّا الْفضل لَا يجوز بيع أَحدهمَا بِالْآخرِ نَسِيئَة، وَمَتى حصل التَّفَرُّق فِي بيعهمَا قبل الْقَبْض بَطل العقد، كالذهب بِالْفِضَّةِ، وَالْحِنْطَة بِالشَّعِيرِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِنَّمَا ذَلِك فِي الصّرْف خَاصَّة. 36 - / 36 - الحَدِيث الثَّامِن عشر: قَالَ مَالك بن أَوْس: أرسل إِلَيّ عمر فَجِئْته، فَوَجَدته فِي بَيته جَالِسا على سَرِير، مفضيا إِلَى رماله ... الْإِفْضَاء إِلَى الشَّيْء: أَلا يكون بَيْنك وَبَينه حَائِل. وَالْمعْنَى أَنه لم يكن تَحْتَهُ فرَاش. وَقد شرحنا معنى الرمال فِي الحَدِيث التَّاسِع من هَذَا الْمسند. وَقَوله: يَا مَال: يُرِيد يَا مَالك: وَقد قَرَأَ عَليّ وَابْن مَسْعُود: (يَا مَال) ، بِغَيْر كَاف، وَالْعرب تَقول: يَا حَار: تُرِيدُ يَا حَارِث. الحديث: 36 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وَقَوله: قد دف أهل أَبْيَات: أَي وردوا مُتَتَابعين قوما بعد قوم، وَلَهُم دفيف وَهُوَ سير لين. وَالْمرَاد أَنهم وردوا لضر أَصَابَهُم فِي بِلَادهمْ. والرضح: عَطاء لَيْسَ بالكثير. ويرفا: حَاجِب عمر وآذنه. وَقَوله اتئد: أَي تثبت وَلَا تستعجل. وَقَوله: أنْشدكُمْ الله: أَي أَسأَلكُم وَأعْلمكُمْ مَا يجب عَلَيْكُم من الصدْق لله. وَقد كشفنا وَجه الْخُصُومَة الَّتِي كَانَت تجْرِي بَين عَليّ وَالْعَبَّاس فِي صدقَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث السَّادِس من مُسْند أبي بكر. إِلَّا أَن فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث: فجئتما تطلب ميراثك من ابْن أَخِيك، وَيطْلب هَذَا مِيرَاث امْرَأَته من أَبِيهَا، فَقَالَ أَبُو بكر: قَالَ رَسُول الله: " لَا نورث ". وَقد أشكل هَذَا على بعض الْمُتَأَخِّرين فَقَالَ: كَيفَ قَالَ: أنشدكما الله، هَل تعلمان أَن رَسُول الله قَالَ: " لَا نورث؟ " ثمَّ قَالَ: فجئتما تطلبان الْمِيرَاث. وَجَوَاب هَذَا: أنكما طلبتما الْمِيرَاث فِي زمن أبي بكر، فَلَمَّا أخبركما أَن رَسُول الله قَالَ: " لَا نورث " علمتما ذَلِك. وَكَانَ عمر قد دفع صَدَقَة رَسُول الله بِالْمَدِينَةِ إِلَى عَليّ وَالْعَبَّاس، فغلبه عَلَيْهَا عَليّ، وَأما خَيْبَر وفدك فَأَمْسَكَهُمَا عمر. والإيجاف بِالْخَيْلِ: الإيضاع، وَهُوَ الْإِسْرَاع فِي السّير. والركاب: الْإِبِل. وَكَانَ مَا لم يوجف عَلَيْهِ ملكا لرَسُول الله خَاصَّة، هَذَا اخْتِيَار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 أبي بكر من أَصْحَابنَا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَذهب بعض أَصْحَابنَا إِلَى أَن الْفَيْء لجَماعَة الْمُسلمين. وَإِنَّمَا كَانَ رَسُول الله يَأْخُذ من نصِيبه مَا يَأْخُذ وَيجْعَل الْبَاقِي فِي مصَالح الْمُسلمين. وَقَوله: كَانَ يَأْخُذ نَفَقَة سنته. فِيهِ جَوَاز ادخار قوت سنة، وَلَا يُقَال: هَذَا من طول الأمل؛ لِأَن الإعداد للْحَاجة مستحسن شرعا وعقلا، وَقد اسْتَأْجر شُعَيْب مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام عشر سِنِين. وَفِي هَذَا رد على جهلة المتزهدين فِي إخراجهم من يفعل هَذَا عَن التَّوَكُّل. فَإِن احْتَجُّوا بِأَن رَسُول الله كَانَ لَا يدّخر شَيْئا لغد فَالْجَوَاب: انه كَانَ عِنْده خلق من الْفُقَرَاء، فَكَانَ يؤثرهم. وَقَوله: مَا اسْتَأْثر عَلَيْكُم: أَي مَا أنفرد بذلك عَنْكُم حَتَّى يفِيء هَذَا المَال. يَعْنِي سَهْمه من أَمْوَال بني النَّضِير. وَقَوله: ثمَّ يَجْعَل مَا بَقِي أُسْوَة المَال: أَي تَابعا لَهُ فِي حكمه. 37 - / 37 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: كتب عمر إِلَى عتبَة بن فرقد: إيَّاكُمْ والتنعم. وزي أهل الشّرك، ولبوس الْحَرِير، فَإِن رَسُول الله نهى عَن لبوس الْحَرِير، قَالَ: " إِلَّا هَكَذَا " فَرفع لنا رَسُول الله إصبعيه الْوُسْطَى والسبابة وضمهما. وَفِي لفظ: نهى نَبِي الله عَن لبس الْحَرِير إِلَّا مَوضِع إِصْبَعَيْنِ، أَو ثَلَاث، أَو أَربع. قَوْله: إيَّاكُمْ والتنعم. اعْلَم أَن الآفة فِي التنعم من ثَلَاثَة أوجه: الحديث: 37 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 أَحدهَا: أَن الدُّنْيَا دَار تَكْلِيف لَا دَار رَاحَة، فالمشتغل بالتنعم لَا يكَاد يُوفي التَّكْلِيف حَقه. أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور قَالَ: أخبرنَا جَعْفَر بن أَحْمد قَالَ: أخبرنَا الْحسن بن عَليّ التَّمِيمِي قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر بن مَالك قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا هَارُون قَالَ: أَنبأَنَا ضَمرَة عَن ابْن شَوْذَب قَالَ: سَمِعت فرقدا يَقُول: إِنَّكُم لبستم ثِيَاب الْفَرَاغ قبل الْعَمَل، ألم تروا إِلَى الْفَاعِل إِذا عمل كَيفَ يلبس أدنى ثِيَابه، فَإِذا فرغ اغْتسل وَلبس ثَوْبَيْنِ نقيين، وَأَنْتُم لبستم ثِيَاب الْفَرَاغ قبل الْعَمَل. الآفة الثَّانِيَة: أَن التنعم من حَيْثُ الْأكل يُوجب كَثْرَة التَّنَاوُل، فَيَقَع التشبع فيورث الكسل والغفله، وَيحصل البطر والمرح. وَمن جِهَة اللبَاس يُوجب لين الْبدن فيضعف عَن الْأَعْمَال الشاقة، ويصعب عَلَيْهِ الْجِهَاد والتقلب فِي الِاكْتِسَاب، وَيضم ضمنه الْخُيَلَاء. وَمن جِهَة النِّكَاح فَإِنَّهُ يحمل على إِنْفَاق القوى فِي اللَّذَّات فيضعف عَن أَدَاء اللوازم. والآفة الثَّالِثَة: أَن من ألف ذَلِك صَعب عَلَيْهِ مُفَارقَة مَا ألف، فيفنى زَمَانه المحسوب عَلَيْهِ فِي اكْتِسَاب ذَلِك، خُصُوصا فِي بَاب التنوق فِي النِّكَاح، فَإِن المتنعمة تحْتَاج إِلَى أَضْعَاف مَا تحْتَاج إِلَيْهَا غَيرهَا، ولهذه الْمعَانِي قَالَ عمر: " اخْشَوْشِنُوا وتحفوا ". وَأما زِيّ أهل الشّرك وَالْإِشَارَة إِلَى مَا ينفردون بِهِ، فَنهى عَن التَّشَبُّه بهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 ولبوس الْحَرِير: لبسه. وَقَوله: إِلَّا مَوضِع إِصْبَعَيْنِ أَو ثَلَاث أَو أَربع. الْإِشَارَة بِهَذَا إِلَى الْعلم الْحَرِير فِي الثَّوْب، وَقد أَفَادَ إِبَاحَة مَا هَذَا قدره، فَلَا يجوز أَكثر من أَربع أَصَابِع. وَقَالَ أَبُو بكر بن عبد الْعَزِيز من أَصْحَابنَا: يُبَاح ذَلِك، وَإِن كَانَ مذهبا، وَكَذَلِكَ يُبَاح الرقعة فِي الثَّوْب، ولبنة الجيب. 38 - / 38 - الحَدِيث الْعشْرُونَ: قَالَ عمر: حملت على فرس فِي سَبِيل الله، فأضاعه الَّذِي كَانَ عِنْده، فَأَرَدْت أَن أشتريه، وظننت أَنه يَبِيعهُ برخص، فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " لَا تشتره، وَلَا تعد فِي صدقتك، وَإِن أعطاكه بدرهم؛ فَإِن الْعَائِد فِي صدقته كالعائد فِي قيئه " وَفِي لفظ: " كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه ". قَوْله: حملت على فرس: أَي وهبته لمن يركبه فِي سَبِيل الله، وَهَذَا مُبين فِي أَلْفَاظ كَثِيرَة جَاءَت لهَذَا الحَدِيث، مِنْهَا: أَن عمر تصدق بفرس لَهُ، فَوَجَدَهَا تبَاع. فَيكون النَّهْي عَن شِرَائِهِ تَنْزِيها، لِأَنَّهُ قد أخرج محبوبا لَهُ عَن قلبه، فَلَا يَنْبَغِي أَن يستعيده. وَمثل هَذَا حَدِيث ابْن عمر أَنه أعتق جَارِيَته رميثة، ثمَّ قَالَ: لَوْلَا أَن أَعُود فِي شَيْء جعلته لله لنكحتها، فَأَنْكحهَا نَافِعًا. والقيء مَهْمُوز، والعامة تثقله وَلَا تهمزه. وَالْمعْنَى أَن الْعود فِي الْهِبَة حرَام، كتناول الْقَيْء، وَإِنَّمَا ضرب الْمثل بالكلب لِأَنَّهُ أخس مَا يضْرب بِهِ الْمثل. الحديث: 38 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 39 - / 39 - الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: قدم على رَسُول الله سبي، فَإِذا امْرَأَة من السَّبي تسْعَى إِذا وجدت صَبيا فِي السَّبي أَخَذته فَأَلْصَقته بِبَطْنِهَا فأرضعته، فَقَالَ رَسُول الله: " أَتَرَوْنَ هَذِه الْمَرْأَة طارحة وَلَدهَا فِي النَّار؟ " قُلْنَا لَا، وَالله. قَالَ: " لله أرْحم بعباده من هَذِه بِوَلَدِهَا ". اعْلَم أَن هَذِه الْمَرْأَة سبيت دون وَلَدهَا، وَكَانَت تفعل هَذَا بالصبيان شوقا إِلَيْهِ، وَاعْلَم أَن رَحْمَة الله عز وَجل لَيست رقة، وَإِنَّمَا حَدثهمْ بِمَا يفهمون. فَمن عُمُوم رَحمته إرْسَال الرُّسُل، وإمهال المذنبين. فَإِذا جَحده الْكَافِر خرج إِلَى مقَام العناد فَلم يكن أَهلا للرحمة. وَأما خُصُوص رَحمته فلعباده الْمُؤمنِينَ، فَهُوَ يلطف بهم فِي الشدَّة والرخاء، يزِيد على لطف الوالدة بِوَلَدِهَا. 40 - / 41 - الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: من رِوَايَة سعد بن عبيد الله: أَنه شهد الْعِيد مَعَ عمر، فصلى ثمَّ خطب فَقَالَ: إِن رَسُول الله نهاكم عَن صَوْم هذَيْن الْيَوْمَيْنِ: أما أَحدهمَا فصوم فطركم من صومكم، وَأما الآخر فَيوم تَأْكُلُونَ فِيهِ من نسككم. ثمَّ شهدته مَعَ عُثْمَان وَكَانَ يَوْم جُمُعَة، فَقَالَ لأهل العوالي: من أحب مِنْكُم أَن ينْتَظر الْجُمُعَة فَلْيفْعَل، وَمن أحب أَن يرجع إِلَى أَهله فقد أذنا لَهُ. ثمَّ شهدته مَعَ عَليّ، فَخَطب وَقَالَ: إِن رَسُول الله قد نهاكم أَن الحديث: 39 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 تَأْكُلُوا من لُحُوم نسككم فَوق ثَلَاث. أما النَّهْي عَن صَوْم عيد الْفطر، فَإِنَّهُ إِذا تطوع فِيهِ بِالصَّوْمِ لم يبن الْمَفْرُوض من غَيره، وَلِهَذَا يسْتَحبّ أَن يَأْكُل قبل أَن يخرج إِلَى الصَّلَاة. وَأما عيد الْأَضْحَى فَأمر فِيهِ بالإفطار ليَأْكُل المضحي من أضحيته، ثمَّ النَّاس فِيهِ تبع لوفد الله عز وَجل عِنْد بَيته، وهم كالضيف وَلَا يحسن صَوْمه عِنْد مضيفه. فَإِن نذر إِنْسَان صَوْم يَوْم الْعِيد، فعندنا أَنه ينْعَقد نَذره، وَلَكِن لَا يَصُوم، بل يقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ وَيكفر كَفَّارَة يَمِين. وَعَن أَحْمد: يكفر من غير قَضَاء. وَنقل عَنهُ مهنا. مَا يدل على أَنه إِذا صَامَهُ صَحَّ صَوْمه. وَقَالَ القَاضِي أَبُو يعلى: قِيَاس الْمَذْهَب أَنه لَا يَصح صَوْمه لأجل النَّهْي. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح نَذره وَيلْزمهُ الْقَضَاء بِلَا كَفَّارَة، فَإِن صَامَهُ أَجزَأَهُ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا ينْعَقد نَذره وَلَا يلْزمه قَضَاء وَلَا كَفَّارَة. فَأَما النّسك فَهُوَ الذّبْح. وَأما إِذا اتّفق الْعِيد يَوْم الْجُمُعَة فعندنا أَنه يَجْزِي حُضُوره عَن حُضُور الْجُمُعَة، وَهُوَ قَول الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ خلافًا لأكثرهم. وَيدل على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 مَذْهَبنَا مَا روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث زيد بن أَرقم: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الْعِيد ثمَّ رخص فِي الْجُمُعَة. وَإِنَّمَا خص عُثْمَان أهل العوالي بِالْإِذْنِ لبعد مَنَازِلهمْ، وَعلم أَن من قرب منزله لم يُؤثر ترك الْفَضِيلَة فِي حُضُور الْجُمُعَة. وَأما النَّهْي عَن لُحُوم النّسك فَوق ثَلَاث فقد حمله عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام على ظَاهر لَفظه. وَكَأَنَّهُ لم يبلغهُ سَبَب النَّهْي، وَلِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذن فِي ذَلِك بعد الْمَنْع. وَإِنَّمَا كَانَ سَبَب نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن قوما من الْعَرَب أَصَابَتْهُم فاقة، فَدَخَلُوا الْمَدِينَة من الْجُوع، وَأحب أَن يواسوا، وَسَيَأْتِي هَذَا فِي مُسْند عَائِشَة مشروحا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 41 - / 42 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: أَن عمر قبل الْحجر وَقَالَ: إِنِّي لأعْلم أَنَّك حجر مَا تَنْفَع وَلَا تضر، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله يقبلك مَا قبلتك وَفِي لفظ آخر: وَلَكِن رَأَيْت رَسُول الله بك حفيا. فِي هَذَا الحَدِيث فنان من الْعلم: أَحدهمَا: أَن عمر لما علم إلْف الْجَاهِلِيَّة للحجارة تكلم بِهَذَا كالمعتذر من مس الْحجر، وَبَين أَنه لَوْلَا الشَّرْع لم أفعل شَيْئا من جنس مَا كُنَّا فِيهِ. وَالثَّانِي: أَن السّنَن تتبع وَإِن لم يطلع على مَعَانِيهَا، على أَنه قد علم سَبَب تَعْظِيم الْحجر، وَذَلِكَ من وَجْهَيْن منقولين فِي الحَدِيث: أَحدهمَا: أَن الله عز وَجل لما أَخذ الْمِيثَاق من ذُرِّيَّة بني آدم أودعهُ الحديث: 41 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 الْحجر. وَالثَّانِي: أَن الْحجر يَمِين الله فِي الأَرْض، وَقد جرت عَادَة من يُبَايع الْملك بتقبيل يَده، فَجعل الْحجر مَكَان الْيَد على جِهَة التَّمْثِيل، وَإِن كَانَ لَا مثل. وَأما الحفي فَهُوَ المواظب على الشَّيْء المعني بِهِ. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: الحفي فِي كَلَام الْعَرَب: المعني بالشَّيْء. 42 - / 43 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: قَالَ عدي بن حَاتِم: ثمَّ أتيت عمر من حِيَال وَجهه: أَي من قبل وَجهه. وَقَوله: أول صَدَقَة بيضت وَجه رَسُول الله: أَي سر بهَا، فكنى بالتبيض عَن السرُور؛ لِأَن المسرور يشرق وَجهه، بِخِلَاف المغموم. وأجحفت بهم الْفَاقَة: بِمَعْنى ذهبت بِأَمْوَالِهِمْ فافتقروا. 43 - / 44 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: قَالَ عمر: إِن عجل بِي أَمر فالخلافة شُورَى بَين هَؤُلَاءِ السِّتَّة. أَي لَا ينْفَرد أحد مِنْهُم بالخلافة إِلَّا بعد تشَاور النَّاس واجتماعهم. والستة: عَليّ، وَعُثْمَان، وَطَلْحَة، وَالزُّبَيْر، وَعبد الرَّحْمَن، وَسعد. وَقَوله: قد علمت أَن أَقْوَامًا يطعنون فِي هَذَا الْأَمر: أَي لَا يرضون بالذين اخترتهم، وَلَا بالذين يرضى بهم الْمُسلمُونَ، إيثارا لأهوائهم فِيمَن يريدونه. الحديث: 42 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وَقَوله: أُولَئِكَ الْكَفَرَة. إِن قيل: وَكَيف سماهم بالكفرة؟ فَالْجَوَاب: أَنه إِن عَنى الْمُنَافِقين فهم كفار، ومرادهم الْهوى والعنت. وَإِن عَنى الْمُسلمين فَقَوله يحْتَمل وَجْهَيْن: الأول: أَن أفعالهم فِي ذَلِك أَفعَال الْكَفَرَة من الْخلاف ووفاق الْهوى. وَالثَّانِي: أَنهم قد كفرُوا نعْمَة الله بمخالفتهم الْمُسلمين. وَقَوله: لَا أدع شَيْئا أهم من الْكَلَالَة. وَقد تكلمنا فِي الْكَلَالَة فِي الحَدِيث السَّابِع من هَذَا الْمسند. وَقَوله: " يَكْفِيك آيَة الصَّيف " وَهِي آخر سُورَة النِّسَاء، وَإِنَّمَا نَسَبهَا إِلَى الصَّيف لِأَنَّهَا نزلت فِي الصَّيف. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: يشبه أَن يكون لم يفته، ووكل الْأَمر إِلَى بَيَان الْآيَة اعْتِمَادًا على علمه وفقهه ليتوصل إِلَى مَعْرفَتهَا بِالِاجْتِهَادِ، وَلَو كَانَ السَّائِل مِمَّن لَا فهم لَهُ لبين لَهُ الْبَيَان الشافي. فَإِن الله عز وَجل أنزل فِي الْكَلَالَة آيَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا فِي الشتَاء، وَهِي الَّتِي فِي أول سُورَة النِّسَاء، وفيهَا إِجْمَال وإبهام لَا يكَاد يبين الْمَعْنى من ظَاهرهَا، ثمَّ أنزل الْآيَة الَّتِي فِي آخر النِّسَاء فِي الصَّيف، وفيهَا زِيَادَة بَيَان. وَقَوله: إِن أعش أقض فِيهَا. رُبمَا قَالَ قَائِل: فَهَلا قضى قبل مَوته؟ فَالْجَوَاب: أَن قَضَاءَهُ فِيهَا لَا يكون عَن بصر، وَإِنَّمَا يكون عَن اجْتِهَاد، وَالِاجْتِهَاد يحْتَاج إِلَى ترو لَا يحْتَملهُ مَرضه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وَقَوله: أوصيكم بالأنصار. وَهَذَا اسْم لأهل الْمَدِينَة الَّذين نصروا رَسُول الله وآووه حِين هَاجر إِلَيْهِم. وَقَوله: إِنَّهُم شعب الْإِسْلَام: الشّعب: طَرِيق بَين جبلين، فشبههم بِالطَّرِيقِ الَّذِي يكتنفه الجبلان. وَقَوله: إِنَّه مادتكم. الْمَادَّة: أصل الشَّيْء الَّذِي يستمد مِنْهُ، ويستعين بِهِ. وعنى أَنكُمْ تستمدون مِنْهُم الْمَنَافِع، كَمَا يستمد أهل الْبَلَد من أهل الْقرى. وَقَوله: ورزق عيالكم: يَعْنِي مَا يُؤْخَذ مِنْهُم من الْجِزْيَة. 44 - / 45 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: قَالَ ابْن عمر: مَا سَمِعت عمر يَقُول لشَيْء قطّ: إِنِّي لأظنه كَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يظنّ: بَينا عمر جَالس مر بِهِ رجل جميل، فَقَالَ: لقد أَخطَأ ظَنِّي أَو إِن هَذَا على دينه فِي الْجَاهِلِيَّة، أَو لقد كَانَ كاهنهم، عَليّ الرجل: فدعي لَهُ، فَقَالَ لَهُ ذَلِك، فَقَالَ: كنت كاهنهم. أما صِحَة الظَّن فَهُوَ من قُوَّة الذكاء والفطنة، فَإِن الفطن يرى من السمات والأمارات مَا يسْتَدلّ بِهِ على الْخَفي، ثمَّ لَا يستبعد هَذَا من مثل عمر الْمُحدث الملهم. وَقد قَالَ بعض الْحُكَمَاء: ظن الْعَاقِل كهَانَة. وَقَالَ آخر: إِذا رَأَيْت الرجل موليا علمت حَاله. قيل: فَإِن رَأَيْت وَجهه؟ قَالَ: ذَاك حِين أَقرَأ مَا فِي قلبه كالخط. وَقد كَانُوا يعتبرون أَحْوَال الرجل بخلقه، قَالَ الشَّافِعِي: احذر الحديث: 44 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الْأَعْوَر، والأحول، والأعرج، والأحدب، والكوسج، وكل من بِهِ عاهة فِي بدنه، وكل نَاقص الْخلق، فَإِنَّهُم أَصْحَاب خب، وَقَالَ: مَرَرْت فِي طريقي بِفنَاء دَار رجل أَزْرَق الْعين، ناتئ الْجَبْهَة، سناط، فَقلت: هَل من منزل؟ قَالَ: نعم. قَالَ الشَّافِعِي: وَهَذَا النَّعْت أَخبث مَا يكون فِي الفراسة، فأنزلني وأكرمني، فَقلت: أغسل كتب الفراسة إِذْ رَأَيْت هَذَا، فَلَمَّا أَصبَحت قلت لَهُ: إِذا قدمت مَكَّة فسل عَن الشَّافِعِي. فَقَالَ: أمولى لأَبِيك كنت؟ فَقلت: لَا. قَالَ: أَيْن مَا تكلفت لَهُ البارحة؟ فوزنت مَا تكلّف، وَقلت: بَقِي شَيْء آخر؟ قَالَ: كِرَاء الدَّار، ضيقت عَليّ نَفسِي. فوزنت لَهُ، فَقَالَ: امْضِ، أخزاك الله، فَمَا رَأَيْت أشر مِنْك. قَوْله: ألم تَرَ الْجِنّ وإبلاسها. قَالَ الْفراء: المبلس: الآيس الْمُنْقَطع رجاؤه، وَلذَلِك قيل للَّذي يسكت عِنْد انْقِطَاع حجَّته: قد أبلس. قَالَ العجاج: (يَا صَاح هَل تعرف رسما مكرسا ... ) (قَالَ: نعم، أعرفهُ وأبلسا ... ) أَي: لم يحر جَوَابا. والمكرس: الَّذِي بعرت فِيهِ الْإِبِل وبولت، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 فَركب بعضه بَعْضًا. وَقَوله: ويأسها من بعد إيناسها. أنست الشَّيْء: أبصرته وأدركته. فَكَأَن الْجِنّ يئست مِمَّا كَانَت تُدْرِكهُ ببعثة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. والقلاص جمع قلُوص: وَهِي النَّاقة الصابرة على السّير. وَقيل: هِيَ الطَّوِيلَة القوائم، والأحلاس جمع حلْس: وَهُوَ مَا يَجْعَل على ظهر الْبَعِير للتوطئة كالبرذعة. وَالْمرَاد بِهَذَا أَن الْجِنّ لما علمت بِظُهُور رَسُول الله تحيرت ويئست من نيل مرادها، فبعدت وَاسْتَوْحَشْت بعد انبساطها وأنسها. وَقَوله: يَا جليح: اسْم شخص. أَمر نجيح: أَي سريع، من النجاح: وَهُوَ الظفر بالمراد. وَهَذَا من الهواتف المنذرة ببعثة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. أخبرنَا هبة الله بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنَا الْحسن بن عَليّ قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن جَعْفَر قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بكر قَالَ: أخبرنَا عبد الله بن أبي زِيَاد قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن كثير عَن مُجَاهِد قَالَ: حَدثنَا شيخ أدْرك الْجَاهِلِيَّة يُقَال لَهُ ابْن عبس قَالَ: كنت أسوق بقرة لآل لنا، فَسمِعت من جوفها: يال ذريح، قَول فصيح، رجل يَصِيح: أَن لَا إِلَه إِلَّا الله. قَالَ: فقدمنا مَكَّة، فَوَجَدنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد خرج بِمَكَّة. وَقَوله: فَمَا نشبنا أَن قيل: هَذَا نَبِي. أَي: مَا تَأَخّر ذَلِك. وَالْمعْنَى: مَا نشبنا فِي أَمر سوى هَذَا الْأَمر، أَي إِنَّه كَانَ عَاجلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 45 - / 46 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: لما فدع أهل خَيْبَر عبد الله بن عمر. الفدع: إِزَالَة المفاصل عَن أماكنها، وَذَلِكَ بِأَن تزِيغ الْيَد عَن عظم الزند، وَالرجل عَن عظم السَّاق. وَقَوله: عَامل رَسُول الله يهود خَيْبَر على أَمْوَالهم: أَي أَعْطَاهُم الشّجر وَالنَّخْل يعْملُونَ فِيهَا. وَقَوله: نقركم مَا أقركم الله: يُرِيد: إِن أمرنَا بحقكم بِغَيْر ذَلِك فعلنَا. وَقَوله: هم تهمتنا: أَي الَّذين نتهمهم بذلك. والإجلاء: الْإِخْرَاج عَن المَال والوطن على وَجه الإزعاج وَالْكَرَاهَة. والقلوص: قد ذَكرنَاهَا فِي الحَدِيث الَّذِي قبله. وَفِي لفظ: كَيفَ بك إِذا رقصت بك راحلتك: أَي خبت بك: وَهُوَ ضرب من الْعَدو. وأرقصها راكبها: إِذا حملهَا على ذَلِك. والهزيلة: تَصْغِير الْهزْل، وَهُوَ ضد الْجد. والصفراء: الذَّهَب. والبيضاء: الْفضة. وَالْحَلقَة: السِّلَاح. والمسك بِفَتْح الْمِيم وتسكين السِّين: الإهاب. والنكث: نقض الْعَهْد. والشطر: النّصْف. والرشوة: إِعْطَاء شَيْء لفعل شَيْء. والسحت: الْحَرَام، وَفِيه لُغَتَانِ سحت وسحت، كشغل وشغل، الحديث: 45 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وَعمر وَعمر. قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي: هما جَمِيعًا اسْم للشَّيْء المسحوت وليسا بِالْمَصْدَرِ. وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على جَوَاز الْمُسَاقَاة فِي النّخل وَالْكَرم وَالشَّجر وكل أصل لَهُ ثَمَر، وَهُوَ أَن يدْفع الرجل نخله وَكَرمه إِلَى رجل يعْمل فِيهَا بِمَا يصلحها، وَيكون لَهُ الشّطْر من ثَمَرهَا. فَهَذَا جَائِز عِنْد أَحْمد. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز الْمُسَاقَاة فِي النّخل وَالْكَرم، وَله فِي بَقِيَّة الشّجر قَولَانِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز بِحَال. وَقَالَ دَاوُد: لَا يجوز إِلَّا فِي النّخل. وَقَوله: وَكَانَ ابْن رَوَاحَة يخرصها عَلَيْهِم: أَي يحزر ثَمَرهَا. والوسق: سِتُّونَ صَاعا، والصاع: خَمْسَة أَرْطَال وَثلث. وَقَوله: فَقَسمهَا عمر بَين من كَانَ شهد خَيْبَر من أهل الْحُدَيْبِيَة: وَذَلِكَ لِأَن أهل الْحُدَيْبِيَة لما انصرفوا عَن الْحُدَيْبِيَة بِالصُّلْحِ وعدهم الله تَعَالَى فتح خَيْبَر. وَخص بهَا من شهد الْحُدَيْبِيَة، فَقَالَ من تخلف عَن الْحُدَيْبِيَة {ذرونا نتبعكم} إِلَى خَيْبَر، فَقَالَ الله عز وَجل: {سَيَقُولُ الْمُخَلفُونَ} الَّذين تخلفوا عَن الْحُدَيْبِيَة {إِذا انطلقتم إِلَى مَغَانِم} وَهِي خَيْبَر {ذرونا نتبعكم يُرِيدُونَ أَن يبدلوا كَلَام الله} أَي مواعيده بغنيمة خَيْبَر لأهل الْحُدَيْبِيَة خَاصَّة {كذلكم قَالَ الله من قبل} إِن غَنَائِم خَيْبَر لمن شهد الْحُدَيْبِيَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 46 - / 47 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: أَن غُلَاما قتل غيلَة، فَقَالَ عمر: لَو اشْترك فِيهَا أهل صنعاء لقتلتهم. قَالَ أَبُو عبيد: الغيلة: أَن يخدع الْإِنْسَان بالشَّيْء حَتَّى يصير إِلَى مَوضِع يخفى، فَإِذا صَار إِلَيْهِ قتل. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن الْجَمَاعَة يقتلُون بِالْوَاحِدِ، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل. وَعَن أَحْمد رِوَايَة: لَا يقتلُون، بل يجب عَلَيْهِم الدِّيَة، وَهُوَ قَول دَاوُد. 47 - / 48 - الحَدِيث الرَّابِع: قَالَ ابْن عمر: لما فتح هَذَانِ المصران أَتَوا عمر فَقَالُوا: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن رَسُول الله حد لأهل نجد قرنا، وَإنَّهُ جور عَن طريقنا، وَإِنَّا إِن أردنَا أَن نأتي قرنا شقّ علينا. قَالَ: فانظروا حذوها من طريقكم. قَالَ: فحد لَهُم ذَات عرق. الْمصر: الْبَلَد. قَالَ ابْن فَارس: إِن الْمصر الْحَد. وَأهل هجر يَكْتُبُونَ فِي شروطهم: اشْترى فلَان الدَّار بمصورها: أَي بحدودها. قَالَ عدي: (وجاعل الشَّمْس مصرا لاخفاء بِهِ ... بَين النَّهَار وَبَين اللَّيْل قد فصلا) قَالَ الْمفضل الضَّبِّيّ: وَسميت مصر الْمَعْرُوفَة مصر؛ لِأَنَّهَا آخر الحديث: 46 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 حُدُود الْمشرق وَأول حُدُود الْمغرب، فَهِيَ حد بَينهمَا. وَالْمرَاد بالمصرين: الْكُوفَة وَالْبَصْرَة. وَلما افْتتح سعد بن أبي وَقاص الْقَادِسِيَّة نزل الْكُوفَة، وخطها لقبائل الْعَرَب، وابتنى بهَا دَارا، ووليها لعمر وَعُثْمَان. وَكَانَ سلمَان الْفَارِسِي يَقُول: الْكُوفَة قبَّة الْإِسْلَام. وَفِي تَسْمِيَتهَا بِالْكُوفَةِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنَّهَا من قَوْلهم: تكوف الرمل: إِذا ركب بعضه بَعْضًا. وَالثَّانِي: استدارة النّخل بهَا. وَالثَّالِث: انها من الكوفان، يُقَال: للشر كوفان، وكوفان، ذكرهن ابْن فَارس. فَأَما الْبَصْرَة فَقَالَ مُصعب بن مُحَمَّد: إِنَّمَا سميت بصرة لِأَنَّهَا كَانَت فِيهَا حِجَارَة سود. وَالَّذِي فتحهَا عتبَة بن غَزوَان، وَهُوَ الَّذِي اختطها. فَلَمَّا شكا أهل هَاتين البلدتين إِلَى عمر مَا يصعب عَلَيْهِم من قصد قرن حد لَهُم ذَات عرق، وَإِنَّمَا حَدهَا لَهُم لِأَنَّهَا حَذْو قرن: أَي محاذيتها، تَقول: هَذَا حَذْو هَذَا، ووازن هَذَا. وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه حد ذَات عرق، وَلَكِن الصَّحِيح مَا ذَكرْنَاهُ، وَقد تبع النَّاس رَأْي عمر فِي ذَلِك إِلَى زَمَاننَا هَذَا، وَسَيَأْتِي ذكر الْمَوَاقِيت فِي مُسْند ابْن عَبَّاس إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وَأما نجد فَالْأَصْل فِيهَا الِارْتفَاع، يُقَال للْأَرْض المرتفعة نجد، وخلافها الْغَوْر، لِأَنَّهُ من الهبوط. والجور. الْميل عَن الْقَصْد. 48 - / 49 - الحَدِيث الْخَامِس: أَن عمر قَرَأَ السَّجْدَة فَلم يسْجد، وَقَالَ: لم يفْرض علينا السُّجُود. وَهَذَا دَلِيل على أَن سُجُود التِّلَاوَة لَا يجب، وَإِنَّمَا هُوَ سنة، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل وَدَاوُد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ وَاجِب. فَأَما إِذا ركع بَدَلا من السُّجُود فَإِنَّهُ لَا يَجْزِي، وَهُوَ قَول أَحْمد وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ ركع وَإِن شَاءَ سجد. وَأما إِذا قَرَأَ الْإِنْسَان سَجْدَة فَسجدَ ثمَّ أعَاد، فعندنا أَنه يسن أَن يُعِيد السُّجُود. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُعِيد. وَعِنْدنَا أَنه لَا يَصح سُجُود التِّلَاوَة إِلَّا بتكبيرة الْإِحْرَام وَالسَّلَام، خلافًا لأَصْحَاب أبي حنيفَة وَبَعض الشَّافِعِيَّة. 49 - / 50 - الحَدِيث السَّادِس: قَالَ ابْن عمر: بَينا عمر فِي الدَّار خَائفًا، إِذْ جَاءَهُ الْعَاصِ بن وَائِل السَّهْمِي وَعَلِيهِ حلَّة حبر وقميص مكفوف بحرير، وَهُوَ من بني سهم، وهم حلفاؤنا فِي الْجَاهِلِيَّة، الحديث: 48 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 فَقَالَ لَهُ: مَا مَالك؟ قَالَ: زعم قَوْمك أَنهم سيقتلونني أَن أسلمت. قَالَ: لَا سَبِيل إِلَيْك، أمنت، فَخرج الْعَاصِ، فلقي النَّاس قد سَالَ بهم الْوَادي، فَقَالَ: أَيْن تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيد ابْن الْخطاب الَّذِي صَبأ قَالَ: لَا سَبِيل إِلَيْهِ. فكر النَّاس. أما خوف عمر؛ فَلِأَنَّهُ أسلم، وَفعل يَوْم إِسْلَامه مَا كَاد بِهِ الْمُشْركين وغاظهم، فَلذَلِك تواعدوه بِالْقَتْلِ. أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن أَحْمد قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي شيبَة قَالَ: حَدثنَا عبد الحميد بن صَالح قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن أبان عَن إِسْحَق بن عبد الله عَن أبان بن صَالح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَأَلت عمر: لأي شَيْء سميت الْفَارُوق؟ قَالَ: أسلم حَمْزَة قبلي بِثَلَاثَة أَيَّام، ثمَّ شرح الله صَدْرِي لِلْإِسْلَامِ، فَقلت: {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحسنى} فَمَا فِي الأَرْض نسمَة أحب إِلَيّ من نسمَة رَسُول الله. فَقلت أَيْن رَسُول الله؟ قَالَت أُخْتِي: هُوَ فِي دَار الأرقم بن الأرقم عِنْد الصَّفَا، فَأتيت الدَّار وَحَمْزَة فِي أَصْحَابه جُلُوس فِي الدَّار، وَرَسُول الله فِي الْبَيْت، فَضربت الْبَاب، فَاسْتَجْمَعَ الْقَوْم، فَقَالَ لَهُم حَمْزَة: مالكم؟ قَالُوا: عمر بن الْخطاب. قَالَ فَخرج رَسُول الله، فَأخذ بِمَجَامِع ثِيَابه ثمَّ نثره نثرة، فَمَا تمالك أَن وَقع على رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: " مَا أَنْت بمنته يَا عمر " قَالَ: قلت: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. قَالَ: فَكبر أهل الدَّار تَكْبِيرَة سَمعهَا أهل الْمَسْجِد. قَالَ: فَقلت: يَا رَسُول الله، أَلسنا على الْحق إِن متْنا وَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 حيينا؟ قَالَ: " بلَى، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّكُم على الْحق إِن متم وَإِن حييتُمْ " قَالَ: فَقلت: فَفِيمَ الاختفاء وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ؟ فأخرجناه فِي صفّين، حَمْزَة فِي أَحدهمَا وَأَنا فِي الآخر، لَهُ كديد ككديد الطحين حَتَّى دَخَلنَا الْمَسْجِد، فَنَظَرت إِلَيّ قُرَيْش وَإِلَى حَمْزَة، فَأَصَابَتْهُمْ كآبة لم يصبهم مثلهَا، فسماني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ الْفَارُوق، وَفرق الله بِي بَين الْحق وَالْبَاطِل. أما الْعَاصِ بن وَائِل فَهُوَ أَبُو عَمْرو. والحلة: لَا تكون إِلَّا ثَوْبَيْنِ، قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: الْحلَّة ثَوْبَان: إِزَار ورداء، وَلَا تسمى حلَّة حَتَّى تكون جَدِيدَة تحل عَن طيها. فَأَما الحبر فَهُوَ نوع من البرود مخطط. والحلفاء جَمِيع حَلِيف، وَكَانُوا يتحالفون فِي الْجَاهِلِيَّة على الْمُوَالَاة والنصرة، ويتوارثون بذلك. وسال بهم الْوَادي: سالوا فِيهِ، وَهَذَا تجوز، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لكثرتهم وإسراعهم، فشبههم بالسيل. وصبأ بِمَعْنى خرج من دين إِلَى دين، يُقَال: صَبأ نَاب الْبَعِير: أَي طلع، وَهُوَ مَهْمُوز. وَقَوله: فكر النَّاس: أَي رجعُوا. 50 - / 51 - الحَدِيث السَّابِع: أَن عمر قَالَ لأبي مُوسَى: هَل يَسُرك أَن إسْلَامنَا مَعَ رَسُول الله، وهجرتنا مَعَه، وجهادنا مَعَه، وعملنا كُله الحديث: 50 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 مَعَه برد لنا، وَإِن كل عمل عَمِلْنَاهُ بعده نجونا مِنْهُ كفافا، رَأْسا بِرَأْس؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَا وَالله، قد جاهدنا بعد رَسُول الله، وصلينا وصمنا، وعملنا خيرا كثيرا، وَأسلم على أَيْدِينَا بشر كثير، وَإِنَّا لنَرْجُو ذَلِك. قَالَ عمر: لكني أَنا وددت ذَلِك. برد: بِمَعْنى ثَبت لنا ثَوَابه وخلص. وَقَوله: كفافا: كِنَايَة عَن الْمُسَاوَاة. يُقَال خرجت من فعلي كفافا: أَي لَا لي شَيْء وَلَا عَليّ شَيْء. وَالَّذِي تلمحه عمر أَن جد الطَّالِب فِي بداية أمره صَاف عَن الشوائب، وَلِهَذَا أوجب فِرَاقه الْأَهْل وَالْمَال، وَالصَّبْر الشَّديد على الشدائد. وَيحْتَمل أَن يكون عمر إِنَّمَا خَافَ مَا دخل فِيهِ من الْولَايَة. 51 - / 52 - الحَدِيث الثَّامِن: قَالَ عمر: لما مَاتَ عبد الله بن أبي بن سلول دعِي لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليُصَلِّي عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَامَ رَسُول الله وَثَبت إِلَيْهِ فَقلت: أَتُصَلِّي على ابْن أبي وَقد قَالَ يَوْم كَذَا: كَذَا وَكَذَا. كَانَ عبد الله بن أبي سيد الْخَزْرَج فِي آخر جاهليتهم، فَلَمَّا ظهر النَّبِي حسده، ونافق، وَهُوَ ابْن خَالَة أبي عَامر الراهب الَّذِي ترهب فِي الْجَاهِلِيَّة، فَلَمَّا بعث رَسُول الله حسده أَبُو عَامر أَيْضا. وَكَانَ المُنَافِقُونَ خلقا كثيرا، حَتَّى إِنَّه قد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: كَانُوا ثَلَاثمِائَة رجل، وَمِائَة وَسبعين امْرَأَة. وَقد أحصينا من عرفنَا مِنْهُم فِي الحديث: 51 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 كتَابنَا الْمُسَمّى ب " التلقيح "، إِلَّا أَن ابْن أبي كَانَ رَأس الْقَوْم، وَأبي: أَبوهُ، وسلول: اسْم أم أَبِيه، فَهُوَ عبد الله بن أبي بن مَالك. وَيُقَال: ابْن سلول، فسلول أم أبي لَا أم عبد الله، فَتَارَة ينْسب أبي إِلَيْهَا، وَتارَة إِلَى أَبِيه مَالك. هَكَذَا ذكره ابْن سعد. وَقَوله: " إِنِّي خيرت فاخترت " يُشِير إِلَى قَوْله تَعَالَى: {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله لَهُم} [التَّوْبَة: 80] وَإِنَّمَا فعل هَذَا رَسُول الله لثَلَاثَة معَان: أَحدهَا: لسعة حلمه عَمَّن يُؤْذِيه. وَالثَّانِي: لرحمة الْخلق عِنْد تلمح جَرَيَان الأقدار عَلَيْهِم. وَالثَّالِث: لإكرام وَلَده، وَكَانَ وَلَده اسْمه عبد الله أَيْضا، وَقد شهد بَدْرًا. 52 - / 53 - الحَدِيث التَّاسِع: لما قدم عُيَيْنَة بن حصن نزل على ابْن أَخِيه الْحر بن قيس بن حصن، وَكَانَ من النَّفر الَّذين يدنيهم عمر، وَكَانَ الْقُرَّاء أَصْحَاب عمر ومشاورته، كهولا كَانُوا أَو شبانا. أما عُيَيْنَة فَكَانَ اسْمه حُذَيْفَة، فأصابته لقُوَّة فجحظت عينه، فَسُمي عُيَيْنَة، وَهُوَ مَعْدُود فِي الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم. والقراء: يُرَاد بهم قراء الْقُرْآن. وَيُرَاد بهم أهل التَّعَبُّد والزهد. الحديث: 52 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 وَقَوله: مَا تُعْطِينَا الجزل. الجزل: مَا كثر من الْعَطاء. وَأَصله مَا عظم من الْحَطب، فاستعير للكثير. وَقَوله: خُذ الْعَفو. الْعَفو: الميسور. يُقَال: خُذ منا مَا عَفا لَك: أَي مَا أَتَاك سهلا بِلَا إِكْرَاه وَلَا مشقة. وللمفسرين فِي المُرَاد بِهَذَا الْعَفو ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه التجاوز عَن أَخْلَاق النَّاس. قَالَه ابْن الزبير، وَالْحسن، وَمُجاهد. فَيكون الْمَعْنى: لَا تستقص عَلَيْهِم وسامح فِي المخالطة. الثَّانِي: أَنه المَال، ثمَّ فِي المُرَاد بِهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه الزَّكَاة، قَالَه مُجَاهِد. وَالثَّانِي: صَدَقَة كَانَت تُؤْخَذ قبل فرض الزَّكَاة ثمَّ نسخت بِالزَّكَاةِ، رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّالِث: أَن المُرَاد بهَا مساهلة الْمُشْركين وَالْعَفو عَنْهُم، ثمَّ نسخ بِآيَة السَّيْف قَالَه ابْن زيد. قَوْله: {وَأمر بِالْعرْفِ} [الْأَعْرَاف: 199] الْعرف وَالْمَعْرُوف: مَا عرف من طَاعَة الله عز وَجل. قَوْله: مَا جاوزها عمر: الْمَعْنى أَنه وقف عِنْد سماعهَا عَن إِمْضَاء مَا هم بِهِ من الْعقُوبَة. 53 - / 54 - الحَدِيث الْعَاشِر: عمل بِالْمَعَاصِي حَتَّى أغرق أَعماله. الحديث: 53 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 أَي أبطلها وأفسدها فَذهب نَفعهَا كَمَا تذْهب نفس الغريق بِالْغَرَقِ. 54 - / 55 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: سَمِعت رَسُول الله وَهُوَ بوادي العقيق بقوله: " أَتَانِي اللَّيْلَة آتٍ من رَبِّي فَقَالَ: صل فِي هَذَا الْوَادي الْمُبَارك، وَقل: عمْرَة فِي حجَّة ". أما وَادي العقيق، فَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: هُوَ مِيقَات لأهل الْعرَاق، وَكَانَ الشَّافِعِي يسْتَحبّ أَن يحرم أهل الْعرَاق من العقيق، وَإِن أَحْرمُوا من ذَات عرق أجزأهم. وَأما الْعمرَة، فَقَالَ الزّجاج: هِيَ الْقَصْد، وكل قَاصد شَيْئا فقد اعتمره، وَكَذَلِكَ الْحَج. وَذكر ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْعمرَة قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا أَنَّهَا الزِّيَارَة. وَالثَّانِي: الْقَصْد. وَفِي الْحَج لُغَتَانِ: فتح الْحَاء، وَكسرهَا. وَقَالَ ثَعْلَب: هُوَ بِالْفَتْح مصدر، وبالكسر اسْم. وَهَذَا الحَدِيث يحْتَج بِهِ الحنفيون، لِأَن الْقرَان عِنْدهم أفضل. وَقد أجِيبُوا أَن فِي بعض أَلْفَاظه الصَّحِيحَة: عمْرَة وَحجَّة. على أَن لَفْظَة فِي قد تكون بِمَعْنى " مَعَ ". ثمَّ هُوَ مَحْمُول على معنى تحصيلهما جَمِيعًا، لِأَن عمْرَة الْمُتَمَتّع وَاقعَة فِي أشهر الْحَج. الحديث: 54 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 55 - / 56 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: قَالَ عَمْرو بن مَيْمُون: رَأَيْت عمر قبل أَن يصاب بأيام وقف على حُذَيْفَة وَعُثْمَان بن حنيف فَقَالَ: كَيفَ فعلتما؟ أتخافان أَن تَكُونَا قد حملتما الأَرْض مَا لَا تطِيق؟ . أما قَول عمر لِحُذَيْفَة وَعُثْمَان: أتخافان أَن تَكُونَا حملتما الأَرْض. كَانَ عمر قد بعثهما لأخذ الْخراج، فَقَالَ: أتخافان أَن تكون حملتما الأَرْض مَا لَا تطِيق؟ إِشَارَة إِلَى الْخراج. والأرامل: جمع أرملة: وَهِي الْمَرْأَة الَّتِي لَا زوج لَهَا. وَيُقَال للرجل إِذا لم تكن لَهُ زَوْجَة أرمل أَيْضا: وَأَرَادَ عمر بغنى الأرامل مَا يفْرض لَهُنَّ فِي بَيت المَال. والخلل: الفرجة بَين الشَّيْئَيْنِ، بِضَم الْفَاء. فَأَما الفرجة بِفَتْحِهَا فانفراج الْهم. وَقَوله: أكلني الْكَلْب: ظن عمر أَن كَلْبا قد عضه لما جرح، وَكَانَ يَقُول لَهُم: لقد طعنني وَمَا أَظُنهُ إِلَّا كَلْبا حَتَّى طعنني الثَّالِثَة. وَقَوله: فطار العلج: أَي أسْرع فِي مَشْيه إِلَى عمر يدْفع النَّاس، فَشبه إسراعه بإسراع الطَّائِر. والعلج: الرجل الشَّديد. وَيُقَال: إِن اشتقاقه من المعالجة: وَهِي مزاولة الشَّيْء، وَيُقَال للأعجمي علج. وَالْأَصْل فِي العلج أَنه حمَار الْوَحْش. والبرنس: كسَاء، وَهُوَ مُبين فِي الحَدِيث: أَنه طرح عَلَيْهِ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ خميصة كَانَت عَلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي احتز الحديث: 55 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 رَأسه بعد أَن قتل نَفسه. وَقَوله: آلصنع؟ يُرِيد: الَّذِي يحسن الصِّنَاعَة. يُقَال: رجل صنع، وَامْرَأَة صناع. وَكَانَ أَبُو لؤلؤة حدادا نقاشا نجارا، واسْمه فَيْرُوز. وَقَوله: قَاتله الله، فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: لَعنه الله، قَالَه ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: قَتله الله، قَالَه أَبُو عُبَيْدَة. وَالثَّالِث: عَادَاهُ الله، ذكره ابْن الْأَنْبَارِي. وَقَوله: الْحَمد لله الَّذِي لم يَجْعَل ميتتي بيد رجل مُسلم، كَانَ أَبُو لؤلؤة مجوسيا. وَقَوله: فاحملوني وَقل: يسْتَأْذن عمر. قد سبق اسْتِئْذَانه لعَائِشَة فِي حَيَاته، وَإِنَّمَا أَمرهم بِإِعَادَة الاسْتِئْذَان بعد مَوته ورعا، مَخَافَة أَن تكون أَذِنت لَهُ فِي حَيَاته حَيَاء ومحاباة. وَقد سمينا السِّتَّة أَصْحَاب الشورى فِي حَدِيث السَّقِيفَة، وَذكرنَا هُنَالك تَفْسِير كَلِمَات فِي هَذَا الحَدِيث. وَقَوله: يشهدكم عبد الله. طيب قلب ابْنه بِحُضُورِهِ مَعَ الْقَوْم، وَلم يستخلفه لفضل غَيره عَلَيْهِ. وَفِي الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين قَولَانِ. أَحدهمَا: أَنهم الَّذين صلوا الْقبْلَتَيْنِ. قَالَه أَبُو مُوسَى، وَسَعِيد بن الْمسيب. وَالثَّانِي: أَنهم الَّذين أدركوا بيعَة الرضْوَان، قَالَه الشّعبِيّ، وَابْن سِيرِين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 فعلى القَوْل الأول الْإِشَارَة إِلَى من هَاجر قبل تَحْويل الْقبْلَة، والقبلة حولت فِي نصف رَجَب سنة ثِنْتَيْنِ من الْهِجْرَة، وَقيل: فِي نصف شعْبَان، وعَلى الثَّانِي الْإِشَارَة إِلَى من هَاجر قبل الْحُدَيْبِيَة؛ لِأَن بيعَة الرضْوَان فِيهَا كَانَت، وغزوة الْحُدَيْبِيَة كَانَت فِي سنة سِتّ. وَالْأَنْصَار أهل الْمَدِينَة، سموا بذلك لأَنهم نصروا رَسُول الله. وَالْمرَاد بِالدَّار الْمَدِينَة. (وتبوءوا) بِمَعْنى نزلُوا الْمَدِينَة. وَالْمعْنَى تبوءوا الدَّار وآثروا الْإِيمَان. (من قبلهم) أَي من قبل هِجْرَة الْمُهَاجِرين. والأمصار: الْبلدَانِ. والردء: العون وَالْقُوَّة. يُقَال: فلَان ردء لفُلَان: أَي معينه ومقويه. وَقد سبق فِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين شرح الْمَادَّة. وحواشي المَال: مَا لَيْسَ من خِيَاره. وأصل الْحَوَاشِي: النواحي، وَيُشِير بذلك إِلَى الزَّكَاة. وَأهل الذِّمَّة: أهل الْكتاب. وَإِنَّمَا أوصى بهم ليَقَع الْوَفَاء لَهُم بِمَا عقده الشَّرْع. والرهط الَّذين ولاهم عمر هم السِّتَّة أهل الشورى. وَقَوله: لست بِالَّذِي أنافسكم: أَي لَا أحرص على أَن أغلب على مَا تتنافسون فِيهِ. وآلو: بِمَعْنى أقصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وانثال النَّاس عَلَيْهِ: أَي تتابعوا فِي الِاجْتِمَاع إِلَيْهِ. يُقَال: نثل مَا فِي كِنَانَته: أَي صب ذَلِك، فتتابع بعضه خلف بعض. وابهار اللَّيْل: مَعْنَاهُ انتصف، أَخذ من بهرة الشَّيْء: أَي وَسطه. وَيُقَال: تهور اللَّيْل: أَي أدبر وانهدم كَمَا يتهور الْبناء، قَالَه أَبُو عبيد. وَقَوله: وَكَانَ يخْشَى من عَليّ شَيْئا: أَي يحذر أَن يُخَالف،، وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله: لَك قرَابَة رَسُول الله والقدم فِي الْإِسْلَام: يَعْنِي السَّابِقَة والمنزلة. وَالْمعْنَى: لَك الْفضل الَّذِي قَدمته لتقدم عَلَيْهِ. 56 - / 57 - الحَدِيث الثَّالِث عشر: قَالَ عبد الرَّحْمَن بن عبد: خرجت لَيْلَة فِي رَمَضَان إِلَى الْمَسْجِد، فَإِذا النَّاس أوزاع متفرقون. الأوزاع: الْجَمَاعَات المتفرقة. والرهط: مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة. وَقَوله: نعمت الْبِدْعَة. الْبِدْعَة: فعل شَيْء لَا على مِثَال تقدم، فسماها بِدعَة لِأَنَّهَا لم تكن فِي زمن رَسُول الله على تِلْكَ الصّفة، وَلَا فِي زمن أبي بكر، وَقد تكون الْبِدْعَة فِي الْخَيْر وَالشَّر، وَإِنَّمَا المذموم من الْبدع مَا رد مَشْرُوعا أَو نافاه. وَقَوله: الَّتِي ينامون عَنْهَا: يُرِيد صَلَاة آخر اللَّيْل. 57 - / 60 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: جلس عمر على مِنْبَر الحديث: 56 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 رَسُول الله، وَذَلِكَ الْغَد من يَوْم توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَتشهد وَأَبُو بكر صَامت. ثمَّ قَالَ عمر: أما بعد، فَإِنِّي قلت لكم أمس مقَالَة، وَإِنَّهَا لم تكن كَمَا قلت، وَكنت أَرْجُو أَن يعِيش رَسُول الله حَتَّى يدبرنا. الْإِشَارَة بالمقالة الَّتِي قَالَهَا إِلَى قَوْله: إِن رَسُول الله لم يمت. ويدبرنا: بِمَعْنى يبْقى بَعدنَا. قَالَ اللغويون: دابر الْقَوْم: آخِرهم؛ لِأَنَّهُ ياتي فِي أدبارهم، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّيْل إِذْ أدبر} [المدثر: 33] أَي تبع النَّهَار فَكَانَ بعد. قَوْله: فَرَأَيْت عمر يزعج أَبَا بكر: أَي ينهضه بِسُرْعَة. وَكَانَ قد بُويِعَ يَوْم السَّقِيفَة، وَإِنَّمَا كَانَت الْبيعَة الْعَامَّة فِي الْيَوْم الثَّانِي عِنْد الْمِنْبَر. وَالْآيَة الَّتِي تَلَاهَا أَبُو بكر فِي أول يَوْم مَاتَ الرَّسُول: {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول} [آل عمرَان: 144] . وعقرت بِمَعْنى دهشت. 58 - / 61 - الحَدِيث السَّابِع عشر: قَالَ عمر: نهينَا عَن التَّكَلُّف. وَفِي لفظ أَن عمر قَرَأَ: {وَفَاكِهَة وَأَبا} [عبس: 31] وَقَالَ: مَا الْأَب؟ ثمَّ قَالَ: مَا كلفنا، أَو مَا أمرنَا بِهَذَا. وَهَذَا الحَدِيث يحْتَمل ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهَا: أَن يكون عمر قد علم الْأَب، لِأَنَّهَا كلمة شائعة بَين الحديث: 58 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 الْعَرَب، وَأَنه الَّذِي ترعاه الْبَهَائِم، وَلكنه أَرَادَ تخويف غَيره من التَّعَرُّض للتفسير بِمَا لَا يعلم، كَمَا كَانَ يَقُول: أقلوا الرِّوَايَة عَن رَسُول الله وَأَنا شريككم، يُرِيد الِاحْتِرَاز، فَإِن من احْتَرز قلت رِوَايَته. وَالثَّانِي: أَن يكون ذَلِك خَفِي عَنهُ كَمَا خَفِي عَن ابْن عَبَّاس معنى {فاطر السَّمَاوَات} [الْأَنْعَام: 14] . وَالثَّالِث: أَن يكون قد ظن بِهَذِهِ الْكَلِمَة أَنَّهَا تقع على مسميين، فتورع عَن إِطْلَاق القَوْل. وأصل التَّكَلُّف: تتبع مَا لَا مَنْفَعَة فِيهِ، أَو مَا لَا يُؤمر بِهِ الْإِنْسَان، وَلَا يحصل إِلَّا بِمَشَقَّة. فَأَما إِذا كَانَ مَأْمُورا بِهِ وَفِيه مَنْفَعَة فَلَا وَجه للذم. وَقد فسر رَسُول الله آيَات، وَفسّر كثير من الصَّحَابَة كثيرا من الْقُرْآن. قَالَ الْحسن: وَالله مَا أنزل الله آيَة إِلَّا أحب أَن يعلم فيمَ أنزلت، وماذا عني بهَا. 59 - / 62 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: فحصبني رجل: أَي رماني بالحصباء: وَهِي صغَار الْحَصَا. 60 - / 64 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: أَن عمر اسْتعْمل قدامَة بن مَظْعُون على الْبَحْرين، وَهُوَ خَال ابْن عمر وَحَفْصَة، فَقدم الْجَارُود من الْبَحْرين فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن قدامَة قد شرب مُسكرا، وَإِنِّي إِذا رَأَيْت حدا من حُدُود الله حق عَليّ أَن أرفعه إِلَيْك. فَقَالَ لَهُ عمر: من يشْهد؟ فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَة. فَدَعَا عمر أَبَا هُرَيْرَة فَقَالَ: علام تشهد؟ فَقَالَ: لم أره حِين شرب، وَقد رَأَيْته سَكرَان يقيء. فَقَالَ: لقد الحديث: 59 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 تنطعت. وَقَالَ عمر: مَاذَا ترَوْنَ فِي جلد قدامَة؟ فَقَالَ الْقَوْم: لَا نرى أَن تجلده مَا دَامَ وجعا، ثمَّ أصبح يَوْمًا وَقد عزم على جلده، فَقَالَ: ايتوني بِسَوْط، فَجَاءَهُ مَوْلَاهُ أسلم بِسَوْط دَقِيق صَغِير، فَأَخذه عمر وَقَالَ: قد أخذتك دقرارة أهلك، ايتوني بِسَوْط غير هَذَا. فَأمر بِهِ فجلد، فغاضب قدامَة عمر، فحجا، حَتَّى قَفَلُوا من حجهم، وَنزل عمر بالسقيا، فَنَامَ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ. قَالَ عجلوا عَليّ بِقُدَامَةَ، إِنِّي جَاءَنِي آتٍ فَقَالَ لي: سَالم قدامَة؛ فَإِنَّهُ أَخُوك. أما قدامَة فَإِنَّهُ أسلم قَدِيما، وَهَاجَر إِلَى أَرض الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة، وَشهد بَدْرًا وَجَمِيع الْمشَاهد مَعَ رَسُول الله، وَلم يذكر عَنهُ أَنه شرب الْخمر، إِنَّمَا شرب شَيْئا فأسكره، فَيحْتَمل أَن يكون شرب قَلِيلا من النَّبِيذ متأولا، فَخرج بِهِ إِلَى السكر، أَو شرب مَا لَا يَظُنّهُ يسكر فَسَكِرَ. على أَنه قد ذكر فِي هَذَا الحَدِيث تَأْوِيل لَهُ عَجِيب، فَإِنَّهُ قَالَ لعمر: لَو شربت كَمَا يَقُولُونَ مَا كَانَ لَك أَن تجلدني. قَالَ: وَلم؟ قَالَ: لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا إِذا مَا اتَّقوا وآمنوا} [الْمَائِدَة: 93] فَقَالَ عمر: أَخْطَأت التَّأْوِيل، إِذا اتَّقَيْت اجْتنبت مَا حرم الله. وَفِي الْجُمْلَة، لَا يَنْبَغِي أَن نظن بالصحابة أَنهم تعمدوا الْحَرَام أصلا، وَقد روى مُحَمَّد بن سعد من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: شهد أَبُو بكرَة، وشبل بن معبد، وَنَافِع بن الْحَارِث، وَزِيَاد على الْمُغيرَة بن شُعْبَة بِالْحَدَثِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ بِالْبَصْرَةِ عِنْد عمر، فضربهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 عمر الْحَد غير زِيَاد، فَإِنَّهُ لم يتم الشَّهَادَة عَلَيْهِ. قَالَ ابْن عقيل: للفقهاء فِيمَا يَفْعَلُونَ تأويلات، وَمَعْلُوم أَن الْمُتْعَة قد كَانَت عقدا فِي الشَّرْع، وَكَانَ نِكَاح السِّرّ عِنْد قوم من أهل الْمَدِينَة زنا، فَمن عثر على ذَلِك الْفِعْل شهد بِالزِّنَا، والمغيرة سليم، وَلَا يجوز أَن ينْسب الصَّحَابَة إِلَى شَيْء من هَذِه الْأَشْيَاء، فَمن فعل ذَلِك جهل مِقْدَار الْمضرَّة فِي ذَلِك القَوْل، أَو هُوَ زنديق. وَقَول عمر: لقد تنطعت: التنطع: التعمق والغلو والإفراط فِي التدقيق، يُقَال: تنطع فلَان فِي كَذَا: إِذا بَالغ فِي اجْتِهَاده. وَلم يجلده بقول أبي هُرَيْرَة وَإِنَّمَا جلده بِإِقْرَارِهِ، أَو بِإِثْبَات شَهَادَة عَلَيْهِ. وَأما جلده وَهُوَ مَرِيض فَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة، وَأحمد بن حَنْبَل، وَعِنْدَهُمَا أَنه لَا يُؤَخر الْحَد عَن الْمَرِيض، سَوَاء كَانَ يُرْجَى بُرْؤُهُ أَو لَا يُرْجَى، فَإِن كَانَ مِمَّن يخَاف عَلَيْهِ التّلف أقيم عَلَيْهِ الْحَد بأطراف الثِّيَاب وَنَحْوهَا، قَالَ أَكثر الْعلمَاء: يُؤَخر الْحَد عَن الْمَرِيض، إِلَّا أَن مَالِكًا وَالشَّافِعِيّ قَالَا: إِذا كَانَ مَرضه لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أقيم عَلَيْهِ الْحَد فِي الْحَال، إِلَّا أَن الشَّافِعِي يرى اللطف فِي الضَّرْب على مَا نَحْو مَا ذكرنَا، وَمَالك يَقُول: يضْرب الْجلد التَّام. الدقرارة: الْمُخَالفَة، وَأَصلهَا الشَّيْء الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَقِيم. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: أخذتك دقرارة أهلك: أَي عَادَة أهلك فِي الْخلاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وَإِنَّمَا قَالَ: أهلك؛ لِأَن عمر تزوج زَيْنَب بنت مَظْعُون أُخْت قدامَة، فَجَاءَت مِنْهُ بِعَبْد الله وَعبد الرَّحْمَن وَحَفْصَة، فقدامة خالهم، وَأسلم مَوْلَاهُم. وقفلوا بِمَعْنى رجعُوا، وَبِه سميت الْقَافِلَة. والسقيا: مَوضِع. 61 - / 65 - الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: أَن عمر قسم مروطا، فَبَقيَ مِنْهَا مرط جيد، فَقَالَ بعض من عِنْده: أعْط هَذَا ابْنة رَسُول الله الَّتِي عنْدك، يُرِيدُونَ أم كُلْثُوم، فَقَالَ: أم سليط أَحَق بِهِ، فَإِنَّهَا مِمَّن بَايع رَسُول الله، وَكَانَ تزفر لنا الْقرب يَوْم أحد. المروط جمع مرط: وَهُوَ كسَاء من صوف أَو خَز يؤتزر بِهِ. وَأم كُلْثُوم بنت عَليّ بن أبي طَالب. وَإِنَّمَا أضافوها إِلَى رَسُول الله لِأَنَّهَا من فَاطِمَة عَلَيْهَا السَّلَام، وَكَانَت فَاطِمَة قد ولدت لعَلي الْحسن وَالْحُسَيْن وَزَيْنَب وَأم كُلْثُوم، فَتزَوج زَيْنَب عبد الله بن جَعْفَر، فَولدت لَهُ عبد الله وعونا، وَمَاتَتْ عِنْده، وَتزَوج أم كُلْثُوم عمر، فَولدت لَهُ زيدا، ثمَّ خلف عَلَيْهَا بعده عون بن جَعْفَر، ثمَّ مَاتَ فخلف عَلَيْهَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، فَولدت جَارِيَة، ثمَّ خلف عَلَيْهَا بعده عبد الله بن جَعْفَر فَلم تَلد لَهُ، وَمَاتَتْ عِنْده. وَقد زَاد ابْن إِسْحَق فِي أَوْلَاد فَاطِمَة من عَليّ محسنا، قَالَ: وَمَات صَغِيرا. وَزَاد اللَّيْث بن سعد رقية، قَالَ: وَمَاتَتْ وَلم تبلغ. الحديث: 61 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وَالسَّبَب فِي تَزْوِيج عمر أم كُلْثُوم أَنه أحب الِاتِّصَال بِنسَب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " كل حسب وَنسب مُنْقَطع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا حسبي ونسبي " فَخَطَبَهَا من عَليّ. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّهَا صبية. فَقَالَ: إِنَّك وَالله مَا بك ذَلِك، وَلَكِن قد علمنَا مَا بك، فَأمر عَليّ بهَا، فصنعت، ثمَّ أَمر بِبرد فطواه، ثمَّ قَالَ: انطلقي بِهَذَا إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَقولِي: أَرْسلنِي أبي يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول: إِن رضيت الْبرد فأمسكه، وَإِن سخطته فَرده. فَلَمَّا أَتَت عمر قَالَ: بَارك الله فِيك وَفِي أَبِيك، قد رَضِينَا، فَرَجَعت إِلَى أَبِيهَا فَقَالَت: مَا نشر الْبرد، وَلَا نظر إِلَّا إِلَيّ. فَزَوجهَا إِيَّاه وَلم تكن قد بلغت، فأمهرها عمر أَرْبَعِينَ ألفا. وَأما أم سليط فقد ذَكرنَاهَا فِي المبايعات، وأحصيناهن فِي كتَابنَا المسمي ب " التلقيح ". وتزفر بِمَعْنى تحمل. يُقَال: زفر يزفر وازدفر: أَي حمل حملا فِيهِ ثقل، والزفر: الْقرْبَة المملوءة مَاء، وَيُقَال للإماء اللواتي يحملنها زوافر. وَكَانَ النِّسَاء يخْرجن فِي الْغَزَوَات يحملن المَاء إِلَى الْجَرْحى فيسقينهم. 62 - / 66 - الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: قَالَ عمر: لَوْلَا أَن أترك آخر النَّاس ببانا لَيْسَ لَهُم شَيْء، مَا فتحت عَليّ قَرْيَة إِلَّا قسمتهَا كَمَا قسم الحديث: 62 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 رَسُول الله خَيْبَر، وَلَكِنِّي أتركها خزانَة لَهُم يقتسمونها. قَوْله: ببانا: أَي شَيْئا وَاحِدًا، كَمَا تَقول: هم بأج وَاحِد، وَالْمعْنَى أَنهم يستوون فِي الْفقر والحرمان، إِذْ لَا شَيْء لَهُم يرجعُونَ إِلَيْهِ، وَلذَلِك قَالَ: لكني أتركها خزانَة لَهُم يقتسمونها: أَي يَنْتَفِعُونَ بفوائدها مَعَ بَقَاء أَصْلهَا لَهُم، كالعراق. 63 - / 67 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: أَن عمر سَأَلَ رَسُول الله عَن شَيْء فَلم يجبهُ، ثمَّ سَأَلَهُ فَلم يجبهُ، ثمَّ سَأَلَهُ فَلم يجبهُ. فَقَالَ عمر: ثكلتك أمك، نزرت رَسُول الله. وَالْمعْنَى: أكثرت عَلَيْهِ السُّؤَال وألححت وأضجرته. وَيُقَال: عَطاء منزور: إِذا استخرج بعد شدَّة وإلحاح. 64 - / 68 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: لحقت عمر امْرَأَة فَقَالَت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، هلك زَوجي وَترك صبية صغَارًا، وَالله مَا ينضجون كُرَاعًا. قَالَ ابْن فَارس: الكراع من الْإِنْسَان: مَا دون الرّكْبَة، وَمن الدَّوَابّ مَا دون الكعب. وَالْمعْنَى أَنهم لَا يحسنون لصغرهم طبخ هَذَا الْقدر، وَلَا يقدرُونَ على إصْلَاح مَا يَأْكُلُونَهُ. قَوْلهَا: وخشيت أَن تأكلهم الضبع. والضبع اسْم يَقع على الْحَيَوَان الحديث: 63 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الْمَعْرُوف، وَهُوَ اسْم للْأُنْثَى مِنْهُ، وَالذكر ضبعان. وَيَقَع على السّنة المجدبة، وَهُوَ المُرَاد فِي هَذَا الحَدِيث. وَقَوله: فَانْصَرف إِلَى بعير ظهير: وَهُوَ الْقوي الَّذِي يستظهر بقوته على الْحمل. ونستفيء سهمانهما: أَي نسترجعها، وَهُوَ الْفَيْء، وَسمي فَيْئا لِأَنَّهُ مَال استرجعه الْمُسلمُونَ من أَيدي الْكفَّار، وَالْمعْنَى: نَأْخُذ سهمانهما. 65 - / 69 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: أَن عمر اسْتعْمل مولى لَهُ على الصَّدَقَة، فَقَالَ: ضم جناحك عَن النَّاس، وَأدْخل رب الصريمة وَرب الْغَنِيمَة. وإياي وَنعم ابْن عَفَّان وَابْن عَوْف، فَإِنَّهُمَا إِن تهْلك ماشيتهما يرجعان إِلَى زرع ونخيل، وَإِن رب الصريمة وَالْغنيمَة إِن تهْلك ماشيتهما يأتيني ببنيه فَيَقُول: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أفتاركه أَنا - لَا أبالك. فالماء والكلأ أيسر من الذَّهَب وَالْفِضَّة. وَايْم الله، إِنَّهُم لَيرَوْنَ أَنا قد ظلمناهم، إِنَّهَا لبلادهم ومياههم. قَاتلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، وَأَسْلمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَام. وَالله لَوْلَا المَال الَّذِي أحمل عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله مَا حميت على النَّاس من بِلَادهمْ شبْرًا. قَوْله: ضم جناحك عَن النَّاس: أَي لَا تحمل ثقلك عَلَيْهِم. وَقَوله: وَأدْخل رب الصريمة: الصريمة تَصْغِير الصرمة: وَهُوَ القطيع من الْإِبِل نَحْو الثَّلَاثِينَ، وَالْغنيمَة: القليلة. وَكَانَ عمر قد حمى مرعى لَا يرْعَى فِيهِ إِلَّا الْخَيل الَّتِي يعدها الحديث: 65 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 للْجِهَاد، فَأمره بِإِدْخَال الضُّعَفَاء فِي ذَلِك الْحمى دون الْأَغْنِيَاء، وَلذَلِك قَالَ: وإياي وَنعم ابْن عَفَّان وَابْن عَوْف. وَمَعْنَاهُ: لَا يدْخل نعمهما الْحمى. وحميت بِمَعْنى منعت. والحمى خلاف الْمُبَاح. 66 - / 72 - الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ: قَالَ عمر: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة لَا يفيضون من جمع حَتَّى تطلع الشَّمْس، وَيَقُولُونَ: أشرق ثبير. قَالَ: فخالفهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأفاض قبل طُلُوع الشَّمْس. الْإِفَاضَة من الْمَكَان: سرعَة السّير مِنْهُ إِلَى مَكَان آخر، وَقَالَ الزّجاج: الْإِفَاضَة: الدّفع بِكَثْرَة، يُقَال: أَفَاضَ الْقَوْم فِي الحَدِيث: إِذا انْدَفَعُوا فِيهِ وَأَكْثرُوا التَّصَرُّف. وَقَوْلهمْ: أشرق ثبير: أَي ادخل أَيهَا الْجَبَل فِي الشروق، وَهُوَ نور الشَّمْس. وَفِي لفظ عَنْهُم: كَيْمَا نغير: أَي ندفع للنحر. يُقَال: أغار يُغير: إِذا أسْرع وَدفع فِي عدوه. 67 - / 73 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: عَن أبي الْأسود قَالَ: قدمت الْمَدِينَة وَالنَّاس يموتون موتا ذريعا. عَامَّة الْمُحدثين يَقُولُونَ: الدؤَلِي، وَكَذَلِكَ قَالَ يُونُس النَّحْوِيّ الديل فِي عبد الْقَيْس سَاكِنة الْيَاء، والدول من حنيفَة سَاكن الْوَاو، والدئل فِي كنَانَة رَهْط أبي الْأسود مَهْمُوزَة، فَهُوَ أَبُو الْأسود الدؤَلِي. وَقَالَ ابْن الحديث: 66 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 الْكَلْبِيّ: هُوَ أَبُو الْأسود الديلِي. قَالَ أَبُو عبيد: وَهُوَ الصَّوَاب عندنَا. والذريع: السَّرِيع الْكثير. 68 - / 74 - وَفِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ: كَانَ عَطاء الْبَدْرِيِّينَ خَمْسَة آلَاف خَمْسَة آلَاف، وَقَالَ عمر: لأفضلنهم على من بعدهمْ. اعْلَم أَنه لما فتحت الْفتُوح وغنموا خَزَائِن كسْرَى وَغَيرهَا، دون عمر الدَّوَاوِين، وَفرض للنَّاس الأعطية على أقدارهم وتقدمهم فِي الْإِسْلَام، فَبَدَأَ بِالْعَبَّاسِ فَفرض لَهُ خَمْسَة وَعشْرين ألفا، ثمَّ فرض لأهل بدر خَمْسَة آلَاف خَمْسَة آلَاف، ثمَّ فرض لمن بعد بدر إِلَى الْحُدَيْبِيَة أَرْبَعَة آلَاف أَرْبَعَة آلَاف، ثمَّ فرض لمن بعد الْحُدَيْبِيَة إِلَى أَن أقلع أَبُو بكر عَن أهل الرِّدَّة ثَلَاثَة آلَاف ثَلَاثَة آلَاف، وَدخل فِي ذَلِك من شهد الْفَتْح، ثمَّ فرض لأهل الْقَادِسِيَّة، وَأهل الشَّام أَصْحَاب اليرموك أَلفَيْنِ أَلفَيْنِ، وَفرض لِأَزْوَاج رَسُول الله عشرَة آلَاف عشرَة آلَاف، إِلَّا من جرى عَلَيْهِ الْملك، وَفضل عَائِشَة بِأَلفَيْنِ، وَجعل نسَاء أهل بدر على خَمْسمِائَة خَمْسمِائَة، وَنسَاء من بعد بدر إِلَى الْحُدَيْبِيَة على أَرْبَعمِائَة أَرْبَعمِائَة، وَنسَاء من بعد ذَلِك إِلَى الْأَيَّام على ثَلَاثمِائَة ثَلَاثمِائَة، ثمَّ نسَاء أهل الْقَادِسِيَّة على مِائَتَيْنِ مِائَتَيْنِ، ثمَّ سوى بَين النِّسَاء بعد ذَلِك، وَجعل الصّبيان من أهل بدر وَغَيرهم سَوَاء على مائَة مائَة. الحديث: 68 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 69 - / 76 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ: أَن عمر فرض للمهاجرين الْأَوَّلين أَرْبَعَة آلَاف، وَفرض لِابْنِ عمر ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة، فَقيل لَهُ: هُوَ من الْمُهَاجِرين، فَلم نقصته من أَرْبَعَة آلَاف؟ قَالَ: إِنَّمَا هَاجر بِهِ أَبوهُ. يَقُول: لَيْسَ هُوَ كمن هَاجر بِنَفسِهِ. فِي الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين قَولَانِ قد ذكرناهما فِي الحَدِيث الثَّانِي عشر من هَذَا الْمسند. وَالَّذِي اعْتَمدهُ عمر فِي حق ابْنه من أحسن المعتمدات، لِأَنَّهُ هَاجر بِهِ وَهُوَ غير محتلم، فَلم ير إِلْحَاقه بالبالغين. 70 - / 77 - الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ: أَن عمر أذن لِأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آخر حجَّة حَجهَا فِي الْحَج، وَبعث مَعَهُنَّ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعُثْمَان بن عَفَّان. كَانَ أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد اسْتَأْذن عمر فِي الْحَج لمَكَان إِمَامَته، وَهُوَ الَّذِي يحجّ بِالنَّاسِ عامئذ، وَإِنَّمَا بعث مَعَهُنَّ عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن ليحفظا النَّاحِيَة الَّتِي يسرن فِيهَا، فَكَانَ أَحدهمَا بَين أَيْدِيهنَّ، وَالْآخر من ورائهن. 71 - / 78 - الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: أَن عبدا من رَقِيق الْإِمَارَة وَقع على وليدة من الْخمس، فاستكرهها حَتَّى افتضها، فجلده عمر الْحَد ونفاه، وَلم يجلد الوليدة من أجل أَنه استكرهها. حد العَبْد إِذا زنى نصف حد الْحر، خَمْسُونَ جلدَة. الحديث: 69 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وَقَوله: ونفاه، حجَّة لمَالِك، فَإِن عِنْده أَن العَبْد يغرب، وَعِنْدنَا لَا يغرب، فَيحْتَمل قَوْله نَفَاهُ: أبعده من صحبته. 72 - / 79 - الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: أَن عمر رأى حلَّة سيراء تبَاع. الْحلَّة لَا تكون إِلَّا من ثَوْبَيْنِ، وَقد ذكرنَا هَذَا فِي هَذَا الْمسند. والسيراء: ضرب من البرود مخطط. يُقَال: برد مسير: أَي مخطط، وَلم يحرم من أجل الخطوط، وَلكنهَا كَانَت من حَرِير. وَقَالَ الْخطابِيّ: السيراء: المضلعة بالحرير، وَسميت سيراء لما فِيهَا من الخطوط الَّتِي تشبه السيور. وَقَوله: " من لَا خلاق ": الخلاق: النَّصِيب. 73 - / 80 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن عمر سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيَنَامُ أَحَدنَا وَهُوَ جنب؟ قَالَ: " نعم، إِذا تَوَضَّأ ". الْجَنَابَة فِي اللُّغَة: الْبعد، وَفِي تَسْمِيَة الْجنب جنبا قَولَانِ: أَحدهمَا لمجانبة مَائه مَحَله. وَالثَّانِي: لما يلْزمه من اجْتِنَاب الصَّلَاة وَالْقُرْآن وَمَسّ الْمُصحف، وَدخُول الْمَسْجِد. وَيُقَال: رجل جنب، ورجلان جنبان، وَرِجَال جنب، كَمَا يُقَال: رجل رضى، وَقوم رضى. الحديث: 72 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على اسْتِحْبَاب التنظف من الأقذار عِنْد النّوم، لِأَن الْإِنْسَان لَا يكَاد يتَوَضَّأ حَتَّى يغسل مَا بِهِ من أَذَى. وَإِنَّمَا أَمر بذلك عِنْد النّوم لِأَن الْمَلَائِكَة تبعد عَن الْوَسخ وَالرِّيح الكريهة، وَالشَّيَاطِين تتعرض بالأنجاس والأقذار. وَقَالَ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ: إِن الْأَرْوَاح يعرج بهَا فِي منامها إِلَى السَّمَاء، فتؤمر بِالسُّجُود عِنْد الْعَرْش، فَمَا كَانَ مِنْهَا طَاهِرا سجد عِنْد الْعَرْش، وَمَا لَيْسَ بطاهر سجد بَعيدا عَن الْعَرْش. ثمَّ إِن الْوضُوء يُخَفف الْحَدث، وَلِهَذَا يجوز عندنَا للْجنب إِذا تَوَضَّأ أَن يجلس فِي الْمَسْجِد. 74 - / 81 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: قَالَ عمر: يَا رَسُول الله، أصبت أَرضًا لم أصب مَالا أحب إِلَيّ وَلَا أنفس عِنْدِي مِنْهَا، فَقَالَ: " إِن شِئْت تَصَدَّقت بهَا ". فَتصدق بهَا عمر: على أَن لَا تبَاع وَلَا توهب، فِي الْفُقَرَاء وَذَوي الْقُرْبَى الرّقاب والضيف وَابْن السَّبِيل، لَا جنَاح على من وَليهَا أَن يَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ غير مُتَمَوّل مَالا، وَيطْعم. أنفس بِمَعْنى أفضل. وَإِنَّمَا نبهه على التَّصَدُّق بهَا عِنْد قَوْله: إِنِّي لم أصب مَالا أحب إِلَيّ مِنْهَا؛ لِأَن الْفَضَائِل لَا تنَال إِلَّا ببذل الأحب، قَالَ الله تَعَالَى: {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} [آل عمرَان: 92] . وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْعلم أَن الرجل إِذا وقف وَقفا فَأحب أَن يشْتَرط لنَفسِهِ أَو لغيره فِيهِ شرطا سوى الْوَجْه الَّذِي جعل الْوَقْف فِيهِ، كَانَ لَهُ ذَلِك، وَعِنْدنَا أَنه إِذا وقف على غَيره وَاسْتثنى أَن ينْفق على نَفسه حَيَاته صَحَّ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَمُحَمّد: لَا يَصح. وَقد دلّ حَدِيث عمر على صِحَة مَذْهَبنَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لَا جنَاح على من وَليهَا أَن يَأْكُل. وَإِنَّمَا ولي هَذِه الأَرْض عمر. الحديث: 74 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 75 - / 82 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: قَالَ يحيى بن يعمر: كَانَ أول من قَالَ فِي الْقدر بِالْبَصْرَةِ معبد الْجُهَنِيّ، فَانْطَلَقت أَنا وَحميد بن عبد الرَّحْمَن فَقُلْنَا: لَو لَقينَا أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُول هَؤُلَاءِ، فوفق لنا عبد الله بن عمر دَاخِلا الْمَسْجِد، فاكتنفته أَنا وصاحبي. قَوْله: فوفق لنا ابْن عمر: أَي قدر لنا لقاؤه فاكتنفته أَنا وصاحبي: أَي صرنا مِمَّا يَلِيهِ. وَقَوله: سيكل الْكَلَام إِلَيّ: أَي سيقتنع بِقَوْلِي ويعتمد عَليّ فِيمَا أذكر. قَوْله: يتقفرون الْعلم: أَي يطلبونه ويتبعون أَثَره. يُقَال: فلَان يتقفر الشَّيْء: إِذا طلبه واجتهد فِي الْبَحْث عَنهُ. وَرُبمَا قَرَأَ بعض طلبة الحَدِيث هَذَا فَقدم الْفَاء، وَإِنَّمَا الْقَاف الْمُقدمَة. وَقَوله: يَزْعمُونَ أَن لَا قدر: أَي أَن الْأَشْيَاء لم يسْبق تقديرها. وَقَوله: أَن الْأَمر أنف: أَي مُسْتَأْنف لم يتَقَدَّم فِيهِ قدر وَلَا مَشِيئَة. يُقَال: رَوْضَة أنف: إِذا كَانَت وافية الْكلأ، لم يرع مِنْهَا شَيْء، ويعنون أَن مَا نعمله لم يقدر. وَأما فرقه بَين الْإِسْلَام وَالْإِيمَان فِي السُّؤَال عَنْهُمَا فدليل على الْفرق بَينهمَا. وَالْمرَاد بِالْإِحْسَانِ حسن الطَّاعَات، وَالْإِشَارَة إِلَى المراقبة؛ فَإِنَّهُ من راقب نظر الله عز وَجل إِلَيْهِ حسنت عِبَادَته، فَإِن عبد كَأَنَّهُ يرى المعبود الحديث: 75 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 كَانَت عِبَادَته أحسن. وَكَانَ بعض السّلف يَقُول: إِذا تَكَلَّمت فاذكر من يسمع، وَإِذا نظرت فاذكر من يرى، وَإِذا تفكرت فاذكر من يعلم. وَقَوله: فَأَخْبرنِي عَن أمارتها: الأمارة: الْعَلامَة، وَكَذَلِكَ الأمار. وَالْأَمر الْحِجَارَة المنضودة على الطَّرِيق للأمارة. وَقَوله: أَن تَلد الْأمة ربتها: المُرَاد بِهَذَا أَن الْإِسْلَام يظْهر ويستولي أَهله على بِلَاد الْكفْر فيسيبونهم، فَإِذا ملك الْمُسلم الْجَارِيَة فاستولدها كَانَ الابْن بِمَنْزِلَة رَبهَا، وَالْبِنْت بِمَنْزِلَة ربتها، لِأَنَّهُ ولد سَيِّدهَا. وَفِي لفظ: " وَأَن تَلد الْأمة بَعْلهَا ". وَالْمرَاد بالبعل هَاهُنَا: الْمَالِك. وَكَانَ بعض الْعَرَب قد ضلت نَاقَته، فَجعل يُنَادي: من رأى نَاقَة أَنا بَعْلهَا، فَجعل الصّبيان يَقُولُونَ: يَا زوج النَّاقة. وَقَوله: " وَأَن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشَّاء " - وَفِي مُسْند أنس: " رعاء البهم " والعالة: الْفُقَرَاء، والعيلة: الْفقر. والبهم: صغَار الْغنم، وَالْمعْنَى أَن الْعَرَب الَّذين كَانُوا لَا يستقرون فِي مَكَان وَإِنَّمَا كَانُوا ينتجعون مواقع الْغَيْث، يسكنون الْبلدَانِ ويتطاولون فِي الْبُنيان، كل ذَلِك لاتساع الْإِسْلَام. وَفِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث قصَّة آدم ومُوسَى، وفيهَا: " فحج آدم مُوسَى " وَمعنى غَلبه بِالْحجَّةِ. 76 - / 83 - الحَدِيث الْخَامِس: لما كَانَ يَوْم خَيْبَر قتل نفر من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالُوا: فلَان شَهِيد، وَفُلَان شَهِيد، حَتَّى مروا على رجل فَقَالُوا: فلَان شَهِيد، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كلا، إِنِّي رَأَيْته فِي النَّار فِي بردة غلها - أَو عباءة " ثمَّ قَالَ: " يَا ابْن الْخطاب، الحديث: 76 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاس أَنه لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ ". النَّفر من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة. والشهيد: الْقَتِيل فِي سَبِيل الله. وَفِي تَسْمِيَته بالشهيد سَبْعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن الشَّهِيد هُوَ الْحَيّ، كَأَنَّهُ شَاهد: أَي حَاضر، قَالَ الله سُبْحَانَهُ: {بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} [آل عمرَان: 169] فأرواحهم قد أحضرت الْجنَّة وشهدتها، وَغَيرهم لَا يشهدونها. هَذَا قَول النَّضر بن شُمَيْل. وَالثَّانِي: أَن الله تَعَالَى وَمَلَائِكَته شهدُوا لَهُ بِالْجنَّةِ: قَالَه ثَعْلَب وَابْن الْأَنْبَارِي. وَالثَّالِث: لِأَن مَلَائِكَة الرَّحْمَة تشهده. وَالرَّابِع: لسقوطه بِالْأَرْضِ، وَالْأَرْض الشاهدة بِمَا كَانَ. حكى الْقَوْلَيْنِ أَبُو الْحُسَيْن بن فَارس. وَالْخَامِس: لقِيَامه بِشَهَادَة الْحق فِي أَمر الله تَعَالَى حَتَّى قتل، قَالَه أَبُو سُلَيْمَان الدِّمَشْقِي. وَالسَّادِس: لِأَنَّهُ شهد لله سُبْحَانَهُ بالوجود والإلهية بِتَسْلِيم نَفسه للْقَتْل، لما شهد لَهُ غَيره بالْقَوْل، ذكره بعض أهل الْعلم. فَأَما الرجل الْمَذْكُور فَهُوَ مدعم مولى رَسُول الله، أهداه لَهُ رِفَاعَة ابْن زيد الجذامي، وَكَانَ أسود اللَّوْن، وَكَانَ يُسَافر مَعَ رَسُول الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 ويرحل لَهُ، فَبينا هُوَ يحط رَحل رَسُول الله أَتَاهُ سهم عائر فَقتله، فَقَالَ النَّاس: هَنِيئًا لَهُ الْجنَّة. فَقَالَ رَسُول الله: " كلا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، إِن الشملة الَّتِي أَخذهَا يَوْم خَيْبَر من الْغَنَائِم لم يصبهَا الْمقسم لتشتعل عَلَيْهِ نَارا ". والغلول: أَخذ الشَّيْء من الْمغنم فِي خُفْيَة، وَمِنْه الغلالة: وَهِي ثوب يلبس تَحت الثِّيَاب. والغلل: المَاء الَّذِي يجْرِي تَحت الشّجر. والغل: الحقد الكامن فِي الصَّدْر، وأصل الْبَاب الاختفاء. والعباء: كسَاء يلتحف بِهِ. وَإِنَّمَا أَمر عمر فَنَادَى: " لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ "؛ لِأَن الْإِيمَان إِذا تحقق منع الْغلُول والمعاصي. 77 - / 84 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: قَالَ عمر: لما كَانَ يَوْم بدر نظر رَسُول الله إِلَى الْمُشْركين وهم ألف، وَأَصْحَابه ثَلَاثمِائَة وَتِسْعَة عشر رجلا، فَاسْتقْبل نَبِي الله الْقبْلَة، ثمَّ مد يَدَيْهِ فَجعل يَهْتِف بربه يَقُول: " اللَّهُمَّ أنْجز لي مَا وَعَدتنِي ". أما بدر فَقَالَ الشّعبِيّ: هِيَ اسْم بِئْر لرجل يُقَال لَهُ بدر، الْتَقَوْا عِنْدهَا. الحديث: 77 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وَقَوله: وَأَصْحَابه ثَلَاثمِائَة وَتِسْعَة عشر رجلا. هَذَا قَول مُفْرد لم أر أحدا من أَرْبَاب التواريخ قَالَ بِهِ، فَإِن جَمِيع من شهد بَدْرًا مَعَ من ضرب لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسهمه وأجره فِي عدد ابْن إِسْحَق ثَلَاثمِائَة وَأَرْبَعَة عشر، وَفِي عدد أبي معشر والواقدي ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثَة عشر، وَفِي عدد مُوسَى بن عقبَة ثَلَاثمِائَة وَسِتَّة عشر، وَقد أحصيت أهل بدر على الْخلاف الْوَاقِع فيهم فِي كتابي الْمُسَمّى " بالتلقيح ". وَقَوله: فَجعل يَهْتِف بربه. يُقَال: هتف يَهْتِف: إِذا رفع صَوته فِي دُعَاء أَو غَيره. وَقَوله: " أنْجز لي مَا وَعَدتنِي " إنجاز الْوَعْد: تَعْجِيل الْمَوْعُود، وَلم يكن حد وقتا معينا فِي النَّصْر، فَسَأَلَ تَعْجِيل مَا وعد بِهِ. قَوْله: " إِن تهْلك هَذِه الْعِصَابَة لَا تعبد فِي الأَرْض ". الْعِصَابَة: الْجَمَاعَة. واعصوصب الْقَوْم: صَارُوا عصائب. وَعصب الْقَوْم بفلان: أحاطوا بِهِ، وَبِه سميت الْعصبَة: وهم قرَابَة الرجل لِأَبِيهِ. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ قطع رَسُول الله على انْقِطَاع الْعِبَادَة بِهَلَاك تِلْكَ الْعِصَابَة؟ أَو لَيْسَ فِي الْقدر إنْشَاء أمثالهم؟ كَيفَ وَقد قَالَ عز وَجل: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يسْتَبْدل قوما غَيْركُمْ} [مُحَمَّد: 38] ؟ فَالْجَوَاب أَنه لَا يجوز أَن يظنّ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أَرَادَ أَن عدم هَؤُلَاءِ يمْنَع من وجود عَابِد، وَكَيف يقطع على انْقِطَاع المقدورات وَهِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 لَا تتناهى، على أَنِّي قد قَرَأت بِخَط عَليّ بن عقيل مِمَّا أثْبته من خواطره السانحة قَالَ: أقدر معاتبة على بادرة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَوله: " إِن تهْلك هَذِه الْعِصَابَة لَا تعبد " فَأَقُول: يَا مُحَمَّد، أَنا لم أخرجك عَن كونك رَسُولا مُتبعا بقعودهم عَنْك يَوْم عمْرَة الْقَضَاء، أفأخرج أَنا أَن أكون معبودا بهلاكهم. فَهَذِهِ زلَّة عَالم هَذَا كَلَامه، وَهَذَا عِنْدِي فِي غَايَة الْقبْح، وَنسبَة الزلل إِلَى رَسُول الله فِي مثل هَذَا فَوق الْقَبِيح. ثمَّ قد أسلم بِمَكَّة خلق كثير فِي ثَلَاث عشرَة سنة من النُّبُوَّة، ثمَّ فِي الْمَدِينَة سنتَيْن، وامتد الْإِسْلَام فِي الْأَطْرَاف، وَوَجَبَت الْهِجْرَة، فجَاء الْخلق، فَأخذ من جملَة الْمُسلمين ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثَة عشر، وَخرج وتخلف عَنهُ عُثْمَان وَطَلْحَة وَسَعِيد بن زيد لأسباب، فقد كَانَ فِي الْمَدِينَة وَحدهَا خلق كثير لم يخرجُوا مَعَه غير من فِي الْبِلَاد، فَلَو هلك من مَعَه لبقي أضعافهم من الْمُسلمين، فَلم تَنْقَطِع الْعِبَادَة، غير أَن من قل علمه بِالنَّقْلِ ظن الَّذين مَعَه هم جَمِيع الْمُسلمين. وَمن الْجَائِز أَن يكون أَشَارَ بِالْعِصَابَةِ إِلَى جَمِيع الْمُسلمين، وَلَو كَانَ كَذَلِك لم يجز أَن يقطع على انْقِطَاع التَّعَبُّد بهلاكهم. فَإِن قيل: فَإِذا استقبحت هَذَا وَهُوَ الْمَفْهُوم من ظَاهر الْكَلَام، فَمَا المُرَاد بِهِ عنْدك؟ فَالْجَوَاب: أَنا نتكلم فِي لفظ الحَدِيث قبل تَفْسِيره فَنَقُول: قد اخْتلفت أَلْفَاظه، فَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي أَفْرَاده من مُسْند ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: " اللَّهُمَّ إِن تشأ لَا تعبد بعد الْيَوْم ". وَرَوَاهُ مُسلم فِي أَفْرَاده من حَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 أنس بن مَالك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " اللَّهُمَّ إِنَّك إِن تشأ لَا تعبد فِي الأَرْض " وَعَادَة الروَاة ذكر الْمَعْنى الَّذِي يظنون أَنه الْمَعْنى، وَقد يغلطون فِي الْعبارَات عَنهُ، فَرُبمَا كَانَ حَدِيث عمر مغيرا مِمَّن قد ظن أَنه أَتَى بِالْمَعْنَى. وعَلى لفظ حَدِيث ابْن عَبَّاس وَأنس يسهل الْجَواب، وَيكون الْمَعْنى: إِنَّك قد جعلت الْأُمُور منوطة بالأسباب، فَإِذا قطعت هَذَا السَّبَب فكأنك قد شِئْت قطع الْعِبَادَة. ويتضمن هَذَا شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: أَنَّك غَنِي عَن الْعِبَادَة وَنحن فُقَرَاء إِلَيْهَا. وَالثَّانِي: أننا نَخَاف هَلَاك الصَّالِحين فَيبقى أهل الْفساد، فيشمت بِنَا من قَالَ: {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا} [الْبَقَرَة: 30] . وَإِن نزلنَا على الأشد وتكلمنا على لفظ حَدِيث عمر، فَإِن الْقطع على نفي الْعِبَادَة بِعَدَمِ هَؤُلَاءِ مَحْمُول على أَنه مِمَّا اطلع عَلَيْهِ من الْغَيْب، وَكَانَ مِمَّا اطلع عَلَيْهِ أَن الله تَعَالَى لَا يبْعَث نَبيا بعده، وَلَا يخلق لحفظ قَاعِدَة دينه ونصرته سوى هَؤُلَاءِ، فَأخْبر عَن علم الْحق عز وَجل لَا عَن ظن نَفسه، فَكَأَنَّهُ يَقُول: إِذا هلك هَؤُلَاءِ، الناقلون عني وهم جُمْهُور الْمُؤمنِينَ وخيارهم وَلَا نَبِي بعدِي بطلت الْعِبَادَة؛ لِأَن الْعِبَادَة إِنَّمَا تكون بنشر الشَّرِيعَة. ويتضمن هَذَا القَوْل مِنْهُ نوع غيرَة، تقديرها: أغار أَلا تعبد. وَلَا يجوز أَن يظنّ برَسُول الله مَا هُوَ منزه عَنهُ من الشطح والزلل فِي القَوْل، مَعَ شَهَادَة الْحق عز وَجل لَهُ بالعصمة فِي كَلَامه بقوله تَعَالَى: {وَمَا ينْطق عَن الْهوى} [النَّجْم: 3] وَقَالَ لَهُ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ: أكتب مَا أسمع مِنْك؟ قَالَ " نعم " قَالَ: فِي السخط وَالرِّضَا؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 قَالَ: " فِي السخط وَالرِّضَا، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لي أَن أَقُول إِلَّا حَقًا ". وَقَول أبي بكر: كَذَلِك مُنَاشَدَتك رَبك. إِشَارَة إِلَى ترك الإلحاح وَاسْتِعْمَال الرِّفْق. فَإِن قيل: أَفَكَانَ أَبُو بكر فِي ذَلِك الْمقَام أثبت من رَسُول الله؟ قيل: كلا، غير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى مَا بِأَصْحَابِهِ من الْهم، فناب عَنْهُم فِي الدُّعَاء، وَكَانَت أول غَزْوَة قَاتل فِيهَا بالأنصار الَّذِي آووه، فَمَا أحب أَن يكون جَزَاء الْقَوْم على إحسانهم الْقَتْل. وَعلم أَن دعاءه مستجاب، فَلذَلِك ألح. وَقَوله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ربكُم} [الْأَنْفَال: 9] إِذْ من صلَة: {وَيبْطل الْبَاطِل} [الْأَنْفَال: 8] . وَفِي {تَسْتَغِيثُونَ} قَولَانِ: أَحدهمَا تستنصرون. وَالثَّانِي: تستجيرون. وَالْفرق بَينهمَا أَن الْمُسْتَنْصر يطْلب الظفر، والمستجير يطْلب الْخَلَاص. وَقَوله: {فَاسْتَجَاب لكم} أَي أجابكم. يُقَال: اسْتَجَابَ وَأجَاب بِمَعْنى، وأنشدوا: (وداع دَعَا يَا من يُجيب إِلَى الندى ... فَلم يستجبه عِنْد ذَاك مُجيب) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 والإمداد: إِعْطَاء الشَّيْء بعد الشَّيْء. والمدد: العون. فَأَما " مُردفِينَ " فَقَرَأَ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عَمْرو {مُردفِينَ} بِكَسْر الدَّال. قَالَ ابْن عَبَّاس: هم المتتابعون. وَقَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي، تحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: مُردفِينَ مثلهم، يُقَال: أردفت زيدا دَابَّتي، فَيكون الْمَفْعُول الثَّانِي محذوفا. وَالثَّانِي: أَن يكون الْمَعْنى: جَاءُوا بعدكم. تَقول الْعَرَب: بَنو فلَان مردفونا: أَي يجيئون بَعدنَا. وَقَرَأَ قوم مِنْهُم نَافِع {مُردفِينَ} بِفَتْح الدَّال. قَالَ الْفراء: فعل ذَلِك بهم وَالْمعْنَى أَن الله أرْدف الْمُسلمين بهم. وَقَرَأَ أَبُو المتَوَكل " مُردفِينَ " بِفَتْح الرَّاء وَالدَّال مَعَ التَّشْدِيد. وَقَرَأَ أَبُو الجوزاء " مُردفِينَ " بِضَم الرَّاء وَكسر الدَّال مَعَ التَّشْدِيد. قَالَ الزّجاج: يجوز " مُردفِينَ " بِكَسْر الرَّاء مَعَ تَشْدِيد الدَّال. وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: الأَصْل مرتدفين، فأدغمت التَّاء فِي الدَّال، فَصَارَت مُردفِينَ، لِأَنَّك طرحت حَرَكَة التَّاء على الرَّاء وَكسرت الرَّاء لالتقاء الساكنين، وَضمّهَا نَافِع لضم الْمِيم. وَقَوله: أقدم حيزوم: وَهُوَ خطاب الْملك لفرسه. وحيزوم: اسْم الْفرس. وَقَوله: خطم أَنفه: أَي أُصِيب بضربة أثرت فِيهِ. والصناديد: الْأَشْرَاف، واحدهم صنديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وَقَوله: " أبْكِي للَّذي عرض عَليّ أَصْحَابك من أَخذهم الْفِدَاء، لقد عرض عَليّ عَذَابهمْ ". إِن قَالَ قَائِل: كَيفَ عرض عَلَيْهِ عَذَابهمْ وَلم يتَقَدَّم إِلَيْهِم فِي ذَلِك نهي؟ فَالْجَوَاب: أَنهم اخْتَارُوا الْفِدَاء وَهُوَ أَهْون الرأيين، فعوتبوا على اخْتِيَار الأوهن، قَالَه ابْن جرير. فَإِن قيل: كَيفَ أضَاف الْأَمر إِلَى المشيرين إِلَيْهِ وَقد مَال هُوَ إِلَى ذَلِك الرَّأْي؟ وَلم اسْتحق المشير الْعَذَاب؟ فَالْجَوَاب من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظهر مِنْهُ الْميل إِلَى الْفِدَاء وَلم يَأْمر بِهِ، فَاسْتحقَّ الْعَذَاب من تعجل الْأَخْذ من غير أَمر. وَالثَّانِي: أَن الْعَذَاب لمن طلب عرض الدُّنْيَا من الْقَوْم لَا لمن أَشَارَ، وَلذَلِك جَاءَ التوبيخ بقوله تَعَالَى: {تُرِيدُونَ عرض الدُّنْيَا وَالله يُرِيد الْآخِرَة} ثمَّ أخْبرهُم بالمانع من تعذيبهم على مَا فعلوا بقوله: {لَوْلَا كتاب من الله سبق} [الْأَنْفَال: 68] . وَفِيه أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: لَوْلَا أَن الله كتب فِي أم الْكتاب أَنه سيحل لكم الْغَنَائِم لمسكم فِيمَا تعجلتم من الْغَنَائِم وَالْفِدَاء قبل أَن تؤمروا بذلك عَذَاب عَظِيم. رَوَاهُ ابْن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: لَوْلَا كتاب من الله سبق أَنه لَا يعذب من أَتَى ذَنبا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 جَهَالَة لعوقبتم، رَوَاهُ عَطاء عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّالِث: لَوْلَا مَا سبق لأهل بدر أَنه لَا يعذبهم لعذبتم. قَالَه الْحسن. وَالرَّابِع: لَوْلَا مَا سبق من أَنه يغْفر لمن عمل الْخَطَايَا، ثمَّ علم مَا عَلَيْهِ فَتَابَ. قَالَه الزّجاج. فَتخرج على هَذِه الْأَقْوَال فِي معنى الْكتاب قَولَانِ: أَحدهمَا أَنه كتاب مَكْتُوب. وَالثَّانِي: أَنه الْقَضَاء. فَلَمَّا نزل قَوْله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُم} [الْأَنْفَال: 69] أخذُوا الْفِدَاء. وَالْجَوَاب الثَّالِث: أَن يكون أضَاف الْعَذَاب إِلَيْهِم لعز قدره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَمَا يُضَاف الْخَيْر إِلَى الله عز وَجل، وَالشَّر إِلَى إِبْلِيس، لَا لكَون الْقدر لم يشْتَمل الْأَمريْنِ، بل لحسن الْأَدَب بِالْإِضَافَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {مَا أَصَابَك من حَسَنَة فَمن الله وَمَا أَصَابَك من سَيِّئَة فَمن نَفسك} [النِّسَاء: 79] . وَقَوله: {مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أسرى} [الْأَنْفَال: 67] أصل الْأسر: الشد، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر " أُسَارَى ". قَالَ الْفراء: أهل الْحجاز يَقُولُونَ: أُسَارَى، وَأهل نجد أَكثر كَلَامهم أسرى، وَهُوَ أَجود الْوَجْهَيْنِ فِي الْعَرَبيَّة؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة جريح وجرحى. قَالَ أَبُو عَمْرو: الْأُسَارَى: الَّذين شدوا، والأسرى فِي أَيدي الْعَدو، إِلَّا أَنهم لم يشدوا. وَقَالَ الزّجاج: " فعلى " جمع لكل مَا أُصِيب بِهِ النَّاس فِي أبدانهم وعقولهم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 يُقَال: هَالك وهلكى، ومريض ومرضى، وسكران وسكرى، وَمن قَرَأَ " أُسَارَى " فَهُوَ جمع الْجمع، لِأَن جمع أَسِير أسرى، وَجمع أسرى أُسَارَى. وَقَوله: (حَتَّى يثخن فِي الأَرْض) أَي يتَمَكَّن فِيهَا فيبالغ فِي قتل أعدائه. وَكَانَ هَذَا أول حَرْب، وَفِي الْمُسلمين ضعف وَقلة، فَلم يكن لاستبقاء الْأَعْدَاء وَجه. 78 - / 85 - الحَدِيث السَّابِع: كتب حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى أهل مَكَّة. أما حَاطِب فَهُوَ من لخم وَكَانَ نازلا بِمَكَّة وَلَيْسَ من أَهلهَا، فَهَاجَرَ وَترك أَهله هُنَالك، فتقرب إِلَى الْقَوْم ليحفظوه فِي أَهله بِأَن أطلعهم على بعض أسرار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كيدهم وَقصد قِتَالهمْ، وَعلم أَن ذَلِك لَا يضر رَسُول الله لنصر الله عز وَجل إِيَّاه، وَهَذَا الَّذِي فعله أَمر يحْتَمل التَّأْوِيل، وَلذَلِك اسْتعْمل رَسُول الله حسن الظَّن. وَقَالَ فِي بعض الْأَلْفَاظ: " إِنَّه قد صدقكُم ". وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن حكم المتأول فِي اسْتِبَاحَة الْمَحْظُور خلاف حكم الْمُتَعَمد لاستحلاله من غير تَأْوِيل، وَدلّ على أَن من أَتَى مَحْظُورًا أَو ادّعى فِي ذَلِك مَا يحْتَمل التَّأْوِيل كَانَ القَوْل قَوْله فِي ذَلِك وَإِن كَانَ غَالب الظَّن بِخِلَافِهِ. الحديث: 78 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 وَقَول عمر: إِنَّه قد كفر، يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن عمر تَأَول قَوْله تَعَالَى: {لَا تَجِد قوما يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يوادون من حاد الله وَرَسُوله} [المجادلة: 22] . وَالثَّانِي: أَن يكون أَرَادَ كفر النِّعْمَة. وَفِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث: دَعْنِي أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق. وَهَذَا لِأَنَّهُ رأى صُورَة النِّفَاق. وَلما احْتمل قَول عمر وَكَانَ لتأويله مساغ لم يُنكر عَلَيْهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَنه الجاسوس الْمُسلم لَا يقتل. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: يسْتَحق الْعقُوبَة المنكلة والتغريب إِلَى بعض الْآفَاق فِي وثاق. وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: يُعَاقب ويسجن. وَقَالَ مَالك: يجْتَهد فِيهِ الإِمَام. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا كَانَ من ذَوي الهيئات كحاطب أَحْبَبْت أَن يتجافى عَنهُ، وَإِن لم يكن مِنْهُم كَانَ للْإِمَام أَن يعزره. وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على جَوَاز النّظر إِلَى مَا هُوَ عَورَة من الْمَرْأَة بِموضع الضرورات لأَنهم فتشوا الْمَرْأَة. وَقَوله: " اعْمَلُوا مَا شِئْتُم " لَيْسَ على الِاسْتِقْبَال، وَإِنَّمَا هُوَ للماضي، وَتَقْدِيره: أَي عمل كَانَ لكم فقد غفر. وَيدل على هَذَا شَيْئَانِ: أَحدهمَا: أَنه لَو كَانَ للمستقبل كَانَ جَوَابه فسأغفر. وَالثَّانِي: أَنه كَانَ يكون إطلاقا فِي الذُّنُوب، وَلَا وَجه لذَلِك، ويوضح هَذَا أَن الْقَوْم خَافُوا من الْعقُوبَة فِيمَا بعد، فَقَالَ عمر: يَا حُذَيْفَة، هَل أَنا مِنْهُم؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 79 - / 86 - الحَدِيث الثَّامِن: " من نَام عَن حزبه من اللَّيْل أَو عَن شَيْء مِنْهُ فقرأه مَا بَين صَلَاة الْفجْر وَصَلَاة الظّهْر كتب لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ من اللَّيْل ". قد صحف بَعضهم فَقَالَ: من نَام عَن جزئه من الْجُزْء الَّذِي هُوَ الْقطعَة من الشَّيْء، وَإِنَّمَا هُوَ: عَن حزبه بِالْحَاء الْمُهْملَة الْمَكْسُورَة. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: الحزب من الْقُرْآن: الْورْد، وَهُوَ شَيْء يفرضه الْإِنْسَان على نَفسه، يَقْرَؤُهُ كل يَوْم. وَيُقَال: الْقَوْم أحزاب: إِذا كَانُوا قطعا وفرقا، من كل نَاحيَة فرقة. وَقَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ: يَعْنِي بحزبه: جمَاعَة السُّور الَّتِي كَانَ يقْرؤهَا فِي صلَاتهم بِاللَّيْلِ، وكل جمَاعَة مؤتلفة أَو مُتَفَرِّقَة على شَيْء فَهِيَ حزب، وَمِنْه " الْأَحْزَاب ". وَاعْلَم أَن مَا بَين الْفجْر إِلَى الظّهْر مُضَاف عِنْد الْعَرَب إِلَى اللَّيْل، يَقُولُونَ: كَيفَ كنت اللَّيْلَة؟ إِلَى وَقت الزَّوَال، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى الْغَدَاة يَقُول فِي بعض الْأَيَّام: " هَل رأى أحد مِنْكُم اللَّيْلَة رُؤْيا " وَقد بنى أَبُو حنيفَة على هَذَا فَقَالَ: إِذا نوى صَوْم الْفَرْض قبل الزَّوَال صَحَّ، فَكَأَنَّهُ نوى من آخر اللَّيْل. 80 - / 87 - الحَدِيث التَّاسِع: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لأخْرجَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى من جَزِيرَة الْعَرَب ". الحديث: 79 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 قَالَ الْخَلِيل: جَزِيرَة الْعَرَب مَعْدِنهَا ومسكنها، وَإِنَّمَا قيل لَهَا جَزِيرَة؛ لِأَن بَحر الْحَبَش وبحر فَارس ودجلة والفرات قد أحَاط بهَا. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: جَزِيرَة الْعَرَب من أقْصَى عدن أبين إِلَى ريف الْعرَاق فِي الطول، وَأما الْعرض فَمن جدة وَمَا والاها من سَاحل الْبَحْر إِلَى أطرار الشَّام. 81 - / 88 - الحَدِيث الْعَاشِر: أَن رجلا تَوَضَّأ فَترك مَوضِع ظفر على قدمه، فَأَبْصَرَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " ارْجع فَأحْسن وضوءك " فَرجع فَتَوَضَّأ ثمَّ صلى. قد احْتج بِهَذَا بعض أَصْحَابنَا فِي وجوب الْمُوَالَاة؛ لِأَن الْمُوَالَاة عندنَا شَرط فِي صِحَة الْوضُوء، وَهُوَ قَول مَالك، وَعَن أَحْمد لَيْسَ شرطا كَقَوْل أبي حنيفَة، وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ. وَلَا خلاف فِي التَّفْرِيق الْيَسِير أَنه لَا يبطل، وَقد حد أَصْحَابنَا الْكثير: بِأَن يَأْتِي على الْعُضْو زمَان معتدل فِي الْحر وَالْبرد فينشف. وَوجه الْحجَّة فِي الحَدِيث أَن الرجل فهم من قَوْله: " أحسن وضوءك " إِعَادَة الْوضُوء، فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: تعلم كَيفَ الْوضُوء، فَلَيْسَ مَا فعلت بِوضُوء. 82 - / 89 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر - قَالَ عمر فِي الضَّب: إِن رَسُول الله لم يحرمه. وَفِي لفظ: إِنَّمَا عافه رَسُول الله. الحديث: 81 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 الضَّب مَعْرُوف، وَهُوَ مُبَاح الْأكل، وعافه بِمَعْنى كرهه، ولكراهته لَهُ سببان: أَحدهمَا: أَنه لم يتعود أكله، وَسَيَأْتِي فِي مُسْند ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي لحم الضَّب: " كلوا؛ فَإِنَّهُ حَلَال، وَلكنه لَيْسَ من طَعَامي ". وَفِي مُسْند خَالِد بن الْوَلِيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الضَّب: أحرام هُوَ؟ قَالَ: " لَا، وَلكنه لَيْسَ فِي قومِي، فأجدني أعافه ". وَالثَّانِي: أَنه خَافَ أَن يكون مِمَّن مسخ. وَسَيَأْتِي فِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث جَابر بن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي بضب، فَأبى أَن يَأْكُل مِنْهُ وَقَالَ: " لَا أَدْرِي، لَعَلَّه من الْقُرُون الَّتِي مسخت ". 83 - / 90 - الحَدِيث الثَّانِي عشر: قَالَ أَبُو نَضرة: كَانَ ابْن عَبَّاس يَأْمر بِالْمُتْعَةِ، وَكَانَ ابْن الزبير ينْهَى عَنْهَا، فَذكرت ذَلِك لجَابِر بن عبد الله، فَقَالَ: على يَدي دَار الحَدِيث، تَمَتعنَا مَعَ رَسُول الله، فَلَمَّا قَامَ عمر قَالَ: إِن الله كَانَ يحل لرَسُوله مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ، وَإِن الْقُرْآن قد نزل مَنَازِله، فَأتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة كَمَا أَمركُم الله، وأبتوا نِكَاح هَذِه النِّسَاء، فَلَنْ أُوتى بِرَجُل نكح امْرَأَة إِلَى أجل إِلَّا رَجَمْته بِالْحِجَارَةِ. وَفِي لفظ: فَافْصِلُوا حَجكُمْ من عُمْرَتكُمْ؛ فَإِنَّهُ أتم لحجكم، وَأتم لعمرتكم. الحديث: 83 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 أما الْمُتْعَة فَإِنَّهَا كَانَت مُبَاحَة أول الْإِسْلَام، وصفتها أَن الرجل كَانَ ينْكح الْمَرْأَة بِشَيْء مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم، لَا بِعقد عِنْد الِاتِّصَال، وَلَا بِطَلَاق عِنْد الِانْفِصَال، ثمَّ نسخ هَذَا بِمَا سَيَأْتِي فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: أَن رَسُول الله نهى عَن مُتْعَة النِّسَاء يَوْم خَيْبَر. وَسَيَأْتِي فِي مُسْند سُبْرَة بن معبد مَا يدل على أَنَّهَا نسخت عِنْد فتح مَكَّة، فقد وَقع الِاتِّفَاق على النّسخ وَإِن اخْتلف فِي الْوَقْت، غير أَن حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام مقدم لثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن حَدِيث عَليّ مُتَّفق عَلَيْهِ، وَحَدِيث سُبْرَة من أَفْرَاد مُسلم. وَالثَّانِي: أَن عليا عَلَيْهِ السَّلَام أعلم بأحوال رَسُول الله من غَيره. وَالثَّالِث: أَنه أثبت تَقْدِيمًا فِي الزَّمَان خَفِي على غَيره. فكأنهم استعملوا عِنْد فتح مَكَّة مَا كَانُوا أبيحوه من غير علم بالناسخ أَنه قد وَقع، فنهاهم. وَأما فَتْوَى ابْن عَبَّاس فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو من أَمريْن: إِمَّا أَن يكون النَّاسِخ مَا وصل إِلَيْهِ، وَإِمَّا أَن يكون تَأَول النّسخ فِي حق الْمُضْطَر إِلَى ذَلِك، وَهُوَ مَذْهَب مَتْرُوك. وَقَول جَابر: على يَدي دَار الحَدِيث: أَي بمشاهدتي وحضوري جرى ذَلِك. وَقَوله: فَأتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة: اخْتلف الْعلمَاء فِي المُرَاد بإتمامها على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن يفصل بَينهمَا، فَيَأْتِي بِالْعُمْرَةِ فِي غير أشهر الْحَج، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ عمر، وَإِلَيْهِ ذهب الْحسن وَعَطَاء. وَالثَّانِي: أَن يحرم الرجل من دويرة أَهله، قَالَه عَليّ وَطَاوُس وَابْن جُبَير. وَالثَّالِث: أَنه إِذا شرع فِي أَحدهمَا لم يفسخه حَتَّى يتم، قَالَه ابْن عَبَّاس. وَالرَّابِع: أَنه فعل مَا أَمر الله فيهمَا، قَالَه مُجَاهِد. قَوْله: أبتوا نِكَاح هَذِه النِّسَاء. الْبَتّ: الْقطع. وَالْمعْنَى: أمضوه إِمْضَاء لَا اسْتثِْنَاء فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ إِلَى أجل كَانَ غير دَائِم. قَالَ الزّجاج: يُقَال: بت الحكم وأبته: إِذا قطعه. وَاعْلَم أَن إحكام أَمر النِّكَاح لَازم، وَلذَلِك تواعد على الْمُتْعَة بِالرَّجمِ، بِخِلَاف فصل الْحَج من الْعمرَة؛ فَإِنَّهُ الْأَفْضَل عِنْد قوم، وَجَائِز عِنْد آخَرين. وَرُبمَا توهم من لَا علم لَهُ أَن عمر نهى عَن الْمُتْعَة لمصْلحَة رَآهَا، وَهَذَا لَا يجوز لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يُغير شرع رَسُول الله، وَلَوْلَا أَنه ثَبت عِنْده النَّاسِخ مَا قَالَ. وَالثَّانِي: أَنه لَو كَانَ على وَجه الْمصلحَة مَا تواعد عَلَيْهِ بِالرَّجمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 84 - / 91 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: قَالَ عمر: إِن رَسُول الله يرينا مصَارِع أهل بدر بالْأَمْس، يَقُول: " هَذَا مصرع فلَان غَدا إِن شَاءَ الله، وَهَذَا مصرع فلَان إِن شَاءَ الله " فو الَّذِي بَعثه بِالْحَقِّ مَا أَخطَأ الْحُدُود الَّتِي حَدهَا رَسُول الله. المصرع: مَوضِع المصروع، وَهُوَ الْملقى على الأَرْض، يُقَال: صرعت الرجل: إِذا أَلقيته، وَرجل صريع ومصروع. وإخبار الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك من أعظم المعجزات الدَّالَّة على صدقه، لِأَنَّهُ أخبر بِمَا يكون، فَكَانَ كَمَا قَالَ. وَقَوله: مَا أَنْتُم بأسمع لما أَقُول مِنْهُم. إِن قيل: كَيفَ أخبر بسماعهم وَقد قَالَ عز وَجل: {إِنَّك لَا تسمع الْمَوْتَى} [النَّمْل: 80] ؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الله تَعَالَى أحياهم لَهُ، فَسَمِعُوا كَلَامه إِكْرَاما لَهُ وإذلالا لَهُم، هَذَا قَول قَتَادَة. وعَلى هَذَا القَوْل ردَّتْ أَرْوَاحهم وَقت خطابه، كَمَا ترد الرّوح إِلَى الْمَيِّت عِنْد سُؤال مُنكر وَنَكِير، وَلذَلِك قَالَ: " إِنَّهُم ليسمعون قرع نعالكم إِذا وليتم مُدبرين ". وَالثَّانِي: أَن الله تَعَالَى أوصل صداه إِلَى أَرْوَاحهم، وَإِنَّمَا الْبدن آلَة، وَالله قَادر أَن يُوصل إِلَى الرّوح بِآلَة أُخْرَى، وَبِغير آلَة. الحديث: 84 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 85 - / 92 - الحَدِيث الرَّابِع عشر: لقد رَأَيْت رَسُول الله يظل الْيَوْم يلتوي مَا يجد دقلا يمْلَأ بِهِ بَطْنه. يُقَال " ظلّ فلَان يفعل كَذَا: إِذا فعله بِالنَّهَارِ، وَبَات يفعل كَذَا إِذا فعله بِاللَّيْلِ. ويلتوي: يتثنى من الْجُوع. والدقل من التَّمْر: أردؤه. وَإِنَّمَا جرى هَذَا على رَسُول الله لثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهَا: أَن الْبلَاء يلصق بالأقوياء، وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء أَشد النَّاس بلَاء، ثمَّ الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه ". وَالثَّانِي: ليتأسى بِهِ الْفُقَرَاء فيطيب عيشهم، وَلِهَذَا الْمَعْنى أَمر النَّاس بالتجرد عَن الْمخيط عِنْد الْإِحْرَام لِئَلَّا ينكسر قلب الْفَقِير. وَالثَّالِث: ليَكُون ذَلِك أقوى دَلِيل على صدقه فِيمَا جَاءَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الصدْق لطلب الدُّنْيَا، فصبره على الْفقر من أقوى أَدِلَّة صدقه. 86 - / 93 - الحَدِيث الْخَامِس عشر: أَن نَافِع بن الْحَارِث لَقِي عمر بعسفان، وَكَانَ عمر يَسْتَعْمِلهُ على مَكَّة، فَقَالَ: من اسْتعْملت على أهل الْوَادي؟ فَقَالَ: ابْن أَبْزَى فَقَالَ: وَمن ابْن أَبْزَى؟ فَقَالَ: مولى من موالينا. فَقَالَ: أستخلفت عَلَيْهِم مولى؟ فَقَالَ: إِنَّه قَارِئ لكتاب الله، عَالم بالفرائض. فَقَالَ عمر: أما إِن نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قَالَ: " إِن الحديث: 85 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 الله يرفع بِهَذَا الْكتاب أَقْوَامًا وَيَضَع بِهِ آخَرين ". أما نَافِع فَلَيْسَ كَمَا نسبه الْحميدِي، إِنَّمَا هُوَ نَافِع بن عبد الْحَارِث، كَذَلِك ذكره مُحَمَّد بن سعد فِي مَوَاضِع، وَذكره ابْن أبي خَيْثَمَة، وَالْبُخَارِيّ فِي " التَّارِيخ ". وَأما ابْن أَبْزَى فاسمه عبد الرَّحْمَن، وَهُوَ مولى نَافِع. وَقَوله: إِن الله يرفع بِهَذَا الْكتاب - يَعْنِي الْقُرْآن - أَقْوَامًا. أَرَادَ يرفع حافظيه والعاملين بِهِ، وَيَضَع المضيعين لحقه، المفرطين فِي أمره. 87 - / 94 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: قَالَ عقبَة بن عَامر: كَانَت علينا رِعَايَة الْإِبِل، فَجَاءَت نوبتي، فروحتها بعشي. قَوْله: جَاءَت نوبتي: كَانُوا يتناوبون فِي رعي الْإِبِل. وَقَوله: فروحتها: الرواح: من زَوَال الشَّمْس إِلَى اللَّيْل وَكَذَلِكَ الْعشي، إِلَّا أَنه أَرَادَ بالْعَشي هَاهُنَا أَوَاخِر الْوَقْت. وَهُوَ الْمسَاء. وَيُقَال: أَرحْنَا إبلنا: أَي رددناها وَقت الرواح. والمراح: حَيْثُ تأوي الْمَاشِيَة بِاللَّيْلِ. وَقَوله: " فَيحسن وضوءه " إِحْسَان الْوضُوء: إِتْمَامه. وَقَوله: " يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يقبل عَلَيْهِمَا بِقَلْبِه وَوَجهه " الإقبال بِالْوَجْهِ: ترك الِالْتِفَات وَالنَّظَر إِلَى مَوضِع السُّجُود، وبالقلب: قطع الْفِكر عَنهُ الحديث: 87 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 فِيمَا سوى الْعِبَادَة. وَقَوله: آنِفا. قَالَ الزّجاج: آنِفا: بِمَعْنى السَّاعَة، وَهُوَ من قَوْلك استأنفت الشَّيْء: إِذا ابتدأته. وروضة أنف: لم ترع، فلهَا أول مرعى. وَقَالَ أَبُو عمر غُلَام ثَعْلَب: معنى آنِفا: مذ سَاعَة. وإسباغ الْوضُوء: إِتْمَامه. فَإِن قيل: أَيجوزُ أَن يقطع بِالْجنَّةِ لمن صلى رَكْعَتَيْنِ أحضر فيهمَا قلبه، لقَوْله: " وَجَبت لَهُ الْجنَّة "؟ فَالْجَوَاب: أَنا لَا نقطع لأحد بِعَيْنِه؛ لِأَنَّهُ رُبمَا لم يَأْتِ بالحضور الْمَطْلُوب كَمَا يَنْبَغِي، وَرُبمَا وَجَبت الْجنَّة لشخص ثمَّ حَال بَينه وَبَينهَا عمل من أَعماله القباح، وَلَكنَّا نرجوها لَهُ. 88 - / 95 - الحَدِيث السَّابِع عشر: قَالَ يعلى بن أُميَّة: قلت: لعمر: {فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة إِن خِفْتُمْ أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا} [النِّسَاء: 101] فقد أَمن النَّاس. فَقَالَ: عجبت مِمَّا عجبت مِنْهُ، فَسَأَلت رَسُول الله عَن ذَلِك، فَقَالَ: " صَدَقَة تصدق الله بهَا عَلَيْكُم، فاقبلوا صدقته ". الْجنَاح: الْإِثْم. وَالْقصر: النَّقْص. والفتنة: الْقَتْل. وَفِي هَذَا الحَدِيث ثَلَاثَة أوجه. أَحدهَا: أَنه قد كَانَ الحكم مُتَعَلقا بالخوف، فَلَمَّا زَالَ الْخَوْف أبقى الله حكم الْقصر على وَجه التَّخْفِيف عَن الْمُسَافِر، فَيكون هَذَا من الحديث: 88 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 الْأَحْكَام الَّتِي نطيت بِسَبَب، ثمَّ زَالَ السَّبَب وَبَقِي الحكم، كالرمل. وَالثَّانِي: أَن الْآيَة إِنَّمَا نزلت على غَالب أسفار رَسُول الله، وأكثرها لم يخل من الْخَوْف، وَنَحْو هَذَا قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء إِن أردن تَحَصُّنًا} [النُّور: 33] فَخرج النَّهْي على صفة السَّبَب وَإِن لم يكن شرطا فِيهِ، لِأَنَّهُنَّ كن يردن التحصن. وَالثَّالِث: أَن تحمل على معنى " إِن " كَقَوْلِه تَعَالَى: {وذروا مَا بَقِي من الرِّبَا إِن كُنْتُم مُؤمنين} [الْبَقَرَة: 278] وَقَوله: {وَأَنْتُم الأعلون إِن كُنْتُم مُؤمنين} [آل عمرَان: 139] وَاعْلَم أَن الْمُسَافِر مُخَيّر بَين الْإِتْمَام وَالْقصر، وَهَذَا مَذْهَب أَحْمد وَالشَّافِعِيّ، وَعَن أبي حنيفَة يتَعَيَّن عَلَيْهِ الْقصر وَلَا يجوز لَهُ الْإِتْمَام، وَعَن أَصْحَاب مَالك كالمذهبين. ومستند هَذَا الْخلاف أَن الْقصر رخصَة عندنَا وَعند الشَّافِعِي، إِلَّا أَنه مَعَ كَونه رخصَة فَهُوَ عندنَا أفضل من الْإِتْمَام، وَهَذَا أحد قولي الشَّافِعِي. وَعند أبي حنيفَة أَنه عَزِيمَة. وَيدل على قَوْلنَا قَوْله تَعَالَى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح} والجناح إِنَّمَا يرفع فِي الْمُبَاح لَا فِي الْوَاجِب. ثمَّ لَو كَانَ الأَصْل رَكْعَتَيْنِ لم يكن لقَوْله: " صَدَقَة تصدق الله بهَا عَلَيْكُم " وَجه. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مُدَّة السّفر الَّتِي يجوز فِيهِ الْقصر، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: أَقَله سِتَّة عشر فرسخا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: أَقَله مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام سير الْإِبِل. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: مرحلة يَوْم. وَقَالَ دَاوُد: يجوز الْقصر فِي السّفر الطَّوِيل والقصير. فَأَما مُدَّة الْإِقَامَة الَّتِي إِذا نَوَاهَا بِبَلَدِهِ أتم الصَّلَاة، وَإِن نوى أقل مِنْهَا قصر: فَقَالَ أَصْحَابنَا: إِقَامَة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين صَلَاة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 إِقَامَة خَمْسَة عشر يَوْمًا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: إِقَامَة أَرْبَعَة أَيَّام. وَعِنْدنَا أَن الْقصر إِنَّمَا يُبَاح للْمُسَافِر إِذا كَانَ سَفَره مُبَاحا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَدَاوُد: يجوز لَهُ إِن لم يكن سَفَره مُبَاحا. ووافقنا مَالك فِي أَنه لَا يجوز للعاصي بِسَفَرِهِ الْفطر وَلَا الْقصر، وَقَالَ: يجوز لَهُ أكل الْميتَة. فَإِن قَالَ لنا قَائِل: كَيفَ تمْنَعُونَ الْمُضْطَر الْميتَة حَتَّى يَمُوت؟ قُلْنَا: نَحن نقُول لَهُ: تب وكل. وَقَوله: " صَدَقَة تصدق الله بهَا عَلَيْكُم " أَي أنعم بذلك كَمَا ينعم الْمُتَصَدّق، فَهُوَ كَقَوْلِه: {وَتصدق علينا} [يُوسُف: 88] . وَفِي هَذَا الحَدِيث رد على من نهى أَن يُقَال: اللَّهُمَّ تصدق علينا، فَإِنَّهُ قد روى سعيد بن مَنْصُور فِي كتاب " السّنَن " عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَن رجلا قَالَ: تصدق عَليّ تصدق الله عَلَيْك بِالْجنَّةِ. فَقَالَ: إِن الله لَا يتَصَدَّق، وَلَكِن يَجْزِي المتصدقين. وروى أَيْضا أَن مُجَاهدًا قَالَ: لَا تقل تصدق عَليّ، فَإِنَّمَا يتَصَدَّق من يَبْتَغِي الثَّوَاب. وَاعْلَم أَنَّهُمَا إِنَّمَا قَالَا هَذَا بِمُقْتَضى الْعرف وَلم يَقع إِلَيْهِمَا الحَدِيث. 89 - / 96 - الحَدِيث الثَّامِن عشر: عَن جُبَير بن نفير قَالَ: خرجت مَعَ شُرَحْبِيل بن السمط إِلَى قَرْيَة على سَبْعَة عشر أَو ثَمَانِيَة عشر ميلًا، الحديث: 89 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 فصلى رَكْعَتَيْنِ فَقلت لَهُ، فَقَالَ: رَأَيْت عمر بن الْخطاب صلى بِذِي الحليفة رَكْعَتَيْنِ، فَقلت لَهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أفعل كَمَا رَأَيْت رَسُول الله يفعل. أما الْقرْيَة فاسم لما يجمع جمَاعَة من النَّاس، وَهُوَ مَأْخُوذ من الْجمع. وَأما الْميل فَقَالَ ابْن فَارس: الْميل من الأَرْض قدر مد الْبَصَر. وَلَا يَخْلُو حَال شُرَحْبِيل من أَمريْن: إِمَّا أَن يكون هَذَا الْمِقْدَار غَايَة سَفَره، فَيكون مِمَّن يرى قصر الصَّلَاة فِي السّفر الْقصير، أَو أَن يكون خرج إِلَى سفر طَوِيل، فَلَمَّا وصل هَذِه الْقرْيَة قصر. وَقَوله: رَأَيْت عمر صلى بِذِي الحليفة: يُرِيد أَنه قصر فِي السّفر. 90 - / 97 - الحَدِيث التَّاسِع عشر: " إِذا قَالَ الْمُؤَذّن: الله أكبر الله أكبر: فَقَالَ أحدكُم: الله أكبر الله أكبر ... " فَذكر الْأَذَان إِلَى أَن قَالَ عِنْد الحيعلة: " لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه " وَقَالَ فِي آخِره: " فَقَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، من قلبه دخل الْجنَّة ". قَالَ ثَعْلَب: قَالَ اللغويون: وَمعنى الله أكبر: الله أكبر، وَاحْتَجُّوا بقول الفرزدق: (إِن الَّذِي سمك السَّمَاء بنى لنا ... بَيْتا دعائمه أعز وأطول) قَالَ: وَقَالَ النحويون كالكسائي وَالْفراء: مَعْنَاهُ الله أكبر من كل الحديث: 90 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 شَيْء، فحذفت من، كَمَا تَقول: أَبوك أفضل، أَي من غَيره وَاحْتَجُّوا بقول الشَّاعِر: (إِذا مَا ستور الْبَيْت أرخين لم يكن ... سراج لنا إِلَّا ووجهك أنور) وَمعنى أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله: أعلم وَأبين. فَأَما معنى حَيّ على الصَّلَاة فَقَالَ الْفراء: هلموا إِلَى الصَّلَاة وَأَقْبلُوا عَلَيْهَا. وَفتحت الْيَاء من حَيّ لسكونها وَسُكُون الْيَاء الَّتِي قبلهَا، كليت وَلَعَلَّ. والفلاح: الْفَوْز. وَإِنَّمَا يُقَال عِنْد هَذَا: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، وَلَا يُقَال كَمَا قَالَ المؤذنون؛ لِأَن مَضْمُون هَذَا الْكَلَام دُعَاء الْمُصَلِّي، فَلَا يُجيب بِمثلِهِ. وَمعنى لَا حول: لَا حِيلَة. يُقَال: مَا للرجل حول وَلَا حِيلَة وَلَا احتيال. 91 - / 98 - الحَدِيث الْعشْرُونَ: قَالَ عمر: قسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسما فَقلت: يَا رَسُول الله لغير هَؤُلَاءِ أَحَق بِهِ مِنْهُم. قَالَ: " إِنَّهُم خيروني بَين أَن يَسْأَلُونِي بالفحش، أَو يبخلوني، وَلست بباخل ". الْقسم بِفَتْح الْقَاف مصدر قسمت، وبكسرها: الْحَظ والنصيب، يُقَال: هَذَا قسمك، وَهَذَا قسمي. الحديث: 91 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وَالْفُحْش: الزَّائِد فِي الْخُرُوج عَن حد الصَّوَاب، وكل شَيْء جَاوز قدره فَهُوَ فَاحش. وَيُشبه أَن يكون هَؤُلَاءِ الَّذين أَعْطَاهُم من الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم. وَقد نبه الحَدِيث على جَوَاز الْإِعْطَاء لحفظ الْعرض. 92 - / 99 - الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: كَانَ عمر إِذا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَاد أهل الْيمن سَأَلَهُمْ: أفيكم أويس بن عَامر؟ أما الأمداد فقوم يجيئون بعد قوم. واليمن سميت بذلك لِأَنَّهَا عَن يَمِين الْكَعْبَة. وأويس تَصْغِير أَوْس، وَأَوْس اسْم للذئب، وأنشدوا: (مَا فعل الْيَوْم أويس فِي الْغنم ... ) وَقرن مَفْتُوحَة الرَّاء: قَبيلَة. وَقرن بتسكين الرَّاء مَوضِع من مَوَاقِيت الْحَج. وغبر النَّاس من الغابر: وَهُوَ الْمُتَأَخر عَمَّن تقدمه. والغبرات: البقايا. وَهَكَذَا سمعنَا هَذِه الْكَلِمَة وتفسيرها، وَقد ذكرهَا ابْن جرير فِي " تَهْذِيب الْآثَار " وَقَالَ: أكون فِي غثر النَّاس. قَالَ: وَهِي الْجَمَاعَة الحديث: 92 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 المختلطة من قبائل شَتَّى، يُقَال: أَقبلت غثيرة من النَّاس وغثراء مِنْهُم، ودهماء، وأوزاع، وأوباش، وأوشاب: وهم الْفرق. وَفِي رِوَايَة أكون فِي خمار النَّاس: أَي فِي زحمتهم حَيْثُ أخْفى. وَإِنَّمَا أَرَادَ الخمول؛ لِأَن الْمُتَقَدّم مشتهر بِخِلَاف الْمُتَأَخر. والخمول إِلَى السَّلامَة أقرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 كشف الْمُشكل من مُسْند أبي عمر وَعُثْمَان بن عَفَّان أسلم قَدِيما، وزوجه رَسُول الله ابْنَته رقية، فَلَمَّا مَاتَت زوجه أم كُلْثُوم، فَلَمَّا مَاتَت قَالَ: " لَو كَانَ عِنْدِي ثَالِثَة لزوجتها عُثْمَان ". وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله مائَة وَسِتَّة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا، أخرج مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سِتَّة عشر حَدِيثا. 93 - / 100 - الحَدِيث الأول: أَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ سَأَلَ عُثْمَان فَقَالَ: أَرَأَيْت إِذا جَامع الرجل امْرَأَته وَلم يمن. قَالَ عُثْمَان: يتَوَضَّأ للصَّلَاة وَيغسل ذكره. وَقَالَ عُثْمَان: سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فِي هَذَا الحَدِيث تَقْدِيم وَتَأْخِير، تَقْدِيره: يغسل ذكره وَيتَوَضَّأ للصَّلَاة، وَالْوَاو للْجمع لَا للتَّرْتِيب. وَاعْلَم أَن هَذَا كَانَ فِي أول الْإِسْلَام، وَسَيَأْتِي فِي مُسْند أبي بن كَعْب، وَفِي مُسْند أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْو هَذَا، إِلَّا الحديث: 93 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 أَنه نسخ بِمَا سَيَأْتِي فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " إِذا جلس بَين شعبها الْأَرْبَع ثمَّ جهدها فقد وَجب الْغسْل ". وَبِمَا سَيَأْتِي فِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " إِذا جلس بَين شعبها الْأَرْبَع، وَمَسّ الْخِتَان الْخِتَان فقد وَجب الْغسْل ". وروى رَافع بن خديج أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِهِ فناداه، فَخرج إِلَيْهِ وَمضى مَعَه حَتَّى أَتَى الْمَسْجِد، ثمَّ انْصَرف واغتسل، فَرَأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أثر المَاء، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: يَا نَبِي الله، سَمِعت نداءك وَأَنا على امْرَأَتي، فَقُمْت قبل أَن أنزل فاغتسلت، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّمَا المَاء من المَاء " ثمَّ قَالَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَمَا انْصَرف: " إِذا جَاوز الْخِتَان الْخِتَان وَجب الْغسْل ". 94 - / 101 - الحَدِيث الثَّانِي: أَن عُثْمَان دَعَا بِإِنَاء فأفرغ على كفيه ثَلَاث مَرَّات فغلسهما. أما غسل الْيَدَيْنِ ثَلَاثًا قبل إدخالهما الْإِنَاء فَسنة، فَإِن كَانَ قد قَامَ من نوم اللَّيْل فَهُوَ عندنَا وَاجِب، وَسَيَأْتِي ذكره. وَأما الاستنثار فَتَارَة يُرَاد بِهِ الِاسْتِنْشَاق: وَهُوَ اجتذاب المَاء بِالنَّفسِ إِلَى بَاطِن الْأنف، وَتارَة يُرَاد بِهِ رمي مَا فِي الْأنف من الْأَذَى. والنثرة: الْأنف. الحديث: 94 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وَقَوله: ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ. احْتج بعض أَصْحَابنَا بقوله: وَمسح بِرَأْسِهِ، وَلم يقل ثَلَاثًا كَمَا قَالَ فِي المغسولات، على أَن تكْرَار الْمسْح لَا يسن، وَفِيه عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: يسن ثَلَاثًا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَالثَّانيَِة: لَا يسن، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك، وَالْأولَى أصح؛ فَإِنَّهُ قد روى مُسلم من حَدِيث عُثْمَان أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث حمْرَان وشقيق عَن عُثْمَان أَنه وصف وضوء رَسُول الله: فَمسح بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حمْرَان وشقيق وَعبد الله بن جَعْفَر وَابْن دارة مولى عُثْمَان وَابْن الْبَيْلَمَانِي عَن أَبِيه، كلهم عَن عُثْمَان: أَنه حكى وضوء رَسُول الله: وَمسح بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا. وَالْأَخْذ بِهَذِهِ الزِّيَادَة وَهَذَا الْبَيَان أولى من الْأَخْذ بِأَمْر مُحْتَمل؛ لِأَن من لم يذكر فِي الْمسْح عددا يحْتَمل أَنه لم يحفظ الْعدَد، وَيحْتَمل أَن يكون أحَال بِهِ على الْعدَد الْمُتَقَدّم. ثمَّ لَو ثَبت أَنه مسح مرّة كَانَ ذَلِك لبَيَان الْإِجْزَاء. وَمَا رُوِيَ عَنهُ من التّكْرَار لَا يجوز أَن يُرِيد بِهِ الْإِجْزَاء لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن الْإِجْزَاء يَقع بِدُونِهِ. وَالثَّانِي: أَن الْإِجْزَاء قرين التقليل، فَثَبت أَنه للفضيلة. وَقَوله: لم يحدث فِيهَا نَفسه: يُرِيد بِهِ حُضُور الْقلب فِي الصَّلَاة، واشتغال الْمصلى بتدبر التِّلَاوَة والخشوع. وَقَوله: كَانَت صلَاته ومشيه إِلَى الْمَسْجِد نَافِلَة. أَي أَن الغفران قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 حصل لَهُ بِالْوضُوءِ، فثواب صلَاته ومشيه زِيَادَة فِي الْفضل. وَقَوله: لَا ينهزه إِلَّا الصَّلَاة: أَي لَا يحركه سواهَا. وَأما النُّطْفَة فَهِيَ المَاء الَّذِي لَا كدر فِيهِ، وَالْجمع نطف. وَتَقَع النطف على الْقَلِيل وَالْكثير من المَاء. وإفاضة المَاء: صبه. وَقَوله: مَا أَدْرِي، أحدثكُم أَو أسكت. يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه استطعم هَذَا مِنْهُم أَن يسألوه ليحدثهم. وَالثَّانِي: أَنه خَافَ أَن يتكلوا على هَذَا الثَّوَاب فيقتنعوا بِهِ عَن كَثْرَة الْأَعْمَال. وَقَوله: مَا لم يُؤْت كَبِيرَة. يَعْنِي أَنَّهَا تكفر الصَّغَائِر. وَالْكَفَّارَة المغطية للذنوب. 95 - / 102 - الحَدِيث الثَّالِث: " من بنى لله مَسْجِدا بنى الله لَهُ فِي الْجنَّة مثله ". قَوْله: " لله " يُرِيد بِهِ الْإِخْلَاص فِي الْفِعْل. وَمن بنى مَسْجِدا فَكتب اسْمه عَلَيْهِ فَهُوَ بعيد من الْإِخْلَاص؛ لِأَن المخلص يَكْتَفِي بِرُؤْيَة الْمَعْمُول مَعَه. وَقد كَانَ حسان بن أبي سِنَان يَشْتَرِي أهل الْبَيْت فيعتقهم وَلَا يُخْبِرهُمْ من هُوَ. وَقَوله: " بنى الله لَهُ فِي الْجنَّة مثله " لَيْسَ المُرَاد بِهِ فِي الْمِقْدَار، الحديث: 95 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وَإِنَّمَا المُرَاد بني لَهُ بَيْتا، يدل عَلَيْهِ أَن أجر الْأَعْمَال يُضَاعف، قَالَ الله عز وَجل: {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} [الْأَنْعَام: 160] ، وَقَول رَسُول الله: " من تصدق بِعدْل تَمْرَة من كسب طيب فَإِن الله يقبلهَا ثمَّ يُرَبِّيهَا حَتَّى تكون مثل الْجَبَل ". 96 - / 103 - الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: قَالَ ابْن الزبير: قلت لعُثْمَان: هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي " الْبَقَرَة ": {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا} إِلَى قَوْله: {غير إِخْرَاج} [الْبَقَرَة: 240] قد نسختها الْأُخْرَى، فَلم تَكْتُبهَا؟ فَقَالَ: ندعها يَا ابْن أخي، لَا أغير شَيْئا مِنْهُ من مَكَانَهُ. أما الْآيَة الناسخة لهَذِهِ الْآيَة فَهِيَ قَوْله {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} [الْبَقَرَة: 234] وَظن ابْن الزبير أَن مَا ينْسَخ حكمه فَيَنْبَغِي أَلا يثبت، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ فَإِن إثْبَاته فِي الْمُصحف يتَضَمَّن ثَلَاث فَوَائِد: إِحْدَاهَا: أَن الله تَعَالَى لَو أَرَادَ نسخ لَفظه لرفعه، فقد رفع آيَات كَثِيرَة من الْمُصحف وصدور الحافظين. وَالثَّانيَِة: أَن فِي تِلَاوَته ثَوابًا كَمَا فِي تِلَاوَة غَيره. وَالثَّالِثَة: أَنه إِن كَانَ تثقيلا قد نسخ بتَخْفِيف عرف بتذكرة قدر اللطف، وَإِن كَانَ تَخْفِيفًا قد نسخ بتثقيل علم أَن المُرَاد انقياد النَّفس للأصعب أَن يظْهر مِنْهَا عِنْد ذَاك التَّسْلِيم. الحديث: 96 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 97 - / 106 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَن الْمسور وَعبد الرَّحْمَن بن الْأسود قَالَا لِعبيد الله بن عدي بن الْخِيَار: مَا يمنعك أَن تكلم أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان فِي شَأْن أَخِيه الْوَلِيد بن عقبَة، فقد أَكثر النَّاس فِيهِ. أما الْوَلِيد فَهُوَ أَخُو عُثْمَان لأمه؛ لِأَن أمه أروى بنت كريز بن ربيعَة تزَوجهَا عَفَّان بن أبي الْعَاصِ، فَولدت لَهُ عُثْمَان وَأُميَّة، ثمَّ تزَوجهَا عقبَة بن أبي معيط فَولدت لَهُ الْوَلِيد وَعمارَة وخالدا وَأم كُلْثُوم وَأم حَكِيم وهندا، وَأسْلمت أروى وَهَاجَرت وبايعت، وَمَاتَتْ فِي خلَافَة ابْنهَا عُثْمَان. وَأسلم الْوَلِيد يَوْم فتح مَكَّة. وَأما مَا تكلم النَّاس فِي شَأْنه فَلِأَنَّهُ شرب: أخبرنَا الْمُبَارك بن عَليّ قَالَ: أخبرنَا شُجَاع بن فَارس قَالَ: أخبرنَا أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن أَحْمد الْأُشْنَانِي قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن أَحْمد الحمامي قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن أبي قيس قَالَ: أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد الْقرشِي قَالَ حَدثنَا أَبُو خَيْثَمَة قَالَ: حَدثنَا وهب بن جرير قَالَ: حَدثنَا أبي قَالَ: بعث عُثْمَان على الْكُوفَة الْوَلِيد بن عقبَة - وَهُوَ أَخُوهُ لأمه - وَكَانَ الْوَلِيد يشرب الشَّرَاب، فصلى بِالنَّاسِ يَوْمًا صَلَاة الْغَدَاة وَهُوَ سَكرَان، فَلَمَّا فرغ قَالَ: أزديكم؟ فَعظم ذَلِك عِنْد النَّاس وأنكروه، فَخرج وَفد إِلَى عُثْمَان فأخبروه، وشهدوا عَلَيْهِ بالسكر، فَعَزله وَجلده الْحَد. قلت: وَيَنْبَغِي أَن يحمل حَال الْوَلِيد على أَنه شرب من النَّبِيذ متأولا لَهُ، وظنه أَنه لَا يسكر فَسَكِرَ. وَقد أنعمنا الْكَلَام فِي وجوب تَنْزِيه الحديث: 97 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 الصَّحَابَة عَن الْإِقْدَام على الْحَرَام من غير تَأْوِيل فِي قصَّة " قدامَة " فِي مُسْند عمر. وَقَول عبيد الله لعُثْمَان: كنت مِمَّن اسْتَجَابَ: أَي أجَاب. وَقَوله: هَاجَرت الهجرتين: أما الْهِجْرَة الأولى فَإلَى أَرض الْحَبَشَة، وَالثَّانيَِة إِلَى الْمَدِينَة. وَكَانَ السَّبَب فِي الْهِجْرَة إِلَى الْحَبَشَة أَن الْمُشْركين لما نصبوا لرَسُول الله الْعَدَاوَة وبالغوا فِي أَذَاهُ وأذى أَصْحَابه، فَمَنعه الله تَعَالَى بِعَمِّهِ أبي طَالب، أَمر أَصْحَابه بِالْخرُوجِ إِلَى أَرض الْحَبَشَة، وَقَالَ لَهُم: " إِن فِيهَا ملكا لَا يظلم النَّاس ببلاده، فتحرزوا عِنْده حَتَّى يأتيكم الله بفرج مِنْهُ " فَهَاجَرَ قوم، واستتر آخَرُونَ بِإِسْلَامِهِمْ، فَلَمَّا نزلت سُورَة " النَّجْم "، وسمعوا (تِلْكَ الغرانيق العلى) كفوا عَن أذاهم. وَهَذِه الْكَلِمَات أَعنِي: (تِلْكَ الغرانيق العلى. وَإِن شفاعتهن لترتجى) لَا يجوز أَن تكون جرت على لَفْظَة رَسُول الله، وَإِنَّمَا قَالَهَا بعض شياطين الْإِنْس، غير تِلَاوَة الرَّسُول، وسنوضح هَذَا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. وَلما بلغ أهل الْحَبَشَة أَن الْمُشْركين قد كفوا عَن أَذَى الْمُسلمين أَقبلُوا إِلَى مَكَّة، فَلَقِيَهُمْ ركب، فَقَالُوا: إِنَّهُم قد عَادوا بالأذى لمُحَمد وَأَصْحَابه، فَدخل قوم مِنْهُم بجوار، وَعَاد أَكْثَرهم، فَبَالغ الْمُشْركُونَ فِي أذاهم، فَأذن لَهُم رَسُول الله فِي الْخُرُوج مرّة ثَانِيَة. وَعدد الَّذين خَرجُوا فِي الْمرة الأولى قَلِيل، وَإِنَّمَا خرج فِي الْمرة الثَّانِيَة خلق يزِيدُونَ على مائَة نفس بَين رجل وَامْرَأَة، وَقد أحصيتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 فِي كتابي الْمُسَمّى بالتلقيح. وَقَوله: وَرَأَيْت هَدْيه: أَي سمته وطريقته. وَقَوله: جلد رَسُول الله أَرْبَعِينَ، وَأَبُو بكر أَرْبَعِينَ، وَعمر ثَمَانِينَ، وكل سنة. فِي هَذَا إِشْكَال: وَهُوَ أَن يُقَال: كَيفَ يجوز أَن يَجْعَل فعل الصَّحَابِيّ سنة؟ وَكَيف سَاوَى بَين الْأَرْبَعين والثمانين؟ فَالْجَوَاب: أَنه سَيَأْتِي فِي مُسْند أنس: أَن رَسُول الله جلد بجريد النّخل نَحْو أَرْبَعِينَ، وَفعله أَبُو بكر، فَلَمَّا كَانَ عمر اسْتَشَارَ النَّاس، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: أخف الْحُدُود ثَمَانُون، فَأمر بِهِ عمر. وَبَيَان ذَلِك أَن رَسُول الله لم يحد فِي ذَلِك حدا يرجع إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مَقْصُوده التَّأْدِيب والردع، فاتفق أَنه جلد نَحْو الْأَرْبَعين، فَلَمَّا تتايع النَّاس فِي شرب الْخمر رأى عمر الزِّيَادَة فِي الردع، وأصل الردع مسنون، فَكَذَلِك فَرعه، ثمَّ إِنَّمَا أطلقهُ بِعَدَد مَشْرُوع وَلم يقف بِرَأْيهِ على عدد، فَلذَلِك قَالَ عَليّ: وكل سنة. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: قَول عَليّ عِنْد الْأَرْبَعين: حَسبك، دَلِيل على أَن أصل الْحَد فِي الْخمر إِنَّمَا هُوَ أَرْبَعُونَ، وَمَا وَرَاءه تَعْزِير، وَللْإِمَام أَن يزِيد فِي الْعقُوبَة إِذا أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى ذَلِك. وَلَو كَانَت الثَّمَانُونَ حدا مَا كَانَ لأحد فِيهِ الْخِيَار. قَالَ: وَقَوله: وكل سنة؛ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " اقتدوا بالذين من بعدِي: أبي بكر وَعمر ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 قلت: وَالَّذِي ذهبت إِلَيْهِ أَنا أصح مِمَّا قَالَ الْخطابِيّ، لِأَنَّهُ لَو ثَبت أَن الْأَرْبَعين هِيَ الْحَد مَا جَازَ تجاوزها، وَلَو كَانَ مَا بعْدهَا تعزيراً لم يبلغ عَددهَا؛ فَإِن التَّعْزِير لَا يرتقي عندنَا إِلَى حد الْحَد. قَالَ الْخرقِيّ من أَصْحَابنَا: لَا يُبَالغ بالتعزير أدنى الْحُدُود. على أَنه قد قَالَ مَالك: يفعل الإِمَام مَا يُؤَدِّيه اجْتِهَاده إِلَيْهِ وَإِن زَاد على الْحَد. وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي عدد الضَّرْب فِي الْخمر: وَفِيه عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: ثَمَانُون، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك. وَالثَّانيَِة: أَرْبَعُونَ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَقَول عَليّ: وَهَذَا أحب إِلَيّ؛ لِأَنَّهُ قد رُوِيَ عَن رَسُول الله أَنه ضرب نَحْو الْأَرْبَعين. 98 - / 107 - الحَدِيث الْخَامِس: عَن عبيد الله بن عدي أَنه دخل على عُثْمَان وَهُوَ مَحْصُور، فَقَالَ: إِنَّك إِمَام الْعَامَّة، وَقد نزل بك مَا ترى، وَهُوَ يُصَلِّي لنا إِمَام فتْنَة، وَأَنا أتحرج من الصَّلَاة مَعَه. فَقَالَ عُثْمَان: إِن الصَّلَاة أحسن مَا يعْمل النَّاس، فَإِذا أحسن النَّاس فَأحْسن مَعَهم، وَإِذا أساءوا فاجتنب إساءتهم. وَقَوله: إِنَّك إِمَام الْعَامَّة. يَعْنِي الْعُمُوم. وَقَوله: يُصَلِّي لنا إِمَام فتْنَة: أَي يؤمنا. وَكَانَ الَّذين خَرجُوا على عُثْمَان قد هجموا على الْمَدِينَة، وَعُثْمَان يخرج فَيصَلي بِالنَّاسِ وهم الحديث: 98 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 يصلونَ خَلفه شهرا، ثمَّ خرج فِي آخر جُمُعَة خرج فِيهَا فحصبوه حَتَّى وَقع عَن الْمِنْبَر وَلم يقدر أَن يُصَلِّي بهم، فصلى بهم يَوْمئِذٍ أَبُو أُمَامَة بن سهل بن حنيف. ثمَّ حصروه ومنعوه الصَّلَاة، فَكَانَ يُصَلِّي بهم ابْن عديس تَارَة، وكنانة بن بشر أُخْرَى، وهما من الْخَوَارِج على عُثْمَان، فبقوا على هَذَا عشرَة أَيَّام ثمَّ قَتَلُوهُ. وَفِي رِوَايَة أَنهم حصروه أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَطَلْحَة يُصَلِّي بِالنَّاسِ. وَفِي رِوَايَة: أَن عَليّ بن أبي طَالب صلى بهم أَكثر تِلْكَ الْأَيَّام. أخبرنَا الْمُبَارك بن عَليّ قَالَ: أخبرنَا شُجَاع بن فَارس قَالَ: أخبرنَا أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن الْأُشْنَانِي قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن أَحْمد بن عمر الحمامي قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي قيس قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر عبد الله ابْن مُحَمَّد الْقرشِي قَالَ: حَدثنَا دَاوُد بن عَمْرو قَالَ: حَدثنَا يُوسُف بن يَعْقُوب عَن عَتبه بن مُسلم قَالَ: إِن آخر خرجَة خرجها عُثْمَان يَوْم جُمُعَة، فَلَمَّا اسْتَوَى على الْمِنْبَر حصبه النَّاس، فَقَالَ رجل من غفار يُقَال لَهُ الجهجاه: وَالله لنغرينك إِلَى جبل الدُّخان، فَنزل، فحيل بَينه وَبَين الصَّلَاة، فصلى للنَّاس يَوْمئِذٍ أَبُو أُمَامَة بن سهل بن حنيف. قَالَ الْقرشِي: وَحدثنَا أَبُو خَيْثَمَة قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن حَمَّاد بن زيد عَن يزِيد بن أبي حَازِم عَن سُلَيْمَان بن يسَار أَن " جَهْجَاه " الْغِفَارِيّ أَخذ عَصا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عُثْمَان فَكَسرهَا بركبته، فَوَقَعت الْأكلَة فِي ركبته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 قَالَ الْقرشِي: وَحدثت عَن كَامِل بن طَلْحَة قَالَ: حَدثنَا ابْن لَهِيعَة قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن عَمْرو المغافري أَنه سمع أَبَا ثَوْر الفهمي قَالَ: قدمت على عُثْمَان بن عَفَّان فَإِذا بوفد أهل مصر، فَقلت: إِنِّي أرى وَفد أهل مصر قد رجعُوا جَيْشًا عَلَيْهِم ابْن عديس، فَصَعدَ ابْن عديس مِنْبَر رَسُول الله فصلى بهم الْجُمُعَة، فَقَالَ فِي خطبَته: أَلا إِن عبد الله بن مَسْعُود حَدثنِي أَنه سمع رَسُول الله يَقُول: أَلا إِن عُثْمَان أصل من عَيْبَة عَليّ قفلها، فَدخلت على عُثْمَان فَأَخْبَرته، فَقَالَ: كذب وَالله ابْن عديس، مَا سَمعهَا من ابْن مَسْعُود، وَلَا سَمعهَا ابْن مَسْعُود من رَسُوله الله قطّ. أخبرنَا مُحَمَّد بن الْحسن وَإِسْمَاعِيل بن أَحْمد قَالَا: حَدثنَا ابْن النقور قَالَ: أخبرنَا المخلص قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن عبد الله بن سيف قَالَ: حَدثنَا السّري بن يحيى قَالَ: حَدثنَا سيف بن عمر عَن مُبشر بن الفضيل عَن سَالم قَالَ: قلت لَهُ: كَيفَ صنع النَّاس بِالصَّلَاةِ خلف المصريين؟ قَالَ: كرهها كلهم إِلَّا الْأَعْلَام. فَإِنَّهُم خَافُوا على أنفسهم، فَكَانُوا يشهدونها إِذا شهدُوا، ويلوذون مِنْهَا بضياعهم إِذا تركُوا. وَحدثنَا سيف عَن سهل بن يُوسُف عَن أَبِيه قَالَ: كره النَّاس الصَّلَاة خلف المصريين مَا خلا عُثْمَان؛ فَإِنَّهُ قَالَ: من دَعَا إِلَى الصَّلَاة فأجيبوه. وَقَوله: وَأَنا أتحرج من الصَّلَاة مَعَه. معنى أتحرج: أتأثم: أَي أَخَاف الْإِثْم. وأصل الْحَرج الضّيق، وكل ضيق حرج وحرج. والحرجة: الشّجر الملتف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 99 - / 108 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " خَيركُمْ من تعلم الْقُرْآن وَعلمه ". اخْتلف فِي هَذَا الحَدِيث إِمَامًا الْمُحدثين سُفْيَان الثَّوْريّ وَشعْبَة بن الْحجَّاج. وَرَوَاهُ شُعْبَة عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد عَن سعد بن عُبَيْدَة عَن أبي عبد الرَّحْمَن عَن عُثْمَان. وتابع شُعْبَة قيس بن الرّبيع وَالْحكم بن ظهير وَحَفْص بن سُلَيْمَان الْأَسدي فِي آخَرين. وَرَوَاهُ سُفْيَان عَن عَلْقَمَة عَن أبي عبد الرَّحْمَن عَن عُثْمَان، فَلم يذكر فِيهِ سعد بن عُبَيْدَة. وتابع سُفْيَان مسعر والجراح بن الضَّحَّاك، وَعَمْرو بن قيس الْملَائي، ومُوسَى الْفراء، وَمُحَمّد بن أبان، وَعُثْمَان ابْن مقسم، وَأَيوب بن جَابر، وَالربيع بن ركين فِي آخَرين. وَصحح البُخَارِيّ كلتا الرِّوَايَتَيْنِ اعْتِمَادًا على إتقان الْإِمَامَيْنِ سُفْيَان وَشعْبَة، وحملا لِلْأَمْرِ على أَن عَلْقَمَة سَمعه من سعد بن عُبَيْدَة عَن أبي عبد الرَّحْمَن، وسَمعه من أبي عبد الرَّحْمَن. فَكَانَ تَارَة يرويهِ عَن سعد عَن أبي عبد الرَّحْمَن، وَتارَة عَن أبي عبد الرَّحْمَن، فَأخْرجهُ البُخَارِيّ عَن حجاج بن الْمنْهَال عَن شُعْبَة، وَعَن أبي نعيم عَن سُفْيَان، وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا بالروايتين، وَأعْرض عَن إِخْرَاجه مُسلم لما رأى من الِاخْتِلَاف فِيهِ، ورأي البُخَارِيّ فِي ذَلِك أَسد. وَقد روى هَذَا الحَدِيث يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن سُفْيَان وَشعْبَة، كِلَاهُمَا عَن عَلْقَمَة عَن سعد بن أبي عبد الرَّحْمَن، فَيُقَال: إِنَّه وهم فِي هَذَا الحَدِيث على سُفْيَان. الحديث: 99 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وَقد درج بعض الروَاة فِي هَذَا الحَدِيث كَلِمَات يظنّ من لَا يعلم أَنَّهَا مَرْفُوعَة، فَرَوَاهُ الْجراح بن الضَّحَّاك عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ عَن عُثْمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله: " خَيركُمْ من تعلم الْقُرْآن وَعلمه. وَفضل الْقُرْآن على سَائِر الْكَلَام كفضل الله على خلقه " وَذَاكَ أَنه مِنْهُ. فَهَذِهِ الزِّيَادَة يظنّ أَنَّهَا من كَلَام رَسُول الله، وَإِنَّمَا هِيَ من كَلَام أبي عبد الرَّحْمَن. وَقد بَين ذَلِك عُلَمَاء النَّقْل، وَلم تذكر فِي الصِّحَاح. فَأَما تَفْسِير الحَدِيث: فَإِنَّهُ لما كَانَ الْقُرْآن الْعَزِيز أصل الْعُلُوم مَعَ كَونه كَلَام الله تَعَالَى، كَانَ أفضل الْعُلُوم. فَإِن قيل: فأيما أفضل: تعلم الْقُرْآن أَو تعلم الْفِقْه؟ فَالْجَوَاب: أَن تعلم اللَّازِم مِنْهُمَا فرض على الْأَعْيَان، وَتعلم جَمِيعهَا فرض على الْكِفَايَة، فَإِذا قَامَ بِهِ قوم سقط الْفَرْض عَن البَاقِينَ، فقد اسْتَويَا فِي الْفَرِيضَة فِي الْحَالَتَيْنِ. فَإِذا فَرضنَا الْكَلَام فِي التزيد مِنْهُمَا على قدر الْوَاجِب فِي حق الْأَعْيَان، فالتشاغل بالفقه أفضل، وَذَاكَ رَاجع إِلَى حَاجَة الْإِنْسَان، لَا أَن الْفِقْه أفضل من الْقُرْآن، وَإِنَّمَا كَانَ الأقرأ فِي زمَان رَسُول الله هُوَ الأفقه، فَلذَلِك قدم الْقَارئ فِي الصَّلَاة. 100 - / 109 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: أَن عُثْمَان قَالَ: أنْشدكُمْ الله، الحديث: 100 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 ألستم تعلمُونَ أَن رَسُول الله قَالَ: " من جهز جَيش الْعسرَة فَلهُ الْجنَّة " فجهزتهم؟ ألستم تعلمُونَ أَنه قَالَ: " من حفر بِئْر رومة فَلهُ الْجنَّة " فحفرتها؟ فصدقوه بِمَا قَالَ. أما جَيش الْعسرَة فَفِي غَزْوَة تَبُوك، وَكَانَ قد بلغ رَسُول الله أَن الرّوم قد جمعت جموعا كَثِيرَة بِالشَّام، فندب رَسُول الله النَّاس وأعلمهم الْمَكَان الَّذِي يُرِيد لِيَتَأَهَّبُوا لَهُ. وَفِي هَذِه الْغُزَاة جَاءَ البكاءون، وفيهَا تخلف الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا. وَخرج النَّاس فِي حر شَدِيد، فَاشْتَدَّ بهم الْعَطش حَتَّى جعلُوا ينحرون إبلهم فيعصرون أكراشها وَيَشْرَبُونَ ماءها، وَكَانَ يركب الْبَعِير الْوَاحِد رجلَانِ أَو ثَلَاثَة. فَكَانَت الْعسرَة فِي المَاء وَالظّهْر وَالنَّفقَة، فَسُمي جَيش الْعسرَة بِمَا أَصَابَهُم. وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد حث النَّاس على تجهيز هَذَا الْجَيْش قبل خُرُوجهمْ، فَقَامَ عُثْمَان فَقَالَ: عَليّ مائَة بعير بأحلاسها وأقتابها. ثمَّ حض فَقَامَ عُثْمَان فَقَالَ: عَليّ مائَة بعير بأحلاسها وأقتابها، ثمَّ حض فَقَامَ فَقَالَ كَذَلِك. وَفِي حَدِيث أَن عُثْمَان جَاءَ يَوْمئِذٍ بِأَلف دِينَار فِي ثَوْبه، فصبها فِي حجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقلبها وَيَقُول: " مَا ضرّ عُثْمَان مَا فعل بعد هَذَا ". وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على جَوَاز نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى لمن يفهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 الْمَعْنى؛ لِأَنَّهُ قَالَ: " من يُجهز جَيش الْعسرَة " وَمَعْلُوم أَن هَذِه اللَّفْظَة لم يقلها رَسُول الله؛ لِأَنَّهُ فِي وَقت التَّجْهِيز لم يسم الْجَيْش بِهَذَا الِاسْم، وَإِنَّمَا لقوا فِي سفرهم شدَّة أوجبت تسميتهم بذلك، فروى عُثْمَان بِالْمَعْنَى، فَكَأَنَّهُ يَقُول: حث رَسُول الله على الْجَيْش الَّذِي سمي بِجَيْش الْعسرَة. وَأما بِئْر رومة فبئر مَعْرُوفَة بِالْمَدِينَةِ. 101 - / 111 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا ينْكح الْمحرم وَلَا ينْكح وَلَا يخْطب ". وَهَذَا دَلِيل على أَنه لَا يَصح أَن يعْقد الْمحرم عقد نِكَاح لنَفسِهِ وَلَا لغيره، فَإِن فعل فَالنِّكَاح بَاطِل، وَهَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: النِّكَاح صَحِيح. وَأما الرّجْعَة فِي حَال الْإِحْرَام فَلَا تصح فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى تصح، وَهُوَ قَول مَالك، وَالشَّافِعِيّ. فَأَما الْخطْبَة وَالشَّهَادَة على النِّكَاح فَيكْرَه عندنَا فِي حق الْمحرم. وَقد تَأَول الحنفيون هَذَا الحَدِيث على أَنه إِخْبَار عَن حَال الْمحرم؛ لِأَنَّهُ باشتغاله بالنسك لَا يتفرغ للنِّكَاح، وَهَذَا بَاطِل من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن الْعلمَاء بِالْحَدِيثِ رَوَوْهُ: " لَا ينْكح الْمحرم " بِكَسْر الْحَاء على معنى النَّهْي. الحديث: 101 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وَالثَّانِي: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يخبرنا بِمَا نعلم، وَقد علمنَا أَن الْمحرم مَشْغُول، وَإِنَّمَا تحمل أَلْفَاظه على الْفَوَائِد الشَّرْعِيَّة. وَالثَّالِث: أَن أبان بن عُثْمَان رواي الحَدِيث أنكر على محرم أَرَادَ عقد النِّكَاح، وروى لَهُ هَذَا الحَدِيث. فَإِن عَارَضنَا الْخصم بِحَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم، فَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي مُسْنده إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 102 - / 112 - الحَدِيث الثَّانِي: أَن عمر بن عبيد الله اشْتَكَى عينه وَهُوَ محرم، فَأَرَادَ أَن يكحلها، فَنَهَاهُ أبان بن عُثْمَان، وَأمره أَن يضمدها بِالصبرِ، وحدثه عَن عُثْمَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَفْعَله. وَفِي لفظ: خرجنَا مَعَ عُثْمَان، حَتَّى إِذا كُنَّا بِملك اشْتَكَى عمر ... أما ملك فَهُوَ اسْم مَوضِع. وَإِنَّمَا أمره بِالصبرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطيب. وَقد رخص أَحْمد بن حَنْبَل للْمحرمِ فِي الْكحل الَّذِي لَا طيب فِيهِ، وَكره للْمحرمِ الإثمد. وَقَالَ ابْن جرير فِي كتاب " تَهْذِيب الْآثَار ": وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على فَسَاد مَا يَقُوله أهل الغباوة من أهل التصوف من أَن التَّوَكُّل لَا يَصح لأحد عالج عِلّة فِي جسده بدواء، إِذْ ذَاك عِنْدهم طلب الْعَافِيَة من غير من بِيَدِهِ الْعَافِيَة والضر والنفع. وَفِي إِطْلَاق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْمحرمِ علاج الحديث: 102 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 عَيْنَيْهِ بِالصبرِ لدفع الْمَكْرُوه دَلِيل على أَن معنى التَّوَكُّل غير مَا قَالَه الَّذين ذكرنَا قَوْلهم، وَأَن للنَّاس أَن يعالجوا أجسامهم من الْعِلَل الْعَارِضَة لَهُم، وَأَن ذَلِك غير مخرج فَاعله من الرِّضَا بِقَضَاء الله عز وَجل. كَمَا أَن من عرض لَهُ كلب الْجُوع لم يُخرجهُ فزعه إِلَى الْغذَاء من التَّوَكُّل وَالرِّضَا بِالْقضَاءِ؛ لِأَن الله تَعَالَى لم ينزل دَاء إِلَّا أنزل لَهُ دَوَاء إِلَّا الْمَوْت. وَقد جعل أسبابا لدفع الْأَذَى، كَمَا جعل الْأكل سَببا لدفع الْجُوع، وَقد كَانَ قَادِرًا أَن يحيي خلقه بِغَيْر غذَاء، لكنه خلقهمْ ذَوي حَاجَة، لَا ينْدَفع عَنْهُم أَذَى الْجُوع إِلَّا بِالْأَكْلِ، فَكَذَلِك الدَّاء الْعَارِض. 103 - / 114 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَن أَبَا بكر اسْتَأْذن على رَسُول الله وَهُوَ مُضْطَجع على فرَاشه، لابس مرط عَائِشَة. المرط: قد سبق بَيَانه فِي مُسْند عمر. وَقَوله: " اجمعي عَلَيْك ثِيَابك " أَي ضميها وزيدي فِي الاستتار بهَا وفزعت: بِمَعْنى تأهبت، للتحول من حَال إِلَى حَال. 104 - / 115 - الحَدِيث الْخَامِس: من صلى الْعشَاء فِي جمَاعَة فَكَأَنَّمَا قَامَ نصف اللَّيْل، وَمن صلى الصُّبْح فِي جمَاعَة فَكَأَنَّمَا صلى اللَّيْل كُله. الْعشَاء: هِيَ الَّتِي تسميها النَّاس الْعَتَمَة. وَالْمرَاد من الحَدِيث: أَن من صلى فِي جمَاعَة كمن قَامَ اللَّيْل وَلم يصل فِي جمَاعَة. الحديث: 103 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وَظَاهر قَوْله: " وَمن صلى الصُّبْح فِي جمَاعَة فَكَأَنَّمَا صلى اللَّيْل كُله " أَن هَذِه الصَّلَاة وَحدهَا تفي بِثَوَاب قيام اللَّيْل كُله؛ لِأَن مصليها فِي جمَاعَة يحْتَاج إِلَى الانتباه بِوَقْت يُمكنهُ فِيهِ التهيؤ للصَّلَاة وَإِدْرَاك الْجَمَاعَة، وَالنَّوْم حِينَئِذٍ مستلذ، قَالَ الشَّاعِر: (فَلَو كنت يَوْمًا كنت يَوْم وصالنا ... وَلَو كنت نوما كنت أغفية الْفجْر) فَإِن الْعَادة لم تجر بِالنَّوْمِ قبلهَا، فَلذَلِك نَالَ مصلي الصُّبْح فِي جمَاعَة ضعف ثَوَاب من صلى الْعشَاء فِي جمَاعَة. وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله: فَكَأَنَّمَا صلى اللَّيْل من يُصَلِّي الْعشَاء وَالْفَجْر فِي جمَاعَة، فَتكون كل وَاحِدَة بِنصْف اللَّيْل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 كشف الْمُشكل من مُسْند أبي الْحسن عَليّ بن أبي طَالب أسلم وَهُوَ ابْن سبع سِنِين، وَلم يتَخَلَّف عَن مشْهد شهده رَسُول الله، إِلَّا أَنه خَلفه فِي أَهله فِي غَزْوَة تَبُوك، وَقَالَ لَهُ: " أَلا ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى " وَكَانَ كبراء الصَّحَابَة يرجعُونَ إِلَيْهِ فِي رَأْيه وَعلمه، حَتَّى كَانَ عمر يتَعَوَّذ من معضلة لَيْسَ لَهَا أَبُو حسن. وَجُمْلَة مَا روى من الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسمِائَة وَسَبْعَة وَثَلَاثُونَ، مثل عمر، أخرج لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا. 105 - / 116 - الحَدِيث الأول: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طرقه وَفَاطِمَة لَيْلًا، فَقَالَ: " أَلا تصليان؟ ". قَوْله: طرقه: مَعْنَاهُ آتَاهُ لَيْلًا، وكل من أَتَاك لَيْلًا فقد طرقك، وَسمي النَّجْم طَارِقًا فِي قَوْله: {وَالسَّمَاء والطارق} [فَاتِحَة الطارق] لِأَنَّهُ يطلع لَيْلًا. وَقَوله: إِنَّمَا أَنْفُسنَا بيد الله. يُشِير إِلَى قَوْله تَعَالَى: (وَالَّتِي لم الحديث: 105 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 تمت فِي منامها} [الزمر: 42] . قَوْله: فَإِذا شَاءَ أَن يبعثنا. أَي يوقظنا. والبعث: إثارة الشَّيْء عَن مَكَانَهُ، فَتَارَة يذكر وَيُرَاد بِهِ الْإِحْيَاء، وَتارَة يُرَاد بِهِ الإيقاظ. وَيُقَال: بعثت النَّاقة: أَي أثرتها. وَقَوله: وَلم يرجع إِلَيّ شَيْئا: أَي لم يجبني بِشَيْء. وَقَوله: {وَكَانَ الْإِنْسَان أَكثر شَيْء جدلا} . قَالَ الزّجاج: الْجِدَال: الْمُبَالغَة فِي المناظرة وَالْخُصُومَة، وَهُوَ مَأْخُوذ من الجدل: وَهُوَ شدَّة الفتل. وَيُقَال للصقر أجدل لِأَنَّهُ أَشد الطير. وكل مَا يعقل من الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ يُجَادِل، وَالْإِنْسَان أَكثر هَذِه الْأَشْيَاء جدلا. 106 - / 117 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كَانَ لي شَارف من نَصِيبي من الْمغنم يَوْم بدر. الشارف: المسنة من النوق، وَمثلهَا الناب، وَالْجمع شرف ونيب، وَلَا يُقَال ذَلِك للذّكر. وَقَوله: فَلَمَّا أردْت أَن أبتني فَاطِمَة. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الأَصْل فِي هَذَا أَنه كَانَ من أَرَادَ الدُّخُول على أَهله ضرب عَلَيْهَا قبَّة، فَقيل لكل دَاخل بأَهْله بَان. الحديث: 106 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 والصواغ: الصَّائِغ والوليمة: الدعْوَة. والعرس: طَعَام الْوَلِيمَة. وأعرس فلَان بأَهْله: بنى بهَا. والأقتاب: مَا يوضع على ظُهُور الْإِبِل من أَدَاة أحمالها. والغرائر جمع غرارة: وَهِي أكسية تجْعَل كالظروف لما يحمل فِيهَا. وَجَبت: قطعت. وبقرت: شقَّتْ وَفتحت. وَالشرب بِفَتْح الشين: الْقَوْم يَجْتَمعُونَ للشراب. وبكسرها: النَّصِيب من المَاء، وَبِضَمِّهَا الْفِعْل. والقينة: الْمُغنيَة. والغناء بِالْمدِّ: التطريب بالشعر. والغنى بِالْقصرِ، من المَال. وَقَوْلها: يَا حمز، تُرِيدُ يَا حَمْزَة. وَقَوْلها للشرف: أَي انهض إِلَى الشّرف، تستدعيه أَن يَنْحَرهَا ليطعم أضيافه من لَحمهَا. والنواء: السمان. والني: الشَّحْم يُقَال: نَاقَة ناوية: إِذا كَانَ لَهَا شَحم. وَقَوله: فَانْطَلَقت حَتَّى أَدخل على رَسُول الله: أَي حَتَّى دخلت، وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى {افْعَل مَا تُؤمر} [الصافات: 102] أَي مَا أمرت. وطفق: أَخذ فِي الْفِعْل. والثمل: السَّكْرَان. وَصعد الْبَصَر: رفع الْبَصَر. ونكص: رَجَعَ. والقهقرى: الرُّجُوع على العقبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وَقد احْتج بِهَذَا الحَدِيث بعض من يرى أَن طَلَاق السَّكْرَان لَا يَقع. وَقَالَ: لَو كَانَ لكَلَام حَمْزَة حكم لَكَانَ خُرُوجًا من الدّين. وَأجِيب بِأَن الْخمر كَانَت حِينَئِذٍ مُبَاحَة، فَلَمَّا حرمت أوخذ شاربها بقوله. وَعِنْدنَا فِي الصَّحِيح من الرِّوَايَتَيْنِ أَن طَلَاق السَّكْرَان يَقع، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ. وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة لَا يَقع، وَهُوَ مَذْكُور عَن الشَّافِعِي وَبَعض الْحَنَفِيَّة. فَأَما ظِهَاره فَيَقَع فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. وَفِي الْأُخْرَى: لَا يَقع. وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ. وَأما ردته وإسلامه فعندنا يَصح، وَلَا يُقَام عَلَيْهِ الْحَد حَتَّى يفِيق، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تصح ردته وَيصِح إِسْلَامه. وَقَالَ أَصْحَابنَا: وَيتَخَرَّج فِي قتل السَّكْرَان وزناه وسرقته وقذفه وإيلائه وَمَا أشبه ذَلِك رِوَايَتَانِ. 107 - / 118 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: وضع عمر على سَرِيره. يَعْنِي الْجِنَازَة الَّتِي يحمل عَلَيْهَا الْمَيِّت. وتكنفه النَّاس: بِمَعْنى أحاطوا بِهِ واقتربوا مِنْهُ. وَيُقَال: اكتنفوه وتكنفوه. وَيصلونَ: بِمَعْنى يدعونَ. الحديث: 107 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وَالْعرب تذكر لفظتين بِمَعْنى، تُرِيدُ التَّأْكِيد كَقَوْل الشَّاعِر: (00000000000000 ... وألفى قَوْلهَا كذبا ومينا) قَوْله: فَلم يرعني: أَي مَا أزعجني عَن حَالي الَّتِي أَنا عَلَيْهَا إِلَّا ذَلِك. والمنكب: مُجْتَمع رَأس الْعَضُد فِي الْكَتف. وَقَوله: وَايْم الله. يُقَال: آيم الله بِفَتْح الْهمزَة، وَايْم الله بِكَسْرِهَا، وَأَصلهَا أَيمن الله، وأيمن الله جمع يَمِين، قَالَ أَبُو النَّجْم: (يبري لَهَا من أَيمن وأشمل ... ) فحذفت النُّون، فَبَقيت ايم الله، وَإِنَّمَا حذفت لِأَن هَذِه الْكَلِمَة تسْتَعْمل فِي الْقسم كثيرا، فحذفت النُّون لكثرتها فِيهِ واختصاصها بِهِ. 108 - / 119 - الحَدِيث الرَّابِع: " خير نسائها مَرْيَم بنت عمرَان، وَخير نسائها خَدِيجَة " الْإِشَارَة بنسائها إِلَى أهل زمانها. ولعائشة زمَان غير زمَان خَدِيجَة؛ لِأَنَّهَا كَانَت عِنْد وَفَاة خَدِيجَة بنت خمس سِنِين، فَلَمَّا الحديث: 108 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 ارتقت إِلَى مقَام الْعلم والقرب من رَسُول الله كَانَت لَهَا مرتبَة أُخْرَى. 109 - / 120 - الحَدِيث الْخَامِس: أَن عليا قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: إِن رَسُول الله نهى عَن مُتْعَة النِّسَاء يَوْم خَيْبَر، وَعَن أكل لُحُوم الْحمر الإنسية. وَقد ذكرنَا الْمُتْعَة ونسخها فِي مُسْند عمر. والحمر الإنسية: الَّتِي عِنْد الْإِنْس. وَفِي بعض الْأَلْفَاظ: " الْأَهْلِيَّة "، وَإِنَّمَا قيد وصفهَا لِأَن حمر الْوَحْش مُبَاحَة. 110 - / 121 - الحَدِيث السَّادِس: قَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: كنت رجلا مذاء، فَاسْتَحْيَيْت أَن أسَال رَسُول الله لمَكَان ابْنَته، فَأمرت الْمِقْدَاد فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: " يغسل ذكره وَيتَوَضَّأ " وَفِي لفظ: " تَوَضَّأ وانضح فرجك ". المذاء: الْكثير الْمَذْي، والمذي: مَاء رَقِيق يظْهر عِنْد اللَّمْس والسر والفكر، يُقَال: مذيت وأمذيت. وَحكمه عندنَا وجوب غسل الذّكر والأنثيين فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنَّمَا ألحقنا الْأُنْثَيَيْنِ لِأَن أَبَا دَاوُد رَوَاهُ من طَرِيق آخر، وَفِيه " فليغسل ذكره وأنثييه ". وَقيل: إِنَّمَا أَمر بِغسْل الْأُنْثَيَيْنِ لِأَن المَاء الْبَارِد إِذا أصَاب الْأُنْثَيَيْنِ رد الْمَذْي وَكسر حِدته. وَكَانَ أَبُو بكر الْخلال من أَصْحَابنَا يَقُول: اسْتَقر قَول أَحْمد أَنه كالبول. وَهَذَا قَول أَكثر الْفُقَهَاء. والمنصور عندنَا أَنه نجس؛ لِأَنَّهُ أَمر فِيهِ بِالْغسْلِ. الحديث: 109 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وَقَالَ ابْن عقيل: قد قيل إِنَّه من أَجزَاء الْمَنِيّ، فَيجب حِينَئِذٍ أَن يتَخَرَّج فِي نَجَاسَته رِوَايَتَانِ. وَأما الودي فَهُوَ مَاء أَبيض يخرج عقيب الْبَوْل، وَحكمه حكم الْبَوْل. والمذي والودي مخففان فِي اللَّفْظ، والمني مشدد. وَقَوله: " وانضح فرجك " فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن المُرَاد بالنضح الْغسْل. وَالثَّانِي: رش المَاء ليدفع الوسواس. 111 - / 122 - الحَدِيث السَّابِع: اجْتمع عَليّ وَعُثْمَان بعسفان، فَكَانَ عُثْمَان ينْهَى عَن الْمُتْعَة أَو الْعمرَة، فَقَالَ لَهُ عَليّ: مَا تُرِيدُ إِلَى أَمر فعله رَسُول الله تنْهى النَّاس عَنهُ؟ فَقَالَ عُثْمَان " دَعْنَا عَنْك، قَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن أدعك. فَلَمَّا رأى ذَلِك عَليّ أهل بهما جَمِيعًا. وَفِي لفظ فَقَالَ: " لبيْك بِعُمْرَة وَحجَّة ". اعْلَم أَنه لَا خلاف فِي جَوَاز التَّمَتُّع وَالْقرَان والإفراد. والتمتع: هُوَ أَن يَأْتِي الْإِنْسَان بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج ثمَّ يحجّ عَامه. وَالْقرَان: أَن يقرن بَينهمَا فِي إِحْرَامه. والإفراد: أَن يحجّ، فَإِذا أحرم بِالْعُمْرَةِ. وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الْأَفْضَل: فعندنا أَن التَّمَتُّع أفضل، وَهُوَ قَول عَليّ وَسعد وَعمْرَان بن حُصَيْن وَابْن عَبَّاس وَالْحسن وَعَطَاء وَمُجاهد الحديث: 111 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 فِي خلق كثير، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي الْقَدِيم، إِلَّا أَنهم لَا ينصرونه. وَعند أبي حنيفَة أَن الْقرَان أفضل. وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ الْإِفْرَاد. ومنبع الْخلاف فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهَا: اخْتِلَاف الرِّوَايَة عَن رَسُول الله فِي حجه: هَل تمتّع أَو قرن أَو أفرد، فَإِنَّهُ يتحَرَّى الْأَفْضَل فِي الْحجَّة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: أَن الْقرَان عِنْد أبي حنيفَة الأَصْل، وَعند الشَّافِعِي أَن الأَصْل الْإِفْرَاد، وَالْقرَان والتمتع رخصَة. وَالثَّالِث: الْبَحْث عَن دم التَّمَتُّع: فعندنا أَنه نسك لَا دم جبران، وَقد وَافق أَبُو حنيفَة على أَن دم الْقرَان دم نسك، إِلَّا أَنه يَقُول: الْقرَان يُوجب زِيَادَة فِي الْأَفْعَال والتعبدات؛ لِأَن من مذْهبه أَن الْقَارِن لَا يُجزئهُ طواف وَاحِد وَلَا سعي وَاحِد. وَعند الشَّافِعِي أَن الدَّم فِي التَّمَتُّع وَالْقرَان دم جبران، وَالْعِبَادَة المجبورة أنقص من الَّتِي لَا تفْتَقر إِلَى جبر. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن رَسُول الله تمتّع، وَكَذَلِكَ فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث ابْن عمر وَعَائِشَة: أَنه تمتّع. فَإِن قيل: فَفِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة جَمِيعًا. وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عَائِشَة أَنه أفرد. وَإِنَّمَا كَانَت حجَّته وَاحِدَة، فَكيف تحكمون بِصِحَّة الْأَحَادِيث وَبَعضهَا يضاد بَعْضًا؟ فَالْجَوَاب: أَن الْمَشْرُوط فِي صِحَة النَّقْل ثِقَة النَّاقِل. وكل النقلَة لهَذِهِ الْأَخْبَار ثِقَات، غير أَنه قد يحفظ بعض الروَاة مَا لَا يحفظه غَيره. فَأَما من روى التَّمَتُّع فَإِنَّهُ يَقُول: اعْتَمر رَسُول الله وتحلل من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 الْعمرَة، ثمَّ أحرم بِالْحَجِّ، ثمَّ أَمر أَصْحَابه بِالْفَسْخِ ليفعلوا مثل فعله؛ لأَنهم لم يَكُونُوا أَحْرمُوا بِعُمْرَة. وَمنعه من فسخ الْحَج إِلَى عمْرَة ثَانِيَة عمرته الأولى وسوقه الْهَدْي. وَهَذَا ظَاهر حَدِيث ابْن عمر وَعَائِشَة؛ لِأَن فِيهِ: أهل بِالْعُمْرَةِ ثمَّ أهل بِالْحَجِّ. فَإِن قيل: كَيفَ يَصح هَذَا وَقد قَالَ: " لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا سقت الْهَدْي ولجعلتها عمْرَة ". فعلل بسوق الْهَدْي لَا بِفعل عمْرَة مُتَقَدّمَة. قُلْنَا: ذكر إِحْدَى العلتين دون الْأُخْرَى، وَذَلِكَ جَائِز. وَأما من روى أَنه أفرد فقد سمع من لَفظه: " لبيْك بِحَجّ " وخفي عَلَيْهِ قَوْله: " وَعمرَة " فَحكى عَنهُ الْإِفْرَاد، وَحفظ غَيره الزِّيَادَة فرواها. وَيحْتَمل قَول من حكى عَنهُ الْقرَان أَنه سَمعه يعلم شخصا فَيَقُول: قل: لبيْك بِحجَّة وَعمرَة. على أَن رَاوِي التَّمَتُّع قد أثبت إِحْرَامه بِالْحَجِّ، وَأثبت إِحْرَامه بِالْعُمْرَةِ، إِلَّا أَنه أَرَادَ تبيان أَن الْأَمريْنِ وَقعا فِي حالتين. وَقد رُوِيَ عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: لما حج أَصْحَابه بَين مُفْرد وقارن ومتمتع، وكل ذَلِك صادر عَن أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَازَ أَن يُضَاف الْفِعْل إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَن أمره. وَالْعرب تضيف الْفِعْل إِلَى الْآمِر، فَتَقول: ضرب الْأَمِير فلَانا، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث: رجم رَسُول الله ماعزا. فعلى هَذَا يكون معنى أفرد، وَقرن: أَمر بذلك وَعلمه النَّاس. وَقَول عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: لبيْك بِعُمْرَة وَحجَّة. أَي وَحجَّة ستأتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 بعد الْعمرَة، فَإِن من مذْهبه التَّمَتُّع. 112 - / 123 - الحَدِيث الثَّامِن: بَعَثَنِي رَسُول الله أَنا وَالزُّبَيْر والمقداد وَقَالَ: " انْطَلقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَة خَاخ؛ فَإِن بهَا ظَعِينَة مَعهَا كتاب، فَخُذُوهُ مِنْهَا ". رَوْضَة خَاخ: مَوضِع مَعْرُوف. والظعين: اسْم للهودج، وَالْجمع ظعائن، سَوَاء كَانَ فِيهِنَّ النِّسَاء أَو لم يكن، فسميت الْمَرْأَة المسافرة ظَعِينَة باسم مَا نزلت فِيهِ، على وَجه الِاسْتِعَارَة، لكَونهَا تكون فِي الظعينة. والعقاص: الْخَيط الَّذِي يعقص بِهِ أَطْرَاف الذوائب. وعقص فلَان شعره: إِذا ضفره. وأصل العقص اللي وَالْعقد. وَهَذَا الْكتاب كتاب حَاطِب إِلَى أهل مَكَّة. وَقد سبق ذكره. وَقَوله: كنت مُلْصقًا فِي قُرَيْش: أَي غَرِيبا فيهم. وَقَوله: " إِنَّه شهد بَدْرًا " فِيهِ تَنْبِيه على السُّكُوت عَمَّا جرى بَين الصَّحَابَة، وَالنَّهْي عَن الطعْن فِي أحد مِنْهُم لما تقدم لَهُم فِي الصُّحْبَة، فتغفر لذَلِك هفواتهم. وَقد تكلمنا على هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند عمر. 113 - / 124 - الحَدِيث التَّاسِع: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم الْأَحْزَاب - وَفِي رِوَايَة: يَوْم الخَنْدَق: " مَلأ الله قُبُورهم وَبُيُوتهمْ نَارا كَمَا شغلونا الحديث: 112 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس " وَفِي لفظ: " شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر ". إِن يَوْم الخَنْدَق هُوَ يَوْم الْأَحْزَاب، سمي بِيَوْم الخَنْدَق لِأَن رَسُول الله حفر الخَنْدَق فِي تِلْكَ الْغُزَاة. وَسمي بِيَوْم الْأَحْزَاب لِأَن الْكفَّار تحزبوا على رَسُول الله؛ وَذَلِكَ أَنه لما أجلى بني النَّضِير خرج نفر من أَشْرَافهم إِلَى مَكَّة فحرضوا قُريْشًا على قِتَاله، ثمَّ عَادوا إِلَى غطفان وسليم فحرضوهم. فَاجْتمع الْكل على الْقِتَال، فَأُولَئِك الْأَحْزَاب، فَلَمَّا أَقبلُوا نَحْو الْمَدِينَة أَشَارَ سلمَان بالخندق فحفر. وَفِي الصَّلَاة الْوُسْطَى خَمْسَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنَّهَا الْعَصْر، وَقد صرح بذلك فِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث. وَقد رَوَاهُ ابْن مَسْعُود وَسمرَة وَعَائِشَة عَن رَسُول الله، وَبِه قَالَ هَؤُلَاءِ الروَاة، وَمَعَهُمْ أبي بن كَعْب وَأَبُو أَيُّوب وَأَبُو هُرَيْرَة وَأَبُو سعيد، وَمن التَّابِعين خلق كثير، مِنْهُم الْحسن وَابْن الْمسيب وَابْن جُبَير وَعَطَاء وَطَاوُس. وَمن الْفُقَهَاء أَبُو حنيفَة وَأحمد بن حَنْبَل. وَالثَّانِي: أَنَّهَا الْفجْر، رُوِيَ عَن عمر وَأبي مُوسَى ومعاذ وَجَابِر وَمَالك وَالشَّافِعِيّ. وَالثَّالِث: الظّهْر، رُوِيَ عَن زيد بن ثَابت وَأُسَامَة بن زيد. وَالرَّابِع: الْمغرب، رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَقبيصَة بن ذُؤَيْب. وَالْخَامِس: الْعشَاء، ذكره عَليّ بن أَحْمد النَّيْسَابُورِي فِي " تَفْسِيره ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وَفِي المُرَاد بالوسطى ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهمَا: أَنَّهَا أَوسط الصَّلَوَات مِقْدَارًا. وَالثَّانِي: أوسطها محلا. وَالثَّالِث: أَنَّهَا أفضلهَا، وأوسط الشَّيْء أفضله. فَمن قَالَ: الْوُسْطَى: الفضلى، جَازَ لكل مَذْهَب أَن يَدعِي هَذَا. وَمن قَالَ: أوسطها مِقْدَارًا فَهِيَ الْمغرب، لِأَن أقل المفروضات رَكْعَتَانِ، وأكثرها أَربع. وَمن قَالَ: محلا فللقائلين أَنَّهَا الْعَصْر أَن يَقُولُوا: قبلهَا صلاتان فِي النَّهَار، وَبعدهَا صلاتان فِي اللَّيْل، فَهِيَ الْوُسْطَى. وَمن قَالَ: الْفجْر، قَالَ: هِيَ وسط بَين اللَّيْل وَالنَّهَار؛ لِأَن أول النَّهَار عِنْد الْعَرَب طُلُوع الشَّمْس. وَمن قَالَ: الظّهْر، قَالَ: هِيَ وسط النَّهَار. وَمن قَالَ: الْمغرب، احْتج بِأَن أول صَلَاة فرضت الظّهْر، فَصَارَت الْمغرب وسطى. وَمن قَالَ: الْعشَاء قَالَ: هِيَ بَين صَلَاتَيْنِ لَا تقصران. وَالْمُعْتَمد عَلَيْهِ أَنَّهَا الْعَصْر، للأثر الصَّحِيح. 114 - / 125 - الحَدِيث الْعَاشِر: كساني رَسُول الله حلَّة سيراء، فَخرجت فِيهَا، فَرَأَيْت الْغَضَب فِي وَجهه، فشققتها بَين نسَائِي. وَفِي لفظ أَن أكيدر دومة أهْدى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثوب حَرِير، فَأعْطَاهُ عليا وَقَالَ: " شققه خمرًا بَين الفواطم ". وَقد فسرنا فِي مُسْند عمر معنى الْحلَّة السيراء. وَأما أكيدر فَإِنَّهُ كَانَ ملكا على دومة الجندل، وَكَانَ نَصْرَانِيّا، فَبعث رَسُول الله خَالِد بن الحديث: 114 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 الْوَلِيد فِي أَرْبَعمِائَة وَعشْرين فَارِسًا سَرِيَّة إِلَيْهِ، فَانْتهى إِلَيْهِ خَالِد وَقد خرج من حصنه فِي لَيْلَة مُقْمِرَة إِلَى بقر يطاردها هُوَ وَأَخُوهُ حسان، فشدت عَلَيْهِ خيل خَالِد، فاستأسر أكيدر، وَامْتنع أَخُوهُ حسان فقاتل حَتَّى قتل، وهرب من كَانَ مَعَهُمَا إِلَى الْحصن، وأجار خَالِد أكيدر من الْقَتْل حَتَّى أَتَى بِهِ رَسُول الله على أَن يفتح لَهُ دومة الجندل، وَصَالَحَهُ على ألفي بعير وَثَمَانمِائَة رَأس وَأَرْبَعمِائَة درع وَأَرْبَعمِائَة رمح، وَقدم بأكيدر على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأهدى لرَسُول الله هَدِيَّة، فَصَالحه على الْجِزْيَة، وحقن دَمه، وَكتب لَهُ كتابا بالأمان. وَقد حكى أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ أَن أكيدر أسلم، وَمَا حفظناه عَن غَيره، بلَى، كَانَ لأكيدر وَله اسْمه عبد الْملك، أسلم، وروى عَن رَسُول الله. فَإِن قيل: كَيفَ قبل هَدِيَّة كَافِر وَقد روى عِيَاض بن حمَار أَنه أهْدى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَدِيَّة وَهُوَ مُشْرك، فَردهَا وَقَالَ: " إِنَّا لَا نقبل زبد الْمُشْركين "؟ فَالْجَوَاب: من ثَلَاثَة أوجه ذكرهَا أَبُو بكر الْأَثْرَم: أَحدهَا: أَن تكون أَحَادِيث الْقبُول أثبت، وَفِي طَرِيق حَدِيث عِيَاض إرْسَال. وَالثَّانِي: أَن حَدِيث عِيَاض مُتَقَدم كَانَ فِي أول الْأَمر، وَحَدِيث أكيدر فِي آخر الْأَمر قبل موت رَسُول الله بِيَسِير، فَيكون هَذَا من بَاب النَّاسِخ والمنسوخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وَالثَّالِث: أَن يكون قبُول الْهَدِيَّة من أهل الْكتاب، وعياض لم يكن من أهل الْكتاب، والأكيدر كَانَ على دين الرّوم. وَالْقَوْل الأول اخْتِيَار الْأَثْرَم، وَهَذَا الْأَخير اخْتِيَاري، لِأَن أَبَا دَاوُد روى حَدِيث عِيَاض مُبينًا، فَقَالَ: أهديت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاقَة فَقَالَ: " هَل أسلمت؟ " قلت: لَا، فَقَالَ: " إِنِّي نهيت عَن زبد الْمُشْركين " والزبد: الْعَطاء. وَإِنَّمَا قبل هَدِيَّة النَّجَاشِيّ لِأَنَّهُ كَانَ من أهل الْكتاب، وَقد أُبِيح لنا طعامهم ونكاحهم، فَجَاز لنا قبُول هداياهم. يبْقى على هَذَا مَا رُوِيَ عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: أهْدى كسْرَى لرَسُول الله فَقبل مِنْهُ، وَأهْدى لَهُ قَيْصر فَقبل مِنْهُ، وأهدت لَهُ الْمُلُوك فَقبل مِنْهَا. وَجَوَابه من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه لَا يثبت، لِأَنَّهُ يرويهِ ثُوَيْر بن أبي فَاخِتَة، وَلَيْسَ بِثِقَة. وَالثَّانِي: أَن يكون مَنْسُوخا فِي حق من لَا كتاب لَهُ. فَأَما دومة فَفِيهَا ثَلَاث لُغَات، دومة، ودومة، بِضَم الدَّال وَفتحهَا، ودوماء، وَهَذَا مَكَان مَعْرُوف. وَالْخمر جمع خمار: وَهُوَ مَا تخمر بِهِ الْمَرْأَة رَأسهَا: أَي تغطيه وتستره كالوقاية. وَقَوله: " بَين الفواطم " روى أَبُو بكر بن أبي الدُّنْيَا هَذَا الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 فِي كتاب " الْهَدَايَا " فَقَالَ فِيهِ: فشققت مِنْهَا أَرْبَعَة أخمرة: خمار لفاطمة بنت أَسد، وخمار لفاطمة بنت مُحَمَّد، وخمار لفاطمة بنت حَمْزَة بن عبد الْمطلب. وَنسي الرَّاوِي الرَّابِعَة. 115 - / 126 - الحَدِيث الْحَادِي عشر: مَا سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع أَبَوَيْهِ لأحد إِلَّا لسعد بن مَالك، سمعته يَقُول يَوْم أحد: " يَا سعد ارْمِ، فدَاك أبي وَأمي ". سعد هُوَ ابْن أبي وَقاص، وأبوا رَسُول الله كَافِرَانِ، وَفِدَاء الْمُسلم بالكافر لَيْسَ بِعَيْب. 116 - / 128 - الحَدِيث الثَّالِث عشر: نهى رَسُول الله أَن ينتبذ فِي الدُّبَّاء والمزفت. الدُّبَّاء: القرع، والمزفت: الَّذِي قد طلي بالزفت: وَهُوَ القار، وَإِنَّمَا نهى عَن هَذِه الْأَشْيَاء لِأَنَّهُ قد يغلى فِيهَا فيسكر وَلَا يدرى بِهِ. 117 - / 129 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: أَمرنِي رَسُول الله أَن أقوم على بدنه وَأَن أَتصدق بِلُحُومِهَا وجلودها وأجلتها، وَألا أعطي الجزار مِنْهَا شَيْئا، وَقَالَ: " نَحن نُعْطِيه من عندنَا ". الْبدن: الْإِبِل. والأجلة جمع جلال: وَهُوَ مَا يُجَلل بِهِ ظهر الْبَعِير والجزار: الَّذِي يَنْحَرهَا. والجزارة مَضْمُومَة الْجِيم كالسقاطة والنشارة، وَهُوَ اسْم لما يعْطى كالعمالة. وَقَالَ قوم: هِيَ الجزارة بالكسرة كالخياطة الحديث: 115 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 والحجامة، يُرِيد بهَا عمله فِيهَا. وَإِنَّمَا نَهَاهُ أَن يُعْطِيهِ الْأُجْرَة مِنْهَا لِأَن الْأُجْرَة مِنْهَا فِي معنى البيع، وَالْهَدْي لَا يُبَاع. وَقد أَفَادَ هَذَا الحَدِيث أَنه لَا يجوز بيع شَيْء من لحم الْهَدْي وَلَا جلوده وَلَا أجلته، بل يتَصَدَّق بذلك. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي جَوَاز أكل لحم لُحُوم الْهَدْي، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُؤْكَل إِلَّا من هدي التَّمَتُّع وَالْقرَان والتطوع إِذا بلغ مَحَله، وَهِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة: لَا يُؤْكَل من النّذر وَجَزَاء الصَّيْد، ويؤكل من الْبَاقِي. وَقَالَ مَالك يُؤْكَل من الْهَدْي كُله إِلَّا من جَزَاء الصَّيْد وفدية الْأَذَى وَمَا نَذره للْمَسَاكِين. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يُؤْكَل إِلَّا من التَّطَوُّع. 118 - / 131 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: كُنَّا فِي جَنَازَة فِي بَقِيع الْغَرْقَد. البقيع: الْمَكَان المتسع من الأَرْض. وَقَالَ قوم: لَا يكون بقيعا إِلَّا وَفِيه شجر. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: والغرقد: من شجر الْعضَاة، والعضاة شجر لَهُ شوك مثل الطلح والسدر. قَالَ: وَبَلغنِي أَن الْغَرْقَد كبار العوسج، وَقد كَانَ فِي بَقِيع الْغَرْقَد غرقد ثمَّ ذهب الشّجر وَبَقِي الِاسْم. قَوْله: وَمَعَهُ مخصرة: المخصرة كالعصا تكون مَعَ الْأَمِير يُشِير بهَا، الحديث: 118 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 أَو مَعَ الْخَطِيب. وَقَوله: فَنَكس: أَي أطرق. وَقَوله: ينكت بمخصرته: أَي يضْرب بطرفها الأَرْض. والمقعد: مَوضِع الْقعُود، كالمسكن: مَوضِع السُّكْنَى. وَقَوله: أَفلا نَتَّكِل على كتَابنَا؟ أَي على مَا قضى لنا، وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا لِأَنَّهُ أخْبرهُم بِعلم الله عز وَجل فيهم، فراموا أَن يتخذوا ذَلِك حجَّة فِي ترك الْعَمَل، فنهاهم عَن ذَلِك بقوله: " كل ميسر " وَالْميسر للشَّيْء: المهيأ لَهُ، الْمصرف فِيهِ. والتيسير: التسهيل للْفِعْل. وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن يَكُونُوا فِي عَمَلهم الظَّاهِر خَائِفين مِمَّا سبق بِهِ الْقَضَاء، فَيحسن السّير بَين سَابق الْعَمَل وقائد الْخَوْف. وَقَوله: (أعْطى وَاتَّقَى) . قَالَ مُجَاهِد: اتَّقى الْبُخْل. (وَصدق بِالْحُسْنَى) وَهِي الْجنَّة (فسنيسره لليسرى) أَي نيسر عَلَيْهِ فعل الْخَيْر. 119 - / 132 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: بعث رَسُول الله سَرِيَّة وَاسْتعْمل عَلَيْهِم رجلا من الْأَنْصَار. هَذَا الرجل الْمُسْتَعْمل على هَذِه السّريَّة اسْمه عبد الله بن حذافة. وَقَول الرَّاوِي عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: إِنَّه من الْأَنْصَار، غلط؛ لِأَنَّهُ عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي من بني سهم، وَهُوَ أَخُو خُنَيْس ابْن حذافة زوج حَفْصَة قبل رَسُول الله، وَقد هَاجر إِلَى الْحَبَشَة فِي قَول الحديث: 119 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 ابْن إِسْحَق والواقدي. وَذهب قوم إِلَى أَنه شهد بَدْرًا، وَلَا يَصح، وَهُوَ رَسُول رَسُول الله بكتابه إِلَى كسْرَى. وَقَوله: فأغضبوه، فَأَمرهمْ بإيقاد نَار وَأَن يدخلوها. فَإِن قيل: هَذَا رجل كَبِير الْقدر، فَكيف أَمرهم بِدُخُول النَّار؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه داعبهم بِهَذَا، قَالَه أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ. فعلى هَذَا لَو رأى مِنْهُم الْجد فِي الدُّخُول لمنعهم. وَالثَّانِي: أَن أمره إيَّاهُم بِدُخُول النَّار إِشَارَة إِلَى أَن مخالفتي توجب دُخُول النَّار، فَإِذا شقّ عَلَيْكُم دُخُول هَذِه النَّار، فَكيف تصبرون على النَّار الْكُبْرَى، وَلَو رأى مِنْهُم الْجد فِي ولوج النَّار لمنعهم. فَأَما قَول رَسُول الله: " لَو دخلوها مَا خَرجُوا مِنْهَا " فَالْمَعْنى أَنهم قد علمُوا أَن الطَّاعَة لَا تكون فِي الْمعْصِيَة، لِأَن أَمر الله عز وَجل قد سبق أَمر هَذَا الرجل، وَإِنَّمَا يطاع الْمَخْلُوق فِيمَا لَا يُنَافِي طَاعَة الْخَالِق، فَلَو دخلُوا النَّار عذبُوا بمعصيتهم لله عز وَجل. 120 - / 133 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: خطب عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: مَا عندنَا من كتاب نقرؤه إِلَّا كتاب الله وَمَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة، فنشرها، فَإِذا فِيهَا أَسْنَان الْإِبِل وَأَشْيَاء من الْجِرَاحَات. الحديث: 120 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 أما أَسْنَان الأبل فَالْمُرَاد مَا يُؤْخَذ مِنْهَا فِي الدِّيَة. قَوْله: وَأَشْيَاء من الْجِرَاحَات: أَي مَا يجب فِيهَا. وَفِي هَذَا الحَدِيث: وَالْمَدينَة حرم مَا بَين عير إِلَى ثَوْر. قَالَ أَبُو عبيد: أهل الْمَدِينَة لَا يعْرفُونَ جبلا بهَا يُقَال لَهُ ثَوْر، وَإِنَّمَا ثَوْر بِمَكَّة، فنرى أَن الحَدِيث إِنَّمَا أَصله: مَا بَين عير إِلَى أحد. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن صيد الْمَدِينَة وشجرها محرم، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ بِمحرم. وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد: هَل يضمن صيدها وشجرها بالجزاء أم لَا؟ فَروِيَ عَنهُ أَنه لَا جَزَاء فِيهِ وَهُوَ قَول مَالك، وَرُوِيَ عَنهُ أَنه يضمن. وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ كالروايتين. وَإِذا قُلْنَا بضمانه فَجَزَاؤُهُ سلب الْقَاتِل، يَتَمَلَّكهُ الَّذِي يسلبه. وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ مبنيان على القَوْل الَّذِي يرى فِيهِ أَنه مَضْمُون: أَحدهمَا: كَقَوْلِنَا. وَالثَّانِي: يتَصَدَّق بِهِ على مَسَاكِين الْمَدِينَة. وَيُفَارق الْمَدِينَة حرم مَكَّة فِي أَن من أَدخل إِلَيْهَا صيدا لم يجب عَلَيْهِ رفع يَده عَنهُ، وَيجوز لَهُ ذبحه وَأكله. وَيجوز أَن يُؤْخَذ من شَجَرهَا مَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ للرحل والوسائد، وَكَذَلِكَ يُؤْخَذ من حشيشها مَا يحْتَاج إِلَيْهِ للعلف، بِخِلَاف حرم مَكَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وَقَوله: " من أحدث فِيهَا حَدثا، أَو آوى مُحدثا " قَالَ أَبُو عبيد: الْحَدث كل حد لله يجب أَن يُقَام على صَاحبه. وَمعنى آوى مُحدثا: حماه وَحفظه. وَقَوله: " لَا يقبل الله مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة صرفا وَلَا عدلا " فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن الصّرْف: التَّوْبَة، وَالْعدْل: الْفِدْيَة، ذكره ابْن الْأَنْبَارِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِه قَالَ مَكْحُول والأصمعي وَأَبُو عبيد. وَالثَّانِي: أَن الصّرْف: النَّافِلَة، وَالْعدْل: الْفَرِيضَة. قَالَه الْحسن، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الْعدْل عِنْد الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة: الدِّيَة، وَالصرْف زِيَادَة على الدِّيَة، وَهُوَ فِي الْإِسْلَام الْفَرِيضَة والتطوع. وَالثَّالِث: الصّرْف: الِاكْتِسَاب. وَالْعدْل: الْفِدْيَة. قَالَه يُونُس. وَقَوله: " ذمَّة الْمُسلمين وَاحِدَة " الذِّمَّة: الْأمان والعهد. وَالْمعْنَى أَنه إِذا أعْطى الرجل مِنْهُم الْعَدو أَمَانًا جَازَ ذَلِك على جَمِيع الْمُسلمين. وَقَوله: " يسْعَى بهَا أَدْنَاهُم " فِيهِ دَلِيل على صِحَة أَمَان العَبْد. وَعِنْدنَا أَنه إِذا أَمن آحَاد الْمُشْركين صَحَّ أَمَانه سَوَاء أذن لَهُ سَيّده فِي الْقِتَال أَو لم يَأْذَن، وَهُوَ قَول أَصْحَاب مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح أَمَانه إِلَّا أَن يكون سَيّده قد أذن لَهُ فِي الْقِتَال. وَقَوله: فَمن أَخْفَر مُسلما: أَي نقض عَهده. قَالَ الزّجاج: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 أخفرت الرجل: إِذا نقضت عَهده، فَهُوَ مخفر، وخفرته فَهُوَ مخفور: إِذا أجرته. وَقَوله: وَمن والى قوما بِغَيْر إِذن موَالِيه. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: ظَاهره يُوهم أَنه شَرط فِي جَوَاز ادِّعَاء نسب أَو وَلَاء، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ معنى الشَّرْط، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنى التوكيد للتَّحْرِيم والتنبيه على الْبطلَان والإرشاد إِلَى السَّبَب. وَالْمعْنَى: لَا يجوز أَن يتَوَلَّى غَيرهم، لِأَنَّهُ لَو استأذنهم لم يأذنوا لَهُ. وَقَوله: وَالَّذِي فلق الْحبَّة: أَي شقها لإنباتها. وبرأ: بِمَعْنى خلق. والنسمة: النَّفس، سميت بذلك لِأَنَّهَا تتنسم: أَي تتنفس. وَقَوله: إِلَّا فهما. يَعْنِي مَا يفهم من فحوى الْكَلَام وَيدْرك من بواطن الْمعَانِي. وَالْعقل: مَا يتحمله الْعَاقِلَة من دِيَة الْقَتِيل خطأ. وَهَذَا ثَبت من طَرِيق السّنة، وقصدت بِهِ الْمصلحَة، إِذْ لَو أَخذ قَاتل الْخَطَأ بِالدِّيَةِ لأتى ذَلِك على جَمِيع مَاله، وَلَو ترك الدَّم صَار هدرا. فَقيل لعصبة الْقَاتِل: تعاونوا، وَلم يكلفوا إِلَّا بِمَا لَا يجحف. وَلَا يدْخل الْجَانِي مَعَ الْعَاقِلَة فِي التَّحَمُّل، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ كَأحد الْعَاقِلَة. وَعَن مَالك كالمذهبين. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يلْزمه، إِلَّا أَن يَتَّسِع بِحمْل الْعَاقِلَة فَيلْزمهُ مَا يحمل كل وَاحِد من الْعَاقِلَة غير مُقَدّر، وَإِنَّمَا هُوَ على حسب الِاجْتِهَاد فِيمَا يُمكن. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يتَقَدَّر أَكْثَره بأَرْبعَة دَرَاهِم، وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 يتَقَدَّر أَقَله. وَقَالَ الشَّافِعِي: يتَقَدَّر أَقَله بِنصْف دِينَار على الْغَنِيّ وَربع دِينَار على الْمُتَوَسّط، وَلَا يتَقَدَّر أَكْثَره. وَيعْتَبر فِي تحمل الْعقل الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَسْتَوِي الْقَرِيب والبعيد، وَيحمل الْغَنِيّ أَكثر من الْمُتَوَسّط. وَقَالَ أَبُو حنيفَة يسوى بَين الْجَمِيع، ويشترك فِي التَّحَمُّل الْغَائِب والحاضر. وَقَالَ مَالك: لَا يحمل الْغَائِب مِنْهَا شَيْئا. وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين. وَأما فكاك الْأَسير فَهُوَ فداؤه من أَيدي الْعَدو. وَفِي قَوْله: وَألا يقتل مُسلم بِكَافِر دَلِيل على أَنه لَا يقتل الْمُسلم بالذمي، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقتل بِهِ. وَوَافَقَ فِي الْمُسْتَأْمن أَنه لَا يقتل بِهِ. 121 - / 134 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: قَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: " إِذا حدثتكم عَن رَسُول الله فو الله لَئِن أخر من السَّمَاء أحب إِلَيّ من أَن أكذب عَلَيْهِ، وَإِذا حدثتكم فِيمَا بيني وَبَيْنكُم فَإِن الْحَرْب خدعة ". فِي هَذِه اللَّفْظَة ثَلَاث رِوَايَات: الأولى: خدعة بِفَتْح الْخَاء وتسكين الدَّال، وَيُقَال: هِيَ لُغَة رَسُول الله. وَالْمعْنَى يَنْقَضِي أمرهَا بخدعة وَاحِدَة. وَالثَّانِي: خدعة بِضَم الْخَاء وَفتح الدَّال، فَكَأَن الْفِعْل قد أضيف الحديث: 121 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 إِلَى الْحَرْب، أَي أَنَّهَا تخدع الرِّجَال وتهلكهم، كَمَا يُقَال: رجل لعبة: إِذا كَانَ كثير التلعب بالأشياء، وَهَذَا اخْتِيَار الْكسَائي. وَالثَّالِث: خدعة بِضَم الْخَاء وَسُكُون الدَّال. قَالَ الْخطابِيّ: من قَالَ هَذَا أَرَادَ الِاسْم، كَمَا يُقَال: هَذِه لعبة. وَمعنى الْكَلَام: أنني أتوقى فِي الرِّوَايَة عَنهُ مَا لَا أتوقى فِي كَلَامي. وَقَوله: سيخرج قوم حدثاء الْأَسْنَان. يَعْنِي بِهِ الصبوة. وَقَوله: سُفَهَاء الأحلام. الأحلام: الْعُقُول. قَالَ الزّجاج: أصل السَّفه خفَّة الْحلم، يُقَال: ثوب: سَفِيه: إِذا كَانَ رَقِيقا بَالِيًا، وتسفهت الرّيح الشّجر: إِذا مَالَتْ بِهِ، قَالَ الشَّاعِر: (مشين كَمَا اهتزت رماح تسفهت ... أعاليها مر الرِّيَاح النواسم) وَقَوله: يَقُولُونَ من خير قَول الْبَريَّة. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْبَريَّة الْخلق. وَأكْثر الْعَرَب والقراء على ترك همزها لِكَثْرَة مَا جرت على الْأَلْسِنَة، وَهِي فعيلة بِمَعْنى مفعولة، وَمن النَّاس من يزْعم أَنَّهَا مَأْخُوذَة من بريت الْعود. وَمِنْهُم من يزْعم أَنَّهَا من البرا: وَهُوَ التُّرَاب، أَي خلق من التُّرَاب، وَقَالُوا: لذَلِك لَا تهمز. وَقَالَ الزّجاج: لَو كَانَت من البرا وَهُوَ التُّرَاب، لما قُرِئت بِالْهَمْزَةِ، وَإِنَّمَا اشتقاقها من برأَ الله الْخلق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وَقَالَ الْخطابِيّ: أَصْلهَا الْهَمْز، إِلَّا أَنهم اصْطَلحُوا على ترك الْهَمْز فِيهَا. والحناجر جمع حنجرة: وَهِي الْحُلْقُوم. ويمرقون: يخرجُون. يُقَال: مرق السهْم: إِذا نفذ وَجَاوَزَ فِي رميته، قَالَ: وَظَاهر قَوْله " من الدّين " أَي من أصل الدّين. وَقَالَ الْخطابِيّ: الدّين هَاهُنَا الطَّاعَة، وَالْمعْنَى أَنهم يخرجُون من طَاعَة الْأَئِمَّة. وَفِي هَذَا بعد، لِأَنَّهُ قَالَ: مروق السهْم. ثمَّ قَالَ: ينظر فِي نصله، فِي فَوْقه، وَالْمعْنَى أَن السهْم مر فَلم يعلق من الدَّم بِشَيْء، فَكَذَلِك هَؤُلَاءِ لم يعلقوا من الدّين بِشَيْء. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: الرَّمية: الطريدة المرمية، فعيلة فِي معنى مفعولة. وَهَذَا الحَدِيث فِي صفة الْخَوَارِج. 122 - / 135 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: مَا كنت لأقيم حدا على أحد فَيَمُوت، فأجد فِي نَفسِي مِنْهُ شَيْئا إِلَّا صَاحب الْخمر، فَإِنَّهُ لَو مَاتَ وديته، وَذَلِكَ أَن رَسُول الله لم يسنه. وديت الرجل: إِذا أَعْطَيْت دِيَته. فَإِن قيل: كَيفَ لم يسنه رَسُول الله وَقد سبق فِي مُسْند عُثْمَان أَن عليا قَالَ: جلد رَسُول الله أَرْبَعِينَ؟ فَالْجَوَاب: أَنا قد ذكرنَا هُنَالك أَن رَسُول الله إِنَّمَا أَرَادَ تَعْزِير الشَّارِب الحديث: 122 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 فَضَربهُ، وَاتفقَ الضَّرْب أَن بلغ أَرْبَعِينَ. وَسَيَأْتِي فِي مُسْند أنس ضرب الشَّارِب بِالْجَرِيدِ أَرْبَعِينَ، فَكَأَنَّهُ مَا سنّ عددا لَا يتَجَاوَز، وَلَا آلَة لَا تَتَغَيَّر، وَإِنَّمَا سنّ أصل الْعقُوبَة، إِذْ لَو سنّ شَيْئا من ذَلِك وتقرر لم يتَجَاوَز. 123 - / 136 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: أَن الْعَبَّاس قَالَ لعَلي فِي مرض رَسُول الله: أَنْت - وَالله - بعد ثَلَاث عبد الْعَصَا. وَالْمعْنَى أَنه يتأمر عَلَيْك. 124 - / 137 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن عليا شرب قَائِما وَقَالَ: رَأَيْت رَسُول الله فعل كَمَا فعلت. إِن قَالَ قَائِل: كَيفَ الْجمع بَين هَذَا وَبَين نهي رَسُول الله عَن الشّرْب قَائِما؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون فعله لعذر. وَالثَّانِي: لبَيَان الْجَوَاز. وَالْأولَى أَلا يشرب قَائِما. 125 - / 138 - الحَدِيث الثَّالِث: قَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: حدثوا النَّاس بِمَا يعْرفُونَ. الحديث: 123 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 أَرَادَ: حدثوهم بِمَا تحتمله أفهامهم من الْعلم. 126 - / 139 - الحَدِيث الرَّابِع: عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة قَالَ: لَو كَانَ عَليّ ذَاكِرًا عُثْمَان بِسوء ذكره يَوْم جَاءَهُ نَاس يَشكونَ إِلَيْهِ سعاة عُثْمَان، فَقَالَ: اذْهَبْ بِهَذَا الْكتاب إِلَى عُثْمَان، وَأخْبرهُ أَن فِيهِ صَدَقَة رَسُول الله، فَمر سعاتك يعْملُونَ بهَا. فَأَتَيْته بهَا، فَقَالَ: أغنها عَنَّا. فَأتيت عليا فَقَالَ: لَا عَلَيْك، ضعها حَيْثُ وَجدتهَا. السعاة جمع ساع: وَهُوَ الْعَامِل على الصَّدَقَة، الَّذِي يسْعَى فِي استخراجها، ويؤديها إِلَى الإِمَام. وَقَوله: أغنها عَنَّا: أَي اصرفها عَنَّا. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أغن عني وَجهك: أَي اصرفه، وأغن عني السَّفِيه، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {لكل امْرِئ مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه} [عبس: 37] أَي يصرفهُ ويصده عَن قرَابَته. وَإِنَّمَا أعرض عُثْمَان عَن تِلْكَ الصَّحِيفَة لِأَنَّهُ قد كَانَ عِنْده علم من ذَلِك يَكْتَفِي بِهِ. 127 - / 141 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: قَالَ عَليّ: اقضوا كَمَا كُنْتُم تقضون، فَإِنِّي أكره الْخلاف حَتَّى يكون النَّاس جمَاعَة أَو أَمُوت كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي. فَكَانَ ابْن سِيرِين يرى عَامَّة مَا يروون عَن عَليّ كذبا. لما وجد عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام من يرد عَلَيْهِ قَوْله كَمَا روينَا فِي الحَدِيث الَّذِي قبل هَذَا، وكما روينَا فِي حَدِيث التَّمَتُّع، كره الْخلاف. الحديث: 126 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 128 - / 142 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: أَن عليا حِين رجم الْمَرْأَة ضربهَا يَوْم الْخَمِيس، ورجمها يَوْم الْجُمُعَة. وَقَالَ: جلدتها بِكِتَاب الله، ورجمتها بِسنة رَسُول الله. اسْم هَذِه الْمَرْأَة شراحة الهمدانية، أَتَت عليا فَقَالَت: إنى زَنَيْت، فَقَالَ: لَعَلَّك غصبت نَفسك. قَالَت: مَا غصبت. قَالَ: لَعَلَّك أتيت وَأَنت نَائِمَة. قَالَت: أتيت طَائِعَة غير مُكْرَهَة، فحبسها، فَلَمَّا ولدت وشب وَلَدهَا جلدهَا مائَة، ثمَّ أَمر فحفر لَهَا فِي الرحبة إِلَى منكبها ثمَّ أدخلت، ثمَّ رمى وَرمى أَصْحَابه. وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَنه يجْتَمع الْجلد وَالرَّجم على الزَّانِي الْمُحصن، وَهِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَبهَا قَالَ دَاوُد. وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة ترْجم وَلَا تجلد، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ. 129 - / 143 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: عَن قيس بن عباد عَن عَليّ قَالَ: أَنا أول من يجثو للخصومة بَين يَدي الرَّحْمَن يَوْم الْقِيَامَة. قَالَ قيس: فيهم نزلت: {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} [الْحَج: 19] وَقَالَ: هم الَّذين تبارزوا يَوْم بدر: عَليّ وَحَمْزَة وَعبيدَة، وَشَيْبَة بن ربيعَة وَعتبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة. أما قيس بن عباد، فالعين فِي عباد مَضْمُومَة وَالْبَاء مَفْتُوحَة خَفِيفَة، وَلَيْسَ لَهُ فِي أَسمَاء الْمُحدثين نَظِير. الحديث: 128 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وَقَوله: يجثو، يُقَال جثا الرجل يجثو: إِذا اعْتمد على رُكْبَتَيْهِ فِي جُلُوسه، فَهُوَ جاث، وَالْجمع جثي. وَإِنَّمَا قَالَ: أَنا أول من يجثو، لِأَن غزَاة بدر كَانَت أول غزَاة قوتل فِيهَا الْمُشْركُونَ، وَكَانَ أول من برز إِلَى قِتَالهمْ عَليّ وَمَعَهُ حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَعبيدَة بن الْحَارِث ابْن عبد الْمطلب. وَالسَّبَب فِي خُرُوج هَؤُلَاءِ أَن عتبَة وَشَيْبَة والوليد برزوا وَقَالُوا: من يبارز؟ فَخرج إِلَيْهِ فتية من الْأَنْصَار. وَفِي رِوَايَة: فَخرج إِلَيْهِم شببة من الْأَنْصَار، والشببة جمع شَاب، مثل كَاتب وكتبة، وَقد صحفه عبيد الله بن مُوسَى فَقَالَ: سِتَّة، وَالصَّوَاب الأول. فَقَالَ عتبَة: لَا نُرِيد هَؤُلَاءِ، وَلَكِن يبارزنا من بني عمنَا من بني عبد الْمطلب. فَقَالَ رَسُول الله: " قُم يَا عَليّ، وقم يَا حَمْزَة، وقم يَا عُبَيْدَة " فَقتل الْكفَّار الثَّلَاثَة، وَسلم عَليّ وَحَمْزَة، وَخرج عُبَيْدَة فَمَاتَ، فدفنه رَسُول الله بالصفراء. وَمعنى قَوْله: {هَذَانِ خصمان} أَي: جمعان، وَلِهَذَا قَالَ: {اخْتَصَمُوا} . وَمعنى {فِي رَبهم} أَي: فِي دينه. 130 - / 145 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: نهاني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن التَّخَتُّم بِالذَّهَب، وَعَن لِبَاس القسي، وَعَن الْقِرَاءَة فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود، وَعَن لبس المعصفر. الحديث: 130 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 القسي: ثِيَاب منسوبة إِلَى القس: وَهِي نَاحيَة من نواحي مصر، قريبَة من تنيس. قَالَ أَبُو عبيد: وَأهل مصر يَقُولُونَ: القسية بِفَتْح الْقَاف، وَأَصْحَاب الحَدِيث يكسرونها. وَقَالَ قوم: الأَصْل القز بالزاي فأبدلوا مِنْهَا سينا. والمعصفر: المفدم المشبع. 131 - / 146 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لعن الله من آوى مُحدثا. لعن الله من غير منار الأَرْض ". أما الْكَلِمَة الأولى فقد فسرناها فِي الْمسند آنِفا. أما منار الأَرْض فَهِيَ أعلامها الَّتِي تضرب على الْحُدُود ليتميز بهَا الْأَمْلَاك بَين الجارين، فَإِذا غيرت اخْتلطت الْأَمْلَاك، وَإِنَّمَا يقْصد مغيرها أَن يدْخل فِي أَرض جَاره. 132 - / 147 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة قَالَ: {وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} [الْأَنْعَام: 79] . أَي جعلت قصدي بعبادتي وتوحيدي للَّذي فطر - أَي خلق. و (حَنِيفا) نصب على الْحَال. وَفِي مَعْنَاهُ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه مَأْخُوذ من الْميل، والأحنف الَّذِي تميل قدماه كل الحديث: 131 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وَاحِدَة مِنْهُمَا إِلَى أُخْتهَا بأصابعها. فالحنيف: المائل إِلَى الْعِبَادَة، هَذَا اخْتِيَار الزّجاج. وَالثَّانِي: أَن الحنيف الْمُسْتَقيم، وَمِنْه قيل للأعرج: حنيف تطيرا إِلَى السَّلامَة، كَمَا يُقَال للديغ سليم، وَهَذَا قَول ابْن قُتَيْبَة. والنسك جمع نسيكة. وروى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: النّسك هَاهُنَا الذَّبَائِح، وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: هِيَ الدّين وَالْحج والذبائح. قَالَ الزّجاج: كل مَا تقرب بِهِ إِلَى الله تَعَالَى فَهُوَ نسك، إِلَّا أَن الْغَالِب عَلَيْهِ أَمر الذَّبَائِح. وَفِي قَوْله: ومحياي ومماتي قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن الْمَعْنى: لَا يملك حَياتِي ومماتي إِلَّا الله عز وَجل. وَالثَّانِي: حَياتِي لله فِي طَاعَته، ومماتي لَهُ فِي رجوعي إِلَى جَزَائِهِ. ومقصود الْكَلَام أَن أحوالي لله عز وَجل وَحده لَا كَمَا تشركون أَنْتُم. والرب: الْمَالِك. والعالمون: جمع عَالم، وَهُوَ عِنْد أهل اللُّغَة اسْم مَأْخُوذ من الْعلم، فَيَقَع على من يعلم، وهم الْجِنّ وَالْإِنْس وَالْمَلَائِكَة. وَقَوله: " واهدني لأحسن الْأَخْلَاق ". اللَّام بِمَعْنى إِلَى، كَقَوْلِه تَعَالَى: {الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا} [الْأَعْرَاف: 43] . وَقَوله: لبيْك. فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 أَحدهَا: أَن أصل التَّلْبِيَة الْإِقَامَة بِالْمَكَانِ، يُقَال: ألببت بِالْمَكَانِ: إِذا أَقمت بِهِ، ولببت، لُغَتَانِ، ثمَّ قلبوا الْبَاء الثَّانِيَة إِلَى الْيَاء استثقالا، كَمَا قَالُوا: تظنيت، فَكَأَن قَوْله لبيْك: أَي أَنا عنْدك، وَأَنا مُقيم مَعَك، وَقد أَجَبْتُك، ثمَّ بنوه للتوكيد، فَكَانَ الْمَعْنى: أَقمت عنْدك إِقَامَة بعد إِقَامَة، وَإجَابَة بعد إِجَابَة، حَكَاهُ أَبُو عبيد عَن الْخَلِيل. وَالثَّانِي: أَنه بِمَعْنى اتجاهي إِلَيْك، مَأْخُوذ من قَوْلهم: دَاري تلب دَارك: أَي تواجهها. وَالثَّالِث: أَنه بِمَعْنى محبتي لَك، مَأْخُوذ من قَوْلهم: امْرَأَة لبة إِذا كَانَت محبَّة لولدها، عاطفة عَلَيْهِ. وَمعنى سعديك: ساعدت طَاعَتك مساعدة بعد مساعدة. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: مَعْنَاهُ أسعدك الله إسعادا بعد إسعاد. قَوْله: وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْك: أَي لَيْسَ مُضَافا إِلَيْك. وَقد يشكل هَذَا فَيُقَال: أَلَيْسَ كل شَيْء بِقدر؟ فَالْجَوَاب: أَن الْمَعْنى: لَا يُضَاف الشَّرّ إِلَيْك فتخاطب بِهِ تأدبا لَك، فَلَا يُقَال: يَا قَاتل الْأَنْبِيَاء، وَيَا مضيق الرزق، وَإِنَّمَا تخاطب بِمَا يَلِيق بالأدب، فَيُقَال: يَا كريم يَا رَحِيم. وَيَقُول المذنب: ظلمت نَفسِي، وَلَا يَقُول: أَنْت قضيت، لِأَنَّهُ كالمناظرة. وَالْمرَاد من الْعِبَادَة الذل للمعبود، وَلِهَذَا الْمَعْنى لما قَامَ آدم مقَام الْعُبُودِيَّة قَالَ: {رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا} [الْأَعْرَاف: 23] فَلَمَّا التقى بمُوسَى قَالَ لَهُ: " أتلومني على أَمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 قد قدر عَليّ "؟ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن مَسْعُود: أَقُول برأيي، فَإِن كَانَ صَوَابا فَمن الله، وَإِن كَانَ خطأ فمني. وَقَالَ الْخَلِيل: قَوْله: الشَّرّ لَيْسَ إِلَيْك: أَي لَيْسَ مِمَّا يتَقرَّب بِهِ إِلَيْك. قَوْله: تَبَارَكت: مَعْنَاهُ ارْتَفَعت. قَوْله: خشع لَك سَمْعِي وبصري. الْخُشُوع: الخضوع والتواضع. وَالْمعْنَى أَن جوارحي ذليلة منقادة لأمرك. وَقَوله: مَا أسرفت. الْإِسْرَاف: مُجَاوزَة الْحَد. 133 - / 148 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَن الحرورية لما خرجت على عَليّ بن أبي طَالب فَقَالُوا: لَا حكم إِلَّا الله، قَالَ عَليّ: كلمة حق أُرِيد بهَا بَاطِل، إِن رَسُول الله وصف لنا نَاسا إِنِّي لأعرف صفتهمْ فِي هَؤُلَاءِ، يَقُولُونَ الْحق بألسنتهم، لَا يجوز هَذَا مِنْهُم. وَأَشَارَ إِلَى حلقه. من أبْغض خلق الله إِلَيْهِ، مِنْهُم أسود، إِحْدَى يَدَيْهِ طبي شَاة، أَو حلمة ثدي. اعْلَم أَن الحرورية قد نسبوا إِلَى حروراء: وَهِي صحراء بِالْكُوفَةِ، خَرجُوا على عَليّ بن أبي طَالب، وأنكروا عَلَيْهِ تحكيمه أَبَا مُوسَى فِي أَمر مُعَاوِيَة، وَقَالُوا لَهُ: شَككت فِي أَمر الله، وحكمت عَدوك، فطالت خصومتهم لَهُ، ثمَّ أَصْبحُوا يَوْمًا قد خَرجُوا براية وهم ثَمَانِيَة آلَاف وأميرهم ابْن الْكواء، فَبعث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَيْهِم ابْن عَبَّاس، فناظرهم فَرجع مِنْهُم أَلفَانِ وَبَقِي سِتَّة آلَاف، فَخرج إِلَيْهِم عَليّ فَقَاتلهُمْ. الحديث: 133 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وَإِنَّمَا لم يجز قَوْلهم حُلُوقهمْ لِأَن أَعْمَالهم لَا ترفع فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَة، وَكَانُوا يتعبدون وَلَكِن بِجَهْل، ويبنون على غير أصل. وَقَوله: طبي شَاة: أَي كطبي شَاة، وطبيها ضرْعهَا. وحلمة الثدي: الناتئة مِنْهُ، والثدي يؤنث وَيذكر، وَجمعه ثدي. وثندوة الرجل كثدي الْمَرْأَة، وَهُوَ مَهْمُوز إِذا ضم أَوله، فَإِن فتح لم يهمز. 134 - / 149 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَنه ذكر الْخَوَارِج فَقَالَ: فيهم رجل مُخْدج الْيَد، أَو مثدون الْيَد، أَو مودن الْيَد، لَوْلَا أَن تبطروا لحدثتكم بِمَا وعد الله الَّذين يَقْتُلُونَهُمْ على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. المخدج الْيَد: الَّذِي خلق يَده نَاقص. وَقَوله: أَو مثدون الْيَد، ويروى مثدن الْيَد: أَي صَغِير الْيَد مجتمعها، وَقَالَ أَبُو عبيد: إِذا كَانَ كَمَا قيل أَنه من الثندوة تَشْبِيها بهَا فِي الْقصر والاجتماع فَالْقِيَاس أَن يُقَال مثند، إِلَّا أَن يكون مقلوبا. قَالَ: وَإِنَّمَا قيل ذُو الثدية فأدخلوا الْهَاء وأصل الثدي ذكر لأَنهم أَرَادوا لحْمَة أَو قِطْعَة من ثدي، وَصغر على هَذَا الْمَعْنى وأنث. قَالَ: وَبَعْضهمْ يرويهِ اليدية بِالْيَاءِ. وَفِي رِوَايَة: مودن الْيَد: أَي قصير، يُقَال: أودنت الشَّيْء: قصرته، وودنته أَيْضا لُغَة. وَاسم هَذَا المخدج نَافِع، وَكَانَ أسود. قَالَ أَبُو مَرْيَم الثَّقَفِيّ: كَانَ هَذَا المخدج رجلا ضاويا ضَعِيفا، وَكسوته برنسا لفقره، وَكَانَ الحديث: 134 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 يشْهد طَعَام عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، وَقد سمع عليا يذكر الْخَوَارِج، وَأَن فيهم المخدج، سَمعه مِنْهُ مرَارًا، حَتَّى كَانَ لِكَثْرَة مَا يسمع من ذَلِك يمْتَنع من حُضُور الطَّعَام. والبطر: تجَاوز الْحَد فِي المرح. 135 - / 150 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: ذكر الْخَوَارِج أَيْضا. قَالَ سَلمَة بن كهيل: فنزلني زيد بن وهب منزلا منزلا. أَي سمى لي الْمنَازل الَّتِي نزلوها منزلا بعد منزل. وَقَوله: كَمَا ناشدوكم يَوْم حروراء. قد ذكرنَا أَن حروراء صحراء بِالْكُوفَةِ. وَقَوله: فوحشوا برماحهم: أَي رموا بهَا متخففين. وَمعنى شجرهم النَّاس برماحهم: طعنوهم، يُقَال: تشاجر الْقَوْم بِالرِّمَاحِ: أَي تطاعنوا. 136 - / 151 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: قَالَ عَليّ: يَا رَسُول الله، مَالك تتوق فِي قُرَيْش وَتَدعنَا؟ قَالَ: " وعندكم شَيْء " قلت: نعم، بنت حَمْزَة. فَقَالَ: " إِنَّهَا لَا تحل لي، إِنَّهَا ابْنة أخي من الرضَاعَة ". تتوق بتاءين: من تاق إِلَى الشَّيْء: إِذا اشتهاه وأحبه، وَالْمعْنَى تشتاق وترغب فِي نكاحهم، هَكَذَا رَوَوْهُ لنا وفسروه، وَرُبمَا قَالَه بَعضهم بالنُّون مَعَ تَشْدِيد الْوَاو، وَقد ذكر أَبُو عمر غُلَام ثَعْلَب فَقَالَ: تأنق الرجل وتنوق. وَقَالَ مُحَمَّد جرير الطَّبَرِيّ فِي كتاب الحديث: 135 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 " تَهْذِيب الْآثَار ": تنوق: تفعل من التوقان إِلَى الشَّيْء: وَهُوَ التشوق إِلَيْهِ، قَالَ: وَمن قَالَ تنوق فَإِنَّهُ بِمَعْنى يستجيد، من النيقة. وَأما بنت حَمْزَة فقد روينَا فِي هَذَا الْمسند أَنه كَانَت لَهُ بنت يُقَال لَهَا فَاطِمَة، وَالظَّاهِر أَنَّهَا درجت صَغِيرَة، وَإِنَّمَا الْبَاقِيَة بعده هِيَ الَّتِي اخْتصم عَليّ وجعفر وَزيد فِي كفالتها لما هَاجَرت على مَا سَيَأْتِي فِي مُسْند الْبَراء بن عَازِب، وَالْجَمَاعَة يسمونها أُمَامَة، وَانْفَرَدَ الْوَاقِدِيّ بتسميتها عمَارَة. وَقَوله: " إِنَّهَا ابْنة أخي " كَانَت ثويبة مولاة أبي بكر قد أرضعت حَمْزَة، ثمَّ أرضعت بعده رَسُول الله، وَكَانَ أَبُو لَهب قد أعْتقهَا، فَلَمَّا مَاتَ رَآهُ بعض أَهله فِي الْمَنَام فَقَالَ: مَاذَا لقِيت؟ فَقَالَ: لم نذق بعدكم رخاء، غير أَنى سقيت فِي هَذِه، بعتقي ثويبة، وَأَشَارَ إِلَى النقرة الَّتِي بَين الْإِبْهَام وَالَّتِي تَلِيهَا من الْأَصَابِع. وَكَانَ رَسُول الله يكرم ثويبة ويصلها وَهُوَ بِمَكَّة، فَلَمَّا هَاجر كَانَ يبْعَث إِلَيْهَا بالصلة، إِلَى أَن جَاءَ خَبَرهَا حِين رَجَعَ من خَيْبَر أَنَّهَا توفيت، وَلَا نعلم أحدا ذكر أَنَّهَا أسلمت إِلَّا مَا حَكَاهُ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ عَن بعض الْعلمَاء أَنه قَالَ: قد اخْتلف فِي إسْلَامهَا. 137 - / 152 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: أَن عليا خطب فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، أقِيمُوا الْحُدُود على أرقائكم، من أحصن وَمن لم يحصن، فَإِن أمة الحديث: 137 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 لرَسُول الله زنت فَأمرنِي أَن أجلدها، فأتيتها فَإِذا هِيَ حَدِيثَة عهد بنفاس، فَخَشِيت إِن أَنا جلدتها أَن أقتلها، فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله فَقَالَ: " أَحْسَنت، اتركها حَتَّى تماثل ". والأرقاء: المماليك. والإحصان: أَصله فِي اللُّغَة الْمَنْع، وَمِنْه سميت الْحُصُون لِأَنَّهَا تمنع من الْعَدو وَقَالَ ثَعْلَب: كل امْرَأَة عفيفة فَهِيَ مُحصنَة ومحصنة، وكل امْرَأَة متزوجة فَهِيَ مُحصنَة لَا غير وَالظَّاهِر من كَلَام عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه أَرَادَ بالإحصان التَّزْوِيج، وَيجوز أَن يُرِيد بِهِ الْإِسْلَام. وَالرَّقِيق لَا يثبت فِي حَقه الرَّجْم وَلَا الْجلد التَّام، وَإِنَّمَا يضْرب خمسين جلدَة. وَعِنْدنَا أَنه لَا يغرب خلافًا لمَالِك ولأحد قولي الشَّافِعِي، وَعند دَاوُد أَن الْمَمْلُوك فِي جَمِيع ذَلِك كَالْحرِّ، إِلَّا أَنه وَافق فِي الْأمة. وَقد دلّ قَوْله: أقِيمُوا الْحُدُود على أرقائكم على أَنه يجوز للْمولى أَن يُقيم حد الزِّنَا على رَقِيقه، وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد وَالشَّافِعِيّ، إِلَّا أَن أَحْمد يَسْتَثْنِي الْأمة إِذا كَانَت تَحت زوج، وَالشَّافِعِيّ يُطلق، فَأَما أَبُو حنيفَة فَلَا يُجِيزهُ بِحَال. وَقَوله: حَدِيثَة عهد بنفاس. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قَالَ اللغويون: سميت النُّفَسَاء نفسَاء لما يسيل مِنْهَا من الدَّم، يُقَال نفست الْمَرْأَة: إِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 حَاضَت، وعركت، ودرست، وَيُقَال امْرَأَة نفسَاء ونفساء ونفساء، وَفِي الْجمع نفساوات ونفاس وَنَفس ونفاس. وَأكْثر مَا يَمْتَد إِلَيْهِ حكم النّفاس أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك فِي رِوَايَة سِتُّونَ يَوْمًا، وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن مَالك: لَا حد لَهُ، بل تجْلِس أقْصَى مَا يجلس النِّسَاء، وَيرجع فِي ذَلِك إِلَى أولات الْعلم والخبرة بِهِ مِنْهُنَّ. وَقَوله: " اتركها حَتَّى تماثل " قد ذكرنَا فِي مُسْند عمر جَوَاز إِقَامَة الْحَد على الْمَرِيض، فَيحمل تَأْخِيره عَن هَذَا لأجل الْوَلَد. 138 - / 154 - الحَدِيث الْعَاشِر: جعل رَسُول الله ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن للْمُسَافِر، وَيَوْما وَلَيْلَة للمقيم. هَذَا الحَدِيث يدل على جَوَاز الْمسْح فِي الْحَضَر وَالسّفر، وَقَالَ مَالك فِي رِوَايَة لَهُ: لَا يجوز فِي الْحَضَر. وَقَالَت الإمامية وَابْن دَاوُد: لَا يجوز الْمسْح بِحَال. وَقد دلّ الحَدِيث على التَّوْقِيت، وَقَالَ الشَّافِعِي فِي " الْقَدِيم ": لَا يتوقت، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِم. 139 - / 155 - الحَدِيث الْحَادِي عشر: نهاني عَن لبس القسي، الحديث: 138 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وَعَن جُلُوس على المياثر. قد سبق فِي هَذَا الْمسند تَفْسِير القسي. والمياثر جمع ميثرة. وَقَالَ أَبُو عبيد: الميثرة كَانَت من مراكب الْعَجم، أحسبها من حَرِير أَو ديباج، فجَاء النَّهْي عَنْهَا لذَلِك. وَقَالَ غَيره: الميثرة: جُلُود السبَاع. فعلى هَذَا يكون النَّهْي لنجاسة الْجُلُود، وَالسِّبَاع عندنَا نَجِسَة فِي حَال حَيَاتهَا، فَإِن دبغت جلودها بعد الْمَوْت لم يتَغَيَّر حكم النَّجَاسَة، لِأَن غَايَة الدّباغ أَن يرد الْجلد إِلَى حَالَته فِي الْحَيَاة. وَعند الشَّافِعِي: يطهر بالدباغ كل جلد إِلَّا جلد الْكَلْب وَالْخِنْزِير. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِلَّا جلد الْخِنْزِير، وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَدَاوُد: يطهر الْكل. فَأَما إِذا ذبح مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه فَإنَّا لَا نحكم بِطَهَارَة جلده بذَبْحه، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَعند أبي حنيفَة يحكم بِطَهَارَة جلده؛ لِأَن الذّبْح عِنْده يمْنَع النَّجَاسَة الْحَاصِلَة بِالْمَوْتِ، فَيبقى الحكم بِالطَّهَارَةِ، وَعِنْدنَا أَن هَذَا الْحَيَوَان نجس الْعين، فَلَا ينفع الذّبْح. 140 - / 156 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: قل: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْهدى والسداد، وَاذْكُر بِالْهدى هدايتك الطَّرِيق، والسداد سداد السهْم. الحديث: 140 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 قَالَ اللغويون: أصل الْهدى فِي اللُّغَة التَّوْفِيق. والسداد بِفَتْح السِّين: إِصَابَة الْمَقْصد، وبكسرها اسْم لكل شَيْء سددت بِهِ خللا، وَمِنْه قَوْلهم: سداد من عوز، وأنشدوا: (أضاعوني وَأي فَتى أضاعوا ... ليَوْم كريهة وسداد ثغر) وَقَوله: وَاذْكُر بِالْهدى هدايتك الطَّرِيق. الْمَعْنى أَن سالك الطَّرِيق إِنَّمَا يؤم سمت الطَّرِيق وَلَا يُفَارق الجادة. فَالْمُرَاد: اخطر بقلبك هِدَايَة الطَّرِيق، وسل الله الْهدى والاستقامة كَمَا تتحراه فِي هِدَايَة الطَّرِيق، وَكَذَلِكَ الرَّامِي يسدد نَحْو الْغَرَض، فاخطر هَذَا الْمَعْنى بقلبك حِين تسْأَل الله السداد ليَكُون مَا تنويه من ذَلِك على شاكلة مَا تستعمله من الرَّمْي. 141 - / 157 - الحَدِيث الثَّالِث عشر: رَأَيْت رَسُول الله قَامَ فقمنا، وَقعد فَقَعَدْنَا. يَعْنِي فِي الْجِنَازَة. لما قعد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الْقيام نسخ الْقيام وَبَطل حكمه. 142 - / 158 - الحَدِيث الرَّابِع عشر: عَن أبي الْهياج قَالَ: قَالَ لي عَليّ رَضِي الله عَنهُ: أَلا أَبْعَثك على مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُول الله؟ أَلا تدع تمثالا إِلَّا طمسته، وَلَا قبرا مشرفا إِلَّا سويته. التمثال: الصُّورَة. وطمسها: محوها. الحديث: 141 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 والمشرف: العالي. وعَلى هَذَا يكره تعلية الْقَبْر: فَأَما التسنيم فَهُوَ السّنة عندنَا، وَعند الشَّافِعِي السّنة تسطيح الْقُبُور. 143 - / 159 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: عَن حضين بن الْمُنْذر قَالَ: شهِدت عُثْمَان أَتَى بالوليد، فَشهد عَلَيْهِ رجلَانِ أَحدهمَا: حمْرَان أَنه شرب الْخمر، وَشهد أَحدهمَا أَنه رَآهُ يتقيأ. أما حضين فَهُوَ بالضاد الْمُعْجَمَة، وَلَيْسَ لاسمه أَخ. وَقد فسرنا هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند عُثْمَان، وَذكرنَا أَن قَول عُثْمَان: إِنَّه لم يتقيأ حَتَّى شربهَا مَحْمُول على أَنهم تيقنوا من الْقَيْء ريح الْمُسكر. وَقد رُوِيَ عَن أَحْمد أَنه إِذا وجد مِنْهُ ريح الْمُسكر حد. قَالَ أَبُو بكر من أَصْحَابنَا: وَهَذَا مَحْمُول على أَنه إِذا تحقق أَنه مُسكر فَأَما إِذا كَانَت الرَّائِحَة تحْتَمل أَن تكون من مُسكر، وَأَن تكون من غير مُسكر فَلَا. وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى المنصورة أَنه إِذا وجد سكرانا أَو تقيأ خمرًا، أَو وجد رِيحهَا مِنْهُ فَلَا حد عَلَيْهِ إِلَّا أَن يقر أَو تقوم الْبَيِّنَة. وَقَول الْحسن: ول حارها من تولى قارها. وَهَذَا مثل مَعْنَاهُ: ول الْعقُوبَة وَالضَّرْب من توليه الْعَمَل والنفع. والقار: الْبَارِد. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: مَعْنَاهُ: ول شديدها من تولى هينها. الحديث: 143 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 كشف الْمُشكل من مُسْند أبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أسلم قَدِيما، وَهَاجَر الهجرتين، وَلم يفته مَعَ رَسُول الله مشْهد، وَثَبت مَعَ رَسُول الله يَوْم أحد، وَصلى رَسُول الله خَلفه، كَانَ قد ذهب فِي غَزْوَة تَبُوك للطَّهَارَة، فجَاء وَعبد الرَّحْمَن قد صلى بهم رَكْعَة، فصلى مَعَه وَأتم الَّذِي فَاتَهُ، وَقَالَ: " مَا قبض نَبِي حَتَّى يُصَلِّي خلف رجل صَالح من أمته ". وروى عَن رَسُول الله خَمْسَة وَسِتِّينَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سَبْعَة أَحَادِيث. 144 - / 160 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: أَن عمر خرج إِلَى الشَّام، حَتَّى إِذا كَانَ بسرغ لقِيه أُمَرَاء الأجناد فأخبروه أَن الوباء قد وَقع بِالشَّام. سرغ: مَوضِع. الحديث: 144 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وَأما أُمَرَاء الأجناد فَقَالَ أَبُو الْحسن الْهنائِي اللّغَوِيّ: الشَّام خَمْسَة أجناد؛ الْأُرْدُن، وحمص، ودمشق، وفلسطين، وقنسرين. وَأما مُشَاورَة عمر فَإِنَّهُ لما رأى أَن الله تَعَالَى قد أَمر نبيه بالمشاورة اقْتدى بذلك، ثمَّ عمل بقول من وَافق رَأْيه. والفرار من الْمخوف مَشْرُوع، وَكَذَلِكَ الِاحْتِرَاز مِنْهُ، قَالَ عز وَجل: {خُذُوا حذركُمْ} [النِّسَاء: 71] . وَقد مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحائط مائل فأسرع، وَاسْتعْمل الدَّوَاء، وَلبس الدرْع. فَهَذِهِ الْأَشْيَاء مَوْضُوعَة على قانون الْحِكْمَة، فَلَيْسَ لقَائِل أَن يعْتَمد على الْقدر ويعرض عَن الْأَسْبَاب، فَإِن الرزق مُقَدّر، وَالْكَسْب مَشْرُوع، والوباء عِنْد المتطببين أَنه يعرض للهواء فيفسده. وَفِي قَوْله: لَو غَيْرك قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَة، قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن الْمَعْنى لعاقبته. وَالثَّانِي: أَن يكون الْمَعْنى: هلا تركت هَذِه الْكَلِمَة لمن قل فقهه. وعدوة الْوَادي: جَانِبه، وفيهَا لُغَتَانِ: ضم الْعين وَكسرهَا، وَالْجمع عدى وعدى. والجدب ضد الخصب. وَقَوله: " إِذا سَمِعْتُمْ بِهِ " يَعْنِي الطَّاعُون. وَفِي قَوْله: " لَا تقدمُوا عَلَيْهِ " إِثْبَات الحذر، والنهى عَن التَّعَرُّض للتلف، فَهُوَ تَأْدِيب وَتَعْلِيم. وَفِي قَوْله: " فَلَا تخْرجُوا " إِثْبَات التَّوَكُّل وَالتَّسْلِيم لأمر الله تَعَالَى وقضائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 فَإِن قيل: فهذان ضدان، كَيفَ يَأْمر بالحذر ثمَّ ينْهَى عَنهُ؟ فَالْجَوَاب: أَنه لما لم يُؤمن على القادم على الطَّاعُون أَن يظنّ إِذا أَصَابَهُ أَن ذَلِك على سَبِيل الْعَدْوى الَّتِي لَا صنع للقدر فِيهَا نهى عَن ذَلِك، وَلما ظن الْخَارِج عَنهُ أَن خُرُوجه يدْفع الْقدر نهى عَن ذَلِك، فكلا الْأَمريْنِ يُرَاد لإِثْبَات الْقدر، وَترك التَّعَرُّض بِمَا يزلزل الْبَاطِن. وَقَالَ بعض الْعلمَاء: إِنَّمَا نهى إِذا وَقع الطَّاعُون فِي بلد أَن يخرج مِنْهُ لِأَنَّهُ إِذا خرج الأصحاء هلك المرضى، لِأَنَّهُ لَا يبْقى من يقوم بأمرهم، فخروجهم لَا يقطع بنجاتهم، وَهُوَ قَاطع بِهَلَاك البَاقِينَ، والمسلمون كالبنيان يشد بعضه بَعْضًا. 145 - / 161 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: إِنَّنِي لواقف فِي الصَّفّ يَوْم بدر، فَنَظَرت فَإِذا أَنا بغلامين حَدِيثَة أسنانهما، فتمنيت أَن أكون بَين أضلع مِنْهُمَا. أضلع مِنْهَا: أَي أقوى، والضلاعة: الْقُوَّة. والسواد: الشَّخْص. والغلامان معَاذ بن عَمْرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء، وهما من بني الْخَزْرَج، وَقد شَهدا الْعقبَة، وهما ضربا أَبَا جهل. وَقَول رَسُول الله: " كلاكما قَتله " ثمَّ قضى بسلبه لِمعَاذ، وَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام رأى على سيف معَاذ مَا يدل على أَن إِضَافَة الْقَتْل إِلَيْهِ أولى. وَابْن عفراء مَنْسُوب إِلَى أمه، وَاسم أَبِيه الْحَارِث بن رِفَاعَة. وَهَذِه الْمَرْأَة الَّتِي اسْمهَا عفراء من بني النجار أسلمت وبايعت، وَلَيْسَ فِي الحديث: 145 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 الصحابيات من شهد لَهَا سَبْعَة بَنِينَ بَدْرًا إِلَّا هِيَ، فَإِنَّهَا كَانَت عِنْد الْحَارِث بن رِفَاعَة، فَولدت لَهُ معَاذًا ومعوذا، ثمَّ طَلقهَا فَتَزَوجهَا بكير ابْن عبد ياليل، فَولدت لَهُ خَالِدا وإياسا وعاقلا وعامرا، ثمَّ رَاجعهَا الْحَارِث فَولدت لَهُ عوفا، فَشَهِدُوا كلهم بَدْرًا، وَاسْتشْهدَ معَاذ ومعوذ وعاقل ببدر، وخَالِد يَوْم الرجيع، وعامر يَوْم بِئْر مَعُونَة، وَإيَاس يَوْم الْيَمَامَة. والبقية مِنْهُم لعوف. 146 - / 162 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: كاتبت أُميَّة بن خلف أَن يحفظني فِي صاغيتي بِمَكَّة وأحفظه فِي صاغيته بِالْمَدِينَةِ. صاغية الرجل: أَهله وحاشيته وكل من يصغى إِلَيْهِ: أَي يمِيل، وَمِنْه قَوْلهم: أصغيت إِلَى فلَان: أَي ملت بسمعي، وَيُقَال: صغوك مَعَ فلَان: أَي ميلك مَعَه. خرجت لأحرزه: أَي لأحوطه وأحفظه من الْقَتْل، وَسمي الْحِرْز حرْزا لحفظه. 147 - / 163 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: لما قدمنَا الْمَدِينَة آخى رَسُول الله بيني وَبَين سعد بن الرّبيع. سعد بن الرّبيع من نقباء الْأَنْصَار، شهد بَدْرًا وأحدا، وَقَالَ النَّبِي الحديث: 146 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد: " من يأتيني بِخَبَر سعد بن الرّبيع؟ " فَقَالَ رجل: أَنا فَذهب يطوف بَين الْقَتْلَى، فَقَالَ لَهُ سعد بن الرّبيع: مَا شَأْنك؟ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لآتيه بخبرك. قَالَ: فَاذْهَبْ وَأقرهُ مني السَّلَام، وَأخْبرهُ أَنِّي قد طعنت اثْنَتَيْ عشرَة طعنة، وَأَنه قد أنفذت مقاتلي، وَأخْبر قَوْمك أَنهم لَا عذر لَهُم عِنْد الله إِن قتل رَسُول الله وَوَاحِد مِنْهُم حَيّ، وَمَات من جراحته تِلْكَ. وَهَذِه المؤاخاة كَانَت فِي أول سنة من سني الْهِجْرَة، وعامتها بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وَلها سببان: أَحدهمَا: أَنه أجراهم على مَا كَانُوا ألفوا فِي الْجَاهِلِيَّة من الْحلف، فَإِنَّهُم كَانُوا يتوارثون بِالْحلف، فنفاه وَأثبت من جنسه المؤاخاة، لِأَن الْإِنْسَان إِذا فطم عَمَّا يألفه علل بِجِنْسِهِ. وَالثَّانِي: أَن الْمُهَاجِرين قدمُوا مُحْتَاجين إِلَى المَال والمنازل، فنزلوا على الْأَنْصَار، فأكد هَذِه المخالطة بالمؤاخاة، وَلم يكن بعد غزَاة بدر مؤاخاة، لِأَن الْغَنَائِم وَقعت بِالْقِتَالِ، فاستغنى الْمُهَاجِرُونَ بِمَا كسبوا. وَقد أحصيت عدد الَّذين آخى بَينهم فِي كتابي الْمُسَمّى بالتلقيح، فَكَانُوا مائَة وَسِتَّة وَثَمَانِينَ رجلا. وَقَوله: " فكم سقت؟ " أَي كم أَعْطَيْت؟ وَكَانَ عَادَتهم سوق الْإِبِل إِلَى الْمَرْأَة فِي الْمهْر. والنواة فِي الموزونات خَمْسَة دَرَاهِم، هَكَذَا ذكر أَبُو عبيد. وَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: ذَهَبا كَانَ أَو فضَّة. وَقد دلّ هَذَا على جَوَاز النِّكَاح بِدُونِ عشرَة دَرَاهِم، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُنكر عَلَيْهِ مَا صنع. وَعِنْدنَا أَنه لَيْسَ لأَقل الصَدَاق حد، وكل مَا جَازَ أَن يكون ثمنا جَازَ أَن يكون صَدَاقا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَدَاوُد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يقدر بِمَا يقطع بِهِ السَّارِق، فَعِنْدَ أبي حنيفَة يقطع فِي عشرَة دَرَاهِم، وَعند مَالك فِي ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو ربع دِينَار. والوليمة: الطَّعَام عِنْد الْعرس، وَهِي عندنَا مُسْتَحبَّة، وَعَن الشَّافِعِي أَنَّهَا وَاجِبَة. 148 - / 166 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: جَاءَ كتاب عمر: اقْتُلُوا كل سَاحر وساحرة، وَفرقُوا بَين كل ذِي محرم من الْمَجُوس، وانههم عَن الزمزمة. عندنَا أَن السَّاحر كَافِر، وَأَنه يقتل وَلَا تقبل تَوْبَته. وَعَن أَحْمد تقبل تَوْبَته كالمرتد. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يكفر بذلك، فَإِن قتل بِالسحرِ قتل قصاصا. فَأَما الْمَرْأَة فَحكمهَا عندنَا حكم الرجل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يحبس وَلَا يقتل. فَأَما إِذا كَانَ الرجل ذِمِّيا فعندنا أَنه لَا يقتل، لأَنا نقْتل الْمُسلم لقَوْله واعتقاده فِي السحر مَا يخرج بِهِ عَن الْإِسْلَام، وَالذِّمِّيّ مقرّ على مثل ذَلِك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقتل. الحديث: 148 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وَقَوله: فرقوا بَين كل ذِي محرم من الْمَجُوس. فِي هَذَا وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يكون هَذَا قبل أَخذه مِنْهُم الْجِزْيَة، لِأَنَّهُ لم يَأْخُذهَا مِنْهُم حَتَّى شهد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن رَسُول الله أَخذهَا من مجوس هجر. وَالثَّانِي: أَن يكون المُرَاد مَنعهم من إِظْهَار هَذَا ليستتروا بِهِ كَمَا تستتر النَّصَارَى بصلبانهم. والزمزمة: الصَّوْت، وَكَانُوا يزمزمون عِنْد الْأكل، وَإِنَّمَا نهوا عَنْهَا لِأَنَّهَا رُبمَا تَضَمَّنت الْكفْر أَو عيب ديننَا. وَفِي هَذَا الحَدِيث: وألقوا وقر بغل أَو بغلين: أَي مِمَّا اختانوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 كشف الْمُشكل من مُسْند طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ أسلم قَدِيما، وَشهد الْمشَاهد كلهَا مَا خلا بَدْرًا؛ فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه وَسَعِيد بن زيد يتجسسان خبر عير قُرَيْش، ففاتهما بدر، فَضرب لَهما بأجرهما وسهامهما، فَكَانَا كمن شَهِدَهَا، وَسَماهُ رَسُول الله يَوْمئِذٍ: طَلْحَة الْخَيْر، وَيَوْم غَزْوَة ذَات الْعَشِيرَة: طَلْحَة الْفَيَّاض، وَيَوْم حنين: طَلْحَة الْجُود. وروى عَن رَسُول الله ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سَبْعَة. 149 - / 167 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: جَاءَ رجل من نجد ثَائِر الرَّأْس، يسمع دوِي صَوته وَلَا يفقه مَا يَقُول. ثَائِر الرَّأْس: يَعْنِي أَن شعره متفرق لقلَّة الرَّفَاهِيَة. والدوي: صَوت رفيع متكدر لَا يكَاد يفهم مِنْهُ شَيْء. الحديث: 149 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وَقَوله: لَا أَزِيد وَلَا أنقص، يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: لَا أَزِيد فِي الْفَرَائِض وَلَا أنقص مِنْهَا كَمَا فعلت الْيَهُود وَالنَّصَارَى. وَالثَّانِي: أَن أكتفي بِمَا دون النَّوَافِل. 150 - / 170 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي من أَفْرَاد البُخَارِيّ: رَأَيْت يَد طَلْحَة شلاء وقى بهَا رَسُول الله يَوْم أحد. الشلل: فَسَاد يلْحق الْيَد فيرخيها. وَكَانَ رَسُول الله حِين تفرق النَّاس يَوْم أحد يَرْمِي بِالْقَوْسِ حَتَّى صَارَت شظايا، وَثَبت مَعَه عِصَابَة من الصَّحَابَة، فأصيبت يَوْمئِذٍ رباعيته، وكلم فِي وجنتيه، وعلاه ابْن قميئة بِالسَّيْفِ فاتقاه طَلْحَة بِيَدِهِ، فشلت يَده، وَقيل: إِنَّمَا شلت إصبعان من يَده. 151 - / 171 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: كُنَّا مَعَ طَلْحَة وَنحن حرم، فأهدي لنا طير وَطَلْحَة رَاقِد، فمنا من أكل وَمنا من تورع فَلم يَأْكُل، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَة وفْق من أكله وَقَالَ: أكلناه مَعَ رَسُول الله. الْحرم: المحرمون. الحديث: 150 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وَالطير جمع طَائِر. وتورع: امْتنع مِمَّا يشك فِيهِ. وَمعنى وفْق: صوب. والْحَدِيث مَحْمُول على أَنه أهدي لَهُم مَا لم يصطد لأجلهم. وَعِنْدنَا أَنه يحرم على الْمحرم أكل مَا صيد لأَجله خلافًا لأبي حنيفَة، فَإِن أكل مِنْهُ فَعَلَيهِ الضَّمَان خلافًا لأحد قولي الشَّافِعِي. 152 - / 172 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: إِذا وضع أحدكُم بَين يَدَيْهِ مثل مؤخرة الرحل فَليصل. مؤخرة الرحل: آخِره، وَهِي خَشَبَة لَطِيفَة قَائِمَة، وَالْمرَاد بذلك أَن يُصَلِّي إِلَى ستْرَة، وَلَا يضرّهُ من جَازَ خلفهَا. 153 - / 173 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: مَرَرْت مَعَ رَسُول الله بِقوم على رُؤُوس النّخل، فَقَالَ: " مَا يصنع هَؤُلَاءِ؟ " فَقَالُوا: يلقحونه. التلقيح: ترك شَيْء من النَّخْلَة الذّكر فِي النَّخْلَة الْأُنْثَى. وَقَوله: " مَا أَظن ذَلِك يُغني شَيْئا " إِعْرَاض مِنْهُ عَن الْأَسْبَاب، ثمَّ تفكر فِي تَأْثِير الْأَسْبَاب فَقَالَ: " إِن كَانَ يَنْفَعهُمْ ذَلِك فليصنعوه ". الحديث: 152 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 كشف الْمُشكل من مُسْند الزبير بن الْعَوام وَأمه صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب عمَّة رَسُول الله. أسلم قَدِيما وَهُوَ ابْن سِتّ عشرَة سنة، فَعَذَّبَهُ عَمه ليرْجع عَن دينه فَلم يفعل، وَهَاجَر الهجرتين وَلم يتَخَلَّف عَن مشْهد شهده رَسُول الله، وَهُوَ أول من سل سَيْفا فِي سَبِيل الله، وَكَانَ يَوْم بدر على الميمنة وَعَلِيهِ ريطه صفراء قد اعتجز بهَا، فَنزلت الْمَلَائِكَة على سيماه، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أول حربها، فَنزلت على سِيمَا أول محَارب. روى عَن رَسُول الله ثَمَانِيَة وَثَلَاثِينَ حَدِيثا مثل طَلْحَة، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ تِسْعَة. 154 - / 174 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: أَن رجلا خَاصم الزبير عِنْد رَسُول الله فِي شراج الْحرَّة، فَقَالَ النَّبِي: " اسْقِ يَا زبير، ثمَّ أرسل المَاء إِلَى جَارك " فَغَضب الْأنْصَارِيّ ثمَّ قَالَ: يَا رَسُول الله، أَن كَانَ ابْن عَمَّتك. فَتَلَوَّنَ وَجه رَسُول الله، ثمَّ قَالَ للزبير: " اسْقِ يَا زبير، ثمَّ احْبِسْ المَاء حَتَّى يرجع إِلَى الْجدر " وَفِي لفظ: الحديث: 154 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 فَلَمَّا أحفظ الْأنْصَارِيّ رَسُول الله استوعى للزبير حَقه فِي صَرِيح الحكم، فَلَا أَحسب هَذِه الْآيَة نزلت إِلَّا فِي هَذَا: {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم} [النِّسَاء: 65] . قَالَ أَبُو عبيد: الشراج: مجاري المَاء من الْحرار إِلَى السهل، وَاحِدهَا شرج. والحرة: الأَرْض الَّتِي قد ألبست حِجَارَة سَوْدَاء، وَكَانَ واديان من أَوديَة الْمَدِينَة يسيلان بالمطر فيتنافس أهل الحوائط فِي سيلهما، فَقضى بِهِ رَسُول الله للأعلى فالأعلى، وَالْأَقْرَب فَالْأَقْرَب. وَقَوله: أَن كَانَ ابْن عَمَّتك، الْألف فِي أَن مَفْتُوحَة، وَالْمعْنَى: تقضي لَهُ لكَونه ابْن عَمَّتك، وَمثله قَوْله تَعَالَى: {أَن كَانَ ذَا مَال وبنين} [الْقَلَم: 14] الْمَعْنى: لِأَن كَانَ ذَا مَال تُطِيعهُ. والجدر: الْجِدَار. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: وَقد رَوَاهُ بَعضهم الجذر بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، يُرِيد بِهِ مبلغ تَمام الشّرْب، من جذر الْحساب، وَالْأول أصح. وأحفظ: أغضب. وصريح الحكم: ظَاهره. واستوعى: استوفى لَهُ الْحق، وَهُوَ مَأْخُوذ من الْوِعَاء، كَأَنَّهُ جمعه فِي وعائه. وَشَجر مَا بَين الْقَوْم: اخْتلفُوا، واشتجروا: تنازعوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 155 - / 175 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كنت يَوْم الْأَحْزَاب مَعَ النِّسَاء فِي أَطَم حسان. الأطم بِضَم الْألف: بِنَاء من حِجَارَة مَرْفُوع كالقصر والحصن. وَقَالَ أَبُو عبيد: الأطم: الْحصن، وَجمعه آطام، وَمثله الأجم وَجمعه آجام، وَهِي لُغَة حجازية. 156 - / 176 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: أَن الزبير قتل وَترك أَرضين من الغابة، وَأَنه خلف خمسين ألف ألف ومائتي ألف. الغابة: اسْم مَوضِع. وَترك هَذِه الْأَمْوَال دَلِيل على أَنه لَا يكره جمع الْأَمْوَال من حَلَال، وَأَن يخلفها الْإِنْسَان لِعِيَالِهِ، خلافًا لجهلة المتزهدين. 157 - / 177 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار ". أصل التبوء من مباءة الْإِبِل: وَهِي أعطانها، يُقَال: تبوأ لنَفسِهِ مَكَانا: إِذا اتَّخذهُ. وَظَاهر اللَّفْظ الْأَمر وَمَعْنَاهُ الْخَبَر، وَقد يكون ظَاهر اللَّفْظ الْخَبَر وَمَعْنَاهُ الْأَمر كَقَوْلِه: (والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ الحديث: 155 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 بِأَنْفُسِهِنَّ} [الْبَقَرَة: 228] {والوالدات يرضعن} [الْبَقَرَة: 233] . وَمَعْلُوم أَن الزبير مَا خَافَ تعمد الْكَذِب، إِنَّمَا خَافَ الزلل. 158 - / 179 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: لقِيت يَوْم بدر عُبَيْدَة - وَيُقَال عَبدة - بن سعيد بن الْعَاصِ وَهُوَ مدجج لَا ترى مِنْهُ إِلَّا عَيناهُ، وَكَانَ يكنى أَبَا ذَات الكرش، فَقَالَ: أَنا أَبُو ذَات الكرش، فَحملت عَلَيْهِ بالعنزة، فطعنته فِي عينه فَمَاتَ، وَلَقَد وضعت رجْلي عَلَيْهِ، ثمَّ تمطيت فَكَانَ الْجهد أَن نزعتها وَقد انثنى طرفها. المدجج: المغطى بِالسِّلَاحِ. والعنزة: الحربة. وتمطيت: أَي تمددت، وَهُوَ مَأْخُوذ من المطا وَهُوَ الظّهْر، فالمتمطي يمد ظَهره. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: أصل يتمطى يتمطط، فقلبت الطَّاء فِيهِ يَاء، كَمَا قَالُوا يتظنى وَالْأَصْل يتظنن، وَمِنْه المشية الْمُطَيْطَاء، وأصل الطَّاء فِي هَذَا كُله دَال يُقَال: مططت ومددت بِمَعْنى. قَوْله: وَكَانَ الْجهد أَن نزعتها - يَعْنِي الحربة. والجهد بِالْفَتْح: الْمَشَقَّة. والجهد بِالضَّمِّ: الطَّاقَة، وَبَعْضهمْ يَقُول لُغَتَانِ بِمَعْنى. 159 - / 180 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: قَالُوا للزبير يَوْم اليرموك: أَلا تشد فنشد مَعَك. قَالَ: إِنِّي إِن شددت كَذبْتُمْ. اليرموك: وقْعَة كَانَت فِي خلَافَة عمر. الحديث: 158 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 وَمعنى قَوْله: كَذبْتُمْ: أَي حملتم ثمَّ عدتم. يُقَال: كذب الرجل فِي الْقِتَال، وَهَلل وعرد: إِذا حمل ثمَّ رَجَعَ. 160 - / 181 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: ضربت للمهاجرين يَوْم بدر بِمِائَة سهم. أَي عَنْهُم. 161 - / 182 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: كَانَ سيف الزبير محلى بِفِضَّة. اعْلَم أَن الْيَسِير من الْفضة إِذا كَانَ قَائِما مقَام مَا لَا غناء لَهُ عَنهُ من الصفر والنحاس وَغَيره جَازَ، كقبيعة السَّيْف، وشعيرة السكين، وتشعيب قدح، وَإِن لم يكن إِلَى ذَلِك اليسيرحاجة كالحلقة فِي الْإِنَاء لم يجز، فَإِن كَانَ كثيرا حرم على كل حَال. وَقَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِي: إِن كَانَ يَسِيرا يحْتَاج إِلَيْهِ كإصلاح مَوضِع كسر فَهُوَ مُبَاح، فَأَما إِذا لم يحْتَج إِلَيْهِ فَمنهمْ من أَبَاحَهُ وَمِنْهُم من كرهه. وَأما إِذا كَانَ كثيرا: فَإِن احْتِيجَ إِلَيْهِ فَهُوَ مَكْرُوه عِنْدهم، وَإِن لم يحْتَج إِلَيْهِ فَحَرَام. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَدَاوُد: لَا يكره ذَلِك، كثيرا كَانَ أَو يَسِيرا. الحديث: 160 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 كشف الْمُشكل من مُسْند سعد بن أبي وَقاص واسْمه مَالك بن وهيب، أسلم قَدِيما، وَقَالَ: كنت ثَالِثا فِي الْإِسْلَام وَأَنا أول من رمى بِسَهْم فِي سَبِيل الله، وَلم يفته مشْهد مَعَ رَسُول الله. وروى عَنهُ مِائَتي حَدِيث وَسبعين حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَمَانِيَة وَثَلَاثُونَ. 162 - / 183 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: قَوْله: كنت أُصَلِّي بهم صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أخرم عَنْهَا، أُصَلِّي صَلَاتي الْعشي، فأركد فِي الأولتين، وأخف فِي الأخرتين. قَوْله: لَا أخرم: أَي لَا أترك وَلَا أنقص. وصلاتا الْعشي الظّهْر وَالْعصر؛ لِأَن الفدو من أول النَّهَار إِلَى وَقت الزَّوَال، والعشي من عِنْد الزَّوَال إِلَى الْمغرب. وأركد: أثبت وأسكن. يُقَال: مَاء راكد: أَي وَاقِف. والركعتان الأوليان هما الأَصْل فِي الصَّلَاة، فَلهَذَا تطول. الحديث: 162 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 163 - / 184 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أعْطى رَسُول الله رهطا وَأَنا جَالس، فَترك مِنْهُم رجلا هُوَ أعجبهم إِلَيّ، فَقُمْت فَقلت: مَالك عَن فلَان؟ وَالله إِنِّي لأراه مُؤمنا. فَقَالَ رَسُول الله: " أَو مُسلما " ثمَّ قَالَ: " إِنِّي لأعطي الرجل وَغَيره أحب إِلَيّ مِنْهُ خشيَة أَن يكب فِي النَّار على وَجهه ". الرَّهْط: جمَاعَة دون الْعشْرَة. وَقَوله: مَالك عَن فلَان؟ : أَي مَالك أَعرَضت عَنهُ فَلم تعطه. وَهَذَا الحَدِيث صَرِيح فِي الْفرق بَين الْإِسْلَام وَالْإِيمَان، وَذَلِكَ أَن الْإِسْلَام الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ، وَالْإِيمَان الِاعْتِقَاد بِالْقَلْبِ. وَقَوله: " أعطي الرجل وَغَيره أحب إِلَيّ خشيَة أَن يكب فِي النَّار " كَأَنَّهُ إِشَارَة إِلَى الْمُؤَلّفَة، أَو إِلَى من إِذا منع نسب الرَّسُول إِلَى الْبُخْل، فَاسْتحقَّ بِهَذِهِ النِّسْبَة النَّار. 164 - / 185 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: جَاءَنِي رَسُول الله يعودنِي، فَقلت: أَتصدق بِثُلثي مَالِي؟ قَالَ: " لَا " قلت: فَالشَّطْر؟ قَالَ " لَا ". الشّطْر: النّصْف. وَقَوله: " إِنَّك أَن تذر وَرثتك " سمعناه من رُوَاة الحَدِيث بِكَسْر " إِن " وَقَالَ لنا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد النَّحْوِيّ: إِنَّمَا هُوَ بِفَتْح الْألف وَلَا يجوز الْكسر؛ لِأَنَّهُ لَا جَوَاب لَهُ. وَمثله قَوْله تَعَالَى: الحديث: 163 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 {وَأَن تَصُومُوا خير لكم} [الْبَقَرَة: 184] . والعالة: الْفُقَرَاء، جمع عائل وَهُوَ الْفَقِير. وَمعنى يَتَكَفَّفُونَ: يمدون الأكف سائلين. يُقَال: تكفف واستكف: إِذا مد كَفه سَائِلًا. وَفِي هَذَا اسْتِحْبَاب تخليف المَال للْوَرَثَة. وَقَوله: " تبتغي بهَا وَجه الله " يَعْنِي الْإِخْلَاص، فعلق الْأجر بالإخلاص. وَقَوله: " وَلَكِن البائس سعد بن خَوْلَة " البائس: ذُو الْبُؤْس. فعده من جملَة الْمَسَاكِين والفقراء لما فَاتَهُ من الْفضل لَو مَاتَ فِي غير مَكَّة، وَذَلِكَ أَن الْمُهَاجِرين هجروا مَكَّة فِي الله عز وَجل فكرهوا أَن تكون حياتهم ومماتهم فِي مَكَان هجروه لله عز وَجل، فَيكون ذَلِك كالعود فِيمَا تركُوا. فَأَما ابْن خَوْلَة فَإِن الْجَمَاعَة يَقُولُونَ: سعد بن خَوْلَة، سوى أبي معشر فَإِنَّهُ يَقُول: ابْن خولى. وَهُوَ مِمَّن شهد بَدْرًا. وَاتفقَ أَنه خرج إِلَى مَكَّة فَمَاتَ بهَا، وَكَانَ يكره لمن هَاجر من مَكَّة أَن يرجع إِلَى مَكَّة فيقيم بهَا أَكثر من انْقِضَاء نُسكه، ليبين أثر الْهِجْرَة. وَقَوله: أخلف بعد أَصْحَابِي؟ أَي يرحلون عني وَأبقى بِمَكَّة. وَفِي قَوْله: " اللَّهُمَّ اشف سَعْدا " دَلِيل على اسْتِحْبَاب الدُّعَاء للْمَرِيض بالعافية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وَقَوله: إِن نَفَقَتك على عِيَالك صَدَقَة يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون الْمَعْنى: يكْتب لَك بذلك أجر الصَّدَقَة. وَالثَّانِي: أَنه لما أَرَادَ أَن يتَصَدَّق بِمَالِه أخبرهُ أَن مَا يَنَالهُ من الْعِيَال فِيهِ أجر، كَمَا أَن فِي الصَّدَقَة أجرا. 165 - / 186 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أعظم الْمُسلمين فِي الْمُسلمين جرما من سَأَلَ عَن شَيْء لم يحرم على النَّاس فَحرم من أجل مَسْأَلته. هَذَا مَحْمُول على من سَأَلَ عَن الشَّيْء عنتا أَو عَبَثا فَعُوقِبَ لسوء قَصده بِتَحْرِيم مَا سَأَلَ عَنهُ، وَالتَّحْرِيم يعم. 166 - / 187 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: مَا سَمِعت رَسُول الله قَالَ لأحد يمشي على الأَرْض إِنَّه من أهل الْجنَّة إِلَّا لعبد الله بن سَلام، وَفِيه نزلت: {وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل على مثله} [الْأَحْقَاف: 10] قَالَ الرَّاوِي: لَا أَدْرِي قَالَ مَالك الْآيَة أَو فِي الحَدِيث. إِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يَقُول سعد هَذَا وَقد علم أَن رَسُول الله قد شهد لجَماعَة من الصَّحَابَة بِالْجنَّةِ وَسعد مِنْهُم؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون سعد لم يسمع ذَلِك، فَإِن حَدِيث الْعشْرَة أَنهم فِي الْجنَّة يرويهِ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَيَرْوِيه سعيد بن زيد. وَالثَّانِي: أَن يُشِير بذلك إِلَى غير الْعشْرَة، فَإِن أَمر الْعشْرَة مستفيض. الحديث: 165 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وَأما قَوْله: {وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل} فأنبأنا عبد الْوَهَّاب الْحَافِظ قَالَ: أخبرنَا جَعْفَر بن أَحْمد قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ الْحَافِظ قَالَ: ذكر الْآيَة من قَول أنس بن مَالك، رَوَاهُ عبد الله بن وهب عَن مَالك، وَالزِّيَادَة فِيهِ مبينَة مفصولة من الحَدِيث. وَأما الشَّاهِد فَهُوَ عبد الله بن سَلام. وَإِسْرَائِيل: يَعْقُوب، وَفِيه لُغَات: إِسْرَائِيل، وإسرائين، وإسرال. وَقَوله: {على مثله} الْمثل صلَة، وَالْمعْنَى: شهد على أَن هَذَا الْقُرْآن من عِنْد الله. 167 - / 188 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " من تصبح بِسبع تمرات عَجْوَة لم يضرّهُ ذَلِك الْيَوْم سم وَلَا سحر " وَفِي لفظ: " من عَجْوَة الْعَالِيَة " وَفِي لفظ " من أكل سبع تمرات مِمَّا بَين لابتيها ". معنى تصبح: أكلهن وَقت الصَّباح قبل أَن يَأْكُل شَيْئا. والعجوة: نوع من التَّمْر يكون بِالْمَدِينَةِ. والعالية: مَكَان قريب من الْمَدِينَة. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: وَكَونهَا عوذة من السم وَالسحر إِنَّمَا هُوَ من طَرِيق التَّبَرُّك لدَعْوَة من الرَّسُول سبقت فِيهَا، لَا لِأَن من طبع التَّمْر أَن يصنع شَيْئا من ذَلِك. وَقَوله: " مَا بَين لابتيها " قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: اللابة: الْحرَّة، وَهِي الحديث: 167 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 الأَرْض الَّتِي قد ألبستها حِجَارَة سود. وَجمع اللابة لابات، مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْر، فَإِذا كثرت فَهِيَ اللاب واللوب. وَمثله قارة وقور، وساحة وسوح. 168 - / 189 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: اسْتَأْذن عمر على النَّبِي وَعِنْده نسْوَة يسألنه ويستكثرنه. أَي يطلبن مِنْهُ الْكثير، وَإِنَّمَا علت أصواتهن لعلمهن بصفحه وحلمه. وَقَوله: " إيه " كلمة تقال عَن استزادة الحَدِيث. وإيها عِنْد الْأَمر بالكف. والفج وَاحِد الفجاج، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ المسالك. وَقَالَ الزّجاج: كل منخرق بَين جبلين فَهُوَ فج. 169 - / 190 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: خلف رَسُول الله عَليّ بن أبي طَالب فِي غَزْوَة تَبُوك، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أتخلفني فِي النِّسَاء وَالصبيان! فَقَالَ: " أما ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى، غير أَنه لَا نَبِي بعدِي ". لما شبهه فِي تخليفه إِيَّاه بهَارُون حِين خَلفه مُوسَى، خَافَ أَن يتَأَوَّل متأول فيدعي النُّبُوَّة لعَلي عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ: " غير أَنه لَا نَبِي بعدِي " الحديث: 168 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وَإِنَّمَا كَانَت خلَافَة هَارُون فِي وَقت خَاص فِي حَيَاة مُوسَى. 170 - / 191 - الحَدِيث التَّاسِع: عَن مُصعب بن سعد قَالَ: صليت إِلَى جنب أبي، فطبقت بَين كفي ثمَّ وَضَعتهَا بَين فَخذي، فنهاني عَن ذَلِك وَقَالَ: كُنَّا نَفْعل هَذَا فنهينا عَنهُ، وأمرنا أَن نضع أَيْدِينَا على الركب. كَانُوا يلصقون الرَّاحَة بالراحة ويضعونهما بَين الفخذين فَوق الركب، وَكَانَ ذَلِك يُسمى التطبيق، فنهوا عَن ذَلِك وَأمرُوا بِوَضْع الْكَفَّيْنِ على الركب، وَهُوَ أمكن للْمُصَلِّي. 171 - / 193 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: رد رَسُول الله على عُثْمَان ابْن مَظْعُون التبتل، وَلَو أذن لَهُ لاختصينا. أصل التبتل الِانْقِطَاع. يُقَال: بتلت الشَّيْء أبتله: إِذا أبنته عَن غَيره وَمِنْه: طلق الرجل زَوجته بتة بتلة. والمتبتل: الْمُنْقَطع إِلَى الله عز وَجل. وَالْمرَاد بِهِ هَاهُنَا الِانْقِطَاع عَن النِّسَاء وَترك النِّكَاح، وَمِنْه قيل لِمَرْيَم الْعَذْرَاء: البتول، لانقطاعها عَن التَّزْوِيج. وَإِنَّمَا نهى نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن التبتل ليكْثر الموحدون وَالْمُجَاهِدُونَ. والاختصاء: نزع الخصى. 172 - / 194 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: نثل رَسُول الله كِنَانَته. الحديث: 170 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 أَي أخرج مَا فِيهَا من النبل. قَوْله: وَكَانَ رجل قد أحرق الْمُسلمين: أَي بَالغ فِي أذاهم. قَوْله: فَضَحِك حَتَّى نظرت إِلَى نَوَاجِذه. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: قَالَ أَبُو زيد للْإنْسَان أَربع ثنايا وَأَرْبع رباعيات، الْوَاحِدَة ربَاعِية مُخَفّفَة. وَأَرْبَعَة أَنْيَاب، وَأَرْبَعَة ضواحك، واثنتا عشرَة رحى، ثَلَاث فِي كل شقّ، وَأَرْبَعَة نواجذ وَهِي أقصاها. وَقَالَ الْأَصْمَعِي مثل ذَلِك كُله، إِلَّا أَنه جعل الأرحاء ثمانيا: أَرْبعا من فَوق وأربعا من أَسْفَل. والناجذ: ضرس الْحلم، يُقَال: رجل منجذ: إِذا أحكم الْأُمُور، وَذَلِكَ مَأْخُوذ من الناجذ. والنواجذ للْإنْسَان بِمَنْزِلَة القارح من الْفرس: وَهِي الأنياب من ذَوَات الْخُف. وَقَالَ أَبُو بكر الْأَنْبَارِي: النواجذ: آخر الأضراس، وَاحِدهَا نجذ، وَلَا تبدو إِلَّا عِنْد الشَّديد من الضحك، وَفِي الْفَم اثْنَان وَثَلَاثُونَ سنا: ثنيتان من فَوق، وثنيتان من تَحت، ورباعيتان من فَوق، ورباعيتان من تَحت، ونابان من فَوق، ونابان من تَحت، وضاحكان من فَوق، وضاحكان من تَحت، وَثَلَاث أرحاء من فَوق، وَثَلَاث أرحاء من تَحت فِي الْجَانِب الْأَيْمن، وَفِي الْجَانِب الْأَيْسَر. وناجذان فِي الْجَانِب الْأَيْمن، وناجذان فِي الْجَانِب الْأَيْسَر. وَيُقَال لما بَين الثَّنية والأضراس: الْعَارِض، قَالَ جرير: (أَتَذكر يَوْم تصقل عارضيها ... 000000000) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وَقد رتبها بعض أهل اللُّغَة فَقَالَ: الثنايا أَربع: اثْنَتَانِ من فَوق، وَاثْنَتَانِ من تَحت، ثمَّ يليهن الرباعيتان: اثْنَتَانِ من فَوق، وَاثْنَتَانِ من تَحت، ثمَّ يليهن الأنياب وَهِي أَربع، ثمَّ يليهن الأضراس وَهِي عشرُون، من كل جَانب من الْفَم خَمْسَة من أَسْفَل وَخَمْسَة من فَوق، مِنْهَا الضواحك وَهِي أَرْبَعَة أضراس تلِي الأنياب، إِلَى جنب كل نَاب من أَسْفَل الْفَم وَأَعلاهُ ضَاحِك، ثمَّ بعد الضواحك الطواحن، وَيُقَال لَهَا الأرحاء، وَهِي اثْنَا عشر طاحنا من كل جَانب ثَلَاثَة، ثمَّ يَلِي الطواحن النواجذ، وَهِي آخر الْأَسْنَان، من كل جَانب من الْفَم وَاحِد من فَوق وَوَاحِد من أَسْفَل. 173 - / 196 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: كُنَّا نغزو مَعَ رَسُول الله مالنا طَعَام إِلَّا ورق الحبلة وَهَذَا السمر، حَتَّى إِن كَانَ أَحَدنَا ليضع كَمَا تضع الشَّاة، مَاله خلط، ثمَّ أَصبَحت بَنو أَسد تعزرني على الْإِسْلَام. الحبلة بِضَم الْحَاء وَسُكُون الْبَاء - كَذَلِك قَالَ أَبُو عبيد وَغَيره: وَهِي ثَمَر الْعضَاة، والعضاة: كل شجر من شجر الشوك كالطلح والعوسج. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: والحبلة أَيْضا: ضرب من الْحلِيّ يكون فِي القلائد، قَالَ النمر بن تولب: الحديث: 173 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 (وكل حليل عَلَيْهِ الرعاث ... والحبلات كذوب ملق) وَإِنَّمَا قيل لَهُ حبلة لِأَنَّهُ يصاغ على مِثَال ثَمَر الْعضَاة. والسمر: شجر الطلح. وَقَوله: مَاله خلط: أَي من اليبس وقشف الْعَيْش. وتعزرني: تؤدبني، وَمِنْه التَّعْزِير الَّذِي هُوَ التَّأْدِيب على التَّفْرِيط. وَالْمعْنَى: يعلمونني الصَّلَاة، ويعيرونني بِأَنِّي لَا أحْسنهَا. وَقَالَ أَبُو عمر الزَّاهِد: يعلمونني الْفِقْه. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ مدح هَذَا الرجل نَفسه وَمن شَأْن الْمُؤمن التَّوَاضُع؟ فَالْجَوَاب: أَنه إِذا اضْطر الْإِنْسَان إِلَى إِظْهَار فَضله حسن إِظْهَاره، كَمَا قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام: {إِنِّي حفيظ عليم} [يُوسُف: 55] فَهَذَا لما عيره الْجُهَّال اضْطر إِلَى ذكر فَضله. وَاعْلَم أَن المدحة إِذا خلت عَن الْبَغي والاستطالة على أهل الْحق، وَكَانَ مَقْصُود قَائِلهَا إِقَامَة حق أَو إبِْطَال جور أَو إِظْهَار نعْمَة، لم يلم. فَلَو أَن قَائِلا: إِنِّي لحافظ لكتاب الله، عَالم بتفسيره وبالفقه فِي الدّين، يقْصد بِهَذَا إِظْهَار الشُّكْر، أَو تَعْرِيف المتعلم مَا عِنْده ليستفيده، إِذْ لَو لم يبين ذَلِك لم يعلم مَا عِنْده فَلم يطْلب، لم يستقبح ذَلِك. وَلِهَذَا الْمَعْنى قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام: {إِنِّي حفيظ عليم} وَقَالَ نَبينَا عَلَيْهِ السَّلَام: " أَنا أكْرم ولد آدم على ربه ". وَقَالَ عمر حِين أعْطى السَّائِل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 قَمِيصه: وَالله لَا أملك غَيره. وَقَالَ عَليّ: سلوني عَن كتاب الله، فو الله مَا من آيَة إِلَّا وَأَنا أعلم: أبليل نزلت أم بنهار، أم فِي سهل نزلت أم فِي جبل. وَقَالَ ابْن مَسْعُود: وَالله مَا نزلت فِي الْقُرْآن سُورَة إِلَّا أَنا أعلم حَيْثُ أنزلت، وَلَو أعلم أحدا أعلم مني بِكِتَاب الله تبلغه الْإِبِل لأتيته، وَقَالَ الْحباب بن الْمُنْذر: أَنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب. وَقَالَ الْأَحْنَف بن قيس: مَا جلس إِلَيّ اثْنَان قطّ ثمَّ انصرفا من عِنْدِي فذكرتهما بِسوء. وَقَالَ سعيد بن جُبَير: قَرَأت الْقُرْآن فِي رَكْعَة فِي الْكَعْبَة. وَقَالَ مُورق الْعجلِيّ: مَا قلت فِي الْغَضَب شَيْئا قطّ فندمت عَلَيْهِ فِي الرِّضَا. وَقَالَ ثَابت الْبنانِيّ: مَا تركت سَارِيَة فِي الْجَامِع إِلَّا صليت عِنْدهَا وبكيت عِنْدهَا. وَقد كَانَت الْجَاهِلِيَّة تصف محاسنها لتبعث على الِاقْتِدَاء بهَا. قَالَ حَاتِم طَيء: وَالله مَا خاتلت جَارة لي قطّ، وَلَا ائتمنت على أَمَانَة إِلَّا أديتها، وَلَا أُتِي أحد قطّ من قبلي بِسوء، وَقَالَ: (وَلَا تشتكيني جارتي، غير أنني ... إِذا غَابَ عَنْهَا بَعْلهَا لَا أزورها) (سيبلغها خيري وَيرجع بَعْلهَا ... إِلَيْهَا، وَلم تقصر عَليّ ستورها) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وَقَالَ الآخر: (وَإِنَّا لقوم مَا نرى الْقَتْل سبة ... إِذا مَا رَأَتْهُ عَامر وسلول) (يقصر حب الْمَوْت آجالنا لنا ... وتكرهها آجالهم فتطول) (وَمَا مَاتَ منا ميت فِي فرَاشه ... وَلَا طل منا - حَيْثُ كَانَ - قَتِيل) (تسيل على حد الظبات نفوسنا ... وَلَيْسَت على غير الظبات تسيل) (وَإِن قصرت أسيافنا كَانَ وَصلهَا ... خطانا إِلَى أَعْدَائِنَا فتطول) (وإيامنا مَعْلُومَة فِي عدونا ... لَهَا غرر مَشْهُورَة وحجول) (وأسيافنا فِي كل شَرق ومغرب ... بهَا من قراع الدارعين فلول) (معودة أَلا تسل نصالها ... فتغمد حَتَّى يستباح قبيل) وَقَالَ الآخر: (أيا ابْنة عبد الله وَابْنَة مَالك ... وَيَا بنت ذِي البردين وَالْفرس الْورْد) (إِذا مَا صنعت الزَّاد فالتمسي لَهُ ... أكيلا، فَإِنِّي لست آكله وحدي) (وَكَيف يسيغ الْمَرْء زادا وجاره ... خَفِيف المعى بَادِي الْخَصَاصَة والجهد) (وَإِنِّي لعبد الضَّيْف مَا دَامَ ثاويا ... وَمَا فِي إِلَّا تِلْكَ من شِيمَة العَبْد) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 174 - / 197 - الحَدِيث الْخَامِس عشر: " لَا يكيد أهل الْمَدِينَة أحد إِلَّا امّاع كَمَا يماع الْملح فِي المَاء ". الكيد: الْمَكْر وَالْحِيلَة وَالِاجْتِهَاد فِي المساءة. وَالْمَدينَة دَار الْهِجْرَة، وَقد سبق معنى هَذَا الِاسْم فِي مُسْند أبي بكر. وَذكرنَا " اللابة " آنِفا، وَالْمَدينَة بَين لابتين. وَقَوله: " بَارك لَهُم فِي مدهم " الْمَدّ: مكيال مَعْرُوف قدره رَطْل وَثلث بالعراقي وَقد سبق ذكر تَحْرِيم الْمَدِينَة فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. 175 - / 198 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي من أَفْرَاد البُخَارِيّ: لقد رَأَيْتنِي وَأَنا ثلث الْإِسْلَام: يَعْنِي ثَالِث الْمُسلمين. 176 - / 200 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " أعوذ بك من الْبُخْل والجبن، وَأَن أرد إِلَى أرذل الْعُمر، وَمن فتْنَة الدَّجَّال ". أما الْبُخْل فَهُوَ أَن يضن الْإِنْسَان بِمَالِه أَن يبذله فِي اللوازم أَو المكارم. والجبن ضد الشجَاعَة، وَإِنَّمَا يكون من ضعف الْقلب وخسة النَّفس. والشجاعة تنبعث من قُوَّة الْقلب وَعز النَّفس. الحديث: 174 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وأرذل الْعُمر: أردؤه، وَهِي حَالَة الْهَرم. والدجال: الْكذَّاب، وَالْمرَاد بِهِ الْمَسِيح الْخَارِج فِي آخر الزَّمَان. 177 - / 201 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: قَالَ سعد فِي قَوْله تَعَالَى: {قل هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} [الْكَهْف: 103] هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى. قَالَ: والحرورية: الَّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه. إِنَّمَا خسرت الْيَهُود وَالنَّصَارَى لأَنهم تعبدوا على غير أصل صَحِيح، فخسروا الْأَعْمَال. والحرورية الَّذِي قَاتلُوا عليا عَلَيْهِ السَّلَام، وَقد سبق وَصفهم، فَلَمَّا خالفوا مَا عهد إِلَيْهِم فِي الْقُرْآن من طَاعَة أولي الْأَمر بعد إقرارهم بِهِ، كَانَ ذَلِك نقضا مِنْهُم. 178 - / 202 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَن سَعْدا رأى أَن لَهُ فضلا على من دونه، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " هَل تنْصرُونَ وترزقون إِلَّا بضعفائكم ". إِنَّمَا أَرَادَ النَّبِي كسر سورته فِي اعْتِقَاده فَضله على غَيره ليستعمل التَّوَاضُع والذل، فَأعلمهُ أَن الضُّعَفَاء فِي مقَام انكسار وذل، وَهُوَ المُرَاد من العَبْد، وَهُوَ الْمُقْتَضِي للرحمة والإنعام. 179 - / 203 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتل الوزغ، وَسَماهُ فويسقا. أصل الْفسق: الْخُرُوج، وَقد سميت الْفَأْرَة فويسقة لخروجها من الحديث: 177 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 جحرها على النَّاس، كَذَلِك قَالَ الْفراء وَغَيره. فَلَمَّا كَانَ الوزغ يخرج من جُحْره فيؤذي النَّاس سَمَّاهُ فويسقا، وَيُمكن أَن يُقَال لما صدر مِنْهُ الْأَذَى كَمَا يصدر من الْفَاسِق سمي بذلك. 180 - / 204 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كنت أرى النَّبِي يسلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره حَتَّى أرى بَيَاض خَدّه. ظَاهر هَذَا الْفِعْل يدل على وجوب التَّسْلِيم، وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب، بل يخرج من الصَّلَاة بِكُل مَا ينافيها، وَيدل على أَن التسليمة الثَّانِيَة وَاجِبَة، وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى أَنَّهَا سنة، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي " الْجَدِيد ". وَقَالَ مَالك: السّنة الِاقْتِصَار على وَاحِدَة. 181 - / 205 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " الحدوا لي لحدا، وانصبوا عَليّ اللَّبن نصبا كَمَا صنع برَسُول الله ". اللَّحْد: شقّ فِي جَانب الْقَبْر، وَمِنْه الْإِلْحَاد: وَهُوَ الْميل عَن الاسْتقَامَة فِي الدّين. وَفِي حَدِيث جرير عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " اللَّحْد لنا، والشق لغيرنا " وَإِنَّمَا يكون الشق فِي وسط الْقَبْر، وَهُوَ فعل الْيَهُود، فَإِذا كَانَ لحدا كَانَ اللَّبن منتصبا. الحديث: 180 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 182 - / 206 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَن سَعْدا ركب إِلَى قصره بالعقيق، فَوجدَ عبدا يقطع شَجرا أَو يخبطه، فسلبه، فَلَمَّا رَجَعَ سعد جَاءَهُ أهل العَبْد فكلموه أَن يرد عَلَيْهِم غلامهم، فَقَالَ: معَاذ الله أَن أرد شَيْئا نفلنيه رَسُول الله. العقيق: اسْم مَوضِع، بَينه وَبَين الْمَدِينَة عشرَة أَمْيَال، وَبِه مَاتَ سعد وَحمل إِلَى الْمَدِينَة، فَصلي عَلَيْهِ وَدفن بهَا. الْخبط بتسكين الْبَاء: ضرب الشّجر بعصا ليسقط ورقه، وَاسم الْوَرق السَّاقِط خبط بِفَتْح الْبَاء، والضارب مختبط. وَقَوله: فسلبه: أَي أَخذ ثِيَابه. ونفلنيه: أعطانيه. وَهَذَا كَانَ فِي حرم الْمَدِينَة. وَقد بَينا فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام أَن جَزَاء صيدها وَقطع شَجَرهَا سلب الْقَاتِل، يَتَمَلَّكهُ الَّذِي يسلبه. وَمَا كَانَ سعد شَرها إِلَى مثل تملك الثِّيَاب، وَلَكِن أَرَادَ أَن يعلم حُرْمَة الْمَكَان، وَيظْهر الْعقُوبَة على ذَلِك، فيكف النَّاس. 183 - / 208 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: مَا مَنعك أَن تسب أَبَا تُرَاب؟ إِنَّمَا كني عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام بِأبي تُرَاب، لِأَنَّهُ خرج من بَيته يَوْمًا مغاضبا لفاطمة عَلَيْهَا السَّلَام، فَنَامَ فِي الْمَسْجِد، فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهَا عَنهُ، فَأَخْبَرته، فَدخل الْمَسْجِد فَرَآهُ نَائِما وَبَعض جسده على الحديث: 182 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 التُّرَاب، فَقَالَ: " قُم أَبَا تُرَاب " وَسَيَأْتِي هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند سهل ابْن سعد. وَقَوله: " أحب إِلَيّ من حمر النعم ". قَالَ أَبُو بكر الْأَنْبَارِي: النعم: الْإِبِل، وحمرها: كرامها وأعلاها منزلَة. وَالنعَم فِي قَول بَعضهم لَا يَقع إِلَّا على الْإِبِل، والأنعام يَقع على الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم، فَإِذا انْفَرَدت الْإِبِل قيل لَهَا نعم وأنعام، وَإِذا انْفَرَدت الْبَقر وَالْغنم لم يقل لَهَا نعم وَلَا أنعام. وَقَالَ آخَرُونَ: النعم والأنعام بِمَعْنى وَاحِد، وأنشدنا أَبُو الْعَبَّاس: (أكل عَام نعم تحوونه ... يلقحه قوم وتنتجونه) وَقَالَ عز وَجل {وَإِن لكم فِي الْأَنْعَام لعبرة نسقيكم مِمَّا فِي بطونها} [الْمُؤْمِنُونَ: 21] فَذكر الْهَاء لِأَنَّهُ حمل الْأَنْعَام على معنى النعم كَمَا قَالَ الشَّاعِر: (بَال سُهَيْل فِي الفضيخ ففسد ... وطاب ألبان اللقَاح وَبرد) أَرَادَ: وطاب لبن اللقَاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 184 - / 209 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: كَانَ سعد فِي إبِله فجَاء ابْنه عمر، فَلَمَّا رَآهُ سعد قَالَ: أعوذ بِاللَّه من شَرّ هَذَا الرَّاكِب. قلت: لقد نظر سعد فِي ابْنه عمر بِنور الله عز وَجل، فَإِنَّهُ كَانَ لَا خير فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي تولى قتال الْحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلَام. وَقَوله: إِن الله يحب التقي الْغَنِيّ الْخَفي. اعْلَم أَن صَاحب القناعة هُوَ الْغَنِيّ وَلَيْسَ بالكثير المَال؛ فَإِن الْغنى غنى النَّفس، وَالْإِشَارَة بالخفي إِلَى خمول الذّكر، وَالْغَالِب على الخامل السَّلامَة. 185 - / 210 - الحَدِيث الثَّامِن: " إِنِّي أحرم مَا بَين لابتي الْمَدِينَة أَن يقطع عضاهها ". قد فسرنا اللابة فِي الحَدِيث السَّادِس من هَذَا الْمسند، وَذكرنَا الْعضَاة فِي الحَدِيث الرَّابِع عشر، وتكلمنا فِي تَحْرِيم الْمَدِينَة فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. " وَالْمَدينَة خير لَهُم " إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَن أَقْوَامًا كَانُوا يستوخمون الْمَدِينَة ويصعب عَلَيْهِم شدائدها. وَقَوله: " لَا يَدعهَا أحد رَغْبَة " إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي حَيَاته عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ من خرج يرغب عَن جواره، فَأَما بعد وَفَاته فقد خرج خلق كثير من خِيَار أَصْحَابه. واللأواء: شدَّة الْحَال. والجهد: الْمَشَقَّة. الحديث: 184 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 186 - / 211 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: " سَأَلت رَبِّي أَلا يهْلك أمتِي بِالسنةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلته أَلا يَجْعَل بأسهم بَينهم فَمَنَعَنِيهَا ". السّنة: الجدب. والبأس: الشجَاعَة والشدة فِي الْحَرْب. وَالْمرَاد أَلا يقتتل الْمُسلمُونَ، وَإِنَّمَا يَقع قِتَالهمْ على الدُّنْيَا، لأَنهم قد اجْتَمعُوا فِي الدّين. 187 - / 212 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: " لِأَن يمتلئ جَوف أحدكُم قَيْحا حَتَّى يرِيه خير لَهُ من أَن يمتلئ شعرًا ". الْقَيْح: الْمدَّة لَا يخالطها دم، يُقَال: قاح الْجرْح يقيح. قَالَ أَبُو عبيد: يرِيه، من الوري، يُقَال مِنْهُ: رجل موري: وَهُوَ أَن يدوى جَوْفه، قَالَ العجاج: (عَن قلب ضجم توري من سبر ... ) يصف الْجِرَاحَات، شبهها بِالْقَلْبِ: وَهِي الْآبَار، يَقُول: إِن سبرها إِنْسَان أَصَابَهُ الوري من شدتها. وَقَالَ عبد بني الحسحاس: (وراهن رَبِّي مثل مَا قد ورينني ... وأحمى على أكبادهن المكاويا) وَقَالَ الراجز: الحديث: 186 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 (قَالَت لَهُ وريا إِذا تنحنحا ... ) وَهَذَا الحَدِيث مَحْمُول على من جعل جَمِيع شغله حفظَة الشّعْر، فَلم يحفظ شَيْئا من الْقُرْآن وَلَا من الْعلم، لِأَنَّهُ إِذا امْتَلَأَ الْجوف بالشَّيْء لم يبْق فِيهِ سَعَة لغيره. قَالَ النَّضر بن شُمَيْل لم تمتلء أجوافنا من الشّعْر، فِيهَا الْقُرْآن وَغَيره. قَالَ: وَهَذَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة، وَأما الْيَوْم فَلَا. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: أكره من الشّعْر الهجاء وَالرَّقِيق الَّذِي يشبب بِالنسَاء، فَأَما الْكَلَام الجاهلي فَمَا أنفعه. قلت: فَأَما مَا رَوَاهُ الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " لِأَن يمتلئ جَوف أحدكُم قَيْحا ودما خير لَهُ من أَن يمتلئ شعرًا هجيت بِهِ " فَإِنَّهُ حَدِيث بَاطِل؛ لِأَن الْكَلْبِيّ لَا يوثق بِهِ، وَحفظ بَيت من ذَلِك يَكْفِي فِي الذَّم دون تَعْلِيق ذَلِك بملء الْجوف. وَالصَّحِيح عِنْدِي مَا ذكرته أَولا، وَأَن المُرَاد بامتلاء الْجوف بالشعر حَتَّى لَا يكون لغيره مَوضِع. وَقد مدح رَسُول الله الشّعْر بقوله: " إِن من الشّعْر حِكْمَة " وَكَانَ يسمعهُ ويستنشده، وَكَانَ أَبُو بكر يَقُول الشّعْر، وَعمر وَعُثْمَان، وَكَانَ عَليّ أشعرهم. وَقَالَ حبيب بن أبي ثَابت: كَانَ ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 عَبَّاس يُعجبهُ شعر زُهَيْر وَيَقْضِي لَهُ، وَكَانَ مُعَاوِيَة يُعجبهُ شعر عدي وَيَقْضِي لَهُ، وَكَانَ ابْن الزبير يُعجبهُ شعر عنترة وَيَقْضِي لَهُ. قَالَ: وَإِنَّمَا اخْتَار ابْن عَبَّاس شعر زُهَيْر لِأَنَّهُ كَانَ يخْتَار من الشّعْر أَكْثَره أَمْثَالًا وأدله على الْعلم وَالْخَيْر. وَاخْتَارَ مُعَاوِيَة شعر عدي لِأَنَّهُ كَانَ كثير الْأَخْبَار. وَاخْتَارَ ابْن الزبير شعر عنترة لشجاعته. أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن مُحَمَّد الْمعدل قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن عَمْرو الرزاز. قَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد قَالَ: حَدثنَا نصر بن عَليّ قَالَ: حَدثنَا نوح بن قيس عَن يُونُس بن مُسلم عَن وادع بن الْأسود عَن الشّعبِيّ قَالَ: مَا أروي شَيْئا أقل من الشّعْر، وَلَو شِئْت لأنشدتكم شهرا لَا أُعِيد. قلت: وَمَا زَالَ الْعلمَاء يَقُولُونَ الشّعْر ويحفظونه ويسمعونه، وَقد ذكرت من هَذَا مَا يَكْفِي فِي كتابي الْمُسَمّى ب " إحكام الْأَشْعَار فِي أَحْكَام الْأَشْعَار ". 188 - / 213 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: ضرب رَسُول الله يَده على الْأُخْرَى، وَقَالَ: " الشَّهْر هَكَذَا وَهَكَذَا " ثمَّ نقص فِي الثَّالِثَة إصبعا. هَذَا مَحْمُول على أحد مَعْنيين: إِمَّا أَن يُشِير بِهِ إِلَى الشَّهْر بِعَيْنِه، فَإِنَّهُ آلى من نِسَائِهِ شهرا، فاتفق ذَلِك تسعا وَعشْرين، فَقَالَ: " الشَّهْر تسع وَعِشْرُونَ " أَو أَن يُرِيد بِهِ أَنه قد يكون هَكَذَا. الحديث: 188 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 189 - / 214 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: " الله أكبر كَبِيرا ". ينْتَصب " كَبِيرا " على وَجْهَيْن: أَحدهمَا على التَّعْظِيم: تَقْدِيره: أعظم كَبِيرا، وَدلّ على الْفِعْل الْمَحْذُوف قَوْله: " الله أكبر " لِأَنَّهُ تَعْظِيم. وَالْوَجْه الآخر: أَن يكون صفة لمَحْذُوف تَقْدِيره: تَكْبِيرا كَبِيرا، وَدلّ على هَذَا الْمصدر قَوْله: " الله أكبر " لِأَن الْمَعْنى أكبر الله تَكْبِيرا. وَقد كثر مَجِيء " كَبِيرا " صفة للمصدر، من ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {وعتوا عتوا كَبِيرا} [الْفرْقَان: 21] وَمِنْه: {والعنهم لعنا كَبِيرا} [الْأَحْزَاب: 68] على قِرَاءَة من قَرَأَ بِالْبَاء. 190 - / 216 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: حَلَفت أم سعد لَا تكَلمه أبدا حَتَّى يكفر بِدِينِهِ. كَانَ سعد رَضِي الله عَنهُ برا بِأُمِّهِ، فَلَمَّا أسلم قَالَت: مَا هَذَا الدّين الَّذِي قد أحدثت، لتدعنه أَو لَا أكل وَلَا أشْرب حَتَّى أَمُوت فتعير بِي وَيُقَال: يَا قَاتل أمه. فَقَالَ لَهَا: لَا تفعلي؛ فَإِنِّي لَا أدع ديني لشَيْء، فَمَكثت ثَلَاثًا لَا تَأْكُل وَلَا تشرب حَتَّى غشي عَلَيْهَا من الْجهد، فَأَصْبَحت وَقد جهدت، فَقَالَ لَهَا سعد: وَالله يَا أُمَّاهُ لَو كَانَت لَك مائَة نفس فَخرجت نفسا نفسا مَا تركت ديني هَذَا لشَيْء، فَأكلت، فَنزل قَوْله تَعَالَى: {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ 000} إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِن جَاهَدَاك على أَن تشرك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم 00} [لُقْمَان: 14 - 15] أَي لتتخذ الحديث: 189 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 معي شَرِيكا لَا تعلمه لي. وَقَوله: فَإِذا أَرَادوا أَن يطعموها شجروا فاها: أَي فتحوه بعصا ثمَّ أوجروها. والوجور: مَا أَدخل فِي الْفَم من دَوَاء أَو غذَاء تستدرك بِهِ الْقُوَّة. وَفِي هَذَا الحَدِيث نفلني: أَي أعطنيه من النَّفْل، وَهُوَ الزِّيَادَة على سهم الْغَنَائِم. وَالْقَبْض بِفَتْح الْبَاء: اسْم لما قبض من الْمَغَانِم وَجمع. والحش: الْبُسْتَان، وَيُقَال بِضَم الْحَاء. وَقَوله: أَخذ رجل أحد لحيي الرَّأْس. يُرِيد عظم الفك. والفرز: الشق. قَوْله: فَأنْزل الله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر 000} [الْمَائِدَة: 90] قد ذكرنَا فِي مُسْند عمر معنى تَسْمِيَة الْخمر خمرًا. فَأَما الميسر فَقَالَ الزّجاج: إِنَّمَا كَانَ الميسر قمارا فِي الجزر خَاصَّة، وكل الْقمَار حرَام قِيَاسا عَلَيْهِ. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُقَال: يسرت: إِذا ضربت بِالْقداحِ. وَيُقَال للضارب بِالْقداحِ يَاسر وياسرون وَيسر وأيسار وَكَانَ أَصْحَاب الثروة والأجواد فِي الشتَاء عِنْد شدَّة الزَّمَان وكلبه ينحرون جزورا ويجزءونها أَجزَاء، ثمَّ يضْربُونَ عَلَيْهَا بِالْقداحِ، فَإِذا قمر القامر جعل ذَلِك لِذَوي الْحَاجة، وَكَانُوا يتمادحون بذلك، ويتسابون بِتَرْكِهِ، ويعيبون من لَا ييسر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وَأما الأنصاب فَفِيهَا قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا أصنام تنصب فتعبد، قَالَه ابْن عَبَّاس وَالْفراء والزجاج. وَالثَّانِي: حِجَارَة كَانُوا يذبحون عَلَيْهَا. ويشرحون اللَّحْم عَلَيْهَا ويعظمونها، قَالَه ابْن جريج. وَأما الأزلام فَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: هِيَ القداح، وَاحِدهَا زلم وزلم، وَكَانُوا يضْربُونَ بهَا فيعملون بِمَا يخرج فِيهَا من أَمر وَنهي قَالَ مُجَاهِد: الأزلام: سِهَام الْعَرَب. وَقَالَ سعيد بن جُبَير: الأزلام: حَصى بيض كَانُوا إِذا أَرَادوا غدوا أَو رواحا كتبُوا فِي قدح: أَمرنِي رَبِّي، وَفِي آخر: نهاني رَبِّي، ثمَّ يضْربُونَ بهَا، فَأَيّهمَا خرج عمِلُوا بِهِ. وَقَالَ السّديّ: وَكَانَت الأزلام تكون عِنْد الكهنة. وَقَالَ مقَاتل: فِي بَيت الْأَصْنَام. وَأما الرجس فَقَالَ الزّجاج: هُوَ اسْم لكل مَا استقذر من عمل. يُقَال: رِجْس الرجل يرجس، ورجس يرجس: إِذا عمل عملا قبيحا. والرجس بِفَتْح الرَّاء: شدَّة الصَّوْت، فَكَأَن الرجس الْعَمَل الَّذِي يقبح ذكره ويرتفع فِي الْقبْح، يُقَال: رعد رجاس: إِذا كَانَ شَدِيد الصَّوْت. وَقَوله: {من عمل الشَّيْطَان} نِسْبَة ذَلِك إِلَى الشَّيْطَان تجوز، إِلَّا أَنه لما كَانَ الدَّاعِي إِلَيْهِ جَازَت النِّسْبَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 191 - / 217 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: فِي الطَّاعُون: " إِن هَذَا الوجع رِجْس وَعَذَاب ". وَالرجز: الْعَذَاب المقلقل. وَقد ذكرنَا تَفْسِير الحَدِيث فِي مُسْند ابْن عَوْف. 192 - / 218 - الحَدِيث السَّادِس عشر: " لَا يزَال أهل الغرب ظَاهِرين على الْحق حَتَّى تقوم السَّاعَة ". كَأَن الْإِشَارَة إِلَى جهادهم للْكفَّار وهم فِي ذَلِك على الْحق. وَالظَّاهِر: الْغَالِب. 193 - / 219 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: سَأَلت سَعْدا عَن الْمُتْعَة فِي الْحَج، قَالَ: فعلناها وَهَذَا يَوْمئِذٍ كَافِر بالعرش. قد ذكرنَا الْمُتْعَة فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. وَقَوله: وَهَذَا، إِشَارَة إِلَى مُعَاوِيَة، لِأَنَّهُ كَانَ ينْهَى عَن الْمُتْعَة. وَالْعرش بِضَم الْعين وَالرَّاء: الْبيُوت، وَأَرَادَ بيُوت مَكَّة، وَهَذَا مُفَسّر فِي الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو عبيد: سميت بالعرش لِأَنَّهَا عيدَان تنصب ويظلل عَلَيْهَا، وَاحِدهَا عَرِيش، نَحْو قليب وقلب، وَالْمعْنَى: وَهُوَ مُقيم بِمَكَّة على الحديث: 191 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 كفره. وَقد غلط بعض قرأة الحَدِيث فَقَالَ: كَافِر بالعرش، بِفَتْح الْعين وتسكين الرَّاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 كشف الْمُشكل من مُسْند سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل أسلم قَدِيما، وَلم يفته مشْهد سوى بدر للْعُذْر الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي تَرْجَمَة طَلْحَة. وروى عَن رَسُول الله ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة. 194 - / 221 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " الكمأة من الْمَنّ ". الكمأة نبت مَعْرُوف. وَفِي قَوْله: " من الْمَنّ " ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: من الَّذِي أنزل على بني إِسْرَائِيل. أخبرنَا عَليّ بن مُحَمَّد بن عمر قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن أَيُّوب قَالَ: أخبرنَا أَبُو عَليّ بن شَاذان قَالَ: أخبرنَا أَبُو سهل أَحْمد بن مُحَمَّد بن زِيَاد قَالَ: حَدثنَا القَاضِي أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد البرتي قَالَ: حَدثنَا القواريري قَالَ حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن عَمْرو بن سعيد يَعْنِي ابْن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " الكمأة من الْمَنّ الَّذِي أنزل على بني إِسْرَائِيل ". الحديث: 194 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 أخبرنَا ابْن الْحصين قَالَ: أخبرنَا ابْن الْمَذْهَب قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن جَعْفَر قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا عبد الصَّمد قَالَ: حَدثنِي أبي عَن عَطاء بن السَّائِب عَن عَمْرو بن حُرَيْث قَالَ: حَدثنِي سعيد بن زيد عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " الكمأة من السلوى ". وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنَّهَا مِمَّا من الله عز وَجل بِهِ من غير بذر وَلَا تَعب، كَمَا من على بني إِسْرَائِيل بالمن. قَالَ أَبُو عبيد: إِنَّمَا شبهها بالمن الَّذِي سقط على بني إِسْرَائِيل؛ لِأَن ذَلِك كَانَ ينزل عَلَيْهِم عفوا بِلَا علاج، فيصبحون وَهُوَ بأفنيتهم، فَكَذَلِك الكمأة، لَيْسَ على أحد مِنْهَا مؤونة فِي بذر وَلَا سقِِي. وَالثَّالِث: أَنَّهَا من الْمَنّ الَّذِي يسْقط على الشّجر فِي بعض الْبِلَاد، يشبه طعمه طعم الْعَسَل فَيجمع، ذكره أَبُو عبد الله الْحميدِي. وَقَوله: " وماؤها شِفَاء للعين " فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه مَاؤُهَا حَقِيقَة، إِلَّا أَن أَرْبَاب هَذَا القَوْل اتَّفقُوا على أَنه لَا يسْتَعْمل بحتا فِي الْعين. ثمَّ اخْتلفُوا كَيفَ يصنع بِهِ، على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه يخلط فِي الْأَدْوِيَة الَّتِي يكتحل بهَا. قَالَ أَبُو عبيد: يُقَال: إِنَّه لَيْسَ معنى الحَدِيث أَن يُؤْخَذ مَاؤُهَا بحتا فيقطر فِي الْعين، وَلكنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 يخلط مَاؤُهَا فِي الْأَدْوِيَة الَّتِي تعالج بهَا الْعين. وَيصدق قَول أبي عبيد أَن الْأَطِبَّاء يَقُولُونَ: أكل الكمأة يجلو الْبَصَر. وَالثَّانِي: أَن تُؤْخَذ الكماة فتشق وتوضع على الْجَمْر حَتَّى يغلي مَاؤُهَا، ثمَّ يُؤْخَذ الْميل فَيصير فِي ذَلِك الشق وَهُوَ فاتر فيكتحل بِمَائِهَا، وَلَا يَجْعَل الْميل فِي مَائِهَا وَهِي بادرة يابسة، قَالَه إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ. قَالَ: وَقَالَ لي صَالح وَعبد الله ابْنا أَحْمد بن حَنْبَل: إنَّهُمَا اشتكت أعينهما فأخذا كماة فدقاها وعصراها فاكتحلا بِمَائِهَا، فهاجت أعينها ورمدت. وَإِنَّمَا الْوَجْه مَا ذكرنَا. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه إِنَّمَا أَرَادَ المَاء الَّذِي ينْبت بِهِ، وَهُوَ أول مطر ينزل إِلَى الأَرْض، فِيهِ تربى الأكحال، قَالَه لنا شَيخنَا أَبُو بكر بن عبد الله الْبَاقِي. وَقد عصر بعض النَّاس الكماة فداوى بِهِ عينه فَذَهَبت. 195 - / 222 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن سعيد بن زيد خاصمته أروى إِلَى مَرْوَان، وَادعت أَنه أَخذ شَيْئا من أرْضهَا، فَقَالَ: أَنا كنت آخذ من أرْضهَا شبْرًا بعد الَّذِي سَمِعت من رَسُول الله، سمعته يَقُول: " من أَخذ شبْرًا من الأَرْض ظلما طوقه من سبع أَرضين " فَقَالَ مَرْوَان: لَا أَسأَلك بَيِّنَة بعْدهَا. فِي معنى طوقه ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن يخسف بِهِ الأَرْض بعد مَوته أَو فِي حشره، فَتَصِير الحديث: 195 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 الْبقْعَة الْمَغْصُوبَة مِنْهَا فِي عُنُقه كالطوق، وَيُؤَيّد هَذَا حَدِيث ابْن عمر: " خسف بِهِ إِلَى سبع أَرضين ". وَالثَّانِي: أَن يُكَلف حمل ذَلِك، فَيكون من تطويق التَّكْلِيف لَا من تطويق التَّقْلِيد، وَلَيْسَ ذَلِك بممتنع، فَإِن قد صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " لَا أَلفَيْنِ أحدكُم يَأْتِي وعَلى رقبته بعير 000، وعَلى رقبته شَاة ". وَالثَّالِث: أَن يُرِيد بِهِ تطويق الْإِثْم، وَإِنَّمَا قَالَ: " من سبع أَرضين " لِأَن حكم أَسْفَل الأَرْض تَابع لأعلاها. وَأما قَول مَرْوَان: لَا أَسأَلك بَيِّنَة، أَي لَا أُرِيد أبين من هَذَا الحَدِيث فِي معنى غصب الأَرْض، وَإِلَّا فَلَيْسَتْ رِوَايَته للْحَدِيث بَيِّنَة لَهُ. 196 - / 223 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ عَن سعيد بن زيد قَالَ: لقد رَأَيْتنِي موثقي عمر على الْإِسْلَام أَنا وَأُخْته، وَمَا أسلم، وَلَو أَن أحدا انقض - وَقيل: ارْفض - للَّذي صَنَعْتُم بعثمان لَكَانَ محقوقا أَن ينْقض. كَانَ سعيد بن زيد زوج أُخْت عمر بن الْخطاب، فجَاء عمر فَأَغْلَظ لَهما وأوثقهما ليصدهما عَن الْإِسْلَام قبل أَن يسلم. أخبرنَا أَبُو بكر بن أبي طَاهِر قَالَ: أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْجَوْهَرِي قَالَ: أخبرنَا أَبُو عمر بن حيويه قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْحسن بن مَعْرُوف قَالَ: الحديث: 196 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 أخبرنَا الْحُسَيْن بن الْفَهم قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سعد قَالَ: أخبرنَا إِسْحَق بن يُوسُف الْأَزْرَق قَالَ: أخبرنَا الْقَاسِم بن عُثْمَان الْبَصْرِيّ عَن أنس بن مَالك قَالَ: خرج عمر مُتَقَلِّدًا السَّيْف، فَلَقِيَهُ رجل من بني زهرَة فَقَالَ: أَيْن تعمد؟ فَقَالَ: أُرِيد أَن أقتل مُحَمَّدًا. قَالَ: وَكَيف تأمن فِي بني هَاشم وَبني زهرَة وَقد قتلت مُحَمَّدًا؟ فَقَالَ لَهُ عمر: مَا أَرَاك إِلَّا قد صَبَأت وَتركت دينك الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ. فَقَالَ: أَفلا أدلك على الْعجب يَا عمر، إِن أختك وختنك قد صبوا وتركا دينك، فَمشى عمر ذامرا حَتَّى أتاهما وَعِنْدَهُمَا خباب بن الْأَرَت، فَلَمَّا سمع خباب حس عمر توارى فِي الْبَيْت، فَدخل عَلَيْهِمَا فَقَالَ: مَا هَذِه الهينمة الَّتِي سَمعتهَا عنْدكُمْ؟ قَالَ: وَكَانُوا يقرءُون (طه) . فَقَالَا: مَا عدا حَدِيثا تحدثناه. قَالَ: فلعلكما قد صبوتما. فَقَالَ لَهُ ختنه: أَرَأَيْت يَا عمر إِن كَانَ الْحق فِي غير دينك. فَوَثَبَ عمر على ختنه فوطئه وطئا شَدِيدا، فَجَاءَت أُخْته فَدَفَعته عَن زَوجهَا، فنفحها نفحة بِيَدِهِ، فدمي وَجههَا، فَقَالَت وَهِي غَضبى: يَا عمر، إِن كَانَ الْحق فِي غير دينك اشْهَدْ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، واشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. فَلَمَّا يئس عمر قَالَ: أعطوني هَذَا الْكتاب الَّذِي عنْدكُمْ فأقرؤه، وَكَانَ عمر يقْرَأ الْكتب، فَقَالَت أُخْته: إِنَّك رِجْس، وَلَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ، فَقُمْ فاغتسل أَو تَوَضَّأ، فَقَامَ فَتَوَضَّأ، ثمَّ أَخذ الْكتاب فَقَرَأَ: {طه} حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله: {إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدني وأقم الصَّلَاة لذكري} [طه: 14] فَقَالَ عمر: دلوني على مُحَمَّد، فَلَمَّا سمع خباب قَول عمر خرج من الْبَيْت فَقَالَ: أبشر يَا عمر، فَإِنِّي أَرْجُو أَن تكون دَعْوَة رَسُول الله لَك لَيْلَة الْخَمِيس: " اللَّهُمَّ أعز الْإِسْلَام بعمر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 الْخطاب أَو بعمر بن هِشَام " فَانْطَلق عمر فَأسلم. وَأما قَوْله: وَلَو أَن أحدا انقض، فَمَعْنَاه هوى وَسقط. وَارْفض: تفرق. وَكَانَت الْمُنَاسبَة بَين ذكر مَا صَنَعُوا بعثمان وَبَين مَا فعل عمر أَن عمر رأى الْخَطَأ صَوَابا قبل أَن يسلم فِي إيثاق ختنه وَأُخْته على الْإِسْلَام، فَكَذَلِك من رأى مَا فعل بعثمان صَوَابا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 كشف الْمُشكل من مُسْند أبي عُبَيْدَة بن الْجراح واسْمه عَامر بن عبد الله، شهد الْمشَاهد كلهَا، وَثَبت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد، وَنزع يَوْمئِذٍ بِفِيهِ الحلقتين اللَّتَيْنِ دخلتا فِي وجنتي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلق المغفر، فَوَقَعت ثنيتاه، فَكَانَ من أحسن النَّاس هتما. وروى عَن رَسُول الله خَمْسَة عشر حَدِيثا، وَلم يخرج لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ سوى كلمة وَهِي: 197 - / 224 - نَحن رسل رَسُول الله، فَهِيَ مندرجة فِي حَدِيث يرويهِ جَابر، وَفِيه: بعثنَا رَسُول الله وَأمر علينا أَبَا عُبَيْدَة نأتي عيرًا لقريش، وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غَيره، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يُعْطِينَا تَمْرَة تَمْرَة، فَكُنَّا نمصها كَمَا يمص الصَّبِي ثمَّ نشرب عَلَيْهَا من المَاء، فتكفينا يَوْمنَا إِلَى اللَّيْل، وَكُنَّا نضرب بعصينا الْخبط ثمَّ نبله بِالْمَاءِ فنأكله، وَرفع لنا على سَاحل الْبَحْر كَهَيئَةِ الْكَثِيب الضخم، فأتيناه فَإِذا هِيَ دَابَّة تدعى العنبر، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: ميتَة، ثمَّ قَالَ: لَا، بل نَحن رسل رَسُول الله، وَفِي سَبِيل الله، وَقد اضطررتم فَكُلُوا، قَالَ: فَأَقَمْنَا عَلَيْهَا شهرا وَنحن ثَلَاثمِائَة حَتَّى سمنا، وَلَقَد رَأَيْتنَا نغترف من وَقب عينه الحديث: 197 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 بالقلال الدّهن، ونقطع مِنْهُ الفدر كالثور، وَلَقَد أَخذ منا أَبُو عُبَيْدَة ثَلَاثَة عشر رجلا فَأَقْعَدَهُمْ فِي وَقب عينه، وَأخذ ضلعا من أضلاعه فأقامها، ثمَّ رَحل أعظم بعير مَعنا، فَمر من تحتهَا، وتزودنا من لَحْمه وشائق، فَلَمَّا قدمنَا ذكرنَا ذَلِك لرَسُول الله، فَقَالَ: " هُوَ رزق أخرجه الله لكم، فَهَل مَعكُمْ من لَحْمه شَيْء فتطعمونا؟ " فَأَرْسَلنَا إِلَى رَسُول الله مِنْهُ فَأَكله. العير: الْإِبِل الَّتِي تحمل الْميرَة. والخبط قد فسرناه فِيمَا مضى. وَفِيمَا صَبر هَؤُلَاءِ الْقَوْم عَلَيْهِ دَلِيل على قُوَّة إِيمَانهم، إِذْ لَو ضعف إِيمَانهم لما صَبَرُوا على هَذِه المشاق. وَقَول أبي عُبَيْدَة: ميتَة، دَلِيل على أَنه كَانَ لَا يرى جَوَاز أكل السّمك الطافي، وَإِنَّمَا استجازه على وَجه الِاضْطِرَار كَمَا يستجيز أكل الْميتَة، وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة، وَقد رد ذَلِك الرَّأْي قَول الرَّسُول: " هَل مَعكُمْ مِنْهُ شَيْء " فَأَعْطوهُ، فَأكل وَلَيْسَ بمضطر، فَدلَّ على جَوَاز أكل الطافي، وَهَذَا مَذْهَب أَحْمد، ثمَّ قد ثَبت جَوَاز أكل السّمك إِذا مَاتَ فِي الْبر، فَكَذَلِك إِذا مَاتَ فِي الْبَحْر. وَيُمكن أَن يَقُول من منع مِنْهُ: إِن الْبَحْر مَحل حَيَاة السّمك، فَإِذا مَاتَ فِي مَحل حَيَاته دلّ على مرض أوجب ذَلِك، فنزه عَن أكله. ووقب الْعين: مَا تقعر مِنْهَا. والوقب كالنقرة فِي الشَّيْء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 القلال مثل الجرار. والفدر جمع فدرة: وَهِي الْقطعَة من اللَّحْم. وَمعنى رَحل أعظم بعير: جعل عَلَيْهِ رَحْله. والوشائق: مَا قطع من اللَّحْم ليقدد، والواحدة وشيقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن مَسْعُود أسلم قَدِيما، وَهَاجَر إِلَى الْحَبَشَة مرَّتَيْنِ، ثمَّ إِلَى الْمَدِينَة، وَلم يفته مَعَ رَسُول الله مشْهد، وَكَانَ صَاحب سر رَسُول الله ووساده وسواكه ونعليه وَطهُوره فِي السّفر، وَكَانَ يشبه برَسُول الله فِي هَدْيه وسمته. وروى عَن رَسُول الله ثَمَانمِائَة حَدِيث وَثَمَانِية وَأَرْبَعين، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مائَة وَعِشْرُونَ. 198 - / 225 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول قَالَ: لما نزلت: {وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} [الْأَنْعَام: 82] شقّ ذَلِك على أَصْحَاب رَسُول الله وَقَالُوا: أَيّنَا لم يظلم نَفسه؟ فَقَالَ: " إِنَّمَا هُوَ الشّرك ". يلبسوا بِمَعْنى يخلطوا، يُقَال: لبست بِفَتْح الْبَاء، ألبس بِكَسْرِهَا: إِذا خلطت، ولبست بِكَسْر الْبَاء ألبس بِفَتْحِهَا من لبس الثَّوْب. الحديث: 198 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وَالظُّلم يَقع على الشّرك وعَلى الْمعاصِي دونه، وَقد فسره الرَّسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام هَاهُنَا بالشرك. 199 - / 226 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: بَينا أَنا مَعَ رَسُول الله وَهُوَ يتَوَكَّأ على عسيب. العسيب من النّخل كالقضيب من سَائِر الشّجر. وَقَوله: {قل الرّوح من أَمر رَبِّي} [الْإِسْرَاء: 85] أَي مِمَّا انْفَرد بِعِلْمِهِ فَلم يُعلمهُ غَيره. وَمَا أَكثر كَلَام النَّاس فِي الرّوح وماهيتها، مَعَ أَن الْقُرْآن لم يفصح بذلك وَالرَّسُول الْمَسْئُول عَنْهَا لم يبينها، وَلست أعجب من الفلاسفة الَّذين لَا يتدينون بديننا إِذا تكلمُوا فِيهَا، إِنَّمَا الْعجب من عُلَمَاء الْإِسْلَام كَيفَ يرَوْنَ الرَّسُول الْمَسْئُول لم يجب، وَالْقُرْآن لم يفصح بِشَيْء، ثمَّ يَقُول بَعضهم: هِيَ جسم، وَيَقُول بَعضهم: هِيَ شَيْء وَالنَّفس شَيْء، وَإِنَّمَا أَخَذُوهُ من كَلَام الفلاسفة والأطباء، وَإِنَّمَا الرّوح أَمر من أَمر الله عز وَجل لَا يعرف إِلَّا بتصرفاته، كَمَا لَا يسْتَدلّ على وجود الْحق سُبْحَانَهُ إِلَّا بأفعاله، وَالشَّيْء إِذا لم يكْشف للأبصار منعت البصائر فِي وَصفه بالجمل، أَلا ترى إِلَى قَول الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام: {أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى} [الْبَقَرَة: 260] فَلَمَّا لم يدْخل إِدْرَاك الْأَحْيَاء فِي قدرَة الْخَلِيل، أرَاهُ الْحق سُبْحَانَهُ الْمَوْتَى قد عاشوا. 200 - / 227 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: كُنَّا نسلم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَيرد علينا، فَلَمَّا رَجعْنَا من عِنْد النَّجَاشِيّ سلمنَا عَلَيْهِ فَلم يرد علينا وَقَالَ: " إِن فِي الصَّلَاة شغلا " هَذَا لفظ الحديث: 199 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 الصَّحِيح، وَقد رَوَاهُ أَحْمد فِي " مُسْنده " فَقَالَ فِيهِ: " إِن الله يحدث فِي أمره مَا يَشَاء، وَإنَّهُ قد أحدث أَن لَا تتكلموا فِي الصَّلَاة ". كَانَ الْكَلَام فِي الصَّلَاة مُبَاحا ثمَّ حرم، وَاخْتلفُوا مَتى حرم؟ فَقَالَ قوم: حرم وَرَسُول الله بِمَكَّة، وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الحَدِيث. قَالُوا: وَإِنَّمَا رَجَعَ ابْن مَسْعُود من عِنْد النَّجَاشِيّ إِلَى مَكَّة. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا حرم بِالْمَدِينَةِ بِدَلِيل مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث زيد بن أَرقم قَالَ: كُنَّا نتكلم فِي الصَّلَاة، يكلم الرجل صَاحبه وَهُوَ إِلَى جَانِبه فِي الصَّلَاة حَتَّى نزلت: {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} [الْبَقَرَة: 238] فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ. قَالُوا وَزيد من الْأَنْصَار، وَإِنَّمَا أسلم بِالْمَدِينَةِ. وَابْن مَسْعُود لما عَاد إِلَى مَكَّة من الْحَبَشَة رَجَعَ فِي الْهِجْرَة الثَّانِيَة إِلَى النَّجَاشِيّ، ثمَّ قدم على رَسُول الله بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يتجهز لبدر. وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا نسخ الْكَلَام بعد الْهِجْرَة بِمدَّة يسيرَة، فَأجَاب الْأَولونَ بِأَن الظَّاهِر تجدّد هَذِه الْحَال فِي غيبَة ابْن مَسْعُود الأولى لِأَنَّهُ قَالَ: فَلَمَّا رَجعْنَا من عِنْد النَّجَاشِيّ، وَلم يقل فِي الْمرة الثَّانِيَة، وحملوا حَدِيث زيد على أَنه إِخْبَار عَن الصَّحَابَة الْمُتَقَدِّمين، كَمَا يَقُول الْقَائِل: قتلناكم وهزمناكم، يعنون الْآبَاء والأجداد. وَقَول الْخطابِيّ يحْتَاج إِلَى تَارِيخ، والتاريخ بعيد. وَرَأَيْت أَبَا حَاتِم بن حبَان الْحَافِظ قد ذكر فِي هَذَا شَيْئا حسنا، فَإِنَّهُ قَالَ: لقد توهم من لم يحكم صناعَة الْعلم أَن نسخ الْكَلَام فِي الصَّلَاة كَانَ بِالْمَدِينَةِ لحَدِيث زيد بن أَرقم، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ لِأَن الْكَلَام فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 الصَّلَاة كَانَ مُبَاحا فِي أول الْإِسْلَام إِلَى أَن رَجَعَ ابْن مَسْعُود وَأَصْحَابه من عِنْد النَّجَاشِيّ، فوجدوا إِبَاحَة الْكَلَام قد نسخت، وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ مُصعب بن عُمَيْر يقرئ الْمُسلمين ويفقههم فِي الدّين، وَكَانَ الْكَلَام بِالْمَدِينَةِ مُبَاحا كَمَا كَانَ بِمَكَّة، فَلَمَّا نسخ ذَلِك بِمَكَّة تَركه النَّاس بِالْمَدِينَةِ، فَحكى زيد ذَلِك الْفِعْل، لَا أَن نسخ الْكَلَام كَانَ بِالْمَدِينَةِ. 201 - / 228 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوج ". الْبَاءَة كلمة ممدودة، أَنبأَنَا مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور قَالَ: أخبرنَا أَبُو عَليّ ابْن الْمهْدي قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن بن رزمة إِذْنا قَالَ: أخبرنَا عمر بن مُحَمَّد بن سيف قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن الْعَبَّاس اليزيدي قَالَ: أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن أخي الْأَصْمَعِي قَالَ: قَرَأت على عمي الْأَصْمَعِي قَالَ: يُقَال: بَاء وباءة: وَهُوَ الغشيان، وَإِن شِئْت جمعت بِالتَّاءِ فَقلت باءات، قَالَ الراجز: (إِن كنت تبغي صَالح الباءات ... ) (فاعمد إِلَى هاتيكم الأبيات ... ) وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: الْبَاءَة كِنَايَة عَن النِّكَاح، وأصل الْبَاءَة الْموضع الَّذِي يأوي إِلَيْهِ الْإِنْسَان، وَمِنْه اشتق مباءة الْغنم: وَهُوَ المراح الَّذِي تأوي إِلَيْهِ بِاللَّيْلِ. والوجاء: رض الْأُنْثَيَيْنِ، والخصاء نزعهما. الحديث: 201 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال للفحل إِذا رضت أنثياه: قد وجئ وَجَاء فَهُوَ موجوء، فَإِن نزعت نزعا فقد خصي، فَإِن شدت الأنثيان شدا قيل: عصبته عصبا فَهُوَ معصوب. قَالَ: وَقَالَ بعض أهل الْعلم: " فَهُوَ لَهُ وجأ " بِفَتْح الْوَاو مَقْصُورَة، يُرِيد الحفا، وَالْوَجْه الأول. وَفِي الحَدِيث دَلِيل على جَوَاز التعالج لقطع الْبَاءَة بالأدوية، لقَوْله: " فليصم ". وَمعنى: " أحصن لِلْفَرجِ " أعف. 202 - / 229 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: جَاءَ حبر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، إِن الله يضع السَّمَاء على إِصْبَع، وَالْأَرضين على إِصْبَع، وَالْجِبَال على إِصْبَع، وَالشَّجر والأنهار على إِصْبَع، وَسَائِر الْخلق على إِصْبَع، ثمَّ يَقُول: أَنا الْملك. فَضَحِك رَسُول الله وَقَالَ: {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} [الزمر: 67] وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: ثمَّ يَهُزهُنَّ. وفيهَا: أَن رَسُول الله ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه، تَعَجبا وَتَصْدِيقًا لَهُ. الحبر: الْعَالم. وَمذهب عُلَمَاء السّلف السُّكُوت عَن مثل هَذَا الحَدِيث، وَأَن يمر على مَا جَاءَ من غير تَشْبِيه وَلَا تَأْوِيل. أخبرنَا الكروخي قَالَ: أخبرنَا أَبُو عَامر الْأَزْدِيّ وَأَبُو بكر الغورجي الحديث: 202 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 قَالَا: أخبرنَا الجراحي قَالَ: حَدثنَا المحبوبي قَالَ: حَدثنَا التِّرْمِذِيّ قَالَ: رُوِيَ عَن مَالك بن أنس وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الله بن الْمُبَارك أَنهم قَالُوا: أمروا هَذِه الْأَحَادِيث بِلَا كَيفَ. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَهَذَا قَول أهل الْعلم من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة. قلت: وَقد كَانَ بعض السّلف إِذا تحدث بِهَذَا الحَدِيث يُحَرك أَصَابِعه على التَّقْرِيب إِلَى الْفَهم لَا على التَّشْبِيه، فَأخْبرنَا أَبُو الْقَاسِم هبة الله ابْن الْحُسَيْن بن الحاسب قَالَ: أخبرنَا أَبُو عَليّ بن الْبناء قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْفَتْح بن أبي الفوارس قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمد بن جَعْفَر بن سلم قَالَ: حَدثنَا أَبُو حَفْص عمر بن مُحَمَّد بن عِيسَى الْجَوْهَرِي قَالَ: حَدثنَا صَالح بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: سَمِعت أبي يَقُول: حَدثنِي يحيى بِحَدِيث الْأَعْمَش، حَدِيث عبد الله: " إِن الله يضع السَّمَوَات على أصْبع " فَجعل يَقُول بأصابعه هَكَذَا، حَتَّى أَتَى على آخرهَا. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: يحْتَمل أَن يكون ضحك رَسُول الله إنكارا، قَالَ: وَقَول من قَالَ: تَصْدِيقًا، ظن مِنْهُ، وَالظَّاهِر أَن ذَلِك من تَخْلِيط الْيَهُود وتخريفهم، وَأَن ضحك رَسُول الله إِنَّمَا كَانَ تَعَجبا وَإِنْكَارا. قَالَ: ثمَّ لَو صحت الرِّوَايَة بِإِثْبَات ذَلِك كَانَ الْمَعْنى أَن سهولة الْأَمر عَلَيْهِ كمن جمع شَيْئا فِي كَفه فاستخف حمله، فَلم يشْتَمل بِجَمِيعِ كَفه عَلَيْهِ، لكنه أَقَله بِبَعْض أَصَابِعه. يُقَال: إِن فلَانا ليفعل كَذَا بِخِنْصرِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 وَقَوله: {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} أَي مَا عظموه حق عَظمته. وَقد ذكرنَا النواجذ فِي مُسْند سعد. 203 - / 230 وَفِي الحَدِيث السَّادِس: أَن ابْن مَسْعُود وجد من رجل ريح الْخمر، فَضَربهُ الْحَد. قد تكلمنا على هَذَا الحَدِيث فِي الحَدِيث الْخَامِس عشر من مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. 204 - / 231 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فَزَاد أَو نقص. وَفِي لفظ: صلى خمْسا، فَلَمَّا سلم أخبر، فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ. وَفِي لفظ: " إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فليتحر الصَّوَاب فليبن عَلَيْهِ، ثمَّ ليسجد سَجْدَتَيْنِ " وَفِي لفظ: أَنه سجد بعد السَّلَام وَالْكَلَام. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على وجوب سُجُود السَّهْو لِأَنَّهُ أَمر بِهِ، وَهَذَا مَذْهَب أَحْمد. وَقَالَ مَالك: إِذا كَانَ عَن نُقْصَان وَجب، وَأما عَن زِيَادَة فَلَا يجب. وَقَالَ الشَّافِعِي: سُجُود السَّهْو مسنون. وَأما من نسي سُجُود السَّهْو فلنا فِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: أَنه يسْجد مَا لم يَتَطَاوَل الزَّمَان أَو يخرج من الْمَسْجِد - وَإِن تكلم. وَالثَّانيَِة: يسْجد وَإِن خرج وتباعد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يسْجد بعد الْكَلَام وَالْخُرُوج. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن ذكر قَرِيبا سجد، وَإِن تبَاعد فعلى قَوْلَيْنِ. الحديث: 203 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وَقَوله: فليتحر الصَّوَاب: أَي ليجتهد فِي الْإِصَابَة. 205 - / 232 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: أَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لعن الله الْوَاشِمَات وَالْمُسْتَوْشِمَات، وَالْمُتَنَمِّصَات، وَالْمُتَفَلِّجَات لِلْحسنِ الْمُغيرَات خلق الله. أما الوشم فَهُوَ غرز الْكَفّ أَو الذِّرَاع بالإبرة، ثمَّ يحشى بكحل أَو نَحوه فَمَا يخضره، فالفاعلة واشمة، وَالَّتِي تطلب أَن يفعل بهَا ذَلِك مستوشمة. والنامصة: الَّتِي تنتف الشّعْر من الْوَجْه. والمتنمصة: هِيَ الَّتِي تطلب أَن يفعل بهَا ذَلِك، وَهُوَ مَأْخُوذ من المنماص، وَهُوَ المنقاش، وَبَعض قرأة الحَدِيث تَقول: المنتمصة بِتَقْدِيم النُّون. وَالَّذِي ضبطناه عَن أشياخنا فِي كتاب أبي عبيد بِتَقْدِيم التَّاء مَعَ التَّشْدِيد. وَالْمُتَفَلِّجَات: هن اللواتي يتكلفن تفريج مَا بَين الثنايا والرباعيات بصناعة. والفلج فِي الْأَسْنَان: تبَاعد مَا بَين ذَلِك. يُقَال: رجل أفلج الْأَسْنَان، وَامْرَأَة فلجاء الْأَسْنَان، وَلَا بُد من ذكر الْأَسْنَان. وَقد جَاءَ فِي حَدِيث آخر: أَنه لعن الواشرة والمؤتشرة. قَالَ أَبُو عبيد: الواشرة الَّتِي تشر أسنانها: أَي تفلجها وتحددها حَتَّى يكون لَهَا أشر: وَهِي رقة وتحدد فِي أَطْرَاف أَسْنَان الْأَحْدَاث، فَهَذِهِ تتشبه بأولئك. وَمِنْه ثغر مؤشر. الحديث: 205 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 وَظَاهر هَذَا الحَدِيث أَن الْكَلَام مُطلق فِي حق كل من فعل هَذَا. وَقَول ابْن مَسْعُود يدل على ذَلِك. وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ المتصنعات من النِّسَاء للفجور، لِأَن مثل هَذَا التحسن دأبهن. وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهن المموهات على الرِّجَال بِمثل هَذِه الْأَفْعَال لتغر المتزوج. 206 - / 235 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ (النَّجْم) فَسجدَ، وَسجد من كَانَ مَعَه، غير أَن شَيخا من قُرَيْش أَخذ كفا من تُرَاب فرفعه إِلَى جَبهته، فَلَقَد رَأَيْته قتل كَافِرًا. إِنَّمَا سجد رَسُول الله فِي سُورَة " النَّجْم " عِنْد السَّجْدَة الَّتِي فِي آخرهَا، وَهَذَا دَلِيل على مَالك، لِأَنَّهُ يَقُول: لَيْسَ فِي الْمفصل سَجْدَة. وَلما سجد رَسُول الله سجد الْمُشْركُونَ مَعَه، وَإِنَّمَا سجدوا لأَنهم سمعُوا (تِلْكَ الغرانيق العلى. وَإِن شفاعتهن لترتجى) فَفَرِحُوا ووافقوه فِي السُّجُود. وَقد بيّنت فِي " التَّفْسِير " أَن شَيْطَانا تكلم بذلك فسمعوه، إِمَّا من شياطين الْجِنّ أَو من شياطين الْإِنْس، لأَنهم كَانُوا إِذا قَرَأَ الرَّسُول لَغوا كَمَا وَصفهم الله عز وَجل بقوله: {لَا تسمعوا لهَذَا الْقُرْآن والغوا فِيهِ} [فصلت: 26] فَلَمَّا سمعُوا هَذِه السُّورَة قَالَ بعض الشَّيَاطِين هَذِه الْكَلِمَات على وَزنهَا، فظنوا أَن رَسُول الله قد قَالَهَا، وَإِنَّمَا قيلت فِي ضمن تِلَاوَته. فَأَما أَن يكون جرى على لِسَان الرَّسُول الْمَعْصُوم مثل هَذَا فمحال، فَلَا تغترر بِمَا تسمعه فِي التفاسير من أَنه الحديث: 206 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 جرى على لِسَانه، فَإِنَّهُ لَو صَحَّ هَذَا لاختلط الْحق بِالْبَاطِلِ، وَجَاز أَن يشك فِي الصَّحِيح، فَيُقَال: لَعَلَّ هَذَا مِمَّا أَلْقَاهُ الشَّيْطَان أَيْضا، وَقد عصم الله نبيه من مثل هَذَا، وَبَين كَيْفيَّة حفظ الْوَحْي من الشَّيَاطِين، فَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّهُ يسْلك من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه رصدا} [الْجِنّ: 27] وَالْمعْنَى أَن يحرس الْوَحْي عِنْد تِلَاوَة الْملك لَهُ على الرَّسُول من استراق الشَّيَاطِين لِئَلَّا يسبقونه إِلَى الكاهن فيتكلم بِهِ قبل الرَّسُول، وَهَذِه الْعِصْمَة تنَافِي صِحَة مَا ادعِي مِمَّا أنكرناه. وَقد ذهب إِلَى مَا قلته كبار الْعلمَاء، مِنْهُم أَبُو الْحُسَيْن بن الْمُنَادِي، وَأَبُو جَعْفَر النّحاس، وَأَبُو الْوَفَاء بن عقيل، فِي خلق كثير من الْمُحَقِّقين. وَقد بالغت فِي شرح هَذَا الْمَعْنى فِي تفسيري الْكَبِير الْمُسَمّى ب " الْمُغنِي " وأشرت إِلَيْهِ فِي التَّفْسِير الْمُتَوَسّط الْمُسَمّى ب " زَاد الْمسير "، فَأخذت فِي تَجْوِيز مَنْقُول لَا يثبت يَقع بِهِ هدم أصل عَظِيم. وَأما الشَّيْخ الْقرشِي فَإِنَّهُ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة. 207 - / 237 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: لَا يجعلن أحدكُم للشَّيْطَان شَيْئا من صلَاته، يرى أَن حَقًا عَلَيْهِ أَلا ينْصَرف إِلَّا عَن يَمِينه، قد رَأَيْت رَسُول الله كثيرا ينْصَرف عَن يسَاره. أكد الْوَصِيَّة فِي هَذَا الحَدِيث ابْن مَسْعُود بنُون التوكيد حِين قَالَ: لَا يجعلن، وَالْمعْنَى: لَا يرين أحدكُم هَذَا حَقًا وَاجِبا أَو مسنونا فَاضلا. 208 - / 238 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد الحديث: 207 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 قَالَ: صلى بِنَا عُثْمَان بن عَفَّان بمنى أَربع رَكْعَات، فَقيل لِابْنِ مَسْعُود، فَقَالَ: صليت مَعَ رَسُول الله بمنى رَكْعَتَيْنِ. فِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَنه يجوز للْمُسَافِر إتْمَام الصَّلَاة، وَلَوْلَا ذَلِك مَا أقرُّوا عُثْمَان عَلَيْهِ. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: إِنَّمَا أتم عُثْمَان لِأَنَّهُ اتخذ الْأَمْوَال بِالطَّائِف وَأَرَادَ أَن يُقيم بهَا. 209 - / 239 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى صَلَاة لغير ميقاتها إِلَّا صَلَاتَيْنِ. جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع، وَصلى الْفجْر يَوْمئِذٍ قبل ميقاتها. أما جمع فَهُوَ اسْم لموْضِع الْمزْدَلِفَة. وحد الْمزْدَلِفَة مَا بَين المأزمين ووادي محسر، وَهُوَ اسْم مَأْخُوذ من الازدلاف وَهُوَ الْقرب، سميت بذلك لاقتراب النَّاس إِلَى منى بعد الْإِفَاضَة من عَرَفَات. وَمن دفع من عَرَفَة قبل غرُوب الشَّمْس فَعَلَيهِ دم خلافًا لأحد قولي الشَّافِعِي، فَإِذا وصل إِلَى الْمزْدَلِفَة جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء قبل حط الرّحال، فَإِن صلى الْمغرب قبل الْوُصُول إِلَى مُزْدَلِفَة صحت الصَّلَاة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تصح. وَقَوله: صلى الْفجْر قبل ميقاتها: أَي قبل الْوَقْت الْمُعْتَاد، لَا أَنه صلى قبل طُلُوع الْفجْر، وَقد بَين هَذَا فِي تَمام الحَدِيث. وَقَوله: حِين يبرغ الْفجْر: أَي يطلع. الحديث: 209 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وَقَوله: حَتَّى يعتموا. يُقَال: عتم اللَّيْل: إِذا مضى مِنْهُ صدر. وَقَالَ الْخَلِيل: الْعَتَمَة من اللَّيْل بعد غيبوبة الشَّفق. وعتم الْمُسَافِر وأعتم: إِذا سَار فِي ذَلِك الْوَقْت أَو وصل إِلَى الْمنزل. وأسفر الصُّبْح: أَضَاء وَتبين. 210 - / 240 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: أَن عبد الله رمى بجمرة الْعقبَة من بطن الْوَادي، فَقيل لَهُ: إِن نَاسا يَرْمُونَهَا من فَوْقهَا، فَقَالَ: هَذَا وَالَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مقَام الَّذِي أنزلت عَلَيْهِ سُورَة الْبَقَرَة. وَفِي تَخْصِيصه سُورَة الْبَقَرَة دون غَيرهَا وَجْهَان: أَحدهمَا: لِأَن مُعظم الْمَنَاسِك وَمَا يتَعَلَّق بِالْحَجِّ فِيهَا. وَالثَّانِي: لطولها وَعظم قدرهَا وَكَثْرَة مَا تحوي من الْأَحْكَام. وَقد خصها رَسُول الله بعجز الفجرة عَن حفظهَا، فَقَالَ: " وَلَا تستطيعها البطلة " وَأمر الْعَبَّاس يَوْم حنين لما فر النَّاس فَقَالَ: " نَاد بأصحاب السمرَة: يَا أَصْحَاب سُورَة الْبَقَرَة " وَيُمكن أَن يكون خص الْبَقَرَة بِالذكر حِين فرارهم لِأَن فِيهَا: {كم من فِئَة قَليلَة غلبت فِئَة كَثِيرَة} [249] وفيهَا: {فهزموهم بِإِذن الله} [251] ، أَو لِأَن فِيهَا: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} [40] وفيهَا: {وَمن النَّاس من يشري نَفسه} [207] . وَفِي هَذَا الحَدِيث رد على أَقوام قَالُوا: لَا يُقَال سُورَة الْبَقَرَة، وَإِنَّمَا الحديث: 210 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 يُقَال: السُّورَة الَّتِي تذكر فِيهَا الْبَقَرَة، لِأَنَّهُ قَالَ: الَّذِي أنزلت عَلَيْهِ سُورَة الْبَقَرَة. 211 - / 241 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: جَاءَ رجل فَقَالَ لِابْنِ مَسْعُود: إِن قَاصا عِنْد أَبْوَاب كِنْدَة يقص وَيَزْعُم أَن آيَة الدُّخان تَجِيء فتأخذ بِأَنْفَاسِ الْكفَّار، وَيَأْخُذ الْمُؤمن مِنْهُ كَهَيئَةِ الزُّكَام. فَقَالَ عبد الله وَجلسَ وَهُوَ غَضْبَان: يَا أَيهَا النَّاس، اتَّقوا، من علم شَيْئا فَلْيقل بِمَا يعلم، وَمن لَا يعلم فَلْيقل الله أعلم. إِن رَسُول الله لما رأى من النَّاس إدبارا قَالَ: " اللَّهُمَّ سبع كسبع يُوسُف "، فَأَخَذتهم سنة حصت كل شَيْء حَتَّى أكلُوا الْجُلُود وَالْميتَة من الْجُوع، وَينظر إِلَى السَّمَاء أحدهم فَيرى كَهَيئَةِ الدُّخان، قَالَ الله تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} [الدُّخان: 10] . قَوْله: " سبع كسبع يُوسُف ". يَعْنِي سبع سِنِين، يُشِير إِلَى قَوْله: {قَالَ تزرعون سبع سِنِين دأبا} [يُوسُف: 47] . وحصت: أذهبت النَّبَات فَانْكَشَفَتْ الأَرْض، وَأَصله الظُّهُور والتبين. والأحص: الْقَلِيل الشّعْر. وَقَوله: {فَارْتَقِبْ} أَي فانتظر. وَقد فسر ابْن مَسْعُود فِي هَذَا الحَدِيث الدُّخان بِأَنَّهُ كَانَ من شدَّة جوع أهل مَكَّة، كَانَ أحدهم يرى مَا بَينه وَبَين السَّمَاء كَهَيئَةِ الدُّخان، وَأنكر أَن يكون دُخان يَجِيء قبل الْقِيَامَة، وَقَالَ: أفنكشف عَذَاب الْآخِرَة. يُشِير الحديث: 211 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 إِلَى قَوْله: {إِنَّا كاشفوا الْعَذَاب} [الدُّخان: 15] وَقد ذهب إِلَى مَا أنكرهُ ابْن مَسْعُود جمَاعَة وَقَالُوا: إِنَّه دُخان يَأْتِي قبل قيام السَّاعَة، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عَليّ وَابْن عمر وَأبي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَالْحسن. وَقَالَ ابْن أبي مليكَة: غَدَوْت على ابْن عَبَّاس ذَات يَوْم فَقَالَ: مَا نمت اللَّيْلَة. قلت: وَلم؟ قَالَ: طلع الْكَوْكَب ذُو الذَّنب فَخَشِيت أَن يطْرق الدُّخان. وعَلى قَول هَؤُلَاءِ يكْشف هَذَا الْعَذَاب فِي الْقِيَامَة قَلِيلا ثمَّ يعودون إِلَى عَذَاب شَدِيد. وعَلى هَذَا تكون البطشة الْكُبْرَى فِي الْقِيَامَة. وعَلى قَول ابْن مَسْعُود كَانَت يَوْم بدر. وَقَوله: {فَسَوف يكون لزاما} [الْفرْقَان: 77] أَي يكون تكذيبكم عذَابا لَازِما لكم. 212 - / 242 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: " لَيْسَ منا من ضرب الخدود، وشق الْجُيُوب، ودعا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة ". قَوْله: " لَيْسَ منا " أَي لَيْسَ على طريقتنا وسنتنا، وَإِنَّمَا نهى عَمَّا يدْخل تَحت الْكسْب من ضرب الخد وشق الجيب، وَلم ينْه عَن الْبكاء والحزن. وَأما دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة فَمَا كَانُوا يذكرُونَهُ عِنْد موت الْمَيِّت، تَارَة من تَعْظِيمه ومدحه، وَتارَة من النّدب عَلَيْهِ مثل قَوْلهم: واجبلاه. 213 - / 244 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: " لَيْسَ من نفس تقتل ظلما إِلَّا كَانَ على ابْن آدم الأول كفل من دَمهَا، لِأَنَّهُ سنّ الْقَتْل أَولا ". الحديث: 212 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 ابْن آدم: هُوَ قابيل، وَهُوَ أول من قتل. وللمتقدم فِي الْخَيْر وَالشَّر أثر يزِيد بِهِ على غَيره، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " من سنّ فِي الْإِسْلَام سنة حَسَنَة كَانَ لَهُ أجرهَا وَأجر من عمل بهَا بعده من غير أَن ينقص من أُجُورهم شَيْء، وَمن سنّ فِي الْإِسْلَام سنة سَيِّئَة كَانَ عَلَيْهِ وزرها ووزر من عمل بهَا بعده من غير أَن ينقص من أوزارهم شَيْء ". 214 - / 245 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين: " إِن أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة المصورون " وَرَوَاهُ البرقاني فَقَالَ فِيهِ: " إِن أَشد النَّاس عذَابا رجل قَتله نَبِي، أَو مُصَور ". أما المصورون فَإِنَّمَا اشْتَدَّ عَذَابهمْ لأَنهم ضاهوا فعل الله عز وَجل، فَفَعَلُوا كَمَا فعل من تَصْوِير الصُّور، وَسَيَأْتِي شرح هَذَا بَالغا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَأما من قَتله نَبِي فالغالب أَنه لَا يقْتله النَّبِي حَتَّى يروم قتل النَّبِي، فَإِذا قَتله النَّبِي الَّذِي جَاءَ بالتلطف دلّ على أَنه قد بارز بعناد لَا يتلافى، فضوعف عَذَابه. 215 - / 248 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: ذكر سلى الْجَزُور الَّذِي ألقِي على ظهر رَسُول الله. السلى: هُوَ الْوِعَاء الَّذِي يكون فِيهِ الْوَلَد إِذا وضع الْجَزُور من الْإِبِل، سمي بذلك للجزر، وَهُوَ الْقطع. الحديث: 214 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 وَقَوله: فانبعث أشقي الْقَوْم وَهُوَ عقبَة بن أبي معيط. والمنعة: الْعِزّ والامتناع من الْعَدو. وَفِي هَذَا الحَدِيث ذكر الْوَلِيد بن عتبَة فِي الْجَمَاعَة الَّذين حَضَرُوا ذَلِك، وَهَذَا غلط فقد روى هَذَا الحَدِيث البرقاني فَقَالَ: السَّابِع عمَارَة ابْن الْوَلِيد، وَهُوَ الصَّحِيح. وَقد رَوَاهُ أَحْمد فِي " مُسْنده " فَقَالَ فِيهِ: ثمَّ سحبوا إِلَى القليب غير أبي بن خلف أَو أُميَّة، هَكَذَا على الشَّك، وَهُوَ من الرَّاوِي، وَإِنَّمَا هُوَ أُميَّة بِلَا شكّ، فَإِن أبي بن خلف لم يقتل يَوْم بدر، وَإِنَّمَا أسر ففدى نَفسه وَعَاد إِلَى مَكَّة، ثمَّ جَاءَ يَوْم أحد فَقتله رَسُول الله بِيَدِهِ يَوْمئِذٍ. والقليب: الْبِئْر الَّتِي لم تطو، فَإِذا طويت فَهِيَ الطوي. وانزعاج الْقَوْم من دُعَائِهِ عَلَيْهِم دَلِيل على علمهمْ بصدقه، وَإِنَّمَا غلبهم الْهوى والحسد. 216 - / 249 - الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ: دخل النَّبِي يَوْم الْفَتْح وحول الْكَعْبَة ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ نصبا، فَجعل يطعنها بِعُود كَانَ فِي يَده وَيَقُول: " جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل ". فِي تَسْمِيَة الْكَعْبَة كعبة قَولَانِ: أَحدهمَا: لِأَنَّهَا مربعة، يُقَال: برد مكعب: إِذا طوي مربعًا، الحديث: 216 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 وَهَذَا مَذْهَب عِكْرِمَة وَمُجاهد. وَالثَّانِي: لعلوها ونتوءها. يُقَال: كعبت الْمَرْأَة كعابة فَهِيَ كاعب: إِذا نتأ ثديها. وَأما النصب فَهُوَ وَاحِد الأنصاب: وَهِي الْأَصْنَام الَّتِي كَانُوا ينصبونها ويعبدونها. وَقَوله: " جَاءَ الْحق " يَعْنِي الْإِسْلَام والتوحيد. " وزهق " أَي بَطل واضمحل " الْبَاطِل " وَهُوَ الشّرك. فَإِن قيل: الشّرك فِي اعْتِقَاد أَهله صَحِيح مَعْمُول عَلَيْهِ عِنْدهم، فَكيف يُقَال: بَطل؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه لما أزيلت الْأَصْنَام وَمنع من عبادتها بِمَكَّة بطلت. وَالثَّانِي: أَنه لما وضح عيب الشّرك بِالدَّلِيلِ بَطل حكمه عِنْد المتدبر النَّاظر. وَقَوله: {وَمَا يبدئ الْبَاطِل} [سبأ: 49] قَالَ قَتَادَة: الْبَاطِل: الشَّيْطَان، لَا يخلق خلقا وَلَا يَبْعَثهُ. وَقَالَ الضَّحَّاك: هِيَ الْأَصْنَام، لَا تبدئ خلقا وَلَا تحييه. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الدِّمَشْقِي: لَا يَبْتَدِئ الصَّنَم كلَاما وَلَا يرد. 217 - / 250 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: قَوْله: {أُولَئِكَ الَّذين يدعونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الْوَسِيلَة} [الْإِسْرَاء: 57] قَالَ: كَانَ نفر من الْإِنْس يعْبدُونَ نَفرا من الْجِنّ، فَأسلم النَّفر من الْجِنّ، فَاسْتَمْسك الحديث: 217 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 الْآخرُونَ بعبادتهم، فَنزلت: {أُولَئِكَ الَّذين يدعونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الْوَسِيلَة} . الْوَسِيلَة: الْقرْبَة، يُقَال: توسلت إِلَى فلَان: أَي تقربت، وأنشدوا: (إِذا غفل الواشون عدنا لوصلنا ... وَعَاد التصافي بَيْننَا والوسائل) و (يدعونَ) بِمَعْنى يعْبدُونَ، وَالْمعْنَى: أَن الَّذين يعبدهم هَؤُلَاءِ يطْلبُونَ التَّقَرُّب إِلَى الله عز وَجل. 218 - / 251 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْعِشْرين: عَلمنِي رَسُول الله التَّشَهُّد: التَّحِيَّات لله، والصلوات والطيبات. فِي التَّحِيَّات ثَلَاثَة أَقْوَال ذكرهَا ابْن الْقَاسِم: أَحدهَا: أَنه السَّلَام، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا حييتُمْ بِتَحِيَّة} [النِّسَاء: 86] أَي: إِذا سلم عَلَيْكُم. وَالثَّانِي: أَنه الْملك، وَذَلِكَ أَن الْملك كَانَ يحيا فَيُقَال لَهُ: أنعم صباحا أَيهَا الْملك، أَبيت اللَّعْن، قَالَ عَمْرو بن معد يكرب: (أَسِيرهَا إِلَى النُّعْمَان حَتَّى ... أُنِيخ على تحيته بجند) الحديث: 218 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 أَي على ملكه. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: إِنَّمَا كَانَت التَّحِيَّة الْملك لِأَن الْملك كَانَ يحيا فَيُقَال لَهُ: أنعم صباحا، لَا يُقَال ذَلِك لغيره، ثمَّ سمي الْملك تَحِيَّة إِذْ كَانَت التَّحِيَّة لَا تكون إِلَّا للْملك. وَالثَّالِث: أَن التَّحِيَّات الْبَقَاء، قَالَ زُهَيْر بن جناب: (أبني إِن أهلك فإنني ... قد بنيت لكم بنيه) (وتركتكم أَو لَا سَادَات ... زنادكم وريه) (من كل مَا نَالَ الْفَتى ... قد نلته إِلَّا التحيه) أَي: إِلَّا الْبَقَاء، فَإِنَّهُ لَا ينَال. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: إِنَّمَا أَرَادَ بِالْبَيْتِ الْملك، فَكَأَنَّهُ قَالَ: قد نلْت كل شَيْء إِلَّا أَنِّي لم أصر ملكا. أما الصَّلَوَات فَهِيَ الرَّحْمَة. والطيبات أَي: والطيبات من الْكَلَام لله، أَي ذَلِك يَلِيق بمجده. وَقَوله: " السَّلَام عَلَيْك " فِي السَّلَام قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه اسْم لله عز وَجل. وَمَعْنَاهُ ذُو السَّلامَة: أَي صَاحبهَا، وَالْمعْنَى: عَلَيْك، أَي على حفظك. وَالثَّانِي: أَنه جمع سَلامَة. وَتشهد ابْن مَسْعُود هَذَا هُوَ اخْتِيَار أَحْمد بن حَنْبَل وَأبي حنيفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وَأَصْحَابه، وَأما مَالك فيختار تشهد عمر بن الْخطاب، وَفِيه: التَّحِيَّات لله، الزاكيات لله، الصَّلَوَات لله. وَأما الشَّافِعِي فيختار تشهد ابْن عَبَّاس: " التَّحِيَّات المباركات الصَّلَوَات لله " وَسَيَأْتِي فِي أَفْرَاد مُسلم من مُسْند ابْن عَبَّاس. ثمَّ يَقع الِاتِّفَاق فِيمَا بعد هَذِه الْأَلْفَاظ. وَقَوله: ثمَّ يتَخَيَّر من الْمَسْأَلَة مَا شَاءَ. مَحْمُول عندنَا على التخير من الْأَدْعِيَة الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن وَفِي الحَدِيث، وَمَتى دَعَا بِكَلَام من عِنْده مثل أَن يَقُول: اللَّهُمَّ ارزقني جَارِيَة، أَو طَعَاما، فَسدتْ صلَاته، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ يجوز أَن يَدْعُو بِمَا شَاءَ. وَقد اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث من لَا يرى وجوب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد، فَقَالَ: لما ذكر التَّشَهُّد قَالَ: " ثمَّ يتَخَيَّر من الْمَسْأَلَة " فَدلَّ على أَنه لَا يجب سوى مَا ذكر. وَالْجَوَاب أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي ذَلِك: فَقَالَ الشَّافِعِي: الصَّلَاة عَلَيْهِ بعد التَّشَهُّد وَاجِبَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: سنة. وَعَن أَحْمد كالمذهبين وَوجه الْإِيجَاب أَن الله تَعَالَى أَمر بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا} [الْأَحْزَاب: 56] وَلَا خلاف أَن الصَّلَاة عَلَيْهِ لَا تجب فِي غير الصَّلَاة، وَقد وَقع الِاتِّفَاق على وجوب التَّسْلِيم عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة، فَكَانَت الصَّلَاة وَاجِبَة عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 219 - / 252 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين: بَيْنَمَا نَحن مَعَ رَسُول الله بمنى انْفَلق الْقَمَر فلقَتَيْنِ. الفلقة: الْقطعَة من الشَّيْء المنشق. قَالَ ابْن عَبَّاس: اجْتمع الْمُشْركُونَ إِلَى رَسُول الله فَقَالُوا: إِن كنت صَادِقا فشق لنا الْقَمَر فلقَتَيْنِ. فَقَالَ: " إِن فعلت ذَلِك تؤمنون؟ " قَالُوا: نعم، فَسَأَلَ ربه، فانشق الْقَمَر فرْقَتَيْن، وَرَسُول الله يُنَادي: " يَا فلَان، يَا فلَان، اشْهَدْ " وَقَالَ مُجَاهِد: ثبتَتْ فرقة وَذَهَبت فرقة من وَرَاء الْجَبَل. وَقَالَ ابْن زيد: كَانَ يرى نصفه على قعيقعان وَالنّصف الآخر على أبي قبيس. قَالَ ابْن مَسْعُود: فَقَالَ قُرَيْش: سحركم ابْن أبي كَبْشَة. فاسألوا السفار فَسَأَلُوهُمْ، فَقَالُوا: نعم، قد رَأَيْنَاهُ، فَنزلت قَوْله: {اقْتَرَبت السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر} [فَاتِحَة الْقَمَر] . وَاعْلَم أَن انْشِقَاق الْقَمَر من الْآيَات الَّتِي فاق بهَا على الْأَنْبِيَاء، فَلَيْسَ لَهُم مثلهَا؛ لِأَنَّهُ أَمر خَارج عَن الْأُمُور الأرضية. وَقد اعْترض قوم فَقَالُوا: كَيفَ نقل هَذَا نقل آحَاد والخلق قد رَأَوْهُ؟ فَالْجَوَاب: إِن هَذَا أَمر طلبه قوم من أهل مَكَّة فَأَرَاهُم تِلْكَ الْآيَة لَيْلًا، وَأكْثر النَّاس نيام وَفِي أسمارهم وأشغالهم، وَإِنَّمَا رَآهُ الْقَلِيل مِمَّن لم يطْلب، وَلَو ظهر لجَمِيع الْخلق ثمَّ لم يُؤمنُوا لبغتوا بِالْعَذَابِ كَمَا جرى للأمم المكذبة بِالْآيَاتِ الحسية، قَالَ عز وَجل: {وَمَا منعنَا أَن نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كذب بهَا الْأَولونَ} [الْإِسْرَاء: 59] الْمَعْنى: كذبُوا فأهلكوا، وَلَو أرسلناها فَكَذَّبْتُمْ لأهلكتكم. الحديث: 219 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 والإشارات إِلَى الْآيَات الحسية، كناقة صَالح. وَقد روى حَدِيث انْشِقَاق الْقَمَر جمَاعَة من الصَّحَابَة، إِلَّا أَنه فِي الصِّحَاح من حَدِيث ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَأنس بن مَالك. 220 - / 254 - وَفِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ: إِنَّك لتوعك وعكا شَدِيدا. وَقد فسرناه فِي حَدِيث السَّقِيفَة. وَقد دلّ الحَدِيث على أَن الْقوي يحمل، والضعيف يرفق بِهِ، إِلَّا أَنه كلما قويت الْمعرفَة بالمبتلي هان الْبلَاء الشَّديد، وَمن أهل الْبلَاء من يرى الْأجر فيهون الْبلَاء عَلَيْهِ، وَأَعْلَى مِنْهُ من يرى تصرف المبتلي فِي ملكه، وَأَرْفَع مِنْهُ من تشغله محبَّة الْحق عَن وَقع الْبلَاء، وَنِهَايَة الْمَرَاتِب التَّلَذُّذ بِضَرْب الحبيب، لِأَنَّهُ عَن اخْتِيَاره نَشأ. 221 - / 255 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ: قَالَ ابْن مَسْعُود: إِن الْمُؤمن يرى ذنُوبه كَأَنَّهُ قَاعد تَحت جبل يخَاف أَن يَقع عَلَيْهِ. إِنَّمَا كَانَت هَذِه صفة الْمُؤمن لشدَّة خَوفه من الْعقُوبَة، لِأَنَّهُ على يَقِين من الذَّنب، وَلَيْسَ على يَقِين من الْمَغْفِرَة، والفاجر قَلِيل الْمعرفَة بِاللَّه، فَلذَلِك قل خَوفه فاستهان بِالْمَعَاصِي. وَالْأَرْض الدوية منسوبة إِلَى الدو: وَهِي الْمَفَازَة القفر الَّتِي تبعد الحديث: 220 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 عَن الْعمرَان، فيخاف على سالكها الْهَلَاك. وَمَا ضرب من الْمثل فِي هَذَا الحَدِيث لفرح الله عز وَجل بِالتَّوْبَةِ يبين أثر الْقبُول، وَلَا يجوز أَن يعْتَقد فِي الله تَعَالَى مَا يعْتَقد فِي المخلوقين من التأثر، فَإِن الله عز وَجل يُؤثر وَلَا يتأثر، وَصِفَاته قديمَة فَلَا تحدث لَهُ صفة. 222 - / 256 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ: " لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رجل آتَاهُ الله مَالا فَسَلَّطَهُ على هَلَكته فِي الْحق، وَرجل آتَاهُ الله حِكْمَة فَهُوَ يقْضِي بهَا وَيعلمهَا ". الْحَسَد: هُوَ تمني زَوَال النِّعْمَة عَن الْمَحْسُود وَإِن لم تصر للحاسد، وَسَببه أَنه قد وضع فِي الطباع كَرَاهَة الْمُمَاثلَة وَحب الرّفْعَة على الْجِنْس، فَإِذا رأى الْإِنْسَان من قد نَالَ مَا لم ينل أحب بالطبع أَن يَزُول ذَلِك ليَقَع التَّسَاوِي، أَو ليحصل لَهُ الِارْتفَاع على ذَلِك الشَّخْص. وَهَذَا أَمر مركوز فِي الطباع، وَلَا يسلم مِنْهُ أحد، وَإِنَّمَا المذموم الْعَمَل بِمُقْتَضى ذَلِك من سبّ الْمُنعم عَلَيْهِ، أَو السَّعْي فِي إِزَالَة نعْمَته. ثمَّ يَنْبَغِي للْإنْسَان إِذا وجد الْحَسَد من نَفسه أَن يكره كَون ذَلِك فِيهِ كَمَا يكره مَا وضع فِي طبعه من حب المنهيات، وَقد ذمّ الْحَسَد على الْإِطْلَاق لما ينتجه ويوجبه. فَأَما الحَدِيث فَلهُ ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن المُرَاد بِالْحَسَدِ الْغِبْطَة، وَالْغِبْطَة: تمني مثل نعْمَة الْمَحْسُود من غير حب زَوَالهَا عَن المغبوط، وَهَذَا ممدوح. وَلما كَانَ كثير من النَّاس لَا يفرقون بَين الْحَسَد وَالْغِبْطَة سمي هَذَا باسم هَذَا تجوزا. الحديث: 222 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وَالثَّانِي: أَن المُرَاد بِالْحَسَدِ فِي هَذَا الحَدِيث شدَّة الْحِرْص وَالرَّغْبَة، فكنى بِالْحَسَدِ عَنْهُمَا لِأَنَّهُمَا سَبَب الْحَسَد والداعي إِلَيْهِ، هَذَا مَذْهَب أبي سُلَيْمَان الْخطابِيّ. وَالثَّالِث: أَن المُرَاد بِالْحَدِيثِ نفي الْحَسَد فَحسب، فَقَوله: " لَا حسد " كَلَام تَامّ، وَهُوَ نفي فِي معنى النَّهْي. وَقَوله: " إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ " اسْتثِْنَاء لَيْسَ من الْجِنْس، وَمثله: {وَمَا لأحد عِنْده من نعْمَة تجزى إِلَّا ابْتِغَاء وَجه ربه الْأَعْلَى} [اللَّيْل: 19، 20] . وَأما الْحِكْمَة فَإِنَّهَا علم مُحكم، وَسميت حِكْمَة من الحكم: وَهُوَ الْمَنْع، فالحكمة تمنع الْحَكِيم من الْجَهْل. وَسميت حِكْمَة الدَّابَّة لِأَنَّهَا تمنعها الْخلاف. وَمعنى: " يقْضِي بهَا " يعْمل وَيَقُول. 223 - / 257 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ: رخص لنا أَن ننكح الْمَرْأَة بِالثَّوْبِ إِلَى أجل. هَذِه هِيَ الْمُتْعَة، وَقد ذَكرنَاهَا فِي مُسْند عمر، وَبينا أَنَّهَا نسخت. 224 - / 259 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ: " إِنَّهَا سَتَكُون بعدِي أَثَرَة ". الحديث: 223 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 الأثرة: الاستئثار، وَهُوَ انْفِرَاد المستأثر بِمَا يستأثر بِهِ عَمَّن لَهُ فِيهِ حق. وَقَوله: " تؤدون الْحق الَّذِي عَلَيْكُم " أَي من طَاعَة الْأُمَرَاء، وَترك الْخُرُوج عَلَيْهِم. 225 - / 260 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ: " إِن خلق أحدكُم يجمع فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثمَّ يكون علقَة مثل ذَلِك، ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذَلِك، ثمَّ يبْعَث الله ملكا بِأَرْبَع كَلِمَات: يكْتب رزقه، وأجله، وَعَمله، وشقي أَو سعيد، ثمَّ ينْفخ فِيهِ الرّوح. فو الَّذِي لَا إِلَه غَيره، إِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذِرَاع، فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار فيدخلها، وَإِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل النَّار حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذِرَاع، فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة فيدخلها ". هَكَذَا أخرج الحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَظَاهر سِيَاقه يدل على أَنه كُله من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد أَنبأَنَا عبد الْوَهَّاب الْحَافِظ قَالَ: أخبرنَا جَعْفَر بن أَحْمد قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت قَالَ: من أول الحَدِيث إِلَى قَوْله: " وشقي أَو سعيد " من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا بعده إِلَى آخر الحَدِيث من كَلَام ابْن مَسْعُود. وَقد رَوَاهُ بِطُولِهِ سَلمَة بن كهيل عَن زيد بن وهب ففصل كَلَام ابْن مَسْعُود من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. الحديث: 225 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 فَأَما تَفْسِيره: فالعلقة: دم عبيط جامد، وَسميت علقَة لرطوبتها وتعلقها بِمَا تمر بِهِ، والمضغة: لحْمَة صَغِيرَة، قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَسميت بذلك لِأَنَّهَا بِقدر مَا يمضغ، كَمَا يُقَال غرفَة لقدر مَا يغْرف. والْحَدِيث يدل على أَن الْأُمُور مقدرَة. وَقَوله: فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب: يَعْنِي مَا قضي لَهُ. 226 - / 261 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: " خير النَّاس قَرْني، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ يَجِيء قوم تسبق شَهَادَة أحدهم يَمِينه، وَيَمِينه شَهَادَته ". الْقرن: مِقْدَار التَّوَسُّط فِي أَعمار أهل الزَّمَان، فَهُوَ فِي كل قوم على قدر أعمارهم. واشتقاقه من الاقتران، فَهُوَ الْمِقْدَار الَّذِي يقْتَرن فِيهِ بَقَاء أهل ذَلِك الزَّمَان فِي الْأَغْلَب. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وَالْمعْنَى: خير النَّاس أهل قَرْني، فَحذف الْمُضَاف. وَقَالَ غَيره: قد يُسمى أهل الْعَصْر قرنا لاقترانهم فِي الْوُجُود. وَقَوله: " يسْبق شَهَادَة أحدهم يَمِينه " يَعْنِي أَنهم لَا يتورعون فِي أَقْوَالهم، ويستهينون بِالشَّهَادَةِ وَالْيَمِين. 227 - / 262 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ: قَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اقْرَأ عَليّ ". هَذَا الحَدِيث يحث على اسْتِمَاع الْقَارئ الْقُرْآن من غَيره، والمذكر الحديث: 226 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 التَّذْكِير من سواهُ، لِأَنَّهُ حَالَة تِلَاوَته وتذكيره يشْتَغل بإصلاح النُّطْق، فَإِذا سمع من غَيره جمع همه فِي الْإِنْصَات. وَقَوله: فَإِذا عَيناهُ تَذْرِفَانِ. يُقَال: ذرفت الْعين دمعها: إِذا أطلقته، وذرف الدمع يذرف ذروفا، والمذارف: المدامع. وَإِنَّمَا بَكَى عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد هَذِه الْآيَة: {فَكيف إِذا جِئْنَا من كل أمة بِشَهِيد وَجِئْنَا بك على هَؤُلَاءِ شَهِيدا} [النِّسَاء: 41] لِأَنَّهُ لَا بُد لَهُ من الشَّهَادَة، وَالْحكم على الْمَشْهُود عَلَيْهِ إِنَّمَا يكون بقول الشَّاهِد، فَلَمَّا كَانَ هُوَ الشَّاهِد، وَهُوَ الشافع بَكَى على المفرطين مِنْهُم. 228 - / 264 - وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين: سَأَلت رَسُول الله: أَي الذَّنب أعظم؟ فَقَالَ: " أَن تجْعَل لله ندا وَهُوَ خلقك ". الند: الْمثل، يُقَال هَذَا ند هَذَا ونديده. وَقَوله: ثمَّ أَي؟ مشدد منون، كَذَلِك سمعته من أبي مُحَمَّد الخشاب، وَقَالَ: لَا يجوز إِلَّا تنوينه، لِأَنَّهُ اسْم مُعرب غير مُضَاف، وَقَالَ: وَمعنى غير مُضَاف: أَن يُقَال: أَي الرجلَيْن؟ وَقَوله: " أَن تقتل ولدك " إِشَارَة إِلَى الموءودة. وَقَوله: " أَن تُزَانِي حَلِيلَة جَارك " تُزَانِي: تفَاعل، من الزِّنَا. والحليلة وَاحِدَة الحلائل: وَهن الْأزْوَاج. وَقَالَ الزّجاج: حَلِيلَة يَعْنِي محلّة، وَهِي مُشْتَقَّة من الْحَلَال. وقرأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: الحليل: الزَّوْج، والحليلة: الْمَرْأَة، وسميا ذَلِك إِمَّا لِأَنَّهُمَا يحلان فِي مَوضِع وَاحِد، أَو لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يُحَال صَاحبه: الحديث: 228 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 أَي ينازله، أَو لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مَحل إِزَار صَاحبه. قلت: فَلَمَّا كَانَ الشّرك أعظم الذُّنُوب بَدَأَ بِهِ لِأَنَّهُ جحد للتوحيد، ثمَّ ثناه بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ محو للموجد، وَلم يكف كَونه قتلا، حَتَّى جمع بَين وصف الْولادَة وظلم من لَا يعقل وَعلة الْبُخْل، فَلذَلِك خصّه بِالذكر من بَين أَنْوَاع الْقَتْل، ثمَّ ثلث بِالزِّنَا لِأَنَّهُ سَبَب لاختلاط الْفرش والأنساب، وَخص حَلِيلَة الْجَار لِأَن ذَنْب الزِّنَا بهَا يَتَفَاقَم بهتك حُرْمَة الْجَار، وَقد كَانَ الْعَرَب يتشددون فِي حفظ ذمَّة الْجَار، ويتمادحون بِحِفْظ امْرَأَة الْجَار، قَالَ عنترة: (يَا شَاة مَا قنص لمن حلت لَهُ ... حرمت عَليّ وليتها لم تحرم) قَالَ ابْن قُتَيْبَة: عرض بجارته، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَي صيد أَنْت لمن حل لَهُ أَن يصيدك، أما أَنا فَإِن حُرْمَة الْجوَار قد حرمتك عَليّ. وَقَالَ مِسْكين الدَّارمِيّ: (مَا ضرّ لي جَار أجاوره ... أَلا يكون لبابه ستر) (أعمى إِذا مَا جارتي خرجت ... حَتَّى يواري جارتي الْجدر) (وتصم عَمَّا بَينهم أُذُنِي ... حَتَّى يكون كَأَنَّهُ وقر) وَقد اخْتلفت أَحَادِيث الصَّحِيح فِي عدد الْكَبَائِر، فَهِيَ هَاهُنَا ثَلَاث، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث أبي بكرَة ثَلَاث أَيْضا إِلَّا أَنَّهَا تخْتَلف، وَتَأْتِي فِي حَدِيث أنس أَربع، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو إِلَّا أَنَّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 تخْتَلف، وَيَأْتِي فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة سبع، وَوجه هَذَا الِاخْتِلَاف أَن يكون ذكر لكل قوم مَا يقرب من أفعالهم من الذُّنُوب، أَو أَن يكون ذكر الْأُصُول فِي مَوضِع وَزَاد تَفْرِيعا فِي مَوضِع. 229 - / 266 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله، إِنِّي عَالَجت امْرَأَة. يُشِير بذلك إِلَى اللَّمْس والتقبيل وَنَحْو ذَلِك. وَقَوله: مَا دون أَن أَمسهَا، يَعْنِي بالمس الْوَطْء، فَهُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِن طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} [الْبَقَرَة: 237] . وَاخْتلفُوا فِي اسْم هَذَا الرجل على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: عَمْرو بن غزيَّة بن عَمْرو، أَبُو حَيَّة الْأنْصَارِيّ التمار، رَوَاهُ أَبُو صَالح عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: وَكَانَ يَبِيع التَّمْر، فَأَتَتْهُ امْرَأَة تبْتَاع مِنْهُ فَأَعْجَبتهُ، فَقَالَ لَهَا: إِن فِي الْبَيْت تَمرا أَجود من هَذَا فانطلقي معي حَتَّى أُعْطِيك مِنْهُ، فَنزلت فِيهِ هَذِه الْآيَة. وَالثَّانِي: أَنه أَبُو مقبل عَامر بن قيس الْأنْصَارِيّ، قَالَه مقَاتل. وَالثَّالِث: أَنه أَبُو التيسر كَعْب بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ، ذكره أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت. وَهَذَا الرجل لما غَلبه هَوَاهُ انتقم مِنْهُ بِتَسْلِيم نَفسه إِلَى الْعقُوبَة، فَقَالَ: أَنا هَذَا، فَاقْض فِي مَا شِئْت. وَقَول عمر: لقد سترك الله لَو سترت نَفسك، كَلَام عَالم حَازِم، الحديث: 229 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 وَذَلِكَ أَن من أَتَى ذَنبا واستتر بِهِ وَتَابَ، كَانَ ذَلِك أولى من إِظْهَاره لإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يفضح نَفسه بِالْإِقْرَارِ. وَقد نَص على هَذَا أَحْمد ابْن حَنْبَل وَالشَّافِعِيّ، وَيدل على هَذَا تَنْبِيه الرَّسُول ماعزا على الرُّجُوع بقوله: " ارْجع " وَقَوله: " لَعَلَّك قبلت أَو غمزت " وَلَو كَانَ الْإِقْرَار مُسْتَحبا لما لقنه الرُّجُوع عَن الْمُسْتَحبّ. وأوضح من هَذَا فِي الدَّلِيل قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " من أَتَى شَيْئا من هَذِه القاذورات فليستتر بستر الله ". فَأَما إِذا كَانَت الجريمة قد شاعت فَفِيهِ وَجْهَان عَن أَصْحَابنَا: أَحدهمَا: أَنه يسْتَحبّ لَهُ أَن يَأْتِي الْحَاكِم ويقر لَهُ ليقيم عَلَيْهِ الْحَد، قَالَه القَاضِي أَبُو يعلى. وَالثَّانِي: أَنه لَا يسْتَحبّ، لِأَنَّهُ لَو كَانَ مُسْتَحبا لما لقن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ماعزا أَن يرجع، قَالَه ابْن عقيل، وَهُوَ الصَّحِيح. وَقَوله: {وأقم الصَّلَاة} [هود: 114] مَعْنَاهُ: أتم ركوعها وسجودها. والطرف: الْجَانِب. قَالَ ثَعْلَب: وَأول النَّهَار عِنْد الْعَرَب طُلُوع الشَّمْس. وَقَالَ ابْن فَارس: النَّهَار ضِيَاء مَا بَين طُلُوع الْفجْر إِلَى غرُوب الشَّمْس. وللمفسرين فِي المُرَاد بِصَلَاة الطّرف الأول قَولَانِ: أَحدهمَا: الْفجْر، قَالَه الْأَكْثَرُونَ. وَالثَّانِي: الظّهْر، حَكَاهُ ابْن جرير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 وَلَهُم فِي الطّرف الثَّانِي ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا صَلَاة الْمغرب، قَالَه ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: الْعَصْر: قَالَه قَتَادَة. وَالثَّالِث: الظّهْر وَالْعصر، قَالَه مُجَاهِد. قَوْله: {وَزلفًا من اللَّيْل} قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الزلف السَّاعَات، وَاحِدهَا زلفة: أَي سَاعَة ومنزلة وقربة، وَمِنْه سميت الْمزْدَلِفَة، قَالَ العجاج. (نَاجٍ طواه الأين مِمَّا أوجفا ... ) (طي اللَّيَالِي زلفا فزلفا ... ) (سماوة الْهلَال حَتَّى احقوقفا ... ) وللمفسرين فِي صَلَاة الزلف قَولَانِ: أَحدهمَا الْعشَاء، وَالثَّانِي الْمغرب وَالْعشَاء، وَالْقَوْلَان عَن ابْن عَبَّاس. وَقَوله: {إِن الْحَسَنَات} يَعْنِي الصَّلَوَات الْخمس {يذْهبن السَّيِّئَات} يَعْنِي صغائر الذُّنُوب، {ذَلِك} يَعْنِي إقَام الصَّلَاة. {ذكرى} أَي تَوْبَة لِلذَّاكِرِينَ. قَوْله: فَقَالَ رجل من الْقَوْم: هَذَا لَهُ خَاصَّة؟ اخْتلفُوا فِي هَذَا الرجل السَّائِل على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه عمر بن الْخطاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 وَالثَّانِي: أَبُو الْيُسْر. وَالثَّالِث: معَاذ بن جبل، ذكر هَذِه الْأَقْوَال أَحْمد ابْن عَليّ بن ثَابت. 230 - / 267 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ: " لَا يمنعن أحدكُم أَذَان بِلَال من سحوره، فَإِنَّهُ يُؤذن - أَو قَالَ: يُنَادي - بلَيْل، ليرْجع قائمكم، ويوقظ نائمكم ". هَذَا الحَدِيث يدل على جَوَاز الْأَذَان للفجر قبل طلوعه، لِأَن الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام لم يُنكر على بِلَال فعل ذَلِك، وَهَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَدَاوُد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز. وَقَوله: " ليرْجع قائمكم " أَي ليعلمه بِقرب الْفجْر فيجلس للاستغفار، " ويوقظ نائمكم " ليتأهب للصَّلَاة. وَقَوله: " لَيْسَ الْفجْر أَن تَقول هَكَذَا " كَأَنَّهُ وصف الْفجْر الأول فِي قَوْله: " وَلَيْسَ الْفجْر " وَوصف الثَّانِي فِي الْوَصْف الآخر. وَالْفَجْر: انفجار الظلمَة عَن الضَّوْء. والمستطيل: هُوَ الْفجْر الأول يصعد طولا، ثمَّ تَأتي بعده الظلمَة، ثمَّ يظْهر الْفجْر الثَّانِي مُعْتَرضًا فِي ذيل السَّمَاء، فَهُوَ المستطير، والمستطير: الْمُنْتَشِر بِسُرْعَة، يُقَال: استطار الْفجْر: إِذا انْتَشَر وَاعْترض فِي الْأُفق، وَذَلِكَ الَّذِي يمْنَع السّحُور. الحديث: 230 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 231 - / 268 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: قَالَ عبد الله: من اشْترى محفلة فَردهَا فليرد مَعهَا صَاعا. المحفلة: الْمُصراة، وَهِي الشَّاة وَالْبَقَرَة أَو النَّاقة يتْرك حلبها أَيَّامًا حَتَّى يجْتَمع اللَّبن فِي ضرْعهَا، فيغتر المُشْتَرِي بِمَا يرَاهُ ويظنه فِي كل يَوْم، فَإِذا اشْتَرَاهَا وحلبها بَان لَهُ التَّدْلِيس، وَسميت محفلة لِأَن اللَّبن حفل فِي ضرْعهَا وَاجْتمعَ، وكل شَيْء كثرته فقد حفلته. واحتفل الْقَوْم: اجْتَمعُوا، ومحفلهم: مجمعهم. وَذكر الصَّاع هَاهُنَا مُجمل. وَفِي رِوَايَة: " من تمر " وسنكشف هَذَا ونشبع الْكَلَام فِيهِ فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى، لِأَنَّهُ هَاهُنَا من قَول ابْن مَسْعُود، وَهُوَ هُنَاكَ مَرْفُوع. وَفِي هَذَا الحَدِيث: نهى رَسُول الله عَن تلقي الْبيُوع. وَهُوَ تلقي الركْبَان، فيشتري مِنْهُم وَلَا يعْرفُونَ سعر الْبَلَد، فيبيعون مغترين، وسنشرح هَذَا فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 232 - / 269 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ: " إِذا كُنْتُم ثَلَاثَة فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَان دون الآخر، فَإِن ذَلِك يحزنهُ ". التناجي: كَلَام فِي سر يكون بَين اثْنَيْنِ وَأكْثر، وَهُوَ من النجوة: وَهِي الْمَكَان الْمُرْتَفع، كَأَن المتناجيين بانفرادهما عَن الْجَمَاعَة البَاقِينَ الحديث: 231 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 ارتفعا عَنْهُمَا، وَإِنَّمَا يحزنهُ هَذَا لأحد ثَلَاثَة أَشْيَاء: إِمَّا لِأَنَّهُ يرى إكرام المناجى دونه، أَو يخَاف أَن يعاب بِبَعْض فعله، أَو يحذر دسيس غائلة فِي حَقه، وَقد كَانَ بعض عُلَمَاء السّلف يَقُول: هَذَا مَخْصُوص بِالسَّفرِ، والمواضع الَّتِي لَا يَأْمَن فِيهَا الْإِنْسَان على نَفسه، وَهَذَا التَّخْصِيص لَا وَجه لَهُ لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن الْكَلَام مُطلق. وَالثَّانِي: أَنه لَو كَانَ كَمَا قَالَ لقَالَ: فَإِن ذَلِك يخوفه. فَلَمَّا قَالَ: " يحزنهُ " كَانَ مَا ذكرنَا أليق. وَقَوله: " وَلَا تباشر الْمَرْأَة الْمَرْأَة " كَأَن الْمُبَاشرَة هَاهُنَا مستعارة من التقاء البشرتين للنَّظَر إِلَى الْبشرَة، فتقديره: تنظر إِلَى بَشرَتهَا، وَإِنَّمَا نهى عَن وصفهَا للزَّوْج لِأَن المحاسن إِذا ذكرت أمالت الْقلب إِلَى الْمَوْصُوف، وَكم مِمَّن قد عشق بِالْوَصْفِ. 233 - / 270 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ: " سباب الْمُسلم فسوق، وقتاله كفر " السباب: السب والشتم، والفسوق: الْخُرُوج عَن طَاعَة الله عز وَجل. وَهَذَا مَحْمُول على من سبّ مُسلما أَو قَاتله من غير تَأْوِيل، فقد قَالَ عمر فِي حَاطِب: دَعْنِي أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق، فَلم يُنكر عَلَيْهِ الرَّسُول لتأويله. وَإِذا قَاتل الْمُسلم الْمُسلم من غير تَأْوِيل كَانَ ظَاهر أمره أَنه رَآهُ كَافِرًا، أَو رأى دين الْإِسْلَام بَاطِلا، أَو لَا يرى أَن الحديث: 233 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 الْإِسْلَام قد عصم دَمه، فيكفر باعتقاد ذَلِك. وَيحْتَمل هَذَا الحَدِيث وَمَا فِي مَعْنَاهُ مثل قَوْله: " فقد بَاء بهَا أَحدهمَا "، وَقَوله: " لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض " وَقَوله: " كفر بِاللَّه " انْتِفَاء من نسب، وَإِن دق أَن يكون إِنَّمَا نسب هَذِه الْأَشْيَاء إِلَى الْكفْر لِأَنَّهَا أَفعَال الْكفَّار، وَيكون ذكر ذَلِك على جِهَة التغليط، لَا أَن ذَلِك يخرج عَن الْملَّة. 234 - / 271 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: " لَا أحد أغير من الله وَلذَلِك حرم الْفَوَاحِش ". قَالَ الْعلمَاء: كل من غَار من شَيْء اشتدت كراهيته لَهُ، فَلَمَّا حرم الله عز وَجل الْفَوَاحِش وتواعد عَلَيْهَا وَصفه رَسُوله عَلَيْهِ السَّلَام بالغيرة. وَأما الْفَوَاحِش فَجمع فَاحِشَة: وَهِي مَا تفاقم قبحه. فَأَما مَا ظهر مِنْهَا: فَمَا أعلن بِهِ، وَمَا بطن: مَا استتر بِهِ. وَقَوله: " وَلَا أحد أحب إِلَيْهِ الْمَدْح من الله " قَالَ ابْن عقيل: قَالَ بعض الْعَامَّة: إِذا كَانَ الله عز وَجل يحب الْمَدْح فَكيف لَا نحبه نَحن؟ وَهَذَا غلط: لن حب الله للمدحة لَيْسَ من جنس مَا يعْمل من حبنا للمدح، وَإِنَّمَا الله سُبْحَانَهُ أحب الطَّاعَات، وَمن جُمْلَتهَا مدحه ليثيب على ذَلِك فينتفع الْمُكَلف، وَلَا ينْتَفع هُوَ بالمدح، وَنحن نحب الْمَدْح لننتفع بِهِ ويرتفع قَدرنَا فِي قَومنَا: قَالَ: " وَلَا أحد أحب إِلَيْهِ الْعذر من الله " تَفْسِيره على نَحْو حبه للمدح، لِأَنَّهُ يثب الْمُكَلف بِهِ إِذا اعتذر من الله وَقَامَ بِشَرْط الْعُبُودِيَّة فِي خضوعه. الحديث: 234 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 235 - / 272 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ: قَالَ رجل لِابْنِ مَسْعُود: كَيفَ تقْرَأ: {من مَاء غير آسن} [مُحَمَّد: 15] . الآسن: الْمُتَغَيّر الرّيح والطعم. قَالَ الرجل: إِنِّي لأقرأ الْمفصل فِي رَكْعَة. اسْم هَذَا الرجل نهيك ابْن سِنَان. والمفصل: قصار السُّور. وَقد قَالُوا إِنَّه من أول الحجرات، غير أَن هَذَا لَا يَقع على مصحف ابْن مَسْعُود؛ فَإِنَّهُ قد ذكر " الدُّخان " فِي الْمفصل. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: سميت مفصلا لقصرها وَكَثْرَة الْفُصُول فِيهَا بسطر (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) . وَقَوله: هَذَا كهذ الشّعْر؟ الهذ: سرعَة الْقطع. يُقَال: سكين هذوذ: قطاع، شبه سرعَة التِّلَاوَة بِسُرْعَة الْقطع. وَقَوله: لَا يُجَاوز تراقيهم. الترقوة: الْعظم المشرف فِي أَعلَى الصَّدْر. وهما ترقوتان، وَالْجمع تراق. وَالْمرَاد: أَن تلاوتهم بِاللِّسَانِ دون اسْتِقْرَار الْإِيمَان والفهم فِي الْقلب. وَقَوله: إِن أفضل الصَّلَاة الرُّكُوع وَالسُّجُود. هَذَا مِمَّا اخْتلف فِيهِ، فَرَأى بعض الْعلمَاء هَذَا، وَرَأى بَعضهم طول الْقيام أفضل من كَثْرَة الرُّكُوع، وَالسُّجُود، لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد سُئِلَ: أَي الصَّلَاة أفضل؟ فَقَالَ: " أطولها قنوتا ". وَقَالَ بعض الْعلمَاء: طول الْقيام بِاللَّيْلِ أفضل؛ لِأَن الْقلب يَخْلُو للتلاوة، وَكَثْرَة الرُّكُوع وَالسُّجُود بِالنَّهَارِ أفضل، وَلم ينْقل عَن رَسُول الله فِي الحديث: 235 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 اللَّيْل إِلَّا طول الْقيام. وَقَوله: إِنِّي لأعْلم النَّظَائِر الَّتِي كَانَ رَسُول الله يقرن بَينهُنَّ. النَّظَائِر: المتماثلة فِي الْعدَد، وَأَرَادَ هَاهُنَا المتقاربة، لِأَن (حم الدُّخان) سِتُّونَ إِلَّا آيَة، و (عَم يتساءلون) أَرْبَعُونَ. والسور الَّتِي لَهَا نَظَائِر فِي الْعدَد كَثِيرَة، إِلَّا أَن فِي الْمفصل " الحجرات " ثَمَانِي عشرَة آيَة، وَمثلهَا " التغابن " " الْحَدِيد " تسع وَعِشْرُونَ، وَمثلهَا " التكوير ". " المجادلة " اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ، وَمثلهَا " البروج ". " الْجُمُعَة " إِحْدَى عشرَة آيَة، وَمثلهَا " المُنَافِقُونَ "، " وَالضُّحَى ". " وَالْعَادِيات "، و " القارعة " و " الطَّلَاق " اثْنَتَا عشرَة آيَة، وَمثلهَا التَّحْرِيم. " الْملك " ثَلَاثُونَ آيَة، وَمثلهَا " الْفجْر ". " ن " خَمْسُونَ آيَة وآيتان، وَمثلهَا " الحاقة ". " نوح " عشرُون وثمان آيَات، وَمثلهَا " الْجِنّ ". " المزمل " عشرُون، وَمثلهَا " الْبَلَد ". " الْقِيَامَة " أَرْبَعُونَ، وَمثلهَا " التساؤل ". " الانفطار " تسع عشرَة، وَمثلهَا " الْأَعْلَى " و " العلق ". " الإنشراح " ثَمَانِي آيَات، وَمثلهَا " التِّين " و " لم يكن " و " الزلزلة " و " التكاثر ". " الْقدر " خمس آيَات، وَمثلهَا " الْفِيل " و " تبت " و " الفلق ". " الْعَصْر " ثَلَاث آيَات، وَمثلهَا " الْكَوْثَر " و " النَّصْر ". " قُرَيْش " أَربع آيَات، وَمثلهَا " الْإِخْلَاص ". " الْكَافِرُونَ " سِتّ آيَات، وَمثلهَا " النَّاس ". 236 - / 273 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ: لَو أعلم أَن أحدا أعلم مني لرحلت إِلَيْهِ. الحديث: 236 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 قد ذكرنَا فِي مُسْند سعد أَن الْإِنْسَان إِذا اضْطر إِظْهَار فَضله جَازَ لَهُ ذَلِك، وَلَوْلَا أَن ابْن مَسْعُود ألجئ إِلَى هَذَا بتركهم قِرَاءَته لما قَالَ ذَلِك. 237 - / 274 - وَفِي الحَدِيث الْخمسين: " بئْسَمَا لأَحَدهم أَن يَقُول: نسيت آيَة كَيْت وَكَيْت، بل هُوَ نسي ". قَوْله: " بئْسَمَا لأَحَدهم أَن يَقُول نسيت " فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا أَن يكون هَذَا خَاصّا فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَتكون الْإِشَارَة إِلَى مَا رفع لَفظه فينساه الْإِنْسَان، أَي يرفع من صَدره، فنهاهم عَن ذَلِك القَوْل لِئَلَّا يتوهمون فِي مُحكم الْقُرْآن أَنه قد ضَاعَ، وَأخْبرهمْ أَن مَا يكون من رَفعه لحكمة يعلمهَا الله تَعَالَى. وَالثَّانِي: أَن يكون عَاما، وَيكون الْمَعْنى: إِنَّمَا نسي لذنب ارْتَكَبهُ، وَرُبمَا كَانَ ذَلِك الذَّنب ترك تعهده لِلْقُرْآنِ. وَقَوله: " كَيْت وَكَيْت " هِيَ كلمة يعبر بهَا عَن الْجمل الْكَثِيرَة والْحَدِيث الطَّوِيل، وَمثلهَا ذيت وذيت. وَقَالَ ثَعْلَب: كَانَ من الْأَمر كَيْت وَكَيْت، وَكَانَ من فلَان ذيت وذيت، فكيت كِنَايَة عَن الْأَفْعَال، وذيت إِخْبَار عَن الْأَسْمَاء وكناية عَنْهَا. وَقَوله: استذكروا الْقُرْآن تحريض على تِلَاوَته لِئَلَّا ينسى. والتفصي: الِانْفِصَال: يُقَال: تفصي فلَان من كَذَا: إِذا انْفَصل عَنهُ. وَالنعَم: الْإِبِل. وَقَوله: " من عقله " هَكَذَا ضَبطه لنا أشياخنا فِي كتاب أبي عبيد بِضَم الْقَاف. وَالْعقل جمع عقال. الحديث: 237 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 238 - / 275 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْخمسين: ذكر عِنْد رَسُول الله رجل نَام لَيْلَة حَتَّى أصبح، فَقَالَ: " ذَلِك رجل بَال الشَّيْطَان فِي أُذُنَيْهِ - أَو قَالَ: فِي أُذُنه ". فِي تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يحمل على ظَاهره، وَقد جَاءَ فِي الْقُرْآن أَن الشَّيْطَان ينْكح، قَالَ تَعَالَى: {لم يطمثهن إنس قبلهم وَلَا جَان} [الرَّحْمَن: 56] وَقَالَ: {أفتتخذونه وَذريته} [الْكَهْف: 50] وَجَاء فِي الحَدِيث أَنه يَأْكُل وَيشْرب، فَلَا يمْتَنع أَن يكون لَهُ بَوْل وَإِن لم يكن على مَا يظْهر للحس. وَالثَّانِي: أَنه مثل مَضْرُوب، شبه هَذَا الغافل عَن الصَّلَاة لتثاقله فِي نَومه بِمن وَقع الْبَوْل فِي أُذُنه فثقل سَمعه وَفَسَد حسه، وَالْعرب تضرب الْمثل بِمثل هَذَا، قَالَ الراجز: (بَال سُهَيْل فِي الفضيخ ففسد ... ) (وطاب ألبان اللقَاح وَبرد ... ) وَأَرَادَ: طلع سُهَيْل، فَجعل طلوعه فِي إِفْسَاد الفضيخ بِمَنْزِلَة الْبَوْل فِيهِ. 239 - / 276 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْخمسين -: " أَنا فَرَطكُمْ على الْحَوْض ". الفرط والفارط: الْمُتَقَدّم فِي طلب المَاء، يُقَال: فرطت الْقَوْم الحديث: 238 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 أفرطهم: إِذا تقدمتهم لترتاد المَاء. قَالَ الشَّاعِر: (فأثار فارطهم غطاطا جثما ... أصواته كتراطن الْفرس) وَالْمعْنَى إِنَّه لم يجد فِي الرَّكية مَاء. وَقَالَ الْقطَامِي: (فاستعجلونا وَكَانُوا من صحابتنا ... كَمَا تعجل فراط لوراد) وَقَوله: " اختلجوا دوني " أَي اجتذبوا واقتطعوا، يُقَال: خلجت الشَّيْء: إِذا نَزَعته. وَالظَّاهِر أَنه حدث بهؤلاء النِّفَاق فِي زَمَانه وَالْكفْر بعده. وَقَالَ أَبُو بكر بن مقسم. هَؤُلَاءِ - وَالله أعلم - الَّذِي وفدوا عَلَيْهِ من بني حنيفَة، ورآهم وعرفهم، ثمَّ ارْتَدُّوا مَعَ مُسَيْلمَة وماتوا كفَّارًا، فَأَما أَصْحَاب رَسُول الله فَإِنَّهُ لم يمت أحد مِنْهُم كَافِرًا. فَإِن قيل: السِّرّ فِي وجود الْحَوْض؟ فَالْجَوَاب: شدَّة الْعَطش والعرق يَوْمئِذٍ، لِأَن الشَّمْس تدنى من رُؤُوس الْخَلَائق، فيشتد الْعَطش والعرق، فَجعل لَهُ الْحَوْض على عَادَة الْعَرَب فِي جعل الأحواض للواردين عَلَيْهَا كالضيافة. 240 - / 277 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْخمسين: أنؤاخذ بِمَا عَملنَا فِي الْجَاهِلِيَّة؟ فَقَالَ: " من أحسن فِي الْإِسْلَام لم يُؤَاخذ بِمَا عمل فِي الْجَاهِلِيَّة، وَمن أَسَاءَ فِي الْإِسْلَام أَخذ بِالْأولِ وَالْآخر ". الحديث: 240 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 هَذَا الحَدِيث مَحْمُول على أحد وَجْهَيْن: إِمَّا أَن تحمل هَذِه الْأَشْيَاء على الشّرك فَإِنَّهُ إِذا أشرك بعد إِسْلَامه عَاد إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل الْإِسْلَام، فانخرط الحكم فِي سلك وَاحِد. وَالثَّانِي: أَنه إِذا جنى فِي الْإِسْلَام كَمَا كَانَ يجني فِي الْكفْر وبخ فِي الْإِسْلَام وعير بذلك، وَقيل لَهُ: هَذَا الَّذِي كنت تَفْعَلهُ فِي كفرك، فَهَلا مَنعك مِنْهُ الْإِسْلَام؟ فَيكون معنى الْمُؤَاخَذَة بِمَا سبق بالتعيير. 241 - / 278 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْخمسين: كَانَ رَسُول الله يَتَخَوَّلنَا بِالْمَوْعِظَةِ. قَالَ أَبُو عبيد: يَتَخَوَّلنَا: يتعهدنا، والخائل: المتعهد للشَّيْء والمصلح لَهُ والقائم بِهِ، والتخون مثل التخول. وَكَانَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يَقُول: إِنَّمَا هُوَ يتحولهم بِالْحَاء: أَي ينظر حالاتهم الَّتِي ينشطون فِيهَا للموعظة وَالذكر فيعظم فِيهَا، وَلَا يكثر عَلَيْهِم فيملوا. 242 - / 279 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْخمسين: أَنه لما كَانَ يَوْم حنين آثر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاسا فِي الْقِسْمَة، فَقَالَ رجل: وَالله إِن هَذِه لقسمة مَا عدل فِيهَا. كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد آثر جمَاعَة من الْمُؤَلّفَة يَوْم حنين، وَمَا عرفنَا أَن أحدا قَالَ عَن رَسُول الله إِنَّه مَا عدل سوى ذِي الْخوَيْصِرَة التَّمِيمِي. الحديث: 241 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وَقَوله: فَتغير وَجهه حَتَّى كَانَ كالصرف. الصّرْف: صبغ يصْبغ بِهِ الْأَدِيم. فَأَما قَوْله لَا جرم، فَقَالَ الْفراء: هِيَ كلمة كَانَت فِي الأَصْل بِمَنْزِلَة لابد، وَلَا محَالة، فَكثر استعمالهم لَهَا حَتَّى صَارَت بِمَنْزِلَة حَقًا، وَأَصله من: جرمت: أَي كسبت. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وَمن الْعَرَب من يُغير لفظ جرم مَعَ لَا خَاصَّة، فَيَقُول بَعضهم: لَا جرم، بِضَم الْجِيم وَسُكُون الرَّاء، وَيَقُول آخَرُونَ: لَا جر بِحَذْف الْمِيم، وَيُقَال: لاذا جرم ولاذا جر بِغَيْر مِيم، وَلَا أَن ذَا جرم، وَلَا عَن ذَا جرم، وَمعنى اللُّغَات كلهَا: حَقًا. 243 - / 283 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْخمسين: " الْمَرْء مَعَ من أحب ". هَذَا الحَدِيث قد رَوَاهُ أَبُو وَائِل عَن ابْن مَسْعُود وَعَن أبي مُوسَى، وَيَقُول فِي الرِّوَايَتَيْنِ: حَدثنَا عبد الله، وَلَا يدْرِي من مِنْهُمَا. وَقد رُوِيَ مشروحا من حَدِيث صَفْوَان بن عَسَّال قَالَ: بَيْنَمَا نَحن فِي مسير، إِذْ نَادَى أَعْرَابِي رَسُول الله بِصَوْت لَهُ جَهورِي: يَا مُحَمَّد، فَأَجَابَهُ نَحْو ذَلِك: " هاؤم " قُلْنَا: وَيحك، أَو وَيلك، اغضض من صَوْتك؛ فَإنَّك قد نهيت عَن ذَلِك، فَقَالَ: وَالله لَا أغضض من صوتي، قَالَ: أَرَأَيْت رجلا أحب قوما وَلما يلْحق بهم. قَالَ: " الْمَرْء الحديث: 243 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 مَعَ من أحب ". قَالَ الْخطابِيّ: يشبه أَن يكون رفع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَوته فِي جَوَاب الْأَعرَابِي، وَقَوله: " هاؤم " يمد بهَا صَوته من نَاحيَة الشَّفَقَة عَلَيْهِ لِئَلَّا يحبط عمله، لما جَاءَ من الْوَعيد فِي قَوْله: {لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي} [الحجرات: 2] فعذره رَسُول الله لجهله، وَرفع صَوته حَتَّى كَانَ فَوق صَوته أَو مثله لشفقته على أمته. وَفِي هَذَا دلَالَة على احْتِمَال دَالَّة التلامذة، وَالصَّبْر على أذاهم، لما يُرْجَى من عاقبه النَّفْع لَهُم. فَإِن قَالَ قَائِل: فالرافضة يحبونَ عليا عَلَيْهِ السَّلَام، فَهَل هم مَعَه؟ فَالْجَوَاب: لَا، لِأَن محبَّة الصَّحَابَة شَرْعِيَّة، فَيَنْبَغِي أَن تكون على وَجه يَأْذَن الشَّرْع فِيهِ، وَمن ضروراتها اتِّبَاع المحبوب، وَعلي عَلَيْهِ السَّلَام لَا يرضى بِالْبَرَاءَةِ من أبي بكر وَعمر عَلَيْهِمَا السَّلَام. وَالْمعْنَى: هاؤم، خُذُوا جوابي. 244 - / 285 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتِّينَ: " لكل غادر لِوَاء يَوْم الْقِيَامَة ". الْغدر: نقض الْعَهْد. وَالْمرَاد من الحَدِيث: أَنه يشهر أَمر الغادر لِلْخلقِ، وينادى عَلَيْهِ بغدره، فينصب لَهُ لِوَاء للتعريف. 245 - / 287 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتِّينَ: " إِن الصدْق يهدي إِلَى الْبر ". الحديث: 244 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 الْبر: الطَّاعَة، والفجور: الْمعْصِيَة. وَالصديق: الْكثير الصدْق، وَهُوَ " فعيل " من أبنية الْمُبَالغَة، كَمَا يُقَال سكيت وسكير وشريب وخمير وضليل وظليم وفسيق وعشيق: إِذا كثر ذَلِك مِنْهُ، وَفِي هَذَا الحَدِيث: " أَلا أنبئكم مَا العضه " والعضه: النميمة. 246 - / 288 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسِّتِّينَ: " من حلف على مَال امْرِئ مُسلم بِغَيْر حَقه لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان " فَقَالَ الْأَشْعَث بَين قيس: كَانَ بيني وَبَين رجل خُصُومَة، فَقَالَ رَسُول الله: " من حلف على يَمِين صَبر يقتطع بهَا مَال امْرِئ مُسلم، هُوَ فِيهَا فَاجر، لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان ". هَذَا الحَدِيث ذكره الْأَشْعَث تَصْدِيقًا لحَدِيث ابْن مَسْعُود، وَلَيْسَ للأشعث فِي الصَّحِيحَيْنِ سواهُ. وَاسم الرجل الَّذِي خَاصم الْأَشْعَث الجفشيش، يُقَال بِالْجِيم وَبِالْحَاءِ وبالخاء. وَقَوله: " على يَمِين صَبر " فِي مَعْنَاهَا قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن يصبر نَفسه: أَي يحبسها على الْيَمين الكاذبة غير مبال بهَا. وَالثَّانِي: أَن يكون معنى الصَّبْر الجرأة، من قَوْله تَعَالَى: {فَمَا أصبرهم على النَّار} [الْبَقَرَة: 175] أَي يجترئ بِتِلْكَ الْيَمين على هتك دينه. الحديث: 246 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 247 - / 289 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: سَمِعت رجلا يقْرَأ آيَة سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ خلَافهَا، فَأخذت بِيَدِهِ فَانْطَلَقت بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ، فَقَالَ: " كلاكما محسن، لَا تختلفوا، فَإِن من كَانَ قبلكُمْ اخْتلفُوا فهلكوا ". قد ذكرنَا فِي مُسْند عمر نَحْو هَذَا الحَدِيث وبيناه، وَوجه الْهَلَاك فِي الِاخْتِلَاف. أَن هَذَا يكفر بِمَا يقْرَأ هَذَا وَيَزْعُم أَنه لَيْسَ من كَلَام الله. فَأَما الِاخْتِلَاف فِي حركات الْحُرُوف المنقولة عَن الْقُرَّاء فَإِنَّهُ لَا يضرّهُ. 248 - / 291 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: قَالَ عبد الله: وَأحسن الْهَدْي هدي مُحَمَّد. الْهَدْي: الطَّرِيقَة. والمحدث والمبتدع فِي الشَّرْع إِنَّمَا يَقع ذمهما إِذا صادما مَشْرُوعا يردهُ. وَقَوله: " وَمَا أَنْتُم بمعجزين ": أَي إِنَّكُم لَا تفوقونا إِذا أردنَا تعذيبكم. 249 - / 292 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: عَن عبد الله: {لقد رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى} [النَّجْم: 18] قَالَ: رأى رفرفا أَخْضَر سد أفق السَّمَاء. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الرفرف: بِسَاط، وَيُقَال: فرَاش، وَبَعْضهمْ يَجعله جمعا، واحدته رفرفة، ويحتج بقوله: تَعَالَى: {متكئين على رَفْرَف خضر} [الرَّحْمَن: 76] . وَيُقَال: الرفرف: ضرب من الثِّيَاب، قَالَ ابْن الحديث: 247 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 مَسْعُود: رأى رَسُول الله جِبْرِيل فِي حلتي رَفْرَف. 250 - / 294 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " حَيّ على الطّهُور " أَي أَقبلُوا إِلَيْهِ. 251 - / 296 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْغَائِط. الْغَائِط فِي اللُّغَة: الْمَكَان المطمئن من الأَرْض، فكنى عَن الْحَدث بمكانه، كَمَا سموا الْحَدث عذرة، وَإِنَّمَا الْعذرَة فنَاء الْبَيْت، فسموا مَا كَانُوا يلقونه بأفنية الْبيُوت باسم الْمَكَان، وَقَالُوا للمزادة راوية، وَإِنَّمَا الراوية الْبَعِير الَّذِي يَسْتَقِي عَلَيْهِ. وَقَالُوا للنِّسَاء ظعائن، وَإِنَّمَا الظعائن الهوادج وَكن يكن فِيهَا. وَقَوله فِي الروثة: " هَذِه ركس ": مَا كَانَ منقلبا على الْجِهَة المحمودة. والارتكاس: الانقلاب عَن الصَّوَاب، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَالله أركسهم بِمَا كسبوا} [النِّسَاء: 88] قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُقَال: ركست الشَّيْء وأركسته، لُغَتَانِ، وَالْمعْنَى نكسهم وردهم فِي كفرهم، وَكَأن الْمَعْنى: هَذِه رَاجِعَة عَن الْحَالة الأولى. 252 - / 297 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: قَالَ ابْن مَسْعُود فِي " بني إِسْرَائِيل " و " الْكَهْف " و " مَرْيَم " و " طه "، و " الْأَنْبِيَاء ": إنَّهُنَّ من الْعتاق الأول، وَهن من تلادي. الحديث: 250 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 قَوْله من الْعتاق: يَعْنِي أَن نزولهن مُتَقَدم. وَهن من تلادي: أَي مِمَّا حفظته قَدِيما. والتليد والتالد ضد الطريف، فالتليد: الْقَدِيم، والطريف: المستحدث. 253 - / 300 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: قَالَ أَبُو جهل: هَل أعمد من رجل قَتَلْتُمُوهُ. قَالَ أَبُو عبيد: الْمَعْنى: هَل زَاد على سيد قَتله قومه، هَل كَانَ إِلَّا هَذَا؟ وَأَرَادَ أَن هَذَا لَيْسَ بِعَارٍ. فَكَأَنَّهُ يهون على نَفسه مَا جرى عَلَيْهِ. قَالَ الْخطابِيّ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد: هَل أبعد، وَهُوَ غلط، وَالصَّوَاب أعمد. 254 - / 301 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: " الْجنَّة أقرب إِلَى أحدكُم من شِرَاك نَعله، وَالنَّار مثل ذَلِك ". يَعْنِي أَن نيل الْجنَّة سهل، وَذَلِكَ بتصحيح العقد، وَتمكن الطَّاعَة، وَالنَّار قريبَة بموافقة الْهوى وعصيان الْخَالِق. 255 - / 302 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: " لَا يَقُولَن أحدكُم إِنِّي خير من يُونُس بن مَتى ". يُونُس: اسْم أعجمي، وَفِيه سِتّ لُغَات: يُونُس من غير همز مَعَ الحديث: 253 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 كسر النُّون وَفتحهَا وَضمّهَا، ومهموز مَعَ الْكسر وَالْفَتْح وَالضَّم. وَقَوله: " لَا يَقُولَن أحدكُم إِنِّي خير " يَعْنِي نَفسه، وَتَقْدِيره: لَا تَقولُوا عني إِنِّي خير من يُونُس. وَقَوله: " مَا يَنْبَغِي لأحد أَن يكون خيرا " أَي مَا يَنْبَغِي لي أَن أَقُول إِنِّي خير، والخيرية هَاهُنَا الْقُوَّة فِي الصَّبْر على تَبْلِيغ الرسَالَة كَقَوْلِه: {أهم خير أم قوم تبع} [الدُّخان: 37] أَي: أقوى، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لي أَن أَقُول إِنِّي أقوى من يُونُس فِي التَّبْلِيغ، فَرُبمَا يكون قد عانى من الشدائد مَا لم أَعَانَهُ، وفضيلتي الَّتِي نلتها كَرَامَة من الله لَا من قبل نَفسِي، وَلَا بلغتهَا بقوتي، فَلَيْسَ لي أَن أفتخر بهَا، وَإِنَّمَا يجب عَليّ أَن أشكر رَبِّي عَلَيْهَا. وَإِنَّمَا خص يُونُس لما ذكر عَنهُ من قلَّة الصَّبْر. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: إِنَّمَا قَالَ هَذَا تواضعا، كَقَوْل أبي بكر: وليتكُمْ وَلست بِخَيْرِكُمْ. قَالَ: وَالْمعْنَى لَعَلَّ يُونُس كَانَ أَكثر عملا فِي الْبلوى وَالصَّبْر مني. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: يجوز أَن يُرِيد بِهِ من سواهُ من النَّاس دون نَفسه. قلت: وَهَذَا غلط، لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يُرَاد بِهِ إِلَّا الْأَنْبِيَاء، لِأَنَّهُ لَيْسَ لغير الْأَنْبِيَاء أَن يَظُنُّوا قربهم من دَرَجَات الْأَنْبِيَاء، وعَلى هَذَا يحمل لفظ حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " قَالَ - يَعْنِي الله عز وَجل: لَا يَنْبَغِي لعبد لي أَن يَقُول: أَنا خير من يُونُس بن مَتى ". 256 - / 303 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: أَنه قَرَأَ (هئت لَك) الحديث: 256 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 [يُوسُف: 27] بِكَسْر الْهَاء، وَقَرَأَ (بل عجبت) بِفَتْح التَّاء [الصافات: 12] . أما هيت فَفِيهَا قراءات (هئت) بِكَسْر الْهَاء وَفتح التَّاء كَمَا ذكرنَا عَن ابْن مَسْعُود، وَهِي قِرَاءَة نَافِع، وَابْن عَامر و (هيت) بِفَتْح الْهَاء وتسكين الْيَاء وَضم التَّاء وَهِي قِرَاءَة ابْن كثير. (وهئت) بِكَسْر الْهَاء وَضم التَّاء من الْهَيْئَة، كَأَنَّهَا قَالَت: تهيأت لَك. و (هيت) بِفَتْح الْهَاء وَكسر التَّاء قَرَأَهَا ابْن مُحَيْصِن. و (هئت) بِكَسْر الْهَاء وَالتَّاء مَعَ الْهمزَة قَرَأَهَا أَبُو الْعَالِيَة، و (هيئت) قِرَاءَة أبي السميفع. و (هَا أَنا لَك) قَرَأَهَا أبي بن كَعْب، و (هيت) بِفَتْح الْهَاء وَالتَّاء من غير همز وَهِي قِرَاءَة الْجُمْهُور، وَهِي أَجود اللُّغَات، وَمَعْنَاهَا: هَلُمَّ لَك، أَي أقبل على مَا أَدْعُوك إِلَيْهِ. قَالَ الشَّاعِر: (أبلغ أَمِير الْمُؤمنِينَ ... أَخا الْعرَاق إِذا أتيتا) (إِن الْعرَاق وَأَهله ... عنق إِلَيْك فهيت هيتا) أَي أقبل وتعال. فَأَما قَوْله: (بل عجبت) فَقَرَأَ الْأَكْثَرُونَ كَمَا قَرَأَ ابْن مَسْعُود - بِفَتْح التَّاء، وَالْمعْنَى: بل عجبت يَا مُحَمَّد مِنْهُم إِذْ كفرُوا ويسخرون هم مِنْك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ بِضَم التَّاء. وأنكرها شُرَيْح القَاضِي وَقَالَ: إِن الله لَا يعجب، إِنَّمَا يعجب من لَا يعلم. قَالَ الزّجاج: إنكارها خطأ، لِأَن الْعجب من الله تَعَالَى خلاف الْعجب من الْآدَمِيّين، إِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى: {ويمكر الله} [الْأَنْفَال: 30] {سخر الله مِنْهُم} [التَّوْبَة: 79] . وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: مَعْنَاهَا: جازيتهم على عجبهم من الْحق، فَسمى الْجَزَاء على الشَّيْء باسم الشَّيْء، وَالْعرب تسمى الْفِعْل باسم الْفِعْل إِذا داناه من بعض وجوهه. قَالَ عدي: (ثمَّ أضحوا لعب الدَّهْر بهم ... 000000000) فَجعل إهلاك الدَّهْر لَهُم لعبا. 257 - / 304 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: لقد أَتَانِي الْيَوْم رجل فَقَالَ: أَرَأَيْت رجلا مُؤديا. يُقَال فِي الرجل إِذا كَانَ كَامِل الأداة: هَذَا مؤد بِالْهَمْز، وَلَا بُد من الْهَمْز، إِذْ لولاه لَكَانَ من أودى: إِذا هلك. وَقَوله: لَا نحصيها: أَي لَا نطيقها، من قَوْله تَعَالَى: {علم أَن لن تحصوه} [المزمل: 20] أَي لن تُطِيقُوا قيام اللَّيْل. وغبر يصلح للماضي وَالْبَاقِي، وَهُوَ بالماضي هَاهُنَا أشبه، الحديث: 257 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 لقَوْله: مَا أذكر. والثغب: المَاء المستنقع فِي الْموضع المطمئن، وَالْجمع ثغاب. 258 - / 306 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: خطّ رَسُول الله خطا مربعًا، وَخط خطا فِي الْوسط خَارِجا مِنْهُ، وَخط خططا صغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوسط من جَانِبه الَّذِي فِي الْوسط، فَقَالَ: " هَذَا الْإِنْسَان، وَهَذَا أَجله محيطا بِهِ - أَو قد أحَاط بِهِ، وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارج أمله، وَهَذِه الخطط الصغار الْأَعْرَاض، فَإِن أخطأه هَذَا نهشه هَذَا، وَإِن أخطأه هَذَا نهشه هَذَا " هَذَا تَمْثِيل مَا فِي الحَدِيث على هَذِه الْهَيْئَة: والأمثال حِكْمَة الْعَرَب، بهَا ينْكَشف الشَّيْء الْخَفي، فَأخْبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أمل الْآدَمِيّ بَين يَدَيْهِ، وعينه إِلَى الأمل، وَالْأَجَل مُحِيط بِهِ، وَقد ألهاه أمله عَن أَجله. 259 - / 307 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: أَن أَبَا مُوسَى قَالَ: لَا تَسْأَلُونِي عَن شَيْء مَا دَامَ هَذَا الحبر فِيكُم، يَعْنِي ابْن مَسْعُود. الحبر وَاحِد الْأَحْبَار، وهم الْعلمَاء، وَفِيه لُغَتَانِ: حبر وَحبر، الحديث: 258 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 وَقَالَ الْفراء: أَكثر مَا سَمِعت الْعَرَب تَقوله بِالْكَسْرِ. وَفِي اشتقاق هَذَا الِاسْم ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه من الحبار وَهُوَ الْأَثر الْحسن، قَالَه الْخَلِيل. وَالثَّانِي: من الحبر الَّذِي يكْتب بِهِ، قَالَه الْكسَائي. وَالثَّالِث: من الحبر الَّذِي هُوَ الْجمال والبهاء، كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام: " يخرج من النَّار رجل قد ذهب حبره وسبره ". أَي جماله وبهاؤه، فالعالم بهي: بِجَمَال الْعلم، وَهَذَا قَول قطرب. 260 - / 308 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: إِن أهل الْإِسْلَام لَا يسيبون. هَذَا مَا ذكره البُخَارِيّ من هَذَا الحَدِيث، والْحَدِيث: أَن رجلا جَاءَ إِلَى ابْن مَسْعُود فَقَالَ: إِنِّي أعتقت عبدا لي وَجَعَلته سائبه، فَمَاتَ وَترك مَالا وَلم يتْرك وَارِثا. قَالَ عبد الله: إِن أهل الْإِسْلَام لَا يسيبون، وَأَنت ولي نعْمَته فلك مِيرَاثه، فَإِن تَأَثَّمت وتحرجت فَنحْن نقبله ونجعله فِي بَيت المَال. اعْلَم أَن الْعَرَب كَانَت تنذر فِي مرض أَو سفر: إِن شفيت، إِن قدمت فناقتي سائبة، فتسيب وَلَا تمنع من مرعى وَلَا تطرد عَن مَاء وَلَا ينْتَفع بهَا، وَكَذَلِكَ عتق العَبْد سائبة: أَي لَا ملك لي عَلَيْهِ وَلَا وَلَاء. وَأَصله من يسييب الدَّوَابّ: وَهُوَ إرسالها. وَكَانَ أول من سنّ لَهُم الحديث: 260 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّة ابْن لحي، حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام فَأبْطل ذَلِك. فَبَان من هَذَا أَن السائبة العَبْد يعْتق وَلَا يكون وَلَاؤُه لمعتقه، وَيَضَع العَبْد مَاله حَيْثُ شَاءَ. وَمِمَّنْ أعتق سائبة أَبُو الْعَالِيَة الريَاحي، وَأوصى بِمَالِه كُله، فَقيل لَهُ: فَأَيْنَ مواليك؟ فَقَالَ: كنت مَمْلُوكا لأعرابية، فَدخلت الْمَسْجِد مَعهَا، فَوَافَقنَا الإِمَام على الْمِنْبَر فقبضت على يَدي فَقَالَت: اللَّهُمَّ اذخره عنْدك ذخيرة، اشْهَدُوا يَا أهل الْمَسْجِد أَنه سائبة لله، ثمَّ ذهبت فَمَا تراءينا بعد. وَولي النِّعْمَة الْمُعْتق. وَقَوله: فَإِن تَأَثَّمت أَو تحرجت: أَي خفت الْإِثْم والحرج. وَمَا ذهب إِلَيْهِ ابْن مَسْعُود من إبِْطَال حكم السائبة الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أهل الْجَاهِلِيَّة وَأَن الْوَلَاء لمن أعتق وَأَن الْمُعْتق سائبة يَرث مُعْتقه مَذْهَب الْأَكْثَرين، مِنْهُم، أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَيتَخَرَّج فِي مَذْهَبنَا رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: أَنه يَرِثهُ كَقَوْل الْجَمَاعَة، وَالثَّانيَِة: يصرف وَلَاؤُه فِي رِقَاب يشْتَرونَ فيعتقون. 261 - / 309 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين: اخْتلفُوا فِي شَأْن سبيعة بنت الْحَارِث. كَانَت سبيعة قد مَاتَ زَوجهَا وَهِي حَامِل، فَلَمَّا وضعت أَرَادَت أَن تتَزَوَّج، فَقَالَ لَهَا بعض الصَّحَابَة: امكثي أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، أخذا بقوله تَعَالَى: {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} [الْبَقَرَة: 234] فَأَتَت رَسُول الله، فَأجَاز لَهَا النِّكَاح لقَوْله تَعَالَى: {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} [الطَّلَاق: 4] فَهَذِهِ الْآيَة الحديث: 261 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 خصت الْحَامِل من بَقِيَّة الْمُتَوفَّى عَنْهُن أَزوَاجهنَّ. 262 - / 310 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " آخر من يدْخل الْجنَّة رجل، فَهُوَ يمشي مرّة ويكبو مرّة ". يكبو بِمَعْنى يعثر. وتسفعه: تصيبه بلفحها حَتَّى تبقي فِيهِ أثرا. وتبارك: تَعَالَى وارتفع. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ قَالَ هَذَا الرجل: لقد أَعْطَانِي الله شَيْئا مَا أعطَاهُ الْأَوَّلين والآخرين وَقد رأى نَفسه فِي النَّار، وَقد علم أَن خلقا لم يدخلُوا إِلَيْهَا، وَأَن خلقا فِي الْجنَّة وَهُوَ إِنَّمَا نجا من النَّار فَقَط؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن هَذَا الرجل تفكر فِي ذنُوبه فَرَأى أَنه يسْتَحق الخلود وَطول الْمكْث، فَشكر مُجَرّد الْكَرم لَا فِي مُقَابلَة عمل، وَرَأى أَن كل من جوزي فعلى قدر عمله. وَالثَّانِي: أَن يكون قَوْله عَائِدًا إِلَى من فِي النَّار من الْمُعَذَّبين. وَقَوله: " مَا يصيرني مِنْك؟ " أصل التصرية الْقطع، وَمِنْه سميت الْمُصراة، لِأَنَّهُ قد قطع حلب لَبنهَا وَجمع، وكل شَيْء قطعته ومنعته فقد صريته، وأنشدوا: (00000 ... هواهن إِن لم يصره الله قَاتله) الحديث: 262 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 وَالْمعْنَى: مَا الَّذِي يقطع مسألتك ويرضيك. وَقَوله: " اتستهزئ مني؟ " الهزء: السخرية، فَأَما الضحك الْمُضَاف إِلَى الله سُبْحَانَهُ فَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: الضحك الَّذِي يعتري الْبشر غير جَائِز على الله سُبْحَانَهُ، وَإِنَّمَا هَذَا مثل مَضْرُوب مَعْنَاهُ الْإِخْبَار عَن الرِّضَا وَحسن المجازاة. 263 - / 311 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " مَا من نَبِي بَعثه الله عز وَجل إِلَّا كَانَ لَهُ من أمته حواريون ". الحواريون: الْخَواص الأصفياء، فكأنهم خلصوا ونقوا من كل عيب، وَسمي الدَّقِيق الحوارى لتخليصه من لباب الْبر، وَيُقَال: عين حوراء: إِذا اشْتَدَّ بياضها وخلص وَاشْتَدَّ سوادها وَقيل: الحواريون: هم الناصرون. وَقَالَ أَبُو عبيد: أصل هَذَا من الحواريين أَصْحَاب عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، فَقيل لكل نَاصِر حوارِي تَشْبِيها بذلك. والخلوف: الخالفون بعد السالفين. والمجاهدة بِالْقَلْبِ: إِنْكَار الْمعْصِيَة وبغضها والنفور من فاعلها، وَمَتى لم يكن الْقلب على هَذِه الصّفة فالإيمان بعيد مِنْهُ. الحديث: 263 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 264 - / 312 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " هلك المتنطعون ". التنطع: التعمق والغلو الوتكلف لما لم يُؤمر بِهِ. 265 - / 313 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " لَا يدْخل الْجنَّة من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من كبر ". المثقال " مفعال " من الثّقل، ومثقال الشَّيْء: زنة الشَّيْء، يُقَال: هَذَا على مِثْقَال هَذَا: أَي على وَزنه، وقرأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ: فَقَالَ: يظنّ النَّاس أَن المثقال وزن دِينَار لَا غير، وَلَيْسَ كَمَا يظنون، مِثْقَال كل شَيْء وَزنه، وَإِن كَانَ وزن ألف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: سَأَلت الْأَصْمَعِي عَن صنجة الْمِيزَان فَقَالَ: فَارسي مُعرب، وَلَا أَدْرِي كَيفَ أَقُول، ولكنني أَقُول: مِثْقَال. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي المُرَاد بالذرة على خَمْسَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنَّهَا رَأس نملة حَمْرَاء، رَوَاهُ عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: ذرة يسيرَة من التُّرَاب، رَوَاهُ يزِيد بن الْأَصَم عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّالِث: أَصْغَر النَّمْل، قَالَه ابْن قُتَيْبَة. وَالرَّابِع: الخردلة. الحديث: 264 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وَالْخَامِس: الْوَاحِدَة من الهباء الظَّاهِر فِي ضوء الشَّمْس إِذا طلعت من ثقب، ذكرهمَا أَبُو إِسْحَق الثَّعْلَبِيّ. فَأَما الْكبر فَهُوَ العظمة، يُقَال: تكبر فلَان عَن كَذَا: إِذا تعظم عَنهُ، قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: من رأى أَنه خير من غَيره فقد استكبر. فَإِن قيل: فالكبر لَا يُوجب الْكفْر، فَكيف يمْنَع دُخُول الْجنَّة؟ فَالْجَوَاب من سِتَّة أوجه: أَحدهمَا: أَن يُرَاد بِالْجنَّةِ بعض الْجنان، لِأَنَّهَا جنان فِي جنَّة، فَيكون الْمَعْنى: لَا يدْخل الْجنَّة الَّتِي هِيَ أشرف الْجنان وأنبلها، وَيشْهد لهَذَا مَا رُوِيَ عَن عبد الله بن عَمْرو أَنه قَالَ: لَا يدْخل حَظِيرَة الْقُدس سكير وَلَا عَاق وَلَا منان. وَالثَّانِي: أَن تكون مَشِيئَة الله تَعَالَى مضمرة فِي هَذَا الْوَعيد، فَيكون الْمَعْنى: إِلَّا أَن يَشَاء الله، ذكر الْقَوْلَيْنِ ابْن خُزَيْمَة. وَالثَّالِث: أَن يكون المُرَاد كبر الْكفْر، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُم كَانُوا إِذا قيل لَهُم لَا إِلَه إِلَّا الله يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات: 35] أَي يتعظمون عَن قَوْلهَا، فعلى هَذَا كبر الْكَافِر مَنعه من الْإِيمَان، فَلَا يدْخل الْجنَّة، يدل على صِحَة هَذَا الْوَجْه أَنه قَابل الْكبر بِالْإِيمَان، فَقَالَ: " وَلَا يدْخل النَّار أحد فِي قلبه مِثْقَال ذرة من إِيمَان ". وَالرَّابِع: أَن يكون الْمَعْنى: حكم هَذَا أَلا يدْخل الْجنَّة، وَحكم هَذَا أَلا يدْخل النَّار، كَقَوْلِه تَعَالَى فِي قَاتل الْمُؤمن {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا} [النِّسَاء: 93] أَي: إِن جازاه فَهَذَا قدر اسْتِحْقَاقه. وَمثل هَذَا فِي الْكَلَام أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 ترى دَارا صَغِيرَة فَتَقول: هَذِه الدَّار لَا ينزلها أَمِير، أَي حكمهَا هَذَا وَقد ينزلها. وَالْخَامِس: أَن النَّاس إِذا وقفُوا فِي الْعرض ميز من يدْخل الْجنَّة مِمَّن يدْخل النَّار، فالعصاة يدْخلُونَ النَّار لَا الْجنَّة، فَأَما خُرُوجهمْ بعد احتراقهم فَذَاك حكم آخر، فَكَأَن المُرَاد: لَا يدْخل الْجنَّة ابْتِدَاء وَإِنَّمَا يدْخل النَّار، وعَلى هَذَا تَفْسِير قَوْله: " لَا يدْخل الْجنَّة قَتَّات "، وَيبقى على هَذَا الْوَجْه قَوْله: " وَلَا يدْخل النَّار من فِي قلبه مِثْقَال ذرة من إِيمَان " فَيكون الْمَعْنى: لَا يدخلهَا دُخُول تخليد. وَالسَّادِس: أَنه إِذا أذن لأهل الْجنَّة فِي الدُّخُول نزع كبر المتكبر وغل الحقود، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل} [الْأَعْرَاف: 43] وَهَذَا اخْتِيَار أبي بكر الْأَثْرَم، قَالَ ابْن عَبَّاس: أول مَا يدْخل أهل الْجنَّة الْجنَّة تعرض لَهُم عينان، فيشربون من إِحْدَى الْعَينَيْنِ فَيذْهب الله مَا فِي قُلُوبهم من غل وَغَيره مِمَّا كَانَ فِي الدُّنْيَا، ثمَّ يدْخلُونَ إِلَى الْعين الْأُخْرَى فيغتسلون فِيهَا فتشرق ألوانهم، وتصفو وُجُوههم، وتجري عَلَيْهِم نَضرة النَّعيم. وَقَوله: " الْكبر بطر الْحق " التكبر عَن الْإِقْرَار بِهِ، والطغيان فِي دَفعه. قَالَ أَبُو عبيد: وغمط النَّاس: الاحتقار لَهُم والإزراء بهم، وَمثله غمص النَّاس بالصَّاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 266 - / 314 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: جَاءَ رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ: لَو أَن رجلا وجد مَعَ امْرَأَته رجلا فَتكلم جلدتموه، أَو قتل قَتَلْتُمُوهُ، أَو سكت سكت على غيظ، وَالله لأسألن عَنهُ رَسُول الله، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ افْتَحْ " فَنزلت آيَة اللّعان. وَهَذَا الحَدِيث سَيَأْتِي فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث سهل بن سعد: أَن رجلا من الْأَنْصَار جَاءَ فَقَالَ: فَتَلَاعَنا، وَقد سمي هَذَا الرجل فِي الحَدِيث عُوَيْمِر بن الْحَارِث الْعجْلَاني. وَيَأْتِي فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: أَتَى رَسُول الله رجل يَرْمِي امْرَأَته، فَنزلت آيَة التلاعن. وَهَذَا الرجل الْمَذْكُور فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس اسْمه هِلَال بن أُميَّة ابْن عَامر الوَاقِفِي. وَقد ذكر فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ من مُسْند ابْن عَبَّاس باسمه هِلَال بن أُميَّة، وَأَنه قذف امْرَأَته بِشريك بن سَحْمَاء. وَلَا يمْتَنع اتِّفَاق هَاتين الْقصَّتَيْنِ فِي زمانين متقاربين، وَأَن الْآيَة نزلت فيهمَا. وَأما حَدِيث ابْن مَسْعُود هَذَا فَالظَّاهِر أَن الْإِشَارَة فِيهِ إِلَى عُوَيْمِر، لِأَن فِيهِ: " لَعَلَّهَا أَن تَجِيء بِهِ أسود جَعدًا " كَمَا رُوِيَ فِي حَدِيث عُوَيْمِر، وَفِي ذَلِك اتهام للمقذوف، لَا أَنه يعْمل بِهِ. وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْمَرْأَة حِين أَرَادَت أَن تلتعن: " مَه " وَلم يقل للرجل لِأَن الظَّاهِر صدق الرجل، إِذْ الْإِنْسَان لَا يُؤثر أَن يهتك زَوجته بالمحال، وَلِهَذَا جعلت اللَّعْنَة للرجل، وَالْغَضَب على الْمَرْأَة، وَالْغَضَب أَشد؛ لِأَن اللَّعْنَة بِمَعْنى الإبعاد، وَقد يبعد من لَا يغْضب عَلَيْهِ. الحديث: 266 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 وَمعنى قَوْله: " افْتَحْ " اقْضِ، وَمِنْه سمي القَاضِي لِأَنَّهُ يفتح بَابا مغلقا. وَالْقَذْف الْمُطلق عندنَا يُوجب اللّعان بَين الزَّوْجَيْنِ خلافًا لإحدى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك أَنه لَا يجب حَتَّى يضيف الْقَذْف إِلَى الْمُشَاهدَة. فَإِن نكل الزَّوْج عَن اللّعان حد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يحبس حَتَّى يُلَاعن أَو يقر، فَإِن نكلت الزَّوْجَة عَن اللّعان لم تحد، وَفِي حَبسهَا رِوَايَتَانِ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تحد. وَلَا يَصح اللّعان عندنَا لنفي الْحمل قبل وَضعه، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يَصح. 267 - / 317 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: لم أكن لَيْلَة الْجِنّ مَعَ رَسُول الله. هَذَا الحَدِيث يرد مَا يحْتَج بِهِ الحنفيون من حَدِيث ابْن مَسْعُود: كنت مَعَه لَيْلَة الْجِنّ، فَخط لي خطا، وَهُوَ حَدِيث النَّبِيذ؛ لِأَن هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَذَاكَ مَجْهُول الرِّوَايَة. وَقَوله: التمسناه فِي الأودية: وَهِي جمع وَاد، وَهُوَ كل منفرج بَين الحديث: 267 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 جبلين. والشعاب جمع شعب، وَقد سبق بَيَانه. واستطير: استطيل بالأذى عَلَيْهِ، وانتشر الْأَعْدَاء فِي طلبه. والاغتيال: الْوُثُوب بالمكروه على عقله. وَقَوله: من قبل حراء: أَي من ناحيته. وحراء جبل مَعْرُوف أخبرنَا ابْن نَاصِر قَالَ: أَنبأَنَا الْحسن بن أَحْمد السَّمرقَنْدِي قَالَ: أخبرنَا عبد الغافر بن مُحَمَّد الْفَارِسِي قَالَ: حَدثنَا أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ قَالَ: سَمِعت أَبَا عمر الزَّاهِد يَقُول: حراء اسْم على ثَلَاثَة أحرف، وَأَصْحَاب الحَدِيث يغلطون مِنْهُ فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع: يفتحون الْحَاء وَهِي مَكْسُورَة، ويكسرون الرَّاء وَهِي مَفْتُوحَة، ويقصرون الْألف وَهِي ممدودة، وَإِنَّمَا هُوَ حراء. قَالَ الشَّاعِر: (وراق لبر من حراء ونازل ... ) وَقَوله: " ذكر اسْم الله عَلَيْهِ " أَي: على ذبح الشَّاة. فَإِن قيل: إِذا كَانَ قد جعل الْعِظَام قوتا لَهُم، فَمَا لنا نرَاهَا فِي الْمَزَابِل والتلال؟ فَالْجَوَاب: أَنه قَالَ: " يَقع فِي أَيْدِيكُم أَو فِيمَا يكون لَحْمًا "، فكأنهم إِذا تناولوا الْعظم صَار عَلَيْهِ لحم فيتزودون مِنْهُ ويلقونه. قَالَ ابْن عقيل: وَيجوز أَن يكون زادهم أَنهم يشمونها أَو يلحسون زهائمها ودسمها وَتبقى أجسامها. 268 - / 318 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: سُئِلَ عَن الوسوسة فَقَالَ: " تِلْكَ مَحْض الْإِيمَان ". الحديث: 268 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 الوسوسة حَدِيث الشَّيْطَان فِي بواطن الْقُلُوب، والمحض: الْخَالِص. وأصل هَذَا أَن اللَّبن إِذا لم يخلط بِالْمَاءِ قيل لَهُ مَحْض: أَي خَالص. وَقد روى هَذَا الحَدِيث أَبُو هُرَيْرَة مكشوفا فَقَالَ: جَاءَ نَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نجد فِي أَنْفُسنَا مَا يتعاظم أَحَدنَا أَن يتَكَلَّم بِهِ. قَالَ: " وَقد وجدتموه؟ " قَالُوا: نعم، قَالَ: " ذَاك صَرِيح الْإِيمَان " وَالْمعْنَى: عَن الَّذِي يمنعكم من قبُول مَا يلقيه الشَّيْطَان إِلَيْكُم حَتَّى يصير ذَلِك وَسْوَسَة لَا يتَمَكَّن من الْقُلُوب وَلَا تطمئِن إِلَيْهَا النُّفُوس صَرِيح الْإِيمَان، لَا أَن الوسوسة نَفسهَا صَرِيح الْإِيمَان، لِأَنَّهَا من فعل الشَّيْطَان فَكيف تكون إِيمَانًا؟ 269 - / 319 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: " ليلني مِنْكُم أولو الأحلام والنهى، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ - ثَلَاثًا - وَإِيَّاكُم وهيشات الْأَسْوَاق " كثير من المبتدئين فِي قِرَاءَة الحَدِيث يقرءُون: ليليني بِإِثْبَات الْيَاء، وَهُوَ غلط، إِنَّمَا هُوَ مجزوم بِالْأَمر: " ليلني ". والأحلام: الْعُقُول. والنهى: اسْم لِلْعَقْلِ أَيْضا، لِأَنَّهُ ينْهَى عَن الْقَبِيح. وَإِنَّمَا أَمر بِهَذَا لثَلَاثَة معَان: أَحدهَا: تَفْضِيلهمْ بالتقدم. الثَّانِي: ليعقلوا عَنهُ مَا ينْقل من فعله. وَالثَّالِث: لِأَنَّهُ رُبمَا احْتَاجَ إِلَيْهِم إِمَّا بتذكيره مَا أخل بِهِ أَو فِي استنابتهم إِن نابه أَمر. وَفِي تقديمهم تَعْلِيم للناقصين التأدب بالتأخر وَقَوله: " ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ " أَي فِي الْمنزلَة وَالْقدر. وهيشات الْأَسْوَاق: اختلاطها وَمَا يكون فِيهَا من الجلبة وارتفاع الحديث: 269 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 الْأَصْوَات والفتن، وَهُوَ مَأْخُوذ من هوشت الشَّيْء: إِذا خلطته، والعامة تَقول: شوشت، قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: يُقَال: هوشت الشَّيْء: إِذا خلطته، وَمِنْه أَخذ اسْم أبي المهوش الشَّاعِر، وَلَا تقل شوشته. وَقد أجمع أهل اللُّغَة أَن التشويش لَا أصل لَهُ فِي الْعَرَبيَّة، وَأَنه من كَلَام المولدين وخطئوا اللَّيْث فِيهِ. وَالْمرَاد من الحَدِيث التحذير من التَّعَرُّض بالفتن، وَقد رووا فِي هَذَا الحَدِيث: " وَلَا تختلفوا " يُشِير إِلَى اخْتِلَاف الصُّفُوف. 270 - / 320 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: أَتَيْنَا ابْن مَسْعُود فِي دَاره فَقَالَ: أصلى هَؤُلَاءِ؟ يُشِير إِلَى الْأُمَرَاء، وَكَأَنَّهُ اقتنع بِأَذَان الْمَسْجِد وإقامته. وَقَوله: جعل أَحَدنَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن شِمَاله، هَذَا رَأْي رَآهُ كَانَ مُسْتَنده أَن الِاثْنَيْنِ لَيْسُوا عِنْده جمَاعَة، وَلِهَذَا قَالَ: " وَإِذا كُنْتُم ثَلَاثَة فصلوا جَمِيعًا، وَإِذا كُنْتُم أَكثر من ذَلِك فليؤمكم أحدكُم "، وَرَأى أَن الْيَسَار موقف أَيْضا. وَمَا أَمرهم بِهِ من التطبيق أَمر نسخ وَلم يثبت عِنْده ناسخه، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند سعد. الحديث: 270 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 وَأما شَرق الْمَوْتَى فَذكر أَبُو عبيد فِيهِ قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه حِين تذْهب الشَّمْس عَن الْحِيطَان وَتبقى بَين الْقُبُور، فشروقها حِينَئِذٍ للموتى لَا للأحياء. وَالثَّانِي: أَن المُرَاد يؤخرونها إِلَى أَن يبْقى من الْوَقْت بِقدر مَا يبْقى من نفس الَّذِي يشرق بريقه عِنْد الْمَوْت. والسبحة: النَّافِلَة. 271 - / 323 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إذنك عَليّ أَن يرفع الْحجاب، وَأَن تستمع سوَادِي حَتَّى أَنهَاك ". الْإِذْن فِي اللُّغَة: الْإِطْلَاق من غير حجز. والسواد بِكَسْر السِّين: السرَار. قَالَ أَبُو عبيد: وَيجوز ضمهَا، فَتكون مثل الحوار والحوار، قَالَ الْأَحْمَر: هُوَ من إدناء سوادك من سوَاده: أَي شخصه. والسرار لَا يكون إِلَّا بإدناء السوَاد من السوَاد، وَأنْشد: (من يكن فِي السوَاد والدد والإعرام ... زيرا فإنني غير زير) وسئلت ابْنة الخس: لم زَنَيْت بعبدك؟ فَقَالَت: قرب الوساد، وَطول السوَاد. والدد: اللَّهْو، قَالَ الْأَعْشَى: الحديث: 271 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 (أترحل عَن ليلى وَلما تزَود ... وَكنت كمن قضى اللبانة من دَد) وَقَوله: " حَتَّى أَنهَاك " أَي: حَتَّى أَقُول لَك ارْجع. وَمعنى الحَدِيث: إِذا رفع الْحجاب وَسمعت كَلَامي الْخَفي فَادْخُلْ إِلَّا أَن تسمع الْمَنْع. 272 - / 324 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: سَمِعت الَّذِي أنزلت عَلَيْهِ سُورَة الْبَقَرَة يَقُول فِي هَذَا الْمقَام: " لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك ". قد ذكرنَا فِي أَوَائِل هَذَا الْمسند وَجه تَخْصِيصه سُورَة الْبَقَرَة بِالذكر، وفسرنا فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام معنى " لبيْك ". 273 - / 326 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: سَأَلنَا عبد الله عَن هَذِه الْآيَة: {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا} [آل عمرَان: 169] . إِن قيل: كَيفَ لَا يحْسب الْقَتْلَى أَمْوَاتًا، وَحَقِيقَة الْمَوْت عِنْدهم مَوْجُودَة؟ فَالْجَوَاب: أَنه لما ثَبت فِي النُّفُوس أَن تَعْطِيل الذوات بِالْمَوْتِ مخرج عَن التَّنْعِيم أعلمهم أَن الشُّهَدَاء فِي وُصُول النَّعيم إِلَيْهِم كالأحياء على مَا فِي الحَدِيث من " أَن أَرْوَاحهم فِي حواصل طير خضر ". فَإِن قيل: فَجَمِيع الْمُؤمنِينَ ينعمون بعد الْمَوْت، وَفِي حَدِيث كَعْب ابْن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق من شجر الحديث: 272 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 الْجنَّة " أَي يَأْكُل. فَالْجَوَاب: أَن الشُّهَدَاء ميزوا على غَيرهم من الْمُؤمنِينَ بِزِيَادَة نعيم وعلو قدر ورفعة ذكر، فهم أَحيَاء يصل إِلَيْهِم نعيم الْجنَّة، ويأوون إِلَى أشرف منزل، وهم بِالذكر الْجَمِيل فِي الدُّنْيَا كالأحياء، قَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ: الشُّهَدَاء مخصوصون، يرْزقُونَ من الْجنَّة قبل بَعثهمْ دون سَائِر الْمُؤمنِينَ. وَقَوله فِي الحَدِيث " هَل تشتهون شَيْئا؟ قَالُوا: أَن ترد أَرْوَاحنَا حَتَّى نقْتل فِي سَبِيلك ". وَإِن قيل: مَا الْفَائِدَة من عرض التَّمَنِّي عَلَيْهِم، فَلَمَّا تمنوا شَيْئا لم يعطوه، وَالْحق عز وَجل قد علم قبل سُؤَالهمْ مَا يتمنون، وَعلم أَنه لَا يعطيهم ذَلِك، فَمَا الْفَائِدَة فِي استعراض حَاجَة لَا تقضى؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن الْقَوْم خَرجُوا من دَار التَّكْلِيف إِلَى دَار الْجَزَاء، وأحبوا الْعود لَا لِمَعْنى يرجع إِلَى أغراضهم، بل قَضَاء لشكر نعْمَة الْحق عَلَيْهِم، فَترك إجابتهم إِلَى مَا يوقعهم فِي النصب إِجَابَة، فَكَأَنَّهُ يَقُول: مرادكم من الْعود شكر النِّعْمَة أَو توفير الْأجر، وَقد رضيت شكركم، وسأنيلكم مَا تُرِيدُونَ من غير تَعب. وَمِثَال هَذَا أَن ينعم السُّلْطَان على شخص عَن خدمَة نصب فِيهَا ثمَّ يَقُول لَهُ: تمن، فَيَقُول: لَو أَن تعيدني إِلَى الْخدمَة، وَمرَاده أَن يزْدَاد عَنهُ رضى، فيمنعه النصب، ويخبره بِتمَام الرضى. وَالثَّانِي: أَنهم لما سلمُوا إِلَى الشَّهَادَة نفوسا لَا تَخْلُو من تلويث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 تَقْصِير، فَرَأَوْا ذَلِك الْجَزَاء الباهر أَحبُّوا أَن يعادوا فيسلموا نفوسا مطهرة بِالشَّهَادَةِ من كل دنس، ليتضاعف الْجَزَاء، فمنعوا ذَلِك؛ لِأَن التَّسْلِيم الأول كَانَ على وَجه الْإِيمَان بِالْغَيْبِ، وَالثَّانِي لَو كَانَ عَن عيان، وَالْعِبَادَة بِالْغَيْبِ هِيَ الْمَطْلُوبَة لامع العيان، فَكَانَت الْفَائِدَة لَهُم فِي جَرَيَان هَذِه الْحَال أَن يسْأَلُوا غير هَذَا الْفَنّ، وَكَانَت الْفَائِدَة لمن بلغته الْحَال أَن يجد ويجتهد فِي تَزْكِيَة نَفسه ليسلم نفسا زاكية إِذْ لَا سَبِيل إِلَى الْعود. 274 - / 327 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: أَن أَمِيرا كَانَ بِمَكَّة يسلم تسليمتين، فَقَالَ عبد الله: أَنى علقها؟ إِن رَسُول الله كَانَ يَفْعَله. أَنى تكون بِمَعْنى من أَيْن، والمعنيان يتقاربان، يجوز أَن يتَأَوَّل فِي كل وَاحِد مِنْهَا الآخر، وَقد جمع الْكُمَيْت بَين اللفظتين فَقَالَ: (أَنى وَمن أَيْن آبك الطَّرب ... من حَيْثُ لَا صبوة وَلَا ريب) وَمعنى علقها: علق بهَا. وَقد دلّ ظَاهر هَذَا الحَدِيث على وجوب التسليمتين، وَقد ذكرنَا الْخلاف فِيهِ من مُسْند سعد. 275 - / 328 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: " وَمَا تَعدونَ الرقوب فِيكُم؟ " قُلْنَا: الَّذِي لَا يُولد لَهُ. قَالَ: " لَيْسَ ذَاك بالرقوب، وَلكنه الرجل الَّذِي لم يقدم من وَلَده شَيْئا ". قَالَ: " فَمَا تَعدونَ الصرعة فِيكُم؟ " قُلْنَا: الَّذِي لَا تصرعه الرِّجَال. قَالَ: " لَيْسَ بذلك، وَلكنه الحديث: 274 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 الَّذِي يملك نَفسه عِنْد الْغَضَب ". دلهم بِهَذَا الحَدِيث على النّظر إِلَى الْمعَانِي دون الصُّور، لأَنهم ألفوا فِي كَلَامهم أَن الرقوب الَّذِي يفقد أَوْلَاده، فَأخْبرهُم أَنه الَّذِي يفقد ثَوَاب أَوْلَاده فِي الْآخِرَة. وَلما عرفُوا أَن الصرعة الَّذِي لَا يصرعه الرِّجَال أخْبرهُم أَن الشدَّة فِي ملكة النَّفس، كَمَا قَالَ فِي الحَدِيث الآخر: " من الْمُفلس؟ " فَقَالُوا: من لَا دِينَار لَهُ وَلَا دِرْهَم. فَبين لَهُم أَن الْمُفلس من تفرق حَسَنَاته على أهل الْمَظَالِم، وكما قَالَ جُنْدُب ابْن عبد الله: المحروب من حَرْب دينه. 276 - / 330 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين: غشي السِّدْرَة فرَاش من ذهب، وَغفر لمن لَا يُشْرك من أمته الْمُقْحمَات. السِّدْرَة: شَجَرَة النبق. والفراش: ذُبَاب يقتحم ضوء السراج وَيَقَع فِي ناره، والمقحمات: الْكَبَائِر الَّتِي تقحم صَاحبهَا فِي النَّار: أَي تلقيه فِيهَا. 277 - / 331 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: " يُؤْتى بجهنم ". قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ عَن أبي بكر الْأَنْبَارِي قَالَ: فِي جَهَنَّم قَولَانِ: قَالَ يُونُس بن حبيب وَأكْثر النَّحْوِيين: جَهَنَّم اسْم للنار الَّتِي يعذب بهَا فِي الْآخِرَة، وَهِي أَعْجَمِيَّة لَا تجْرِي للتعريف الحديث: 276 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 والعجمة، وَقيل: إِنَّه عَرَبِيّ، وَلم تجر للتأنيث والتعريف، وَحكي عَن رؤبة أَنه قَالَ: ركية جهنام بعيدَة القعر. وَقَالَ الْأَعْشَى: (دَعَوْت خليلي مسحلا ودعوا لَهُ ... جهنام جدعا للهجين المذمم) فَترك صرفه يدل على أَنه أعجمي مُعرب. 278 - / 332 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: كُنَّا مَعَ رَسُول الله فمررنا بصبيان فيهم ابْن صياد. أما ابْن صياد فاسمه عبد الله، وَيُقَال فِيهِ ابْن صياد وَابْن صائد وَابْن الصَّائِد، وَكَانَ أَبوهُ من الْيَهُود، ولد فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ أَعور مختون مسرور، وَأَتَاهُ رَسُول الله وَهُوَ صبي فَسَأَلَهُ عَمَّا خبأ لَهُ، فَأَجَابَهُ، فَقَالُوا: هُوَ الدَّجَّال، وَكَانَ ابْن عمر وَجَابِر يحلفان بِاللَّه من غير شكّ أَنه الدَّجَّال، وَكَانَ يَقُول: أَنا مُؤمن والدجال كَافِر، وَقد ولد لي والوجال لَا يُولد لَهُ، وَكَانَ لَهُ ولد اسْمه عمَارَة من خِيَار الْمُسلمين، روى عَنهُ مَالك بن أنس. وَاخْتلف النَّاس فِي آخر أمره، فَروِيَ عَن جَابر أَنه قَالَ: فقدناه يَوْم الْحرَّة. وَرُوِيَ أَنه تَابَ عَمَّا كَانَ يَدعِيهِ، الحديث: 278 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وَمَات بِالْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُمْ لما أَرَادوا الصَّلَاة عَلَيْهِ كشفوا عَن وَجهه حَتَّى رَآهُ النَّاس، وَقيل لَهُم: اشْهَدُوا. وَقَوله: تربت يداك: أَي افْتَقَرت. وَقَوله لعمر: " إِن يكن الَّذِي ترى - أَي تظن - فَلَنْ تَسْتَطِيع قَتله " لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الدَّجَّال فَلَا بُد من ظُهُوره، فَكيف يقتل وَلم يظْهر؟ قَوْله: إِنِّي خبأت لَك خبيئا فَقَالَ: دخ. يُرِيد الدُّخان. وَفِي بعض أَلْفَاظ حَدِيث ابْن عمر الَّذِي ذكر فِي الصِّحَاح أَن رَسُول الله خبأ لَهُ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين. فَقَالَ: " اخْسَأْ "، أَي أبعد " فَلَنْ تعدو "، أَي لن تتجاوز " قدرك ". وَفِي مَعْنَاهُ وَجْهَان: أَحدهمَا: أَنه لَا يبلغ قدرك أَن تطالع الْغَيْب من قبل الْوَحْي الَّذِي يخْتَص الْأَنْبِيَاء، وَلَا من قبل الإلهام الَّذِي يُدْرِكهُ الْأَوْلِيَاء، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي قَالَه شَيْء أَلْقَاهُ إِلَيْهِ الشَّيْطَان، إِمَّا لكَون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تكلم بذلك بَينه وَبَين نَفسه فَسَمعهُ الشَّيْطَان، وَإِمَّا أَن يكون الشَّيْطَان سمع مَا سيجري بَينهمَا من السَّمَاء، لِأَنَّهُ إِذا قضى الْقَضَاء فِي السَّمَاء تَكَلَّمت بِهِ الْمَلَائِكَة فاسترق الشَّيْطَان السّمع فَأَلْقَاهُ إِلَى أذن الكاهن، وَسَيَأْتِي هَذَا مشروحا فِي مُسْند عَائِشَة. وَإِمَّا أَن يكون رَسُول الله حدث بعض أَصْحَابه بِمَا أضمر فاختلس الشَّيْطَان ذَلِك، وَيدل على هَذَا قَول ابْن عمر: وخبأ لَهُ رَسُول الله يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين. فَالظَّاهِر أَنه اعْلَم الصَّحَابَة مَا يخبأ لَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 وَالثَّانِي: أَن الْمَعْنى: لن تعدو قدر الله فِيك. فَإِن قيل: فَمَا السِّرّ فِي أَنه أضمر لَهُ الدُّخان؟ فَجَوَابه من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون أضمر مَا خطر لَهُ كَمَا اتّفق. وَالثَّانِي: أَن يكون اعْتمد ذَلِك، لِأَن الدُّخان يستر عَن النَّاظر عين الشَّمْس، وَكَذَلِكَ بَاطِل الدَّجَّال ثمَّ هُوَ ضَرَر لَا نفع فِيهِ. فَإِن قيل: كَيفَ ترك الرَّسُول رجلا يَدعِي النُّبُوَّة كَاذِبًا؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن هَذِه الْقِصَّة جرت لَهُ مَعَه أَيَّام مهادنة الْيَهُود وحلفائهم، وَذَلِكَ أَنه لما قدم الْمَدِينَة كتب بَينه وَبَين الْيَهُود كتابا صَالحهمْ فِيهِ، على أَن لَا يهاجوا، وَكَانَ ابْن صياد فِي جملَة الْقَوْم، فَلَمَّا بلغ رَسُول الله مَا يَدعِيهِ من علم الْغَيْب امتحنه فَرَآهُ مُبْطلًا، وَعلم أَنه لَا يعدو الكهانة وَالسحر. وَالثَّانِي: أَنه حِين جرت لَهُ مَعَه هَذِه الْقِصَّة كَانَ صَبيا غير بَالغ، وَلَا حكم لقَوْل الصَّبِي. 279 - / 333 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: " وَلَكِن الله أعانني عَلَيْهِ فَأسلم ". جُمْهُور الروَاة يَقُولُونَ: فَأسلم بِفَتْح الْمِيم، يُرِيدُونَ: الشَّيْطَان أسلم، وَكَانَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة يَقُول: فَأسلم بضَمهَا، وَالْمعْنَى: فَأسلم من شَره. وَكَانَ يَقُول: الشَّيْطَان لَا يسلم. وَقَول ابْن عُيَيْنَة حسن يظْهر أثر المجاهدة بمخالفة الشَّيْطَان، غير أَن قَوْله: " فَلَا يَأْمُرنِي إِلَّا بِخَير " دَلِيل على إِسْلَام الشَّيْطَان، لِأَن الَّذِي نفر مِنْهُ ابْن عُيَيْنَة وَقَالَ: الحديث: 279 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 لَا يسلم، يَنْبَغِي أَن يَقع النفار مِنْهُ فِي قَوْله: " فَلَا يَأْمُرنِي إِلَّا بِخَير " وَقد رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده بِلَفْظ آخر: " فَلَا يَأْمُرنِي إِلَّا بِحَق ". 380 - / 334 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: قَالَت أم حَبِيبَة: اللَّهُمَّ أمتعني بزوجي رَسُول الله، وبأبي أبي سُفْيَان، وبأخي مُعَاوِيَة، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لقد سَأَلت الله لآجال مَضْرُوبَة، وَأَيَّام مَعْدُودَة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شَيْئا قبل حلّه، أَو يُؤَخر شَيْئا عَن حلّه، وَلَو كنت سَأَلت الله أَن يعيذك من عَذَاب النَّار أَو عَذَاب فِي الْقَبْر كَانَ خيرا ". أم حَبِيبَة هِيَ زوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاسْمهَا رَملَة بنت أبي سُفْيَان. فَإِن قيل: كَيفَ ردهَا عَن سُؤال، وَعلل بِالْقدرِ، وأمرها بسؤال وَهُوَ دَاخل فِي بَاب الْقدر أَيْضا؟ فَالْجَوَاب: أَن سُؤال مَا يجلب نفعا فِي الْآخِرَة وَيظْهر عبودية من السَّائِل، أولى مِمَّا يجتلب بِهِ مُجَرّد النَّفْع فِي الدُّنْيَا، فَأَرَادَ مِنْهَا التشاغل بِأُمُور الْآخِرَة. وَفِي هَذَا الحَدِيث: " إِن الله لم يَجْعَل لمسخ نَسْلًا وَلَا عقبا " وَفِي ذَلِك دَلِيل على أَن الَّذين مسخوا لم يبقوا وَلم ينسلوا، وَقد كَانَ ابْن قُتَيْبَة يَقُول: أَنا أَظن أَن هَذِه القردة والخنازير هِيَ المسوخ بِأَعْيَانِهَا توالدت. ثمَّ قَالَ: إِلَّا أَن يَصح حَدِيث أم حَبِيبَة. وَقد صَحَّ حَدِيثهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 فَلَا يلْتَفت إِلَى ظن ابْن قُتَيْبَة. 281 - / 335 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لقوم يتخلفون عَن الْجُمُعَة: " لقد هَمَمْت أَن آمُر رجلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثمَّ أحرق على رجال يتخلفون عَن الْجُمُعَة بُيُوتهم ". إِن قَالَ قَائِل: لَو فعل هَذَا لفاتته الْجُمُعَة، فَمَا وَجه هَذَا القَوْل؟ فَالْجَوَاب من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن أَبَا هُرَيْرَة قد روى هَذَا الحَدِيث فِي الْجَمَاعَات لَا فِي الْجُمُعَة، فَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيثه، وَحَدِيث ابْن مَسْعُود من أَفْرَاد مُسلم، فَذَاك مقدم، وَيحْتَمل أَن يكون الرَّاوِي قد سَهَا من ذكر الْجَمَاعَة إِلَى الْجُمُعَة. وَالثَّانِي: أَنه قَالَه على وَجه الْمُبَالغَة وَلم يَفْعَله، كَمَا قَالَ: " من قتل عَبده قَتَلْنَاهُ ". وَالثَّالِث: أَنه يُمكن أَن يمْضِي فيأمر بتحريق بيُوت أَقوام سمعُوا التأذين، ثمَّ يعود فيدرك الصَّلَاة. 282 - / 337 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين: وَلَقَد كَانَ الرجل يهادى بَين الرجلَيْن. أَي يحمل بِرِفْق وَهُوَ يعْتَمد عَلَيْهِمَا من ضعفه وَقلة تماسكه، يُقَال: الحديث: 281 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 تهادت الْمَرْأَة فِي مشيتهَا: أَي تمايلت. 283 - / 338 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: " لَو كنت متخذا خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا ". قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: الْخَلِيل " فعيل " من الْخلَّة، والخلة: الْمَوَدَّة. قَالَ: وَقَالَ بعض أهل اللُّغَة: والخليل الْمُحب، والمحب الَّذِي لَيْسَ فِي محبته نقص وَلَا خلل، فإبراهيم عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يحب الله وَيُحِبهُ الله محبَّة لَا نقص فِيهَا وَلَا خلل. قَالَ: وَيُقَال: الْخَلِيل: الْفَقِير، من الْخلَّة، والخلة: الْفقر، قَالَ زُهَيْر: (فَإِن أَتَاهُ خَلِيل يَوْم مسغبة ... يَقُول لَا غَائِب مَالِي وَلَا حرم) أَرَادَ: وَإِن أَتَاهُ فَقير. قَالَ: وَيُقَال: الْخَلِيل: الْفَقِير إِلَيْهِ، ينزل فقره وفاقته بِهِ وَلَا ينزل ذَلِك بِغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: الْخَلِيل من: تخَلّل الْمَوَدَّة الْقلب وتمكنها مِنْهُ، قَالَ: وَقيل: إِنَّهَا من خلة الرَّعْي: وَهُوَ نَبَات تستحيله الْمَاشِيَة فتكثر مِنْهُ. وَالْمَقْصُود من الحَدِيث: أَن الْخلَّة تلْزم فضل مُرَاعَاة للخليل وَقيام بِحقِّهِ، واشتغال الْقلب بأَمْره، فَأخْبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَيْسَ عِنْدِي فضل - مَعَ خلة الْحق - لِلْخلقِ، لاشتغال قلبِي بمحبته سُبْحَانَهُ فَلَا يحْتَمل ميلًا إِلَى غَيره. 284 - / 342 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ: " بِحَسب الْمَرْء من الحديث: 283 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 الْكَذِب أَن يحدث بِكُل مَا سمع ". فِيهِ تَأْوِيلَانِ: أَحدهَا: أَن يروي مَا يُعلمهُ كذبا وَلَا يُبينهُ فَهُوَ أحد الْكَاذِبين. وَالثَّانِي: أَن يكون الْمَعْنى: بِحَسب الْمَرْء أَن يكذب، لِأَنَّهُ لَيْسَ كل مسموع يصدق بِهِ، فَيَنْبَغِي تحديث النَّاس بِمَا تحتمله عُقُولهمْ. 285 - / 343 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: هَاجَتْ ريح حَمْرَاء بِالْكُوفَةِ، فجَاء رجل لَيْسَ لَهُ هجيري إِلَّا: يَا عبد الله بن مَسْعُود، جَاءَت السَّاعَة. قَوْله: لَيْسَ لَهُ هجيري: أَي مَاله شَأْن وَلَا شغل إِلَّا هَذَا. قَالَ أَبُو عبيد: مثل الهجيري فِي الْوَزْن الخليفي: وَهِي الْخلَافَة، وَقَول عمر بن عبد الْعَزِيز لَا رديدي فِي الصَّدَقَة: أَي لَا ترد. وَيُقَال: كَانَت بَين الْقَوْم رميا، ثمَّ حجزت بَينهم حجيزي: أَي صَارُوا إِلَى المحاجزة بعد الرَّمْي، وَكَذَلِكَ الهزيمي من الْهَزِيمَة، والمنيني من الْمِنَّة، والدليلي من الدّلَالَة. وَأكْثر كَلَامهم فِي الدّلَالَة بِالْفَتْح. والخطيبي من الْخطْبَة. وَقَوله: فَيشْتَرط الْمُسلم شَرطه. الشرطه: قوم يقدمُونَ إِلَى الْقِتَال يشترطون الثَّبَات ويتعاقدون على الْجد وَإِن آل بهم إِلَى الْمَوْت. الحديث: 285 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 كشف الْمُشكل من مُسْند أبي الْيَقظَان عمار بن يَاسر أسلم قَدِيما، وَكَانَ من الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذين يُعَذبُونَ بِمَكَّة ليرجعوا عَن دينهم، وَأحرقهُ الْمُشْركُونَ بالنَّار، فَكَانَ رَسُول الله يمر بِهِ فيمر يَده على رَأسه وَيَقُول: " يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا على عمار كَمَا كنت على إِبْرَاهِيم " وَشهد بَدْرًا، وَلم يشهدها ابْن مُؤمنين غَيره، لِأَن أَبَاهُ ياسرا أسلم، وَأمه سميَّة بنت خباط، وَكَانُوا كلهم يُعَذبُونَ ليرجعوا عَن الْإِسْلَام، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " صبرا يَا آل يَاسر، مَوْعدكُمْ الْجنَّة ". وَسَماهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطّيب المطيب. وروى عَن رَسُول الله اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ خَمْسَة: 286 - / 345 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: أَن أَبَا مُوسَى قَالَ لِابْنِ مَسْعُود أَرَأَيْت لَو أَن رجلا أجنب فَلم يجد المَاء شهرا، كَيفَ يصنع بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ عبد الله: لَا يتَيَمَّم وَإِن لم يجد المَاء شهرا. الحديث: 286 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَكيف بِهَذِهِ الْآيَة: {فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا} [الْمَائِدَة: 6] قَالَ عبد الله: لَو رخص لَهُم فِي هَذِه الْآيَة لَأَوْشَكَ إِذا برد عَلَيْهِم المَاء أَن يتيمموا بالصعيد، فَذكر لَهُ حَدِيث عمار فِي التَّيَمُّم. وَفِي رِوَايَة: أَن رجلا أَتَى عمر فَقَالَ: أجنبت فَلم أجد مَاء. فَقَالَ: لَا تصل. فَقَالَ عمار: أَلا تذكر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِذْ أَنا وَأَنت فِي سَرِيَّة فأجنبنا فَلم نجد مَاء، فَأَما أَنْت فَلم تصل، وَأما أَنا فتمعكت فِي التُّرَاب وَصليت، فَقَالَ رَسُول الله: " إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيك أَن تضرب بيديك الأَرْض ثمَّ تمسح بهما وَجهك وكفيك " فَقَالَ عمر: اتَّقِ الله يَا عمار. قَالَ: إِن شِئْت لَا أحدث بِهِ. فَقَالَ عمر: نوليك مَا توليت. ظَاهر المناظرة بَين ابْن مَسْعُود وَأبي مُوسَى أَن ابْن مَسْعُود لم يلْتَفت إِلَى الْآيَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَلَكِن ابْن مَسْعُود رأى أَن الْآيَة لَا تَتَضَمَّن التَّيَمُّم إِنَّمَا تخْتَص بِالْحَدَثِ الْأَصْغَر، فَلذَلِك لم ير جَوَاز التَّيَمُّم للْجنب. وَقد اخْتلف النَّاس فِي هَذِه الْآيَة: فَمنهمْ من قَالَ: إِنَّمَا دلّت على التَّيَمُّم عَن الْحَدث الْأَصْغَر فَقَط، وهم الْقَائِلُونَ بِأَن اللَّمْس لمس الْيَد. قَالُوا: وَإِنَّمَا استفدنا جَوَاز التَّيَمُّم للْجنب من حَدِيث عمار، وَيدل عَلَيْهِ أَنه لما تمعك عمار فِي التُّرَاب وَأخْبر رَسُول الله بِفِعْلِهِ قَالَ: " إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيك أَن تَقول هَكَذَا " وَعلمه التَّيَمُّم وَلم يردهُ إِلَى بَيَان الْآيَة، وَلَو كَانَ فِيهَا بَيَان ذَلِك لقَالَ كَمَا قَالَ لعمر فِي شَأْن الْكَلَالَة: " يَكْفِيك آيَة الصَّيف ". وَمِنْهُم من قَالَ: بل دلّت على التَّيَمُّم عَن الْجَنَابَة، وَاخْتلف هَؤُلَاءِ على أَي وَجه دلّت على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن المُرَاد باللمس فِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 الْوَطْء، قَالَه عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. وَالثَّانِي: أَن فِيهَا تَقْدِيمًا وتأخيرا، وتقديرها: إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة من النّوم، فَأفَاد ذَلِك النّوم وَمَا فِي مَعْنَاهُ من الْبَوْل والمذي وَالرِّيح. {أَو لامستم} أَي بِالْيَدِ {فَاغْسِلُوا} . ثمَّ قَالَ: {وَإِن كُنْتُم جنبا} فأفادت الْآيَة ذكر الطهارتين عِنْد وجود المَاء مَعَ التَّنْبِيه على الْأَحْدَاث. ثمَّ قَالَ: {وَإِن كُنْتُم مرضى أَو على سفر أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط أَو لامستم النِّسَاء فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا} فَانْصَرف إِلَى الطهارتين جَمِيعًا، وَأفَاد جَوَاز التَّيَمُّم عَن الحدثين، وَهَذَا الْمَعْنى مَرْوِيّ عَن زيد بن أسلم وَابْنه. وَالثَّالِث: أَن الْآيَة لما جعلت التَّيَمُّم بَدَلا عَن الْوضُوء نبهت على أَنه بدل عَن الْغسْل لِأَن التُّرَاب لما جعل بَدَلا عَن المَاء وَجب أَن يَنُوب عَن طهارات المَاء. وَأما التَّيَمُّم فَإِنَّهُ فِي اللُّغَة الْقَصْد، قَالَ الْأَعْشَى: (تيممت قيسا وَكم دونه ... من الأَرْض من مهمه ذِي شزن) وَقَوله: لَو رخص لَهُم فِي هَذَا لَأَوْشَكَ إِذا برد عَلَيْهِم المَاء أَن يتيمموا للصَّلَاة. وَعِنْدنَا أَنه إِذا خَافَ ضَرَر الْبرد تيَمّم وَصلى وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ إِن كَانَ مُسَافِرًا، وَإِن كَانَ مُقيما فعلى رِوَايَتَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِي: يُعِيد الْمُقِيم، وَله فِي الْمُسَافِر قَولَانِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وَقَوله: فتمرغت فِي الصَّعِيد كَمَا تتمرغ الدَّابَّة. وَإِنَّمَا فعل هَذَا لِأَنَّهُ رأى التُّرَاب بَدَلا عَن المَاء فَاسْتَعْملهُ فِي جَمِيع الْبدن. فَأَما الصَّعِيد فَهُوَ التُّرَاب قَالَه عَليّ وَابْن مَسْعُود واللغويون، مِنْهُم الْفراء وَأَبُو عبيد والزجاج وَابْن قُتَيْبَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَقع اسْم الصَّعِيد إِلَّا على تُرَاب ذِي غُبَار، فعلى هَذَا لَا يجوز التَّيَمُّم إِلَّا بِالتُّرَابِ، وَهُوَ قَول أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَدَاوُد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يجوز بِجَمِيعِ أَجزَاء الأَرْض كالنورة والجص والزرنيخ وَغَيره. وَزَاد مَالك فَقَالَ: وَيجوز بالحشيش وَالشَّجر، فعلى هَذَا يكون الصَّعِيد عِنْدهمَا مَا تصاعد على وَجه الأَرْض سَوَاء كَانَ تُرَابا أَو غَيره، وَلَا خلاف أَنه إِذا ضرب بِيَدِهِ على الطين أَنه لَا يجْزِيه. وَقد سلم خصمنا برادة الذَّهَب وَالْفِضَّة والصفر والنحاس والدقيق وسحيق الزّجاج والجوهر والصندل ونحاتة الْخشب وَنَحْو ذَلِك، فَأَما الرمل فلأبي حنيفَة وَأحمد فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَقد دلّ حَدِيث عمار هَذَا على أَنه يجوز الِاقْتِصَار فِي التَّيَمُّم على الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ بضربة وَاحِدَة، وَهُوَ قَول مَالك وَدَاوُد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد: لَا يجْزِيه إِلَّا أَن يمسح إِلَى الْمرْفقين. وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 يخْتَلف أَصْحَابنَا فِي جَوَاز الْأَمريْنِ، إِنَّمَا اخْتلفُوا فِي الْمسنون: فَقَالَ القَاضِي أَبُو يعلى: الْمسنون أَن يضْرب ضربتين، يمسح بِوَاحِدَة وَجهه وبالأخرى يَدَيْهِ إِلَى الْمرْفقين، فَإِن ضرب ضَرْبَة فَمسح بهَا وَجهه وكفيه جَازَ. وَقَالَ أَبُو الْخطاب الكلواذاني: بل الْمسنون عِنْد أَحْمد ضَرْبَة وَاحِدَة للْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ. وَقَالَ أَبُو الْوَفَاء بن عقيل: ظَاهر كَلَام أَحْمد يدل على أَن الْمسْح إِلَى الْمرْفقين جَائِز وَلَيْسَ بمستحب. وَقَوله: ونفض يَدَيْهِ. وَفِي لفظ: " يَكْفِيك أَن تضرب بيديك الأَرْض ثمَّ تنفخ " يحْتَج بِهِ من يرى جَوَاز الضَّرْب على حجر لَا غُبَار لَهُ، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك. وَعند أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا بُد من غُبَار يعلق بِالْيَدِ، لقَوْله تَعَالَى: {فامسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} و " من " للتَّبْعِيض. وَأما نفض الْيَد ونفخها فَالْمُرَاد بِهِ تَخْفيف مَا تعلق بِالْيَدِ. فَإِنَّهُ قد تعلق بهَا الْكثير، والنفخ لَا يدْفع الْخَفِيف، وَبِه تقع الْكِفَايَة. وَقَوله: اتَّقِ الله يَا عمار. مَعْنَاهُ: احْتَرز فِيمَا تروي، وَلَيْسَ أَنه شكّ فِيهِ، وَلكنه تثقيف لَهُ وتأديب لغيره. وَقَوله: نوليك مَا توليت: مَعْنَاهُ نَدعك وَمَا تتقلد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 287 - / 346 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: لما بعث عَليّ عمارا إِلَى الْكُوفَة ليستنفرهم. الاستنفار: الدُّعَاء إِلَى النُّصْرَة. وَهَذَا كَانَ عِنْد خُرُوج عَائِشَة عَلَيْهَا السَّلَام إِلَى الْبَصْرَة. 288 - / 347 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: دخل أَبُو مُوسَى وَأَبُو مَسْعُود على عمار حَيْثُ أَتَى إِلَى الْكُوفَة ليستنفر النَّاس، فَقَالَا: مَا رَأينَا مِنْك أمرا مُنْذُ أسلمت أكره عندنَا من إسراعك فِي هَذَا الْأَمر. فَقَالَ: مَا رَأَيْت مِنْكُمَا أمرا مُنْذُ أسلمتما أكره عِنْدِي من إبطائكما عَن هَذَا الْأَمر: قَالَ ثمَّ كساهما حلَّة. أَبُو مُوسَى هُوَ الْأَشْعَرِيّ، وَأَبُو مَسْعُود هُوَ البدري، واسْمه عقبَة ابْن عَمْرو. وَالْإِشَارَة بقَوْلهمْ: هَذَا الْأَمر، إِلَى الْخُرُوج مَعَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وَمَعَ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا. وَإِنَّمَا كرها لعمَّار الْخُرُوج فِيمَا ظَاهره الْقِتَال والفتن، وَكره لَهما عمار قعودهما عَن نصْرَة عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، وَالْحق فِي ذَلِك مَعَ عمار؛ لِأَن عليا عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ الإِمَام علما وَخِلَافَة، فَهُوَ أعلم بِالْحَقِّ من كل من خاصمه، وَإِنَّمَا خرجت عَائِشَة عَلَيْهَا السَّلَام لتصلح الْأَمر فانخرق. 289 - / 348 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: رَأَيْت رَسُول الله وَمَا مَعَه إِلَّا خَمْسَة أعبد وَامْرَأَتَانِ. الحديث: 287 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 أما عمار فَإِنَّهُ أسلم قَدِيما، وَقد أسلم جمَاعَة قبله، وَإِنَّمَا حكى مَا رأى. 290 - / 349 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ مُسلم: خَطَبنَا عمار فأوجز وأبلغ، فَقُلْنَا: لَو كنت تنفست، فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " إِن طول صَلَاة الرجل وَقصر خطبَته مئنة من فقهه، وَإِن من الْبَيَان سحرًا ". تنفست بِمَعْنى مددت الْكَلَام قَلِيلا، وَهُوَ مشبه بِمد النَّفس. ومئنة بِمَعْنى عَلامَة تدل على فقه الرجل. قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ كَقَوْلِك: مخلقة، ومجدرة، ومحراة. وَالْفِقْه: الْفَهم، قَالَ الْأَزْهَرِي: الْفِقْه أَن يعلم الرجل من بَاطِن مَا يسْأَل عَنهُ كَمَا يعلم من ظَاهره لَا يخفى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء. فَأَما الْبَيَان فَقَالَ أَبُو عبيد: الْبَيَان من الْفَهم وذكاء الْقلب مَعَ اللسن، فصاحبه يمدح فَيصدق، ويذم فَيصدق، وَكَأَنَّهُ قد سحر السامعين بذلك. وَقَالَ مَالك ابْن دِينَار: مَا رَأَيْت أبين من الْحجَّاج، إِن كَانَ ليرقى الْمِنْبَر فيذكر إحسانه إِلَى أهل الْعرَاق وصفحه عَنْهُم وإساءتهم إِلَيْهِ حَتَّى أَقُول فِي نَفسِي: وَالله إِنِّي لأحسبه صَادِقا، وَإِنِّي لأظنهم ظالمين لَهُ. الحديث: 290 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 كشف الْمُشكل من مُسْند حَارِثَة بن وهب الْخُزَاعِيّ وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّة أَحَادِيث، وَقد غلط أَبُو بكر البرقي فَقَالَ فِي " تَارِيخه ": جملَة مَا روى حديثان، وَبَيَان غلطه أَنه قد أخرج لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة أَحَادِيث. 291 - / 350 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: قَوْله صلى بِنَا رَسُول الله وَنحن أَكثر مَا كُنَّا قطّ وآمنه بمنى رَكْعَتَيْنِ. يُشِير بِهَذَا إِلَى أَن قصر الصَّلَاة لم يقف على الْخَوْف. وَقد شرحنا هَذَا فِي مُسْند عمر. 292 - / 351 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " حَوْضه مَا بَين صنعاء وَالْمَدينَة ". الْإِشَارَة إِلَى أَن طول الْحَوْض بِقدر هَذِه الْمسَافَة. 293 - / 352 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " يمشي الرجل بِصَدَقَتِهِ فَيَقُول الحديث: 291 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 الَّذِي أعطيها: لَو جئتنا بهَا بالْأَمْس قبلتها ". وَالْإِشَارَة بِهَذَا إِلَى كَثْرَة المَال فِي آخر الزَّمَان. 294 - / 353 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " أَلا أخْبركُم بِأَهْل الْجنَّة؟ كل ضَعِيف متضعف، لَو يقسم على الله لَأَبَره. أَلا أخْبركُم بِأَهْل النَّار؟ كل عتل جواظ مستكبر ". الضَّعِيف: الْفَقِير، والمتضعف بِفَتْح الْعين - ويغلط من يقْرؤهَا من الْمُحدثين بِالْكَسْرِ؛ لِأَن المُرَاد أَن النَّاس يستضعفونه ويقهرونه. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العتل عِنْد الْعَرَب: الشَّديد. وَقَالَ غَيره: هُوَ الْفظ الغليظ الشَّديد الْخُصُومَة الَّذِي لَا ينقاد لخير. فَأَما الجواظ فَفِيهِ خَمْسَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه الجموع المنوع. وَالثَّانِي: الشَّديد الصَّوْت فِي الشَّرّ. وَالثَّالِث: الْقصير الْبَطن. وَالرَّابِع: المتكبر المختال فِي مَشْيه الفاخر. وَالْخَامِس: أَنه الْكثير اللَّحْم المختال فِي مَشْيه. الحديث: 294 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 كشف الْمُشكل من مُسْند أبي ذَر وَاخْتلفُوا فِي اسْمه وَاسم أَبِيه، فَقَالَ قوم: جُنْدُب بن جُنَادَة بن كَعْب. وَقَالَ آخَرُونَ: جُنْدُب بن السكن. وَقَالَ بَعضهم: يزِيد بن جُنَادَة. وَقيل: يزِيد بن أشعر، وَيُقَال: يزِيد بن عشرقة. وَيُقَال: اسْمه جُنَادَة. وَكَانَ يتعبد قبل مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدِيما، وَقَالَ: كنت خَامِسًا فِي الْإِسْلَام، وَرجع إِلَى بِلَاد قومه وَلم يقدم إِلَّا بعد الخَنْدَق. روى عَن رَسُول الله مِائَتي حَدِيث، وأحدا وَثَمَانِينَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ. 295 - / 354 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: أَنه تزَود وَحمل شنة فِيهَا مَاء حَتَّى قدم مَكَّة. الشنان: الأسقية الَّتِي قد أخلقت، وَاحِدهَا شن، وكل جلد بَال شن، وَيُقَال للقربة مِنْهَا شنة، وَهِي أَشد تبريدا للْمَاء من الجدد. الحديث: 295 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 وَقَوله: مَا أَنى للرجل. أَي: مَا آن. ويقفوه بِمَعْنى يتبعهُ. وَقَوله: لأصرخن بهَا: أَي بِكَلِمَة التَّوْحِيد بَين ظهرانيهم، يَعْنِي الْمُشْركين بِمَكَّة. وَقَوله: فَثنى علينا الَّذِي قيل لَهُ: أَي أظهره لنا. وَإِنَّمَا يُقَال النثا بِتَقْدِيم النُّون فِي الشَّيْء الْقَبِيح، فَإِذا قدمت الثَّاء فَهُوَ الْكَلَام الْجَمِيل. وَقَوله: لَا جماع لَك: أَي لَا نَجْتَمِع مَعَك. والصرمة: الْقطعَة من الْإِبِل نَحْو الثَّلَاثِينَ. وَقَوله: فنافر أنيس عَن صِرْمَتنَا وَعَن مثلهَا: أَي من قضى لَهُ بالغلبة أَخذ ذَلِك. وَقَالَ أَبُو عبيد: المنافرة: أَن يفتخر الرّجلَانِ كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه ثمَّ يحكما رجلا بَينهمَا، والنافر: الْغَالِب، والمنفور: المغلوب. يُقَال: قد نفره ينفره وينفره نَفرا: إِذا غلب عَلَيْهِ. وَقَوله: فَأتيَا الكاهن فَخير أنيسا عَلَيْهِ: أَي غَلبه وَقضى لَهُ. وَقَوله: قد صليت قبل أَن ألْقى رَسُول الله. هَذَا إلهام الْقُلُوب الطاهرة، وَمُقْتَضى الْعُقُول السليمة، فَإِنَّهَا توفق للصَّوَاب وتلهم للرشد وَقَوله: كَأَنِّي خَفَاء. قَالَ أَبُو عبيد: الخفاء مَمْدُود هُوَ الغطاء، وكل شَيْء غطيته بِشَيْء من كسَاء أَو ثوب فَذَلِك الغطاء خَفَاء، وَجمعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 أخفية. قَالَ ابْن دُرَيْد: الخفاء كسَاء يطْرَح على السقاء. وَقَوله: فَرَاثَ عَليّ: أَي أَبْطَا. وَقَوله: وضعت قَوْله على أَقراء الشّعْر، قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُرِيد أَنْوَاعه وطرقه، وَاحِدهَا قري، يُقَال هَذَا الشّعْر على قري هَذَا. وَقَوله: فَتَضَعَّفْت رجلا: أَي رَأَيْته ضَعِيفا، فَعلمت أَنه لَا ينالني بمكروه وَلَا يرتاب مقصدي. وَقَوله: كَأَنِّي نصب أَحْمَر: أَي قُمْت بعد أَن وَقعت كَأَنِّي لجَرَيَان دمي أحد الأنصاب: وَهِي حِجَارَة يذبحون عَلَيْهَا فتحمر بالدماء. فَأَما زَمْزَم فَقَالَ ابْن فَارس: هُوَ من قَوْلك: زممت النَّاقة: إِذا جعلت لَهَا زماما تحبسها بِهِ، وَذَلِكَ أَن جِبْرِيل لما هزم الأَرْض بمقاديم جنَاحه فَفَاضَ المَاء زمتها هَاجر فسميت بذلك. وَقَوله: فَمَا وجدت سخْفَة جوع. قَالَ الْأَصْمَعِي: السخفة: الخفة، وَلَا أَحسب قَوْلهم سخيف إِلَّا من هَذَا. وَقَوله: فَبينا أهل مَكَّة. قَالَ الزّجاج: مَكَّة لَا تَنْصَرِف لِأَنَّهَا مُؤَنّثَة. وَهِي معرفَة، وَيصْلح أَن يكون اشتقاقها من قَوْلهم: امتك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 الفصيل مَا فِي ضرع النَّاقة: إِذا مص مصا شَدِيدا حَتَّى لَا يبقي فِيهِ شَيْئا، فَتكون قد سميت بذلك لشدَّة الازدحام فِيهَا. وللعلماء فِي تَسْمِيَة مَكَّة أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: لِأَنَّهَا مثابة يؤمها الْخلق من كل فج، فَكَأَنَّهَا الَّتِي تجلب الْخلق إِلَيْهَا، من قَوْلهم: امتلك الفصيل مَا فِي ضرع النَّاقة. وَالثَّانِي: من قَوْلك: مككت الرجل: إِذا رددت نخوته، فَكَأَنَّهَا تمك من ظلم فِيهَا: أَي تهلكه وتنقصه، وأنشدوا: (يَا مَكَّة الْفَاجِر مكي مكا ... وَلَا تمكي مذحجا وعكا) وَالثَّالِث: سميت بذلك لجهد أَهلهَا. وَالرَّابِع: لقلَّة المَاء بهَا. وَقَوله: فِي لَيْلَة قَمْرَاء. القمراء منسوبة إِلَى الْقَمَر، وَالْمعْنَى: فِي لَيْلَة كَثِيرَة الضَّوْء. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُقَال: لَيْلَة إِضْحِيَان وإضحيانة وضحيانة: إِذا كَانَت مضيئة. وَقَوله: ضرب على أصمختهم: الأصمخة جمع صماخ: وَهِي خرق الْأذن الْبَاطِن الَّذِي يُفْضِي إِلَى الرَّأْس، وَمِنْه يتَأَدَّى فهم المسموع إِلَى النَّفس، وَهَذَا كِنَايَة عَن النّوم المفرط، لِأَن الضَّرْب هَاهُنَا: الْمَنْع من الِاسْتِمَاع، يُقَال: ضرب فلَان على يَد فلَان: إِذا مَنعه من التَّصَرُّف فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 مَاله. وَقَالَ الزّجاج: يُقَال لهَذَا الْخرق الصماخ والسم والمسمع. قلت: وَقد رَوَاهُ بعض الْمُحدثين بِالسِّين، وَهُوَ غلط، وَجَمِيع اللغويين ذَكرُوهُ بالصَّاد. وإساف ونائلة صنمان: أَنبأَنَا أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْمحلي قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد: على بن ثَابت قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن مُحَمَّد بن بَشرَان قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَليّ الْحُسَيْن بن صَفْوَان قَالَ: حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن أبي بشر عَن ابْن أبي نجيح إِن إسافا ونائلة رجل وَامْرَأَة حجا من الشَّام قبلهَا وهما يطوفان، قَالَ: فمسخا حجرين، وَلم يَزَالَا فِي الْمَسْجِد حَتَّى جَاءَ الله بِالْإِسْلَامِ فأخرجا. قَوْله: فَمَا تناهتا: أَي مَا رجعتا عَن قَوْلهمَا. فَقلت: هن مثل الْخَشَبَة - يَعْنِي الذّكر. فانطلقتا تُوَلْوِلَانِ: أَي تدعوان بِالْوَيْلِ. وقولهما: لَو كَانَ أحد من أَنْفَارنَا: أَي من قَومنَا، مَأْخُوذ من النَّفر، والنفر: مابين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة. وقولهما: الصَّابِئ: يَعْنِي الْخَارِج من دين قومه. وقولهما: قَالَ كلمة تملأ الْفَم: أَي كلمة عَظِيمَة. وَإِنَّمَا أشارتا إِلَى قَوْله: هن مثل الْخَشَبَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 وتحية الْإِسْلَام: السَّلَام. وَإِنَّمَا كره انتسابه إِلَى غفار لِأَن هَذِه الْقَبِيلَة كَانَت تزن بِسَرِقَة الْحَاج. وَقَوله: فقدعني صَاحبه: أَي كفني وَمَنَعَنِي. يُقَال: قدعت الرجل وأقدعته: إِذا كففته، وَمِنْه قَول الْحسن: اقدعوا هَذِه الْأَنْفس فَإِنَّهَا طلعة. وَقَوله: " إِنَّهَا طَعَام طعم " أَي طَعَام يشْبع مِنْهُ ويكف الْجُوع. وغبرت بِمَعْنى بقيت. وَأما يثرب فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يثرب اسْم أَرض، ومدينة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نَاحيَة مِنْهَا. وَقَالَ ابْن فَارس: يرْوى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن تسمى الْمَدِينَة يثرب، وَذَلِكَ أَنه اسْم مَأْخُوذ من التثريب: وَهُوَ اللوم وتقبيح الْفِعْل فِي عين فَاعله، قَالَ الله تَعَالَى: {لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم} [يُوسُف: 92] أَي: لَا لوم. وَقَوله: " غفار غفر الله لَهَا، وَأسلم سَالَمَهَا الله " فِيهِ للْعُلَمَاء قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه دُعَاء لَهما واستغفار، وَإِنَّمَا اسْتغْفر لهاتين القبيلتين، لِأَنَّهُمَا أسلمتا طَوْعًا من غير حَرْب، وَكَانَ غفار تزن بِسَرِقَة الْحَاج، فَأحب أَن يمحو عَنْهُم تِلْكَ السبة السببة، وَأَن يعلم النَّاس أَن مَا سبق من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 ذَلِك مغْفُور بِإِسْلَامِهِمْ. وَالثَّانِي: أَنه إِخْبَار عَن القبيلتين، فَالْمَعْنى أَن الله سُبْحَانَهُ منع من أذاهما وحربهما. والمسالمة: الصُّلْح على ترك الْقِتَال والأذى، وَلما سالمت أسلم، فَجَاءَت طَوْعًا، فَدخلت فِيمَا دخلت فِيهِ غفار قَالَ: " أسلم سَالَمَهَا الله ". وَفِي هَذَا دَلِيل على جَوَاز اخْتِيَار الْكَلَام المتناسب المتجانس، لِأَنَّهُ قد كَانَ يُمكن أَن يَقُول: غفار عَفا الله عَنْهَا، فَلَمَّا قَالَ: " غفر الله لَهَا ". وَقَالَ: " أسلم سَالَمَهَا الله " دلّ على اخْتِيَار ذَلِك. وَإِنَّمَا يخْتَار مثل هَذَا لِأَنَّهُ أحلى فِي السّمع. وشنفوا لَهُ: أبغضوه ونفروا مِنْهُ. والشنف: الْمُبْغض. وتجهموا: أَي تنكرت وُجُوههم فاستقبلوه بالمكروه، يُقَال: تجهم وَجه الرجل: إِذا كره وَعَبس. 296 - / 355 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: فرج سقف بَيْتِي وَأَنا بِمَكَّة فَنزل جِبْرِيل ... " أَي كشف وشق. قَوْله: " ثمَّ جَاءَ بطست ". قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ عَن أبي عبيد عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: وَمِمَّا دخل فِي كَلَام الْعَرَب الطست، وَهُوَ فَارسي مُعرب. وَقَالَ الْفراء: طَيء تَقول طست، وَغَيرهم يَقُول طس، وهم الَّذين يَقُولُونَ للص لصت، وجمعهما طسوت ولصوت عِنْدهم. وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: الطس: الطست، لَكِن الطس بِالْعَرَبِيَّةِ، أَرَادَ أَنهم لما عربوه قَالُوا طس، وَيجمع طساسا الحديث: 296 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 وطسوسا. قَالَ الراجز: (ضرب يَد اللعابة الطسوسا ... ) فَإِن قيل: الْإِيمَان وَالْحكمَة كَيفَ يملآن الطست وليسا بجسم؟ فَالْجَوَاب: أَن هَذَا ضرب مثل لينكشف بالمحس مَا هُوَ مَعْقُول. وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَنه شرح صَدره لَيْلَة الْمِعْرَاج. وَقد رُوِيَ شرح صَدره فِي زمَان رضاعه عِنْد حليمة، وَهَذِه زِيَادَة تَطْهِير لمَكَان الزِّيَارَة. وَقَول الخازن: " وَأرْسل إِلَيْهِ؟ " يحْتَمل هَذَا الِاسْتِفْهَام وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون إرْسَال مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام خَفِي عَن ذَلِك الْملك؛ لِأَن الْمَلَائِكَة مشغولون بِالْعبَادَة، حَتَّى إِن أحدهم لَا يعرف من إِلَى جَانِبه. وَالثَّانِي: أَن يكون الْمَعْنى: وَأرْسل إِلَيْهِ للعروج إِلَى السَّمَاء، لِأَن بعثته استفاضت بَين الْمَلَائِكَة. وَقَوله: " عَن يَمِينه أَسْوِدَة " أَي أشخاص، وَهُوَ من السوَاد، والسواد: الشَّخْص، يُقَال: سَواد وأسودة كغراب وأغربة. وَالنَّسَمُ جمع نسمَة: وَهِي النَّفس. وَقَوله: حَتَّى ظَهرت: يَعْنِي عَلَوْت وَارْتَفَعت، لمستوى: وَهُوَ الْمَكَان المستوي المعتدل. وصريف الأقلام: صَوت حركتها على المخطوط فِيهِ، فَكَأَن الْإِشَارَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 بذلك إِلَى مَا تكتبه الْمَلَائِكَة من اللَّوْح من أقضية الله عز وَجل ووحيه. فَإِن قيل: كَيفَ رأى آدم ومُوسَى والأنبياء وهم مدفونون فِي الأَرْض؟ فقد أجَاب عَنهُ ابْن عقيل فَقَالَ: شكل الله أَرْوَاحهم على صور أَجْسَادهم. وجنابذ اللُّؤْلُؤ قبابه، وَاحِدهَا جنبذة: وَهِي الْقبَّة، وَقد وَقع فِي بعض النّسخ حنابل بِالْحَاء الْمُهْملَة وَبعدهَا بَاء. وَفِي نُسْخَة كَذَلِك إِلَّا أَنه بِالْجِيم الْمُعْجَمَة، وكل ذَلِك تَصْحِيف، وَالصَّحِيح جنابذ. 297 - / 356 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " إِن المكثرين هم المقلون يَوْم الْقِيَامَة، إِلَّا من أعْطى الله خيرا فَنفخ فِيهِ بِيَمِينِهِ وشماله ". النفخ رمي الشَّيْء بِسُرْعَة. والقاع: الْمَكَان السهل الَّذِي لَا ينْبت فِيهِ الشّجر، وَالْجمع القيعان. والحرة: أَرض ذَات حِجَارَة سود. وأرغم الله أنف فلَان: ألصقه بالرغام: وَهُوَ التُّرَاب. الْمَعْنى: وَإِن كره أَبُو ذَر ذَلِك. فَإِن قيل: كَيفَ الْجمع بَين قَوْله: " من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة " وَبَين دُخُول الْمُوَحِّدين بِذُنُوبِهِمْ النَّار؟ فَالْجَوَاب: أَن مآلهم إِلَى الْجنَّة وَإِن دخلُوا النَّار. 298 - / 357 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أذن مُؤذن رَسُول الله الظّهْر، الحديث: 297 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " أبرد، أبرد " أَو قَالَ: " انْتظر، انْتظر " وَقَالَ: " إِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم " الْإِبْرَاد: انكسار وهج الْحر وتوقده، وَذَلِكَ أَن فتور الْحر بِالْإِضَافَة إِلَى شدته برد. وفيح جَهَنَّم: التهابها وغليانها، وَهَذَا رفق بالماشي إِلَى الصَّلَاة، إِمَّا ليمشي فِي الْفَيْء، أَو لينتبه من قائلته، أَو لَهما. وَسَيَأْتِي فِي مُسْند أبي مُوسَى: " من صلى البردين دخل الْجنَّة " يَعْنِي الْفجْر وَالْعصر، لِأَنَّهَا يصليان فِي برد النَّهَار. 299 - / 359 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: كنت مَعَ رَسُول الله عِنْد غرُوب الشَّمْس فَقَالَ: " أَتَدْرِي أَيْن تذْهب الشَّمْس؟ " فَقلت: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: " تذْهب تسْجد تَحت الْعَرْش ". رُبمَا أشكل الْأَمر فِي هَذَا الحَدِيث على من لم يتبحر فِي الْعلم، فَقَالَ: نَحن نرَاهَا تغيب فِي الأَرْض، وَقد أخبر الْقُرْآن أَنَّهَا تغيب فِي عين حمئة، فَإِذا دارت تَحت الأَرْض وصعدت، فَأَيْنَ هِيَ من الْعَرْش؟ فَالْجَوَاب: إِن الْأَرْضين السَّبع فِي ضرب الْمِثَال كقطب رَحا، وَالْعرش لعظم ذَاته كالرحى، فَأَيْنَ سجدت الشَّمْس سجدت تَحت الْعَرْش، وَذَلِكَ مستقرها. 300 - / 360 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: قَالَ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ: كنت أَقرَأ على أبي فِي السدة، فَإِذا قَرَأَ السَّجْدَة سجد. الحديث: 299 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 قَالَ أَبُو عبيد: السدة: الظلة تكون بِبَاب الدَّار، وَمِنْه: من يغش سدد السُّلْطَان يقم وَيقْعد. وَكَانَ عُرْوَة بن الْمُغيرَة يُصَلِّي فِي السدة، وسدة الْمَسْجِد، وَسمي إِسْمَاعِيل السّديّ لِأَنَّهُ كَانَ يَبِيع الْخمر فِي سدة الْمَسْجِد، وَمِنْهُم من يَجْعَل السدة الْبَاب. فَأَما سُجُوده فِي السدة المضافة إِلَى الْمَسْجِد فَجَائِز لِأَنَّهُ بقارعة الطَّرِيق، وَسُجُود هَذَا الرجل مَحْمُول على أَنه قد كَانَ يَأْمر ابْنه عِنْد الْقِرَاءَة بِالسُّجُود ثمَّ يتبعهُ، لإنه إِنَّمَا يسن سُجُود السَّامع إِذا سجد الْقَارئ. وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى: بَيت الْمُقَدّس. وَإِنَّمَا قيل الْأَقْصَى لبعد الْمسَافَة بَينه وَبَين الْكَعْبَة. وَقيل: إِنَّه لم يكن وَرَاءه مَوضِع عبَادَة. فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: " بَينهمَا أَرْبَعُونَ عَاما "، وَإِنَّمَا بنى الْكَعْبَة إِبْرَاهِيم، وَبنى بَيت الْمُقَدّس سُلَيْمَان وَبَينهمَا أَكثر من ألف سنة؟ فَالْجَوَاب: أَن الْإِشَارَة إِلَى أول الْبناء وَوضع أساس المسجدين، وَلَيْسَ أول من بنى الْكَعْبَة إِبْرَاهِيم، وَلَا أول من بني بَيت الْمُقَدّس سُلَيْمَان، وَفِي الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ والبانين كَثْرَة، فَالله أعلم بِمن ابْتَدَأَ. وَقد روينَا أَن أول من بنى الْكَعْبَة آدم، ثمَّ انْتَشَر وَلَده فِي الأَرْض، فَجَائِز أَن يكون بَعضهم قد وضع بَيت الْمُقَدّس. 301 - / 361 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: قَالَ أَبُو ذَر: بشر الكانزين الحديث: 301 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 برضف يحمى عَلَيْهِ فِي نَار جَهَنَّم فَيُوضَع على حلمة ثدي أحدهم حَتَّى يخرج من نغض كَتفيهِ. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الرضف جمع رضفة: وَهِي حِجَارَة تحمى بالنَّار. والناغض: قرع الْكَتف، قيل لَهُ ناغض، لِأَنَّهُ يَتَحَرَّك إِذا حرك الرجل يَده أَو عدا. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ نغض الْكَتف: الشاخص، وأصل النغض الْحَرَكَة، وَسمي ذَلِك الْموضع من الْكَتف نغضا لِأَنَّهُ يَتَحَرَّك من الْإِنْسَان فِي مَشْيه وتصرفه، ويتزلزل يَتَحَرَّك بانزعاج ومشقة. ويعتريهم: يقصدهم ويغشاهم. قَوْله: فَإِذا كَانَ الْعَطاء ثمنا لدينك فَدَعْهُ. الْمَعْنى: إِذا لم يعطوك إِلَّا أَن تسكت عَن إِنْكَار منكرهم كَانَ كالرشوة، فَدَعْهُ. وَقَوله: " أرصده لدين " أَي أعده لَهُ. وَكَيف يظنّ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يدّخر المَال وَهُوَ يعلم كَثْرَة المحتاجين إِلَيْهِ، مَعَ أَن طبعه الْكَرم وسجيته الزّهْد. 302 - / 362 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: رَأَيْت أَبَا ذَر وَعَلِيهِ حلَّة وعَلى غُلَامه مثلهَا، فَسَأَلته عَن ذَلِك، فَذكر أَنه سَاب رجلا على عهد رَسُول الله فَعَيَّرَهُ بِأُمِّهِ. الحديث: 302 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 قد بَينا فِيمَا تقدم أَن الْحلَّة لَا تكون إِلَّا ثَوْبَيْنِ. وَقَوله: فَعَيَّرَهُ بِأُمِّهِ، قَالَ لنا ابْن الخشاب: الفصيح: عيرت فلَانا أمه، وَقد جَاءَ فِي شعر عدي بن زيد: (أَيهَا الشامت الْمُعير بالدهر ... ... ... ) وَاعْتَذَرُوا عَنهُ فَقَالُوا: إِنَّه كَانَ عباديا وَلم يكن فصيحا. وَقَوله: " إِنَّك امْرُؤ " أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور قَالَ: أخبرنَا أَبُو طَاهِر بن سوار قَالَ: أخبرنَا ابْن رزمة قَالَ: أخبرنَا أَبُو سعيد السيرافي قَالَ: أخبرنَا ابْن مُجَاهِد قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن الجهم قَالَ: قَالَ الْفراء: أهل الْحجاز وَأسد وَأهل الْعَالِيَة من قيس يَقُولُونَ: الْمَرْء وَالْمَرْأَة فيسكنون الرَّاء ويهمزون، فَإِذا لم يكن فِيهِ ألف وَلَام قَالُوا: امْرُؤ وَامْرَأَة. وَبَعض قيس يَقُولُونَ: الامرؤ الصَّالح، والامرأة الصَّالِحَة، وَرُبمَا قَالُوا هَذَا مرء صَالح، ومرأة صَالِحَة، وَمن الْعَرَب من يَقُول: هَذَا مرؤ صَالح، فيرفع الْمِيم فِي مَوضِع الرّفْع، ويخفضها فِي مَوضِع الْخَفْض، وينصبها فِي مَوضِع النصب. وَقَوله: " فِيك جَاهِلِيَّة " الْمَعْنى: قد بَقِي فِيك من أَخْلَاق الْقَوْم، لِأَن من أَخْلَاقهم عُقُوبَة من لم يجن، والشريعة لَا تَقْتَضِي ذمّ شخص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 بِفعل غَيره، وَإِنَّمَا ينشأ هَذَا من الْكبر، فتواضع أَبُو ذَر بعد ذَلِك حَتَّى سَاوَى غُلَامه. والخول: الخدم والتبع. وَقَوله: " فَإِن كلفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبهُمْ " أَي مَا يعجزون عَن الْقيام بِهِ. 303 - / 363 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: انْتَهَيْت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَلَست، فَلم أتقار أَن قُمْت. قَوْله: فَلم أتقار: أَي لم أتمكن من الِاسْتِقْرَار. والأظلاف جمع ظلف، والظلف للبقر كالظفر للْإنْسَان، والحافر للْفرس. ونفدت: فرغت وانتهت. وَالْإِشَارَة إِلَى من لم يخرج زَكَاتهَا. 304 - / 364 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: " لَيْسَ من رجل ادّعى إِلَى غير أَبِيه وَهُوَ يُعلمهُ إِلَّا كفر ". الادعاء إِلَيّ غير الْأَب مَعَ الْعلم حرَام، فَمن اعْتقد إِبَاحَة ذَلِك كفر، لمُخَالفَته الْإِجْمَاع، فَخرج عَن الْإِسْلَام، وَمن لم يفعل ذَلِك مُعْتَقدًا فَفِي معنى كفره وَجْهَان: أَحدهمَا: أَنه قد أشبه فعله فعل الْكفَّار. وَالثَّانِي: أَنه كَافِر للنعمة. وَقَوله: " لَيْسَ منا " إِن اعْتقد جَوَاز ذَلِك خرج من الْإِسْلَام، وَإِن لم يعْتَقد فَالْمَعْنى: لم يتخلق بأخلاقنا. وَقَوله: " فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار " لَفظه الْأَمر وَمَعْنَاهُ الْخَبَر، الحديث: 303 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وَالْمَقْصُود: فقد اتخذ مقْعدا من النَّار. وَمن دَعَا رجلا بالْكفْر وَلَيْسَ كَذَلِك كَانَ هُوَ الْكَافِر، لاعْتِقَاده فِي مُسلم أَنه كَافِر. وحار بِمَعْنى انْقَلب. وَإِذا لم تنْقَلب هَذِه الْأَشْيَاء عَلَيْهِ انْقَلب إثمها. 305 - / 365 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: " أَي الرّقاب أفضل؟ " قَالَ: " أَنْفسهَا عِنْد أَهلهَا وأكثرها ثمنا ". الْأَنْفس: الْأَفْضَل، وَلذَلِك يغلو ثمنه، فزيد الثَّوَاب لذَلِك. وَقَوله: " تعين ضائعا " أَي ذَا ضيَاع من فقر أَو عِيَال أَو حَالَة قصر عَن الْقيام بهَا. قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: هَذَا هُوَ الَّذِي فِي الحَدِيث، وَيحْتَمل: صانعا بالنُّون. وَقَوله: " أَو تصنع لأخرق " وَهُوَ الَّذِي قد تحير ودهش، فِيمَا يرومه. وَقَوله: " فَإِنَّهَا صَدَقَة مِنْك على نَفسك " وَذَاكَ أَنه إِذا كف عَن الشَّرّ. نجى النَّفس من الْإِثْم فَتصدق عَلَيْهَا بالسلامة. 306 - / 367 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي من أَفْرَاد البُخَارِيّ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَخذ مضجعه من اللَّيْل قَالَ: " بِاسْمِك اللَّهُمَّ أَمُوت وَأَحْيَا ". الحديث: 305 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 ذكر الِاسْم صلَة فِي الْكَلَام، فَهُوَ كَقَوْلِه: {سبح اسْم رَبك} [الْأَعْلَى: 1] وَالْمعْنَى: بل أَمُوت وَأَحْيَا بإرادتك وقدرتك. وَقَوله: " أَحْيَانًا بَعْدَمَا أماتنا " يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون الْمشَار إِلَيْهِ بداية الْخلق وَهِي النُّطْفَة، فَإِنَّهَا كَانَت خَالِيَة عَن روح. وَالثَّانِي: أَن تكون الْإِشَارَة إِلَى النّوم، فَشبه بِالْمَوْتِ تجوزا لتعطيل أَفعَال الْحس. والنشور: الْبَعْث. 307 - / 368 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: عَن أبي ذَر قَالَ: كَانَت الْمُتْعَة فِي الْحَج لأَصْحَاب مُحَمَّد خَاصَّة. وَفِي رِوَايَة: لَا تصلح المتعتان إِلَّا لنا خَاصَّة - يَعْنِي مُتْعَة النِّسَاء ومتعة الْحَج. هَذَا ظن من أبي ذَر، وَلَيْسَ كَذَلِك. فَأَما مُتْعَة النِّسَاء فلولا أَنَّهَا نسخت لبقي حكمهَا، وَقد سبق ذكرهَا ونسخها. وَأما مُتْعَة الْحَج فَحكمهَا بَاقٍ، وَقد بَينا أَنه الْأَفْضَل عِنْد جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وفقهاء الْأَمْصَار. 308 - / 369 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " ثَلَاثَة لَا يكلمهم الله: المسبل، والمنان، والمنفق سلْعَته بِالْحلف الْكَاذِب ". الحديث: 307 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 المسبل: يُرِيد بِهِ إسبال الْإِزَار على وَجه الْخُيَلَاء. والمنان: يَعْنِي بِالصَّدَقَةِ وَفعل الْخَيْر. والمنفق سلْعَته بِالْحلف: وَهُوَ أَن يحلف: لقد أَعْطَيْت بهَا كَذَا، وَمَا أعطي، لتنفق. 309 - / 371 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " من تقرب مني شبْرًا تقربت مِنْهُ ذِرَاعا ". الشبر: قدر فتح الْأَصَابِع الْخمس: والذراع: قدر طول الذِّرَاع إِلَى رُؤُوس الْأَصَابِع. والباع: قدر امتداد الْيَدَيْنِ. والهرولة: الْإِسْرَاع فِي الْمَشْي. وَهَذِه كلهَا أَمْثِلَة، وَالْمعْنَى: إِنِّي أربح معاملي، وأتفضل على مطيعي. وقراب الأَرْض: مَا يُقَارب ملؤُهَا. 310 - / 372 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " يصبح على كل سلامى من أحدكُم صَدَقَة ". السلامى: على وزن " فعالى " وَرُبمَا شدده أَحْدَاث طلبة الحَدِيث لقلَّة علمهمْ، وَجَمعهَا سلاميات بِفَتْح الْمِيم وَتَخْفِيف الْيَاء. قَالَ أَبُو عبيد: السلامى فِي الأَصْل عظم يكون فِي فرسن الْبَعِير، وَيُقَال إِن آخر مَا يبْقى فِيهِ المخ من الْبَعِير إِذا عجف فِي السلامى وَالْعين، فَإِذا ذهب الحديث: 309 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 مِنْهُمَا لم يكن لَهُ بَقِيَّة بعد، قَالَ الراجز: (لَا يشتكين عملا مَا أنقين ... ) (مَا دَامَ مخ فِي سلامى أَو عين ... ) فَكَأَن معنى الحَدِيث: على كل عظم من عِظَام ابْن آدم صَدَقَة، لِأَنَّهُ إِذا أصبح الْعُضْو سليما فَيَنْبَغِي أَن يشْكر، وَيكون شكره بِالصَّدَقَةِ، فالتسبيح والتحميد وَمَا ذكره يجْرِي مجْرى الصَّدَقَة عَن الشاكر. وَقَوله: " وَيُجزئ من ذَلِك رَكْعَتَانِ يركعهما من الضُّحَى " لِأَن الضُّحَى من الصَّباح، وَإِنَّمَا قَامَت الركعتان مقَام ذَلِك لِأَن جَمِيع الْأَعْضَاء تتحرك فِيهَا بِالْقيامِ وَالْقعُود فَيكون ذَلِك شكرها. 311 - / 373 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " عرضت عَليّ أَعمال أمتِي، فَوجدت فِي محَاسِن أَعمالهَا الْأَذَى يماط عَن الطَّرِيق، وَوجدت فِي مساوئ أَعمالهَا النخاعة تكون فِي الْمَسْجِد لَا تدفن " يماط بِمَعْنى ينحى. والنخاعة والنخامة والبصاق بِمَعْنى، إِلَّا أَن البصاق من أدنى الْفَم، والنخاعة من أقْصَى الْفَم، وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذ من النخاع. الحديث: 311 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 312 - / 374 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " ذهب أهل الدُّثُور بِالْأُجُورِ ". الدُّثُور جمع دثر: وَهُوَ المَال الْكثير. وَهَذَا الحَدِيث يتَضَمَّن شكوى الْفُقَرَاء وغبطتهم للأغنياء، كَيفَ ينالون الْأجر بِالصَّدَقَةِ، وهم لَا يقدرُونَ، فَأخْبرهُم أَنهم يثابون على تسبيحهم وتحميدهم وأفعالهم الْخَيْر كَمَا يُثَاب أُولَئِكَ على الصَّدَقَة. وَقَوله: " وَفِي بضع أحدكُم " الْبضْع: الْفرج، فَكَأَنَّهُ يَقُول: فِي وَطْء الرجل زَوجته صَدَقَة، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يعفها وَنَفسه. 313 - / 375 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: " كَمَا ينقص الْمخيط إِذا دخل الْبَحْر ". الْمخيط والخياط اسْم للإبرة. 314 - / 376 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: " يقرءُون الْقُرْآن لَا يُجَاوز حلاقيمهم ". الحلاقيم جمع حلقوم: وَهُوَ مجْرى النَّفس لَا غير، ومبدؤه من أقْصَى الْفَم، فَأَما الَّذِي يجْرِي فِيهِ الطَّعَام فَهُوَ مركب خلف الْحُلْقُوم يُقَال لَهُ المريء. والرمية: اسْم للمرمي. وَقد فسروا قَوْله: " هم شَرّ الْخلق " فَقَالُوا: الْخلق: النَّاس: " والخليقة ": الدَّوَابّ والبهائم. الحديث: 312 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 315 - / 377 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: " إِذا قَامَ أحدكُم يُصَلِّي فَإِنَّهُ يستره مثل آخِرَة الرحل، فَإِذا لم يكن بَين يَدَيْهِ مثل آخِرَة الرحل فَإِنَّهُ يقطع صلَاته الْحمار وَالْمَرْأَة وَالْكَلب الْأسود " قيل لأبي ذَر: مَا بَال الْأسود من الْأَحْمَر والأصفر؟ فَقَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " الْكَلْب الْأسود شَيْطَان ". آخِرَة الرحل: مؤخرة، فَإِن لم يكن بَين يَدي الْمصلى ستْرَة فَخط بَين يَدَيْهِ خطا قَامَ مقَام الستْرَة، فَإِن لم يفعل ذَلِك وَمر بَين يَدَيْهِ كلب أسود بهيم، وَهُوَ الَّذِي جَمِيعه أسود، فَإِنَّهُ يقطع صلَاته، وَهَذَا مَذْهَب الْحسن وَمُجاهد وَعَطَاء وَعِكْرِمَة وَطَاوُس وَمَكْحُول وَأحمد بن حَنْبَل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يقطع. فَأَما الْحمار وَالْمَرْأَة ففيهما عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، والْحَدِيث صَرِيح فِي الْقطع، وَسَيَأْتِي فِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مثل حَدِيث أبي ذَر. 316 - / 378 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: " أَوْصَانِي خليلي أَن أسمع وَأطِيع وَإِن كَانَ عبدا مجدع الْأَطْرَاف ". أَي مَقْطُوع الْأَطْرَاف: وَأكْثر مَا يسْتَعْمل الجدع فِي الْأنف وَالْأُذن، وهما من أَطْرَاف الْإِنْسَان. الحديث: 315 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 317 - / 379 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: " آنِية الْحَوْض أَكثر من عدد نُجُوم السَّمَاء وكواكبها فِي اللَّيْلَة الظلماء المصحية ". والمصحية: الَّتِي ذهب غيمها، وَإِنَّمَا قَالَ الْمظْلمَة لِأَن ظلمتها مَعَ الصحو أبين للنجوم. وَقَوله: " لم يظمأ " الظمأ: الْعَطش، مَهْمُوز مَقْصُور، وَالْمعْنَى لم يعطش " آخر مَا عَلَيْهِ " يَعْنِي أبدا. وَقَوله: " يشخب " الشخب: مَا امْتَدَّ من اللَّبن حِين يحلب، وشخبت أوداج الْقَتِيل دَمًا. وَقَوله: " عرضه مَا بَين عمان " الَّذين سمعناه وحفظناه من الْمُحدثين " عمان " بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْمِيم، وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: الْمِيم خَفِيفَة. 318 - / 380 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: " إِن أحب الْكَلَام إِلَى الله سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ ". قَالَ الزّجاج: لَا اخْتِلَاف بَين أهل اللُّغَة أَن التَّسْبِيح هُوَ التَّنْزِيه لله عز وَجل عَن كل سوء. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: معنى سُبْحَانَ الله: تَنْزِيه لَهُ من الْأَوْلَاد والصاحبة والشركاء. وَقَوله: " وَبِحَمْدِهِ " أَي وَبِحَمْدِهِ نبتدئ ونفتتح، فَحذف الْفِعْل الحديث: 317 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 لدلَالَة الْمَعْنى عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ عز وَجل: {فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاءكم} [يُونُس: 71] مَعْنَاهُ: وَادعوا شركاءكم. وَقَالَ الزّجاج: الْمَعْنى: وَبِحَمْدِهِ سبحته. 319 - / 381 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: أَرَأَيْت الرجل يعْمل الْخَيْر وَيَحْمَدهُ النَّاس؟ قَالَ: " تِلْكَ عَاجل بشرى الْمُؤمن ". وَالْمعْنَى أَن الله تَعَالَى إِذا تقبل الْعَمَل أوقع فِي الْقُلُوب قبُول الْعَامِل ومدحه، فَيكون مَا أوقع فِي الْقُلُوب مبشرا بِالْقبُولِ، كَمَا أَنه إِذا أحب عبدا حببه إِلَى خلقه، وهم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض. 320 - / 383 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: " لَا تحقرن من الْمَعْرُوف شَيْئا وَلَو أَن تلقى أَخَاك بِوَجْه طليق ". أَي منطلق، وَهُوَ ضد العبوس، قَالَ جرير: مَا رَآنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا تَبَسم وَهَذَا من الْمَعْرُوف، لِأَن الْإِنْسَان ينْتَفع بذلك كَمَا ينْتَفع بِسَائِر الْمَعْرُوف. 321 - / 384 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل رَأَيْت رَبك؟ فَقَالَ: " نور، أَنى اراه ". ذكر أَبُو بكر الْخلال فِي كتاب " الْعِلَل " عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه الحديث: 319 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: مَا زلت مُنْكرا لهَذَا الحَدِيث وَمَا أَدْرِي مَا وَجهه. وَذكر أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِسْحَق بن خُزَيْمَة فِي هَذَا الحَدِيث تضعيفا فَقَالَ: فِي الْقلب من صِحَة سَنَد هَذَا الْخَبَر شَيْء، لم أر أحدا من عُلَمَاء الْأَثر فطن لعِلَّة فِي إِسْنَاده، فَإِن عبد الله بن شَقِيق كَأَنَّهُ لم يكن يثبت أَبَا ذَر وَلَا يعرفهُ بِعَيْنِه واسْمه وَنسبه، لِأَن أَبَا مُوسَى مُحَمَّد ابْن الْمثنى حَدثنَا قَالَ: حَدثنَا معَاذ بن هِشَام قَالَ: حَدثنِي أبي عَن قَتَادَة عَن عبد الله بن شَقِيق قَالَ: أتيت الْمَدِينَة، فَإِذا رجل قَائِم على غَرَائِر سود يَقُول: أَلا ليبشر أَصْحَاب الْكُنُوز بكي فِي الجباه والجنوب فَقَالُوا: هَذَا أَبُو ذَر، فَكَأَنَّهُ لَا يُثبتهُ وَلَا يعلم أَنه أَبُو ذَر. وَقَالَ ابْن عقيل: قد أجمعنا على أَنه لَيْسَ بِنور، وخطأنا الْمَجُوس فِي قَوْلهم: هُوَ نور. فإثباته نورا مَجُوسِيَّة مَحْضَة، والأنوار أجسام. والبارئ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ بجسم، وَالْمرَاد بِهَذَا الحَدِيث: " حجابه النُّور " وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي حَدِيث أبي مُوسَى، فَالْمَعْنى: كَيفَ أرَاهُ وحجابه النُّور، فَأَقَامَ الْمُضَاف مقَام الْمُضَاف إِلَيْهِ. قلت: من ثَبت رُؤْيَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربه عز وَجل فَإِنَّمَا ثَبت كَونهَا لَيْلَة الْمِعْرَاج، وَأَبُو ذَر أسلم بِمَكَّة قَدِيما قبل الْمِعْرَاج بِسنتَيْنِ ثمَّ رَجَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 إِلَى بِلَاد قومه فَأَقَامَ بهَا حَتَّى مَضَت بدر وَأحد وَالْخَنْدَق، ثمَّ قدم الْمَدِينَة، فَيحْتَمل أَنه سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين إِسْلَامه: هَل رَأَيْت رَبك، وَمَا كَانَ قد عرج بِهِ بعد، فَقَالَ: " نور، أَنى أرَاهُ؟ " أَي أَن النُّور يمْنَع من رُؤْيَته، وَقد قَالَ بعد الْمِعْرَاج فِيمَا رَوَاهُ عَنهُ ابْن عَبَّاس: " رَأَيْت رَبِّي ". 322 - / 385 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: " إِنَّهَا أَمَانَة ". يَعْنِي الْإِمَارَة وَالْولَايَة، وَلما رَآهُ ضَعِيفا حسن تحذيره، لِأَن الضعْف يعجز عَمَّا يجب عَلَيْهِ من الِاحْتِيَاط. وَقَوله: " لَا تولين مَال يَتِيم " الْيَتِيم: من مَاتَ أَبوهُ وَهُوَ صَغِير. قَالَ الْأَصْمَعِي: الْيُتْم فِي النَّاس من قبل الْأَب، وَفِي غير النَّاس من قبل الْأُم. وَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي: قَالَ ثَعْلَب: الْيُتْم مَعْنَاهُ فِي كَلَام الْعَرَب الِانْفِرَاد، فَمَعْنَى يَتِيم مُنْفَرد عَن أَبِيه. وقرأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: إِذا بلغ الصَّبِي ذهب عَنهُ اسْم الْيَتِيم، وكل مُنْفَرد عِنْد الْعَرَب تييم. قَالَ: وَقيل: أصل الْيُتْم الْغَفْلَة، وَبِه سمي الْيَتِيم لِأَن يتغافل عَن بره. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الْيُتْم: الإبطاء، وَمِنْه أَخذ الْيُتْم لِأَن الْبر يبطأ عَنهُ. 323 - / 386 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: " ستفتحون مصر، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خيرا؛ فَإِن لَهُم ذمَّة ورحما ". الحديث: 322 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن أَحْمد السَّمرقَنْدِي قَالَ: أخبرنَا عمر بن عبيد الله الْبَقَّال قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن بن بَشرَان قَالَ: حَدثنَا عُثْمَان بن أَحْمد الدقاق قَالَ: حَدثنَا حَنْبَل قَالَ: حَدثنِي أَبُو عبد الله - يَعْنِي أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان - وَسُئِلَ عَن قَوْله: " فَإِن لَهُم ذمَّة ورحما " قَالَ: من النَّاس من يَقُول: هَاجر كَانَت قبطية وَهِي أم إِسْمَاعِيل، وَمن النَّاس من يَقُول: كَانَت مَارِيَة أم إِبْرَاهِيم قبطية. قَوْله: " فَإِذا رَأَيْت رجلَيْنِ يختصمان فِي مَوضِع لبنة فَاخْرُج " الْإِشَارَة إِلَى كَثْرَة النَّاس فِيهَا وازدحامهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 كشف الْمُشكل من مُسْند حُذَيْفَة بن الْيَمَان واليمان من أجداده فنسب إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ حُذَيْفَة بن حسيل بن جَابر ابْن ربيعَة بن عَمْرو بن جروة - وَهُوَ الْيَمَان، فَكَانَ جروة قد أصَاب دَمًا فِي قومه، فهرب إِلَى الْمَدِينَة فحالف بني عبد الْأَشْهَل، فَسَماهُ قومه الْيَمَان لِأَنَّهُ حَالف اليمانية. وَقيل: بل الْيَمَان اسْم الحسيل. روى حُذَيْفَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا كثيرا، إِلَّا أَنه أخرج لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ سَبْعَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا. 324 - / 387 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " لَا تلبسوا الْحَرِير وَلَا الديباج ". قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: الديباج أعجمي مُعرب، وَقد تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب، قَالَ مَالك بن نُوَيْرَة: (وَلَا ثِيَاب من الديباج نلبسها ... هِيَ الْجِيَاد، وَمَا فِي النَّفس من دبب) الحديث: 324 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 الدبب: الْعَيْب. وَيجمع على ديباج ودبابيج، على أَن تجْعَل أَصله مشددا. وأصل الديباج بِالْفَارِسِيَّةِ ديوباف أَي نساجة الْجِنّ. وَقَوله: " وَلَا يَأْكُلُون فِي صحافها " الصحاف جمع صَحْفَة: وَهِي الْقَصعَة. 325 - / 389 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " قتنة الرجل فِي أَهله وَمَاله ... ". الْفِتْنَة فِي الأَصْل الاختبار، يُقَال: فتنت الذَّهَب فِي النَّار: إِذا أدخلته إِيَّاهَا لتعلم جودته من رداءته، وَالْمرَاد بالفتنة فِي الْأَهْل وَالْمَال: مَا يَقع من الزلل والذنُوب. وَقَوله: كموج الْبَحْر - يَعْنِي الْفِتْنَة الْعَامَّة الْعَظِيمَة. وَقَوله: تكسر، إِشَارَة إِلَى محيي الفنتة بِشدَّة وَقتل. وَقد بَين فِي الحَدِيث أَن المُرَاد بِالْبَابِ عمر وَقَتله. وَأَحْرَى بِمَعْنى أَجْدَر وأخلق. وَقَوله: لَيْسَ بالأغاليط - أَي لَيْسَ مِمَّا يغلط فِيهِ أَو يشكل. 326 - / 390 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " أحصوا لي كم يلفظ بِالْإِسْلَامِ " فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، أتخاف علينا وَنحن مَا بَين الستمائة إِلَى السبعمائة. قَالَ: " إِنَّكُم لَا تَدْرُونَ، لَعَلَّكُمْ أَن تبتلوا " فابتلينا حَتَّى جعل الرجل منا لَا يُصَلِّي إِلَّا سرا. الحديث: 325 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 ظَاهر هَذَا الحَدِيث يدل على أَن حُذَيْفَة أسلم بِمَكَّة، لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء إِنَّمَا جرت بِمَكَّة لَا بِالْمَدِينَةِ. وَإِنَّمَا يَقع الِابْتِلَاء للْمُؤْمِنين بقهر الْكَافرين لَهُم مَعَ قدرَة المعبود سُبْحَانَهُ على النَّصْر ليسلموا لأفعاله وليصبروا على قَضَائِهِ. 327 - / 391 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ من اللَّيْل يشوص فَاه بِالسِّوَاكِ. قَالَ أَبُو عبيد: الشوص: الْغسْل، وكل شَيْء غسلته فقد شصته تشوصه شوصا، وَكَذَلِكَ مصته أموصه موصا. والسواك مَا يستاك بِهِ، وَهُوَ مكسور السِّين، الِاسْم وَالْفِعْل. 328 - / 392 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْتهى إِلَى سباطة قوم فَبَال قَائِما. السباطة: ملقى التُّرَاب والقمام وَنَحْو ذَلِك، تكون بأفنية الْبيُوت مرفقا للنَّاس، وَتَكون فِي الْغَالِب سهلة لَا يرْتَد مِنْهَا الرشاش على البائل. وَقَوله: فانتبذت: أَي تنحيت. والعقب: مُؤخر الْقدَم. فَإِن قيل: كَيفَ بَال قَائِما وَقد نهى عَن ذَلِك؟ الحديث: 327 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 فَالْجَوَاب من أوجه: أَحدهَا: أَنه قد قيل إِنَّه مَنْسُوخ بنهيه بعد ذَلِك عَن الْبَوْل قَائِما. وَالثَّانِي: أَنه كَانَ لمَرض مَنعه الْقعُود، قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: بَال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِما من جرح كَانَ بمأبضه. وَقَالَ الزّجاج: المأبض: بَاطِن الرّكْبَة. وَالثَّالِث: أَنه استشفى بذلك من مرض كَانَ بِهِ. قَالَ الشَّافِعِي: كَانَت الْعَرَب تستشفي لوجع الصلب بالبول قَائِما. وَالرَّابِع: أَنه يحْتَمل أَن يكون الْبَوْل أعجله وَلم يجد سوى ذَلِك الْمَكَان، وَلم يتَمَكَّن من الْقعُود لِكَثْرَة الأنجاس فِيهِ. فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ لِحُذَيْفَة: " ادن " وَكَانَ إِذا أَرَادَ الْخَلَاء أبعد؟ فَالْجَوَاب أَن السباطة تكون فِي الأفنية، فَأَرَادَ أَن يسْتَتر بِهِ من النَّاس. وَفِي رِوَايَة: كَانَ أَبُو مُوسَى يشدد فِي الْبَوْل، ويبول فِي قَارُورَة، فأورد حُذَيْفَة هَذَا الحَدِيث ليسهل الْأَمر عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا كَانَ تَشْدِيد أبي مُوسَى لِأَنَّهُ قد سمع التحذير من الأنجاس، وَقد صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي القبرين: " إِنَّمَا ليعذبان، وَمَا يعذبان فِي كَبِير، كَانَ أَحدهمَا لَا يسْتَتر فِي بَوْله ". ولعمري إِن الِاحْتِرَاز حسن، لكنه يَنْبَغِي أَن يكون بِمِقْدَار. وَقد رَأينَا فِي زَمَاننَا من يشدد فِي هَذَا تشديدا يعود بضد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 الْمَقْصُود، فَرَأَيْنَا جمَاعَة إِذا بَال أحدهم يقوم وَيَمْشي، وَيَتَنَحْنَح، ويحط رجلا وَيرْفَع أُخْرَى، ويطيل ذَلِك الْفِعْل، فَيَعُود الْبَوْل الَّذِي قد تماسك قاطرا، فَكَأَنَّهُ استحلبه بذلك الْفِعْل، وَهَذَا لِأَن الْبَوْل يرشح فِي المثانة دَائِما، وعَلى فَم المثانة عضلة تشدها وتمنع جَرَيَان الْبَوْل، فَإِذا فعل مَا ذكرنَا حرك العضلة وَفتحهَا، فيجتمع فِي تِلْكَ المديدة قطرات، فتأتي، وَهَذَا يتَّصل، وَرُبمَا ضعفت العضلة بِهَذَا الْفِعْل وتجدد سَلس الْبَوْل، وَهَذَا من وساوس إِبْلِيس وَلَيْسَ من الشَّرِيعَة، بل يَنْبَغِي للْإنْسَان إِذا بَال وَانْقطع جَرَيَان الْبَوْل أَن يحتلب بَقِيَّة الْبَوْل بإصبعي يَده الْيُسْرَى من أصل الذّكر إِلَى رَأسه، ثمَّ ينثر الذّكر ثَلَاثًا وَيصب المَاء. 329 - / 393 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " ليردن حَوْضِي أَقوام ثمَّ يختلجون دوني ". وَهَذَا ذَكرْنَاهُ، وَقد شرحناه فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 330 - / 394 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حديثين، قد رَأَيْت أَحدهمَا، وَأَنا أنْتَظر الآخر. حَدثنَا أَن الْأَمَانَة نزلت فِي جذر قُلُوب الرِّجَال. ثمَّ حَدثنَا عَن رفع الْأَمَانَة، قَالَ: " ينَام الرجل نومَة فتقبض الْأَمَانَة من قلبه فيظل أَثَرهَا مثل أثر الوكت، ثمَّ ينَام النومة فتقبض الْأَمَانَة من قلبه فيظل أَثَرهَا مثل أثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك، فنفط فتراه منتبرا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء - ثمَّ أَخذ حَصى فدحرجه على رجله - فَلَا يكَاد أحد يُؤَدِّي الْأَمَانَة حَتَّى يُقَال للرجل: مَا أجلده، مَا الحديث: 329 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 أظرفه، وَمَا فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل من إِيمَان ". الجذر: الأَصْل، وَمِنْه جذر الْحساب، كَقَوْلِك: عشرَة فِي عشرَة مائَة، فالعشرة جذر الْمِائَة أَي أَصْلهَا الَّذِي يقوم مِنْهُ هَذَا الْعدَد. وَقَالَ أَبُو عبيد: الجذر: الأَصْل من كل شَيْء - بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا. والوكت: أثر الشَّيْء الْيَسِير، وَمِنْه: بسر موكت بِكَسْر الْكَاف: إِذا بدا فِيهِ شَيْء من الإرطاب. والمجل: أثر الْعَمَل فِي الْكَفّ، يُقَال: مجلت يَده ومجلت، لُغَتَانِ. وَقَوله: فتراه منتبرا: أَي منتفطاً، يَعْنِي ارْتِفَاع الْجلد وَلَا شَيْء تَحْتَهُ. وَقَوله: " فَلَا يكَاد أحد يُؤَدِّي الْأَمَانَة " أَي يقل من يُؤَدِّيهَا. ويكاد بِمَعْنى يُقَارب. وَقَوله: مَا أجلده: أَي مَا أقواه. وَقَوله: مَا أظرفه. قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: النَّاس يعنون بقَوْلهمْ فلَان ظريف أَنه حسن اللبَاس لبقه، ويخصونه بذلك، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا الظّرْف فِي اللِّسَان والجسم. أخْبرت عَن الْحسن بن عَليّ عَن الخزاز عَن أبي عمر عَن ثَعْلَب قَالَ: الظريف يكون حسن الْوَجْه وَحسن اللِّسَان، الظّرْف فِي الْمنطق والجسم، وَلَا يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 فِي اللبَاس. وَقَالَ عمر: إِذا كَانَ اللص ظريفا لم يقطع. مَعْنَاهُ: إِذا كَانَ بليغا جيد الْكَلَام احْتج عَن نَفسه بِمَا يسْقط عَنهُ الْحَد. وَالْفِعْل من هَذِه الْكَلِمَة ظرف يظرف فَهُوَ ظريف، وَالْجمع الظرفاء، وَلَا يُوصف بذلك السَّيِّد وَلَا الشَّيْخ، إِنَّمَا يُوصف بِهِ الفتيان الأزوال والفتيات الزولات، يَعْنِي الْخفاف. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الظّرْف فِي اللِّسَان، والحلاوة فِي الْعَينَيْنِ، والملاحة فِي الْفَم، وَالْجمال فِي الْأنف. وَقَالَ مُحَمَّد بن يزِيد: الظريف مُشْتَقّ من الظّرْف: وَهُوَ الْوِعَاء، كَأَنَّهُ جعل الظريف وعَاء للأدب وَمَكَارِم الْأَخْلَاق. وَقَوله: ليردنه على ساعيه: أَي رئيسه الَّذِي يحكم عَلَيْهِ وينصفني مِنْهُ. 331 - / 395 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: " لَا يدْخل الْجنَّة قَتَّات ". وَقد فسر فِي الحَدِيث أَنه النمام، قَالَ أَبُو عبيد: يُقَال: فلَان يقت الْأَحَادِيث قتا: أَي ينمها. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي القَتَّات: الَّذِي ينْقل عنْدك مَا تحدثه بِهِ وتستكتمه إِيَّاه، والقساس الَّذِي يتسمع عَلَيْك مَا تحدث بِهِ غَيره ثمَّ يَنْقُلهُ عَنْك. وَقد كشفنا إِشْكَال قَول الْقَائِل بِأَن هَذَا لَيْسَ بِكفْر، فَكيف يمْنَع دُخُول الْجنَّة، فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. الحديث: 331 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 332 - / 396 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: " لَأَبْعَثَن إِلَيْكُم أَمينا حق أَمِين "؛ فاستشرف النَّاس لَهَا، فَبعث أَبَا عُبَيْدَة. الْأمين مَأْخُوذ من الْأَمْن، فَكَأَن صَاحب الْأَمَانَة أَمن بِكَوْنِهَا مَعَ الْأمين. وَمعنى استشرف النَّاس: رفعوا رُءُوسهم ينظرُونَ من الْمَخْصُوص بِهَذِهِ الصّفة كالمتعجبين. 333 - / 397 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: " إِن مَعَ الدَّجَّال مَاء وَنَارًا، فَالَّذِي يرى النَّاس أَنه نَار فماء بَارِد، وَالَّذِي يرى النَّاس أَنه مَاء بَارِد فَنَار تحرق. وَأَنه ممسوخ الْعين، عَلَيْهَا ظفرة غَلِيظَة ". الدَّجَّال: الْكذَّاب، وَقيل: سمي دجالًا لتمويهه على النَّاس وتلبيسه، يُقَال: دجل: إِذا موه وَلبس، وَسيف مدجل: إِذا طلي بِالذَّهَب، وبعير مدجل: إِذا كَانَ مطليا بالقطران، فَسُمي دجالًا لِأَنَّهُ غطى الْحق بباطله. وَقَوله: فَالَّذِي يرَاهُ النَّاس نَارا مَاء، هَذَا هُوَ من جنس السحر يبتلى بِهِ الْخلق. فَإِن قَالَ قَائِل: فَهَل معجزات الْأَنْبِيَاء إِلَّا مَا شهد بهَا الْحس؟ فَالْجَوَاب: أَن هَذَا الرجل لَو ادّعى النُّبُوَّة لاختلطت الْأَدِلَّة وتمكنت الشُّبُهَات وعسر الْفرق، وَلكنه ادّعى الإلهية، وَيَكْفِي فِي تَكْذِيبه كَونه جسما، ثمَّ هُوَ رَاكب حمارا، وَهُوَ أَعور. الحديث: 332 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 وَقَوله: عَلَيْهَا ظفرة غَلِيظَة. قَالَ الزّجاج: الظفرة: جلدَة تبتدئ فِي المأق، وَرُبمَا ألبست الحدقة. وَفِي هَذَا الحَدِيث حَدِيث الَّذِي قَالَ لأَهله: اجْمَعُوا لي حطبا جزلا. الْحَطب الجزل: الغليظ. وقرأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: النَّاس يَقُولُونَ: حطب زجل، وَإِنَّمَا هُوَ حطب جزل: وَهُوَ الغليظ من الْحَطب، وَقيل: الْيَابِس، قَالَ الشَّاعِر: (وَلَكِن بهذاك اليفاع فأوقدي ... بجزل إِذا أوقدت لَا بضرام) والضرام والشخت ضِدّه، ثمَّ كثر الجزل فِي كَلَامهم حَتَّى صَار كل مَا كثر جزلا، فَقَالُوا: أعطَاهُ عَطاء جزلا، وأجزلت للرجل، وجزل لي من مَاله. وَقَوله: وامتحشت: أَي أحرقت الْعِظَام. والمحش: إحراق النَّار الْجلد. وَقَوله: انْظُرُوا يَوْمًا رَاحا: أَي كثير الرّيح. وَيُقَال للموضع الَّذِي تخترقه الرِّيَاح مروحة. ركب عمر بن الْخطاب نَاقَة فمشت بِهِ مشيا جيدا، فَقَالَ: (كَأَن راكبها غُصْن بمروحة ... إِذا تدلت بِهِ أَو شَارِب ثمل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 فَأَما المروحة الَّتِي يتروح بهَا فمكسورة الْمِيم. وَقَوله: فاذروه فِي اليم. أَي انسفوه فِي الْبَحْر. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: واليم: الْبَحْر، بالسُّرْيَانيَّة. 334 - / 398 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: كَانَ النَّاس يسْأَلُون رَسُول الله عَن الْخَيْر وأسأله عَن الشَّرّ مَخَافَة أَن يدركني. أما سُؤَاله عَن الشَّرّ فليجتنبه، قَالَ الشَّاعِر: (عرفت الشَّرّ لَا للشر لَكِن لتوقيه ... ) (وَمن لَا يعرف الشَّرّ من النَّاس يَقع فِيهِ ... ) والدخن: الكدر وَالْمَكْرُوه. وأصل الدخن فِي الألوان كدورة إِلَى سَواد. قَالَ أَبُو عبيد: وَلَا أَحْسبهُ أَخذ إِلَّا من الدُّخان، وَهُوَ شَبيه بلون الْحَدِيد. وَوجه الحَدِيث أَن الْقُلُوب لَا يصفو بَعْضهَا لبَعض. وَقَوله: من جلدتنا أَي من أَنْفُسنَا وقومنا، يَعْنِي الْعَرَب. فَأمره بالعزلة عِنْد ظُهُور الْآفَات. وَقَوله: " وَلَو أَن تعض بِأَصْل شَجَرَة " أَشَارَ إِلَى الْعُزْلَة، لِأَن الشّجر خَارج عَن المدن. وَالشَّيَاطِين جمع شَيْطَان، قَالَ الْخَلِيل: كل متمرد عِنْد الْعَرَب شَيْطَان. وَفِي هَذَا الِاسْم قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه من شطن: أَي بعد عَن الحديث: 334 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 الْخَيْر، فعلى هَذَا تكون النُّون أَصْلِيَّة، قَالَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت فِي صفة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: (أَيّمَا شاطن عَصَاهُ عكاه ... ثمَّ يلقى فِي السجْن والأغلال) عكاه: أوثقه. وَقَالَ النَّابِغَة: (نأت بسعاد عَنْك نوى شطون ... فَبَانَت والفؤاد لَهَا رهين) وَالثَّانِي: أَنه من شاط يشيط: إِذا التهب وَاحْتَرَقَ، فَتكون النُّون زَائِدَة. وأنشدوا: ( ... ... ... ... ... ... وَقد يشيط على ارماحنا البطل) أَي يهْلك. والجثمان: الشَّخْص. وَالْإِنْس: النَّاس، سموا إنسا لظهورهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 335 - / 399 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: عَن حُذَيْفَة: {وأنفقوا فِي سَبِيل الله وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} [الْبَقَرَة: 195] قَالَ: نزلت فِي النَّفَقَة. سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة أَن الْأَنْصَار كَانَت تنْفق وَتَتَصَدَّق، فَأَصَابَتْهُمْ سنة فأمسكوا، فَنزلت هَذِه الْآيَة؛ قَالَ الضَّحَّاك بن أبي جبيرَة: والسبيل فِي اللُّغَة: الطَّرِيق. وَإِنَّمَا اسْتعْملت هَذِه الْكَلِمَة فِي الْجِهَاد لِأَنَّهُ السَّبِيل الَّذِي يُقَاتل فِيهِ على عقد الدّين. قَالَ الْمبرد: وَأَرَادُوا بِالْأَيْدِي الْأَنْفس، فَعبر عَن الْكل. و (التَّهْلُكَة) بِمَعْنى الْهَلَاك، يُقَال: هلك االرجل يهْلك هَلَاكًا وهلكا وتهلكة، فعلى هَذَا يكون الْهَلَاك وَاقعا بالبخل، فَإِن كَانَ فِي الْوَاجِبَات فَهُوَ الْهَلَاك بالإثم، وَإِن كَانَ فِي المندوبات فَهُوَ فَوت الْفَضَائِل. 336 - / 400 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: إِنَّمَا النِّفَاق على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَما الْيَوْم فَهُوَ الْكفْر أَو الْإِيمَان. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: معنى الحَدِيث أَن الْمُنَافِقين فِي زمَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَكُونُوا قد أَسْلمُوا، وَإِنَّمَا كَانُوا يظهرون الْإِسْلَام رِيَاء ونفاقا، ويسرون الْكفْر عقدا، فَأَما الْيَوْم - وَقد شاع الْإِسْلَام واستفاض - فَمن نَافق بِأَن يظْهر الْإِسْلَام ويبطن خِلَافه فَهُوَ مُرْتَد، لِأَن نفَاقه كفر أحدثه بعد قبُول الدّين، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُنَافِق فِي زمَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُقيما على كفره الأول، فَلم يتشابها. الحديث: 335 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 337 - / 401 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: أَن حُذَيْفَة رأى رجلا لم يتم رُكُوعه وَلَا سُجُوده، فَقَالَ: مَا صليت. الرُّكُوع من أَرْكَان الصَّلَاة، وَلَا يكون إِلَّا بإتمامه، وَكَذَلِكَ السُّجُود. وَقَوله: مَا صليت، يَعْنِي الصَّلَاة الصَّحِيحَة. والفطرة هَاهُنَا: الدّين وَالْملَّة. 338 - / 402 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: قَالَ حُذَيْفَة: مَا بَقِي من أَصْحَاب هَذِه الْآيَة إِلَّا ثَلَاثَة، وَلَا من الْمُنَافِقين إِلَّا أَرْبَعَة. يَعْنِي بِالْآيَةِ {فَقَاتلُوا أَئِمَّة الْكفْر} [التَّوْبَة: 12] فَقَالَ أَعْرَابِي: مَا بَال هَؤُلَاءِ الَّذين يبقرون بُيُوتنَا، وَيَسْرِقُونَ أعلاقنا؟ فَقَالَ: أُولَئِكَ الْفُسَّاق. يبقرون بِمَعْنى يفتحون. يُقَال: بقرت الشَّيْء: إِذا فَتحته. وَقد رَوَاهَا قوم: ينقبون، وَالْأول أصح. والأعلاق: نفائس الْأَمْوَال، وكل شَيْء لَهُ قيمَة أَو قدر فِي نَفسه ومزية فَهُوَ علق. 339 - / 404 - الحَدِيث السَّادِس: قد تقدم فِي مُسْند أبي ذَر. 340 - / 405 - الحَدِيث السَّابِع: قَالَ حُذَيْفَة: لقد أنزل النِّفَاق على قوم خير مِنْكُم، ثمَّ تَابُوا فَتَابَ الله عَلَيْهِم. مَقْصُود حُذَيْفَة أَن جمَاعَة من الْمُنَافِقين صلحوا واستقاموا وَكَانُوا خيرا من أُولَئِكَ التَّابِعين بمَكَان الصُّحْبَة وَالصَّلَاح. وَمِمَّنْ كَانَ منافقا الحديث: 337 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 فصلح أمره واستقام مجمع وَيزِيد ابْنا جَارِيَة بن عَامر، كَانَا وأبوهما منافقين، فصلحت حَال الْوَلَدَيْنِ واستقامت، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِالْحَدِيثِ إِلَى تقليب الْقُلُوب. 341 - / 406 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: مَا نعلم أقرب سمتا ودلا وهديا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ابْن أم عبد. قَالَ أَبُو عبيد: السمت: حسن الْهَيْئَة والمنظر فِي مَذْهَب الدّين وَلَيْسَ من الزِّينَة، وَلَكِن يكون لصَاحبه هَيْئَة أهل الْخَيْر ومنظرهم. وَالْهَدْي والدل من السكينَة. وَالْوَقار فِي الْهَيْئَة والمنظر وَالشَّمَائِل. وَقَوله: حَتَّى يتَوَارَى، احْتِرَاز من الشَّهَادَة على الْبَاطِن المستور. وَقَوله: لقد علم المحفوظون، يَعْنِي رُءُوس الْقَوْم الَّذين حفظهم الله من تَحْرِيف أَو تخريف فِي قَول أَو فعل. والوسيلة: الْقرْبَة. وَرُبمَا ظن من يسمع قَوْله ابْن أم عبد أَنه نَسَبهَا إِلَى ابْنهَا عبد الله بن مَسْعُود، وَلَيْسَ كَذَلِك، إِنَّمَا هَذِه الْمَرْأَة يُقَال لَهَا أم عبد بنت عبد ود ابْن سوي بن قريم، أسلمت وبايعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا نعلمها رَوَت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا. الحديث: 341 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 342 - / 407 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: عَن قيس بن عباد: قَالَ: قلت لعمَّار: أَرَأَيْتُم صنيعكم هَذَا الَّذِي صَنَعْتُم فِي أَمر عَليّ، أرأيا رَأَيْتُمُوهُ، أَو شَيْئا عَهده إِلَيْكُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُشِير إِلَى قِتَالهمْ مَعَه ونصرهم إِيَّاه. فَقَالُوا: مَا عهد إِلَيْنَا شَيْئا لم يعهده إِلَى النَّاس، وَلَكِن حُذَيْفَة أَخْبرنِي ... . مَعْنَاهُ أَنه مَا عهد إِلَيْنَا شَيْئا، إِنَّمَا عهد إِلَى حُذَيْفَة فِي أَمر الْمُنَافِقين. والجمل: الْحَيَوَان الْمَعْرُوف. والخياط: الإبرة. وسمها: ثقبها، وَفِيه لُغَتَانِ فتح السِّين وَضمّهَا. والدبيلة: خراج عَظِيم. وينجم: يظْهر. 343 - / 408 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: عَن جُنْدُب قَالَ: جِئْت يَوْم الجرعة فَإِذا رجل جَالس. فَقلت: ليهراقن الْيَوْم دِمَاء. فَقَالَ ذَاك الرجل: كلا وَالله، قلت: بلَى وَالله: قَالَ فَإِذا الرجل حُذَيْفَة. الجرعة بِفَتْح الرَّاء: التل من الرمل لَا ينْبت شَيْئا، وَهَذَا مَكَان نزلوه ليتهيئوا لِلْقِتَالِ، وَذَلِكَ أَن عُثْمَان بعث سعيد بن الْعَاصِ أَمِيرا على الْكُوفَة، فَخَرجُوا فَردُّوهُ، فَرجع إِلَى عُثْمَان، فَقَالَ عُثْمَان: مَا تُرِيدُونَ؟ الحديث: 342 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 قَالُوا: الْبَدَل. قَالَ: فَمن تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: أَبَا مُوسَى. فَبَعثه إِلَيْهِم. أخبرنَا الْمُبَارك بن عَليّ الصَّيْرَفِي قَالَ: أخبرنَا شُجَاع بن فَارس قَالَ: أخبرنَا أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن أَحْمد الْأُشْنَانِي قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْحسن عَليّ ابْن أَحْمد بن عمر الحمامي قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي قيس قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر بن عبيد قَالَ: حَدثنِي يحيى بن عبد الله الْخَثْعَمِي عَن أبي عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى: أَن عُثْمَان بن عَفَّان نزع سعد بن أبي وَقاص عَن الْكُوفَة وَاسْتعْمل الْوَلِيد بن عقبَة، ثمَّ نَزعه وَبعث سعيد بن الْعَاصِ، فَلم يَدعُوهُ يدخلهَا. وَقَالَ الْقرشِي: وَحدثنَا أَبُو خَيْثَمَة قَالَ: حَدثنَا وهب بن جرير عَن أَبِيه أَن سعيد بن الْعَاصِ توجه إِلَى الْكُوفَة أَمِيرا، فَقَالَ أهل الْكُوفَة: لَا وَالله لَا يدخلهَا علينا سعيد وَلَا يَلِي أمرنَا، وبعثوا إِلَى الأشتر فَقدم عَلَيْهِم، وَخرج أهل الْكُوفَة حَتَّى نزلُوا الجرعة وَأمرهمْ إِلَى الأشتر، فَلَمَّا قدم سعيد ركبُوا خيولهم وَأخذُوا رماحهم وَقَالُوا: ارْجع وَرَاءَك، فَلَا وَالله لَا تلِي أمرنَا، فَرجع. وَقَالَ جرير عَن الْأَعْمَش عَن زيد بن وهب: لما خرج النَّاس إِلَى الجرعة قيل لِحُذَيْفَة: أَلا تخرج؟ قَالَ: لقد علمت أَنهم لن يهريقوا بَينهم محجمة من دم. وَعَن الْأَعْمَش عَن عَمْرو بن مرّة عَن أبي البخْترِي عَن أبي ثَوْر الحدائي قَالَ: دفعت إِلَى حُذَيْفَة وَأبي مَسْعُود يَوْم الجرعة وهما يتحدثان، وَأَبُو مَسْعُود يَقُول: وَالله مَا كنت أرى أَن ترتد على عقبيها وَلم يهريقوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 فِيهَا محجمة من دم. وَفِي الحَدِيث من الْفِقْه: جَوَاز أَن يحلف الرجل على مَا يظنّ كَمَا حلف جُنْدُب، ثمَّ قَالَ لنَفسِهِ: مَا هَذَا الْغَضَب؟ وَذَلِكَ أَنه بَان لَهُ أَن الصَّوَاب لَيْسَ مَعَه فَرجع إِلَى الصَّوَاب. 344 - / 410 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: مَا مَنَعَنِي أَن أشهد بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خرجت أَنا وَأبي الحسيل، فأخذنا كفار قُرَيْش، فَأخذُوا منا عهد الله وميثاقه أَلا نُقَاتِل مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأتيناه فَأَخْبَرنَاهُ، فَقَالَ: " نفي لَهُم بعهدهم ". فِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه حفظ الْوَفَاء بالعهد وَلَو للمشرك فِيمَا يُمكن الْوَفَاء بِهِ. 345 - / 411 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: كَانَ بَين رجل من أهل الْعقبَة وَبَين حُذَيْفَة بعض مَا يكون بَين النَّاس، فَقَالَ: أنْشدك الله، كم كَانَ أَصْحَاب الْعقبَة؟ قَالَ: فَقَالَ الْقَوْم: أخبرهُ إِذْ سَأَلَك. فَقَالَ: كُنَّا نخبر أَنهم أَرْبَعَة عشر، فَإِن كنت مِنْهُم فقد كَانَ الْقَوْم خَمْسَة عشر، وَأشْهد أَن اثْنَي عشر مِنْهُم حَرْب لله وَلِرَسُولِهِ فِي الدُّنْيَا وَيَوْم يقوم الأشهاد، وَعذر ثَلَاثَة قَالُوا: مَا سمعنَا مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا علمنَا بِمَا أَرَادَ الْقَوْم، وَقد كَانَ فِي حرَّة فَمشى فَقَالَ: " إِن المَاء قَلِيل، فَلَا يسبقني إِلَيْهِ أحد " فَوجدَ قوما قد سَبَقُوهُ فلعنهم. الحديث: 344 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 هَذَا الحَدِيث يشكل على المبتدئين؛ لِأَن أهل الْعقبَة إِذا أطْلقُوا فَإِنَّمَا يشار بهم إِلَى الْأَنْصَار الْمُبَايِعين لَهُ، وَلَيْسَ هَذَا من ذَاك، وَإِنَّمَا هَذِه عقبَة فِي طَرِيق تَبُوك، وقف فِيهَا قوم من الْمُنَافِقين ليفتكوا بِهِ: أخبرنَا هبة الله بن الْحصين قَالَ: أخبرنَا أَبُو عَليّ بن الْمَذْهَب قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن جَعْفَر قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد قَالَ: حَدثنَا أبي قَالَ: حَدثنَا يزِيد قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْوَلِيد - يَعْنِي ابْن عبد الله بن جَمِيع عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ: لما أقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غَزْوَة تَبُوك أَمر مناديا فَنَادَى: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آخذ الْعقبَة فَلَا يَأْخُذهَا أحد. فَبَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُودهُ حُذَيْفَة ويسوقه عمار إِذْ أقبل رَهْط مُتَلَثِّمُونَ على الرَّوَاحِل غشوا عمارا وَهُوَ يَسُوق برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَقْبل عمار يضْرب وُجُوه الرَّوَاحِل، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحُذَيْفَة: " قد، قد " حَتَّى هَبَط رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا هَبَط رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزل، وَرجع عمار، فَقَالَ: " يَا عمار، هَل عرفت الْقَوْم " فَقَالَ: قد عرفت عَامَّة الرَّوَاحِل، وَالْقَوْم مُتَلَثِّمُونَ. قَالَ: " هَل تَدْرِي مَا أَرَادوا؟ " قَالَ: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: " أَرَادوا أَن ينفروا برَسُول الله فَيَطْرَحُوهُ ". قَالَ أَبُو الْوَلِيد: وَذكر أَبُو الطُّفَيْل فِي تِلْكَ الْغَزْوَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للنَّاس - وَذكر لَهُ أَن فِي المَاء قلَّة - فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مناديا فَنَادَى أَن لَا يرد المَاء أحد قبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فورده النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوجدَ قوما قد وردوه قبله، فلعنهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الدِّمَشْقِي الْمُفَسّر: أَصْحَاب الْعقبَة خَمْسَة عشر من الْمُنَافِقين، تَابَ ثَلَاثَة وَمضى اثْنَا عشر على النِّفَاق، مِنْهُم معتب بن قُشَيْر، ووديعة بن ثَابت، وَرِفَاعَة بن التابوت، وسُويد، وداعس، وجد بن عبد الله بن نتيل، والْحَارث بن يزِيد الطَّائِي، وَأَوْس بن قيظي، وَسعد بن زُرَارَة، وَقيس بن عَمْرو بن سهل، وَهُوَ عَم قَتَادَة بن النُّعْمَان، وَقد ذكر عَنهُ قَتَادَة أَنه رأى مِنْهُ مَا يدل على صِحَة إِسْلَامه. وَزيد بن النَّصِيب، كَذَا قَالَ أَبُو سُلَيْمَان. وَغَيره يَقُول: اللصيت وَكَانَ يَهُودِيّا منافقا، وسلالة بن الْحمام، والجلاس بن سُوَيْد، وَقيل: وَكَعب، وَأَبُو لبَابَة، وَتَابَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة. 346 - / 412 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقِيه وَهُوَ جنب، فحاد عَنهُ فاغتسل، ثمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: كنت جنبا. فَقَالَ: " إِن الْمُسلم لَا ينجس ". وَقد سبق بَيَان تَسْمِيَة الْجَنَابَة بِهَذَا الِاسْم. وَلَا خلاف فِي طَهَارَة الْآدَمِيّ فِي حَيَاته، فَأَما إِذا مَاتَ: فَهَل ينجس بِالْمَوْتِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد وقولان عَن الشَّافِعِي، وَنَصّ أَبُو حنيفَة على نَجَاسَته. الحديث: 346 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 347 - / 413 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: فِي الدَّجَّال: " إِنَّه جفال الشّعْر ". الْفَاء خَفِيفَة، قَالَ أَبُو عبيد: الجفال: الْكثير الشّعْر، قَالَ ذُو الرمة: (وأسود كالأساود مسبكرا ... على المتنين منسدرا جفالا) المسبكر: المسترسل. والمنسدر: المنتصب، وَبَعْضهمْ يرويهِ منسدلا. 348 - / 414 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَافْتتحَ الْبَقَرَة فَقلت: يرْكَع عِنْد الْمِائَة، ثمَّ مضى فَقلت: يُصَلِّي بهَا فِي رَكْعَة، فَمضى. هَذَا حَدِيث يدل على طول قيام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة، وَقد كَانَ رُكُوعه نَحوا من قِيَامه. وَهَذَا إِنَّمَا يرْوى عَنهُ فِي صَلَاة اللَّيْل - أَعنِي طول الْقيام. والترسل: التثبت. وَقَوله: إِذا مر بسؤال سَأَلَ. اخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد رَحْمَة الله عَلَيْهِ: هَل يجوز للْمُصَلِّي فِي صَلَاة الْفَرْض إِذا مرت بِهِ آيَة رَحْمَة أَن يسْأَلهَا، أَو آيَة عَذَاب أَن يستعيذ مِنْهُ، فَروِيَ عَنهُ جَوَاز ذَلِك، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي، وَرُوِيَ عَنهُ أَنه جَائِز فِي التَّطَوُّع دون الْفَرِيضَة، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. وَكَانَ شَيخنَا أَبُو بكر الدينَوَرِي يتَأَوَّل الحَدِيث فَيَقُول: معنى الحديث: 347 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 يسْأَل ويستعيذ: أَنه يسْأَل بِإِعَادَة الْآيَة، مثل أَن يقْرَأ: {رَبنَا فَاغْفِر لنا} [آل عمرَان: 193] فيردد ذَلِك، لَا أَنه يتَكَلَّم بِكَلَام من عِنْده، وَهَذَا الْأَشْبَه بأصولنا، وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " إِن صَلَاتنَا هَذِه لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام الْآدَمِيّين ". 349 - / 415 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: " كل مَعْرُوف صَدَقَة ". الْمَعْرُوف: فعل الْخَيْر وَالْبر، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَعْرُوف صَدَقَة لِأَنَّهُ لَا يجب. 350 - / 416 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: " تعرض الْفِتَن على الْقُلُوب كالحصير عودا عودا، فَأَي قلب أشربها نكت فِيهِ نُكْتَة سَوْدَاء، وَأي قلب أنكرها نكت فِيهِ نُكْتَة بَيْضَاء حَتَّى تصير على قلبين: أَبيض مثل الصَّفَا، فَلَا تضره فتْنَة مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض، وَالْآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا، لَا يعرف مَعْرُوفا وَلَا يُنكر مُنْكرا، إِلَّا مَا أشْرب من هَوَاهُ ... ". قَوْله: كالحصير، يَعْنِي أَن الْفِتَن تحيط بالقلوب فَتَصِير الْقُلُوب كالمحصور الْمَحْبُوس. وَقَالَ اللَّيْث: حَصِير الْجنب: عرق يَمْتَد مُعْتَرضًا على الْجنب إِلَى نَاحيَة الْبَطن، فَشبه إحاطتها بِالْقَلْبِ بإحاطة هَذَا الْعرق بالبطن. الحديث: 349 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 وَقَوله: عود عود: أَي مرّة بعد مرّة. وَمعنى: أشربها: قبلهَا وَسكن إِلَيْهَا. وَقَوله: نكت فِيهِ: أَي ظهر فِيهِ أثر. وَقَوله: حَتَّى تصير على قلبين. يَعْنِي الْقُلُوب. والصفا: الْحجر الأملس. وَقَوله: مربادا: المرباد والمربد: الَّذِي فِي لَونه ربدة: وَهِي لون بَين السوَاد والغبرة كلون النعامة، وَلِهَذَا قيل للنعام ربد. وَقَوله كالكوز مجخيا. المجخي: المائل، وَيُقَال مِنْهُ: جخى اللَّيْل: إِذا مَال ليذْهب. وَالْمعْنَى: مائلا عَن الاسْتقَامَة منكوسا. وَقد تقدم شرح بعض هَذَا الحَدِيث فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من هَذَا الْمسند. 351 - / 417 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: " إِن حَوْضِي لأبعد من أَيْلَة من عدن، إِنِّي لأذود عَنهُ الرِّجَال كَمَا يذود الرجل الْإِبِل الغريبة عَن حَوْضه " قَالُوا: وتعرفنا؟ قَالَ: " نعم. تردون عَليّ غرا محجلين من آثَار الْوضُوء ". أذود بِمَعْنى أطْرد، وَهَذَا يحْتَمل وَجْهَيْن: إِمَّا طرد من لَا يسْتَحق، وَإِمَّا طرد من يجب تَقْدِيم غَيره. وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث ثَوْبَان أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِنِّي لبعقر حَوْضِي أذود عَنهُ لأهل الْيمن ". والغرة والتحجيل: نور يعْرفُونَ بِهِ، ثَوابًا للْوُضُوء. الحديث: 351 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 352 - / 418 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: " جعلت صُفُوفنَا كَصُفُوف الْمَلَائِكَة ". صُفُوف الْمَلَائِكَة أَن كل وَاحِد بِجَانِب الآخر. وَقَوله: " جعلت لنا الأَرْض كلهَا مَسْجِدا " أَي موضعا للسُّجُود، وَهَذَا خَارج مخرج الامتنان على هَذِه الْأمة؛ لِأَن الْأُمَم الْمُتَقَدّمَة كَانُوا لَا يصلونَ إِلَّا فِي كنائسهم وبيعهم، وَهَذَا لفظ عَام خصت مِنْهُ الْبِقَاع الْمنْهِي عَن الصَّلَاة عَنْهَا بِدَلِيل، كَمَا خص نِكَاح الذميات فِي عُمُوم قَوْله: {وَلَا تنْكِحُوا المشركات} [الْبَقَرَة: 221] . قَوْله: " وَجعلت تربَتهَا لنا طهُورا " فِيهِ دَلِيل على أَنه إِذا ضرب بِيَدِهِ على حجر لَا غُبَار عَلَيْهِ لم يجزه، لِأَن التربة التُّرَاب. 353 - / 419 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: " أضلّ الله عَن الْجُمُعَة من كَانَ قبلنَا ". إِنَّمَا وَقع إضلال الْقَوْم بمخالفة نَبِيّهم. قَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ: تفرغوا لله عز وَجل فِي كل سَبْعَة أَيَّام يَوْمًا، فاعبدوه يَوْم الْجُمُعَة. فَقَالُوا: لَا، إِلَّا يَوْم السبت. وَقيل: كَانَ سَبَب اختيارهم السبت أَنهم زَعَمُوا أَن الله تَعَالَى فرغ يَوْم السبت من الْخلق، فَقَالُوا: فَنحْن نستريح فِيهِ من عمل الدُّنْيَا ونتشاغل بالتعبد وَالشُّكْر، فألزموه عُقُوبَة لَهُم. واختارت النَّصَارَى الْأَحَد وَقَالُوا: هُوَ أول يَوْم بَدَأَ الله فِيهِ الْخلق، فَهُوَ أولى بالتعظيم. فهدانا الله ليَوْم الْجُمُعَة، وَهُوَ الْيَوْم الحديث: 352 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 الَّذِي خلق فِيهِ آدم، وَهُوَ سَابق السبت والأحد، فَنحْن السَّابِقُونَ لَهُم فِي التَّعَبُّد، وأمتنا - وَإِن تَأَخّر وجودهم - فهم السَّابِقُونَ إِلَى الْفضل وَإِلَى دُخُول الْجنَّة. وَقَوله: " الْمقْضِي لَهُم " أَي على جَمِيع الْأُمَم؛ لِأَن حجتهم توجب على من سبقهمْ أَن يتبعهُم. 354 - / 420 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: " فَيقوم الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تزلف لَهُم الْجنَّة ". تزلف بِمَعْنى تقرب. وَقَول إِبْرَاهِيم: " إِنِّي كنت خَلِيلًا من وَرَاء وَرَاء " أَي من خلف حجاب. وَقَوله: " وَترسل الْأَمَانَة وَالرحم " الْمَعْنى أَنَّهُمَا تخلصان القائمين بحقوقهما. وَشد الرِّجَال: عدوهم. وَقَوله: " إِلَّا زحفا " أَي أَنهم يعجزون عَن الْمَشْي فيزحفون كزحف الصَّبِي الصَّغِير. والكلاليب جمع كَلوب: وَهُوَ مَعْرُوف. والمخدوش من الخدش: وَهُوَ الْإِصَابَة بأثر قريب، ثمَّ ينجو على مَا بِهِ. والمكدوس فِي النَّار: الْملقى فِيهَا. والخريف: المُرَاد بِهِ هَاهُنَا السّنة. 355 - / 421 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: من الْفِتَن: " ثَلَاثَة لَا يكدن يذرن شَيْئا ". أَي لعظمهن. الحديث: 354 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وَقَوله: " ومنهن فتن كرياح الصَّيف ". أَي فِيهَا بعض الشدَّة، وَإِنَّمَا خص الصَّيف لِأَن ريَاح الشتَاء أقوى. قَوْله: فَذهب أُولَئِكَ الرَّهْط كلهم غَيْرِي. يَعْنِي الَّذِي سمعُوا هَذَا. والرهط: الْعِصَابَة دون الْعشْرَة. وَيُقَال: بل إِلَى الْأَرْبَعين. 356 - / 422 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: قَالَ رجل: لَو أدْركْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاتَلت مَعَه فأبليت. فَقَالَ حُذَيْفَة: أَنْت كنت تفعل ذَلِك؟ . فِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَنه لَا يَنْبَغِي للْإنْسَان أَن يَدعِي شَيْئا لَا يدْرِي كَيفَ يكون فِيهِ، فَإِن الصَّحَابَة مَعَ جدهم فِي طلب الشَّهَادَة توقفوا عَن إجابتهم يَوْم الخَنْدَق حَتَّى قَالَ: " من يأتيني بِخَبَر الْقَوْم " حَتَّى عين على حُذَيْفَة. وَقَوله: " لَا تذعرهم " أَي لَا تظهر لَهُم، وَليكن ذهابك فِي سر. والذعر: الْخَوْف. وَقَوله: كَأَنِّي أَمْشِي فِي حمام، يُشِير إِلَى حرارة الْخَوْف. وَيُصلي ظَهره: يدفئه. وَقَوله: قررت: أَي أصابني القر. وَالْعِبَادَة والعباية من الأكسية، كَذَلِك قَالَ ابْن فَارس. الحديث: 356 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 وَقَوله: " يَا نومان " أَي يَا كثير النّوم، لِأَن بِنَاء " فعلان " للْمُبَالَغَة كسكران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 كشف الْمُشكل من مُسْند أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ أسلم بِمَكَّة، وَهَاجَر إِلَى أَرض الْحَبَشَة، ثمَّ قدم مَعَ أهل السفينتين وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَيْبَر. وَبَعْضهمْ يُنكر هجرته إِلَى الْحَبَشَة. وروى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثلثمِائة وَسِتِّينَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَمَانِيَة وَسِتُّونَ. 357 - / 425 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الثَّانِي: " من صلى البردين دخل الْجنَّة ". البردان: الْغَدَاة وَالْعصر، سميا بالبردين لِأَنَّهُمَا يصليان فِي بردي النَّهَار: وهما طرفاه حِين تذْهب سُورَة الْحر. 358 - / 426 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " وَمَا بَين الْقَوْم وَبَين أَن ينْظرُوا إِلَى رَبهم إِلَّا رِدَاء الْكِبْرِيَاء على وَجهه فِي جنَّة عدن ". هَذَا يرجع إِلَى الرَّائِي وَهُوَ كَونه فِي جنَّة عدن لَا إِلَى المرئي، لِأَن المرئي لَا تحيط بِهِ الْأَمْكِنَة. ورداء الْكِبْرِيَاء: مَا لَهُ من الْكبر وَالْعَظَمَة، الحديث: 357 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 وَكَأَنَّهُ يَقُول: إِن مَنعهم فلعظمته وَإِن شَاءَ كشف لَهُم بجوده وَكَرمه. 359 - / 429 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: قَالَ معَاذ: يَا أَبَا مُوسَى، كَيفَ تقْرَأ الْقُرْآن؟ قَالَ: أتفوقه تفوقا على فِرَاشِي وَفِي صَلَاتي. أتفوقه: أَي أفرق حزبي تَخْفِيفًا على نَفسِي فَأَقْرَأهُ فِي مَرَّات لَا فِي مرّة وَاحِدَة، مَأْخُوذ من فوَاق النَّاقة، فَإِنَّهَا تحلب ثمَّ تتْرك حَتَّى تدر، ثمَّ تحلب وقتا بعد وَقت ليَكُون أدر للبنها. وَقَول معَاذ: أحتسب فِي نومتي مَا أحتسب فِي قومتي. كَلَام فَقِيه، فَإِن الْإِنْسَان إِذا نوى بنومه إِعْطَاء بدنه حَقه والتقوي بذلك على الْعَمَل صَار النّوم كَأَنَّهُ تعبد، وأثيب عَلَيْهِ. وَقَوله: " لَا نولي هَذَا الْعَمَل أحدا سَأَلَهُ " وَهَذَا لِأَن الْحِرْص على الْولَايَة فِيهِ تُهْمَة وَدَلِيل على حب الدُّنْيَا، فَيَنْبَغِي أَن يحذر خَاطب الْولَايَة. وَمن هَذَا الْجِنْس قَول بعض الْحُكَمَاء: إِذا هرب الزَّاهِد من النَّاس فاطلبه، وَإِذا طَلَبهمْ فاهرب مِنْهُ. وقلصت الشّفة: ارْتَفَعت. والمخلاف لأهل الْيمن كالرستاق، والمخاليف: الرساتيق. 360 - / 430 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " على كل مُسلم صَدَقَة ". وَقد سبق شرح هَذَا الْمَعْنى فِي مُسْند أبي ذَر. الحديث: 359 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 361 - / 433 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: برِئ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الصالقة والحالقة والشاقة. الصلق: الصياح الشَّديد، وَكَذَلِكَ السلق، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {سلقوكم بألسنة حداد} [الْأَحْزَاب: 19] فالصالقة: الصائحة بالصوت الشَّديد. والحالقة: الَّتِي تحلق شعرهَا للمصيبة. والشاقة: الَّتِي تخرق الثِّيَاب للمصاب. 362 - / 434 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: أَمر لنا بِثَلَاث ذود غر الذرا. حكى ابْن السّكيت عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: الذود: مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْر، وَلَا يُقَال ذود إِلَّا للنوق. وَقَالَ أَبُو زيد: بل يُقَال للذكور وَالْإِنَاث. وَقَوله: غر الذرا. يُرِيد أَن ذرا الأسمنة مِنْهُنَّ بيض من سمنهن. والذرا جمع ذرْوَة، وذروة كل شَيْء أَعْلَاهُ. وَقَوله: أُتِي بِنَهْب إبل. يُرِيد بالنهب الْمغنم. وَقَوله: أَغْفَلنَا رَسُول الله يَمِينه. أَي غفل عَن يَمِينه بِسَبَب سؤالنا. قَوْله: " وَمَا أَنا حملتكم وَلَكِن الله حملكم " فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: الحديث: 361 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 أَحدهَا: أَن يكون نَاسِيا ليمينه لما أَمر لَهُم بِالْإِبِلِ فَيكون كَقَوْلِه للصَّائِم: " الله أطعمك وسقاك ". وَالثَّانِي: أَن يقْصد إِفْرَاد الْحق عز وَجل بالمنن. وَالثَّالِث: أَن الله تَعَالَى لما سَاق هَذِه الْإِبِل فِي وَقت حَاجتهم كَانَ هُوَ الْحَامِل. 363 - / 437 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: " اشفعوا تؤجروا ". والشفاعة: سُؤال الشَّفِيع يشفع سُؤال الْمَشْفُوع فِيهِ، وَالْمرَاد من الحَدِيث أَنكُمْ تؤجرون فِي الشَّفَاعَة وَإِن لم تقض الْحَوَائِج. 364 - / 439 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: " من مر وَمَعَهُ نبل فليقبض على نصالها بكفه ". النصال جمع نصل، والنصل: حَدِيدَة السهْم. وَقَوله: فَمَا متْنا حَتَّى سددنا بَعْضهَا فِي وُجُوه بعض. يُقَال: سددت إِلَيْهِ السهْم: أَي قصدت بِهِ قَصده. وَالْمعْنَى: اقتتلنا بهَا، وَالْإِشَارَة إِلَى الْفِتَن الَّتِي جرت بَينهم. 365 - / 440 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: " من حمل علينا السِّلَاح فَلَيْسَ منا ". من حمل السِّلَاح على الْمُسلمين لكَوْنهم مُسلمين فَلَيْسَ بِمُسلم، فَأَما إِذا لم يحمل السِّلَاح لأجل الْإِسْلَام فقد اخْتلف الْعلمَاء فِي معنى الحديث: 363 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 قَوْله: " فَلَيْسَ منا " فَقَالَ أَبُو عبيد لَيْسَ متخلقا بأخلاقنا وأفعالنا. وَقَالَ غَيره: لَيْسَ من أهل ديننَا. وَقَالَ قوم: لَيْسَ مثلنَا. 366 - / 441 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: " إِن هَذِه النَّار عَدو لكم فَإِذا نمتم فأطفئوها ". لما كَانَ الْأَذَى يَقع من الْعَدو وَمن النَّار حسن التَّشْبِيه، وَإِن وَقع الْفرق بِالْقَصْدِ وَعَدَمه. 467 - / 442 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: " الْمُؤمن لِلْمُؤمنِ كالبنيان يشد بعضه بَعْضًا " وَشَبك بَين أَصَابِعه. ظَاهره الْإِخْبَار وَمَعْنَاهُ الْأَمر، وَهُوَ تحريض على التعاون. 368 - / 443 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: " فَذهب وهلي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَة ". أَي وهمي، وَالْمعْنَى: ظَنَنْت. 369 - / 445 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: أعتم بِالصَّلَاةِ: أَي أَخّرهَا. وابهار اللَّيْل: انتصف أَو قَارب. وَالرسل: التمهل. الحديث: 366 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 370 - / 446 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: " من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه، وَمن كره لِقَاء الله كره الله لقاءه ". وَرُبمَا ظن ظان أَن كَرَاهِيَة الْمَوْت تُؤثر فِي لِقَاء الله، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَسَيَأْتِي مكشوفا فِي مُسْند عَائِشَة. 371 - / 447 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: خسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " افزعوا إِلَى ذكر الله ". معنى خسفت: انكسفت. وَيُقَال: فزعت إِلَى كَذَا: إِذا لجأت إِلَيْهِ، وفزعت من كَذَا: إِذا خفته. وَفِي قَوْله: " لَا يكون لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ " إبِْطَال لما كَانَ عَلَيْهِ أهل الْجَاهِلِيَّة، فَإِنَّهُم كَانُوا يَزْعمُونَ أَن ذَلِك يُوجب حُدُوث حوادث كَمَا يَقُول المنجمون. فَإِن قيل: مَا فَائِدَة حُدُوث الْكُسُوف؟ فَفِيهِ سبع فَوَائِد: أَحدهَا: ظُهُور التَّصَرُّف فِي الشَّمْس وَالْقَمَر. وَالثَّانيَِة: أَن يتَبَيَّن عِنْد شينها قبح شَأْن من يَعْبُدهَا. وَالثَّالِثَة: أَن تنزعج الْقُلُوب المساكنة للغفلة عَن مسكن الذهول؛ فَإِن المواعظ تزعج الْقلب الغافل. وَالرَّابِعَة: ليرى النَّاس أنموذج مَا سيجري فِي الْقِيَامَة من قَوْله تَعَالَى: الحديث: 370 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 {وَخسف الْقَمَر وَجمع الشَّمْس وَالْقَمَر} [الْقِيَامَة: 8، 9] . وَالْخَامِسَة: أَنَّهُمَا يؤخذان على حَال التَّمام فيوكسان ثمَّ يلطف بهَا فيعادان إِلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ، فيشار بذلك إِلَى خوف الْمَكْر ورجاء الْعَفو. وَالسَّادِسَة: أَن يفعل بهما صُورَة عِقَاب من لَا ذَنْب لَهُ ليحذر ذُو الذَّنب. وَالسَّابِعَة: أَن الصَّلَوَات المفروضات عِنْد كثير من الْخلف عَادَة لَا انزعاج لَهُم فِيهَا وَلَا وجود هَيْبَة، فَأتى بِهَذِهِ الْآيَة وسنت لَهَا الصَّلَاة ليفعلوا صَلَاة على انزعاج وهيبة. 372 - / 448 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَشْيَاء كرهها، فَلَمَّا أَكثر عَلَيْهِ غضب ثمَّ قَالَ: " سلوني عَمَّا شِئْتُم " فَقَالَ رجل: من أبي؟ فَقَالَ: " أَبوك حذافة ". إِنَّمَا قَالَ: " سلوني عَمَّا شِئْتُم " غَضبا. فَإِن قيل: فَجَوَابه حكم وَقد قَالَ: " لَا يقْضِي القَاضِي بَين اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَان " فَالْجَوَاب أَنه لما كَانَ مَعْصُوما من الزلل تساوى غَضَبه وَرضَاهُ فِي أَنه لَا يَقُول إِلَّا الْحق، وَلِهَذَا قَالَ لعبد الله بن عَمْرو وَقد سَأَلَهُ: أكتب عَنْك مَا تَقول فِي السخط وَالرِّضَا؟ قَالَ: " نعم ". 373 - / 449 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: فنقبت أقدامنا، فَكُنَّا نلف على أَرْجُلنَا الْخرق، فسميت غَزْوَة ذَات الرّقاع، ثمَّ كره أَبُو الحديث: 372 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 مُوسَى إِظْهَار هَذَا. نقبت بِمَعْنى تقرحت وورمت. وَهَذِه الْغُزَاة كَانَت فِي السّنة الرَّابِعَة من الْهِجْرَة. وَإِنَّمَا نَدم على إِظْهَار عمله لِأَن عمل السِّرّ يزِيد على عمل الْعَلَانِيَة سبعين ضعفا، وَكَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ يَقُول: إِن العَبْد ليعْمَل الْعَمَل سرا، وَلَا يزَال بِهِ الشَّيْطَان حَتَّى يتحدث بِهِ، فينقل من ديوَان السِّرّ إِلَى ديوَان الْعَلَانِيَة. إِلَّا أَن مَقْصُود أبي مُوسَى إِعْلَام النَّاس بصبر الصَّحَابَة ليقتدوا بهم، فيثاب على إِظْهَار هَذَا بِهَذِهِ النِّيَّة. 374 - / 451 - أما الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ: فقد فسرناه فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 375 - / 452 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: " إِمَّا أَن يحذيك ". أَي يهب لَك الشَّيْء من ذَلِك. يُقَال: أحذيت الرجل أحذيه: إِذا أَعْطيته الشَّيْء وأتحفته بِهِ. 376 - / 453 - وَفِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ: " وَأَنا النذير الْعُرْيَان ". الرِّوَايَة بالراء من العري، وَذَلِكَ أَن الربيئة للْقَوْم إِذا كَانَ على مَكَان عَال فَبَصر بالعدو نزع ثَوْبه فألاح بِهِ ينذر، فَيبقى عُريَانا. وَقَالَ بعض أهل اللُّغَة: عري النذير أبلغ فِي الْإِنْذَار؛ لِأَن الْجَيْش إِذا رَأَوْهُ الحديث: 374 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 عُريَانا علمُوا أَن الْأَمر عَظِيم، وأنشدوا: (لَيْسَ النذير الَّذِي يَأْتِيك مؤتزرا ... مثل النذير الَّذِي يَأْتِيك عُريَانا) قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: وَقد رُوِيَ لنا: " وَأَنا النذير العربان " بِالْبَاء، فَإِن كَانَ ذَلِك مَحْفُوظًا فَمَعْنَاه المفصح بالإنذار لايكني وَلَا يوري. يُقَال رجل عربان: أَي فصيح اللِّسَان، وَيُقَال: أعرب الرجل بحاجته: إِذا أفْصح بهَا. وَقَوله: فأدلجوا، إِذا خففت الدَّال كَانَ معنى الْكَلِمَة قطع اللَّيْل كُله بالسير، وَإِذا شددت الدَّال فَهُوَ السّير من آخر اللَّيْل. وَمعنى اجتاحهم استأصلتهم، وَمِنْه الْجَائِحَة الَّتِي تفْسد الثِّمَار وتهلكها. 377 - / 454 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ: " إِن مثل مَا بَعَثَنِي الله بِهِ من الْهدى وَالْعلم كَمثل غيث أصَاب أَرضًا، فَكَانَت مِنْهَا طَائِفَة طيبَة قبلت المَاء فأنبتت الْكلأ والعشب الْكثير، وَكَانَ مِنْهَا أجادب أَمْسَكت المَاء فنفع الله بهَا النَّاس، وَأصَاب طَائِفَة إِنَّمَا هِيَ قيعان ". الحديث: 377 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 قَوْله: " فَكَانَت مِنْهَا طَائِفَة " هَذَا اللَّفْظ الَّذِي ذكره الْحميدِي، وَقد رَوَاهُ البُخَارِيّ بِلَفْظ آخر لم يذكرهُ الْحميدِي: " وَكَانَ مِنْهَا ثغبة " بالثاء والغين الْمُعْجَمَة، والثغبة مستنقع المَاء فِي الْجبَال والصخور، وَهُوَ الثغب أَيْضا. وَقد رَوَاهُ أَحْمد فِي " الْمسند ": " فَكَانَت مِنْهَا طَائِفَة نقية " بِالْقَافِ. وَأما الأجادب فَهِيَ من الجدب واليبس، وَهَذَا الْمَحْفُوظ فِي الرِّوَايَة. والْحَدِيث يدل على أَن المُرَاد الأَرْض الصلبة الَّتِي تمسك المَاء، وَقَالَ قوم: إِنَّمَا هِيَ أجارد، وَهِي الْمَوَاضِع المتجردة من النَّبَات. وَقد رَوَاهُ أَبُو سُلَيْمَان البستي من طَرِيق أبي كريب فَقَالَ: أُحَارب بِالْحَاء وَالرَّاء، وَلَيْسَ بِشَيْء، قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا هِيَ إخاذات، سَقَطت مِنْهَا الْألف، واحدتها إخاذة: وَهِي الَّتِي تمسك المَاء، وَالرِّوَايَة هِيَ الأولى. والقيعان جمع قاع. وَهَذِه أَمْثَال ضربت، فَالْأول: لمن يقبل الْهدى وَيعلم غَيره فينتفع وينفع، وَالثَّانِي: لمن ينفع غَيره بِالْعلمِ وَلَا ينْتَفع. وَالثَّالِث: لمن لَا ينفع وَلَا ينْتَفع. وَيحْتَمل أَن يشار بالطائفة الأولى إِلَى الْعلمَاء بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْه، فَإِنَّهُم حفظوا الْمَنْقُول واستنبطوا، فَعم نفعهم. ويشار بالطائفة الْأُخْرَى إِلَى من نقل الحَدِيث وَلم يفهم مَعَانِيه وَلَا تفقه، فَهُوَ يحفظ الْأَلْفَاظ وينقلها إِلَى من ينْتَفع بهَا. ويشار بالقيعان إِلَى من لم يتَعَلَّق بِشَيْء من الْعلم. 378 - / 455 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ: على سَرِير مرمل. الحديث: 378 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 أَي منسوج بالسعف. وَقد شرحنا هَذَا فِي مُسْند عمر. 379 - / 457 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: ولد لي غُلَام فَأتيت بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَماهُ إِبْرَاهِيم وحنكه بتمرة. قَالَ أَبُو عبيد: يُقَال: حنكت الصَّبِي وحنكته بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد، فَهُوَ محنوك ومحنك: إِذا مضغت التَّمْر ثمَّ دلكته بحنكه. قَالَ الزّجاج: والحنك سقف الْفَم الْأَعْلَى. وَفِي هَذَا الحَدِيث تَسْمِيَة الْمَوْلُود قبل السَّابِع على خلاف حَدِيث سَمُرَة. 380 - / 458 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ: وَافَقنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين افْتتح خَيْبَر، فَأَسْهم لنا وَمَا أسْهم لأحد غَابَ عَن خَيْبَر مِنْهَا شَيْئا إِلَّا لأَصْحَاب سَفِينَتنَا. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: يحْتَمل أَن يكون أَعْطَاهُم عَن رضى مِمَّن شهد الْوَقْعَة أَو من الْخمس الَّذِي هُوَ حَقه. 381 - / 460 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: " وَمِنْهُم حَكِيم إِذا لَقِي الْخَيل قَالَ لَهُم: إِن أَصْحَابِي يأمرونكم أَن تنظروهم ". الحديث: 379 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 أَي تنتظروهم، وَالْمعْنَى: لَا تَبْرَحُوا، وَالْمَقْصُود شجاعته. 382 - / 461 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ: " إِن الْأَشْعَرِيين إِذا أرملوا فِي الْغَزْو أَو قل طَعَام عِيَالهمْ بِالْمَدِينَةِ جمعُوا مَا كَانَ عِنْدهم فِي ثوب ثمَّ اقتسموه بَينهم بِالسَّوِيَّةِ، فهم مني وَأَنا مِنْهُم ". أرملوا: قلت أَزْوَادهم، فمدحهم بالإيثار والمواساة، وأضافهم إِلَيْهِ لِأَنَّهُ غايه الْكَرم، فَقَالَ: " هم مني " يَعْنِي بأفعالهم وَإِن لم يَكُونُوا من أَقَاربه، قَالَ الشَّاعِر: (وَقلت: أخي، قَالُوا: أَخ ذُو قرَابَة! " ... فَقلت: لَهُم: إِن الشكول أقَارِب) (نسيبي فِي رَأْيِي وعزمي ومذهبي ... وَإِن خالفتنا فِي الْأُمُور الْمُنَاسب) 383 - / 462 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ: سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا يثني على رجل ويطريه فِي الْمَدْح، فَقَالَ: " أهلكتم - أَو قطعْتُمْ - ظهر الرجل ". الإطراء: الإفراط فِي الْمَدْح، وَلَا يَخْلُو من الْكَذِب. وَأَشَارَ بقوله: " قطعْتُمْ ظهر الرجل " إِلَى تأذيه فِي دينه، فَجعله كَقطع ظَهره. وَاعْلَم أَن الْمَدْح يشْتَمل على آفتين: إِحْدَاهمَا تتَعَلَّق بالمادح وَهِي الْكَذِب الَّذِي لَا يكَاد يتَخَلَّص مِنْهُ. وَالثَّانيَِة تتَعَلَّق بالممدوح وَهِي تحريكه إِلَى التكبر بفضائله، والطبع كَاف فِي جلب الْكبر وَغَيره من الشَّرّ فَيحْتَاج إِلَى مقاومة تضاده، فَإِذا جَاءَ الْمَدْح أعَان الطَّبْع فَزَاد الْفساد. الحديث: 382 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 384 - / 463 - وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين: جلس على بِئْر أريس وتوسط قفها. أريس: بِئْر مَعْرُوفَة بِالْمَدِينَةِ. والقف مَا يبْنى حول الْبِئْر ليجلس عَلَيْهِ الْجَالِس. والحائط: الْبُسْتَان. 385 - / 468 - وَفِي الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ: " اربعوا على أَنفسكُم " أَي ارفقوا بهَا. وَمعنى لَا حول: لَا حِيلَة، يُقَال: مَا لَهُ حِيلَة، وَمَاله حول، وَمَاله احتيال، وَمَاله محتال، وَمَاله محَالة. 386 - / 469 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ: قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ منيخ بالبطحاء فَقَالَ لي: " بِمَ أَهلَلْت؟ " قلت: أَهلَلْت بإهلال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: " هَل سقت من هدي؟ " قلت: لَا، قَالَ: " فَطُفْ بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة ثمَّ حل ". كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أهل بِالْحَجِّ وسَاق الْهَدْي فَمَا أمكنه أَن يحل حَتَّى يتم الْحَج، فَأمر من لم يسق الْهَدْي من أَصْحَابه أَن يفْسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة وَيحل ثمَّ يهل بعد ذَلِك بِالْحَجِّ. وَقَوله: أَهلَلْت بإهلال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يدل على جَوَاز إرْسَال النِّيَّة من غير تعْيين النَّوْع الَّذِي يُريدهُ من أَنْوَاع الْحَج، ثمَّ لم تَعْيِينه عِنْد الحديث: 384 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 إِرَادَة الشُّرُوع فِي الْأَعْمَال. وَيحْتَمل أَن يكون أَبُو مُوسَى سَأَلَ عَن حَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبر أَنه قَارن فَنوى الْقرَان، فَلَمَّا سَأَلَهُ قَالَ: أَهلَلْت بِمَا أَهلَلْت بِهِ. وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن مُفردا؛ لِأَن الْهَدْي إِنَّمَا يجب على الْمُتَمَتّع والقارن. 387 - / 470 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: كَانَ يَوْم عَاشُورَاء يَوْمًا تعظمه الْيَهُود. قَالَ شَيخنَا أَبُو مَنْصُور اللّغَوِيّ: عَاشُورَاء مَمْدُود، وَلم يجِئ على " فاعولاء " فِي كَلَام الْعَرَب إِلَّا عَاشُورَاء، والضارواء: الضراء، والساروراء: السَّرَّاء، والدالولاء: الدَّالَّة، وخابوراء: مَوضِع. وَهِي القوباء، وكربلاء، وسلاء النّخل: شوكه، الْوَاحِدَة سلاءة، كل ذَلِك مَمْدُود. وَقَوله: " شارتهم " الشارة: مَا يتجمل بِهِ من اللبَاس. 388 - / 471 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ: " وَفضل عَائِشَة على النِّسَاء كفضل الثَّرِيد ". الحديث: 387 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 الْعَرَب تفضل الثَّرِيد لِأَنَّهُ أسهل فِي التَّنَاوُل، وَلِأَنَّهُ يَأْخُذ جَوْهَر المرق. 389 - / 472 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ: " لَا أحد أصبرعلى أَذَى سَمعه من الله عز وَجل ". الصَّبْر: الْحَبْس، وَالْمعْنَى لَا أحد يحبس الْعقُوبَة عَن مخالفه مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ كالحق عز وَجل، فَإِنَّهُ يُمْهل الْمُشرك والعاصي. 390 - / 473 - وَفِي الحَدِيث الْخمسين: " لقد أُوتيت مِزْمَارًا من مَزَامِير آل دَاوُد " وَفِي رِوَايَة: لَو علمت أَنَّك تسمع قراءتي لحبرته لَك تحبيرا. المُرَاد بالمزمار طيب الصَّوْت، وَذكر الْآل صلَة، وَالْمعْنَى من مَزَامِير دَاوُد. ويروى أَنه كَانَ إِذا قَرَأَ دَاوُد وقف الطير. والتحبير: التحسين والتزيين، والمحبر: الشَّيْء المزين، وَكَانَ يُقَال لطفيل المحبر، لِأَنَّهُ كَانَ يحبر الشّعْر. وَفِي هَذَا جَوَاز تَحْسِين الصَّوْت وتجويد التِّلَاوَة لأجل انْتِفَاع السامعين، وَلَا يُقَال إِن زِيَادَة التجويد فِي ذَلِك رِيَاء لأجل الْخلق إِذا كَانَ الْمَقْصُود اجتذاب نفعهم: فَأَما الألحان الَّتِي يصنعها قراء هَذَا الزَّمَان فمكروهة عِنْد الْعلمَاء، لِأَنَّهَا مَأْخُوذَة من طرائق الْغناء. الحديث: 389 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 391 - / 475 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي من أَفْرَاد البُخَارِيّ: " مثل الْمُسلمين وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى كَمثل رجل اسْتَأْجر قوما يعْملُونَ لَهُ عملا إِلَى اللَّيْل على أجر مَعْلُوم، فعملوا لَهُ إِلَى نصف النَّهَار، فَقَالُوا: لَا حَاجَة لنا إِلَى أجرك الَّذِي شرطت لنا، وَمَا عَملنَا بَاطِل، واستأجر آخَرين فَقَالَ: أكملوا بَقِيَّة يومكم هَذَا وَلكم الَّذِي شرطت لَهُم من الْأجر، فعملوا حَتَّى إِذا كَانَ حِين صَلَاة الْعَصْر قَالُوا: مَا عَملنَا بَاطِل وَلَك الْأجر الَّذِي جعلت لنا، فاستأجر قوما فعملوا بَقِيَّة يومهم حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس واستكملوا أُجْرَة الْفَرِيقَيْنِ، فَذَلِك مثلهم وَمثل مَا قبلوا من هَذَا النُّور ". هَذَا مثل مَضْرُوب لعمل الْيَهُود وَالنَّصَارَى، فَإِن الْيَهُود طَال زمن عَمَلهم وَزَاد على مُدَّة النَّصَارَى، وَلِأَنَّهُ كَانَ بَين مُوسَى وَعِيسَى - فِي رِوَايَة أبي صَالح ابْن عَبَّاس - ألف سنة وسِتمِائَة سنة وَاثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنة، وَفِي قَول ابْن إِسْحَق ألف سنة وَتِسْعمِائَة وتسع عشرَة سنة، وَلَا يخْتَلف النَّاس أَنه كَانَ بَين عِيسَى وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِمَا سِتّمائَة سنة، فَلهَذَا جعل عمل الْيَهُود من أول النَّهَار إِلَى وَقت الظّهْر، وَجعل عمل النَّصَارَى من الظّهْر إِلَى الْعَصْر. ثمَّ قد اتّفق أَيْضا تَقْدِيم الْيَهُود على النَّصَارَى فِي الزَّمَان مَعَ طول عمل أُولَئِكَ وَقصر عمل هَؤُلَاءِ. فَأَما عمل الْمُسلمين فَإِنَّهُ جعل مَا بَين الْعَصْر إِلَى الْمغرب، وَذَاكَ أقل الْكل فِي مُدَّة الزَّمَان. فَرُبمَا قَالَ قَائِل: فَهَذِهِ الْأمة قد قاربت سِتّمائَة سنة من بعثة الحديث: 391 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكيف يكون زمانها أقل؟ فَالْجَوَاب: أَن عَملهَا أسهل، وأعمار الْمُكَلّفين أقصر، والساعة إِلَيْهِم أقرب، فَجَاز لذَلِك أَي يقلل زمَان عَمَلهم. والنور: الْإِسْلَام وَالْقُرْآن. 392 - / 477 _ وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " وفكوا العاني ". يَعْنِي الْأَسير، وفكاكه: السَّعْي فِي إِطْلَاقه. 393 - / 478 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " إِن أَبْوَاب الْجنَّة تَحت ظلال السيوف ". هَذَا مثل، وَالْمرَاد بِهِ أَن دُخُول الْجنَّة يكون بِالْجِهَادِ. والظلال جمع ظلّ، فَإِذا دنا الشَّخْص من الشَّخْص صَار تَحت ظلّ سَيْفه. وَقَوله: فَقَامَ رجل فَكسر جفن سَيْفه - يَعْنِي الغمد. وَإِنَّمَا كسر الغمد على عزم أَلا يغمد السَّيْف، وَهَذَا الرجل كَانَ صَاحب همة عالية، فَلَمَّا صحت عِنْده الْفَضِيلَة جد نَحْوهَا. 394 - / 480 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثيرا مِمَّا يرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء. فِي هَذَا دَلِيل على اسْتِحْبَاب النّظر إِلَى السَّمَاء لمَكَان الِاعْتِبَار بهَا، الحديث: 392 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وَقد قَالَ عز وَجل: {قل انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} [يُونُس: 101] {أفلم ينْظرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقهم كَيفَ بنيناها} [ق: 6] وَفِي هَذَا رد على جهلة المتعبدين الَّذين وصفوا بِأَن أحدهم بَقِي سِنِين لَا يرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء حَيَاء من الله عز وَجل، وَلَوْلَا جهل هَؤُلَاءِ لعلموا أَن إطراقهم إِلَى الأَرْض فِي بَاب الْحيَاء كرفع الْأَبْصَار إِلَى السَّمَاء، وَلَكِن الْجَهْل يتلاعب بالعباد والزهاد، فَلَا يخلص مِنْهُ إِلَّا علماؤهم. وَقَوله: " أَنا أَمَنَة لِأَصْحَابِي " الأمنة: الْأَمْن. وَقَوله: " أَتَى السَّمَاء مَا توعد " إِشَارَة إِلَى تشققها وذهابها. وَقَوله: " أَتَى أَصْحَابِي مَا يوعدون " إِشَارَة إِلَى وُقُوع الْفِتَن، وَكَذَلِكَ عِنْد ذهَاب أَصْحَابه. وَالْإِشَارَة إِلَى مَجِيء الشَّرّ عِنْد ذهَاب أهل الْخَيْر، فَإِنَّهُ لما كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام بَين أظهرهم كَانَ يبين مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَيَدْعُو إِلَى الصَّوَاب، فَلَمَّا عدم جالت الاراء وَاخْتلفت، إِلَّا أَن كل صَحَابِيّ يسند القَوْل إِلَى الرَّسُول فِي قَول أَو فعل أَو دلَالَة حَال، فَلَمَّا فقدت الصَّحَابَة قل النُّور وقويت الظُّلم. 395 - / 281 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة نَاس من الْمُسلمين بذنوب أَمْثَال الْجبَال يغفرها الله لَهُم ويضعها على الْيَهُود وَالنَّصَارَى ". فَإِن قيل: كَيفَ يكون هَذَا وَقد قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} [فاطر: 18] 417 فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: الحديث: 395 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 احدهما: أَن يكون الْمَعْنى يعذب بِمِثْلِهَا الْيَهُود وَالنَّصَارَى من أَفعَال الْيَهُود وَالنَّصَارَى، فَكَأَنَّهُ سامح الْمُسلمين فِي شَيْء لم يسامح بِهِ غَيرهم. وَالثَّانِي: أَن يُضَاعف عِقَاب الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَيكون بِقدر جرمهم وجرم غَيرهم، وَله أَن يُضَاعف ويخفف. 396 - / 482 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " الْمُؤمن يَأْكُل فِي معى وَاحِد، وَالْكَافِر يَأْكُل فِي سَبْعَة أمعاء ". المعى مَقْصُورَة وَجَمعهَا أمعاء ممدودة. قَالَ الْفراء: جَاءَ فِي الحَدِيث معى وَاحِدَة، وَوَاحِد أعجب إِلَيّ، وَأكْثر كَلَام الْعَرَب تذكره، وَرُبمَا أنثوه كَأَنَّهُ وَاحِد دلّ على جمع، قَالَ الْقطَامِي: (كَأَن نسوع رحلي حِين ضمت ... حوالب غزرا ومعى جياعا) وَلِهَذَا الحَدِيث مَعْنيانِ: أَحدهمَا أَن الْمُؤمن يُسَمِّي الله عز وَجل إِذا أكل، فَيحصل لَهُ شَيْئَانِ: الْبركَة فِي الطَّعَام، وَدفع الشَّيْطَان عَنهُ، فَيكون المتناول مِنْهُ قَلِيلا، فَكَأَن الْمُؤمن قد أكل فِي معى وَاحِد، وَالْكَافِر لَا يُبَارك لَهُ لعدم التَّسْمِيَة، ويتناول الشَّيْطَان مَعَه فَيذْهب من الطَّعَام كثير، فَكَأَنَّهُ قد أكل فِي سَبْعَة أمعاء. وَالثَّانِي: أَن الْمُؤمن لاستشعاره الْخَوْف، وَنَظره فِي حل الْمطعم، وحذره من حِسَاب الْكسْب، يقل أكله، وَالْكَافِر لَا يهتم بِشَيْء من الحديث: 396 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 ذَلِك فيكثر أكله، وَلِهَذَا الْمَعْنى ترى من قوي خَوفه وحزنه نحيلا، بِخِلَاف أهل الغفلات. وَقَالَ أَبُو حَامِد الطوسي: معنى هَذَا الحَدِيث أَن الْكَافِر يَأْكُل سَبْعَة أَضْعَاف مَا يَأْكُلهُ الْمُؤمن، أَو تكون شَهْوَته سَبْعَة أَضْعَاف شَهْوَته، فَيكون المعى كِنَايَة عَن الشَّهْوَة، لِأَن الشَّهْوَة هِيَ الَّتِي تقبل الطَّعَام وتأخذه كَمَا تَأْخُذهُ المعى، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ زِيَادَة عدد معى الْكَافِر على معى الْمُؤمن. وَقد ذهب أَبُو عبيد إِلَى أَن هَذَا الحَدِيث خَاص فِي رجل بِعَيْنِه كَانَ يكثر الْأكل قبل إِسْلَامه ثمَّ أسلم فنقص ذَلِك، فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ فِيهِ هَذَا. وَأهل مصر يروون أَنه أَبُو بصرة الْغِفَارِيّ، قَالَ: وَلَا نعلم للْحَدِيث وَجها غير هَذَا، لِأَنَّك تَجِد من الْمُسلمين من يكثر أكله، وَمن الْكفَّار من يقل أكله. وَقد روى عَطاء بن يسَار عَن جَهْجَاه الْغِفَارِيّ أَنه قدم فِي نفر من قومه يُرِيدُونَ الْإِسْلَام، فَحَضَرُوا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمغرب، فَلَمَّا سلم قَالَ: " ليَأْخُذ كل رجل مِنْكُم بيد جليسه " قَالَ: فَلم يبْق فِي الْمَسْجِد غير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وغيري، فَذهب بِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى منزله، فَحلبَ لي عَنْزًا فَأتيت عَلَيْهَا، حَتَّى حلب لي سَبْعَة أعنز فَأتيت عَلَيْهَا، فَلَمَّا أسلمت دَعَاني إِلَى منزله فَحلبَ لي عَنْزًا فرويت وشبعت، فَقَالَت أم أَيمن: يَا رَسُول الله، أَلَيْسَ هَذَا ضيفنا؟ قَالَ: " بلَى، وَلكنه أكل فِي معى مُؤمن اللَّيْلَة وَأكل قبل ذَلِك فِي معى كَافِر، وَالْكَافِر يَأْكُل فِي سَبْعَة أمعاء " قلت: وَإِن كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 هَذَا الحَدِيث ورد على سَبَب فلفظه عَام، ثمَّ إِذا حمل على كَافِر بِعَيْنِه فِي أَنه يَأْكُل فِي سَبْعَة أمعاء فَكيف يصنع بِالْمُؤمنِ الْكثير الْأكل، وَإِنَّمَا الْكَلَام وَاقع على الْأَغْلَب، وَالسَّبَب مَا ذكرته لَك وَلَا اعْتِبَار بالنادر. 397 - / 483 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " فَجعله لَهَا فرطا ". الفرط والفارط: الَّذِي يتَقَدَّم إِلَى المَاء لإِصْلَاح مَا يرد عَلَيْهِ أَصْحَابه. 398 - / 484 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " إِذا عطس أحدكُم فَحَمدَ الله فشمتوه، وَإِذا لم يحمد الله فَلَا تشمتوه ". قَالَ أَبُو عبيد: التشميت: الدُّعَاء، كَقَوْلِك: يَرْحَمك الله، وكل دَاع بِخَير فَهُوَ مشمت ومسمت، بالشين وَالسِّين، والشين أَكثر. وَقَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي: اشتقاق التشميت بالشين الْمُعْجَمَة كَأَنَّهُ الدُّعَاء بالتثبيت على طَاعَة الله، مَأْخُوذ من الشوامت وَهِي القوائم، واشتقاق التسميت بِالسِّين الْمُهْملَة من السمت وَهُوَ الْهَدْي، كَأَنَّهُ رده إِلَى سمته وهديه. وَحكى أَبُو عمر بن عبد الْبر قَالَ: قَالَ ثَعْلَب: معنى التشميت: أبعد الله عَنْك الشماته وجنبك مَا يشمت بِهِ عَلَيْك، وَمعنى التسميت: جعلك الله على سمت حسن. 399 - / 485 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: أَن أَبَا مُوسَى اسْتَأْذن على عمر ثَلَاثًا فَلم يُؤذن لَهُ، فَذهب ثمَّ استدعاه عمر فَقَالَ: مَا ردك؟ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " الاسْتِئْذَان ثَلَاث " فَقَالَ عمر: لتَأْتِيني الحديث: 397 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 بِبَيِّنَة وَإِلَّا فعلت وَفعلت، فجَاء أبي بن كَعْب فَشهد. اعْلَم أَن عمر لم يشك فِي خبر أبي مُوسَى، وَإِنَّمَا خَافَ أَن يتهجم غَيره مِمَّن يشك فِيهِ على الرِّوَايَة، فأدب الْغَيْر بِطَلَب الْبَيِّنَة من أبي مُوسَى ليحذر من لَا يصلح للرواية كَمَا قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {لَئِن أشركت ليحبطن عَمَلك} [الزمر: 65] {فَإِن كنت فِي شكّ} [يُونُس: 94] وكما قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " لَو سرقت فَاطِمَة لقطعتها ". 400 - / 486 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: فِي شَأْن سَاعَة الْجُمُعَة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " هِيَ مَا بَين أَن يجلس الإِمَام إِلَى أَن تقضى الصَّلَاة ". أما سَاعَة الْجُمُعَة فَسَيَأْتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " فِي الْجُمُعَة سَاعَة لَا يُوَافِقهَا مُسلم يسْأَل ربه شَيْئا إِلَّا أَتَاهُ " وَهَذَا الحَدِيث قد بَين وَقت تِلْكَ السَّاعَة. وَقد روى جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " التموسها آخر السَّاعَات بعد الْعَصْر " وَمن حَدِيث أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " التمسوها فِيمَا بَين صَلَاة الْعَصْر إِلَى غرُوب الشَّمْس " وَفِي حَدِيث كثير بن عبد الله عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ: " مَا بَين فرَاغ الإِمَام من الْخطْبَة إِلَى أَن تقضى الصَّلَاة ". وَهَذَا كثير هُوَ ابْن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف بن الحديث: 400 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 زيد بن ملحة الْمُزنِيّ، ويكنى عَمْرو أَبَا عبد الله، وَله صُحْبَة، وَفِي حَدِيث فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهَا فَقَالَ: " إِذا تدلى نصف عين الشَّمْس للغروب " قَالَ أَبُو بكر الْأَثْرَم: لَا تَخْلُو هَذِه الْأَحَادِيث من وَجْهَيْن: إِمَّا أَن بَعْضهَا أصح من بعض. وَإِمَّا أَن تكون هَذِه السَّاعَة تنْتَقل فِي الْأَوْقَات كانتقال لَيْلَة الْقدر فِي ليَالِي الْعشْر. 401 - / 487 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسَمِّي لنا نَفسه أَسمَاء فَقَالَ: " أَنا مُحَمَّد، وَأحمد، والمقفي، وَنَبِي التَّوْبَة، وَنَبِي المرحمة " وَفِي رِوَايَة: " الملحمة ". اعْلَم أَن لنبينا ثَلَاثَة وَعشْرين اسْما: مُحَمَّد، وَأحمد، والماحي، والحاشر، وَالْعَاقِب، والمقفي، وَنَبِي الرَّحْمَة، وَنَبِي التَّوْبَة، وَنَبِي الملحمة، وَالشَّاهِد، والمبشر، والنذير، والضحوك، والقتال، والمتوكل، والفاتح، والأمين، والمصطفى، وَالرَّسُول، وَالنَّبِيّ، والأمي، والقثم. فقد جعلُوا هَذِه كلهَا أَسمَاء، وَمَعْلُوم أَن بَعْضهَا صِفَات. وَمعنى الماحي: الَّذِي يمحى بِهِ الْكفْر. والحاشر: الَّذِي يحْشر النَّاس على قَدَمَيْهِ؛ أَي يقدمهم وهم خَلفه. وَالْعَاقِب: آخر الْأَنْبِيَاء. والمقفي فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ تبع الْأَنْبِيَاء، وكل من تبع شَيْئا فقد قَفاهُ. والمرحمة بِمَعْنى الرَّحْمَة. والملاحم: الحروب. والضحوك صفته فِي التَّوْرَاة، قَالَ ابْن فَارس: وَإِنَّمَا قيل لَهُ الضحوك، لِأَنَّهُ كَانَ طيب الحديث: 401 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 النَّفس فكها، وَقَالَ: " إِنِّي لأمزح ". والقثم من مَعْنيين: أَحدهمَا: من القثم وَهُوَ الْإِعْطَاء، يُقَال: قثم لَهُ من الْعَطاء يقثم: إِذا أعطَاهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام أَجود من الرّيح الهابة. وَالثَّانِي: من القثم وَهُوَ الْجمع، يُقَال للرجل الجموع للخير قثوم وَقثم. 402 - / 488 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: " إِن الله لَا ينَام، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينَام ". أَي أَن النّوم يَسْتَحِيل عَلَيْهِ. والقسط: الْعدْل، يُقَال: أقسط يقسط فَهُوَ مقسط: إِذا عدل، وقسط يقسط فَهُوَ قاسط: إِذا جَار. وَيحْتَمل الْكَلَام مَعْنيين: أَحدهمَا: أَن يشبه الْقسْط بميزان، وَالَّذِي يزن يخْفض وَيرْفَع. وَالثَّانِي: أَن يكون الْمَعْنى: يخْفض بِالْعَدْلِ وَيرْفَع بِالْعَدْلِ. وَأما الْحجاب فَيَنْبَغِي أَن يعلم أَنه حجاب الْمَخْلُوق عَنهُ، لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يكون محجوبا، لِأَن الْحجاب يكون أكبر مِمَّا يستره ويستحيل عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ أَن يكون جسما أَو جوهرا أَو متناهيا محاذيا، إِذْ جَمِيع الحديث: 402 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 ذَلِك من عَلَامَات الْحَدث. وَقَوله " لأحرقت سبحات وَجهه " قَالَ أَبُو عبيد: وَيُقَال فِي السبحة إِنَّهَا جلال وَجهه ونوره، وَمِنْه قيل سُبْحَانَ الله، إِنَّمَا هُوَ تَعْظِيم لَهُ وتنزيه. قَالَ: وَلم نسْمع هَذَا الْحَرْف إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث. 403 - / 489 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: " إِن الله عز وَجل يبسط يَده بِاللَّيْلِ ليتوب مسيء النَّهَار، ويبسط يَده بِالنَّهَارِ ليتوب مسيء اللَّيْل حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا ". لما كَانَت التَّوْبَة كالمبايعة والمعاهدة حصل ضرب مثل هَذَا الْمثل لَهَا. فَأَما طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا فعلامة على امْتنَاع قبُول التَّوْبَة. 404 - / 492 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: قَالَ حطَّان: صليت خلف أبي مُوسَى، فَلَمَّا كَانَ عِنْد الْقعدَة قَالَ رجل من الْقَوْم: أقرَّت الصَّلَاة بِالْبرِّ وَالزَّكَاة، فَلَمَّا سلم أَبُو مُوسَى قَالَ: أَيّكُم الْقَائِل؟ فأرم الْقَوْم. فَقَالَ: لَعَلَّك قلتهَا يَا حطَّان. قلت: مَا قلتهَا، وَلَقَد رهبت أَن تبكعني بهَا. قَوْله: عِنْد الْقعدَة يَعْنِي حَالَة الْقعُود. وَقَوله: أقرَّت الصَّلَاة بِالْبرِّ. هَذَا الرجل تكلم بِكَلَام من عِنْده فِي الصَّلَاة، فَلذَلِك أنكر أَبُو مُوسَى. وأرم الْقَوْم: سكتوا مطرقين، قَالَ الشَّاعِر: الحديث: 403 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 (يردن وَاللَّيْل مرم طَائِره ... ) ورهبت: خفت. وَيُقَال: بكعت الرجل أبكعه بكعا: إِذا استقبلته بِمَا يكره. والمغضوب عَلَيْهِم الْيَهُود. والضالون النَّصَارَى. وَأما قَوْله آمين فَفِي مَعْنَاهَا ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنَّهَا بِمَعْنى: كَذَلِك يكون، حَكَاهُ ابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: أَن مَعْنَاهَا اللَّهُمَّ استجب، قَالَه الْحسن، وَاخْتَارَهُ الزّجاج. وَالثَّالِث: أَنه اسْم من أَسمَاء الله عز وَجل، قَالَه مُجَاهِد. وَقَالَ هِشَام بن الْكَلْبِيّ: مَعْنَاهَا: يَا الله، ويضمر الدَّاعِي: استجب. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْمَعْنى: يَا أَمِين، أجب دعاءنا، فَسَقَطت " يَا " كَمَا سَقَطت فِي قَوْله تَعَالَى: {يُوسُف أعرض عَن هَذَا} [يُوسُف: 29] وَمن طول الْألف فَقَالَ آمين أَدخل ألف النداء على ألف أَمِين، كَمَا يُقَال: آزيد، أقبل، وَمَعْنَاهُ: يَا زيد. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: هَذَا القَوْل خطأ عِنْد جَمِيع النَّحْوِيين؛ لِأَنَّهُ إِذا دخل " يَا " على " أَمِين " كَانَ منادى مُفردا، فَحكم آخِره الرّفْع، فَلَمَّا أَجمعت الْعَرَب على فتح نونه دلّ على أَنه غير منادى. وَإِنَّمَا فتحت نونه لسكونها وَسُكُون الْيَاء الَّتِي قبلهَا، كَمَا تَقول لَيْت وَلَعَلَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 وَفِي أَمِين لُغَتَانِ: الْقصر وَالْمدّ، وَالنُّون فيهمَا مَفْتُوحَة، قَالَ: وأنشدنا أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: (سقى الله حَيا بَين صارة والحمى ... حمى فيد صوب المدجنات المواطر) (أَمِين وَأدّى الله ركبا إِلَيْهِم ... بِخَير ووقاهم حمام المقادر) وأنشدنا أَبُو الْعَبَّاس: (تبَاعد مني فطحل إِذْ سَأَلته ... أَمِين فَزَاد الله مَا بَيْننَا بعدا) وأنشدنا أَبُو الْعَبَّاس: (يَا رب لَا تسلبني حبها أبدا ... وَيرْحَم الله عبدا قَالَ آمينا) وأنشدني أبي: (أَمِين وَمن أَعْطَاك مني هوادة ... رمى الله فِي أَطْرَافه فاقفعلت) وأنشدني أبي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 (فَقلت لَهُ قد هجت لي بارح الْهوى ... أصَاب حمام الْمَوْت أهوننا وجدا) (أَمِين وأضناه الْهوى فَوق مَا بِهِ ... أَمِين ولاقى من تباريحه جهدا) وَقَوله: " فَتلك بِتِلْكَ " فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا: فَتلك الدعْوَة مُتَعَلقَة بِتِلْكَ الْكَلِمَة. أَي أَن استجابة الدُّعَاء الْمَذْكُور فِي الْفَاتِحَة مُعَلّق بآمين، وَقَول: سمع الله لمن حَمده مُعَلّق بقوله: رَبنَا وَلَك الْحَمد. وَالثَّانِي: أَن الْإِشَارَة إِلَى الصَّلَاة. وَالْمعْنَى أَن صَلَاتكُمْ معلقَة بِصَلَاة الإِمَام فَاتَّبعُوهُ وَلَا تخالفوه. وَقَوله: سمع الله لمن حَمده: أَي أجَاب الله من حَمده، وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي: (دَعَوْت الله حَتَّى خفت أَلا ... يكون الله يسمع مَا أَقُول) وَقَوله: يسمع الله لكم: أَي يستجيب. وَقد سبق تَفْسِير مَا أخللنا بِهِ من الحَدِيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 كشف الْمُشكل من مُسْند جرير بن عبد الله البَجلِيّ روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة حَدِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ خَمْسَة عشر حَدِيثا. 405 - / 495 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الثَّالِث: كُنَّا جُلُوسًا لَيْلَة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنظر إِلَى الْقَمَر لَيْلَة أَربع عشرَة فَقَالَ: " إِنَّكُم سَتَرَوْنَ ربكُم كَمَا ترَوْنَ هَذَا، لَا تضَامون فِي رُؤْيَته ". هَذَا تَشْبِيه بإيضاح الرُّؤْيَة لابالمرئي. وَقَوله: " لَا تضَامون " قد رويت على سِتَّة أوجه: الرِّوَايَة الأولى: تضَامون بِضَم التَّاء وَالتَّخْفِيف الْمِيم وَعَلَيْهَا أَكثر الروَاة، وَالْمعْنَى: لَا ينالكم ضيم، والضيم: الظُّلم، وَرجل مضيم: مظلوم، وَهَذَا الضيم يلْحق الرَّائِي من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: من مزاحمة الناظرين لَهُ. وَالثَّانِي: من تَأَخره عَن مقَام النَّاظر الْمُحَقق الحديث: 405 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 فَكَأَن الْمُتَقَدِّمين ضاموه، ورؤية الْحق عز وَجل يَسْتَوِي فِيهَا الْكل وَلَا ضيم. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: الضيم: الذل وَالصغَار، فَكَأَنَّهُ يذل من سبق بِالرُّؤْيَةِ أَو حرم تحقيقها، وَالْأَصْل " يضيمون " فألقيت فَتْحة الْيَاء على الضَّاد فَصَارَت الْيَاء ألفا لانفتاح مَا قبلهَا. وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة: تضَامون بِضَم التَّاء وَتَشْديد الْمِيم. وَالثَّالِثَة: بِفَتْح التَّاء مَعَ تَشْدِيد الْمِيم. حَكَاهُمَا الزّجاج، وَقَالَ: الْمَعْنى فيهمَا: لَا تتضامون: أَي لَا يَنْضَم بَعْضكُم إِلَى بعض، فَيَقُول: هَذَا لهَذَا: أرأيته؟ كَمَا تَفْعَلُونَ عِنْد النّظر إِلَى الْهلَال. وَالرِّوَايَة الرَّابِعَة: لَا تضَارونَ بِضَم التَّاء. وَالْخَامِسَة: تضَارونَ بِفَتْح التَّاء وَالرَّاء مَكَان الْمِيم فِي الرِّوَايَتَيْنِ مُشَدّدَة، ذكرهمَا الزّجاج وَقَالَ: الْمَعْنى: لَا تتضارون، أَي لَا يضار بَعْضكُم بَعْضًا بالمخالفة فِي ذَلِك، يُقَال: ضاررت الرجل أضاره مضارة وضرارا: إِذا خالفته. وَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي: هُوَ " يتفاعلون " من الضرار: أَي لَا يتنازعون ويختلفون، قَالَ الشَّاعِر: (فيلتئم الصدع صدع الإخاء ... وَيتْرك أهل الضرار الضرارا) وَالرِّوَايَة السَّادِسَة: تضَارونَ بِضَم التَّاء وَتَخْفِيف الرَّاء. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: تضَارونَ تَفْعَلُونَ من الضير، والضير والضر وَاحِد: أَي لَا يَقع لكم فِي رُؤْيَته ضرّ إِمَّا بالمخالفة والمنازعة، أَو لخفاء المرئي. وَقَوله: " سَتَرَوْنَ ربكُم عيَانًا " ذكر العيان تَأْكِيد للرؤية وَتَحْقِيق لَهَا. وَقَوله: " فَإِن اسْتَطَعْتُم أَلا تغلبُوا على صَلَاة قبل طُلُوع الشَّمْس " يَعْنِي الْفجْر، " وَقبل غُرُوبهَا " يَعْنِي: الْعَصْر. وَوجه الْمُنَاسبَة بَين ذكر الرُّؤْيَة والصلاتين أَنَّهُمَا من أفضل الْقرب، فَإِنَّهُ قَالَ عز وَجل فِي صَلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 الْفجْر: {وَقُرْآن الْفجْر إِن قُرْآن الْفجْر كَانَ مشهودا} [الْإِسْرَاء: 78] وَقَالَ فِي صَلَاة الْعَصْر: {وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} [الْبَقَرَة: 238] فَكَأَنَّهُ يَقُول: دوموا على أفضل الْقرب لتنالوا أفضل العطايا. 406 - / 498 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَال ثمَّ تَوَضَّأ وَمسح على خفيه. قَالَ إِبْرَاهِيم - يَعْنِي النَّخعِيّ: كَانَ أَصْحَاب عبد الله يعجبهم هَذَا الحَدِيث؛ لِأَن إِسْلَام جرير كَانَ بعد نزُول " الْمَائِدَة ". وَفَائِدَة هَذَا أَنه قد خص عُمُوم الْقُرْآن بِالْحَدِيثِ. 407 - / 499 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " استنصت لي النَّاس " ثمَّ قَالَ: " لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض ". استنصت: أَي مرهم بالإنصات. وَقد بَينا فِيمَا تقدم أَنه من قَاتل مُسلما بِلَا تَأْوِيل فَإِنَّمَا قَاتله لإسلامه فيكفر بذلك. 408 - / 500 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: فِي إحراق بَيت كَانَ للجاهلية يُقَال لَهُ الْكَعْبَة اليمانية، قَالَ جرير: مَا جئْتُك حَتَّى تركناها كَأَنَّهَا جمل أجرب. وَشبه مَا بهَا من آثَار الإحراق وَالنَّقْص بِمَا بالجمل الأجرب. الحديث: 406 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 409 - / 502 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلوي نَاصِيَة فرس بإصبعيه وَيَقُول: " الْخَيل مَعْقُود بنواصيها الْخَيْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة: الْأجر وَالْغنيمَة ". النواصي جمع نَاصِيَة، والناصية: مقدم شعر الرَّأْس من الْآدَمِيّ، وَهُوَ من الدَّابَّة شعر الْقَفَا، وَهَذَا مِمَّا ذكر مِنْهُ الْبَعْض وَالْمرَاد الْكل، وَقد يُقَال عَن العَبْد: نَاصِيَة مباركة. وَقَوله: " الْأجر وَالْغنيمَة " جَامع لفوائد الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. 410 - / 503 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نظرة الْفجأَة فَأمرنِي أَن أصرف بَصرِي. نظرة الْفجأَة: هِيَ وُقُوع الْبَصَر على مَا لم يقْصد بِالنّظرِ، وَتلك حَالَة قد جمعت وصفين: أَحدهمَا: أَنَّهَا لم تقصد، فَلَا إِثْم. وَالثَّانِي: أَن الطَّبْع لَيْسَ بحاضر، لِأَنَّهُ مَتى وَقع الْبَصَر على شخص فصرف فِي الْحَال كَانَ كَأَن الْإِنْسَان لم ير، فَأَما إِذا استدام أَو كرر حضر الطَّبْع فَوَقع الْفساد. 411 - / 504 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " إِذا أَتَاكُم الْمُصدق فليصدر عَنْكُم وَهُوَ رَاض ". الْمُصدق هَاهُنَا هُوَ السَّاعِي لجمع الزَّكَاة. ومصدقو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا من خِيَار مصدقيه، فَلَا غش فيهم وَلَا كدر، فَكَأَنَّهُ عرض للمعطين بأنكم أَنْتُم المقصرون فِي أَدَاء الْحق حِين قَالَ وَقد شكوا الحديث: 409 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 مصدقيه: " أرضوا مصدقيكم ". 412 - / 505 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " أَيّمَا عبد أبق فقد بَرِئت مِنْهُ الذِّمَّة ". ذمَّة الْإِسْلَام أوجبت على السَّيِّد مُرَاعَاة العَبْد وَألا يحْبسهُ وَلَا يُعَاقِبهُ فَإِذا أبق جَازَ لَهُ أَخذه وحبسه وعقوبته. وَقَوله: " لم تقبل لَهُ صَلَاة " مَحْمُول على إِذا مَا اسْتحلَّ الْإِبَاق، وَبِذَلِك يكفر، فقد يمْتَنع قبُول الصَّلَاة بالمعصية، فَإِنَّهُ قد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " من شرب الْخمر لم تقبل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ يَوْمًا " وَيجوز أَن يُرَاد بالْكفْر كفر النِّعْمَة، وَالله أعلم. 413 - / 506 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: جَاءَهُ قوم عُرَاة مجتابي النمار أَو العباء، فتمعر وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. النمار جمع نمرة: وَهِي كسَاء من صوف ملون مخطط. واجتابوها: قطعوها فَلَبِسُوهَا، وأصل الجوب الْقطع، وَمِنْه: {جابوا الصخر بالواد} [الْفجْر: 9] . والعباء جمع، واحده عباءة وعباية: وَهِي ضرب من الأكسية. تمعر: تغير مِمَّا شقّ عَلَيْهِ من أَمرهم. والفاقة: الْفقر. الحديث: 412 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 وأصل الكوم مَا ارْتَفع وأشرف. وَقَوله: كَأَنَّهُ مذهبَة؛ كَانَ شَيخنَا أَبُو الْفضل بن نَاصِر يَقُول بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالْبَاء، يُشِير إِلَى لون الذَّهَب وإشراقه، كَأَن الْمَعْنى: كَأَنَّهُ مرْآة مذهبَة: أَي مطلية بِالذَّهَب. وَقَالَ أَبُو عبد الله الْحميدِي: كَأَنَّهُ مدهنة، بِالدَّال غير الْمُعْجَمَة وَالنُّون، قَالَ: والمدهن نقرة فِي الْجَبَل يستنقع فِيهَا مَاء الْمَطَر. والمدهن أَيْضا: مَا جعل فِيهِ الدّهن، والمدهنة من ذَلِك، شبه صفاء وَجهه بإشراق السرُور بصفاء هَذَا المَاء المستنقع فِي الْحجر أَو بصفاء الدّهن. وَقَوله: " من سنّ فِي الْإِسْلَام سنة حَسَنَة " أَي فعل فعلا جميلا فاقتدي بِهِ وَكَذَلِكَ إِذا فعل فعلا قبيحا فاقتدي بِهِ فليجتهد الْإِنْسَان فِي فعل خير يلْحقهُ ثَوَابه بعد مَوته، وليحذر من فعل شَرّ يُدْرِكهُ إثمه بعد تلفه. 414 - / 507 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " من يحرم الرِّفْق يحرم الْخَيْر ". وَهَذَا لِأَن عُمُوم الْأَشْيَاء لَا تتمّ إِلَّا بالرفق، فَإِذا حرمه الْإِنْسَان لم يكد غَرَضه يتم. الحديث: 414 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 كشف الْمُشكل من مُسْند أبي جُحَيْفَة وهب بن عبد الله السوَائِي وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سِتَّة أَحَادِيث. 415 - / 508 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَأَيْت بَيَاضًا تَحت شفته السُّفْلى - العنفقة. العنفقة: الشّعْر الَّذِي تَحت الشّفة السُّفْلى، وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَاب يَسِيرا، وَقد ذكرنَا شَيْبه وَمَا روى من خضابه فِي كتاب " الشيب ". وَقَوله: أبري النبل. النبل: السِّهَام، وبريها إصلاحها. وأريشها: أجعَل لَهَا الريش. 416 - / 509 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة وَهُوَ بِالْأَبْطح، فَخرج بِلَال بوضوئه، فَمن نَاضِح ونائل. الأبطح والبطحاء والبطيحة: كل مَكَان متسع من الأَرْض. الحديث: 415 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 وَالْوُضُوء بِفَتْح الْوَاو: المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ. والناضح: الَّذِي يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا يَسِيرا. والنائل ينَال أَكثر من ذَلِك. والبلل: نداوة الْيَد. وأتتبع فَاه: أميل مَعَه يَمِينا وَشمَالًا. وَحي على الصَّلَاة مَعْنَاهُ: هلموا وَأَقْبلُوا. والفلاح: الْفَوْز، وَيُقَال: الْبَقَاء. والعنزة: الحربة. وركزها: أثبتها فِي الأَرْض. 417 - / 510 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: أَمر لنا بِثَلَاثَة عشر قلوصا. القلوص: النَّاقة الطَّوِيلَة القوائم، وَقيل: القوية على السّير من النوق. وَقَوله: كَانَ قد شمط. الشمط: اخْتِلَاط الشيب بسواد الشّعْر، وَمِنْه سمي الصَّباح شميطا لاختلاطه بباقي ظلمَة اللَّيْل. 418 - / 511 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: زار سلمَان أَبَا الدَّرْدَاء، فَرَأى أم الدَّرْدَاء متبذلة. أَي فِي ثِيَاب البذلة: وَهِي خلاف ثِيَاب التجمل والتزين، وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاء من الزهاد، وَكَذَلِكَ كَانَ سلمَان لكنه كَانَ أفقه من أبي الدَّرْدَاء، وَلذَلِك جَاءَ فِي حَدِيث آخر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: " يَا عُوَيْمِر، الحديث: 417 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 سلمَان أفقه مِنْك ". وَقد مضى خلق كثير من الزهاد وَقلت علومهم، فحملوا على النُّفُوس فَوق الطَّاقَة من التَّعَبُّد وهجر مَا يصلح النَّفس ويقيمها، ظنا مِنْهُم بِأَن المُرَاد من العَبْد ذَلِك، وَمَا أخوفني عَلَيْهِم من الْعقُوبَة بِمَا طلبُوا بِهِ المثوبة، فكم فيهم من سالك طَرِيق الرهبنة وَعِنْده أَنه على الشَّرْع، وَكم فيهم من تزوج وَترك الزَّوْجَة لَا أَيّمَا وَلَا ذَات بعل، وَكم فيهم من تبتل بترك النِّكَاح أصلا وَهَذِه رهبنة، وَكم فيهم من منع نَفسه مَا يصلحها حَتَّى خرج الْأَمر بِهِ إِلَى الْأَمْرَاض الشَّدِيدَة، وَإِنَّمَا الْبدن كالناقة، وَالنَّفس كالراكب، وَمَتى لم يرفق الرَّاكِب بالناقة لم تبلغه، فَعَلَيْك بِمَا كَانَ عَلَيْهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا تقتد بمعظم فِي النُّفُوس مَذْكُور بالزهد إِذا كَانَ على خلاف السّنة. 419 - / 512 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: نهى عَن ثمن الدَّم، وَثمن الْكَلْب، وَكسب الْبَغي. أما ثمن الدَّم فَالْمُرَاد بِهِ أجر الْحجام، وَهَذَا على وَجه الْكَرَاهَة، وَإِنَّمَا كره لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه لَا يعرف قدر مَا يخرج من الدَّم فيتهيأ قطع أُجْرَة لذَلِك. وَالثَّانِي: أَن هَذَا مِمَّا يعين فِيهِ الْمُسلمُونَ بَعضهم بَعْضًا، كَغسْل الْمَيِّت وَدَفنه، فَلَا يَنْبَغِي للْمُسلمِ إِذا احْتَاجَ إِلَيْهِ أَخُوهُ الْمُسلم فِي هَذَا أَن يَأْخُذ عَنهُ أُجْرَة. وَأما الْكَلْب فعندنا لَا يجوز بَيْعه وَإِن كَانَ معلما. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الحديث: 419 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 يجوز. وَعَن الْمَالِكِيَّة كالمذهبين. والْحَدِيث دليلنا، وَقد روى النَّهْي عَن ثمن الْكَلْب أَبُو جُحَيْفَة، وَأَبُو مَسْعُود البدري، وَجَابِر بن عبد الله، وكل أَحَادِيثهم فِي الصَّحِيح. وَقد ثَبت أَن ظَاهر النَّهْي التَّحْرِيم إِلَّا أَن تظهر قرينَة أَنه نهي تَنْزِيه كَأُجْرَة الْحجام، فَإِنَّهُ لما أعْطى الْحجام أُجْرَة علمنَا أَنه نهي كَرَاهَة. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ثمن الْكَلْب يدل على فَسَاد العقد؛ لِأَن العقد إِذا صَحَّ كَانَ دفع الثّمن مَأْمُورا بِهِ، فَدلَّ نَهْيه على سُقُوط وُجُوبه، وَإِذا بَطل الثّمن بَطل البيع؛ لِأَن البيع إِنَّمَا هُوَ عقد على شَيْء مَعْلُوم، وَإِذا بَطل الثّمن بَطل الْمُثمن، كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام: " فجملوها فَبَاعُوهَا وأكلوا أثمانها " فَجعل حكم الثّمن والمثمن سَوَاء. وَأما الْبَغي فَهِيَ الزَّانِيَة، فَكَانُوا يضْربُونَ على الْإِمَاء الْخراج فيؤدين أُجْرَة أَعمال يعملنها، كالخبز وَغَيره، ويتعبن من خلال ذَلِك، فَيصير كَسْبهنَّ شُبْهَة، فَأَما إِذا لم يعلم لَهَا كسبا إِلَّا الْبَغي فَهُوَ حرَام بحت. وَفِي هَذَا الحَدِيث: لعن الواشمة والمستوشمة. وَقد سبق فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 420 - / 513 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " لَا آكل وَأَنا متكئ ". الحديث: 420 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 الْمَشْهُور فِي معنى هَذَا الحَدِيث أَنه الاتكاء على أحد الْجَانِبَيْنِ، وَفِي ذَلِك شَيْئَانِ: أَحدهمَا: أَنه فعل المتجبرين والمتكبرين. وَالثَّانِي: أَنه يمْنَع من نزُول الطَّعَام كَمَا يَنْبَغِي إِلَى المعى، وَرُبمَا لم يسلم من ضغط يَنَالهُ الْأكل من مجاري طَعَامه. وَكَانَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ يذهب إِلَى مَذْهَب فِيهِ بعد فَيَقُول: المتكئ هَاهُنَا هُوَ الْمُعْتَمد على الوكاء الَّذِي تَحْتَهُ، وكل من اسْتَوَى قَاعِدا على وطاء فَهُوَ متكئ، والاتكاء مَأْخُوذ من الوكاء، فالمتكئ هُوَ الَّذِي أوكأ مقعدته وشدها بالقعود على الوكاء الَّذِي تَحْتَهُ، فَالْمَعْنى: أَنِّي إِذا أكلت لم أقعد مُتكئا على الأوطئة والوسائد فعل من يُرِيد أَن يستكثر من الْأَطْعِمَة، وَلَكِنِّي آكل علقَة فَيكون قعودي مستوفزا. ويروى أَنه كَانَ يَأْكُل مقعيا وَيَقُول: " أَنا عبد آكل مِمَّا يَأْكُل العَبْد ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 كشف الْمُشكل من حَدِيث عدي بن حَاتِم الطَّائِي وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّة وَسِتُّونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ خَمْسَة. 421 - / 514 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " إِذا رميت بالمعراض فخرق فكله، وَإِن أَصَابَهُ بِعرْض فَلَا تَأْكُله ". المعراض: نصل عريض لَهُ ثقل ورزانة، فَإِذا أصَاب بحده قطع فذكى، وَإِذا أصَاب بعرضه وقذ فَكَانَت ميتَة. والخرق: الطعْن، والخارق من السِّهَام مَا أصَاب الْغَرَض وَأثر فِيهِ. وَاعْلَم أَنه يشْتَرط فِي إِبَاحَة الصَّيْد ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَهْلِيَّة الصَّائِد، وصلاحية الْآلَة، وَكَيْفِيَّة الِاصْطِيَاد. فَأَما الْأَهْلِيَّة فَأن يكون الصَّائِد من أهل الذَّكَاة كَالْمُسلمِ والكتابي. فَأَما الْآلَة فنوعان: جوارح وَغير جوارح، فالجوارح نَوْعَانِ: حَيَوَان ومحدد، فالحيوان نَوْعَانِ: أَحدهمَا يصيد بنابه كَالْكَلْبِ والفهد والنمر، وَالثَّانِي بمخلابه كالبازي والصقر وَالْعِقَاب والشاهين. وَإِنَّمَا يُبَاح صيدهن بعد التَّعْلِيم، وَيعلم التَّعْلِيم بِأَن الحديث: 421 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 يُرْسِلهُ فيسترسل، ويدعوه فَيرجع، وَيشْتَرط فِي تَعْلِيم ذِي الناب أَلا يَأْكُل مَا أمْسكهُ وَلَو مرّة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: حد تَعْلِيم سِبَاع الْبَهَائِم أَن تصيد وَلَا تَأْكُل ثَلَاث مَرَّات. وَأما ذَوُو المخلاب فَلَا يشْتَرط فِي تعليمهن ترك الْأكل؛ لِأَنَّهُنَّ يعلمن بِالْأَكْلِ، وذوو الناب يعلمن بترك الْأكل، فَإِن أكل ذُو الناب من صَيْده بعد تعلمه لم يحرم مَا يقدم من صيوده خلافًا لأبي حنيفَة، وَهل يحرم مَا أكل مِنْهُ؟ فِيهِ عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ: فَإِذا أدْرك الصَّيْد وَفِيه حَيَاة فَمَاتَ قبل أَن يذكيه، فَإِن كَانَ ذَلِك قبل الْقُدْرَة على تذكيته أُبِيح، وَإِن أمكنه فَلم يذكه لم يبح، وَهَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُبَاح فِي الْمَوْضِعَيْنِ. فَأَما الْكَلْب الْأسود فعندنا أَنه لَا يُبَاح صَيْده وَإِن كَانَ معلما؛ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتْله، وَالْأَمر بِالْقَتْلِ يمْنَع ثُبُوت الند وَيبْطل حكم الْفِعْل، فَيصير وجوده كَالْعدمِ. وَأما الْجَارِح من المحدد فَكل مَا رمي بِهِ الصَّيْد فجرحه وأنهر دَمه، إِلَّا السن وَالظفر فَإِنَّهُ لَا يُبَاح الصَّيْد بهما، فَإِن رمى الصَّيْد بمحدد فَقتله بثقله وَلم يجرحه لم يحل، وَهَذَا الْمشَار إِلَيْهِ فِي هَذَا الحَدِيث بقوله: " وَإِن أَصَابَهُ بِعرْض فَلَا تَأْكُله " لِأَنَّهُ إِذا أَصَابَهُ بعرضه فَإِنَّمَا أَصَابَته خَشَبَة السهْم لَا حديدها الَّذِي يسيل الدَّم. فَإِن نصب منجلا أَو سكينا فجرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 الصَّيْد فَقتله حل. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يحل. وَأما غير الْجَوَارِح كالشبكة والفخ فَإِنَّهُ إِذا حصل فِيهَا الصَّيْد لم يبح أكله حَتَّى يدْرك وَبِه حَيَاة مُسْتَقِرَّة فيذكى. وَأما كَيْفيَّة الِاصْطِيَاد فَيشْتَرط فِيهَا ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهمَا: التَّسْمِيَة، فَإِن أَتَى بغَيْرهَا من الْأَذْكَار لم يجز. وَأما إِن ترك التَّسْمِيَة فَعَن أَحْمد أَربع رِوَايَات. إِحْدَاهُنَّ: لَا يحل الْأكل سَوَاء نسي أَو تعمد، وَهَذَا قَول الشّعبِيّ وَأبي ثَوْر وَدَاوُد. وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة: إِن تَركهَا عَامِدًا لم يحل وَإِن نسي حل، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَالثَّوْري وَمَالك. وَالثَّالِثَة: إِن نَسِيَهَا على السهْم حل الْأكل، فَأَما على الْكَلْب والفهد فَلَا. وَالرَّابِعَة: يحل الْأكل سَوَاء تَركهَا عَامِدًا أَو سَهوا، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي. وَقَوله: " فَإِن خالطها كلاب " وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أكلبه الَّذِي سمى عَلَيْهِ عقر هَذَا الصَّيْد أم غَيره، وَالْأَصْل الْحَظْر. وَقَوله: " فَإِن أَخذ الْكَلْب ذَكَاة " أَي قَائِم مقَام الذَّكَاة. وَقَوله: " فَإِن وجدته غريقا فِي المَاء فَلَا تَأْكُل، فَإنَّك لَا تَدْرِي المَاء قَتله أم سهمك " اعْلَم أَنه إِذا كَانَت الْجراحَة غير مُوجبَة ثمَّ وجد فِي المَاء فَإِنَّهُ لَا يحل أكله قولا وَاحِدًا، فَإِن كَانَت مُوجبَة قد وَقعت فِي مقتل، فَهَل يحل أم لَا؟ على رِوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، فَإِن قُلْنَا بِرِوَايَة الْمَنْع فَهِيَ على وفْق الحَدِيث، وَإِن قُلْنَا بِالْجَوَازِ كَانَ الْمَنْع من الحَدِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 مَحْمُولا على أحد شَيْئَيْنِ: إِمَّا على مَا إِذا لم تكن الْجراحَة فِي مقتل، وَإِمَّا على الْوَرع وَإِن كَانَت فِي مقتل. وَقد جَاءَ فِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث: " يَرْمِي الصَّيْد فيقتفر أَثَره الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَة " أَي يتبع. 422 - / 515 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا سيكلمه ربه لَيْسَ بَينه وَبَينه ترجمان ". الترجمان: الْمعبر عَن الْإِنْسَان. قَوْله: " فَينْظر أَيمن مِنْهُ وأشأم مِنْهُ " يَعْنِي: عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله. " وتلقاء وَجهه " بَين يَدَيْهِ وَهُوَ مَا يلاقي وَجهه. والشق هَاهُنَا نصف الشَّيْء، وَقد يَقع على الْمَشَقَّة، كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِلَّا بشق الْأَنْفس} [النَّحْل: 7] . وأشاح بِمَعْنى أعرض، وَقَالَ أَبُو عبيد: أشاح بِمَعْنى حذر من الشَّيْء وَعدل عَنهُ، وَأنْشد: (إِذا سمعن الرز من رَبَاح ... شايحن مِنْهُ أَيّمَا شياح) وأشاح: إِذا جد فِي قتال أَو غَيره، قَالَ عبيد: (قطعته غدْوَة مشيحا ... وصاحبي بازل خبوب) الحديث: 422 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 وَمعنى الحَدِيث: حذر كَأَنَّهُ ينظر إِلَى النَّار حِين ذكرهَا فَأَعْرض لذَلِك، وَيجوز أَن يكون أَرَادَ الْجد فِي كَلَامه، وَالْأول أشبه بِالْمَعْنَى. والظعينة قد فسرناها فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. وَقَوله: فَأَيْنَ دعار طَيء. الدعار جمع داعر: وهم قطاع الطَّرِيق، وأصل الْكَلِمَة من الْفساد، لِأَن الدعارة والدعر الْفساد. قَالَ شَيخنَا أَبُو مَنْصُور اللّغَوِيّ: والعامة تَقول: هم الذعار بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وَإِنَّمَا هُوَ بِالدَّال، وَهُوَ مَأْخُوذ من الْعود الدعر، وَهُوَ الَّذِي يُؤْذِي بِكَثْرَة دخانه، قَالَ ابْن مقبل: (باتت حواطب ليلى يلتمسن لَهَا ... جزل الجذا غير خوار وَلَا دعر) فَإِن ذهب بهم إِلَى معنى الْفَزع جَازَ أَن يُقَال بِالذَّالِ. وَقَوله: الَّذين سعروا الْبِلَاد: أَي ملئوها شرا وَفَسَادًا، وَهُوَ مستعار من اسْتعَار النَّار: وَهُوَ توقدها والتهابها. وَقَوله: " لتفتحن كنوز كسْرَى " الْكُنُوز جمع كنز، قَالَ الزّجاج: هُوَ فِي اللُّغَة المَال المدفون المدخر. وَأما كسْرَى فَقَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ: هُوَ اسْم أعجمي، وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ خسرو، وَقد تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب، قَالَ عدي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 (أَيْن كسْرَى كسْرَى الْمُلُوك أَبُو ساسان ... أم أَيْن قبله سَابُور) وَقَالَ عَمْرو بن حسان: (وكسرى إِذْ تقسمه بنوه ... بأسياف كَمَا اقتسم اللحام) وكسرى بِكَسْر الْكَاف أفْصح من كسْرَى بِفَتْحِهَا، وَالنّسب إِلَيْهِ كسروي بِفَتْح الْكَاف، وَيجمع كسورا وأكاسر وأكاسرة. وهرمز: اسْم أعجمي. وَأما كَثْرَة المَال فِي آخر الزَّمَان فلكثرة الْفتُوح وانتشار الْإِسْلَام. 423 - / 516 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: لما نزلت: {حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود} [الْبَقَرَة: 187] عَمَدت إِلَى عقال أسود وَإِلَى عقال أَبيض. العقال هَاهُنَا الْحَبل الَّذِي يعقل بِهِ الْبَعِير. وَقد جَاءَ هَذَا الحَدِيث فِي رِوَايَة أُخْرَى وَفِيه: " إِن وِسَادك إِذن لَعَرِيض " وَظَاهر هَذَا اللَّفْظ عرض الوساد لما تَحْتَهُ. وَفِي لفظ: " إِنَّك لَعَرِيض الْقَفَا " لِأَن عرض الوساد على قدر عرض الْقَفَا، وَفِي هَذَا كِنَايَة عَن البلادة؛ فَإِن المستثقل فِي النّوم عِنْدهم بليد والمتيقظ خَفِيف النّوم. ومقصود الحَدِيث: أَنَّك مَا فهمت. وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا القَوْل: إِن نومك إِذن لطويل، فكنى بالوساد عَن النّوم؛ لِأَن النَّائِم يتوسد، وَالْعرض فِي مثل هَذَا الحديث: 423 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 يُرَاد بِهِ السعَة وَالْكَثْرَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: وَقد يتَأَوَّل هَذَا على أَن من يَأْكُل حَتَّى يسفر يَدُوم لَهُ عرض قَفاهُ وَلحم بدنه فَلَا ينهكه الصَّوْم. وَقد قيل: إِنَّمَا أشكل على عدي لِأَنَّهُ لم يكن نزل (من الْفجْر) قَالَ سهل بن سعد: نزلت هَذِه الْآيَة وَلم ينزل (من الْفجْر) فَكَانَ رجال إِذا أَرَادوا الصَّوْم ربط أحدهم فِي رجلَيْهِ الْخَيط الْأسود وَالْخَيْط الْأَبْيَض، وَلَا يزَال يَأْكُل حَتَّى يتَبَيَّن لَهُ رئيهما، فَنزل قَوْله تَعَالَى: (من الْفجْر) فَعَلمُوا إِنَّمَا يَعْنِي بذلك اللَّيْل وَالنَّهَار. 424 - / 517 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " لَيْسَ عِنْدِي إِلَّا دِرْعِي ومغفري " قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بن فَارس: درع الْحَدِيد مُؤَنّثَة، وَدرع الْمَرْأَة قميصها مُذَكّر. وَأما المغفر فجنة للرأس فِي الْحَرْب من حَدِيد أَيْضا، وَسمي مغفرا لِأَنَّهُ يستر الرَّأْس. وَقَوله فِي الْيَمين: فليكفرها وليأت الَّذِي هُوَ خير. ظَاهره يدل الحديث: 424 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 على جَوَاز التَّكْفِير قبل الْحِنْث، وَسَوَاء كفر بِالْمَالِ أَو بالصيام، وَهَذَا مَذْهَب أَحْمد وَمَالك. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز تَقْدِيمهَا بالصيام وَيجوز بِغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز أصلا، وَإِن قدمهَا لم يجزه، وَمن حجَّة أبي حنيفَة أَن الْوَاو للْجمع لَا للتَّرْتِيب، وَأَن الْكَفَّارَة إِذا وَجَبت لأجل الْحِنْث. 425 - / 518 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن رجلا خطب فَقَالَ: من يطع الله وَرَسُوله فقد رشد، وَمن يعصهما فقد غوى، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " قل: وَمن يعْص الله وَرَسُوله ". إِنَّمَا أنكر عَلَيْهِ لِأَن جمع الِاثْنَيْنِ بِلَفْظ وَاحِد يدل على التَّسَاوِي، فَأَرَادَ مِنْهُ الْفرق لتعظيم الْعَظِيم. والغواية: الضلال. الحديث: 425 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 كشف الْمُشكل من مُسْند جَابر بن سَمُرَة وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله مائَة حَدِيث وَسِتَّة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ خَمْسَة وَعِشْرُونَ. 426 - / 519 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " إِذا هلك كسْرَى فَلَا كسْرَى بعده، وَإِذا هلك قَيْصر فَلَا قَيْصر بعده ". وَأما كسْرَى فقد ذَكرْنَاهُ فِي الْمسند الَّذِي قبل هَذَا. وَأما قَيْصر فَقَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: قَيْصر اسْم أعجمي، وَهُوَ اسْم لملك الرّوم، كَمَا أَن تبعا للْعَرَب، وكسرى للْفرس، وَالنَّجَاشِي للحبشة، وَقد تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب قَدِيما، قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: (بَكَى صَاحِبي لما رأى الدَّرْب دونه ... وأيقن أَنا لاحقان بقيصرا) وَقَالَ جرير: الحديث: 426 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 (إِذا افْتَخرُوا عدوا الصبهبذ مِنْهُم ... وكسرى وَآل الهرمزان وقيصرا) وَهَذَا الحَدِيث يشكل على من سمع أَن كسْرَى لما قتل ملك وَلَده ثمَّ ملك بعده جمَاعَة، وَكَذَلِكَ قَيْصر، وَالَّذِي يزِيل الْإِشْكَال أَن كسْرَى وَقَيْصَر كَانَا فِي ملك ثَابت، فَلَمَّا زَالا تزلزل ملكهمَا وَمَا زَالَ إِلَى انمحاق وانقراض وَمَا خلفهمَا مثلهمَا، وَهَذَا كَمَا يُقَال للْمَرِيض: هَذَا ميت، وَالْمعْنَى أَنه قريب من الْمَوْت وَأَن أَحْوَاله تحمله إِلَيْهِ. فَإِن قَالَ قَائِل: قدرُوا صِحَة هَذَا فِي كسْرَى، فَكيف بقيصر ومملكة الرّوم إِلَى الْيَوْم بَاقِيَة؟ فقد أجَاب عَن هَذَا أَبُو الْوَفَاء بن عقيل فَقَالَ: كَانَت الْعَرَب بَين هذَيْن الْملكَيْنِ كالكرة يلعبان بهم، ويحملون إِلَيْهِمَا الْهَدَايَا، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام صَارَت كلمة الْعَرَب الْعليا، فَلَا كسْرَى وَلَا قَيْصر من حَيْثُ الْمَعْنى، إِنَّمَا هُوَ اسْم فارغ من الْمَعْنى. 427 - / 520 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " يكون بعدِي اثْنَا عشر أَمِيرا كلهم من قُرَيْش " وَفِي رِوَايَة: " لَا يزَال أَمر النَّاس مَاضِيا مَا وليهم اثْنَا عشر رجلا كلهم من قُرَيْش ". وَفِي رِوَايَة: " لَا يزَال الدّين قَائِما حَتَّى تقوم السَّاعَة أَو يكون عَلَيْكُم اثْنَا عشر خَليفَة كلهم من قُرَيْش " وَفِي رِوَايَة: " لَا يزَال هَذَا الدّين عَزِيزًا منيعا إِلَى اثْنَي عشر خَليفَة كلهم من قُرَيْش ". هَذَا الحَدِيث قد أطلت الْبَحْث عَنهُ، وطلبته مظانه، وَسَأَلت عَنهُ، الحديث: 427 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 فَمَا رَأَيْت أحدا وَقع على الْمَقْصُود بِهِ، وَأَلْفَاظه مُخْتَلفَة لَا أَشك أَن التَّخْلِيط فِيهَا من الروَاة، وَبقيت مُدَّة لَا يَقع لي فِيهِ شَيْء، ثمَّ وَقع لي فِيهِ شَيْء فسطرته، ثمَّ رَأَيْت أَبَا سُلَيْمَان الْخطابِيّ قد أَشَارَ إِلَى مَا وَقع لي، ثمَّ وَقع إِلَيّ كَلَام لأبي الْحُسَيْن بن الْمُنَادِي على هَذَا الحَدِيث على وَجه آخر، ثمَّ وَقع لي حَدِيث يدل على وَجه ثَالِث، وَهَاهُنَا أذكر الْوُجُوه الثَّلَاثَة: أما الْوَجْه الأول الَّذِي وَقع لي ثمَّ رَأَيْت من كَلَام الْخطابِيّ مَا يُوَافقهُ: فَهُوَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا يكون بعده وَبعد أَصْحَابه، لِأَن حكم أَصْحَابه مُرْتَبِط بِحكمِهِ، فَأخْبر عَن الولايات الْوَاقِعَة بعد ذَلِك وَأَنَّهَا تتمّ لأربابها فِي هَذِه الْمدَّة ثمَّ تنْتَقل الْإِمَارَة، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بذلك إِلَى مُدَّة ولَايَة بني أُميَّة فَيكون مُرَاده بقوله: " لَا يزَال الدّين " يَعْنِي الْولَايَة وَالْملك إِلَى أَن يذهب اثْنَا عشر خَليفَة ثمَّ تنْتَقل الْإِمَارَة، وَهَذَا على شرح الْحَال فِي استقامة السلطنة لَا على طَرِيق الْمَدْح لولاية بني أُميَّة. فَأول الْقَوْم يزِيد بن مُعَاوِيَة، ثمَّ ابْنه مُعَاوِيَة بن يزِيد - وَلَا يذكر ابْن الزبير لكَونه معدودا فِي الصَّحَابَة، وَلَا مَرْوَان بن الحكم لكَونه بُويِعَ لَهُ بعد بيعَة ابْن الزبير، وَكَانَ ابْن الزبير أولى مِنْهُ فَكَانَ هُوَ فِي مقَام غَاصِب - ثمَّ عبد الْملك، ثمَّ الْوَلِيد، ثمَّ سُلَيْمَان، ثمَّ عمر بن عبد الْعَزِيز، ثمَّ يزِيد بن عبد الْملك، ثمَّ هِشَام بن عبد الْملك، ثمَّ الْوَلِيد ابْن يزِيد، ثمَّ يزِيد بن الْوَلِيد بن عبد الْملك، ثمَّ إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد، ثمَّ مَرْوَان بن مُحَمَّد، فَهَؤُلَاءِ اثْنَا عشر. ثمَّ خرجت الْخلَافَة مِنْهُم وانتقلت إِلَى بني الْعَبَّاس صلوَات الله عَلَيْهِ. وَمِمَّا يُقَوي هَذَا القَوْل مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " تَدور رحى الْإِسْلَام لخمس وَثَلَاثِينَ، أَو سِتّ وَثَلَاثِينَ، أَو سبع وَثَلَاثِينَ، فَإِن يهْلكُوا فسبيل من هلك، وَإِن يقم لَهُم دينهم يقم لَهُم سبعين عَاما " وَرَوَاهُ الْخطابِيّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود أَيْضا، فَقَالَ فِيهِ: " يقم لَهُم سبعين عَاما " فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، سوى الثَّلَاث وَالثَّلَاثِينَ؟ قَالَ: " نعم ". قلت: وَفِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ - وَقيل سِتّ وَثَلَاثِينَ - قتل عُثْمَان، فَيمكن أَن يُرِيد بدوران الرَّحَى استقامة الْأَمر، وَيُمكن أَن يُرِيد بذلك زَوَال الاسْتقَامَة بِدَلِيل أَنه فِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث: " إِن رحى الْإِسْلَام ستزول بعد خمس وَثَلَاثِينَ سنة، أَو سِتّ وَثَلَاثِينَ، أَو سبع وَثَلَاثِينَ " وَذكر الزَّوَال أبين، وَالْمعْنَى: تَزُول الرَّحَى عَن استقرارها. فَإِن كَانَت الرِّوَايَة سنة خمس فَفِيهَا قدم أهل مصر وحصروا عُثْمَان، وَإِن كَانَت سنة سِتّ فَفِيهَا خرج طَلْحَة وَالزُّبَيْر إِلَى الْجمل، وَإِن كَانَت سنة سبع فَفِيهَا كَانَت صفّين، فتغيرت الْأَحْوَال فِي هَذِه الْأَشْيَاء ثمَّ استقام الْملك إِلَى انْقِرَاض ملك بني أُميَّة وعادت الْفِتَن. وَفِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث: " إِن رحى الْإِسْلَام ستزول بعد خمس وَثَلَاثِينَ سنة، فَإِن يصطلحوا فِيمَا بَينهم يَأْكُلُوا الدُّنْيَا سبعين عَاما رغدا، وَإِن يقتتلوا يركبُوا سنَن من كَانَ قبلهم " وَقَالَ الْخطابِيّ: قَوْله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 " تَدور رحى الْإِسْلَام " كِنَايَة عَن الْحَرْب، شبهها بالرحى الَّتِي تطحن الْحبّ لما يكون فِيهَا من تلف الْأَرْوَاح. قَالَ: وَقَوله: يقم لَهُم دينهم: أَرَادَ بِالدّينِ هَاهُنَا الْملك، قَالَ زُهَيْر: (لَئِن حللت بجو فِي بني أَسد ... فِي دين عَمْرو وحالت بَيْننَا فدك) يُرِيد فِي ملك عَمْرو وولايته. قَالَ الْخطابِيّ: وَيُشبه أَن يكون أَرَادَ بِهَذَا ملك بني أُميَّة وانتقاله عَنْهُم إِلَى بني الْعَبَّاس، فَكَانَ مَا بَين اسْتِقْرَار الْملك بيي أُميَّة وَظُهُور الوهن فِيهِ نَحوا من سبعين سنة. قلت: وَيدل على هَذَا مَا أخبرنَا بِهِ أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت قَالَ: أَنبأَنَا أَبُو سعيد الْمَالِينِي قَالَ: أخبرنَا عبد الله بن عدي قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر المطيري قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن السكن قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن ذؤاد - بغدادي - قَالَ: حَدثنَا ذؤاد بن علبة عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خثيم من أبي الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة عَن عبد الله ابْن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا ملك اثْنَا عشر من بني كَعْب ابْن لؤَي كَانَ النقف والنقاف إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " قَالَ ذؤاد: قَالَ لي عبد الله بن عُثْمَان وَأَنا أَطُوف مَعَه: وَرب هَذِه البنية، لقد حدثتك كَمَا حَدثنِي أَبُو الطُّفَيْل. وَأخْبرنَا عبد الْحق بن عبد الْخَالِق قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن مَرْزُوق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت قَالَ: أَخْبرنِي عَليّ بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن الرزاز قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن سُلَيْمَان النجاد قَالَ: قرئَ على الْحسن بن مكرم وَأَنا أسمع قَالَ: قَرَأنَا على قيس بن مُحَمَّد الْبَصْرِيّ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن ربعي عَن الْبَراء بن نَاجِية عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " تَدور رحى الْإِسْلَام فِي خمس وَثَلَاثِينَ أَو سِتّ وَثَلَاثِينَ أَو سبع وَثَلَاثِينَ، فَإِن يهْلكُوا فسبيل من يهْلك، وَإِن يقم لَهُم دينهم يقم لَهُم سبعين عَاما " قلت: يَا رَسُول الله، مِمَّا مضى أَو مِمَّا بَقِي؟ قَالَ: مِمَّا بَقِي. قَالَ الْخَطِيب: قَوْله: " تَدور رحى الْإِسْلَام " مثل يُرِيد بِهِ أَن هَذِه الْمدَّة إِذا انْتَهَت حدث فِي الْإِسْلَام أَمر عَظِيم يخَاف لذَلِك على أَهله الْهَلَاك، يُقَال لِلْأَمْرِ إِذا تغير واستحال: قد دارت رحاه، وَهَذَا - وَالله أعلم - إِشَارَة إِلَى انْقِضَاء مُدَّة الْخلَافَة. وَقَوله: " يقم لَهُم دينهم " أَي ملكهم وسلطانهم، وَالدّين: الْملك وَالسُّلْطَان، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {مَا كَانَ ليَأْخُذ أَخَاهُ فِي دين الْملك} [يُوسُف: 76] وَكَانَ بَين مبايعة الْحسن بن عَليّ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان إِلَى انْقِضَاء ملك بني أُميَّة من الْمشرق نَحْو من سبعين سنة. وَأما الْوَجْه الثَّانِي الَّذِي ذكره أَبُو الْحُسَيْن بن الْمُنَادِي فِي هَذَا الحَدِيث فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْله: " يكون بعدِي اثْنَا عشر خَليفَة " قَالَ: هَذَا إِنَّمَا يكون بعد موت الْمهْدي الَّذِي يخرج فِي أَوَاخِر الزَّمَان. قَالَ: وَقد وجدنَا فِي كتاب " دانيال ": إِذا مَاتَ الْمهْدي ملك خَمْسَة رجال وهم من ولد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 السبط الْأَكْبَر - يَعْنِي ابْن الْحسن بن عَليّ، ثمَّ يملك بعدهمْ خَمْسَة رجال من ولد السبط الْأَصْغَر، ثمَّ يُوصي آخِرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الْأَكْبَر فَيملك، ثمَّ يملك بعده وَلَده، فَيتم بذلك اثْنَا عشر ملكا كل وَاحِد مِنْهُم إِمَام مهْدي. قَالَ ابْن الْمُنَادِي: وَوجدنَا فِي رِوَايَة أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس أَنه ذكر الْمهْدي فَقَالَ: اسْمه مُحَمَّد بن عبد الله، وَهُوَ رجل ربعَة مشرب حمرَة، يفرج الله بِهِ عَن هَذِه الْأمة كل كرب، وَيصرف بعدله كل جور، ثمَّ يَلِي الْأَمر بعده اثْنَا عشر رجلا خمسين وَمِائَة، فستة من ولد الْحسن، وَوَاحِد من ولد عقيل بن أبي طَالب، وَخَمْسَة من ولد الْحُسَيْن، ثمَّ يَمُوت فَيفْسد الزَّمَان وَيعود الْمُنكر. قَالَ: وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار: يكون اثْنَا عشر مهديا، ثمَّ ينزل روح الله فَيقْتل الدَّجَّال. قَالَ: وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بقوله " لَا مهْدي إِلَّا عِيسَى " يَعْنِي لَا نَبِي يظْهر سواهُ. وَالْوَجْه الثَّالِث: أَنه أَرَادَ وجود اثْنَي عشر خَليفَة فِي جَمِيع مُدَّة الْخلَافَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يعلمُونَ بِالصَّوَابِ وَإِن لم تتوال أيامهم، فقد يكون الرجل عادلا، وَيَأْتِي بعده من يجور، ثمَّ يَأْتِي بعد مُدَّة من يعدل، فَيتم عدل الاثْنَي عشر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. وَيدل على هَذَا الْوَجْه مَا أخبرنَا بِهِ أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْقَزاز قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد ابْن عَليّ بن ثَابت قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن أَحْمد بن عمر الْمُقْرِئ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الشَّافِعِي قَالَ: حَدثنَا معَاذ بن الْمثنى قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 حَدثنَا مُسَدّد قَالَ: حَدثنَا يحيى بن أبي يُونُس قَالَ: حَدثنَا أَبُو بَحر أَن أَبَا المجلد حَدثهُ وَحلف عَلَيْهِ: أَنه لَا تهْلك هَذِه الْأمة حَتَّى يكون فِيهَا اثْنَا عشر خَليفَة كلهم يعْمل بِالْهدى وَدين الْحق، مِنْهُم رجلَانِ من أهل بَيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يعِيش أحدهم أَرْبَعِينَ سنة والأخر ثَلَاثِينَ سنة. وَأما الْأَسْلَمِيّ فَهُوَ مَاعِز. والعصبة والعصابة: الْجَمَاعَة. وَالْبَيْت الْأَبْيَض قصر كسْرَى، وَكَانَ مَبْنِيا بالجص، وَكَانَت فِيهِ أَمْوَال عَظِيمَة، فروينا فِي الْفتُوح أَن سعد بن أبي وَقاص خَاضَ بِأَصْحَابِهِ دفتيه وَهِي تطفح - إِلَى ولد كسْرَى، فَمَا بلغ المَاء إِلَى حزَام الْفرس، وَمَا ذهب للْمُسلمين شَيْء، إِلَّا أَن قدحا وَقع وَأَخذه رجل برمحه من المَاء، فَعرفهُ صَاحبه فَأَخذه، ووجدوا قبابا مَمْلُوءَة سلالا فِيهَا آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة، ووجدوا كافورا فظنوه ملحا فعجنوا بِهِ فوجدوا مرارته فِي الْخبز، فَكَانَ فِي بيُوت أَمْوَال كسْرَى ثَلَاثَة آلَاف ألف ألف ثَلَاث مَرَّات. 428 - / 521 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " لينتهين أَقوام يرفعون أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء فِي الصَّلَاة أَو لَا يرجع إِلَيْهِم ". لما كَانَ الْمَأْخُوذ على المتعبد فِي الصَّلَاة أَن يخشع، والخشوع: التذلل والتواضع، ناسب هَذَا الْوَعيد سوء الْأَدَب. الحديث: 428 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 429 - / 522 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " مَالِي أَرَاكُم رافعي أَيْدِيكُم كَأَنَّهَا أَذْنَاب خيل شمس، اسكنوا فِي الصَّلَاة " ثمَّ خرج علينا فرآنا حلقا فَقَالَ: " مَالِي أَرَاكُم عزين؟ ". الشَّمْس جمع شموس: وَهُوَ من الدَّوَابّ الَّذِي لَا يكَاد يسْتَقرّ. وَقد احْتج بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة بِهَذَا الحَدِيث فِي مَنعهم رفع الْيَدَيْنِ فِي الرُّكُوع وَعند الرّفْع مِنْهُ، وَلَيْسَ لَهُم فِيهِ حجَّة؛ لِأَنَّهُ قد رُوِيَ مُفَسرًا بعد حديثين، قَالَ جَابر: صلينَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكُنَّا إِذا سلمنَا قُلْنَا بِأَيْدِينَا: السَّلَام عَلَيْكُم، السَّلَام عَلَيْكُم، فَنظر إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " مَا شَأْنكُمْ تشيرون بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَاب خيل شمس؟ إِذا سلم أحدكُم فليلتفت إِلَى صَاحبه وَلَا يُومِئ بِيَدِهِ " فَبَان بِهَذَا أَنه لَيْسَ لرفع الْأَيْدِي للتكبير. وَالْحلق جمع حَلقَة: وَهِي الْجَمَاعَة المستديرة. قَالَ الْفراء: والعزون الْحلق، الْجَمَاعَات، وَاحِدهَا عزه، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: عزين جمع عزة، مثل ثبة وثبين، فَهِيَ جماعات فِي تَفْرِقَة. وَقيل: الأَصْل فِي الِاسْم أَن كل جمَاعَة كَانَ اعتزاؤها وَاحِدًا فَهِيَ عزة. وَقَوله: " وتتراصون فِي الصَّفّ " أَي تتضامون فِيهِ. الحديث: 429 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 430 - / 523 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: أتوضأ من لُحُوم الْإِبِل؟ قَالَ: " نعم، فَتَوَضَّأ من لُحُوم الْإِبِل " قَالَ: أُصَلِّي فِي مرابض الْغنم؟ قَالَ: " نعم ". قَالَ: أُصَلِّي فِي مبارك الْإِبِل؟ قَالَ: " لَا ". فِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على وجوب الْوضُوء على من أكل لحم الْجَزُور، وَبِه قَالَ من الصَّحَابَة جَابر بن سَمُرَة رَاوِي هَذَا الحَدِيث، وَمن الْفُقَهَاء يحيى بن يحيى، وَابْن رَاهَوَيْه، وَدَاوُد، وَهُوَ أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل، خلافًا لأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. فَأَما إِذا شرب من لَبنهَا أَو أكل من كَبِدهَا أَو طحالها فَهَل ينْتَقض وضوءه؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد. ومرابض الْغنم: مَوَاضِع ربوضها. ومبارك الْإِبِل: مَوضِع بروكها، والبرك فِي اللُّغَة الصَّدْر، وَإِنَّمَا قيل: برك الْبَعِير لوُقُوعه على صَدره، وَالْمرَاد بمباركها أَمَاكِن إِقَامَتهَا. وَظَاهر هَذَا أَن الصَّلَاة فِيهَا لَا تصح، وَهِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة: تكره وَتَصِح، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ. 431 - / 525 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " ثمَّ يسلم على أَخِيه من على يَمِينه وشماله ". عندنَا أَنه يَنْوِي بِالسَّلَامِ الْخُرُوج من الصَّلَاة، فَيحمل هَذَا الْكَلَام الحديث: 430 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 على معنى: ثمَّ يسلم كَمَا يسلم على أَخِيه: وَعند أَصْحَاب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يَنْوِي السَّلَام على الْمَلَائِكَة والمأمومين. وَنحن نقُول: مَتى نوى هَذَا وَلم ينْو الْخُرُوج من الصَّلَاة كره لَهُ، إِلَّا أَن أَحْمد نَص على أَنَّهَا لَا تبطل. وَقَالَ ابْن حَامِد: تبطل، وَاخْتلف أَصْحَابنَا: هَل تجب نِيَّة الْخُرُوج من الصَّلَاة؟ على وَجْهَيْن. 432 - / 526 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " إِن الله تَعَالَى سمى الْمَدِينَة طابة ". قَالَ ابْن فَارس: طابة وطيبة من الطّيب، وَذَلِكَ أَنَّهَا طهرت من الشّرك، وكل طَاهِر طيب، وَلذَلِك يُسمى الِاسْتِنْجَاء استطابة، لِأَن الْإِنْسَان تطيب نَفسه من الْخبث. 433 - / 527 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: رَأَيْت ماعزا حِين جِيءَ بِهِ وَهُوَ أعضل. الأعضل: الْكثير اللَّحْم، مَأْخُوذ من العضلة: وَهِي اللحمة الصلبة فِي العصب. والأخر: على فعل الْمُدبر المتخلف، وَهَذَا يُقَال فِي السب والشتم: أبعد الله الْأُخَر. فرجمه: أَي ضربه بِالرَّجمِ، وَالرَّجم: الْحِجَارَة، وَفِي الحَدِيث: الحديث: 432 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 " لَا ترجموا قَبْرِي " أَي لَا تدعوا عَلَيْهِ الْحِجَارَة، دَعوه مستويا. وَقَوله: " خلف أحدهم " أَي بَقِي بَعدنَا. وَقَوله: " لَهُ نبيب كنبيب التيس " نبيبه صَوته عِنْد السفاد. وَقَوله: " يمنح أحدهم " أَي يُعْطي " الكثبة " وَهِي الْقَلِيل من اللَّبن. وَقَوله: " لأنكلنه عَنْهُن " النكال: الْعقُوبَة، وَالْمعْنَى لأعاقبنه ليرْجع عَنْهُن. وَقَوله فَرده مرَّتَيْنِ - وروى: أَرْبعا. من روى أَرْبعا فقد زَاد، وَالزِّيَادَة من الثِّقَة مُقَدّمَة. وَعِنْدنَا أَنه لَا يجب حد الزِّنَا إِلَّا بِالْإِقْرَارِ أَربع مَرَّات. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: إِذا أقرّ مرّة وَاحِدَة حد. وَأَبُو حنيفَة يوافقنا فِي الْأَرْبَع إِلَّا أَنه يَقُول: يحْتَاج الْإِقْرَار أَن يكون فِي أَرْبَعَة مجَالِس مُتَفَرِّقَة، فَلَو أقرّ عَن يَمِين الْحَاكِم ويساره وأمامه ووراءه كَانَت أَرْبَعَة مجَالِس، وَعِنْدنَا أَنه يَصح الْإِقْرَار فِي مجْلِس وَاحِد. فَأَما إِذا ثَبت الزِّنَا بالشهود فعندنا أَن الْمجْلس الْوَاحِد شَرط فِي اجْتِمَاع الشُّهُود وَأَدَاء الشَّهَادَة، فَإِذا جمعهم مجْلِس وَاحِد سَمِعت شَهَادَتهم وَإِن جَاءُوا مُتَفَرّقين، ووافقنا أَبُو حنيفَة وَمَالك أَن الْمجْلس الْوَاحِد شَرط لكنهما قَالَا: هُوَ شَرط فِي مجيئهم مُجْتَمعين، فَإِن جَاءُوا مُتَفَرّقين فِي مجْلِس وَاحِد حدوا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَيْسَ الْمجْلس الْوَاحِد شرطا فِي اجْتِمَاعهم وَلَا فِي مجيئهم، وَمَتى شهدُوا بِالزِّنَا مُتَفَرّقين وَجب الْحَد على الزَّانِي، فَإِذا لم يكمل عدد الشُّهُود فَإِنَّهُم قذفة يحدون عندنَا وَعند أبي حنيفَة وَمَالك، خلافًا لأحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 قولي الشَّافِعِي: إِنَّهُم لَا يحدون. 434 - / 529 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: كَانَ يخْطب قَائِما ثمَّ يجلس، ثمَّ يقوم فيخطب. أما خطْبَة الْجُمُعَة فَإِنَّهَا شَرط فِي صِحَة الْجُمُعَة عِنْد أَكثر الْفُقَهَاء خلافًا لداود، وَأما الْقيام فِي الْخطْبَتَيْنِ وَالْجُلُوس بَينهمَا فَسنة عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد، وَعند الشَّافِعِي أَن ذَلِك شَرط فِي صِحَّتهَا فَلَا تجزي مَعَ الْقُدْرَة على الْقيام، وَإِن ترك الْقعُود بَينهمَا لم تجز الْخطْبَة، فَإِن كَانَ مَرِيضا خطب جَالِسا وَفصل بَين الْخطْبَتَيْنِ بسكته. 435 - / 530 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: كَانَت صلَاته قصدا وخطبته قصدا. الْقَصْد: بَين الطول وَالْقصر. 436 - / 533 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: كَانَ بِلَال يُؤذن إِذا دحضت الشَّمْس. يَعْنِي زَالَت. 437 - / 535 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: كَانَ إِذا صلى الْفجْر الحديث: 434 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 جلس فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تطلع الشَّمْس حسناء. الَّذِي قرأناه على مَشَايِخنَا حسناء على وزن فعلاء، وَإِنَّمَا تظهر حَسَنَة إِذا أخذت فِي الِارْتفَاع، فَحِينَئِذٍ يتكامل ضوءها وَيحسن. ورأيته بِخَط أبي عبد الله الْحميدِي: حسنا منونا، يُرِيد: طلوعا حسنا. وَفِي فعله هَذَا فَائِدَتَانِ: إِحْدَاهمَا: الْجُلُوس للذّكر فَإِنَّهُ وَقت شرِيف، وَقد جَاءَت أَحَادِيث كَثِيرَة فِي الذّكر فِي ذَلِك الْوَقْت. وَالثَّانيَِة: أَنه لما تعبد الْإِنْسَان لله عز وَجل قبل طُلُوع الشَّمْس لَازم مَكَان التَّعَبُّد إِلَى أَن تَنْتَهِي حركات الساجدين للشمس إِذا طلعت. 438 - / 536 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعِيدَيْنِ بِغَيْر أَذَان وَلَا إِقَامَة. إِنَّمَا كَانَ هَذَا لأحد أَمريْن: إِمَّا لتمييز مَا هُوَ فرض عَن غَيره، كَمَا أَن صَلَاة الْكُسُوف لما كَانَت سنة نُودي لَهَا: الصَّلَاة جَامِعَة، لتمييز الْفَرَائِض العينية. وَالثَّانِي: أَن الْأَذَان وَالْإِقَامَة للإعلام بِالصَّلَاةِ، والعيد إِنَّمَا يُقَام فِي الصَّحرَاء لَا عِنْد الْبيُوت، فَالَّذِينَ يقصدونها قد خَرجُوا والمتأخرون لَا يسمعُونَ الْأَذَان فِي أغلب الْمَوَاضِع، فَلم يكن فِيهِ فَائِدَة. 439 - / 537 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ابْن الدحداح. اسْم هَذَا الرجل ثَابت بن الدحداح، وَيُقَال الدحداحة، ويكنى الحديث: 438 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 أَبَا الدحداح، وَهُوَ من الْأَنْصَار، وَقد اخْتلف الروَاة فِي مَوته، فَقَالَ بَعضهم: قتل يَوْم أحد فِي المعركة. وَقَالَ آخَرُونَ: بل جرح وبرأ ثمَّ مَاتَ على فرَاشه مرجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحُدَيْبِيَة، وَهَذَا أصح لهَذَا الحَدِيث. وَقَوله: ثمَّ أُتِي بفرس عري - أَي عُرْيَان، وَكَذَلِكَ معرورى. فعقله رجل: أَي أمْسكهُ لَهُ حَتَّى رَكبه، فَجعل يتوقص بِهِ. قَالَ أَبُو عبيد: التوقص أَن يقصر عَن الخبب ويمرح عَن الْعُنُق وينقل قوائمه نقل الخبب، غير أَنَّهَا أقرب قدرا فِي الأَرْض. والعذق بِفَتْح الْعين: النَّخْلَة، وبكسرها: الكباسة، وَالْمرَاد هَاهُنَا الكباسة؛ لِأَنَّهُ قَالَ: " مُعَلّق أَو مدلى ". والرداح: الثقيل بِحمْلِهِ، وَمِنْه امْرَأَة رداح: إِذا كَانَت ثَقيلَة الْأَوْرَاك. وَكَانَ هَذَا الرجل لما نزل قَوْله تَعَالَى: {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا} [الْبَقَرَة: 245] تصدق ببستان لَهُ فِيهِ سِتّمائَة نَخْلَة، وَكَانَ أَهله فِيهِ، فجَاء فَقَالَ: يَا أم الدحداح، اخْرُجِي فقد أَقْرَضته رَبِّي عز وَجل، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كم من عذق رداح فِي الْجنَّة لأبي الدحداح " فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام أعَاد ذَلِك عِنْد موت هَذَا الرجل. 440 - / 538 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: أُتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَجُل قتل نَفسه بمشاقص فَلم يصل عَلَيْهِ. الحديث: 440 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 المشاقص جمع مشقص، وَاخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ قوم: هُوَ سهم فِيهِ نصل عريض، وَقَالَ قوم: هُوَ اسْم لنصل السهْم إِذا كَانَ طَويلا، فَإِن كَانَ عريضا فَهُوَ المعبلة. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن الإِمَام لَا يُصَلِّي على من قتل نَفسه، وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد بن حَنْبَل خلافًا للباقين. 441 - / 540 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: " أَلا إِنِّي فرط لكم على الْحَوْض، كَأَن الأباريق فِيهِ النُّجُوم ". وَقد سبق بَيَان الفرط وَأَنه الْمُتَقَدّم إِلَى المَاء. والأباريق جمع إبريق، وقرأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: الإبريق فَارسي مُعرب، وترجمته من الفارسية أحد شَيْئَيْنِ: إِمَّا أَن يكون طَرِيق المَاء، أَو صب المَاء على هينة، وَقد تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب قَدِيما، قَالَ عدي بن زيد: (ودعا بالصبوح يَوْمًا فَجَاءَت ... قينة فِي يَمِينهَا إبريق) وَأما شبه الأباريق بالنجوم لكثرتها، وَإِنَّمَا كثرت فِيهِ لِئَلَّا يقف شَارِب لانتظار آخر 442 - / 541 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين: كَأَنَّمَا أخرج يَده من الحديث: 441 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 جونة عطار. الجونة: وعَاء يَجْعَل فِيهِ الطّيب وَغَيره وَجَمعهَا جون. وَهَذَا الحَدِيث يتَضَمَّن كَثْرَة اسْتِعْمَال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للطيب. 443 - / 542 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضليع الْفَم. أَي وَاسع الْفَم، وَالْعرب تمدح بذلك لأجل التَّمَكُّن من الْكَلَام. وَقَوله: أشكل الْعين، قد فسر فِي الحَدِيث أَنه طَوِيل شقّ الْعين. وَقد قيل: الشكلة فِي الْعين حمرَة فِي سوادها، وَقيل: حمرَة فِي بياضها. وَقَوله: منهوس الْعقب، وَقد فسر فِي الحَدِيث أَنه قَلِيل لحم الْعقب، وَفِي الْعقب لُغَتَانِ: كسر الْقَاف وتسكينها. قَالَ الْأَصْمَعِي: الْعقب اسْم لما أصَاب الأَرْض من مُؤخر الرجل إِلَى مَوضِع الشرَاك. 444 - / 543 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد شمط مقدم رَأسه ولحيته، وَكَانَ إِذا ادهن لم يتَبَيَّن، وَإِذا شعث رَأسه تبين. الحديث: 443 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 قد سبق معنى الشمط، وَأَنه اخْتِلَاط الْبيَاض بِالسَّوَادِ. والشعث: تلبد شعر الرَّأْس وتغيره إِذا بعد عَنهُ الدّهن والمشط. قَوْله: وَرَأَيْت الْخَاتم، كَانَ الْخَاتم غُدَّة من اللَّحْم عَلَيْهَا شَعرَات. أخبرنَا عمر بن أبي الْحسن البسطامي قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن أبي مَنْصُور الخليلي قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن أَحْمد الْخُزَاعِيّ قَالَ: أخبرنَا الْهَيْثَم بن كُلَيْب الشَّاشِي قَالَ: حَدثنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ قَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة قَالَ: حَدثنَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل عَن الْجَعْد بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: سَمِعت السَّائِب بن يزِيد يَقُول: ذهبت بِي خَالَتِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِن ابْن أُخْتِي وجع، فَمسح رَأْسِي، ودعا لي بِالْبركَةِ، وَقمت وَرَاء ظَهره فَنَظَرت إِلَى الْخَاتم بَين كَتفيهِ فَإِذا هُوَ مثل زر الحجلة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَحدثنَا سعيد بن يَعْقُوب الطَّالقَانِي قَالَ: حَدثنَا أَيُّوب بن جَابر عَن سماك بن حَرْب عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: رَأَيْت الْخَاتم بَين كَتِفي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُدَّة حَمْرَاء مثل بَيْضَة الْحَمَامَة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَحدثنَا مُحَمَّد بن بشار قَالَ: أخبرنَا أَبُو عَاصِم قَالَ: حَدثنَا عزْرَة بن ثَابت قَالَ: حَدثنِي علْبَاء بن أَحْمَر قَالَ: حَدثنِي أَبُو زيد بن أَخطب قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يَا أَبَا زيد، ادن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 مني فامسح ظَهْري " فمسحت ظَهره فَوَقَعت أصابعي على الْخَاتم، ثمَّ قلت: وَمَا الْخَاتم؟ قَالَ شَعرَات مجتمعات. وَقَالَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ: كَانَ الْخَاتم بضعَة نَاشِزَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 كشف الْمُشكل من مُسْند سُلَيْمَان بن صرد وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة عشر حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان. 445 - / 544 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: كنت جَالِسا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورجلان يستبان وَأَحَدهمَا قد احمر وَجهه وَانْتَفَخَتْ أوداجه. الْأَوْدَاج جمع ودج، وَإِنَّمَا هما ودجان، وهما العرقان اللَّذَان يقطعهما الذَّابِح، وَأما ذكرهمَا بِلَفْظ الْجمع فَلَا يَخْلُو أَن يكون على لُغَة من يُوقع الْجمع على التَّثْنِيَة، كَقَوْلِه تَعَالَى {وَكُنَّا لحكمهم شَاهِدين} [الْأَنْبِيَاء: 78] أَو لِأَن كل قِطْعَة من الودج تسمى ودجا، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث: " كَانَ أَزجّ الحواجب ". قَوْله: " أعوذ بِاللَّه " معنى أعوذ: ألجأ وألوذ. وَقد سبق معنى الشَّيْطَان. الحديث: 445 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 وَفِي الرَّجِيم قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه الملعون، قَالَه قَتَادَة. وَالثَّانِي: أَنه فعيل بِمَعْنى مفعول، مثل قَتِيل بِمَعْنى مقتول، فَهُوَ المرجوم، قَالَه أَبُو عُبَيْدَة، فَإِنَّمَا يرْجم بالنجوم. وَقد أَفَادَ هَذَا الحَدِيث أَنه يَنْبَغِي أَن يلجأ إِلَى الله تَعَالَى من الشَّيْطَان الَّذِي يغري بالسب وَيُقَوِّي الْغَضَب للنَّفس. 446 - / 540 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَنه قَالَ حِين أجلى الْأَحْزَاب عَنهُ: " الْآن نغزوهم وَلَا يغزونا، نَحن نسير إِلَيْهِم ". أجلى الْأَحْزَاب: انصرفوا. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على صدق نبوة نَبينَا عَلَيْهِ اسلام؛ لِأَن الْقَوْم بعد غزَاة الْأَحْزَاب لم يَأْتُوا لقِتَال، وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج إِلَيْهِم، وَخرج لفتح مَكَّة فَدَخلَهَا قاهرا. الحديث: 446 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 كشف الْمُشكل من مُسْند عُرْوَة الْبَارِقي هَذَا الرجل يُقَال لَهُ عُرْوَة بن الْجَعْد، وَيُقَال: ابْن أبي الْجَعْد. وَفِي الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ خلق كثير على هَذَا الْفَنّ، فَمن الصَّحَابَة أَوْس بن أَوْس الثَّقَفِيّ، وَيُقَال: ابْن أبي أَوْس، وَبشر بن أَرْطَأَة، وَيُقَال ابْن أبي أَرْطَأَة، وَعبد الرَّحْمَن بن عميرَة، وَيُقَال: ابْن أبي عميرَة، وَعبد الرَّحْمَن بن عَلْقَمَة، وَيُقَال ابْن أبي عَلْقَمَة. وَفِي التَّابِعين من بعدهمْ خلق كثير قد أحصيتهم فِي كتابي الْمُسَمّى بالتلقيح. وَجُمْلَة مَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة عشر حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد: 447 - / 546 - " الْخَيل مَعْقُود فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر " وَقد فسرناه فِي مُسْند جرير، وَقد رَوَاهُ البرقاني فَزَاد فِيهِ: " الْإِبِل عز لأَهْلهَا، وَالْغنم بركَة " وَذَلِكَ لِأَن الْعَرَبِيّ يشرف قدره بَينهم بِكَثْرَة مَاله، وأنفس أَمْوَالهم عِنْدهم الْإِبِل، وَالْبركَة فِي الْغنم من جِهَة أَلْبَانهَا وَأَوْلَادهَا. الحديث: 447 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 كشف الْمُشكل من مُسْند عمرَان بن حُصَيْن أسلم قَدِيما، وروى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة وَثَمَانِينَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أحد وَعِشْرُونَ حَدِيثا. 448 - / 547 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: أسرينا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقد بَينا فِي مُسْند أبي بكر أَن سرى وَأسرى لُغَتَانِ: وَهُوَ سير اللَّيْل. وَقَوله: وقعنا وقْعَة لَا وقْعَة عِنْد الْمُسَافِر أحلى مِنْهَا. وَذَاكَ لِأَنَّهُ يكون قد أَخذ مِنْهُ السّير والسهر فيستلذ النّوم. وَقَوله: وَكَانَ جليدا. يُقَال للرجل إِذا كَانَ قوي الْجِسْم أَو الْقلب: إِنَّه لجليد، وَجلد. وَقَوله: " لَا ضير " أَي مَا جرى لَا يضر. فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: " ارتحلوا " وَأخر الصَّلَاة، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ الحديث: 448 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 من حَدِيث أنس عَنهُ أَنه قَالَ: " من نسي صَلَاة أَو نَام عَنْهَا فكفارتها أَن يُصليهَا إِذا ذكرهَا، لَا كَفَّارَة لَهَا إِلَّا ذَلِك "؟ فَالْجَوَاب: أَن يعْمل على حَدِيث أنس، وَأَنه لَا يجوز تَأْخِير الصَّلَاة عِنْد الذّكر والانتباه، وَأما ارتحاله عَن الْمَكَان فقد جَاءَ فِي الحَدِيث أَنه قَالَ: " إِن هَذَا الْوَادي بِهِ شَيْطَان فارتحلوا مِنْهُ " وَهَذَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الْأَنْبِيَاء. فَإِن قيل: فَكيف ذهب الْوَقْت وَلم يشْعر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد قَالَ: " وَلَا ينَام قلبِي "؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن ذَلِك خَاص فِي أَمر الْحَدث؛ لِأَن النَّائِم يكون مِنْهُ الْحَدث وَلَا يشْعر بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالثَّانِي: أَنه أعطي ذَلِك لأجل الْوَحْي فِي الْمَنَام، فَأَما معرفَة الْوَقْت، ورؤية الشَّمْس، فَذَلِك يدْرك بالبصر لَا بِالْقَلْبِ. وَقَوله: بَين مزادتين. قَالَ أَبُو عبيد: المزادة هِيَ الَّتِي يسميها النَّاس الراوية، وَإِنَّمَا الرِّوَايَة الْبَعِير الَّذِي يستقى عَلَيْهِ. وَقَوله: ونفرنا خلوف. قد سبق أَن النَّفر مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 والخلوف: الْغَيْب. وَقيل: الخلوف: الَّذين خَرجُوا يستقون المَاء، يُقَال: أخلف الرجل واستخلف: إِذا استقى المَاء، وأرادت أَنه لم يبْق فِي الْحَيّ إِلَّا النِّسَاء. وَقَوْلها: الصَّابِئ، تَعْنِي الْخَارِج من دين قومه إِلَى غَيره. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: كل من خرج من دين إِلَى دين غَيره سمي صابئا، مهموزا، يُقَال: صَبأ الرجل: إِذا فعل ذَلِك. فَأَما الصابي بِلَا همز فَهُوَ الَّذِي يمِيل إِلَى الْهوى. يُقَال: صبا يصبو فَهُوَ صاب. وَقَوله: وأوكأ أفواههما: أَي ربط الْعليا. والوكاء: اسْم لما يشد بِهِ من خيط وَنَحْوه. والعزالى: أَفْوَاه المزاد السُّفْلى، وَاحِدهَا عزلاء. وأقلع عَنْهَا: تنحى عَنْهَا. والعجوة: جنس من التَّمْر يكون بِالْمَدِينَةِ. وَقَوله: " تعلمين " أَي اعلمي " مَا رزأنا " أَي مَا نقصنا. وَقَوله: " أسقانا " أَي جعل لنا سقيا. قَالَ الْفراء: الْعَرَب مجتمعون على أَن يَقُولُوا: سقيت الرجل فَأَنا أسقيه: إِذا سقيته لشفته، فَإِذا أجروا للرجل نَهرا قَالُوا: أسقيته. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كل مَا كَانَ من السَّمَاء فَفِيهِ لُغَتَانِ: أسقاه الله وسقاه، قَالَ لبيد: (سقى قومِي بني مجد وأسقى ... نميرا والقبائل من هِلَال) فجَاء باللغتين. وَتقول: سقيت الرجل مَاء وَشَرَابًا، وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا لُغَة وَاحِدَة: إِذا كَانَ فِي الشّفة، فَإِذا جعلت لَهُ شرابًا قلت: أسقيته، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 وأسقيت أرضه وَإِبِله، فَلَا يكون غير هَذَا، وَكَذَلِكَ إِذا اسْتَسْقَيْت لَهُ، كَقَوْل ذِي الرمة: (وقفت على رسم لمية نَاقَتي ... فَمَا زلت أبْكِي عِنْده وأخاطبه) (وأسقيه حَتَّى كَاد مِمَّا أبثه ... تكلمني أحجاره وملاعبه) قَوْله: وَلَا يصيبون الصرم. قَالَ أَبُو عبيد: الصرم: الْفرْقَة من النَّاس لَيْسَ بالكثير، وَجمعه أصرام، قَالَ الطرماح: (يَا دَار أقوت بعد أصرامها ... عَاما، وَمَا يبكيك من عامها) وَقَوله: تكَاد تنضرج بِالْمَاءِ، يَعْنِي المزادتين، أَي تَنْشَق لِكَثْرَة امتلائها. والانضراج: الانشقاق، يُقَال: انضرج الْبَرْق وتضرج: أَي تشقق. فَإِن قيل: كَيفَ استباحوا أَخذ المَاء الَّذِي مَعهَا؟ فَالْجَوَاب من أَرْبَعَة أوجه: أَحدهَا: أَنَّهَا كَانَت كَافِرَة. وَالثَّانِي: أَنَّهَا لَو كَانَت مسلمة، ففداء نفس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأنفس أمته جَائِز. وَالثَّالِث: أَن ضَرُورَة الْعَطش تبيح للْإنْسَان المَاء الْمَمْلُوك لغيره على عوض يُعْطِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 وَالرَّابِع: أَنهم لما جَاءُوا بهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أظهر معجزته فِي سقِِي أَصْحَابه من ذَلِك المَاء، ثمَّ رده وَلم ينقص شَيْئا. 449 - / 548 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أنزلت آيَة الْمُتْعَة فِي كتاب الله ففعلناها، قَالَ رجل بِرَأْيهِ مَا شَاءَ. أما آيَة الْمُتْعَة فَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {فَمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج} [الْبَقَرَة: 196] وَقد سبق شرح معنى الْمُتْعَة فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. وَقَوله: قَالَ رجل بِرَأْيهِ مَا شَاءَ. قد ذكرنَا هُنَاكَ أَن عُثْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ ينْهَى عَن الْمُتْعَة. وَقَوله: " قد كَانَ يسلم عليّ " كَانَ عمرَان بن حُصَيْن قد سقِِي بَطْنه فَبَقيَ ثَلَاثِينَ سنة على ذَلِك، وَكَانَ يعرض عَلَيْهِ أَن يكتوي فيأبى، فروى مطرف عَنهُ أَن الْمَلَائِكَة كَانَت تسلم عَلَيْهِ. وروى عَنهُ قَتَادَة أَن الْمَلَائِكَة كَانَت تصافحه، فَلَمَّا اكتوى انْقَطع ذَلِك عَنهُ. وروى عَنهُ الْحسن أَنه قَالَ: اكتوينا فَمَا أفلحنا وَلَا أنجحنا. وَكَانَ هِشَام يُنكر هَذَا اللَّفْظ وَيَقُول: إِنَّمَا هُوَ فَمَا أفلحن وَلَا أنجحن، يَعْنِي المكاوي. فَلَمَّا ترك الكي عَاد التَّسْلِيم إِلَيْهِ، ثمَّ مَاتَ قَرِيبا من ذَلِك. 450 - / 549 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: عَن مطرف: صليت أَنا وَعمْرَان خلف عَليّ بن أبي طَالب، فَكَانَ إِذا سجد كبر، وَإِذا رفع كبر، وَإِذا الحديث: 449 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 نَهَضَ من الرَّكْعَتَيْنِ كبر، فَقَالَ عمرَان: قد ذَكرنِي هَذَا صَلَاة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِي هَذَا دَلِيل على أَن التَّكْبِيرَات غير تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَاجِبَة، لِأَنَّهُ وصف صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا مَذْهَب أَحْمد وَدَاوُد، خلافًا للباقين فِي قَوْلهم إِنَّهَا سنة. 451 - / 550 - الحَدِيث الرَّابِع: " أصمت من سرة هَذَا الشَّهْر شَيْئا؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: " فَإِذا أفطرت فَصم يَوْمَيْنِ " وَفِي لفظ: " من سرر شعْبَان ". سرر الشَّهْر وسراره وسراره: آخِره، وَسمي بذلك لِأَن الْهلَال يستسر، قَالَ الشَّاعِر: (نَحن صبحنا عَامِرًا فِي دارها ... ) (جردا تعادى طرفِي نَهَارهَا ... ) (عَشِيَّة الْهلَال أَو سرارها ... ) وَأما سرته فظاهرها أَنَّهَا وسط الشَّهْر، فعلى هَذِه اللَّفْظَة تكون الْإِشَارَة إِلَى أَيَّام الْبيض، وعَلى بَاقِي الْأَلْفَاظ يشكل الْأَمر، لِأَنَّهُ قد نهى عَن اسْتِقْبَال رَمَضَان بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَن الْعلمَاء تأولوا ذَلِك فَقَالُوا: لَعَلَّه علم من ذَلِك الرجل أَن عَلَيْهِ نذرا نَذره فِي ذَلِك الْوَقْت، الحديث: 451 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 فَلَمَّا فَاتَ أمره بِقَضَائِهِ. قَالَ أَبُو عبيد: لَا أعرف للْحَدِيث وَجها غير هَذَا. قَالَ الْخطابِيّ: يجوز أَن يكون لهَذَا الرجل عَادَة فَأمره أَن يحافظ على عَادَته. وَأما قَول بعض الروَاة: أَظُنهُ يَعْنِي رَمَضَان فخطأ؛ لِأَن رَمَضَان يتَعَيَّن صَوْمه جَمِيعه. 452 - / 551 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: عَن أبي الْأسود: قَالَ لي عمرَان: أَرَأَيْت مَا يعْمل النَّاس، أَشَيْء قضي؟ قلت: نعم. قَالَ: أَفلا يكون ظلما؟ فَفَزِعت من ذَلِك، فَقَالَ: إِنِّي لم أرد بِمَا سَأَلتك إِلَّا لأحرز عقلك. الكدح: السَّعْي وَالِاجْتِهَاد فِي الْعَمَل. وَقد نبه هَذَا الحَدِيث على سبر عقول الطالبين للْعلم لينْظر مبلغ فهمهم، وليحدثوا بِمَا تحتمله عُقُولهمْ. والفجور: الْخُرُوج عَن الْحق والانبعاث فِي المناهي. 453 - / 552 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: خير أمتِي قَرْني. قد سبق ذكر الْقرن فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. وَقَوله: " يشْهدُونَ وَلَا يستشهدون " إِن قَالَ قَائِل: كَيفَ الْجمع بَين هَذَا وَبَين حَدِيث زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " أَلا الحديث: 452 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 أخْبركُم بِخَير الشُّهَدَاء؟ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أَن يسْأَلهَا ". فَالْجَوَاب أَن أَبَا عِيسَى التِّرْمِذِيّ ذكر عَن بعض أهل الْعلم أَن المُرَاد بِالَّذِي يشْهد وَلَا يستشهد شَاهد الزُّور، وَاسْتدلَّ بِحَدِيث عمر بن الْخطاب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " يفشو الْكَذِب حَتَّى يشْهد الرجل وَلَا يستشهد " وَالْمرَاد بِحَدِيث زيد: الشَّاهِد على الشَّيْء، فَيُؤَدِّي شَهَادَته وَلَا يمْتَنع من إِقَامَتهَا. وَقَوله: " وَيظْهر فِيهِ السّمن " وَذَلِكَ إِنَّمَا ينشأ من كَثْرَة الْمطعم وَقُوَّة الْغَفْلَة؛ لِأَن الْعَاقِل المتيقظ يمنعهُ خَوفه أَن يشْبع وَأَن يسمن. وَقَوله: " ويحلفون وَلَا يستحلفون " هَذَا من قلَّة احترامهم لاسم الله عز وَجل، وَقد كَانَ النَّاس يتورعون عَن الْحلف فِي الصدْق. 454 - / 554 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: " الْحيَاء لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَير ". وَهَذَا لِأَن المستحيي منقبض عَن كثير من القَوْل وَالْفِعْل، والوقاحة توجب الانبساط فَيَقَع الشَّرّ من ذَلِك. 455 - / 555 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: " اطَّلَعت فِي الْجنَّة فَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا الْفُقَرَاء، واطلعت فِي النَّار فَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا النِّسَاء ". الحديث: 454 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 لما كَانَ الْفَقِير فاقدا لِلْمَالِ الَّذِي يتسبب بِهِ إِلَى الْمعاصِي وَيحصل بِهِ البطر والشبع وَالْجهل وَاللَّهْو، بعد عَمَّا يقرب إِلَى النَّار. وَلما كَانَ الْأَغْلَب على النِّسَاء الشِّبَع والبطر وَالْجهل وَاللَّهْو لازمهن مَا يحمل إِلَى النَّار. فَإِن قيل: إِذا كَانَ هَذَا فضل الْفقر، فَلم استعاذ مِنْهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَالْجَوَاب: أَن قوما يَقُولُونَ: إِنَّمَا استعاذ من فقر النَّفس، وَالصَّوَاب أَن يُقَال: الْفقر مُصِيبَة من مصائب الدُّنْيَا، والغنى نعْمَة من نعمها، فوزانهما الْمَرَض والعافية، فَيكون الْمَرَض فِيهِ ثَوَاب لَا يمْنَع سُؤال الله الْعَافِيَة. 456 - / 557 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " من صلى قَاعِدا فَلهُ نصف أجر الْقَائِم، وَمن صلى نَائِما فَلهُ نصف أجر الْقَاعِد ". هَذَا مَحْمُول على أَن من أطَاق الْقيام فِي التَّنَفُّل فَاخْتَارَ الْقعُود، أَو أطَاق الْقعُود فَاخْتَارَ الِاضْطِجَاع. فَأَما الَّذِي يمنعهُ عَجزه فنيته تتمم. وَأما صفة صَلَاة الْقَاعِد فَإِنَّهُ يُصَلِّي متربعا ويثني رجلَيْهِ فِي حَال سُجُوده، فَإِن عجز عَن الْقعُود صلى على جنبه الْأَيْمن مُسْتَقْبل الْقبْلَة بِوَجْهِهِ، وَإِن صلى مُسْتَلْقِيا على ظَهره وَرجلَاهُ إِلَى الْقبْلَة جَازَ وَإِن كَانَ تَارِكًا للاستحباب، وَعند أَصْحَاب الرَّأْي أَن هَذَا هُوَ الْمُسْتَحبّ. وَكَانَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ يَقُول: لَا أحفظ عَن أحد من أهل الْعلم أَنه رخص فِي صَلَاة التَّطَوُّع نَائِما كَمَا رخصوا فِيهَا قَاعِدا، فَإِن صحت هَذِه اللَّفْظَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم تكن من كَلَام بعض الروَاة أدرجه فِي الحَدِيث الحديث: 456 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 وقاسه على صَلَاة الْقَاعِد، أَو اعْتَبرهُ بِصَلَاة الْمَرِيض نَائِما إِذا لم يقدر على الْقعُود، فَإِن التَّطَوُّع مُضْطَجعا للقادر على الْقعُود جَائِز كَمَا يجوز للْمُسَافِر أَن يتَطَوَّع على رَاحِلَته. فَأَما من جِهَة الْقيَاس فَلَا يجوز أَن يُصَلِّي مُضْطَجعا كَمَا يجوز أَن يُصَلِّي قَاعِدا؛ لِأَن الْقعُود شكل من أشكال الصَّلَاة وَلَيْسَ الِاضْطِجَاع فِي شَيْء من أشكال الصَّلَاة. قَالَ الْخطابِيّ فِي كتاب " الْأَعْلَام ": قد كنت تأولت هَذَا الحَدِيث فِي كتاب " المعالم " على أَن المُرَاد بِهِ صَلَاة التَّطَوُّع، إِلَّا أَن قَوْله: " من صلى نَائِما " يفْسد هَذَا التَّأْوِيل؛ لِأَن المضطجع لَا يُصَلِّي التَّطَوُّع كَمَا يُصَلِّي الْقَاعِد، فَرَأَيْت الْآن أَن المُرَاد بِهِ الْمَرِيض المفترض الَّذِي يُمكنهُ أَن يتحامل فَيقوم مَعَ مشقة، فَجعل أجر الْقَاعِد على النّصْف من أجر الْقَائِم ترغيبا لَهُ فِي الْقيام مَعَ جَوَاز قعوده، وَكَذَلِكَ المضطجع الَّذِي لَو تحامل لأمكنه الْقعُود مَعَ شدَّة الْمَشَقَّة. 457 - / 558 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بني تَمِيم " فَقَالُوا: بشرتنا فَأَعْطِنَا، فَتغير وَجهه. أما تغير وَجهه لقلَّة علم أُولَئِكَ، فَإِنَّهُم عَلقُوا آمالهم بعاجل الدُّنْيَا دون الْآخِرَة. وَالذكر: اللَّوْح الْمَحْفُوظ. وَأما السراب فَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: هُوَ مَا ترَاهُ نصف النَّهَار كَأَنَّهُ مَاء. الحديث: 457 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 458 - / 560 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي من أَفْرَاد مُسلم: " قد ظَنَنْت أَن بَعْضكُم خالجنيها ". أَي نازعنيها، كَأَنَّهُ ينْزع ذَلِك من لِسَانه، ويخلط عَلَيْهِ لموْضِع جهره بهَا، وأصل الخلج الجذب والنزع. 459 - / 561 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " يدْخل الْجنَّة سَبْعُونَ ألفا بِغَيْر حِسَاب " قَالُوا: وَمن هم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " هم الَّذين لَا يَكْتَوُونَ ولايسترقون ". فَإِن قَالَ قَائِل: قد أكد هَذَا الحَدِيث مَا روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الكي. فَكيف الْجمع بَين هَذَا وَبَين مَا سَيَأْتِي فِي مُسْند جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث إِلَى أبي بن كَعْب طَبِيبا يقطع لَهُ عرقا وكواه. وَلما رمي سعد بن معَاذ فِي أكحله حسمه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ ورمت فحسمت ثَانِيَة. وَفِي الصَّحِيح أَنه رخص فِي الرّقية من الْعين والحمة، وَقَالَ للَّذي رقى بِفَاتِحَة الْكتاب: " وَمَا يدْريك أَنَّهَا رقية؟ ". الحديث: 458 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 فَالْجَوَاب: أما الكي فعلى خَمْسَة أضْرب: أَحدهَا: كي الصَّحِيح لِئَلَّا يسقم، كَمَا يفعل كثير من الْعَجم. وَالثَّانِي: أَن كثيرا من الْعَرَب يعظمون أَمر الكي على الْإِطْلَاق وَيَقُولُونَ إِنَّه يحسم الدَّاء وَإِذا لم يفعل عطب صَاحبه، فَيكون النَّهْي عَن الكي على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ، وَتَكون الْإِبَاحَة لمن طلب الشِّفَاء وَرَجا الْبُرْء من فضل الله عز وَجل عِنْد الكي، فَيكون الكي سَببا لَا عِلّة. وَالْوَجْه الثَّالِث: أَن يكون نهى عَن الكي فِي عِلّة علم أَنه لَا ينجع فِيهَا، وَقد كَانَ عمرَان بِهِ عِلّة الناصور، فَيحْتَمل أَن يكون نَهَاهُ عَن الكي فِي مَوضِع من الْبدن لَا يُؤمن فِيهِ الْخطر. وَالْوَجْه الرَّابِع: كي الْجرْح إِذا نغل والعضو إِذا قطع، فَهَذَا دَوَاء مَأْمُور بِهِ كَمَا يُؤمر باتقاء الْحر وَالْبرد. وَالْوَجْه الْخَامِس: اسْتِعْمَال الكي على وَجه اسْتِعْمَال الدَّوَاء فِي أَمر يجوز أَن ينجح فِيهِ وَيجوز أَلا ينجح، كَمَا تسْتَعْمل أَكثر الْأَدْوِيَة، وَرُبمَا لم يفد، فَهَذَا يخرج المتَوَكل عَن التَّوَكُّل. وَعِنْدنَا أَن ترك التَّدَاوِي بالكي فِي مثل هَذَا الْحَال أفضل. وَأما الرّقية فعلى ضَرْبَيْنِ: رقية لَا تفهم، فَرُبمَا كَانَت كفرا فينهى عَنْهَا لذَلِك الْمَعْنى. وَفِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " لَا بَأْس بالرقى مَا لم تكن شرك ". ورقية جَائِزَة فَهَذِهِ على ضَرْبَيْنِ: رقية يعْتَقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 فِيهَا أَنَّهَا تدفع مَا سيعرض، فَهَذِهِ مَنْهِيّ لهَذَا الْمَعْنى. ورقية لما قد حدث، فَهَذِهِ مرخص فِيهَا. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: لَا بَأْس بالرقية من الْعين، وَسَأَلَهُ مهنا عَن الرجل تَأتيه الْمَرْأَة مسحورة فيطلق عَنْهَا السحر فَقَالَ: لَا بَأْس. وَأما الِاسْتِشْفَاء بِالْقُرْآنِ وَالدُّعَاء فَهُوَ فِي معنى الرقيه فَلَا يكره بِحَال. وَقَوله: " وَلَا يَتَطَيَّرُونَ " التطير: التشاؤم بالشَّيْء ترَاهُ أَو تسمعه وتتوهم وُقُوع الْمَكْرُوه بِهِ، واشتقاقه من الطير، كتطيرهم من الْغُرَاب رُؤْيَة وصوتا، ثمَّ اسْتمرّ ذَلِك فِي كل مَا يتطير بِرُؤْيَتِهِ وصوته. فالمؤمنون يضيفون الْكل إِلَى تَقْدِير الله عز وَجل وَلَا يلتفتون إِلَى هَذِه الْأَشْيَاء، وَلِهَذَا وَصفهم فَقَالَ: " وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ " أَي يعتمدون عَلَيْهِ. قَوْله: فَقَامَ عكاشة. عكاشة هُوَ ابْن مُحصن بن حرثان، وَيُقَال عكاشة بتَشْديد الْكَاف، شهد بَدْرًا. وَقَوله: فَقَامَ رجل فَقَالَ: ادْع الله أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم. اخْتلفُوا فِي هَذَا الرجل، فَقَالَ قوم: كَانَ منافقا؛ أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور قَالَ: أخبرنَا أَبُو عبد الله أَحْمد بن أَحْمد الوَاسِطِيّ إِذْنا قَالَ: أخبرنَا أَبُو أَحْمد الفرضي قَالَ: أخبرنَا أَبُو عمر النَّحْوِيّ قَالَ: سَأَلت ثعلبا: لم قَالَ للْأولِ نعم وَللثَّانِي لَا؟ قَالَ: الأول مُؤمن وَالْآخر مُنَافِق، فَلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 يقل لَهُ: أَنْت مُنَافِق، فَقَالَ لَهُ: " سَبَقَك بهَا عكاشة ". وَقد روى الدَّارَقُطْنِيّ عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عِيسَى البرتي القَاضِي أَنه قَالَ: يُقَال إِن هَذَا الرجل كَانَ منافقا فَأَجَابَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمعاريض الْكَلَام. وَقد روى أَبُو بكر الْخَطِيب بِإِسْنَاد لَهُ عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: هَذَا الرجل هُوَ سعد بن عبَادَة. فَإِن صَحَّ هَذَا فسعد بَرِيء من النِّفَاق، وَإِنَّمَا يكون الْمَنْع لأحد ثَلَاثَة أَشْيَاء: إِمَّا لكَون سعد مَا بلغ تِلْكَ الْمنزلَة، فَإِنَّهُ لم يشْهد بَدْرًا، فَمَنعه الْمقَام الْأَعْلَى بالتعريض. وَإِمَّا لِأَن طلب هَذِه الْمنزلَة يحْتَاج إِلَى حرقة قلب من الطَّالِب، فَلَعَلَّهُ لم يملك حرقة قلب عكاشة وَإِنَّمَا سَمعه يطْلب فَطلب، وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَو أَجَابَهُ لقام آخر وَآخر، فَرُبمَا تعرض بِهَذِهِ الْفَضِيلَة من لَا يَسْتَحِقهَا، فاقتصر على الأول لِئَلَّا يَقع رد للْبَعْض. 460 - / 562 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَن رجلا أعتق سِتَّة مملوكين لَهُ عِنْد مَوته لم يكن لَهُ مَال غَيرهم، فَدَعَاهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجزأهم أَثلَاثًا ثمَّ أَقرع بَينهم، فَأعتق اثْنَيْنِ وأرق أَرْبَعَة وَقَالَ لَهُ قولا شَدِيدا. فَدلَّ بِهَذَا الحَدِيث على أَن الْعَمَل بِالْقُرْعَةِ، والقرعة: أَن يكْتب اسْم كل وَاحِد مِنْهُم فِي رقْعَة، وتدرج كل رقْعَة فِي بندقة من طين أَو شمع وَتَكون البنادق مُتَسَاوِيَة فِي الْقدر وَالْوَزْن، ثمَّ تطرح فِي حجر رجل لم يحضر ذَلِك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي مثل هَذِه الْقَضِيَّة: يعْتق من كل وَاحِد ثلثه ويستسعى فِي الْبَاقِي، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ يَقُول إِذا أعتق ثَلَاثَة مماليك لَا يملك غَيرهم فِي مَرضه فَمَاتَ أحدهم قبل موت الْمُعْتق، فَإنَّا نقرع بَين الْمَيِّت والحيين، فَإِن خرجت على الْمَيِّت حكمنَا بِأَنَّهُ مَاتَ الحديث: 460 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 حرا، وَإِن خرجت على أحد الْأَحْيَاء حكمنَا بِأَنَّهُ مَاتَ رَقِيقا. وَقَالَ مَالك: الْمَيِّت رَقِيق بِكُل حَال، ويقرع بَين الْحَيَّيْنِ. وَقَوله: وَقَالَ لَهُ قولا شَدِيدا. أَي أغْلظ لَهُ فِي إقدامه على إِخْرَاج مَال قد تعلّقت بِهِ حُقُوق الْوَرَثَة. 461 - / 564 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: أسر أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا وَأَصَابُوا مَه العضباء. العضباء اسْم لناقة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي الَّتِي تسمى بالجدعاء والقصواء. قَالَ ابْن الْمسيب: كَانَ فِي طرف أذنها جدع. وَقَالَ الْخطابِيّ: قطع من أذنها فسميت الْقَصْوَاء. وَهَذِه النَّاقة أَصَابَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هَذَا الرجل المأسور، وَكَانَ من بني عقيل، وأسرت امْرَأَة من الْأَنْصَار، وَأُصِيبَتْ العضباء أَي أَخذهَا الْعَدو. وَقَوله: يريحون نعمهم بَين يَدي بُيُوتهم: أَي يردونها إِلَى مَوضِع مبيتهم. والمنوقة: المذللة، مثل قَوْله مدربة. ونذروا بهَا: علمُوا. وَقَوله: " بئس مَا جزتها " وَذَلِكَ لِأَن هَذِه الْمَرْأَة ركبت العضباء، فَلَمَّا سلمت عَلَيْهَا نذرت نحرها. الحديث: 461 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 وَقَوله: " لَا وَفَاء لنذر فِي مَعْصِيّة الله ". هَذَا دَلِيل على انْعِقَاده؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا نفى الْوَفَاء لَا الِانْعِقَاد. وَعِنْدنَا إِن نذر الْمعْصِيَة ينْعَقد وَيكون مُوجبه كَفَّارَة يَمِين. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا ينْعَقد وَلَا يلْزم بِهِ كَفَّارَة. وَقَوله: " فِيمَا لَا يملك العَبْد " وَهَذَا من جنس الأول، وَعِنْدنَا أَنه إِذا قَالَ: غُلَام فلَان حر لَأَفْعَلَنَّ كَذَا الْيَوْم، وَلم يفعل، فَعَلَيهِ كَفَّارَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى: لَا شَيْء عَلَيْهِ. 462 - / 565 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الْعَصْر فَسلم من ثَلَاث رَكْعَات، ثمَّ دخل منزله فَقَامَ إِلَيْهِ رجل يُقَال لَهُ الْخِرْبَاق فَذكر لَهُ صَنِيعه، فَخرج غَضْبَان حَتَّى أَتَى إِلَى النَّاس فَقَالَ: " أصدق هَذَا؟ " قَالُوا: نعم، فصلى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ، ثمَّ سلم. ظَاهر هَذَا الحَدِيث أَنه سجد قبل السَّلَام، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة مُبينًا، وَأَنه سلم ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ، إِلَّا أَنه لَيْسَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة ذكر سَلام بعد السَّجْدَتَيْنِ، وَهُوَ مَذْكُور هَاهُنَا فِي مُسْند عمرَان. وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَن كَلَام الْمُصَلِّي نَاسِيا لم يبطل الصَّلَاة، الحديث: 462 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تكلم مُعْتَقدًا أَنَّهَا قد تمت وَأَنه لَيْسَ فِي الصَّلَاة، وَكَذَلِكَ الْخِرْبَاق تكلم مُعْتَقدًا أَنَّهَا تمت لِإِمْكَان وُقُوع النّسخ. فَأَما كَلَام بَقِيَّة النَّاس فقد رُوِيَ أَنهم أومأوا: أَي نعم، فَيكون قَول الرَّاوِي: قَالُوا: نعم، يجوز: رَوَاهُ بِالْمَعْنَى كَمَا تَقول: قلت بيَدي ورأسي، قَالَ الشَّاعِر: (قَالَت لَهُ العينان سمعا وَطَاعَة ... ... ... ... ... ... . .) فَإِن ثَبت هَذَا فَلَا كَلَام، وَإِن كَانُوا قَالُوا بألسنتهم فَلَا يضر لِأَنَّهُ لم ينْسَخ من الْكَلَام مَا كَانَ جَوَابا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لقَوْله تَعَالَى: {اسْتجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذا دعَاكُمْ لما يُحْيِيكُمْ} [الْأَنْفَال: 24] وَيدل عَلَيْهِ حَدِيث سعيد بن الْمُعَلَّى: كنت أُصَلِّي فدعاني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم أجبه، فَقلت: كنت أُصَلِّي، فَقَالَ: " ألم يقل الله: {اسْتجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذا دعَاكُمْ لما يُحْيِيكُمْ} ؟ " وَإِذا ثَبت أَن جَوَاب الرَّسُول وَاجِب فَلَيْسَ بمبطل. وَقد اخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد فِي كَلَام النَّاسِي فِي الصَّلَاة، فَروِيَ عَنهُ أَنه تبطل، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَاخْتَارَهُ أَكثر مَشَايِخنَا، وَرُوِيَ عَنهُ أَنه لَا تبطل، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَهُوَ الَّذِي أختاره. والحرف الَّذِي يتنازع فِيهِ: هَل الْكَلَام من المنافيات أَو من الْمَحْظُورَات؟ فعلى الرِّوَايَة الأولى أَنه منَاف كالحدث، وعَلى الْأُخْرَى أَنه مَحْظُور، وَلَا حظر مَعَ النسْيَان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 463 - / 566 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: " إِن أَخا لكم قد مَاتَ فصلوا عَلَيْهِ ". يَعْنِي النَّجَاشِيّ. قَالَ ابْن إِسْحَق: اسْم النَّجَاشِيّ أَصْحَمَة. وَهُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ عَطِيَّة. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: إِنَّمَا النَّجَاشِيّ اسْم الْملك كَقَوْلِك هِرقل وَقَيْصَر، وَلست أَدْرِي أبالعربية هُوَ أم وفَاق وَقع بَين الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا. وَالنَّجَاشِي هُوَ الناجش، والنجش: استثارة الشَّيْء، وَمِنْه قيل للزائد فِي السّلْعَة ناجش ونجاش. وَقد دلّ الحَدِيث على جَوَاز الصَّلَاة على الْمَيِّت الْغَائِب بِالنِّيَّةِ، وَهُوَ قَول أَحْمد وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز. 464 - / 567 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: أَن امْرَأَة لعنت ناقتها، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " خُذُوا مَا عَلَيْهَا ودعوها؛ فَإِنَّهَا ملعونة ". إِن قيل: اللَّعْنَة الْبعد، وَإِنَّمَا يكون جَزَاء الذَّنب، والناقة غير مكلفة، فَكيف تقع عَلَيْهَا لعنة؟ فَالْجَوَاب من أَرْبَعَة أوجه: أَحدهَا: أَن معنى وُقُوع اللَّعْنَة عَلَيْهَا خُرُوجهَا من الْبركَة واليمن، ودخولها فِي الشَّرّ والشؤم، وللعنة تَأْثِير فِي الأَرْض والمياه، وَسَيَأْتِي فِي مُسْند ابْن عمر أَن النَّاس نزلُوا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرض ثَمُود واستقوا من بئارها واعتجنوا بِهِ، فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يهريقوا مَا الحديث: 463 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 استقوا من بئارها وَأَن يعلفوا الْإِبِل الْعَجِين، وَأمرهمْ أَن يسقوا من الْبِئْر الَّتِي كَانَت تردها النَّاقة. وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث أبي بَرزَة أَن امْرَأَة لعنت ناقتها، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تصاحبنا نَاقَة عَلَيْهَا لعنة ". وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث أبي الْيُسْر أَن رجلا لعن بعيره فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " انْزِلْ عَنهُ، فَلَا تصحبنا بملعون. وَلَا تدعوا على أَنفسكُم، وَلَا تدعوا على أَوْلَادكُم، وَلَا تدعوا على أَمْوَالكُم، وَلَا توافقوا من الله سَاعَة يسْأَل فِيهَا عَطاء فيستجاب لكم ". وَالثَّانِي: أَنه نهى عَن ركُوبهَا؛ لِأَن لَاعن النَّاقة ظلمها باللعن، فتخوف رُجُوع اللَّعْنَة عَلَيْهِ، قَالَ عَمْرو بن قيس: إِذا لعن الرجل الدَّابَّة قَالَت لَهُ: على أعصانا لله لعنته. ذكره ابْن الْأَنْبَارِي. وَالثَّالِث: أَن دَعْوَة اللاعن للناقة كَانَت مجابة، وَلِهَذَا قَالَ: " إِنَّهَا ملعونة ". وَالرَّابِع: أَنه إِنَّمَا فعل هَذَا عُقُوبَة لصَاحِبهَا لِئَلَّا يعود إِلَى مثل ذَلِك، حَكَاهُمَا الْخطابِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة عشر حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة. 465 - / 568 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول قَوْله: " لَا تسْأَل الْإِمَارَة، فَإنَّك إِن أعطيتهَا من غير مَسْأَلَة أعنت عَلَيْهَا، وَإِن أعطيتهَا عَن مَسْأَلَة وكلت إِلَيْهَا ". أما نَهْيه عَن سُؤال الْإِمَارَة، فَإِن الْإِمَارَة أَمَانَة، والإمارة بلَاء، فَنَهَاهُ عَن سُؤال الْبلَاء. وَقَوله: " وكلت إِلَيْهَا " أَي أسلمت إِلَيْهَا فضعفت عَنْهَا وَظهر عجزك. وَقد أَفَادَ هَذَا الحَدِيث تَعْلِيم التَّسْلِيم إِلَى اخْتِيَار الله عز وَجل؛ فَإِنَّهُ من رَضِي بِالْقضَاءِ أعين على الْمقْضِي، وَمن مَال إِلَى اخْتِيَار نَفسه وكل إِلَى تَدْبيره كَمَا قَالَ فِي حق هَاجر: " لَو تركت زَمْزَم لكَانَتْ عينا معينا ". الحديث: 465 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 466 - / 569 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " لَا تحلفُوا بالطواغي وَلَا بِآبَائِكُمْ ". الطواغي جمع طاغية، وَهِي الطواغيت، وَهِي الْأَصْنَام الَّتِي كَانَت تعبد فِي الْجَاهِلِيَّة. والطغيان فِي الْحَقِيقَة مُضَاف إِلَى عابديها، لَكِنَّهَا لما كَانَت السَّبَب أضيف إِلَيْهَا فَقيل طواغي: أَي مطغي فِيهَا، كَقَوْلِه تَعَالَى: {إنَّهُنَّ أضللن كثيرا من النَّاس} [إِبْرَاهِيم: 36] وأصل الطغيان مُجَاوزَة الْحَد فِي الْمعْصِيَة، وَيُقَال: طَغى الْبَحْر: إِذا هَاجَتْ أمواجه، وطغى السَّيْل: جَاءَ بِمَاء كثير. وطغى الدَّم: تتيع. قَالَ الْخَلِيل: والطغوان لُغَة فِي الطغيان، وَالْفِعْل طغيت وطغوت. وَأما الْحلف بِالْآبَاءِ فقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند عمر. 467 - / 570 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: حسر عَنْهَا: أَي كشف. الحديث: 466 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن مُغفل وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سِتَّة. 468 - / 571 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول قَوْله: " بَين كل أذانين صَلَاة لمن شَاءَ ". المُرَاد بالأذانين الْأَذَان وَالْإِقَامَة، فَلَمَّا أضيفت الْإِقَامَة إِلَى الْأَذَان سميت باسمه، كَمَا قيل الْعمرَان وَالْمرَاد أَبُو بكر وَعمر، وَمعنى الحَدِيث: من شَاءَ تطوع حِينَئِذٍ. فَإِن قيل: فَلم خص التَّطَوُّع بِهَذَا الْوَقْت وَقد علم أَنه يجوز فِي غَيره؟ فَالْجَوَاب أَنه قد يجوز أَن يتَوَهَّم أَن الْأَذَان للصَّلَاة يمْنَع أَن يفعل سوى الصَّلَاة الَّتِي أذن لَهَا، فَبين جَوَاز التَّطَوُّع. 469 - / 572 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: فنزوت. الحديث: 468 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 وَالْمعْنَى: وَثَبت مسرعا. 470 - / 573 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: نهى عَن الْخذف وَقَالَ: " إِنَّه لَا ينْكَأ بِهِ عَدو ". الْخذف فِي الْأَغْلَب: الرَّمْي بالشَّيْء الْيَسِير كالحصاة والنواة، وأغلب مَا يكون بأطراف الْأَصَابِع. والنكاية فِي الْعَدو: التَّأْثِير فِيهِ ببلوغ الْأَذَى مِنْهُ. ويفقأ الْعين: يشقها. 471 - / 574 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: فَرجع فِي قِرَاءَته. أَي: ردد وَتثبت. 472 - / 575 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ: " لَا يغلبنكم الْأَعْرَاب على اسْم صَلَاتكُمْ الْمغرب، والأعراب تَقول هِيَ الْعشَاء ". الْمَعْنى: سَموهَا أَنْتُم بالمغرب لَا بالعشاء، وَسَيَأْتِي فِي مُسْند ابْن عمر: " لَا يغلبنكم الْأَعْرَاب، أَلا إِنَّهَا الْعشَاء، وهم يعتمون بحلاب الْإِبِل ". وَهَذِه إِشَارَة إِلَى الْعَتَمَة. الحديث: 470 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 473 - / 576 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ مُسلم: أَمر بقتل الْكلاب ثمَّ قَالَ: " مَا بالهم وبال الْكلاب " ثمَّ أرخص فِي كلب الصَّيْد وكلب الْغنم. أما أمره بقتل الْكلاب فقد بَقِي هَذَا مُدَّة ثمَّ نهى عَن ذَلِك بقوله: " مَا بالهم وبال الْكلاب " وَسَيَأْتِي فِي مُسْند جَابر قَالَ: أمرنَا رَسُول الله بقتل الْكلاب ثمَّ نهى عَن قَتلهَا. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: اقْتُلُوا مِنْهَا كل أسود بهيم. وَيَجِيء فِي حَدِيث: " لَوْلَا أَن الْكلاب أمة لأمرت بقتلها " أَي لاستدمت الْأَمر بذلك. وَلَو أَرَادَ الله سُبْحَانَهُ إبِْطَال أمة لما أَمر نوحًا أَن يحمل مَعَه فِي سفينته من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، فَلَمَّا حفظ الحمائر للتناسل علم أَنه أَرَادَ حفظ كل الْأُمَم. وَيحْتَمل قَوْله: " لَوْلَا أَن الْكلاب أمة " أَي خلق كثير يشق استيعابها فِي كل الْأَمَاكِن، فَلَا يحصل استئصالها، وَإِنَّمَا أَمر بقتلها لِأَن الْقَوْم ألفوها، وَكَانَت تخالطهم فِي أوانيهم، فَأَرَادَ فطامهم عَن ذَلِك فَأمر بِالْقَتْلِ، فَلَمَّا اسْتَقر فِي نُفُوسهم تنجيسها وإبعادها نهى عَن ذَلِك، فَصَارَ النَّهْي نَاسِخا لذَلِك الْأَمر. وَمعنى: رخص فِي كلب الصَّيْد وَالْغنم: أَي فِي اقتنائهما. وَقَوله: " إِذا ولغَ الْكَلْب ... " ولوغ الْكَلْب: تنَاوله المَاء بِطرف لِسَانه، يُقَال: ولغَ يلغ. الحديث: 473 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 وتعفير الْإِنَاء: غسله بِمَاء مَعَه تُرَاب. والعفر: التُّرَاب. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على نَجَاسَة الْكَلْب، لِأَنَّهُ أَمر بِغسْل الْإِنَاء، وَقد كشف هَذَا قَوْله فِي حَدِيث آخر: " طهُور إِنَاء أحدكُم " وَالطَّهَارَة تضَاد النَّجَاسَة، وَزَاد هَذَا كشفا أمره بالتعفير، فَلَا يخفى أَن ضم التُّرَاب إِلَى المَاء لزِيَادَة الِاحْتِيَاط فِي التَّطْهِير وَرفع النَّجَاسَة. وَمِمَّنْ ذهب إِلَى أَن الْكَلْب نجس أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وَقَالَ مَالك وَدَاوُد: إِنَّه طَاهِر، وَإِنَّمَا يغسل ولوغه تعبدا. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على وجوب الْعدَد، وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد، فَروِيَ عَنهُ سبع مَرَّات إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ على حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي، وَوَافَقَ مَالك دَاوُد على وجوب هَذَا الْعدَد، إِلَّا أَن عِنْدهمَا لَا للنَّجَاسَة. وَرُوِيَ عَن أَحْمد ثَمَان مَرَّات إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ على هَذَا الحَدِيث. وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أبي حنيفَة، فَروِيَ عَنهُ: يغسل ثَلَاثًا، وَرُوِيَ عَنهُ أَنه لَا يشْتَرط الْعدَد، بل يغسل حَتَّى يغلب على الظَّن الطَّهَارَة. فَإِن أَدخل الْكَلْب يَده أَو رجله غسل الْإِنَاء كَمَا لَو ولغَ فِيهِ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَقَالَ مَالك وَدَاوُد: لَا يجب غسله. وَالْخِنْزِير كَالْكَلْبِ فِيمَا ذكرنَا خلافًا لمَالِك وَدَاوُد. وَقد نبه هَذَا الحَدِيث على وجوب الْعدَد فِي غسل النَّجَاسَات، لِأَنَّهُ لما نَص فِي الولوغ على سبع نبه على سَائِر النَّجَاسَات، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُور من مَذْهَب أَحْمد بن حَنْبَل، وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: يجب غسل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 الأنجاس ثَلَاث مَرَّات، وَهُوَ قَول لأبي حنيفَة، وَعنهُ رِوَايَة ثَالِثَة: لَا يجب الْعدَد، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْمَشْهُور عَن أبي حنيفَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 (26) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي بكرَة [15] واسْمه نفيع، وَإِنَّمَا كني بِأبي بكرَة لِأَن رَسُول الله لما حاصر أهل الطَّائِف نَادَى مناديه: " أَيّمَا عبد نزل من الْحصن إِلَيْنَا فَهُوَ حر. . فَنزل أَبُو بكرَة فِي بكرَة، فكنى بذلك. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة عشر حَدِيثا. 474 - / 577 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: [15] " إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض ". إِنَّمَا قَالَ هَذَا لأجل النسيء الَّذِي كَانَت الْعَرَب تَفْعَلهُ، وَفِيه نزل: {إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر} [التَّوْبَة: 37] والنسيء؛ تَأْخِير الشَّيْء، وَكَانَت الْعَرَب قد تمسكت من مِلَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بِتَحْرِيم الشُّهُور الْأَرْبَعَة، فَرُبمَا احتاجوا إِلَى تَحْلِيل الْمحرم لِحَرْب تكون بَينهم فيؤخرون تَحْرِيم الْمحرم إِلَى صفر، ثمَّ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَأْخِير تَحْرِيم صفر، ثمَّ كَذَلِك حَتَّى تتدافع الشُّهُور فيستدير التَّحْرِيم على السّنة كلهَا، فكأنهم يستنسئون الشَّهْر الْحَرَام ويستقرضونه. قَالَ الْفراء: كَانَت الحديث: 474 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا أَرَادوا الصَّدْر عَن منى قَامَ رجل من بني كنَانَة يُقَال لَهُ نعيم بن ثَعْلَبَة. وَكَانَ رَئِيس الْمَوْسِم، يَقُول: أَنا الَّذِي لَا أعاب وَلَا أخاب وَلَا يرد لي قَضَاء، فَيَقُولُونَ: أنسئنا شهرا، يُرِيدُونَ: أخر عَنَّا حُرْمَة الْمحرم وَاجْعَلْهَا فِي صفر، فيفعل ذَلِك. وَقَالَ مُجَاهِد: أول من أظهر النسيء جُنَادَة بن عَوْف الْكِنَانِي، فَوَافَقت حجَّة أبي بكر ذَا الْقعدَة، ثمَّ حج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعَام الْقَابِل فِي ذِي الْحجَّة، فَذَلِك حِين قَالَ: " إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيئَةِ ". وَقَوله: " اسْتَدَارَ " من الدّور. والهيئة: الْحَالة. وَسمي الشَّهْر شهرا لشهرته. [15] وَقَوله:: " مِنْهَا أَرْبَعَة حرم إِنَّمَا سَمَّاهَا حرما لمعنيين: أَحدهمَا: لتَحْرِيم الْقِتَال فِيهَا، وَكَانَت الْعَرَب تعتقد ذَلِك. وَالثَّانِي: لِأَن تَعْظِيم انتهاك الْمَحَارِم فِيهَا أَشد من تَعْظِيمه فِي غَيرهَا. [15] قَوْله: " ذُو الْقعدَة " قَالَ ثَعْلَب: إِنَّمَا سموهُ ذَا الْقعدَة لأَنهم كَانُوا يَقْعُدُونَ فِيهِ؛ وسموه ذَا الْحجَّة لأَنهم كَانُوا يحجون فِيهِ. وَأما الْمحرم فلتحريمه، وَأما صفر فلأنهم كَانُوا يطْلبُونَ الْميرَة فِيهِ، يُقَال: صفر السقاء: إِذا لم يكن فِيهِ شَيْء. وربيع لأَنهم يربعون فِيهَا. وجمادى لِأَن المَاء يجمد فيهمَا. وَرَجَب من التَّعْظِيم، يُقَال: رجبه يرجبه: إِذا عظمه. [15] أما إِضَافَته إِلَى مُضر فلأنهم كَانُوا يعظمونه أَشد من بَقِيَّة الْعَرَب. [15] وَقَوله: " بَين جُمَادَى وَشَعْبَان " يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: التَّأْكِيد كَمَا قَالَ: " ابْن لبون ذكر ". وَالثَّانِي: لمَكَان مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ من النسيء؛ فَإِن الْأَشْهر كَانَت تنْقَلب بالنسيء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 [15] قَالَ ثَعْلَب: وَسمي شعْبَان لأَنهم كَانُوا يتفرقون فِيهِ ويتشعبون. [15] قَوْله: وَأَعْرَاضكُمْ " أَي نفوسكم، قَالَ ابْن قُتَيْبَة: عرض الرجل نَفسه، وَمن شتم عرض رجل فَإِنَّمَا ذكره فِي نَفسه بالسوء، وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أهل الْجنَّة: " لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَإِنَّمَا هُوَ عرق يجْرِي من أعراضهم مثل الْمسك " وَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْعرض مَوضِع الْمَدْح والذم من الْإِنْسَان، ذهب بِهِ أَبُو الْعَبَّاس إِلَّا أَن الْقَائِل إِذا ذكر عرض فلَان فَمَعْنَاه أُمُوره الَّتِي يرْتَفع أَو يسْقط بذكرها، وَمن جِهَتهَا يحمد أَو يذم، فَيجوز أَن تكون أموراً يذكر بهَا دون أسلافه، وَيجوز أَن يذكر أسلافه ليلحقه النَّقْص بعيبهم، لَا يعلم بَين أهل اللُّغَة خِلَافه إِلَّا مَا قَالَه ابْن قُتَيْبَة، فَإِنَّهُ أنكر أَن يكون الْعرض الأسلاف، وَزعم أَن عرض الرجل نَفسه، وَاحْتج بقوله عَلَيْهِ السَّلَام: " وَإِنَّمَا هُوَ عرق يجْرِي من أعراضهم " قَالَ: مَعْنَاهُ من أبدانهم، وَاحْتج بقول أبي الدَّرْدَاء: أقْرض من عرضك ليَوْم فقرك. قَالَ مَعْنَاهُ: من نَفسك بِأَن لَا تذكر من ذكرك. وَاحْتج بِحَدِيث أبي ضَمْضَم: اللَّهُمَّ إِنِّي قد تَصَدَّقت بعرضي، قَالَ: مَعْنَاهُ: بنفسي وأحللت من اغتابني. قَالَ: فَلَو كَانَ الْعرض الأسلاف مَا جَازَ لَهُ أَن يحل من سبّ الْمَوْتَى، لِأَن ذَلِك إِلَيْهِم لَا إِلَيْهِ. وَمِمَّا يدل على ذَلِك قَول حسان: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 (فَإِن أبي ووالده وعرضي ... لعرض مُحَمَّد مِنْكُم وقاء) [15] قَالَ أَبُو بكر: فَهَذَا الَّذِي ذهب إِلَيْهِ ابْن قُتَيْبَة وَاضح الْخَطَأ؛ أَلا ترى قَول مِسْكين الدَّارمِيّ: (رب مهزول سمين عرضه ... وسمين الْجِسْم مهزول الْحسب) [15] فَلَو كَانَ الْعرض الْبدن والجسم على مَا ادّعى لم يكن مِسْكين ليقول: " رب سمين عرضه " إِذْ كَانَ مستحيلاً أَن يَقُول الْقَائِل: رب مهزول سمين جِسْمه، لِأَنَّهُ متناقض، وَإِنَّمَا أَرَادَ: رب مهزول جِسْمه كَرِيمَة أَفعاله. فَأَما الحَدِيث الَّذِي احْتج بِهِ فِي صفة أهل الْجنَّة فَقَالَ الْأمَوِي: الْأَعْرَاض: المغابن، وَهِي الْمَوَاضِع الَّتِي تعرق من الْجَسَد وَقَول أبي الدَّرْدَاء: أقْرض من عرضك، مَعْنَاهُ: من عابك وَذكر أسلافك فَلَا تجاره. وَكَذَلِكَ قَول أبي ضَمْضَم مَعْنَاهُ: قد تَصَدَّقت على من ذَكرنِي أَو ذكر أسلافي بِمَا يرجع إِلَيّ عَيبه، وَلم يرد أَنه أحله من أسلافه، لكنه إِذا ذكر آباءه لحقه بذكرهم نقيصة فأحله مِمَّا أوصل إِلَيْهِ من الْأَذَى، فَأَما حسان فَإِنَّهُ أَرَادَ بقوله: وعرضي: جَمِيع أسلافي الَّذين أمدح وأذم من جهتهم؛ يدل عَلَيْهِ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فَإِن دماءكم وَأَعْرَاضكُمْ " فَلَو كَانَ الْعرض هُوَ النَّفس كَانَ ذكر الدَّم كَافِيا. وَقَوله: " أَلا هَل بلغت؟ " أَلا كلمة يُنَبه بهَا الْمُخَاطب. وَهل بِمَعْنى قد، كَقَوْلِه: {هَل أَتَاك حَدِيث مُوسَى} [النازعات: 15] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 [15] وَقَوله: " يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض " قَالَ لنا ابْن الخشاب: قد قَالَه قوم يضْرب بجزم الْبَاء، وَالصَّحِيح يضْرب بِالرَّفْع. [15] وَقَوله: انكفأ إِلَى كبشين. أَي رَجَعَ. والأملح: الَّذِي فِيهِ بَيَاض وَسَوَاد، غير أَن الْبيَاض فِيهِ أَكثر، قَالَ الشَّاعِر: (لكل دهر قد لبست أثوابا ... ) (حَتَّى اكتسى الرَّأْس قناعا أشيبا ... ) (أَمْلَح لَا لذا وَلَا محببا ... ) والجزيعة: الْقطعَة من الْغنم. [15] قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذِه الزِّيَادَة - يَعْنِي ذكر الكبشين والجزيعة من الْغنم - وهم من ابْن عون فِيمَا يُقَال، وَإِنَّمَا رَوَاهُ ابْن سِيرِين عَن أنس، وَلم يخرج البُخَارِيّ هَذِه الزِّيَادَة لذَلِك. وَالله أعلم. [15] وَقَوله: مَا بهشت لَهُم. أَي مَا دافعتهم وَلَا قاتلتهم. وأصل البهش من الْحَرَكَة والانزعاج. وَهَذَا قَالَه أَبُو بكرَة يَوْم حرق ابْن الْحَضْرَمِيّ، وَهَذَا هُوَ عبد الله بن عَامر بن الْحَضْرَمِيّ، وَقيل: عبد الله بن عَمْرو. وَقَالَ أَبُو عبيد: وَجه مُعَاوِيَة عبد الله بن عَامر الْحَضْرَمِيّ إِلَى الْبَصْرَة يَدْعُو أَهلهَا إِلَى بيعَته، فَنزل مربعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 الْأَحْنَف، فَبعث إِلَيْهِ عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام جَارِيَة بن قدامَة، فَسَار إِلَيْهِ فِي خيله، فالتجأ ابْن عَامر إِلَى دَار وَمَعَهُ سَبْعُونَ رجلا، فَأمر جَارِيَة، فأشعلت النَّار فِي الدَّار، فَاحْتَرَقَ ابْن عَامر وَمن مَعَه، وَكَانَ مَعَ ابْن الْحَضْرَمِيّ فِي الدَّار عبد الله ابْن خازم السّلمِيّ، فَأَتَتْهُ أمه عجلى فَقَالَت: لتنزلن أَو لألقين رِدَائي، فَلم يفعل، فَأَلْقَت رداءها، ثمَّ قَالَت: لتنزلن أَو لألقين خماري، فَلم يفعل، فألقته ثمَّ قَالَت: لتنزلن أَو لألقين إزَارِي فَنزل، فَأخذت بناصيته تجره وَهِي تَقول: (الله نجاك فشكرا شكرا ... ) (من حر نَار سعروها سعرا ... ) (طُوبَى لأم زفرتك زفرا ... ) (لَو كنت تجزيها بشفع وترا ... ) (مَا نلْت من دنياك عَيْشًا مرا ... ) [15] فلقيها رجل وَهِي تسوقه فَقَالَ: أتفعلين هَذَا بِسَيِّد الْعَرَب؛ فَقَالَ: دعها، فَإِنَّهَا وَالِدَة. 475 - / 578 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " شهرا عيد لَا ينقصان: رَمَضَان وَذُو الْحجَّة ". [15] أما الْعِيد فَقَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد الْعِيد كل يَوْم يجمع، كَأَنَّهُمْ عَادوا إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: سمي عيدا لِأَنَّهُ عود من الحديث: 475 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 التَّرَحِ إِلَى الْفَرح. [15] وَأما رَمَضَان فَقَالَ ابْن فَارس: الرمض: حر الْحِجَارَة من شدَّة حر الشَّمْس. وَلما نقلوا أَسمَاء الشُّهُور من اللُّغَة الْقَدِيمَة سَموهَا بالأزمنة الَّتِي وَقعت فِيهَا، فَوَافَقَ هَذَا الشَّهْر أَيَّام رمض الْحر، وَيجمع على رمضانات وأرمضاء. [15] فَإِن قيل: كَيفَ سمي رَمَضَان شهر عيد، وَإِنَّمَا الْعِيد فِي شَوَّال؟ [15] فقد أجَاب عَنهُ الْأَثْرَم بجوابين: أَحدهمَا: أَنه قد يرى هِلَال شَوَّال بعد الزَّوَال فِي آخر يَوْم من شهر رَمَضَان. وَالثَّانِي: أَنه لما قرب الْعِيد من الصَّوْم أَضَافَهُ إِلَيْهِ، وَالْعرب تسمي الشَّيْء باسم الشَّيْء إِذا قرب مِنْهُ. [15] وَفِي معنى قَوْله: " لَا ينقصان " أَرْبَعَة أَقْوَال: [15] أَحدهَا: أَن الْكَلَام خرج على الْغَالِب، وَالْغَالِب أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي النَّقْص إِن كَانَ أَحدهمَا تسعا وَعشْرين كَانَ الآخر ثَلَاثِينَ. قَالَ الْأَثْرَم: كَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يذهب إِلَى هَذَا. [15] وَالثَّانِي: أَن المُرَاد تَفْضِيل الْعَمَل فِي عشر ذِي الْحجَّة وَأَنه لَا ينقص من الْأجر عَن شهر رَمَضَان. وَالثَّالِث: أَن النَّاس لما كَانَ يكثر اخْتلَافهمْ فِي هذَيْن الشَّهْرَيْنِ لأجل عيدهم وحجهم، أعلمهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الشَّهْرَيْنِ - وَإِن نقصت أعدادهما فحكمهما على التَّمام والكمال فِي حكم الْعِبَادَة، لِئَلَّا يَقع فِي الْقُلُوب شكّ إِذا صَامُوا تِسْعَة وَعشْرين، أَو وَقع وقوفهم خطأ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 الْحَج فَبين أَن الثَّوَاب تَامّ وَإِن نقص الْعدَد، وَالْمعْنَى: لَا ينقص أجر من صامهما، ذكرهن أَبُو سُلَيْمَان البستي. [15] وَالرَّابِع: أَن الْإِشَارَة بِهَذَا كَانَت إِلَى سنة مَعْلُومَة، ذكره أَبُو بكر بن فورك. 476 - / 579 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: أمرنَا أَن نشتري الْفضة بِالذَّهَب كَيفَ شِئْنَا، ونشتري الذَّهَب بِالْفِضَّةِ كَيفَ شِئْنَا، فَسَأَلَهُ رجل فَقَالَ: يدا بيد؟ فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعت. [15] اعْلَم أَن الرِّبَا على ضَرْبَيْنِ: رَبًّا الْفضل، وَربا النَّسِيئَة. وَقد سبق الْكَلَام فِي رَبًّا النَّسِيئَة فِي مُسْند عمر عَلَيْهِ السَّلَام، وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِي رَبًّا الْفضل فِي مُسْند عبَادَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى، لِأَن هُنَاكَ أليق بِهِ. 477 - / 580 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " أَلا أنبئكم بأكبر الْكَبَائِر؟ الْإِشْرَاك بِاللَّه، وعقوق الْوَالِدين " وَكَانَ مُتكئا فَجَلَسَ فَقَالَ: " أَلا وَقَول الزُّور، وَشَهَادَة الزُّور " فَمَا زَالَ يكررها حَتَّى قُلْنَا: ليته سكت. [15] إِن قَالَ قَائِل: كَيفَ بَدَأَ بالشرك فِي هَذَا الحَدِيث وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود الْمُتَقَدّم ثمَّ ثنى هُنَاكَ بقتل الْوَلَد، فثلث بِالزِّنَا، وثنى هُنَا بعقوق الْوَالِدين وَثلث بِشَهَادَة الزُّور، وسمى هَذِه أكبر الْكَبَائِر، وَمَعْلُوم أَن الْقَتْل وَالزِّنَا أعظم من العقوق وَشَهَادَة الزُّور؟ الحديث: 476 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 [15] فَالْجَوَاب: أَنه كَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام ذكر لكل قوم مَا يخَاف أَن يصدر مِنْهُم أَكثر من غَيره، كَمَا قَالَ لبَعْضهِم: " لَا تغْضب " كَأَنَّهُ أحس مِنْهُ بِشدَّة الْغَضَب. وَيحْتَمل أَن يكون اقْتصر فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود على الذُّنُوب الَّتِي بَين العَبْد وَبَين ربه، وَذكر هَاهُنَا بعد الشّرك مَا يتَعَلَّق بالآدمي وجنسه. [15] فَإِن قيل: فَكيف عظم شَهَادَة الزُّور بتفخيم أمرهَا وتكرار ذكرهَا والشرك أعظم؟ [15] فَالْجَوَاب: أَن تَعْظِيم أَمر الشّرك قد عرف، فَأَرَادَ تَعْظِيم مَا لَا يعرف قدر وقعه، فكرر، كَمَا أَكثر ذكر عيب قوم لوط بالفاحشة، وَقوم شُعَيْب بالتطفيف، وَإِن كَانَ الشّرك أعظم. [15] وَاعْلَم أَن قبُول قَول الشَّاهِد إِنَّمَا كَانَ لما يظْهر من دينه وصلاحه، وَذَاكَ من ستر الله عز وَجل عَلَيْهِ وإنعامه، فَإِذا شهد بالزور قَابل النِّعْمَة بالكفران وبارز السَّاتِر، ثمَّ ضم إِلَى هَذَا اقتطاع المَال الْحَرَام، فَصَارَ قَوْله سَببا لنقض حكم الشَّرِيعَة من اخْتِصَاص صَاحب المَال بِمَالِه، فَلذَلِك عظم الْأَمر. [15] وَأما قَوْله: " حَتَّى قُلْنَا ليته سكت "، فلأنهم علمُوا أَن تكراره لذَلِك يُوجب تَعْظِيم هَذَا الذَّنب، وَقد عرفُوا أَن هَذِه الذلة تقع بِبَعْض الْمُسلمين، فأحبوا تيسير الْأَمر. 478 - / 581 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أثنى رجل عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " وَيلك، قطعت عنق صَاحبك " ثمَّ قَالَ: " من كَانَ مادحا أَخَاهُ لَا الحديث: 478 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 محَالة فَلْيقل: أَحسب فلَانا، وَالله حسيبه، وَلَا أزكي على الله أحدا ". [15] معنى الحَدِيث: أَنَّك عرضت صَاحبك للهلاك بمدحك إِيَّاه، لِأَن الْمَدْح يُحَرك إِلَى الْإِعْجَاب بِالنَّفسِ، وَالْكبر. [15] وَقَوله: " وَالله حسيبه " أَي محاسبه على أَعماله، فَإِن شَاءَ عاقبه بذنوبه. وَقد سبق الْكَلَام فِي الْمَدْح فِي مُسْند أبي مُوسَى. 479 - / 582 وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " لَا يحكم أحد بَين اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَان ". [15] الْغَضَب: غليان دم الْقلب طلبا للانتقام، وَذَلِكَ يخرج الطَّبْع عَن حد الِاعْتِدَال، وَمن قد عجز عَن الحكم لعقله على هَوَاهُ عجز عَن الحكم لغيره، وَقد كَانَت الْعَرَب تَقول: الْغَضَب غول الْعقل. يعنون أَنه يغوله وَيذْهب بِهِ. وَفِي معنى الْغَضَب الْجُوع وَالْمَرَض وكل مَا يخرج عَن الِاعْتِدَال. 480 - / 583 وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " أَرَأَيْتُم إِن كَانَ جُهَيْنَة وَمُزَيْنَة وَأسلم وغفار خيرا من بني تَمِيم وَبني أَسد وَبني غطفان " قَالُوا: خابوا وخسروا. قَالَ: " فَإِنَّهُم خير مِنْهُم ". [15] هَذِه الْقَبَائِل المفضولة كَانَت نَاقِصَة الْقدر عِنْد الْعَرَب، ففضلت بِالْإِسْلَامِ على من كَانَ أفضل مِنْهَا 481 - / 584 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: " إِذا التقى المسلمان بسيفيهما الحديث: 479 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 فالقاتل والمقتول فِي النَّار ". [15] قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: هَذَا إِنَّمَا يكون فِي اللَّذين يقتتلان على غير تَأْوِيل، بل على عَدَاوَة أَو عصبية أَو طلب دنيا، فَأَما من قَاتل أهل الْبَغي فَقتل أَو دفع عَن نَفسه فَإِنَّهُ لَا يدْخل فِي هَذَا الْوَعيد؛ لِأَنَّهُ مَأْمُور بالذب عَن نَفسه غير قَاصد قتل صَاحبه، أَلا ترَاهُ يَقُول: " إِنَّه كَانَ حَرِيصًا على قتل صَاحبه ". [15] وَقَوله: " فهما فِي جرف جَهَنَّم " الجرف جَانب الْوَادي الَّذِي يتجرف بالسيل، أَي يتهدم أَو يخَاف عَلَيْهِ ذَلِك. 482 - / 586 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي من أَفْرَاد البُخَارِيّ: [15] إِن أَبَا بكرَة انْتهى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ رَاكِع فَرَكَعَ قبل أَن يصل إِلَى الصَّفّ، فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " زادك الله حرصا، وَلَا تعد ". [15] ظَاهر هَذَا الحَدِيث النَّهْي عَن صَلَاة الْفَذ، وَمن صلى وَلم يعلم بِالنَّهْي أعلم وَصحت صلَاته، فَإِن علم وَصلى فَذا لم تصح، وَهَذَا قَول سعيد بن جُبَير، وَالنَّخَعِيّ، وَالْحسن بن صَالح، وَإِسْحَق بن رَاهَوَيْه، وَأحمد بن حَنْبَل، خلافًا للأكثرين. الحديث: 482 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 483 - / 587 وَقد ذكرنَا الحَدِيث الثَّالِث فِي مُسْند أبي مُوسَى، إِلَّا أَن صفة صَلَاة الْكُسُوف تَأتي فِي مُسْند ابْن عَبَّاس إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 484 - / 588 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " لَا يفلح قوم ولوا أَمرهم امْرَأَة ". [15] سَبَب قَول رَسُول الله هَذَا أَنه لما قتل شيرويه أَبَاهُ كسْرَى لم يملك سوى ثَمَانِيَة أشهر، وَيُقَال سِتَّة أشهر، ثمَّ هلك فَملك بعده ابْنه أردشير، وَكَانَ لَهُ سبع سِنِين فَقتل، فملكت بعده بوران بنت كسْرَى، فَبلغ هَذَا رَسُول الله، فَقَالَ: " لن يفلح قوم ولوا أَمرهم امْرَأَة ". وَكَذَلِكَ كَانَ، فَإِنَّهُم لم يستقم لَهُم أَمر. [15] والفلاح: الْفَوْز بالمطلوب، وَالتَّدْبِير يحْتَاج إِلَى كَمَال الرَّأْي، وَنقص الْمَرْأَة مَانع. [15] وَفِي الحَدِيث دَلِيل على أَن الْمَرْأَة لَا تلِي الْإِمَارَة وَلَا الْقَضَاء وَلَا عقد النِّكَاح. 485 - / 589 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: اسْتقْبل الْحسن بن عَليّ مُعَاوِيَة بكتائب أَمْثَال الْجبَال. [15] الْكَتَائِب جمع كَتِيبَة: وَهِي الْقطعَة المجتمعة من الْجَيْش. الحديث: 483 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 والأقران جمع قرن. [15] وَقَوله: قد عاثت فِي دمائها. أَي أفسدت وتجاوزت. والعيث: الْفساد. [15] وَقَوله: " إِن ابْني هَذَا سيد " السَّيِّد الرئيس الَّذِي يفوق قومه. قَالَ الْخطابِيّ: اشتقاقه من السوَاد: أَي هُوَ الَّذِي يَلِي السوَاد الْعَظِيم وَيقوم بشأنهم. [15] والفئة: الْجَمَاعَة. قَالَ الزّجاج: هُوَ من فأوت رَأسه بالعصا، وفأيت: إِذا شققته. [15] وَقد بَان صدق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مصالحة الْحسن مُعَاوِيَة. 486 - / 590 وَفِيمَا انْفَرد بِهِ مُسلم: " تكون فتْنَة الْقَاعِد خير من الْمَاشِي فِيهَا، والماشي فِيهَا خير من السَّاعِي ". [15] الْمَشْي دون السَّعْي. [15] وَقَوله: " يعمد إِلَى سَيْفه فَيدق على حَده " كِنَايَة عَن ترك الْقِتَال، لِأَنَّهُ إِذا فعل هَذَا بِسَيْفِهِ لم يُقَاتل. [15] وَقَوله: " يبوء بإثمه ": أَي يرجع بإثمه فِيمَا اجترأ عَلَيْك، " وبإثمك " فِيمَا ارْتَكَبهُ فِي قَتلك. الحديث: 486 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 (27) كشف الْمُشكل من مُسْند بُرَيْدَة بن الْحصيب [15] لَيْسَ فِي الصَّحَابَة من اسْمه بُرَيْدَة سوى هَذَا. وَفِي الصحابيات امْرَأَة اسْمهَا بُرَيْدَة بنت بشر بن الْحَارِث، لَيْسَ فِي الصحابيات من اسْمهَا بُرَيْدَة سواهَا. [15] وَجُمْلَة مَا روى بُرَيْدَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة وَسَبْعَة وَسِتُّونَ حَدِيثا، لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة عشر حَدِيثا. 487 - / 591 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول قَوْله: غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتّ عشرَة غَزْوَة. وَفِي رِوَايَة: تسع عشرَة غَزْوَة، قَاتل مِنْهُنَّ فِي ثَمَان. [15] كَانَ بُرَيْدَة يُشِير إِلَى مَا شَاهد من الْغَزَوَات؛ لِأَنَّهُ لَقِي رَسُول الله فِي طَرِيق الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة فَأسلم، وَلم يقدم عَلَيْهِ حَتَّى مَضَت بدر وَأحد. وعَلى مَا سَاقه مُحَمَّد بن سعد فِي " الطَّبَقَات ": غزوات رَسُول الله سبع وَعِشْرُونَ، وسراياه سِتّ وَخَمْسُونَ. وَفِي رِوَايَة أَن السَّرَايَا سبع وَأَرْبَعُونَ، وَالَّذِي قَاتل فِيهِ رَسُول الله من الْغَزَوَات: بدر، وَأحد، والمريسيع، الحديث: 487 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 وَالْخَنْدَق، وَقُرَيْظَة، وخيبر، وَالْفَتْح، وحنين، والطائف. قَالَ ابْن سعد: هَذَا الَّذِي اجْتمع لنا عَلَيْهِ، وَفِي بعض الرِّوَايَات أَنه قَاتل فِي بني النَّضِير، وَفِي غزَاة وَادي الْقرى مُنْصَرفه من خَيْبَر، وَفِي الغابة. 488 - / 592 وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: [15] أَن رَسُول الله بعث عليا إِلَى خَالِد يَعْنِي إِلَى الْيمن ليقْبض الْخمس، فاصطفى عَليّ مِنْهَا سبية، فَأصْبح وَقد اغْتسل، فَقلت لخَالِد: أَلا ترى إِلَى هَذَا؟ . وَتَمام هَذَا الحَدِيث فِي غير هَذِه الرِّوَايَة: وَكنت أبْغض عليا، فَلَمَّا قدمنَا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكرت لَهُ ذَلِك فَقَالَ: " يَا بُرَيْدَة أتبغض عليا؟ " فَقلت: نعم. فَقَالَ: " لَا تبْغضهُ، فَإِن لَهُ فِي الْخمس أَكثر من ذَلِك ". [15] وَفِي هَذَا الحَدِيث إِشْكَال من أَرْبَعَة أوجه: أَحدهَا: كَيفَ جَازَ لعَلي عَلَيْهِ السَّلَام أَن يصطفي لنَفسِهِ مِمَّا لم يقسم؟ وَالثَّانِي: كَيفَ جَازَ لَهُ أَن يطَأ من غير اسْتِبْرَاء؟ . وَالثَّالِث: كَيفَ فعل هَذَا وَقد علم غضب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خطب على فَاطِمَة؟ وَالرَّابِع: كَيفَ يجوز لبريدة أَن يبغض عليا، وَمَا وَجه هَذَا البغض؟ [15] وَالْجَوَاب: أما الأول فَاعْلَم أَن كثيرا من الْأَحَادِيث تروى مبتورة الحديث: 488 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 فَيَقَع الْإِشْكَال لذَلِك، وَقد جَاءَ هَذَا الحَدِيث مُبينًا من طَرِيق آخر: قَالَ بُرَيْدَة: كنت فِي جَيش فغنموا، فَبعث أَمِير الْجَيْش إِلَى رَسُول الله أَن ابْعَثْ من يخمسها، فَبعث عليا وَفِي السَّبي وصيفة من أفضل السَّبي وَقعت فِي الْخمس، ثمَّ خمس فَصَارَت فِي أهل بَيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ خمس فَصَارَت فِي آل عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. فقد كشف هَذَا الحَدِيث الْحَال، وَأَنه أَمر عليا بِقَبض الْخمس وقسمته وَقبض حَقه مِنْهُ، فعلى هَذَا مَا تصرف إِلَّا بعد الْقِسْمَة. [15] وَأما الْإِشْكَال الثَّانِي: فَجَوَابه من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن عليا عَلَيْهِ السَّلَام اصْطفى تِلْكَ السبية وَأصْبح يَوْمًا من الْأَيَّام وَقد اغْتسل لَا من وَطئهَا، فظنوا أَنه من وَطئهَا. وَالثَّانِي: أَن يكون من وَطئهَا وَلَا يكون ذَلِك الإصباح عقيب سبيهَا. بل لما استبرأها. [15] وَالثَّالِث أَن تكون غير بَالِغَة، وَقد ذهب جمَاعَة من الْعلمَاء إِلَى أَن غير البوالغ لَا يستبرأن، مِنْهُم الْقَاسِم بن مُحَمَّد، وَمِنْهُم اللَّيْث بن سعد، وَأَبُو يُوسُف، وَكَانَ أَبُو يُوسُف لَا يرى اسْتِبْرَاء الْعَذْرَاء وَإِن كَانَت بَالِغَة، فَيحْتَمل أَن تكون تِلْكَ الوصيفة عذراء. [15] وَأما الْإِشْكَال الثَّالِث: فَجَوَابه من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون هَذَا قبل مَا جرى من خطبَته جوَيْرِية بنت أبي جهل وإنكار رَسُول الله تِلْكَ الْحَالة. وَالثَّانِي: أَن وَطْء سبية لموْضِع الْحَاجة فِي السّفر لَا يكون كاتخاذ زَوْجَة. [15] وَأما الْإِشْكَال الرَّابِع: فَإِن الْإِنْسَان إِذا رأى من يفعل شَيْئا لَا يفهمهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 أبغضه لذَلِك، وَهَذَا مَنْسُوب إِلَى سوء الْفَهم أَيْضا، فَكَأَنَّهُ كَانَ يرى من أَفعاله مَالا يعلم مَعْنَاهُ فَيبْغضهُ لذَلِك: (وَكم من عائب قولا صَحِيحا ... وآفته من الْفَهم السقيم) [15] وَقد بلغنَا أَن رجلا من كبار الْعلمَاء تزوج امْرَأَة ثمَّ طَلقهَا، فَلَمَّا كَانَ فِي بَقِيَّة تِلْكَ اللَّيْلَة دخل عَلَيْهَا فَوَطِئَهَا، وَكَانَ يرى أَن وَطْء الرَّجْعِيَّة مُبَاح، وَهُوَ مَذْهَب جمَاعَة من الْعلمَاء، على أَنه يُمكن أَن يكون أشهد على ارتجاعها حِينَئِذٍ وَهِي لَا تعلم، فَأخْبرت تِلْكَ الْمَرْأَة ولدا لَهَا وَقَالَت: مَا هَذَا بِمُسلم؛ لِأَنَّهُ طَلقنِي ثمَّ وطئني. فَقَالَ الْوَلَد: أَنا أحتال فِي قَتله، فَقدر الله عز وَجل أَن علم بِالْحَال فَقِيه، فَأَخْبرهُمَا بِجَوَاز ذَلِك، فَهَذَا مِمَّا يلاقي أهل الْعلم مِمَّن لَا يعرفهُ. 489 - / 593 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: بَكرُوا بِصَلَاة الْعَصْر. أَي قدموها فِي أول الْوَقْت. 490 - / 594 وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور فزوروها ". [15] إِنَّمَا نَهَاهُم لأَنهم كَانُوا إِذا زاروا الْقُبُور رُبمَا ذكرُوا محَاسِن الْآبَاء على عَادَة الْجَاهِلِيَّة، وَكن النِّسَاء يندبن ويبكين، فَنهى الْكل، ثمَّ أطلق الرِّجَال بعد معرفتهم بآداب الْإِسْلَام وَبقيت الْكَرَاهِيَة للنِّسَاء لضعفهن عَن التماسك. الحديث: 489 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 [15] وَقَوله: " نَهَيْتُكُمْ عَن لُحُوم الْأَضَاحِي " فَإِن ذَلِك ذَلِك كَانَ لسَبَب سَيَأْتِي ذكره فِي مُسْند عَائِشَة عَلَيْهَا السَّلَام. [15] وَقَوله: " فَاشْرَبُوا فِي الأسقية " الأسقية: الأوعية الَّتِي يَجْعَل فِيهَا المَاء، وَلَا تكون إِلَّا من جُلُود، والظروف أَعم لِأَنَّهَا تكون للْمَاء وللنبيذ وَغَيرهمَا، وكل شَيْء جعلت فِيهِ شَيْئا فَهُوَ ظرف لَهُ ووعاء. [15] وَفِي قَوْله: " كل مُسكر حرَام " دَلِيل على تَحْرِيم النَّبِيذ. 491 - / 596 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: أَن ماعزا أقرّ بِالزِّنَا، فَأرْسل إِلَى قومه: " أتعلمون بعقله بَأْسا؟ أتنكرون مِنْهُ شَيْئا؟ " فَقَالُوا: مَا نعلمهُ إِلَّا وَفِي الْعقل. فَلَمَّا أقرّ أَرْبعا حفروا لَهُ حُفْرَة، ثمَّ أَمر بِهِ فرجم، فَجَاءَت الغامدية فَردهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَد جَاءَت فَقَالَ: لَعَلَّك أَن تردني كَمَا رددت ماعزا، فو الله إِنِّي لحبلى. فَقَالَ: " إِمَّا لَا فاذهبي حَتَّى تلدي ". [15] قد سبق الْخلاف فِي عدد الْإِقْرَار فِي مُسْند جَابر بن سَمُرَة. [15] والوفي الْعقل: الْكَامِل. [15] وَقَوله: " إِمَّا لَا " قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: الْعَوام يَقُولُونَ أما لي بِفَتْح الْألف وَاللَّام وتسكين الْيَاء، وَالصَّوَاب إِمَّا لَا بِكَسْر الْألف وَبعدهَا لَا، وَأَصله: إِلَّا يكن ذَلِك الْأَمر فافعل هَذَا، وَمَا زَائِدَة وأنشدني أَبُو زَكَرِيَّا (أمرعت الأَرْض لَو أَن مَالا ... ) الحديث: 491 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 (لَو أَن نوقا لَك أَو جمالا ... ) (أَو ثلة من غنم إِمَّا لَا ... ) [15] وَفِي هَذَا الحَدِيث أَنه حفر لماعز. وَسَيَأْتِي فِي مُسْند أبي سعيد أَنه قَالَ فِي مَاعِز: مَا أوثقناه وَلَا حفرنا لَهُ، وَظَاهر كَلَام أَحْمد يدل على أَنه لَا يحْفر فِي حد الرَّجْم لَا للرجل وَلَا للْمَرْأَة، وَقد اخْتلف كَلَام القَاضِي أبي يعلى، فَذكر فِي كِتَابه " الْمُجَرّد " إِن ثَبت الْحَد على الْمَرْأَة بِالْإِقْرَارِ لم يحْفر لَهَا، وَإِن ثَبت بِالْبَيِّنَةِ حفر لَهَا إِلَى الصَّدْر، وَهُوَ اخْتِيَار صَاحِبيهِ أبي الْوَفَاء بن عقيل وَأبي الْخطاب. وَقَالَ فِي كِتَابه " الْخلاف ": لَا يحْفر لَهَا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يحْفر للْمَرْأَة، وَالْعلَّة فِي ذَلِك أَنَّهَا عَورَة. وَالْوَجْه فِي ترك الْحفر أَنه كالربط والشد، وَلَا يُمكن مَعَه الْهَرَب. قَالَ ابْن عقيل: فَإِذا شرعنا فِي إِقَامَة الْحَد على الزَّانِي فهرب من ألم الْحِجَارَة، فَهَل يتبع بِالرَّجمِ أَو يتْرك؟ ينظر، فَإِن كَانَ حَده ثَبت بِإِقْرَارِهِ ترك، لِأَن الْهَرَب نوع رُجُوع، وَإِن كَانَ ثَبت بِالْبَيِّنَةِ أتبع فرجم إِلَى أَن تزهق نَفسه. [15] والغامدية كَانَت من غامد. [15] وَصَاحب المكس: العشار الَّذِي كَانَ يَأْخُذ من الْمُسلمين عشر أَمْوَالهم لَا على وَجه الزَّكَاة، بل على وَجه التَّعَدِّي. والمكس: الانتقاص، وَمِنْه المماكسة، فَكَأَن العشار ينتقص الْأَمْوَال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 [15] وَمعنى فاستنكهه: شم ريح فَمه، والنكهة: ريح الْفَم، وَكَأَنَّهُ ظن أَنه سَكرَان لأجل إِقْرَاره بِمَا يُوجب الْحَد. [15] وَقَوله: " أحاطت بِهِ خطيئته " ذكر فِيهِ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أحاطت بحسناته: أَي أحبطتها، لِأَن الْمُحِيط أَكثر من المحاط بِهِ، فَيكون كَقَوْلِه: {وَإِن جَهَنَّم لمحيطة بالكافرين} [التَّوْبَة: 49] وَقَوله: {أحَاط بهم سرادقها} [الْكَهْف: 29] وَالثَّانِي: أحاطت بِهِ: أهلكته، كَقَوْلِه: {إِلَّا أَن يحاط بكم} [يُوسُف: 66] . [15] وَقد ذكرنَا فِيمَا تقدم أَن كتمان الْمعاصِي أفضل من إظهارها، غير أَن ماعزا والغامدية لم يعلمَا بذلك، وَغلب عَلَيْهِمَا خوف الله عز وَجل وَالْغَضَب على النَّفس فِي إقدامها على الْمنْهِي، فَأَسْلمَا أَنفسهمَا إِلَى الْحَد، وَذَلِكَ من أحسن التَّوْبَة وأصحها. 492 - / 597 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَن امْرَأَة قَالَت: كَانَ على أُمِّي صَوْم شهر، قَالَ: " صومي عَنْهَا ". [15] ظَاهر هَذَا أَنه كَانَ عَلَيْهَا نذر، وَعِنْدنَا أَن الْوَلِيّ يَصُوم عَن النَّاذِر، فَأَما إِذا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاء رَمَضَان واتسع الْوَقْت لقضائه فَلم يقضه فعندنا يطعم عَنهُ وَلَا يصام. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَدَاوُد: لَا يصام وَلَا يطعم عَنهُ لَا فِي النذور وَلَا فِي قَضَاء رَمَضَان إِلَّا أَن يُوصي بذلك. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد: يطعم عَنهُ فيهمَا. وَفِي الْقَدِيم: يصام فيهمَا. الحديث: 492 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 [15] وَقَوله: " حجي عَنْهَا " دَلِيل على أَن الْحَج لَا يسْقط بِالْمَوْتِ، وَالْمعْنَى: افعلي مَا لَزِمَهَا، وَهَذَا مَذْهَب أَحْمد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يسْقط إِلَّا أَن يُوصي بِهِ الْمَيِّت. وَعِنْدنَا أَنه إِذا مَاتَ من عَلَيْهِ فرض الْحَج لزم الْوَرَثَة أَن يحجوا عَنهُ من صلب مَاله، من دويرة أَهله، سَوَاء أوصى بذلك أم لم يوص. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يلْزمهُم إِلَّا أَن يُوصي. قَالَ الشَّافِعِي: يحجّ عَنهُ من الْمِيقَات، وَهَذَا الْحَج على مَا وَصفنَا بقع عَن المحجوج عَنهُ فِي مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَقع عَن الْحَاج، وللمحجوج عَنهُ ثَوَاب النَّفَقَة. 493 - / 598 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الصَّلَوَات يَوْم الْفَتْح بِوضُوء وَاحِد، وَقَالَ: " عمدا صَنعته ". [15] كَانَ من عَادَته عَلَيْهِ السَّلَام الْوضُوء لكل صَلَاة إيثاراً للمستحب، فَفعل هَذَا ليبين أَنه جَائِر. 494 - / 599 وَفِي الحَدِيث السَّادِس: أَن رجلا نَشد فِي الْمَسْجِد فَقَالَ: من دَعَا إِلَى الْجمل الْأَحْمَر: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا وجدت ". [15] نَشد الرجل الضَّالة بِمَعْنى طلبَهَا: وأنشدها بِمَعْنى عرفهَا، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ: " وَلَا وجدت " لترك احترامه الْمَسْجِد، وَالْمَسْجِد إِنَّمَا بني لذكر الله عز وَجل وَطلب الْآخِرَة لَا لأمور الدُّنْيَا، وَقد كَانَ يَنْبَغِي لهَذَا أَن ينشد ضالته على بَاب الْمَسْجِد لَا فِيهِ. الحديث: 493 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 495 - / 600 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: أبرد بِالظّهْرِ، وَصلى الْمغرب قبل أَن يغيب الشَّفق، وأسفر بِالْفَجْرِ. [15] أبرد بِالظّهْرِ: أَخّرهَا حَتَّى خف الْحر. والشفق: الْحمرَة. وأسفر: أخر الصَّلَاة حَتَّى أَضَاء الصُّبْح. 496 - / 601 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: " السَّلَام عَلَيْكُم أهل الديار من الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين ". [15] كَانَ شَيخنَا أَبُو الْفضل بن نَاصِر يَقُول إِذا دخل الْمَقَابِر: عَلَيْكُم السَّلَام أهل دَار قوم مُؤمنين، وَلَا يَقُول السَّلَام عَلَيْكُم، لحَدِيث رَوَاهُ جَابر بن سليم الهُجَيْمِي: أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: عَلَيْك السَّلَام يَا رَسُول الله. فَقَالَ: " لَا تقل عَلَيْك السَّلَام، فَإِنَّهَا تَحِيَّة الْمَيِّت " فَتوهم الشَّيْخ لأجل هَذَا الحَدِيث أَن السّنة فِي تَحِيَّة الْمَيِّت أَن يُقَال عَلَيْك السَّلَام، وَترك الْأَخْذ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح الَّذِي رَوَاهُ بُرَيْدَة وَأَبُو هُرَيْرَة، وَفِيه دَلِيل على أَن سنة السَّلَام لَا تخْتَلف فِي تَحِيَّة الْأَحْيَاء والأموات، وَإِنَّمَا قَالَ مَا قَالَ للهجيمي إِشَارَة إِلَى مَا جرت بِهِ الْعَادة مِنْهُم فِي تَحِيَّة الْأَمْوَات، فَإِنَّهُم كَانُوا يقدمُونَ اسْم الْمَيِّت على الدُّعَاء وَهُوَ مَذْكُور فِي أشعارهم، قَالَ الشماخ: (عَلَيْك سَلام من أَمِير وباركت ... يَد الله فِي ذَاك الْأَدِيم الممزق) الحديث: 495 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 وَقَالَ آخر: (عَلَيْك سَلام الله قيس بن عَاصِم ... وَرَحمته مَا شَاءَ أَن يترحما) [15] فَإِن قَالَ قَائِل: إِنَّمَا يُقَال إِن شَاءَ الله فِي الْأَمر المظنون، وَقد وَقع الْيَقِين بِالْمَوْتِ، فَمَا وَجه قَوْله: " وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون ". [15] فَالْجَوَاب: من أَرْبَعَة أوجه: [15] أَحدهمَا: أَن استثناءه وَقع على الْبِقَاع، لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن يَمُوت، فِي هَذِه الْبقْعَة أَو فِي غَيرهَا، رَوَاهُ إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم بن هَانِئ عَن أَحْمد بن حَنْبَل. [15] وَالثَّانِي: أَنه لما قيل لَهُ: {وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله} [الْكَهْف: 23، 24] صَارَت هَذِه الْكَلِمَة هجيراه فِي الْمُتَيَقن والمظنون، وَهَذِه الْكَلِمَة لما أهمل ذكرهَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فِي قَوْله: " لأطوفن اللَّيْلَة على مائَة امْرَأَة تَلد كل امْرَأَة غُلَاما " لم يحصل لَهُ مَقْصُوده. وَإِذا أطلقت على لِسَان رجل من يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَقَالَ: غَدا يحْفر السد إِن شَاءَ الله نفعتهم. فَقدر على الْحفر، فَإِذا فَاتَ مَقْصُود نَبِي بِتَرْكِهَا، وَحصل مُرَاد كَافِر بقولِهَا، فليعرف قدرهَا، وَكَيف لَا وَهِي تَتَضَمَّن إِظْهَار عجز البشرية وَتَسْلِيم الْأَمر إِلَى قدرَة الربوبية. [15] وَالثَّالِث: أَن الِاسْتِثْنَاء وَاقع على اسْتِصْحَاب الْأَيْمَان إِلَى الْمَوْت لَا إِلَى نفس الْمَوْت، فَيكون ذَلِك صادرا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جِهَة التَّعْلِيم، أَو لِأَنَّهُ كَانَ مَعَه غَيره مِمَّن لَا يدْرِي مآله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 [15] الرَّابِع: أَن يكون مَعَه من ينافق، فَيَنْصَرِف اسْتِثْنَاؤُهُ إِلَيْهِم، وَيكون الْمَعْنى: إِن شَاءَ الله لُحُوق هَؤُلَاءِ بِالْمُؤْمِنِينَ قبل الْمَوْت وَقع اللحوق بِالْمُؤْمِنِينَ من الْمَوْتَى للْكُلّ. [15] فَإِن قيل: إِنَّمَا تسْأَل الْعَافِيَة للحي، فَمَا معنى سؤالها للْمَيت؟ [15] فَالْجَوَاب: أَنه يتَعَيَّن الْإِيمَان بتعذيب الْمَوْتَى وببعثهم، فَسَأَلَ للمعذبين مِنْهُم الْعَافِيَة من بلَاء الْعَذَاب. 497 - / 602 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: " لَا تغلوا، وَلَا تغدروا، وَلَا تمثلوا ". [15] الْغلُول أَخذ شَيْء من الْمغنم قبل قسمته فِي خُفْيَة، والغدر: نقض الْعَهْد. والمثلة: تَشْوِيه الْخلقَة. [15] وَقَوله: " وَلَا تقتلُوا وليدا " الْوَلِيد: الصَّغِير، وَذَلِكَ لِأَن الصّبيان وَالنِّسَاء يصيرون رَقِيقا بِنَفس السَّبي، وَلَا يجوز إِضَاعَة المَال. [15] والذمة: الْعَهْد، وأخفرت الذِّمَّة: نقضتها. [15] وَقَوله: " فَإنَّك لَا تَدْرِي أتصيب حكم الله " فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا: حكم الله الظَّاهِر فِي شَرعه، فَرُبمَا خَفِي عَنْك وَأَنت باجتهادك فِي تِلْكَ الْحَال مَعْذُور. وَالثَّانِي: حكم الله الَّذِي عِنْده. 498 - / 603 وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: " حُرْمَة نسَاء الْمُجَاهدين على القاعدين كَحُرْمَةِ أمهاتهم ". الحديث: 497 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 [15] إِنَّمَا عظم الْخطب فِي هَذَا لأجل الْجِهَاد فِي سَبِيل الله، فَإِن الْمُجَاهدين يجمعُونَ بَين نصر دين الله، وطاعته، وَحفظ حوزة القاعدين، وَترك شهوات النَّفس فِي الْإِقَامَة، فَتعين حفظهم على القاعدين من هَذِه الْجِهَات، كَمَا عظم الزِّنَا بحليلة الْجَار لحق الْجوَار، وَالْجهَاد أعظم. [15] وَمعنى قَوْله: " يخلف رجلا " يقوم مقَامه فِي النّظر إِلَى أَهله. [15] وَقَوله: رَسُول الله: " فَمَا ظنكم؟ " يحْتَمل ثَلَاثَة أوجه: [15] أَحدهمَا: مَا ظنكم أَن الله يفعل بِهَذَا الخائن، فَهُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمَا ظن الَّذين يفترون على الله الْكَذِب يَوْم الْقِيَامَة} [يُونُس: 60] تَقْدِيره: مَا ظنهم أَن الله فَاعل بهم؟ [15] وَالثَّانِي: مَا ظنكم بِهَذَا الَّذِي قد حكم فِي أَعمال هَذَا الخائن، هَل يدع مِنْهَا شَيْئا؟ [15] وَالثَّالِث: مَا ظنكم بِهَذَا الْمَظْلُوم فِي أَهله، هَل يتْرك حَقه يَوْم الْحَاجة إِلَى الْأَخْذ مَعَ هَذَا الانبساط الشنيع فِي أَهله؟ 499 - / 604 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: " من لعب بالنرد شير فَكَأَنَّمَا صبغ يَده فِي لحم الْخِنْزِير وَدَمه ". [15] النَّرْد أعجمي مُعرب؟ وشير: حُلْو. وَالْخِنْزِير اسْم يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى. وَالْمرَاد بصبغ يَده فِي لحم الْخِنْزِير وَدَمه أَن لحم الْخِنْزِير وَدَمه حرَام التَّنَاوُل، فقد مس بِيَدِهِ مَا يحرم تنَاوله، فَكَذَلِك اللاعب بالنرد يلْعَب بِمَا يحرم عَلَيْهِ اللّعب بِهِ. الحديث: 499 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 (28) كشف الْمُشكل من مُسْند عَائِذ بن عَمْرو الْمُزنِيّ [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة أَحَادِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة. 500 - / 605 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: سَأَلت عَائِذ بن عَمْرو: هَل ينْقض الْوتر؟ فَقَالَ: إِذا أوترت من أَوله فَلَا توتر من آخِره. [15] اعْلَم أَن من لَهُ عَادَة بِقِيَام اللَّيْل فَالْأَفْضَل لَهُ أَن يُؤَخر الْوتر، فَإِن أوتر أول اللَّيْل ثمَّ أَرَادَ التَّطَوُّع بعد ذَلِك فَهَل ينْقض وتره؟ كره أَحْمد ذَلِك، وَقَالَ أَبُو بكر من أَصْحَابنَا: ينْقض وتره. قَالَ ابْن عقيل: فَصَارَ فِي الْمَسْأَلَة رِوَايَة وَوجه، والتطوع بعد الْوتر - وَإِن كَانَ تَركه أولى - جَائِز. 501 - / 606 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " إِن شَرّ الرعاء الحطمة ". [15] الرعاء: جمع رَاع، كَمَا يُقَال صَاحب وصحاب. والحطمة: الحديث: 500 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 الْمُفْسد من الْوُلَاة الَّذِي لَا يرفق برعيته. والحطم: السواق بعنف كَأَنَّهُ يحطم بعض الْإِبِل بِبَعْض، قَالَ الشَّاعِر: (قد لفها اللَّيْل بسواق حطم ... ) [[15] وأصل الحطم كسر الشَّيْء الْيَابِس، وَسميت جَهَنَّم الحطمة لحطمها مَا يلقى فِيهَا، فَإِنَّهَا تكسر الْعظم بعد أكل اللَّحْم. [15] وَفِي هَذَا الحَدِيث: قَالَ عبيد الله بن زِيَاد لعائذ: أَنْت من نخالة أَصْحَاب مُحَمَّد، أَي من رذالتهم. وَهَذِه جرْأَة قبيحة من ذَلِك الْفَاسِق على أَقوام قد عمهم الله بِالشَّهَادَةِ لَهُم بِالْخَيرِ، فَقَالَ: {مُحَمَّد رَسُول الله وَالَّذين مَعَه أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم} [الْفَتْح: 29] وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تسبوا أَصْحَابِي، فَلَو أنْفق أحدكُم مثل أحد ذَهَبا مَا بلغ مد أحدهم وَلَا نصيفه ". 502 - / 607 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن أَبَا سُفْيَان أَتَى على سلمَان وصهيب وبلال فِي نفر فَقَالُوا: مَا أخذت سيوف الْمُسلمين من عنق عَدو الله مأخذها. فَقَالَ أَبُو بكر: أتقولون هَذَا لشيخ قُرَيْش وسيدهم! فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ، فَقَالَ: " يَا أَبَا بكر، لَعَلَّك أغضبتهم، لَئِن كنت أغضبتهم لقد أغضبت رَبك ". [15] قَوْله: مَا أخذت مأخذها: أَي مَا استوفت حَقّهَا من الْمُكَافَأَة لَهُ الحديث: 502 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 على صَنِيعه بِالْمُسْلِمين. [15] وَقَوله: " لَعَلَّك أغضبتهم " تَعْظِيم لَهُم، لِأَن الْحق عز وَجل أوصاه بهم وبأمثالهم من الْفُقَرَاء والموالي بقوله تَعَالَى: {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم} [الْأَنْعَام: 52] وَقَوله {وَإِذا جَاءَك الَّذين يُؤمنُونَ بِآيَاتِنَا فَقل سَلام عَلَيْكُم} [الْأَنْعَام 54] قَالَ الْحسن: كَانَ إِذا رَآهُمْ بدأهم بِالسَّلَامِ، وَكَذَلِكَ قَوْله: {واصبر نَفسك مَعَ الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي} [الْكَهْف: 28] . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 (29) كشف الْمُشكل من مُسْند سَمُرَة بن جُنْدُب [ 15 - ] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة وَثَلَاثَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سَبْعَة. 503 - / 608 - فِي الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول قَوْله: لقد كنت على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُلَاما، فَكنت أحفظ عَنهُ فَمَا يَمْنعنِي من القَوْل إِلَّا أَن هَاهُنَا رجَالًا هم أسن مني. [15] هَذَا الحَدِيث يُنَبه الْأَحْدَاث على التأدب للأشياخ. [15] وَقَوله: صلى على نفسَاء. قد بَينا معنى النّفاس فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. [15] فَأَما قيام الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام وسط الْمَرْأَة فَهُوَ مَذْهَب أَحْمد وَالشَّافِعِيّ. فَأَما إِذا كَانَ الْمَيِّت رجلا فعندنا يقف بحذاء صَدره. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقف بحذاء صدر الْمَيِّت رجلا كَانَ أَو امْرَأَة. وَقَالَ مَالك: يقف عِنْد وسط الرجل، وَمن الْمَرْأَة عِنْد منكبيها. وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي الْموقف من الرجل: فَمنهمْ من ذهب إِلَى مَذْهَبنَا، وَمِنْهُم الحديث: 503 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 من قَالَ: بحذاء رَأسه. [15] فَإِن قيل: فالرسول عَلَيْهِ السَّلَام لَا يفعل شَيْئا إِلَّا لحكمة، فَمَا حِكْمَة الْفرق بَين الرجل وَالْمَرْأَة؟ [15] فَالْجَوَاب: أَنه لَا يفعل شَيْئا إِلَّا لحكمة، وَقد يخفى علينا وَجه الْحِكْمَة، وَقد لَا تبلغه أفهامنا، وَقد يكون المُرَاد نفس الِابْتِلَاء بِالتَّسْلِيمِ. على أَن الْحِكْمَة ظَاهِرَة هَاهُنَا: وَهُوَ أَنه إِذا كَانَ الْمَيِّت رجلا فللقيام عِنْد صَدره وَجْهَان: أَحدهمَا أَنه كالمواجهة لَهُ بِالدُّعَاءِ. وَالثَّانِي: أَن صَدره وعَاء لِلْقُرْآنِ وَالْعلم. فَأَما الْمَرْأَة فالحكمة فِي الْوُقُوف عِنْد وَسطهَا من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا أَن الْقرب من وَجههَا يُوجب فكر الْإِنْسَان فِي محَاسِن الْوَجْه، وَكَذَلِكَ فِيمَا سفل، فَكَانَ التَّوَسُّط أولى. وَالثَّانِي: أَن قيام الْإِنْسَان فِي وَسطهَا فِيهِ نوع ستر للْمَرْأَة عَن الْمَأْمُومين؛ لِأَن الْقيام عِنْد وَجههَا يرى مَعَه معظمها، وَكَذَلِكَ عِنْد مؤخرها، وَمَا كَانُوا يحملون إِلَّا على النعش. وَالثَّالِث: أَن الَّذِي تمت بِهِ الْمَرْأَة حملهَا للأولاد، فالوقوف فِي وَسطهَا إِشَارَة بِلِسَان الْحَال إِلَى السُّؤَال بِمحل حمل الْمُؤمنِينَ. 504 - / 609 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى الصُّبْح أقبل عَلَيْهِم بِوَجْهِهِ فَقَالَ: " هَل رأى أحد مِنْكُم البارحة رُؤْيا؟ ". [15] ذكر " البارحة " تجوز من بعض الروَاة، لأَنهم كَانُوا يروون بِالْمَعْنَى، الحديث: 504 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 وَهَذَا غلط مِمَّن ظن اسْتِوَاء اللَّفْظَيْنِ، وَالصَّحِيح أَنه قَالَ: اللَّيْلَة، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمد فِي " الْمسند ": " هَل رأى أحد مِنْكُم اللَّيْلَة رُؤْيا؟ " وَيدل على صِحَة مَا قُلْنَا قَوْله بعد ذَلِك: " أَتَانِي اللَّيْلَة آتيان " وقرأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: من الْغَلَط أَن تَقول فِيمَا بَين صَلَاة الْفجْر إِلَى الظّهْر: فعلت البارحة كَذَا، وَالصَّوَاب أَن تَقول: فعلت اللَّيْلَة كَذَا إِلَى الظّهْر، وَتقول بعد ذَلِك: فعلت البارحة، إِلَى آخر الْيَوْم. [15] وَأما الرُّؤْيَا فَيُقَال لما كَانَ فِي النّوم، وَهِي فِي الْيَقَظَة رُؤْيَة. [15] وَقَوله: فيقص عَلَيْهِ: أَي يذكر مَا رأى، يَقُول: قصصت الحَدِيث أقصه قصا وقصصا: وَهُوَ الْكَلَام يتَّصل بعضه بِبَعْض، وَالْأَصْل فِيهِ الِاتِّبَاع، وَهُوَ أَن الْمُتَكَلّم يتبع مَا قد كَانَ بالْخبر عَنهُ. [15] وَقَوله: " ابتعثاني " أصل الْبَعْث إثارة الشَّيْء عَن مَكَانَهُ. [15] وَقَوله: " فيثلغ رَأسه ": أَي يشدخه. والشدخ: فضخ الشَّيْء الرطب بالشَّيْء الْيَابِس. [15] وَقَوله: " فيتدهدأ هَذَا الْحجر " قد روى " فيتدهده " قَالَ أَبُو عبيد: يُقَال: تدهدى الْحجر وَغَيره تدهديا، ودهديته أَنا، أدهديه دهداة ودهداء، وَيُقَال تدهدأ تدهدأ، ودهدأته أَنا أدهدئه دهدأة ودهداء: إِذا دحرجته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 [15] والكلوب بِفَتْح الْكَاف وَهُوَ الْكلاب، وَالْجمع فيهمَا كلاليب. [15] وَقَوله فيشر شَرّ شدقه، قَالَ أَبُو عبيد: أَي يقطعهُ ويشققه، قَالَ أَبُو زبيد الطَّائِي يصف الْأسد: (يظل مغبا عِنْده من فرائس ... رفات عِظَام أَو غريض مشرشر) [15] والشدق: جَانب الْفَم. [15] قَوْله: " على مثل التَّنور " التَّنور مَعْرُوف، قَالَ ابْن عَبَّاس: التَّنور بِكُل لِسَان عَرَبِيّ وأعجمي. وقرأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ عَن ابْن دُرَيْد قَالَ: التَّنور فَارسي مُعرب، لَا تعرف لَهُ الْعَرَب اسْما غير هَذَا. [15] وَقَوله: " فَإِذا فِيهِ لغط " اللَّغط أصوات مختلطة لَا تفهم. [15] واللهب: مَا يرْتَفع من حر النَّار عِنْد اشتعالها. [15] وَقَوله: ضوضوا: أَي ضجوا وصاحوا بِمَا لَا يفهم مِنْهُ إِلَّا الاستغاثة مِمَّا هم فِيهِ. والضوضاة بِغَيْر همز: وَهِي أصوات النَّاس وضجيجهم. [15] وَقَوله: " على شط النَّهر " الشط جَانب الْوَادي، وَمثله الشاطىء. [15] وَقَوله: " فيفغر لَهُ فَاه " أَي يَفْتَحهُ، وَيُقَال: انفغر النُّور: إِذا تفتح. [15] " وألقمه حجرا " أَي جعله كاللقمة فِي فِيهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 [15] وَقَوله: " كريه الْمرْآة " المرآه والمرأي: المنظر. [15] ويحشها: يوقدها.: وَالرَّوْضَة: الْمَكَان المخضر من الأَرْض، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لَيْسَ شَيْء عِنْد الْعَرَب أحسن من الرياض المعشبة وَلَا أطيب مِنْهَا ريحًا، قَالَ الْأَعْشَى: (مَا رَوْضَة من رياض الْحزن معشبة ... خضراء جاد عَلَيْهَا مُسبل هطل) (يَوْمًا بأطيب مِنْهَا نشر رَائِحَة ... وَلَا بِأَحْسَن مِنْهَا إِذْ دنا الأَصْل) [15] والمعتمة: الوافية النَّبَات، والعميم: الطَّوِيل من النَّبَات، قَالَ الْأَعْشَى: (0000000 ... مؤزر بعميم النبت مكتهل ... ) [15] وَنور الرّبيع: ألوان نَبَاته. [15] والدوحة: الشَّجَرَة الْعَظِيمَة من أَي شجر كَانَ، وَالْجمع دوح. [15] والمحض: اللَّبن الْخَالِص، سمي بِصفتِهِ، ثمَّ يستعار فِي مَوَاضِع فَيُقَال: هَذَا الْكَلَام صدق مَحْض، وَكذب مَحْض، وأمحضتك النَّصِيحَة: أَي لَا شوب فِي هَذِه الأِشياء من غير جِنْسهَا. [15] وَقَوله: " فسما بَصرِي صعدا " أَي ارْتَفع نَاحيَة الْعُلُوّ. [15] وَالْقصر: الْمنزل الْمَبْنِيّ. [15] وَأما الربابة فَقَالَ أَبُو عبيد: هِيَ السحابة قد ركب بَعْضهَا بَعْضًا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 وَجَمعهَا ربَاب. والربابة بِكَسْر الرَّاء شَبيهَة بالكنانة تكون فِيهَا السِّهَام. [15] وَقَوله: " يَأْخُذ الْقُرْآن فيرفضه " يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: يرفض تِلَاوَته حَتَّى ينساه. وَالثَّانِي: يرفض الْعَمَل لَهُ. [15] وَقَوله: " يبلغ الْآفَاق " الْآفَاق: النواحي. [15] وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: والفطرة: الْإِقْرَار بِاللَّه عز وَجل والمعرفة بِهِ لَا الْإِسْلَام. وَمعنى الْفطْرَة ابْتِدَاء الْخلقَة، وَالْكل أقرُّوا حِين قَالَ: {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} [الْأَعْرَاف: 172] وَلست واجدا أحدا إِلَّا وَهُوَ مقرّ بِأَن لَهُ صانعا ومدبرا وَإِن سَمَّاهُ بِغَيْر اسْمه. وَيدل على قَوْله ابْن قُتَيْبَة قَوْله فِي هَذَا الحَدِيث: " وَأَوْلَاد الْمُشْركين ". [15] وَالْأَرْض المقدسة: المطهرة. [15] وَقَوله: " يحدث بالكذبة فَتحمل عَنهُ فيصنع بهَا " أَي يعْمل بهَا وَهَذَا تحذير من الْكَذِب إِلَّا أَنه هُنَا بِأُمُور الشَّرِيعَة أخص. 505 - / 611 وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " من روى عني حَدِيثا يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين ". [15] يرى بِمَعْنى يعلم، وَمن علم أَن الحَدِيث كذب لم يجز لَهُ أَن يحدث بِهِ إِلَّا على سَبِيل الْقدح فِي رَاوِيه وتبيين الْكَذِب. الحديث: 505 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 506 - / 612 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " لَا يَغُرنكُمْ من سحوركم أَذَان بِلَال ". [15] قد سبق شَرحه وتبيين الفجرين فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 507 - / 613 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " لَا تسمين غلامك يسارا، وَلَا رباحا ". [15] وَقد بيّنت عِلّة هَذَا النَّهْي فِي الحَدِيث، وَكَأَنَّهُ اشتقاق من اسْتِعْمَال التطير. 508 - / 614 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " مِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى حجزته، وَمِنْهُم إِلَى ترقوته ". حجزة الْإِزَار: معقده عِنْد السره. والترقوة قد سبق بَيَانهَا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. الحديث: 506 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 (30) كشف الْمُشكل من مُسْند معقل بن يسَار الْمُزنِيّ [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة. 509 - / 615 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " مَا من عبد يستر عيه الله رعية يَمُوت وَهُوَ غاش لرعيته إِلَّا حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة ". [15] أَن لَا يمحض النَّصِيحَة. [15] وَقَوله: " حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة " مَحْمُول على أحد أَمريْن: إِمَّا على جنَّة مَخْصُوصَة من أشرف الْجنان، وَإِمَّا على الدُّخُول مَعَهم عِنْد ابْتِدَاء دُخُولهمْ، فَكَأَنَّهُ يُؤَخر لِلْحسابِ وَالْعَذَاب، وَقد سبق شرح هَذَا الْمَعْنى فِيمَا تقدم. 510 - / 616 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: [15] عَن معقل: كَانَت لي أُخْت تخْطب. [15] اسْم هَذِه الْأُخْت جميل بِضَم الْجِيم وَفتح الْمِيم، ذكره عبد الْغَنِيّ الحديث: 509 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 الْحَافِظ عَن الْكَلْبِيّ أَنه سمى هَذِه الْمَرْأَة فَقَالَ: جميل بنت يسَار. [15] وَقَوله: {وَإِذا طلّقْتُم النِّسَاء} [الْبَقَرَة: 232] الطَّلَاق: التَّخْلِيَة، قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: هُوَ من قَول الْعَرَب: أطلقت النَّاقة فَطلقت: إِذا كَانَت مشدودة فأزلت الشد عَنْهَا وخليتها، فَشبه مَا يَقع بِالْمَرْأَةِ بذلك، لِأَنَّهَا كَانَت مُتَّصِلَة الْأَسْبَاب بِالرجلِ، وَكَانَت الْأَسْبَاب كالشد لَهَا، فَلَمَّا طَلقهَا قطع الْأَسْبَاب. وَيُقَال: طلقت الْمَرْأَة وَطلقت بِفَتْح اللَّام وَضمّهَا. وَقَالَ غَيره: هُوَ من أطلقت الشَّيْء، إِلَّا أَنهم لِكَثْرَة استعمالهم اللفظتين فرقوا بَينهمَا ليَكُون التَّطْلِيق مَقْصُورا على الزَّوْجَات. [15] وَقَوله: {فبلغن أَجلهنَّ فَلَا تعضلوهن} يُرِيد بِهِ انْقِضَاء الْعدة، بِخِلَاف قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَة الَّتِي قبلهَا: {فبلغن أَجلهنَّ فأمسكوهن} [الْبَقَرَة: 231] قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: دلّ اخْتِلَاف الْكَلَامَيْنِ على افْتِرَاق البلوغين. [15] وَقَوله: {فَلَا تعضلوهن} خطاب للأولياء، الْمَعْنى: فَلَا تحبسوهن، يُقَال: عضلت النَّاقة: إِذا احْتبسَ وَلَدهَا، وعضلت الدَّجَاجَة: إِذا احْتبسَ بيضها، وَيُقَال للشدائد معضلات وداء عضال: إِذا أعيا. [15] وَقَالَ الشَّافِعِي: وَهَذِه الْآيَة أبين آيَة فِي أَنه لَيْسَ للْمَرْأَة أَن تتَزَوَّج إِلَّا بولِي. وَقد اتّفق أَحْمد وَالشَّافِعِيّ على أَن النِّكَاح بِغَيْر ولي بَاطِل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا زوجت نَفسهَا بِشَاهِدين من كفؤ جَازَ. وَقَالَ أَبُو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 يُوسُف وَمُحَمّد: النِّكَاح مَوْقُوف حَتَّى يُجِيزهُ الْوَلِيّ أَو الْحَاكِم. 511 - / 617 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " الْعِبَادَة فِي الْهَرج كهجرة إِلَيّ ". [15] الْهَرج: الْقِتَال والاختلاط. وَإِذا عَمت الْفِتَن اشتغلت الْقُلُوب، وَإِذا تعبد حِينَئِذٍ متعبد دلّ على قُوَّة اشْتِغَال قلبه بِاللَّه عز وَجل فيكثر أجره. 512 - / 618 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: لقد رَأَيْتنِي يَوْم الشَّجَرَة وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُبَايع النَّاس. [15] هَذِه الْبيعَة كَانَت فِي غزَاة الْحُدَيْبِيَة لسنة سِتّ من الْهِجْرَة، وسببها أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قد خرج يقْصد الْعمرَة، فَلَمَّا بلغ الْمُشْركين خُرُوجه أجمع رَأْيهمْ على صده عَن الْمَسْجِد الْحَرَام وَخَرجُوا بعسكرهم، فَسَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى دنا من الْحُدَيْبِيَة، وَهِي طرف الْحرم على تِسْعَة أَمْيَال من مَكَّة، فوقفت يدا رَاحِلَته، فَقَالَ الْمُسلمُونَ: حل حل، يزجرونها، فَأَبت، فَقَالُوا: خلأت الْقَصْوَاء، فَقَالَ: " مَا خلأت، وَلَكِن حَبسهَا حَابِس الْفِيل. أما وَالله لَا يَسْأَلُونِي الْيَوْم خطة فِيهَا تَعْظِيم حُرْمَة الله إِلَّا أَعطيتهم إِيَّاهَا " ثمَّ جرها فَقَامَتْ، فولى رَاجعا حَتَّى نزل بِالنَّاسِ على ثَمد من أثماد الْحُدَيْبِيَة قَلِيل المَاء، فَانْتزع سَهْما من كِنَانَته فغرزه فِيهَا، فَجَاشَتْ لَهُم بِالرَّوَاءِ، وجاءه بديل بن وَرْقَاء فِي ركب الحديث: 511 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 فَقَالُوا: جئْنَاك من عِنْد قَوْمك يقسمون بِاللَّه لَا يخلون بَيْنك وَبَين الْبَيْت حَتَّى تبيد خضراؤهم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّا لم نأت لقِتَال أحد، إِنَّمَا جِئْنَا لنطوف بِهَذَا الْبَيْت، فَمن صدنَا عَنهُ قَاتَلْنَاهُ " فَرجع بديل فَأخْبرهُم. وَأرْسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم عُثْمَان بن عَفَّان فَقَالَ لَهُ: " أخْبرهُم أَنا لم نأت لقِتَال أحد، وَإِنَّمَا جِئْنَا زوارا لهَذَا الْبَيْت معظمين لِحُرْمَتِهِ، مَعنا الْهَدْي ننحره وننصرف " فَأَتَاهُم فَأخْبرهُم، فَقَالُوا: لَا كَانَ هَذَا أبدا، وَلَا يدخلهَا الْعَام. وَبلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عُثْمَان قد قتل، فَحِينَئِذٍ دَعَا الْمُسلمين إِلَى الْبيعَة وَهِي بيعَة الرضْوَان فبايعهم تَحت الشَّجَرَة، قَالَ سَلمَة بن الْأَكْوَع: بَينا نَحن قَائِلُونَ زمن الْحُدَيْبِيَة نَادَى مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيهَا النَّاس، الْبيعَة، الْبيعَة، نزل روح الْقُدس. فثرنا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَحت الشَّجَرَة فَبَايَعْنَاهُ. وَإِنَّمَا سميت بيعَة لأَنهم باعوا أنفسهم من الله عز وَجل بِالْجنَّةِ، وَكَانَت الشَّجَرَة سَمُرَة، والسمرة وَاحِدَة السمر، وَهُوَ شجر الطلح. ثمَّ آل الْأَمر إِلَى أَن جرى بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين قُرَيْش الصُّلْح، على أَن يرجع وَيعود فِي الْعَام الْمقبل. [15] وَفِي هَذَا الحَدِيث: وَنحن أَرْبَعَة عشرَة مائَة. وَمثله يَقُول جَابر، والبراء، وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع. وَفِي رِوَايَة عَن جَابر: كُنَّا ألفا وَخَمْسمِائة. وَعَن عبد الله بن أبي أوفى كُنَّا ألفا وثلاثمائة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 (31) كشف الْمُشكل من مُسْند مَالك بن الْحُوَيْرِث [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة عشر حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة. 513 - / 619 فَفِي الحَدِيث الأول: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا كبر رفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بهما أُذُنَيْهِ، وَإِذا ركع وَإِذا رفع. وَفِي رِوَايَة: فروع أُذُنَيْهِ. [15] الْفُرُوع: الأعالي. وَقد وَقع الِاتِّفَاق على أَن رفع الْيَدَيْنِ عِنْد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام مسنون وَإِنَّمَا الْخلاف فِي رَفعهَا عِنْد الرُّكُوع وَعند الرّفْع مِنْهُ، فَعِنْدَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ يسن ذَلِك، وَعند أبي حنيفَة لَا يسن، وَعَن مَالك كالمذهبين. وَهَذَا الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ لَا ينْدَفع، وَهُوَ فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث ابْن عمر أَيْضا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد روى هَذِه السّنة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمر، وَعلي وَأَبُو مُوسَى، وَأَبُو قَتَادَة، وَسَهل ابْن سعد، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَأنس، فِي نَحْو ثَلَاثِينَ من الصَّحَابَة، وَهُوَ مَذْهَب جُمْهُور الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَلَيْسَ للخصم حَدِيث صَحِيح. الحديث: 513 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 514 - / 620 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَتَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن شببة متقاربون. [15] الشببة: الشَّبَاب. والمتقاربون يَعْنِي فِي السن. [15] وَإِنَّمَا قَالَ: " وليؤمكم أكبركم " لأَنهم كَانُوا متقاربين فِي الْقِرَاءَة. [15] وَقَوله: اسْتَوَى قَاعِدا ثمَّ نَهَضَ. هَذِه تسمى جلْسَة الاسْتِرَاحَة، وَهِي مسنونة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد. الحديث: 514 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 (32 كشف الْمُشكل من مُسْند جُنْدُب بن عبد الله [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ اثْنَا عشر. 515 - / 622 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " كَانَ فِيمَن قبلكُمْ رجل بِهِ جرح، فجزع وَأخذ سكينا فجز بهَا يَده، فَمَا رقأ الدَّم حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ الله عز وَجل: بادرني عَبدِي بِنَفسِهِ فَحرمت عَلَيْهِ الْجنَّة ". [15] الجز: قطع بعض الْعُضْو دون إبانته. [15] ورقأ بِمَعْنى انْقَطع. [15] وَأما تَحْرِيم الْجنَّة عَلَيْهِ فَيحْتَمل أَن يكون مُشْركًا قد ضم إِلَى شركه هَذَا الْفِعْل، أَو مستحلا لذَلِك. فَإِن لم يكن كَانَ تَحْرِيم الْجنَّة المرتفعة الْقدر من بَين الْجنان، أَو الْمَنْع من دُخُول الْجنَّة فِي أول الْعرض إِلَى أَن يعذب بالنَّار، لِأَنَّهُ إِذا وَقع الْعرض دخل قوم إِلَى الْجنَّة وَقوم إِلَى النَّار. الحديث: 515 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 516 - / 623 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " من سمع سمع الله بِهِ، وَمن يراءي يراءي الله بِهِ ". [15] وَالْمعْنَى: من عمل لغير الله عز وَجل يراءي بِهِ النَّاس جازاه الله تَعَالَى على ذَلِك بِأَن يَفْضَحهُ وَيظْهر مَا يبطنه ويستره. 517 - / 624 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: اقْرَءُوا الْقُرْآن مَا ائتلفت عَلَيْهِ قُلُوبكُمْ، فَإِذا اختلفتم فَقومُوا ". [15] كَانَ اخْتِلَاف الصَّحَابَة يَقع فِي الْقرَاءَات واللغات، فَأمروا بِالْقيامِ عِنْد الِاخْتِلَاف لِئَلَّا يجْحَد أحدهم مَا يقْرَأ الآخر فَيكون جاحدا لما أنزلهُ الله عز وَجل. 518 - / 625 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " أَنا فَرَطكُمْ ". [15] وَقد تقدم فِي مُسْند ابْن مَسْعُود وَغَيره. 519 - / 626 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي بعض الْمشَاهد وَقد دميت إصبعه: " هَل أَنْت إِلَّا إِصْبَع دميت. وَفِي سَبِيل الله مَا لقِيت ". [15] هَذَا شعر تمثل بِهِ عَلَيْهِ السَّلَام وَلَيْسَ لَهُ، وَلم يكن يَقُول الشّعْر، وَلم يكن الشّعْر يتزن لَهُ، حَتَّى إِنَّه قَالَ يَوْمًا للْعَبَّاس بن مرداس: " أَنْت الحديث: 516 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 الْقَائِل: أصبح نَهْبي وَنهب العبيد بَين الْأَقْرَع وعيينة؟ " فَقَالَ أَبُو بكر: وَالله مَا أَنْت بشاعر وَلَا يَنْبَغِي لَك الشّعْر، إِنَّمَا قَالَ كَذَا وَكَذَا. [15] وَإِنَّمَا منع من قَول الشّعْر لِئَلَّا تدخل الشُّبْهَة على قوم فِيمَا أَتَى بِهِ من الْقُرْآن، فَيَقُولُونَ: قوي على ذَلِك بِمَا فِي طبعه من الفطنة للشعر، وَإِنَّمَا كَانَ يتَمَثَّل بِهِ، وَقد قَالَ يَوْمًا: ( ... ... . . ... ويأتيك بالأنباء من لم تزَود ... ) وَقَالَ: (أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل ... ... ... ) 520 - / 627 وَفِي الحَدِيث السَّادِس: اشْتَكَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يقم لَيْلَة أَو لَيْلَتَيْنِ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَة فَقَالَت: يَا مُحَمَّد، إِنِّي لأرجو أَن يكون شَيْطَانك قد تَركك، فَأنْزل الله تَعَالَى: {وَالضُّحَى، وَاللَّيْل إِذا سجى، مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى} [الضُّحَى: 1 - 3] . [15] هَذِه الْمَرْأَة قد قيل إِنَّهَا أم جميل بنت حَرْب أُخْت أبي سُفْيَان، الحديث: 520 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 وَهِي امْرَأَة أبي لَهب، وَكَانَت تنْسب مَا يذكرهُ من الْوَحْي إِلَى أَن شَيْطَانا يَأْتِي بِهِ. و (سجى) بِمَعْنى أظلم. و (قلى) أَي أبْغض. 521 - / 628 وَفِي الحَدِيث السَّابِع: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم النَّحْر، ثمَّ خطب، ثمَّ ذبح وَقَالَ: " من ذبح قبل أَن يُصَلِّي فليذبح أُخْرَى ". [15] عندنَا أَنه لَا يجوز ذبح الْأُضْحِية قبل صَلَاة الإِمَام، وَيجوز بعْدهَا وَإِن لم يكن قد ذبح الإِمَام، وَهَذَا فِي جَمِيع الْأَمَاكِن. وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي أهل الْأَمْصَار كَقَوْلِنَا، وَفِي أهل الْقرى يجوز أَن يذبحوا بعد طُلُوع الْفجْر من يَوْم النَّحْر. وَقَالَ مَالك: وَقت الذّبْح أَن يمْضِي بعد دُخُول وَقت الصَّلَاة زمَان يُمكن فِيهِ صَلَاة رَكْعَتَيْنِ وخطبتان، وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ من أَصْحَابنَا. 522 - / 629 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " من صلى الصُّبْح فَهُوَ فِي ذمَّة الله، فَلَا يطلبنكم الله من ذمَّته بِشَيْء ". [15] معنى الحَدِيث: أَن من صلى الْفجْر فقد أَخذ من الله ذماما فَلَا يَنْبَغِي لأحد أَن يُؤْذِيه بظُلْم، فَمن ظلمه فَإِن الله يُطَالِبهُ بِذِمَّتِهِ. الحديث: 521 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 [15] وَقَوله: يكبه. رُبمَا قَرَأَهُ بعض قرأة الحَدِيث بِضَم الْيَاء يَظُنّهُ أَنه من أكببت وَلَيْسَ كَذَلِك، إِنَّمَا هُوَ من قَوْلك: كببت فلَانا على وَجهه. فَأَما أكب فلَان على عمله فبالألف. 523 - / 630 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " قَالَ رجل: وَالله لَا يغْفر الله لفُلَان، فَقَالَ الله عز وَجل: من ذَا الَّذِي يتألى عَليّ أَن أَلا أَغفر لفُلَان؟ إِنِّي قد غفرت لَهُ وأحبطت عَمَلك ". [15] يتألى بِمَعْنى يحلف. والألية: الْيَمين. والإحباط: الْإِبْطَال. وَهَذَا المتألي جهل سَعَة الْكَرم فَعُوقِبَ بإحباط الْعَمَل. 524 - / 631 و - فِي الحَدِيث الثَّالِث: " إِنِّي أَبْرَأ إِلَى الله أَن يكون لي مِنْكُم خَلِيل، فَإِن الله قد اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، وَلَو كنت متخذا من أمتِي خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا ". [15] قد بَينا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود معنى الْخَلِيل، واعتذاره عَن اتِّخَاذ أبي بكر خَلِيلًا. [15] وَأما نَهْيه عَن اتِّخَاذ الْقُبُور مَسَاجِد فلئلا تعظم، لِأَن الصَّلَاة عِنْد الشَّيْء تَعْظِيم لَهُ، وَقد أغرب أهل زَمَاننَا بالصلوات عِنْد قبر مَعْرُوف وَغَيره، وَذَلِكَ لغَلَبَة الجهلة وملكة الْعَادَات. الحديث: 523 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 525 - / 632 الحَدِيث الرَّابِع: " من قتل تَحت راية عمية يَدْعُو عصبية أَو ينصر عصبية فقتلة جَاهِلِيَّة ". [15] العمية: الْأَمر الملبس لَا يدرى مَا وَجهه، قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: هُوَ الْأَمر الْأَعْمَى، كالعصبية الَّتِي لَا يستبان مَا وَجههَا وَالْمَقْصُود أَنه يُقَاتل لهواه لَا على مُقْتَضى الشَّرْع. 526 - / 623 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَن رجلا قتل رجلا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كَيفَ تصنع بِلَا إِلَه إِلَّا الله؟ ". [15] وَالْمعْنَى إِنَّمَا أمرنَا بِقبُول الظَّوَاهِر، وَلَيْسَ علينا تفتيش البواطن. الحديث: 525 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 (33) كشف الْمُشكل من مُسْند معيقيب [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعَة أَحَادِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد. 527 - / 634 - وَفِيه من الْإِشْكَال: أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الرجل يُسَوِّي التُّرَاب حَيْثُ يسْجد: " إِن كنت فَاعِلا فَوَاحِدَة ". [15] اعْلَم أَن الْقَوْم كَانُوا يصلونَ على الأَرْض، فَرُبمَا كَانَ مَوضِع السُّجُود غير معتدل، أَو يكون حر الشَّمْس قد أثر فِي الْمَكَان، فيطلب الساجد بمسحه تعديله أَو كشف الْحَار ليسجد على مَا هُوَ أبرد مِنْهُ، فأجيزت لَهُ الْمرة، لِأَن الْمَقْصُود يحصل بهَا، وَلِئَلَّا يتَكَرَّر الْعَمَل فَيخرج إِلَى شبه الْعَبَث. الحديث: 527 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 34 - كشف الْمُشكل من مُسْند مجاشع ومجالد ابْني مَسْعُود لَيْسَ لَهما فِي الصَّحِيحَيْنِ سوى حَدِيث وَاحِد. 528 - / 635 - وَفِيه: " لَا هِجْرَة بعد فتح مَكَّة ". [15] أما الْهِجْرَة فَهِيَ مُفَارقَة الْكفَّار إِلَى الْمُسلمين، وَلما فتحت مَكَّة صَارَت كالمدينة فِي كَونهَا وطنا للْمُسلمين، وَبِفَتْحِهَا هان أَمر سَائِر الْبلدَانِ؛ لِأَنَّهَا أم الْقرى. [15] وَقَوله: فَلَقِيت معبدًا. كَذَا وَقع فِي أصل الْحميدِي وَهُوَ غلط، وَإِنَّمَا هُوَ: فَلَقِيت أَبَا معبد، وَهِي كنية مجَالد، وَقد ذكره بعد أسطر على الصِّحَّة. الحديث: 528 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 (35) كشف الْمُشكل من مُسْند يعلى بن أُميَّة [15] وَيُقَال لَهُ يعلى بن منية. فأمية أَبوهُ ومنية أمه، وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من الصَّحَابَة من اسْمه على حرف الْيَاء سواهُ. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة أَحَادِيث. 529 - / 636 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: غزوت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَيش الْعسرَة، وَكَانَ لَهُ أجِير فقاتل إنْسَانا، فعض أَحدهمَا صَاحبه فَانْتزع إصبعه، فأندر ثنيته فَسَقَطت، فَانْطَلق إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأهدر ثنيته وَقَالَ: " أيدع إصبعه فِي فِيك تقضمها كَمَا يقضم الْفَحْل ". [15] جَيش الْعسرَة يُرَاد بِهِ غَزْوَة تَبُوك. وَكَانَ الْأَمر قد اشْتَدَّ عَلَيْهِم فِي تِلْكَ الْغَزْوَة وَقَوي الْحر. [15] وأندر ثنيته: أَي أسقطها، وندر الشَّيْء بِمَعْنى سقط. والهدر: مَالا مُطَالبَة عَنهُ وَلَا غَرَامَة فِيهِ. الحديث: 529 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 [15] والقضم بِأَدْنَى الأضراس. والخضم بأقصاها، وَالْمعْنَى: كَمَا يعَض الْفَحْل. 530 - / 637 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كَيفَ ترى فِي رجل أحرم فِي جُبَّة بَعْدَمَا تضمخ بِطيب؟ فَقَالَ: " أما الطّيب الَّذِي بك فاغسله، وَأما الْجُبَّة فانزعها ". وَفِي رِوَايَة: جَاءَهُ رجل وَهُوَ مصفر لحيته وَرَأسه، فَقَالَ: " انْزعْ عَنْك الْجُبَّة، واغسل عَنْك الصُّفْرَة ". [15] هَذَا الحَدِيث يدل على أَن من أحرم وَعَلِيهِ مخيط لم يلْزمه تخريقه بل نَزعه، وَقد رُوِيَ عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ: يمزقه. وَعَن النَّخعِيّ أَنه قَالَ: يشقه. والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِمَا مَعَ كَون الشَّارِع نهى عَن إِضَاعَة المَال. قَالَ الْخطابِيّ: وَإِنَّمَا أمره بِغسْل الصُّفْرَة لِأَنَّهَا كَانَت زعفرانا، وَقد نهى الرجل أَن يتزعفر، فعلى هَذَا لَا حجَّة فِيهِ لمن قَالَ: لَا يجوز للْمحرمِ أَن يتطيب قبل الْإِحْرَام بِمَا يبْقى أَثَره بعد الْإِحْرَام. وَفِي هَذَا الحَدِيث حجَّة لمن قَالَ: إِذا لبس وتطيب نَاسِيا فَلَا فديَة عَلَيْهِ، وَهِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَقَول الشَّافِعِي؛ لِأَن النَّاسِي فِي مقَام الْجَاهِل، وَذَلِكَ الرجل كَانَ قريب عهد بِالْإِسْلَامِ، جَاهِلا بأحكامه، فعزره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يلْزمه فديَة. الحديث: 530 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 (36) كشف الْمُشكل من مُسْند معَاذ بن جبل [15] شهد جَمِيع الْمشَاهد، وشيعه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خُرُوجه إِلَى الْيمن مَاشِيا وَهُوَ رَاكب. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة حَدِيث وَسَبْعَة وَخَمْسُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سِتَّة أَحَادِيث. 531 - / 639 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: كنت ردف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بيني وَبَينه إِلَّا مؤخرة الرحل ... . [15] الردف: الرَّاكِب خلف الرَّاكِب. والرحل للبعير كالسرج للْفرس. ومؤخرة الْخَشَبَة: الَّتِي فِي آخِره. [15] وعفير تَصْغِير أعفر: وَهُوَ الَّذِي يَحْكِي لَونه عفرَة الأَرْض، والعفرة بَيَاض لَيْسَ بالناصع، وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال أعيفر، إِلَّا أَنهم أَخْرجُوهُ عَن بِنَاء الأَصْل، كَمَا قَالُوا فِي تَصْغِير أسود سُوَيْد. وَالْمَشْهُور فِي اسْم الْحمار الَّذِي كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْفُور. الحديث: 531 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 [15] وَأما نداؤه باسمه " يَا معَاذ " ثَلَاث مَرَّات فليتكامل حُضُور قلبه لما يُخَاطب بِهِ. [15] وَقد بَينا معنى لبيْك وَسَعْديك فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. [15] وَقَوله: " مَا حق الْعباد على الله عز وَجل؟ " هَذَا يشكل؛ لِأَنَّهُ لَا يجب على الله عز وَجل شَيْء، غير أَنه قد وعد بأَشْيَاء، فَلَا بُد أَن تكون كَقَوْلِه تَعَالَى: {كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة} [الْأَنْعَام: 54] فالوفاء بالوعد صِيَانة لَهُ من الْخلف لَازم. [15] وَمعنى: " فيتكلوا " أَي يعتمدوا على هَذَا ويتركوا الْجد فِي الْأَعْمَال. [15] وَأما قَوْله: " وَمَا من عبد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله إِلَّا حرمه الله على النَّار " فَإِنَّهُ يشكل، فَيُقَال: فَأَيْنَ دُخُول العصاة النَّار؟ [15] فَالْجَوَاب من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن يكون هَذَا قبل نزُول الْفَرَائِض. وَالثَّانِي: أَنه خرج مخرج الْغَالِب، وَالْغَالِب على الموحد أَن يعْمل بِمَا شهد بِهِ، فَلَا يدْخل النَّار، لتصديق قَوْله بِفِعْلِهِ. وَالثَّالِث: أَن يكون الْمَعْنى: حرمه الله على النَّار أَن يخلد فِيهَا. [15] وَقَوله: فَأخْبر بهَا تأثما. أَي خوفًا من إِثْم الكتمان. 532 - / 640 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " أعلمهم أَن الله افْترض عَلَيْهِم صَدَقَة تُؤْخَذ من أغنيائهم فَترد على فقرائهم ". الحديث: 532 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 فِيهِ دَلِيل على أَن الزَّكَاة لَا تنقل، وَعِنْدنَا أَنه يجوز نقل الزَّكَاة إِلَى بلد تقصر فِيهِ الصَّلَاة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَعند أَحْمد الْجَوَاز، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك. وَعَن الشَّافِعِي كالروايتين. [15] وكرائم الْأَمْوَال: نفائسها. 533 - / 644 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ مُسلم: [15] خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك، فَكَانَ يُصَلِّي الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا، وَالْمغْرب وَالْعشَاء جَمِيعًا. [15] هَذَا الحَدِيث صَرِيح فِي جَوَاز الْجمع فِي السّفر، وَهُوَ قَول أَحْمد وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز الْجمع فِي السّفر إِلَّا بِعَرَفَة والمزدلفة، وَإِنَّمَا يجوز عندنَا الْجمع فِي السّفر الطَّوِيل خلافًا لمَالِك وَأحد قولي الشَّافِعِي أَنه يجوز فِي السّفر الْقصير أَيْضا. الحديث: 533 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 (37) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي بن كَعْب [15] شهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَمِيع الْمشَاهد، وَهُوَ أول من كتب الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأحد الَّذين حفظوا الْقُرْآن على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقْرَأ عَلَيْهِ، وَكَانَ عمر يَقُول لَهُ: هَذَا سيد الْمُسلمين. [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة حَدِيث وَأَرْبَعَة وَسِتُّونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة عشر. 534 - / 645 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: قَالَ ابْن عَبَّاس: تماريت أَنا وصاحبي فِي صَاحب مُوسَى. [15] صَاحبه هُوَ الْحر بن قيس الْفَزارِيّ. والمراء: المجادلة على طَرِيق الشَّك. [15] وَالْمَلَأ: الْأَشْرَاف الَّذين هم الْوُجُوه، وَقيل لَهُم مَلأ لأَنهم مليئون بِمَا يُرَاد مِنْهُم، وَقيل: لأَنهم تملأ الصُّدُور هيبتهم. [15] فَأَما نوف الْبكالِي فَهُوَ من أهل الشَّام. وبكالة من حمير. الحديث: 534 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 [15] قَالَ الْخطابِيّ: وَمعنى كذب: أَخطَأ، وَالْعرب تضع الْكَذِب مَوضِع الْخَطَأ فَتَقول: كذب سَمْعِي، وَكذب بَصرِي، قَالَ الأخطل: (كذبتك عَيْنك أم رَأَيْت بواسط ... غلس الظلام من الربَاب خيالا) [15] وَإِسْرَائِيل هُوَ يَعْقُوب، وَقد تقدم الْكَلَام فِي هَذَا الِاسْم. [15] و " الْخضر " لقب، وَفِي اسْمه ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهمَا: اليسع، قَالَه وهب وَمُقَاتِل. وَالثَّانِي: أرميا بن حلفيا، ذكره ابْن الْمُنَادِي. وَالثَّالِث: إيليا بن ملكان، حَكَاهُ عَليّ بن أَحْمد النَّيْسَابُورِي. [15] وَفِي سَبَب تَسْمِيَته بالخضر قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه جلس على فَرْوَة بَيْضَاء فاهتزت خضراء، وَسَيَأْتِي فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. والفروة: الأَرْض الْيَابِسَة، وَقيل: الفروة: جلد وَجه الأَرْض. وَالثَّانِي: أَنه كَانَ إِذا جلس اخضر مَا حوله، قَالَه عِكْرِمَهْ. وَقَالَ مُجَاهِد: وَكَانَ إِذا صلى اخضر مَا حوله. [15] وَإِنَّمَا عوتب مُوسَى على قَوْله: أَنا أعلم، لِأَنَّهُ أطلق، فَلَو قَالَ: أَنا أعلم بِالتَّوْرَاةِ لم يلم. [15] وَمجمع الْبَحْرين: ملتقاهما، وهما بَحر فَارس وبحر الرّوم، فبحر فَارس نَحْو الْمشرق، وبحر الرّوم نَحْو الْمغرب. [15] وَفِي تَسْمِيَة الْبَلَد الَّذِي يجمعهما قَولَانِ: أَحدهمَا أفريقية، قَالَه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 أبي بن كَعْب. وَالثَّانِي: طنجة، قَالَه مُحَمَّد بن كَعْب. وَسمي الْبَحْر بحراً لسعته. والمكتل: الزبيل. وَقَوله: فَحَيْثُ تفتقد الْحُوت: أَي تفقده. والنول: الْعَطاء. [15] وَقَوله فِي الْغُلَام: فَأخذ الْخضر بِرَأْسِهِ فاقتلعه. وَقد روى أَنه أضجعه فذبحه، فَقَالَ مُوسَى (أقتلت نفسا زاكية) وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس (زكية) ، قَالَ الْكسَائي: هما لُغَتَانِ كالقاسية والقسية. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الزاكية فِي الْبدن، والزكية فِي الدّين. [15] وَقَوله: " صَار المَاء مثل الكوة " يَعْنِي الفتحة. [15] وَالنّصب: التَّعَب. [15] والمسجى: المغطى بِثَوْب. [15] وَقَوله: على حلاوة الْقَفَا إِشَارَة إِلَى الاستلقاء على الظّهْر. [15] وَقَوله: أَخَذته من صَاحبه ذمَامَة أَي حَيَاء وإشفاق، من الذَّم. والتذمم للصاحب: حفظ ذمَامَة خوفًا من الذَّم إِن لم يفعل. [15] وَقَوله: كَانَ إِذا ذكر أحدا من الْأَنْبِيَاء بَدَأَ بِنَفسِهِ. وَذَاكَ لِأَن الْحق عز وَجل قدمه عَلَيْهِم، فَقدم مَا قدم. [15] فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: " لَا تفضلُونِي على يُونُس "؟ [15] فَالْجَوَاب: أَنه إِذا قَالَ عَن وَحي أَو بِمُقْتَضى وَحي فضل نَفسه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 وَإِذا تواضع حطها. [15] وَأما " عين الحيا " فَكَذَا رُوِيَ لنا بِغَيْر هَاء، وَالْحيَاء مَا يحيا النَّاس بِهِ. وَالْمَشْهُور فِي التعارف عين الْحَيَاة. [15] وَقَوله: كَانَ أَثَره فِي حجر: أَي ثقب. [15] والطنفسة بِكَسْر الطَّاء وَفتح الْفَاء وَهِي: بِسَاط صَغِير لَهُ خمل. وكبد الْبَحْر: متن المَاء. [15] وَقَوله: اسْم الْغُلَام حبشون. كَذَا فِي أصل الْحميدِي بِالْحَاء الْمُهْملَة وَبعدهَا بَاء وشين مُعْجمَة وَنون. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: جيشور. [15] فَإِن قيل: هلا صَبر الْخضر مَعَ مُوسَى وَلَو مُدَّة أُخْرَى. [15] فَالْجَوَاب من خَمْسَة أوجه: [15] أَحدهَا: أَنه لما شَرط مُوسَى قطع الصُّحْبَة بقوله: {قَالَ إِن سَأَلتك عَن شَيْء بعْدهَا فَلَا تُصَاحِبنِي} [الْكَهْف: 76] عَامله الْخضر بِاخْتِيَارِهِ. [15] وَالثَّانِي: أَن طول الصُّحْبَة على ذَلِك الْوَجْه لَا يُفِيد؛ لِأَنَّهُ كلما رأى شَيْئا أنكرهُ وَلم يصبر. [15] وَالثَّالِث: أَن الْخضر علم أَن مُوسَى أَعلَى مِنْهُ منزلَة، وَإِنَّمَا بعث لَهُ لتأديبه، والتأديب يَكْفِي مِنْهُ الْيَسِير. [15] وَالرَّابِع: أَن الأولى كَانَت نِسْيَانا، وَالثَّانيَِة جبر عمدها بالمشارطة، وَأما الثَّالِثَة فَلم يكن لَهَا عذر. [15] وَالْخَامِس أَنه لما كَانَ إِنْكَار مُوسَى فِي السَّفِينَة والغلام لله تَعَالَى صَبر عَلَيْهِ الْخضر، فَلَمَّا صَار إِنْكَاره فِي الْجِدَار لحظ نَفسه وَمَكَان جوعه أوقع الْفرْقَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 535 - / 646 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: عَن أبي أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله، إِذا جَامع الرجل الْمَرْأَة وَلم ينزل. قَالَ: يغسل مَا مس الْمَرْأَة مِنْهُ ثمَّ يتَوَضَّأ وَيُصلي. [15] هَذَا كَانَ فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ نسخ على مَا بَينا فِي مُسْند عُثْمَان بن عَفَّان. 536 / 647 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: ذكر اللّقطَة. [15] اعْلَم أَن اللّقطَة على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا الْإِبِل وَالْبَقر وَالْبِغَال وَالْحمير والظباء، فَهَذِهِ عندنَا لَا يجوز التقاطها، بل يجب تَركهَا إِلَّا أَن يَأْخُذهَا الإِمَام لحفظها، وَهَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز التقاطها. فَأَما الشَّاة فَفِيهَا عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: لَا يجوز التقاطها أَيْضا، وَالثَّانِي: يجوز كَقَوْل بَاقِي الْفُقَهَاء. [15] وَأما غير هَذَا من اللّقطَة مثل الْأَثْمَان وَالْعرُوض، فَيَنْبَغِي لمن يلتقطها أَن ينظر فِي حَال نَفسه: فَإِن علم من نَفسه قلَّة الْأَمَانَة: لم يجز لَهُ أَخذهَا، وَإِن علم من نَفسه الْأَمَانَة وَالْقُوَّة على تَعْرِيفهَا فقد نَص أَحْمد على أَن الْأَفْضَل تَركهَا لَا أَخذهَا، وَفِي قَوْله زيد وسلمان لسويد: دع السَّوْط، دَلِيل على أَن ترك اللّقطَة أفضل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْأَفْضَل أَخذهَا. وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ: أَحدهمَا: مثل هَذَا، وَالثَّانِي: يجب عَلَيْهِ أَخذهَا. وَسُئِلَ ابْن عقيل فَقيل لَهُ: أجد صرة من الذَّهَب الحديث: 535 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 أَو دملجا أَو سوارا، فَهَل آخذه أم أتركه؟ فَقَالَ: إِن وجدت فِي نَفسك مَسَرَّة ببادرة الوجدان ففتش عَن سَبَب المسرة، فَإِن كَانَت مسرتك لحفظ ذَلِك على صَاحبه، وَكَيف وَقعت بِيَدِك دون غَيْرك فَخذهَا، فقد لَا يحظى صَاحبهَا بمثلك، وَإِن كَانَت مسرتك لوجدانك، وَكنت بإخفائها وَترك تَعْرِيفهَا أسر فَلَا تأخذها، كَمَا إِذا اتّفقت مَعَ امْرَأَة أَجْنَبِيَّة فِي رفْقَة، فَوجدت المسرة بخلو تِلْكَ الرّفْقَة فاهرب، فَمَا تِلْكَ المسرة إِلَّا لما بعْدهَا من الانبساط، هَذَا الله فقه النُّفُوس الَّذِي قَالَ فِيهِ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام: " استفت نَفسك " قَالَ: وَكَذَلِكَ استفت نَفسك فِي مِقْدَار مَا تعرفه فَكلما علمت أَنَّك تتطلبه وتتوق إِلَيْهِ إِذا سقط مِنْك فَعرفهُ. [15] وَأما أمره فِي هَذَا الحَدِيث بالتعريف ثَلَاثَة أَحْوَال فَلَا نعلم خلافًا فِي أَنه لَا يجب التَّعْرِيف أَكثر من حول وَاحِد، فَلَا تَخْلُو هَذِه الرِّوَايَة من ثَلَاثَة أَشْيَاء. أما أَن تكون غَلطا من الرَّاوِي؛ فقد دلّ على هَذَا الْوَجْه مَا فِي تَمام الحَدِيث من قَول شُعْبَة: فَسمِعت سَلمَة بن كهيل بعد عشر سِنِين يَقُول: عرفهَا عَاما وَاحِدًا. وَالثَّانِي: أَن يكون علم عَلَيْهِ السَّلَام أَنه لم يَقع تَعْرِيفهَا كَمَا يَنْبَغِي فَلم يحْتَسب لَهُ بالتعريف الأول، كَمَا قَالَ للَّذي صلى وَلم يُحَقّق الصَّلَاة: " ارْجع فصل، فَإنَّك لم تصل " وَالثَّالِث: أَن يكون قد دله على الْوَرع، وَهُوَ اسْتِعْمَال مَا لَا يلْزم. [15] وَأما الْوِعَاء فالظرف الَّذِي هِيَ فِيهِ، والوكاء: الْخَيط الَّذِي يشد بِهِ رَأس الصرة أَو الْقرْبَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 [15] وَقَوله: " فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا فاستمتع بهَا " وَفِي رِوَايَة: " وَإِلَّا فَهِيَ كسبيل مَالك " وَفِي هَذَا دَلِيل على أَنه يملكهَا بعد التَّعْرِيف. وَعِنْدنَا أَن اللّقطَة إِذا كَانَت أثمانا وَعرفهَا حولا ملكهَا، فَأَما إِذا كَانَت عرُوضا أَو حليا أَو ضَالَّة فَإِنَّهُ لَا يملكهَا وَلَا ينْتَفع بهَا، سَوَاء كَانَ غَنِيا أَو فَقِيرا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يملك شَيْئا من اللقطات بِحَال وَلَا ينْتَفع بهَا إِذا كَانَ غَنِيا، فَإِن كَانَ فَقِيرا جَازَ لَهُ الِانْتِفَاع بهَا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَدَاوُد: يملك جَمِيع اللقطات غَنِيا كَانَ أَو فَقِيرا، وَيتَخَرَّج لنا مثله. وَاخْتلف الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يملكهَا: هَل تدخل فِي ملكه بِاخْتِيَارِهِ أَو بِغَيْر اخْتِيَاره، فعندنا أَنه إِذا عرف الْأَثْمَان حولا دخلت فِي ملكه بِغَيْر اخْتِيَاره. وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي: فَمنهمْ من قَالَ كَقَوْلِنَا، وَمِنْهُم من قَالَ: لَا يملكهَا إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ، ثمَّ اخْتلف هَؤُلَاءِ، فَقَالَ قوم مِنْهُم: يفْتَقر إِلَى نِيَّته وَلَفظه واختياره وتصرفه. وَقَالَ آخَرُونَ: يفْتَقر إِلَى نِيَّته وتصرفه، وَقَالَ آخَرُونَ يفْتَقر إِلَى نِيَّته فَقَط. فَأَما إِذا جَاءَ صَاحبهَا بعد الْحول فَإِنَّهُ يغرمها لَهُ، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد ابْن حَنْبَل، وَقَالَ دَاوُد: لَا يغرم. [15] وَقَوله فِي الحَدِيث: " فَإِن جَاءَ أحد يخبر بعددها ووعائها ووكائها فأعطها إِيَّاه " فَهَذَا دَلِيل على أَن من أخبر بِهَذِهِ الْأَشْيَاء من غير بَيِّنَة دفعت إِلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَأحمد وَدَاوُد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا تدفع إِلَّا بِبَيِّنَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 537 - / 648 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: [15] قَالَ عمر: اقرؤنا أبي، وأقضانا عَليّ، وَإِنَّا لندع من قَول أبي؟ وَذَلِكَ أَن أَبَيَا يَقُول: لَا أدع شَيْئا سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد قَالَ الله تَعَالَى: {مَا ننسخ من آيَة أَو ننساها} [الْبَقَرَة: 106] . [15] وَأما قَول: أقرؤنا أبي وأقضانا عَليّ، فَإِنَّهُ قد يغلب على الْإِنْسَان من فنون الْعلم فن يفوق بِهِ، وَقد يرْزق فِي ذَلِك الْفَنّ من التَّصَرُّف مَا لَا يرزقه غَيره وَإِن شَاركهُ فِي الْعلم. [15] وَقَوله: وَإِنَّا لندع من قَول أبي. يَعْنِي: من قِرَاءَته، وَقد بَين السَّبَب فِي ذَلِك وَهُوَ أَن الْعَمَل على الْعرض الْأَخير، وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرض الْقُرْآن على جِبْرِيل، وَعرضه عَلَيْهِ قبل مَوته مرَّتَيْنِ. 538 - / 649 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " لَو أَن لِابْنِ آدم وَاديا من ذهب لأحب أَن يكون لَهُ واديان، وَلنْ يمْلَأ فَاه إِلَّا التُّرَاب "، وَكُنَّا نرى هَذَا من الْقُرْآن حَتَّى نزل قَوْله {أَلْهَاكُم التكاثر} . [15] اعْلَم أَن آثر الْأَشْيَاء عِنْد الْإِنْسَان نَفسه، فَأحب الْأَشْيَاء إِلَيْهِ بَقَاؤُهَا، ولشدة حبه الْبَقَاء لَا يَنْقَطِع أمله من الْحَيَاة وَلَو عاين الْمَوْت، فَلَمَّا كَانَ المَال سَببا للحياة أحب سَبَب الْبَقَاء والاستكثار مِنْهُ لحبه الْبَقَاء. وَقَوله: " وَلنْ يمْلَأ فَاه إِلَّا التُّرَاب " الْإِشَارَة بِالْمَعْنَى إِلَى حرصه، وبالصورة إِلَى دَفنه فِي الْقَبْر. الحديث: 537 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 [15] وَهَذَا الحَدِيث: مِمَّا كَانَ يُتْلَى فِي الْقُرْآن، ثمَّ نسخ لَفظه وَبَقِي حكمه، وَهَذَا معنى قَول أبي: كُنَّا نرى هَذَا من الْقُرْآن. وَقَوله حَتَّى نزلت: {أَلْهَاكُم التكاثر} أَي أَنَّهَا أَثْبَتَت هَذَا الْمَعْنى. 539 - / 650 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: سَأَلت أبي بن كَعْب عَن المعوذتين، قلت: إِن أَخَاك ابْن مَسْعُود يَقُول كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: " قيل لي فَقلت " فَنحْن نقُول كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] الَّذِي كنى عَنهُ من قَول ابْن مَسْعُود كَأَنَّهُ الْإِشَارَة إِلَى أَنه كَانَ لَا يثبتها فِي مصحفه وَلَا يَرَاهَا من الْقُرْآن. وَقَوله: " قيل لي فَقلت " دَلِيل على أَنَّهَا من الْوَحْي، وَقد كَانَ الْأَمر فِي زمن ابْن مَسْعُود مُحْتملا للتأويلات، فَأَما الْآن فانعقد الْإِجْمَاع. 540 - / 651 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع " إِن من الشّعْر حِكْمَة ". الْحِكْمَة: الْكَلَام الْمُحكم لَفظه، الْوَاقِع مَعْنَاهُ، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعجبهُ ذَلِك الْفَنّ من الشّعْر. أخبرنَا عمر بن أبي الْحسن البسطامي قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن أبي مَنْصُور قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن أبي أَحْمد الْخُزَاعِيّ قَالَ: أخبرنَا الْهَيْثَم بن كُلَيْب قَالَ: أخبرنَا التِّرْمِذِيّ قَالَ: حَدثنَا أَحْمد ابْن منيع قَالَ: حَدثنَا مَرْوَان بن مُعَاوِيَة عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الطَّائِفِي عَن عَمْرو بن الشريد عَن أَبِيه قَالَ: كنت ردف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَنْشَدته مائَة قافية من قَول أُميَّة بن أبي الصَّلْت، كلما أنشدته بَيْتا قَالَ الحديث: 539 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " هيه " حَتَّى أنشدته مائَة - يَعْنِي مائَة بَيت، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن كَاد ليسلم ". 541 - / 652 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: قيل لأبي: إِن ابْن مَسْعُود يَقُول: من قَامَ السّنة أصَاب لَيْلَة الْقدر. فَقَالَ أبي: وَالله إِنَّهَا لفي رَمَضَان، وَإِنَّهَا لَيْلَة سبع وَعشْرين. وَأما تَسْمِيَتهَا بليلة الْقدر فَفِيهَا خَمْسَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن الْقدر: العظمة، من قَوْله تَعَالَى: {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} [الْأَنْعَام: 91] وَهَذَا قَول الزُّهْرِيّ. [15] وَالثَّانِي: أَن من التَّضْيِيق، من قَوْله تَعَالَى: {وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه} [الطَّلَاق: 7] فَهِيَ لَيْلَة تضيق فِيهَا الأَرْض عَن الْمَلَائِكَة، وَهَذَا قَول الْخَلِيل بن أَحْمد. وَالثَّالِث: أَن الْقدر: الحكم، كَأَن الْأَشْيَاء تقدر فِيهَا، قَالَه ابْن قُتَيْبَة. وَالرَّابِع: لِأَن من لم يكن لَهُ قدر صَار بمراعاتها ذَا قدر، قَالَه أَبُو بكر الْوراق. وَالْخَامِس: لِأَنَّهُ أنزل فِيهَا كتاب ذُو قدر، وتنزل فِيهَا رَحْمَة ذَات قدر، وملائكة ذَوُو قدر، ذكره شَيخنَا عَليّ بن عبيد الله. الحديث: 541 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 وَاخْتلف النَّاس: هَل هِيَ بَاقِيَة أم كَانَت فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة؟ وَالصَّحِيح بَقَاؤُهَا. [15] وَاخْتلفُوا فِي أخص اللَّيَالِي بهَا على سِتَّة أَقْوَال: [15] أَحدهَا: أول لَيْلَة من رَمَضَان، قَالَه أَبُو رزين الْعقيلِيّ. [15] وَالثَّانِي: لَيْلَة ثَمَانِي عشرَة، قَالَه الْحسن. [15] وَالثَّالِث: لَيْلَة إِحْدَى وَعشْرين، وَهُوَ اخْتِيَار الشَّافِعِي. [15] وَالرَّابِع: لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين، وَهُوَ مَذْهَب عبد الله بن أنيس. [15] وَالْخَامِس: لَيْلَة خمس وَعشْرين، وَهُوَ مَذْهَب أبي بكرَة. [15] وَالسَّادِس: لَيْلَة سبع وَعشْرين، وَهُوَ مَذْهَب عَليّ وَأبي بن كَعْب وَابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة وَعَائِشَة وَأحمد بن حَنْبَل. 542 - / 654 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: كنت فِي الْمَسْجِد، فَدخل رجل يُصَلِّي، فَقَرَأَ قِرَاءَة أنكرتها، ثمَّ دخل آخر فَقَرَأَ قِرَاءَة سوى قِرَاءَة صَاحبه، فَلَمَّا قضينا الصَّلَاة. دَخَلنَا جَمِيعًا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَرَأَ فَحسن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَأْنهمَا، فَسقط فِي نَفسِي من التَّكْذِيب وَلَا إِذْ كنت فِي الْجَاهِلِيَّة. [15] الْمَعْنى: وسوس لي الشَّيْطَان، وَلَو اعْتقد ذَلِك لخرج من الْإِسْلَام، وحوشي. [15] وَقَوله: فَضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَدْرِي، وَذَلِكَ إزعاج لَهُ عَن الحديث: 542 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 محادثة الوسوسة. [15] وَقَوله: " هون عَليّ أمتِي " أَي خفف. [15] وَلما جعلت للرسول عَلَيْهِ السَّلَام مسَائِل يُجَاب فِيهَا، جعلهَا كلهَا لأمته، وَهَذَا غَايَة الْكَرم، لِأَنَّهُ علم مَا تفعل بهم الْخَطَايَا. [15] وَقد سبق الْكَلَام فِي معنى سَبْعَة أحرف فِي مُسْند عمر. [15] وَقَوله: " يرغب إِلَيّ الْخلق كلهم حَتَّى إِبْرَاهِيم " وَهَذَا لِأَن النَّاس إِذا خَرجُوا من الْقُبُور أَقَامُوا مُدَّة لَا يفصل بَينهم، فيستشفعون بِآدَم، ثمَّ بِنوح، ثمَّ بإبراهيم، ثمَّ بمُوسَى، ثمَّ بِعِيسَى، ليراحوا بِالْفَصْلِ بَينهم، فَلَا يتَقَدَّم أحد فِي تِلْكَ الشَّفَاعَة على نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا لم يَقع الْفَصْل إِلَّا بِشَفَاعَتِهِ فقد احْتَاجَ الْأَنْبِيَاء أَيْضا إِلَيْهِ. [15] وَفِي هَذَا الحَدِيث: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد أضاة بني غفار. قَالَ الْأَصْمَعِي. الأضاة: المَاء المستنقع من مسيل أَو غَيره، وَجمعه أضا مَقْصُورَة، مثل قطاة وقطا، فَإِن كسرت أَوله قلت إضاء فمددت، تَقْدِيره ثَمَرَة وثمار. وَقَالَ أَبُو عمر الزَّاهِد: يُقَال: أضاة وَجَمعهَا أضا، وَيجمع أضا إضاء، فَهُوَ جمع الْجمع. 543 / 655 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: لَو اشْتريت حمارا تركبه فِي الرمضاء. يَعْنِي الْحر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 544 - / 657 وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " أعظم آيَة فِي الْقُرْآن: {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} " [الْبَقَرَة: 255] . [15] فِي اسْم الله الَّذِي هُوَ (الله) عَن الْخَلِيل رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: أَنه اسْم علم لَيْسَ بمشتق، وَالْأُخْرَى: أَنه مُشْتَقّ. وَاخْتلف من قَالَ باشتقاقه: فَقَالَ قوم: إِنَّه مُشْتَقّ من الوله، لِأَن قُلُوب الْعباد توله نَحوه، وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال مولوه كَمَا يُقَال معبود، إِلَّا أَنهم خالفوا بِهِ الْبناء ليَكُون علما فَقَالُوا: إِلَه: كَمَا قَالُوا للمكتوب كتاب، وللمحسوب حِسَاب. وَقَالَ آخَرُونَ: أَصله من أَله الرجل يأله: إِذا تحير، لِأَن الْقُلُوب تتحير عِنْد التفكر فِي عَظمته، وَقد قيل إِنَّه الِاسْم الْأَعْظَم، وَكَذَلِكَ قيل فِي قَوْله: {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} . [15] قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: والقيوم: الَّذِي لَا يَزُول لَا ستقامة وَصفه بالوجود، إِذا لَا يجوز عَلَيْهِ التَّغَيُّر بِوَجْه من الْوُجُوه. قَالَ الزّجاج: القيوم: الْقَائِم بِأَمْر الْخلق. [15] وَفِي (القيوم) ثَلَاث لُغَات: (القيوم) وَهِي قِرَاءَة الْجُمْهُور. و (الْقيام) وَهِي قِرَاءَة عمر وَابْن مَسْعُود. و (الْقيم) وَهِي قِرَاءَة عَلْقَمَة. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وأصل القيوم: القيووم، فَلَمَّا اجْتمعت الْيَاء وَالْوَاو الحديث: 544 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 وَالسَّابِق سَاكن جعلتا يَاء مُشَدّدَة. وأصل الْقيام: القيوام. قَالَ الْفراء: وَأهل الْحجاز يصرفون الفعال إِلَى الفيعال، يَقُولُونَ للصواغ صياغ. [15] وَقَوله: " إِن لهَذِهِ الْآيَة لِسَانا " مجازه أَن الْحق عز وَجل يقدس: أَي يعظم وينزه عَن السوء عِنْد الْعَرْش بِهَذِهِ الْآيَة، أَو لِأَنَّهُ مَوْصُوف بِمَا فِيهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 (38) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي طَلْحَة زيد بن سهل [15] شهد جَمِيع الْمشَاهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لصوت أبي طَلْحَة فِي الْجَيْش خير من فِئَة ". وروى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة وَعشْرين حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة. 545 - / 659 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ كلب وَلَا صُورَة ". [15] أما امتناعها لأجل الْكَلْب فلنجاسته وتنجيسه مَا يكون فِي الْبَيْت وَأما لأجل الصُّور فَلِأَن الصُّورَة قد كَانَت تعبد من دون الله عز وَجل. [15] والتماثيل جمع تِمْثَال: وَهُوَ اسْم للشَّيْء الْمَصْنُوع مشبها بِخلق الله تَعَالَى، واصله من مثلت الشَّيْء بالشَّيْء: إِذا شبهته بِهِ. [15] وَقَوله: " إِلَّا رقما فِي ثوب " زِيَادَة فِي بعض الرِّوَايَات تَقْتَضِي أَن يكون الْمنْهِي عَنهُ مَا كَانَ لَهُ شخص ماثل دون مَا كَانَ منسوجا فِي ثوب، وَهَذَا مَحْمُول على جَوَاز اسْتِعْمَاله بِأَن يُوطأ ويداس، فَأَما عمل الصُّورَة فَلَا يحل، وَلَا تَعْلِيق السّتْر الَّذِي هِيَ فِيهِ، وسنبين هَذَا فِي مُسْند عَائِشَة الحديث: 545 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 عَلَيْهَا السَّلَام. 546 - / 660 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَنه كَانَ إِذا ظهر على قوم أَقَامَ بالعرصة ثَلَاث لَيَال. [15] ظهر بِمَعْنى غلب. والعرصة: أَرض الْمَكَان. وَإِنَّمَا كَانَ يُقيم لظُهُور تَأْثِير الْغَلَبَة، وتنفيذ الْأَحْكَام، وترتيب النواب. [15] والبضع: مَا بَين الْوَاحِد إِلَى التِّسْعَة. وَقد فسرت الْبضْعَة فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث أَنَّهَا أَرْبَعَة، قَالُوا: أَمر بأَرْبعَة وَعشْرين رجلا. [15] والطوي: الْبِئْر المطوية. وَقد أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور قَالَ: أخبرنَا الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار قَالَ: أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْجَوْهَرِي قَالَ: أخبرنَا أَبُو عمر بن حيويه قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْحسن الرزاز قَالَ: أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الحكيمي قَالَ: أخبرنَا ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: أَسمَاء الْبِئْر: الرَّكية، والقليب، وَالْفَقِير، والطوي. [15] وَأما الصناديد فهم الْأَشْرَاف. وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند عمر، وَذكرنَا هُنَاكَ سَماع الْقَوْم لخطاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. 547 - / 661 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: الحديث: 546 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 [15] كنت فِيمَن تغشاه النعاس يَوْم أحد حَتَّى سقط السَّيْف من يَدي مرَارًا. [15] لما وَقعت يَوْم أحد الْهَزِيمَة فِي أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكثر الْقَتْل فيهم وَصَاح الشَّيْطَان: قتل مُحَمَّد، اشْتَدَّ خوفهم، وَقَوي غمهم، ثمَّ أنعم الله عَلَيْهِم بِأَن أنزل عَلَيْهِم بعد الْغم أَمَنَة نعاسا، والأمنة: الْأَمْن، وَالنُّعَاس: أخف النّوم، وأمنهم أمنا ينامون مَعَه، والأمنة بِزَوَال الْخَوْف؛ لِأَن الْخَائِف لَا ينَام. 548 - / 662 وَفِيمَا انْفَرد بِهِ مُسلم: [15] كُنَّا قعُودا فِي الأفنية، فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " مَا لكم ولمجالس الصعدات؟ ". [15] الأفنية جمع فنَاء: وَهُوَ مَا دَار حول الْمنزل، قَالَ أَبُو عبيد: والصعدات: الطّرق، مَأْخُوذَة من الصَّعِيد: وَهُوَ التُّرَاب، وَجمع الصَّعِيد صعد، وَجمع الْجمع صعدات، كَمَا يُقَال طَرِيق وطرق وطرقات. [15] وَقَوله: لغير مَا بَأْس. مَا زَائِدَة. [15] وَقَوله: " إِمَّا لَا " قد بَينا هَذِه الْكَلِمَة فِي مُسْند بُرَيْدَة. الحديث: 548 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 (39) كشف الْمُشكل من مُسْند عبَادَة بن الصَّامِت [15] شهد الْمشَاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ يعلم أهل الصّفة الْقُرْآن، وَهُوَ أحد النُّقَبَاء الاثْنَي عشر. وروى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة وأحداً وَثَمَانِينَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عشرَة. [15] 549 - / 663 - فَفِي الحَدِيث الأول: " من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه " وَقد سبق بَيَانه فِي مُسْند أبي مُوسَى ". 550 - / 664 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " رُؤْيا الْمُؤمن جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة ". [15] وَلِهَذَا الحَدِيث وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن النُّبُوَّة لما كَانَت تَتَضَمَّن اطلاعا على أُمُور يظْهر تحقيقها فِيمَا بعد، وَقع التَّشْبِيه لرؤيا الْمُؤمن بهَا. وَالثَّانِي: أَنه لما كَانَ جمَاعَة من الْأَنْبِيَاء ثبتَتْ نبوتهم بِمُجَرَّد الْوَحْي فِي النّوم، وَجَمَاعَة أُخْرَى ابتدءوا بِالْوَحْي فِي الْمَنَام ثمَّ رقوا الحديث: 549 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 إِلَى الْوَحْي واليقظة، حسن التَّشْبِيه. [15] فَإِن قيل: فَمَا وَجه حصرها بِسِتَّة وَأَرْبَعين؟ فقد قَالَ بعض الْعلمَاء: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَقِي فِي النُّبُوَّة ثَلَاثًا وَعشْرين سنة، أَقَامَ مِنْهَا بِمَكَّة ثَلَاث عشرَة سنة، وَكَانَ يُوحى إِلَيْهِ فِي مَنَامه فِي أول الْأَمر سِتَّة أشهر وَهِي نصف سنة، فَصَارَت هَذِه الْمدَّة جُزْءا من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من أَيَّام نبوته. [15] وَقد تواطأ على رِوَايَة هَذَا اللَّفْظ جمَاعَة من الصَّحَابَة، وَأخرج فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عبَادَة، وَأبي سعيد، وَأبي هُرَيْرَة، غير أَنه قد روى مُسلم من حَدِيث ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " الرُّؤْيَا الصَّالِحَة جُزْء من سبعين جُزْءا من النُّبُوَّة " فعلى هَذَا تكون رُؤْيا الْمُؤمن مُخْتَلفَة، فأدناها من سبعين جُزْءا، وأعلاها من سِتَّة وَأَرْبَعين. وَقَالَ ابْن جرير: فَأَما قَوْله: " من سبعين " فعام فِي كل رُؤْيا صَالِحَة لكل مُسلم، بِأَيّ أَحْوَاله كَانَ وعَلى أَي حَال رَآهَا، وَأما جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين فحالة من يكون من أهل إسباغ الْوضُوء فِي السبرات، وَالصَّبْر على المكروهات، وانتظار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة. قَالَ: وَقد رُوِيَ: " جُزْء من خَمْسَة وَأَرْبَعين جُزْءا " وَذَلِكَ لما بَين ذَلِك من الْأَحْوَال. 551 - / 665 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب ". الحديث: 551 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 وَهَذَا دَلِيل على تعْيين الْفَاتِحَة، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد ابْن حَنْبَل فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ، وَفِي الْأُخْرَى: يَجْزِي غَيرهَا كمذهب أبي حنيفَة. 3552 / 666 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: بَايعنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على السّمع وَالطَّاعَة فِي الْعسر واليسر. [15] الْعسر: الشدَّة، واليسر: السهولة. [15] والمنشط: النشاط، وَالْمكْره: مَا يكره، والأثرة: انْفِرَاد الْأَمِير عَن الرعايا بِمَا لَهُم فِيهِ حق. [15] ومنازعة الْأَمر يَعْنِي بهَا الْإِمَارَة. [15] وَقَوله: إِلَّا أَن تروا كفرا بواحا. الْبَاء مَفْتُوحَة، وَالْمعْنَى: جهارا. [15] قَوْله: عنْدكُمْ فِيهِ من الله برهَان، أَي أَنه كفر، فَحِينَئِذٍ تجوز الْمُنَازعَة. [15] وَقَوله: لَا نَخَاف فِي الله لومة لائم. إِن قيل: الْخَوْف انزعاج النَّفس، وَذَلِكَ لَا يملك، فَكيف تقع الْمُبَايعَة على نفي مَالا يملك؟ فَالْجَوَاب: أَن هَذَا من التَّوَسُّع فِي الْعبارَة، وَالْمعْنَى: لَا يتْرك القَوْل بِالْحَقِّ خوفًا من اللوم. 553 - / 667 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " تُبَايِعُونِي على أَن أَلا تُشْرِكُوا الحديث: 553 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 بِاللَّه شَيْئا، وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم ". [15] قتل الْأَوْلَاد المُرَاد بِهِ الموءودة الَّتِي كَانُوا يفعلونها فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَت الْمَرْأَة إِذا تمخضت بحملها حفرت لَهَا بِئْر، فَإِن ولدت ذكرا حبسوه، وَإِن ولدت أُنْثَى رَمَوْهَا فِي الْبِئْر. [15] وَفِي المُرَاد بالبهتان هَاهُنَا أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه الزِّنَا، وافتراء الْمَرْأَة بَين يَديهَا ورجليها، وَهُوَ ولد الزِّنَا، لِأَنَّهُ يَقع عِنْد الْوَضع بَين يَديهَا ورجليها، فَإِذا ألحقته بزوجها فَذَلِك الْبُهْتَان المفترى. وَقَوله للرِّجَال: " وَلَا يأْتونَ بِبُهْتَان يفترونه " يحْتَمل شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: أَن يكون بَايع الرِّجَال وَالنِّسَاء، فَاجْتمع الْكل فِي النَّهْي عَن الزِّنَا، وَانْفَرَدَ النِّسَاء بِصِيغَة الافتراء بَين أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ. وَالثَّانِي: أَن يكون قَرَأَ عَلَيْهِم الْآيَة وَلم يسْقط مَا يتَعَلَّق بِالنسَاء مِنْهَا. [15] وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن المُرَاد بالبهتان هَاهُنَا قذف الْمُحْصنَات والمحصنين، وَيدخل فِي ذَلِك الْكَذِب على النَّاس والاغتياب لَهُم، وَإِنَّمَا ذكرت الْأَيْدِي والأرجل لِأَن مُعظم أَفعَال النَّاس إِنَّمَا تُضَاف مِنْهُم إِلَى الْأَيْدِي والأرجل، إِذْ كَانَت هِيَ العوامل والحوامل، يَقُولُونَ: لفُلَان عِنْدِي يَد، وَالْكِنَايَة بِالْيَدِ عَن الذَّات، قَالَه أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ. [15] وَالْقَوْل الثَّالِث: الْبُهْتَان هَاهُنَا الْمَشْي بالنميمة وَالسَّعْي بِالْفَسَادِ. [15] وَالرَّابِع: أَنَّهُمَا السحر، ذكرهمَا الْمَاوَرْدِيّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 [15] وَقَوله: " وَمن أصَاب شَيْئا من ذَلِك فَعُوقِبَ بِهِ. فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ ". قَالَ الشَّافِعِي: لم أسمع فِي أَن الْحَد يكون كَفَّارَة لأَهله أحسن من هَذَا الحَدِيث. [15] وَقَوله: " وَلَا يعضه بَعْضنَا بَعْضًا " أَي لَا يرميه بالعضيهة: وَهِي الْكَذِب والبهتان، وَالْفِعْل مِنْهَا عضهت. 554 - / 669 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: " إِنِّي خرجت لأخبركم بليلة الْقدر، فتلاحى فلَان وَفُلَان فَرفعت، وَعَسَى أَن يكون خيرا لكم ". [15] والملاحاة: الْخُصُومَة. وَقَوله: " فَرفعت " قَالَ ابْن عقيل: رفع علمهَا. قَالَ: فَإِن قيل: فَكيف أَمر بِطَلَب مَا قد رفع؟ فَالْجَوَاب: أَنه إِنَّمَا أَمر بالتعبد لتقع المصادفة بِالْعَمَلِ لَا الْعلم بِالْعينِ، لِأَنَّهُ مَتى تصور علمهَا زَالَ معنى الرّفْع. [15] وَقَوله: " عَسى أَن يكون خيرا لكم " وَذَلِكَ لِأَن كتمها أحرص لَهُم على طلبَهَا، وَلَو عينت لاقتنعوا بِتِلْكَ اللَّيْلَة فَقل عَمَلهم. [15] وَقَوله: " فالتمسوها فِي التَّاسِعَة وَالسَّابِعَة وَالْخَامِسَة " دَلِيل على أَنَّهَا فِي الْأَفْرَاد من اللَّيَالِي. وَقد سبق الْكَلَام فِي هَذَا فِي مُسْند أبي بن كَعْب. الحديث: 554 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 555 - / 670 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " من تعار من اللَّيْل ". يَعْنِي اسْتَيْقَظَ. 556 - / 671 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " خُذُوا عني، قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا، الْبكر بالبكر جلد مائَة وَنفي سنة، وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَة وَالرَّجم ". [15] الْإِشَارَة إِلَى قَوْله عز وَجل: {أَو يَجْعَل الله لَهُنَّ سَبِيلا} [النِّسَاء: 15] . [15] والسبيل مَا ذكره من قَوْله: " الْبكر بالبكر، وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ " وَكَانَ حد الزَّانِيَيْنِ بِمُقْتَضى هَذِه الْآيَة الْأَذَى لَهما وَالْحَبْس للْمَرْأَة خَاصَّة، فنسخ الحكمان. وَاخْتلف الْعلمَاء بِمَاذَا وَقع نسخهما؟ وَالصَّحِيح أَنه نسخ بِوَحْي لم تَسْتَقِر تِلَاوَته، بِدَلِيل قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا " وَقَوله: " الْبكر بالبكر " وَهُوَ الرجل لم يتَزَوَّج وَالْمَرْأَة لم تتَزَوَّج، وَالثَّيِّب بِخِلَاف ذَلِك. [15] وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَنه يجْتَمع الْجلد وَالرَّجم فِي حق الزَّانِي الْمُحصن، وَقد ذكرنَا الْخلاف فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. [15] وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على وجوب التَّغْرِيب، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب، وَقَالَ مَالك: لَا يجب على الْمَرْأَة خَاصَّة. الحديث: 555 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 557 - / 672 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " الذَّهَب بِالذَّهَب، وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ، وَالْبر بِالْبرِّ، وَالشعِير بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ، وَالْملح بالملح، مثلا بِمثل، سَوَاء بِسَوَاء، يدا بيد، فَإِذا اخْتلفت هَذِه الْأَصْنَاف فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِذا كَانَ يدا بيد ". [15] اتّفق الْعلمَاء على أَن التَّفَاضُل فِي بيع هَذِه الْأَعْيَان السِّتَّة الَّتِي نَص عَلَيْهَا رَبًّا، وَاخْتلفُوا: هَل جرى فِيهَا الرِّبَا لأعيانها أَو لعلل تعلّقت بهَا؟ فَقَالَ دَاوُد: لأعيانها، وَقَالَ عَامَّة الْفُقَهَاء: لعلل تعلّقت بهَا. فَأَما الذَّهَب وَالْفِضَّة فالعلة عندنَا فِي تَحْرِيم الرِّبَا فيهمَا الْوَزْن، وَبِهَذَا تعدت الْعلَّة إِلَى كل مَوْزُون. وَأما الْأَعْيَان الْأَرْبَعَة فالعلة فِي تَحْرِيم الرِّبَا فِي الْجِنْس مِنْهَا الْكَيْل، وَبِذَلِك يتَعَدَّى الحكم إِلَى غَيرهمَا، نَص عَلَيْهِ أَحْمد، وَهُوَ الْمَنْصُور عندنَا، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. فعلى هَذَا تكون الْعلَّة مركبة من وصفين: الْكَيْل، وَالْجِنْس. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: أَحدهمَا أَن الْعلَّة فيهمَا الطّعْم، وَهُوَ الْجَدِيد من قَوْله الْمَنْصُور عِنْد أَصْحَابه، وَهُوَ الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد، فعلى هَذَا تكون الْعلَّة الطّعْم، وَالْجِنْس مَحل وَشرط وَلَيْسَ بعلة، وَالْقَوْل الثَّانِي للشَّافِعِيّ أَن الْعلَّة الْكَيْل والطعم إِذا اجْتمعَا، وَهَذَا قَوْله الْقَدِيم وَهُوَ الرِّوَايَة الثَّالِثَة عَن أَحْمد. وَقَالَ مَالك: الْعلَّة كَونه قوتا أَو مصلحا للقوت. [15] وَقَوله: " إِذا اخْتلفت هَذِه الْأَصْنَاف فبيعوا كَيفَ شِئْتُم " دَلِيل على أَنه يجوز بيع الذَّهَب بِالْفِضَّةِ، وَالْبر بِالشَّعِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ. وَقَالَ مَالك: الْبر وَالشعِير جنس وَاحِد، وَعلل بِأَن الْبر لَا يَخْلُو من الشّعير، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ، وَمَا يتضمنه الْبر من الشّعير لَا يعْتَبر بِهِ، وَلَو الحديث: 557 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 اعْتبر بِهِ لم يجز بيع أَحدهمَا بِالْآخرِ. [15] وَقَوله: " إِذا كَانَ يدا بيد " منع لربا النسئية فِي الْجِنْس بِالْجِنْسِ، وَقد شرحنا فِي مُسْند عمر. [15] وَفِي الحَدِيث أَن مُعَاوِيَة أَمر أَن تبَاع أواني من فضَّة إِلَى زمَان خُرُوج الْعَطاء، فَأنْكر ذَلِك عبَادَة وَأورد هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ مُعَاوِيَة: مَا بَال أَقوام يتحدثون عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحَادِيث قد كُنَّا نصحبه فَلم نسمعها مِنْهُ. وَالْعجب من إِنْكَار مُعَاوِيَة حَدِيث عبَادَة، وَأَيْنَ صُحْبَة عبَادَة من صُحْبَة مُعَاوِيَة! فَإِن عبَادَة شهد الْعقبَة وَمَا بعْدهَا من الْمشَاهد، وَإِن كَانَ قد اخْتلف فِي حُضُوره بَدْرًا، وَمُعَاوِيَة إِنَّمَا أسلم يَوْم الْفَتْح فصحبه سنتَيْن، فَمَا قدر تِلْكَ الصُّحْبَة بِالْإِضَافَة إِلَى تِلْكَ. ثمَّ قد كَانَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ صحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبع عشرَة سنة وخفيت عَلَيْهِ أَشْيَاء من أَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] وَمعنى قَوْله: وَإِن رغم: أَي الْتَصق بالرغام، وَهُوَ التُّرَاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 (40) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ [ 15 - ] واسْمه خَالِد بن يزِيد، لم يفته مشْهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وروى عَنهُ مائَة حَدِيث وَخَمْسَة وَخمسين حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة عشر حَدِيثا. 558 - / 673 - فَفِي الحَدِيث الأول: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مَا غربت الشَّمْس، فَسمع صَوتا فَقَالَ: " يهود تعذب فِي قبورها ". [15] قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: يهود أعجمي مُعرب، وهم منسوبون إِلَى يهوذ بن يَعْقُوب، فسموا الْيَهُود، وعربت بِالدَّال. قَالَ: وَقيل: هُوَ عَرَبِيّ، وَسمي يَهُودِيّا لتوبته فِي وَقت من الْأَوْقَات فَلَزِمَهُ من أجلهَا هَذَا. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على عَذَاب الْقَبْر. [15] وَاعْلَم أَن الْإِيمَان بِعَذَاب الْقَبْر وَاجِب للأحاديث الْوَارِدَة فِيهِ، وَهُوَ مَذْكُور فِي الصَّحِيح من حَدِيث أبي أَيُّوب، وَزيد بن ثَابت، وَابْن الحديث: 558 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 عَبَّاس، وَجَابِر، وَعَائِشَة، وَأم خَالِد. وَقد سَأَلَ قوم فَقَالُوا: هَل المعذب الْبدن أَو الرّوح؟ فَإِن قُلْتُمْ الرّوح فالروح لَيست فِي الْبدن المقبور، وَإِن قُلْتُمْ الْبدن فَهُوَ جماد؟ [15] فقد أجَاب عَن هَذَا أَبُو الْوَفَاء بن عقيل فَقَالَ: الْإِيمَان وَاجِب بالتعذيب من غير تَفْصِيل، غير أَن الَّذِي يُوجِبهُ الْقيَاس أَن التعذيب والتنعيم للأرواح الَّتِي أبدانها فِي الْقُبُور لِأَن الْأَرْوَاح هِيَ الْمَقْصُود وَالْبدن آلَة، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {كلما نَضِجَتْ جُلُودهمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيرهَا ليذوقوا الْعَذَاب} [النِّسَاء: 56] فَأخْبر بعلة التبديل، وَفهم من ذَلِك أَن الْجُلُود البالية لَا تذوق الْعَذَاب لعدم الإحساس. [15] فَإِن قيل: فَكيف خص الْقَبْر بذلك؟ قُلْنَا: إِنَّمَا عرف بالقبر، وَالْمرَاد صَاحب الْقَبْر، وَمن الْجَائِز أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أدْرك تَعْذِيب تِلْكَ الْأَرْوَاح الَّتِي أبدانها فِي الْقُبُور. قَالَ: وَمن الْجَائِز أَن يَجْعَل بَين الْبدن وَالروح نوع اتِّصَال لَا نعلمهُ، وَمن الْجَائِز أَن يخلق الله عز وَجل فِي الْبدن إدراكا للتعذيب والتنعيم كَمَا يخلق فِي بعض الْحِجَارَة فتخشع، وَالله أعلم بِحَقِيقَة ذَلِك. وَلَا يجوز أَن يُقَال: إِنَّمَا يكون ذَلِك وَقت السُّؤَال؛ فَإِن الرّوح ترد حِينَئِذٍ وَيكون التعذيب والتنعيم فِي ذَلِك الْوَقْت، لِأَنَّهُ أخبر فِي هَذَا الحَدِيث أَن الْيَهُود يُعَذبُونَ فِي قُبُورهم وَلم يكن حِينَئِذٍ وَقت دفنهم. وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمع صَوتا من قبر فَسَأَلَ " مَتى دفن هَذَا؟ " فَقَالُوا: فِي الْجَاهِلِيَّة، فأعجبه ذَلِك وَقَالَ: " لَوْلَا أَن لَا تدافنوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 لَدَعَوْت الله أَن يسمعكم عَذَاب الْقَبْر ". 559 - / 674 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع فِي حجَّة الْوَدَاع الْمغرب وَالْعشَاء بِالْمُزْدَلِفَةِ. [15] مَا حج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد هجرته سوى حجَّة وَاحِدَة، وَإِنَّمَا سميت حجَّة الْوَدَاع لِأَنَّهُ ودع النَّاس لما خطبهم، فَقَالُوا: هَذِه حجَّة الْوَدَاع، وَقد اعْتَمر بعد الْهِجْرَة ثَلَاث مَرَّات، وَقد حج قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا حِين كَانَ بِمَكَّة حجات لَا يعرف عَددهَا. [15] والمزدلفة من الازدلاف، وَهُوَ الْقرب، وَكَأَنَّهُ الْمَكَان الَّذِي يَقع فِيهِ الْقرب إِلَى مَكَّة. 560 - / 675 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " لَا يحل لمُسلم أَن يهجر أَخَاهُ فَوق ثَلَاث ". [15] اعْلَم أَن تَحْرِيم الْهِجْرَة بَين الْمُسلمين أَكثر من ثَلَاث إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يكون بَينهم من عتب وموجدة، أَو لتقصير يَقع فِي حُقُوق الْعشْرَة وَنَحْو ذَلِك، فَهَذَا يحد لَهُ ثَلَاثَة أَيَّام ليرْجع المقصر عَن تَقْصِيره، ويرعوي بهجرته، فَإِذا انْقَضتْ الْمدَّة حرمت الْهِجْرَة عَلَيْهِم، وَيَكْفِي فِي قطع الْهِجْرَة السَّلَام. وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " فَإِذا مرت ثَلَاثَة أَيَّام فليلقه فليسلم عَلَيْهِ، فَإِن رد عَلَيْهِ السَّلَام فقد اشْتَركَا فِي الْأجر، وَإِن لم يرد عَلَيْهِ فقد برِئ الْمُسلم من الْهِجْرَة " وَفِي حَدِيث أبي الحديث: 559 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 خرَاش السّلمِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " من هجر أَخَاهُ سنة فَهُوَ كسفك دَمه ". [15] فَأَما إِذا كَانَ الهجر لأجل الدّين فَإِن هجر أهل الْبدع يَنْبَغِي أَن يَدُوم على مُرُور الزَّمَان مَا لم تظهر مِنْهُ تَوْبَة وَرُجُوع إِلَى الْحق، وَكَذَلِكَ المبارزون بِالْمَعَاصِي، فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْتنع من كَلَام الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا وَنهى النَّاس عَن كَلَامهم حَتَّى أنزل الله عز وَجل تَوْبَتهمْ. 561 - / 676 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " إِذا أتيتم الْغَائِط فَلَا تستقبلوا الْقبْلَة وَلَا تستدبروا، وَلَكِن شرقوا أَو غربوا ". [15] الْغَائِط: الْمَكَان المطمئن من الأَرْض، وَكَانُوا يأتونه لقَضَاء الْحَاجة. وَهَذَا الْخطاب لأهل الْمَدِينَة وَلمن كَانَت قبلته على ذَلِك السمت، فَأَما من كَانَت قبلته إِلَى جِهَة الْمغرب والمشرق فَإِنَّهُ لَا يشرق وَلَا يغرب. وَقد اتّفقت الرِّوَايَة عَن أَحْمد أَنه لَا يجوز اسْتِقْبَال الْقبْلَة وَلَا استدبارها للْحَاجة فِي الصَّحرَاء، وَهل يجوز فِي الْبُنيان؟ على رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهمَا يجوز، وَبهَا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَالثَّانيَِة: لَا يجوز كالصحراء، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. وَقَالَ دَاوُد: يجوز بِكُل حَال. [15] قَوْله: فَوَجَدنَا مراحيض. المراحيض جمع مرحاض: وَهُوَ المغتسل، يُقَال: رحضت الثَّوْب: إِذا غسلته. وَقَوله: فننحرف أَي الحديث: 561 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 نَمِيل فِي جلوسنا. وَكَانَ أَبُو أَيُّوب لَا يرى جَوَاز اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِي الْبُنيان كَمَا لَا يجوز فِي الصَّحَارِي. 562 - / 677 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَخْبرنِي بِعَمَل يدخلني الْجنَّة وَيُبَاعِدنِي من النَّار. فَقَالَ الْقَوْم: مَاله، مَاله؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أرب مَاله ". [15] هَذِه اللَّفْظَة تروى على ثَلَاثَة أوجه: [15] أَحدهَا: أرب بِفَتْح الرَّاء، والأرب: الْحَاجة، وَمَا صلَة، وَالْمعْنَى: حَاجَة جَاءَت بِهِ. فَإِن قيل: فقد علم بسؤال الرجل أَن لَهُ حَاجَة، فَمَا فَائِدَة قَول الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام: لَهُ حَاجَة؟ فَالْجَوَاب: أَن الْمَعْنى: لَهُ حَاجَة مهمة مفيدة جَاءَت بِهِ. [15] وَالْوَجْه الثَّانِي: أرب بِكَسْر الرَّاء، وَالْبَاء منونة فِي الْوَجْهَيْنِ. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الأرب من الرِّجَال: ذُو الْعلم والخبرة، وَأنْشد: (يلف طوائف الفرسان ... وَهُوَ بلفهم أرب) أَي: ذُو علم وخبرة. [15] ثمَّ فِي معنى مَاله وَجْهَان: أَحدهمَا الْمَدْح، وهم يَقُولُونَ فِي الْمَدْح: مالفلان، وَيَا لفُلَان. وَيجوز أَن يكون قَول الصَّحَابَة: مَاله من هَذَا أَيْضا. وَالثَّانِي أَنه جَوَاب قَول الصَّحَابَة مَاله، فَيكون الْمَعْنى: أَي حَالَة تنكرون من عَاقل جَاءَ لنيل هَذِه الْفَائِدَة؟ [15] وَالْوَجْه الثَّالِث: أرب بِكَسْر الرَّاء وَفتح الْبَاء على مَذْهَب الْفِعْل الحديث: 562 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 الْمَاضِي، وَفِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن الْمَعْنى: فطن لهَذَا الْأَمر، قَالَه النَّضر بن شُمَيْل. يُقَال: أرب الرجل فِي الْأَمر: إِذا فطن لَهُ وَبلغ فِيهِ جهده. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أربت بالشَّيْء: إِذا صرت فِيهِ ماهرا بَصيرًا، فَيكون الْمَعْنى على هَذَا التَّعَجُّب من حسن فطنته وتهديه إِلَى مَوضِع حَاجته. وَالثَّانِي: أَن أرب بِمَعْنى احْتَاجَ، وَالْمعْنَى: احْتَاجَ إِلَى السُّؤَال فَسَأَلَ فَلَا تنكروا عَلَيْهِ. وَالثَّالِث: أَنه دَعَا عَلَيْهِ بِأَن تصاب آرابه: أَي أعضاؤه، وَالْمعْنَى: اشتكت آرابه وَسَقَطت، وَلَكِن دُعَاء لَا يُرَاد وُقُوعه، وَإِنَّمَا هُوَ على عَادَة الْعَرَب، كَقَوْلِه: " تربت يداك " و " ثكلتك أمك " و " عقرى حلقى " ذكره ابْن قُتَيْبَة وَابْن الْأَنْبَارِي. 563 - / 678 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير عشر مرار كَانَ كمن أعتق أَرْبَعَة أنفس من ولد إِسْمَاعِيل ". [15] إِسْمَاعِيل اسْم أعجمي، وَفِيه لُغَتَانِ بِاللَّامِ وَالنُّون، قَالَ الراجز: (قَالَ جواري الْحَيّ لما جينا ... هَذَا وَرب الْبَيْت إسماعينا) [15] كَذَلِك قرأته على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ. وَإِنَّمَا خص إِسْمَاعِيل لِأَنَّهُ أَبُو الْعَرَب وَالْعرب أفضل من غَيرهم، وَعتق الْأَفْضَل أفضل. 564 - / 679 وَفِي الحَدِيث السَّابِع: عَن عبد الله بن حنين: أَن ابْن الحديث: 563 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 عَبَّاس والمسور اخْتلفَا: هَل يغسل الْمحرم رَأسه؟ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: يغسل رَأسه، فأرسلني إِلَى أبي أَيُّوب، فَوَجَدته يغْتَسل بَين القرنين. [15] قَالَ ابْن قُتَيْبَة: القرنان: قرنا الْبِئْر، وهما منارتان تبنيان من حِجَارَة أَو مدر على رَأس الْبِئْر من جانبيها ويلقى عَلَيْهَا الْخشب، وَإِن كَانَتَا من خشب فهما زرنوقان، قَالَ بعض الرجاز: (تبين القرنين وَانْظُر مَا هما ... ) (أحجرا أم مدرا تراهما ... ) [15] وَاعْلَم أَن جُمْهُور الْعلمَاء على أَنه يجوز للْمحرمِ غسل رَأسه، وَقد كرهه مَالك بن أنس، وَقَالَ: لَا يغيب رَأسه فِي المَاء، وَوجه كراهيته للاغتسال أَنه يخَاف قطع شَيْء من الشّعْر، وَوجه كراهيته تغييب الرَّأْس فِي المَاء أَنه نوع من الاستنثار، والمأخوذ على الْمحرم كشف رَأسه. [15] وَقَوله: لَا أماريك. المراء: المجادلة على طَرِيق الشَّك. 565 - / 680 وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ: " مَا بعث الله من نَبِي وَلَا كَانَ بعده من خَليفَة إِلَّا لَهُ بطانتان: بطانة تَأمره بِالْمَعْرُوفِ وتنهاه عَن الْمُنكر، وبطانة لَا تألوه خبالا ". الحديث: 565 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 [15] قَالَ الزّجاج: البطانة: الدخلاء الَّذين يستبطنون وينبسط إِلَيْهِم، يُقَال: فلَان بطانة لفُلَان: أَي مدَاخِل لَهُ مؤانس. [15] وَقَوله: " لَا تألوه " تألو بِمَعْنى تقصر. والخبال: الشَّرّ، وَالْمعْنَى: لَا تبقي تِلْكَ البطانة غَايَة فِي إلقائه فِي الشَّرّ، وَهَذَا لِأَن أهل الْخَيْر يدعونَ إِلَى مُرَادهم، وَأهل الشَّرّ يحثون على محبوبهم، والوالي مائل بِالْعقلِ وَالدّين إِلَى أهل الْخَيْر، وبالطبع إِلَى أهل الشَّرّ، إِلَّا أَن الْأَنْبِيَاء يعصمون بِطَهَارَة الْوَضع بِالنُّبُوَّةِ وَالْوَحي، وَغَيرهم يفْتَقر إِلَى قُوَّة مجاهدة، لِأَنَّهُ يتَّفق ميل الطَّبْع وحث من يحث على مَا مَال الطَّبْع إِلَيْهِ، فَمن وَفقه الله تَعَالَى لتأمل العواقب وإيثار التَّقْوَى أبعد أهل الشَّرّ، وَقد كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يَقُول لبَعض أَصْحَابه: إِذا رَأَيْتنِي قد ملت عَن الْحق فضع يدك فِي تلبابي هزني، ثمَّ قل: يَا عمر مَا تصنع؟ 566 - / 681 - وَفِي الحَدِيث الأول (أَفْرَاد مُسلم: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أُتِي بِطَعَام أكل مِنْهُ وَبعث بفضله إِلَيّ. [15] اعْلَم أَنه لما قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة نزل بقباء على كُلْثُوم بن الْهدم ليَالِي، ثمَّ ركب نَاقَته فمشت بِهِ حَتَّى أَتَت بَاب أبي أَيُّوب فبركت عَلَيْهِ، فَنزل عَلَيْهِ. والسفل والعلو يُقَال بِكَسْر السِّين وَالْعين وضمهما. والسقيفة: السّقف. الحديث: 566 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 [15] وَإِنَّمَا كره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكل الثوم من أجل رِيحه، وَكَانَ يكره أَن يُوجد مِنْهُ ريح كريهة. وَقد بَين فِي الحَدِيث أَنه كره ذَلِك لأجل الْملك، وَقد رُوِيَ أَن الْمَلَائِكَة تَجِد الرّيح وَلَا تَجِد الطّعْم. 567 - / 682 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " إِن الْأَنْصَار وَمُزَيْنَة وجهينة وغفار موَالِي دون النَّاس ". أَي: يتولونني وأتولاهم، وَهَذَا لإسلامهم ونصرتهم. 568 - / 683 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " لَوْلَا أَنكُمْ تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون فَيغْفر لَهُم ". [15] وَهَذَا لِأَن الذَّنب يُوجب الذل والخشية وَالْخَوْف وَصدق اللجأ، وَبِذَلِك يبين ذل الْعُبُودِيَّة وانفراد عز الربوبية. 569 / 684 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " من صَامَ رَمَضَان وَأتبعهُ سِتا من شَوَّال كَانَ كصيام الدَّهْر ". [15] قد ذكر الْعلمَاء فِي تَوْجِيه هَذَا الحَدِيث أَن السّنة ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ يَوْمًا، والحسنة بِعشْرَة أَمْثَالهَا، فوقوع رَمَضَان فِي الْأَغْلَب ثَلَاثِينَ مَعَ سِتّ تفي بذلك. [15] وَقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وصحف هَذَا الحَدِيث أَبُو بكر الصولي فَقَالَ: " وَأتبعهُ شَيْئا من شَوَّال " وأملاه فِي الْجَامِع، وَالصَّوَاب: " سِتا ". الحديث: 567 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 [15] وَقد بَين هَذَا الحَدِيث اسْتِحْبَاب اتِّبَاع رَمَضَان بست من شَوَّال. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يسْتَحبّ ذَلِك، وَيُشبه أَن يكون الحَدِيث مَا بلغهما، أَو مَا صَحَّ عِنْدهمَا. 570 - / 685 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: عَن أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " غدْوَة فِي سَبِيل الله أَو رَوْحَة خير مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس وغربت ". [15] وَأَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: الحبلي بِضَم الْبَاء، وَسمعت عبد الله ابْن أَحْمد النَّحْوِيّ يَقُول: إِمَّا أَن يُقَال بِإِسْكَان الْبَاء أَو بِفَتْحِهَا، نِسْبَة إِلَى الحبلة، فَأَما ضمهَا فَلَا وَجه لَهُ. وَقَالَ ابْن فَارس: الحبلة: ثَمَر العضاه. [15] فَأَما الغدوة فَمن الغدو: وَهُوَ من أول النَّهَار إِلَى انتصافه، فَأَي وَقت من هَذَا سعى فِيهِ الْإِنْسَان قيل: قد غَدا. والرواح من بعد الزَّوَال إِلَى آخر النَّهَار. وسبيل الله هَاهُنَا الْجِهَاد، وَالْمعْنَى أَن مَا يحصل للْإنْسَان من الثَّوَاب فِي غدوته أَو روحته فِي الْجِهَاد خير من كل مَا فِي الدُّنْيَا؛ لِأَن الشَّمْس تطلع على الْكل وتغرب الحديث: 570 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 41 - كشف الْمُشكل من مُسْند أبي بردة هَانِئ بن نيار [ 15 - ] لم يفته مشْهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وروى عَنهُ خَمْسَة أَحَادِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد. 571 - / 686 - وَهُوَ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا يجلد فَوق عشرَة أسواط إِلَّا فِي حد من حُدُود الله عز وَجل ". [15] اعْلَم أَن الضَّرْب على أضْرب: فَمِنْهُ ضرب على ترك أدب، كضرب الْوَلَد على تعلم الْقُرْآن والعربية وَالْعلم الزَّائِد على قدر الْوَاجِب، وَقد كَانَ ابْن عمر يضْرب وَلَده على اللّحن. وَضرب الْوَلَد على ترك الصَّلَاة إِذا بلغ تسع سِنِين، وعَلى ترك أَسبَاب المعاش، فَهَذَا تَأْدِيب يَنْبَغِي أَن يتلطف فِيهِ ويقتنع بِالسَّوْطِ الْوَاحِد والسوطين. وَمن الضَّرْب ضرب على مَا لَا يجوز: كضرب الْمَرْأَة على النُّشُوز، وَضرب الرجل على قبْلَة الْأَجْنَبِيَّة وَالْخلْوَة مَعهَا، وَشتم النَّاس، فَمثل هَذَا قد اخْتلفت الرِّوَايَة فِيهِ عَن أَحْمد، فَروِيَ عَنهُ أَنه يجلد عشرَة، وَعنهُ: يجلد تِسْعَة، وَعنهُ لَا يبلغ بِهِ أدنى الْحُدُود. وَمن الْجِنَايَات مَا يزِيد على هَذَا، كَوَطْء الْجَارِيَة المشركة، فَهَذَا يُزَاد فِيهِ على أدنى الْحُدُود وَلَا يبلغ الحديث: 571 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 بِهِ أَعْلَاهَا. وَقَالَ الْخرقِيّ: لَا يبلغ بالتعزير أدنى الْحُدُود فِي الْجُمْلَة، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ مَالك: يفعل الإِمَام فِي التَّعْزِير مَا يُؤَدِّيه إِلَيْهِ اجْتِهَاده وَإِن زَاد على الْحَد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 42 - كشف الْمُشكل من مُسْند زيد بن ثَابت [ 15 - ] كَانَ أحد كتاب الْوَحْي، وَقد كتب الْوَحْي اثْنَا عشر رجلا: أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَأبي بن كَعْب وَزيد وَمُعَاوِيَة وحَنْظَلَة بن الرّبيع وخَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ وَأَبَان بن سعيد والْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ، وَكتب رجل ثمَّ افْتتن وَتَنصر، غير أَن المداوم على كِتَابَة الْوَحْي زيد وَمُعَاوِيَة، وَزيد هُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ أَبُو بكر لجمع الْقُرْآن، وَأمره عُثْمَان أَن يكْتب الْمَصَاحِف، وَكَانَ أبي بن كَعْب يملي عَلَيْهِ. [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَان وَتسْعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عشرَة. 572 - / 687 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " لَا تَبِيعُوا الثَّمر حَتَّى يَبْدُو صَلَاحه " [15] وَأما بَدو الصّلاح فَهُوَ أَن يَبْدُو النضج فِي الثَّمر ويطيب أكله، وبدو الصّلاح فِي بعض ثَمَرَة الشَّجَرَة صَلَاح لجميعها من غير خلاف فِي الْمَذْهَب. وَهل إِذا بدا الصّلاح فِي بعض الْجِنْس من ثَمَر الْبُسْتَان يجوز الحديث: 572 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 بيع ذَلِك الْجِنْس؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: يجوز، وَالثَّانيَِة: لَا يجوز إِلَّا بيع مَا قد بدا صَلَاحه. [15] وَإِنَّمَا اشْترط بَدو الصّلاح لثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهَا يعود إِلَى البَائِع، وَذَلِكَ من جِهَتَيْنِ: أحداهما أَن ثمن الثَّمَرَة فِي تِلْكَ الْحَال قَلِيل، فَإِذا تَركهَا حَتَّى تصلح زَاد ثمنهَا، وَفِي تعجله للقليل نوع تَضْييع لِلْمَالِ. وَالثَّانِي: لِئَلَّا يُوقع أَخَاهُ الْمُسلم فِي نوع غرر. وَالثَّانِي: يعود إِلَى المُشْتَرِي: وَهُوَ المخاطرة والتغرير بِمَالِه. وَالثَّالِث يرجع إِلَيْهِمَا: وَهُوَ خوف التشاحن وَالْإِثْم عِنْد فَسَاد الثَّمَرَة. وَهَذَا كُله إِذا اشْتَرَاهُ بِشَرْط التبقية، فَأَما إِذا اشْتَرَاهُ بِشَرْط قطعه فِي الْحَال جَازَ. وَقَوله: " وَلَا تَبِيعُوا الثَّمر بِالتَّمْرِ " هَذِه هِيَ الْمُزَابَنَة: وَهِي بيع الثَّمر فِي رُؤُوس النّخل بِالتَّمْرِ، إِلَّا أَنه رخص فِي الْعرية. قَالَ أَبُو عبيد: الْعرية وَاحِدَة الْعَرَايَا: وَهِي النَّخْلَة يعريها صَاحبهَا رجلا مُحْتَاجا، والإعراء: أَن يَجْعَل لَهُ ثَمَرَتهَا عَاما، فَرخص لرب المَال أَن يبْتَاع ثَمَر تِلْكَ النَّخْلَة المعراة بِتَمْر لموْضِع حَاجته - يَعْنِي حَاجَة الْمِسْكِين. قَالَ: وَقيل. بل هُوَ الرجل تكون لَهُ النَّخْلَة وسط نخل كثير لرجل آخر، فَيدْخل رب النَّخْلَة إِلَى نخلته، وَرُبمَا كَانَ مَعَ صَاحب النّخل الْكثير أَهله فِي النّخل فيؤذيه بِدُخُولِهِ، فَرخص لصَاحب النّخل الْكثير أَن يَشْتَرِي ثَمَر تِلْكَ النَّخْلَة من صَاحبهَا قبل أَن يجدهَا بِتَمْر لِئَلَّا يتَأَذَّى بِهِ. قَالَ: وَالتَّفْسِير الأول أَجود، لِأَن هَذَا لَيْسَ فِيهِ إعراء، إِنَّمَا هِيَ نَخْلَة يملكهَا رَبهَا، فَكيف تسمى عرية؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 [15] فَأَما الْكَلَام فِي الحكم: ففائدة الحَدِيث جَوَاز بيع الْعَرَايَا: وَهُوَ بيع الرطب على رُؤُوس النّخل بخرصه تَمرا على الأَرْض، وَهل يجوز ذَلِك فِي سَائِر الثِّمَار الَّتِي لَهَا رطب ويابس؟ على وَجْهَيْن عَن أَصْحَابنَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز بيع الْعَرَايَا. وَعِنْدنَا أَنه يجوز بيع الْعَرَايَا مِمَّن وَهبهَا كَمَا يجوز من غَيره. وَقَالَ مَالك: لَا يجوز إِلَّا من الْوَاهِب، وَلَا يجوز بيع ذَلِك نَسِيئَة. وَقَالَ مَالك: يجوز وَلَا يجوز إِلَّا عِنْد الْحَاجة، وَهُوَ أَلا يكون للرجل مَا يَشْتَرِي بِهِ الرطب غير التَّمْر خلافًا للشَّافِعِيّ، وَلَا يجوز ذَلِك إِلَّا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: يجوز فِي خَمْسَة أوسق، فَأَما مَا زَاد فَهُوَ لَا يجوز، قولا وَاحِدًا. 573 - / 688 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: تسحرنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قمنا إِلَى الصَّلَاة، وَكَانَ بَينهمَا قدر خمسين آيَة. [15] قد أَفَادَ هَذَا الحَدِيث فائدتين: إِحْدَاهمَا تَأْخِير السّحُور، وَهُوَ السّنة، وَالثَّانيَِة: التغليس بِالْفَجْرِ، وَهُوَ عندنَا أفضل إِذا حضر الْجِيرَان، فَإِن تَأَخَّرُوا كَانَ الْأَفْضَل التَّأْخِير. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْأَفْضَل التَّأْخِير: وَقَالَ الشَّافِعِي: التَّقْدِيم الْأَفْضَل. 574 - / 689 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: لما خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الحديث: 573 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 أحد رَجَعَ نَاس مِمَّن خرج مَعَه، وَكَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيهم فرْقَتَيْن: قَالَت فرقة: نقتلهم. وَقَالَت فرقة: لَا نقتلهم، فَنزلت: {فَمَا لكم فِي الْمُنَافِقين فئتين} [النِّسَاء: 88] . [15] كَانَت غزَاة بدر قد أقرحت قُلُوب الْمُشْركين بِمن قتل من رؤوسهم، فتجهزوا لِلْخُرُوجِ إِلَى قتال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأخذُوا مَعَهم النِّسَاء ليذكرنهم قَتْلَى بدر، فَيكون أجرأ لَهُم فِي الْقِتَال، فَلَمَّا رحلوا عَن مَكَّة وَبلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبرهم حرست الْمَدِينَة، وَبَات قوم على بَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرسونه، وَكَانَ رَأْيه ورأي الأكابر من أَصْحَابه أَلا يخرج من الْمَدِينَة، فَطلب فتيَان أَحْدَاث لم يشْهدُوا بَدْرًا أَن يخرجُوا رَغْبَة فِي الشَّهَادَة، وغلبوا على الْأَمر، فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فانخذل عبد الله بن أبي بعد أَن خرج مَعَه، وانخذل مَعَه ثَلَاثمِائَة. [15] وَقَوله: {فَمَا لكم فِي الْمُنَافِقين فئتين} وَالْمعْنَى: أَي شَيْء لكم فِي الِاخْتِلَاف فِي أَمرهم وَقد ظهر نفاقهم. والفئة: الْفرْقَة. [15] وَقَوله: " إِنَّهَا طيبَة " يَعْنِي الْمَدِينَة. وَقد سبق بَيَان هَذَا الِاسْم وَأَنه من الطّيب، وَقَوله: " تَنْفِي الرِّجَال " أَي من لَا يصلح لَهَا " كَمَا يَنْفِي الْكِير خبث الْحَدِيد " أَي يخلص رديئه من جيده. 575 - / 690 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: قَرَأت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (والنجم) فَلم يسْجد فِيهَا. [15] لَا يخْتَلف مَذْهَبنَا أَن فِي (النَّجْم) سَجْدَة، غير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم الحديث: 575 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 يسْجد لِأَن الْقَارئ عَلَيْهِ مَا سجد، وَإِنَّمَا يسن سُجُود المستمع إِذا سجد الْقَارئ. 576 - / 691 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: احتجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجيرة بخصفة أوحصير. [15] احتجر: بِمَعْنى اتخذ شبه الْحُجْرَة أحَاط عَلَيْهَا بخصفة: وَهِي مَا يعْمل من جلال التَّمْر أَو سعف الْمقل، وأصل الخصف الضَّم وَالْجمع، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة} [الْأَعْرَاف: 22] . [15] وَقَوله: " فتتبع إِلَيْهِ رجال " أَي تتبعوا أثر فعله وقصدوا التأسي بِهِ. [15] وحصبوا الْبَاب: أَي رَمَوْهُ بالحصباء: وَهِي الْحَصَا الصغار. [15] وَقَوله: " ظَنَنْت أَنه سيكتب عَلَيْكُم " أَي سيفرض عَلَيْكُم. [15] وَإِنَّمَا غضب شَفَقَة على أمته، وَذَلِكَ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: خوف أَن يفْرض عَلَيْهِم. وَالثَّانِي: أَن يحملوا طَاعَة لَا تجب ثمَّ يعجزون عَنْهَا فيتركونها، فَيَقَع الذَّم لَهُم كَمَا وَقع بالذين ابتدعوا الرهبانية ثمَّ مَا رعوها. [15] وَقَوله: " فَإِن أفضل الصَّلَاة صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته " إِنَّمَا فضل إخفاء النَّوَافِل لِأَن الْإِخْلَاص فِي الْخلْوَة أصفى من جِهَة أَن الْعَمَل بَين النَّاس رُبمَا شيب بحب مدحه. 577 - / 692 وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: [15] كَانَ النَّاس يبتاعون الثِّمَار، فَإِذا جذ النَّاس وَحضر تقاضيهم قَالَ الحديث: 576 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 الْمُبْتَاع: إِنَّه أصَاب الثَّمر الدمَان، أَصَابَهُ مراض، أَصَابَهُ قشام، عاهات يحتجون بهَا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما كثرت عِنْده الْخُصُومَة فِي ذَلِك: " إِمَّا لَا، فَلَا تتبايعوا حَتَّى يَبْدُو صَلَاح الثَّمر " كالمشورة يُشِير بهَا. [15] جذ النَّاس: قطعُوا الثِّمَار. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: والدمان أَن تَنْشَق النَّخْلَة أول مَا يَبْدُو قَلبهَا عَن عفن وَسَوَاد. والقشام: أَن ينتقص ثَمَر النّخل قبل أَن يصير بلحا. وَأما المراض فمضمومة الْمِيم: وَهُوَ اسْم لأنواع الْأَمْرَاض، وعَلى هَذَا تَجِيء أَسمَاء الْأَمْرَاض فِي الْغَالِب كالصداع والسعال. [15] وَقَوله: " إِمَّا لَا " قد سبق بَيَانه فِي مُسْند بُرَيْدَة. [15] وَقَوله: كالمشورة. الصَّوَاب فِي المشورة ضم الشين وتسكين الْوَاو، وَهِي من شرت الْعَسَل: إِذا استخرجته من بيُوت النَّحْل، وَالْمرَاد بِهَذِهِ المشورة أَلا يشتروا شَيْئا حَتَّى يتكامل صَلَاح جَمِيع الثَّمَرَة لِئَلَّا تجْرِي مُنَازعَة، وَقد تكلمنا فِي هَذَا فِي أول هَذَا الْمسند. 578 - / 693 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره أَن يتعل الحديث: 578 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 كتاب الْيَهُود. وَفِي رِوَايَة فَلم يمر لي نصف شهر حَتَّى حذقته. وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنِّي وَالله مَا آمن الْيَهُود على كتابي ". [15] المُرَاد بِكِتَاب الْيَهُود العبرانية. [15] وحذقته: أحسنته، وَيُقَال: حذق الرجل فِي صَنعته: إِذا مهر فِيهَا. وَإِنَّمَا أمره أَن يتَعَلَّم هَذَا ليكتب إِلَيْهِم وليقرأ لَهُ كتبهمْ، وَإِذا لم يكن عِنْده من أَصْحَابه من يعرف العبرانية احْتَاجَ أَن يقْرَأ لَهُ الْيَهُود وَأَن يكتبوا لَهُ، وَهُوَ لَا يأمنهم. 579 - / 694 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ بطولي الطوليين. [15] بعض أَصْحَاب الحَدِيث يَرْوُونَهُ: بطول الطوليين، وَهُوَ غلط، وَإِنَّمَا هُوَ بطولى على وزن " فعلى " وَهُوَ تَأْنِيث الأطول، وَالْمعْنَى: بأطول السورتين. [15] وَقد رُوِيَ هَذَا من طَرِيق آخر عَن زيد مُفَسرًا: لقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ بأطول الطوليين " المص ". وَإِنَّمَا قيل الطوليين لِأَن " الْأَعْرَاف " أطول من أُخْتهَا " الْأَنْعَام ". وَقد حكى أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ أَن بعض الْمُحدثين يَقُول: بطول الطوليين، بِكَسْر الطَّاء وَفتح الْوَاو، والطول: الْحَبل، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه. الحديث: 579 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 580 - / 695 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمْلى عَلَيْهِ: " لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله " فَجَاءَهُ ابْن أم مَكْتُوم وَهُوَ يملها فَقَالَ: وَالله لَو أَسْتَطِيع لَجَاهَدْت - وَكَانَ أعمى. فَأنْزل الله على رَسُوله وَفَخذه على فَخذي. فَثقلَتْ عَليّ خفت أَن ترض فَخذي، ثمَّ سري عَنهُ، فَأنْزل الله عز وَجل {غير أولي الضَّرَر} . [15] كَانَ ابْن أم مَكْتُوم مِمَّن أسلم بِمَكَّة وَهَاجَر، روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة أَحَادِيث، وَلم يخرج لَهَا مِنْهَا شَيْء فِي الصَّحِيح. وَاخْتلفُوا فِي اسْمه: فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: عَمْرو بن قيس بن زَائِدَة. وَقَالَ بَعضهم: عبد الله بن عَمْرو. وَاسم أمه عَاتِكَة، وَكَانَ لَا يعرف إِلَّا بِأُمِّهِ. [15] وَفِي الصَّحَابَة أَرْبَعَة عشر رجلا اشتهروا بِالنِّسْبَةِ إِلَى أمهاتهم: بِلَال ابْن حمامة، وَاسم أَبِيه رَبَاح. معَاذ ومعوذ ابْنا عفراء، وَهِي أمهما، وَاسم أَبِيهِمَا الْحَارِث بن رِفَاعَة. مَالك بن نميلَة، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه ثَابت الْمُزنِيّ. شُرَحْبِيل بن حَسَنَة، وَهِي أمه وَأَبوهُ عبد الله بن المطاع. بشير بن الخصاصية، وَهِي أمه، وَيُقَال: هِيَ امْرَأَة من جداته، وَأَبوهُ معبد بن شرَاحِيل. عبد الله بن بُحَيْنَة، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه مَالك الْأَزْدِيّ. الْحَارِث بن البرصاء، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه مَالك بن قيس اللَّيْثِيّ. يعلى بن منية، ومنية أمه، وَقيل: جدته أم أَبِيه، وَاسم أَبِيه أُميَّة. يعلى بن سيابة، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه مرّة الثَّقَفِيّ. الحديث: 580 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 سعد بن حبتة، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه بجير بن مُعَاوِيَة، وَمن وَلَده أَبُو يُوسُف القَاضِي. بديل بن أم أَصْرَم، وَاسم أَبِيه سَلمَة الْخُزَاعِيّ، خفاف بن ندبة، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه عُمَيْر بن الْحَارِث. وَقد اشتهرمن كبار الْعلمَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى أمهاتهم خَمْسَة: إِسْمَاعِيل ابْن علية، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه إِبْرَاهِيم. مُحَمَّد بن عَثْمَة، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه خَالِد، وَهُوَ يروي عَن مَالك الْفَقِيه. مَنْصُور بن صَفِيَّة، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه عبد الرَّحْمَن بن طَلْحَة. مُحَمَّد بن عَائِشَة، وَهِي أمه، وَيُقَال جدة لَهُ، وَاسم أَبِيه حَفْص بن عمر. إِبْرَاهِيم هراسة، وَهِي أمه، وَاسم أَبِيه سَلمَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 (43) كشف الْمُشكل من مُسْند عَمْرو بن عَوْف الْمُزنِيّ [ 15 - ] وَجُمْلَة مَا رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَان وَسِتُّونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد. 581 - / 697 - وَفِيه: " أخْشَى أَن تبسط الدُّنْيَا فتنافسوها ". [15] المنافسة فِي الشَّيْء: المشاحة عَلَيْهِ والتنازع فِيهِ. وَفِي هَذَا الحَدِيث تحذير من فتْنَة الدُّنْيَا، فَإِن من طلب مِنْهَا فَوق الْحَاجة لم يجد لمراده مردا، وَمن قنع بالبلاغ بلغ الْمنزل سليما من الشَّرّ، فَمَا الدُّنْيَا إِلَّا كَمَا قيل: (إِن السَّلامَة من سلمى وجارتها ... أَلا تمر على حَال بواديها) الحديث: 581 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 (44) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي لبَابَة الْأنْصَارِيّ [15] واسْمه رِفَاعَة بن عبد الْمُنْذر، وَقيل: ابْن الْمُنْذر. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة عشر حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد. 582 - / 689 - فأوله من حَدِيث ابْن عمر: " اقْتُلُوا الْحَيَّات واقتلوا ذَا الطفيتين والأبتر، فَإِنَّهُمَا يطمسان الْبَصَر ويستسقطان الْحَبل ". [15] قَالَ أَبُو عبيد: الطفية: خوصَة الْمقل، وَجَمعهَا طفي، قَالَ أَبُو ذُؤَيْب: (عفاغير نؤي الدَّار مَا إِن تبينه ... وأقطاع طفي قد عفت فِي المعاقل) [15] وَإِنَّمَا شبه الخطين اللَّذين على ظَهره بخوصتين من خوص الْمقل. [15] والأبتر: الْقصير الذَّنب، وروى النَّضر بن شُمَيْل عَن أبي خيرة أَنه قَالَ: الأبتر من الْحَيَّات أَزْرَق مَقْطُوع الذَّنب، يفر من كل أحد، لَا يرَاهُ أحد إِلَّا مَاتَ، وَلَا تنظر إِلَيْهِ حَامِل إِلَّا أَلْقَت مَا فِي بَطنهَا. الحديث: 582 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 [15] وَاعْلَم أَن الْحَيَّات أَنْوَاع: فَمِنْهَا مكللة الرَّأْس، طولهَا شبران إِلَى ثَلَاثَة، ورأسها حاد، وعيناها حمراوان، ولونها إِلَى سَواد وصفرة، تحرق كل مَا تنساب عَلَيْهِ، وَلَا يبيت حول حجرها شَيْء، وَإِذا حَاذَى مَسْكَنهَا طَائِر سقط، وَلَا يحس بهَا حَيَوَان إِلَّا هرب، فَإِذا قرب مِنْهَا خدر فَلم يَتَحَرَّك، وَتقتل بصفيرها، وَمن وَقع عَلَيْهِ بصرها مَاتَ، وَمن نهشته ذاب بدنه وانتفخ، وسال صديدا وَمَات فِي الْحَال، وَمَات كل من يقرب من ذَلِك الْمَيِّت من الْحَيَوَانَات، وَمن مَسهَا بعصا هلك بِوَاسِطَة الْعَصَا، وَقد مَسهَا مرّة فَارس برمحه فَمَاتَ الْفَارِس ودابته، ولسعت جحفلة فرس فَمَاتَ الْفرس والفارس، وَهَذَا الْجِنْس يكثر بِبِلَاد التّرْك. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَإِنَّمَا تقتل الْحَيَّة من بعد بِسم ينْفَصل من عينهَا فِي الْهَوَاء حَتَّى يُصِيب. وَكَذَلِكَ القاتلة بصوتها ينْفَصل من صَوتهَا سم فَيدْخل السّمع فَيقْتل. [15] وَأما الْجنان فَهِيَ الْحَيَّات. [15] فَإِن قَالَ قَائِل: فَإِذا رَأَيْت فِي الْبَيْت حَيَّة لَيست بالأبتر وَلَا بِذِي الطفيتين فقتلتها، وَقد جَاءَ النَّهْي عَن قتل حيات الْبيُوت، أفآثم؟ فَالْجَوَاب: أَنه لَا يجوز قتل حيات الْبيُوت إِلَّا بعد الإيذان بِالْقَتْلِ مَا عدا الأبتر وَذَا الطفيتين، فَإِنَّهُمَا يقتلان من غير إيذان. وَقد دلّ على إيذان بَاقِي الْحَيَّات حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَسَيَأْتِي فِي مُسْنده إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَفِيه أَن الإيذان ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِن بدا بعد ذَلِك قتل. فَأَما فِي الصَّحَارِي والأودية فَلَا بَأْس بِالْقَتْلِ من غير إيذان، لعُمُوم قَوْله: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 " خمس فواسق يقتلن فِي الْحل وَالْحرم " فَذكر مِنْهُنَّ الْحَيَّة، وَقَالَ: " من تركهن مَخَافَة شرهن فَلَيْسَ منا ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 (45) كشف الْمُشكل من مُسْند عتْبَان بن مَالك [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرَة أَحَادِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد. 583 - / 699 - فِيهِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل إِلَى بَيته، قَالَ: فحبسته على خريز يصنع لَهُ. [15] والخريز والخريزة: دَقِيق يخلط بشحم ويطبخ. [15] وَالدَّار: الْقَبِيلَة، والدور: الْقَبَائِل. [15] وَقَوله: فَثَابَ رجال: أَي جَاءُوا. [15] وَقَوله: مَا فعل مَالك؟ قد ذكر اسْم أَبِيه فِي الحَدِيث، وَأَنه مَالك ابْن الدخشن، أَو الدخيشن. وَقيل: ابْن الدخشم، وَالْمَشْهُور الدخشم بن مرضخة، وَهُوَ عَقبي بَدْرِي. [15] وَإِنَّمَا كرهت الصَّحَابَة مِنْهُ مجالسة الْمُنَافِقين ومودتهم. وَشَهَادَة الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام أَنه قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله يَبْتَغِي بذلك وَجه الله، يَنْفِي عَنهُ هَذِه الظنة. [15] وَقَوله: أقفل من غزوتي: أَي أرجع. والقفول: الرُّجُوع من الحديث: 583 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 السّفر، وَمِنْه الْقَافِلَة. [15] فَإِن قيل: كَيفَ الْجمع بَين قَوْله: " إِن الله حرم على النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله " وَبَين تَعْذِيب الْمُوَحِّدين؟ فَالْجَوَاب: أَنه ذكر فِي هَذَا الحَدِيث الَّذِي نَحن فِيهِ عَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ: نزلت بعد ذَلِك فَرَائض نرى أَن الْأَمر انْتهى إِلَيْهَا، وَهُوَ جَوَاب لَا يشفي، لِأَن الصَّلَوَات الْخمس فرضت بِمَكَّة قبل هَذِه الْقِصَّة بِمدَّة. وَظَاهر الحَدِيث أَن مُجَرّد القَوْل يدْفع عَذَاب النَّار وَلَو ترك الصَّلَاة، وَإِنَّمَا الْجَواب مَا ذكرنَا فِيمَا تقدم. وَقد ذكرنَا عَن هَذَا جوابين: أَحدهمَا: أَن من قَالَهَا مخلصا فَإِنَّهُ لَا يتْرك الْعلم بالفرائض، إِذْ إخلاص القَوْل حَامِل على أَدَاء اللَّازِم. وَالثَّانِي: أَنه يحرم على النَّار خلوده فِيهَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 (46) كشف الْمُشكل من مُسْند سهل بن حنيف [ 15 - ] وَلم يفته مشْهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَجُمْلَة مَا روى عَنهُ أَرْبَعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سِتَّة. 584 - / 700 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " لَا يَقُولَن أحدكُم خبثت نَفسِي، وَلَكِن ليقل لقست ". [15] خبثت ولقست ومقست بِمَعْنى وَاحِد، وَمَعْنَاهُ غثت وَهُوَ الَّذِي يُريدهُ الْقَائِل: خبثت، لَكِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كره اسْم الْخبث، وَاخْتَارَ لَفْظَة لَا تستبشع، فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكره الْأَلْفَاظ المستبشعة والدالة على الْمَكْرُوه، وَكم غير اسْم شخص لذَلِك الْمَعْنى، كَمَا غير اسْم عاصية بجميلة، وَكَانَ يكره لفظ الْخبث لِأَنَّهُ مُسْتَعْمل فِي الْكفْر وَالشَّر. 585 - / 701 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: قَامَ سهل يَوْم صفّين فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس اتهموا أَنفسكُم. وَفِي لفظ: اتهموا رَأْيكُمْ. [15] يَعْنِي أَن الْإِنْسَان قد يرى رَأيا وَالصَّوَاب غَيره، كَمَا رأى عمر يَوْم الْحُدَيْبِيَة خلاف مَا رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ بَان لَهُ أَن مَا رَآهُ رَسُول الله الحديث: 584 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّوَاب، فَالْمَعْنى: لَا تعملوا بآرائكم وتثبتوا. [15] فَأَما الصُّلْح فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قصد الْعمرَة ورده الْمُشْركُونَ واصطلح هُوَ وهم فِي غزَاة الْحُدَيْبِيَة على أَن يرجع عَنْهُم تِلْكَ السّنة وَيعود فِي الْعَام الْقَابِل، وَكَتَبُوا بَينهم كتابا، وَكَانَ فِيهِ: أَن من أَتَى مُحَمَّدًا مِنْهُم بِغَيْر إِذن وليه رده إِلَيْهِ، وَمن أَتَى قُريْشًا من أَصْحَاب مُحَمَّد لم يردوه، وَهَذَا الَّذِي أزعج عمر؛ لِأَنَّهُ رأى أَن فِي هَذَا نوع ذل، وَلِهَذَا قَالَ: فَفِيمَ نعطى الدنية؟ يَعْنِي النقيصة. وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعلم بِالْمَصْلَحَةِ. وَكَانَ الَّذِي تولى مصالحة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمُشْركين سُهَيْل بن عَمْرو، فَخرج ابْنه أَبُو جندل من مَكَّة فِي قيوده، فجَاء إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ سُهَيْل: هَذَا أول مَا أقاضيك عَلَيْهِ، فَرده النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ: " يَا أَبَا جندل، قد تمّ الصُّلْح بَيْننَا فاصبر حَتَّى يَجْعَل الله لَك فرجا ومخرجا " وَإِلَى هَذَا أَشَارَ سهل بن حنيف بقوله: لَو أَسْتَطِيع رد أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لرددته. [15] وَقد كَانَ لسهيل بن عَمْرو ولد يُقَال لَهُ عبد الله شهد بَدْرًا، وأخباره مَشْهُورَة، فَرُبمَا ظن بعض طلاب الحَدِيث أَنه أَبُو جندل، وَلَيْسَ كَذَلِك، ذَاك يكنى أَبَا سُهَيْل، وَأَبُو جندل لَا يعرف لَهُ اسْم، وأمهما فَاخِتَة بنت عَامر بن نَوْفَل بن عبد منَاف، وكلا الْوَلَدَيْنِ أسلم بِمَكَّة قَدِيما، وَأما عبد الله فَهَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَة ثمَّ قدم فأوثقه أَبوهُ وفتنه، فَلَمَّا ظن أَنه قد رَجَعَ عَن دينه خرج مَعَه بِهِ يَوْم بدر، فَلَمَّا الْتَقَوْا انحاز عبد الله إِلَى الْمُسلمين، فَشهد بَدْرًا مُسلما، وَقتل بِالْيَمَامَةِ شَهِيدا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 وَأما أَبُو جندل فحبسه أَبوهُ فِي الْحَدِيد وَمنعه الْهِجْرَة، فَلَمَّا خرج يَوْم الْحُدَيْبِيَة رد إِلَى أَبِيه، فَقَالَ: يَا معشر الْمُسلمين، أرد إِلَى الْمُشْركين ليفتنوني عَن ديني؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يَا أَبَا جندل، لَا بُد من الْوَفَاء، فاصبر " وَإِنَّمَا رده ليتَحَقَّق الْوَفَاء بِالشّرطِ، وَلما رأى فِي ذَلِك من الْمصلحَة للْمُسلمين. ثمَّ إِنَّه إِنَّمَا سَلمَة إِلَى أَبِيه وَالْأَب لَا يقتل ابْنه، وَغَايَة مَا يصنع بِهِ أَنه يحملهُ على كلمة الْكفْر، وَهِي على وَجه التقية مُبَاحَة، ثمَّ إِن أَبَا جندل أفلت من أَيْديهم بعد ذَلِك وَجَاء إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يزل يَغْزُو مَعَه حَتَّى مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ خرج إِلَى الشَّام مُجَاهدًا. [15] ثمَّ إِن سُهَيْل بن عَمْرو بعث يَوْم الْفَتْح إِلَى ابْنه عبد الله: اطلب لي جوارا من مُحَمَّد. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " هُوَ آمن بِأَمَان الله فليظهر " ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن حوله: " من لَقِي سُهَيْل بن عَمْرو فَلَا يشد النّظر إِلَيْهِ. فلعمري، إِن سهيلا لَهُ عقل وَشرف، وَمَا مثل سُهَيْل من جهل الْإِسْلَام " فَخرج سُهَيْل مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى حنين وَهُوَ على شركه حَتَّى أسلم بالجعرانة، فَأعْطَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غَنَائِم حنين مائَة من الْإِبِل، وَلم يكن أحد من كبراء قُرَيْش الَّذين أَسْلمُوا يَوْم الْفَتْح أَكثر صَلَاة وَلَا صوما وَلَا صَدَقَة مِنْهُ، وَكَانَ رَقِيق الْقلب، كثير الْبكاء عِنْد قِرَاءَة الْقُرْآن. وَدخل معَاذ إِلَى مَكَّة فَجعل يخْتَلف إِلَى معَاذ يقْرَأ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رجل: تخْتَلف إِلَى هَذَا الخزرجي، أَلا اخْتلفت إِلَى رجل من قَوْمك، من قُرَيْش، فَقَالَ: هَذَا الَّذِي صنع بِنَا مَا صنع حَتَّى سبقنَا كل السَّبق، لقد رفع الله بِالْإِسْلَامِ أَقْوَامًا لَا يذكرُونَ، فليتنا كُنَّا مَعَهم فتقدمنا، وَلَقَد شهِدت مَوَاطِن أَنا فِيهَا معاند للحق، وَأَنا وليت الْكتاب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 يَوْم الْحُدَيْبِيَة، وَلَقَد فر مني ابْني عبد الله ومولاي عُمَيْر، فصارا فِي حزب مُحَمَّد لما أرادهما الله بِهِ من الْخَيْر، ثمَّ قتل ابْني عبد الله شَهِيدا فعزاني بِهِ أَبُو بكر وَقَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن الشَّهِيد ليشفع لسَبْعين من أهل بَيته " فَأَنا أَرْجُو أَلا يبْدَأ ابْني بِأحد قبلي. قَالَ الزُّهْرِيّ: وَلم يزل سُهَيْل وَابْنه أَبُو جندل مجاهدين بِالشَّام حَتَّى مَاتَا. [15] وَقَوله: " إِنِّي رَسُول الله، وَلنْ يضيعني " الْمَعْنى أَنه يدبر لي حَالي ويحفظني فِي التَّدْبِير. [15] وَقَوله: فَنزل الْقُرْآن بِالْفَتْح. يَعْنِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} وَهَذَا الْفَتْح عِنْد جُمْهُور الْمُفَسّرين هُوَ مَا جرى فِي الْحُدَيْبِيَة من نحر الْهَدْي، وَحلق الرُّءُوس، وَالصُّلْح. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: لم يكن فتح أعظم من صلح الْحُدَيْبِيَة، لِأَن الْمُشْركين اختلطوا بِالْمُسْلِمين، فَسَمِعُوا كَلَامهم فَتمكن الْإِسْلَام فِي قُلُوبهم، أسلم فِي ثَلَاث سِنِين مِنْهُم خلق كثير. [15] وَقَوله: مَا وَضعنَا سُيُوفنَا على عواتقنا. الْعَوَاتِق جمع عاتق. قَالَ الزّجاج: العاتق: صفحة الْعُنُق من مَوضِع الرِّدَاء من الْجَانِبَيْنِ. [15] وأفظع الْأَمر: اشْتَدَّ، وَهَذَا أَمر مفظع وفظيع. [15] وأسهلن بِنَا يَعْنِي السيوف، أَي حملتنا إِلَى الْمَكَان السهل، وَهُوَ ضد الْحزن. وَهَذَا ضرب مثلا يُرِيد بِهِ أَنا عرفنَا وَجه الصَّوَاب فِي قتالنا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 وَإِنَّمَا بَان لَهُم الصَّوَاب لِأَن الْأَمر كَانَ مكشوفا فِي قتال الْكفَّار بِخِلَاف قتال المتأولين. [15] وَقَوله: مَا نسد مِنْهُ خصما. كثير من الْمُحدثين يَقُولُونَ نَشد بالشين الْمُعْجَمَة، وَهُوَ غلط، وَالصَّوَاب بِالسِّين الْمُهْملَة، لِأَنَّهُ فِي مُقَابلَة الانفجار، وَكَذَلِكَ قَالَ لنا عبد الله بن أَحْمد النَّحْوِيّ. والخصم: جَانب الْعَدو، وخصم كل شَيْء طرفه وجانبه. وَهَذَا كِنَايَة عَن انتشار الْأَمر وصعوبة تلافيه والتأتي للشَّيْء وَحسن تَدْبيره. 586 - / 702 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: عَن يسير بن عَمْرو قَالَ: قلت لسهيل بن حنيف: هَل سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي الْخَوَارِج شَيْئا؟ . [15] الْخَوَارِج: قوم يخرجُون على الْأَئِمَّة، وَأول مَا عرفُوا بِالْخرُوجِ على عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وَقد ذكرنَا بعض أَحْوَالهم فِي مُسْنده. [15] وَقَوله: وأهوى بِيَدِهِ قبل الْعرَاق: أخبرنَا مُحَمَّد بن نَاصِر عَن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن مَنْدَه عَن أبي الْحُسَيْن بن فَارس قَالَ: الْعرَاق مَا سفل من أَرض نجد مستطيلا فَسُمي بذلك تَشْبِيها لَهُ بعراق الْقرْبَة، وَهُوَ الخرز فِي أَسْفَلهَا. قَالَا: وَقَالَ قوم: سمي الْعرَاق من جمع عرقة: وَهِي الزبيل، يُقَال: عرقة وعراق، كَمَا يُقَال أكمة وإكام. والعرقة: السَّقِيفَة من الخوص قبل أَن يَجْعَل مِنْهَا زبيل، وَيُقَال: أعرق الرجل الحديث: 586 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 واستعرق أَتَى الْعرَاق. [15] والتراقي جمع ترقوة وللإنسان ترقوتان: وهما العظمان المشرفان فِي أَعلَى الصَّدْر. [15] وَقَوله: يتيه قوم. فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا يضلون فِي الدّين. الثَّانِي: يعْجبُونَ بأعمالهم. [15] وَقَوله: يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَام. قد فسرناه فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. [15] وَقَوله: محلقة رؤوسهم. هَذَا كَانَ من سِيمَاهُمْ، كَأَنَّهُمْ رَغِبُوا عَن الشّعْر، إِمَّا للزهد فِي الزِّينَة، أَو للتورع على زعمهم فِي الْغسْل، خوفًا أَن يمْنَع وُصُول المَاء. وَقد كَانُوا يدققون فِي الْوَرع ويكثرون تِلَاوَة الْقُرْآن، غير أَن الْعُقُول ضعفت حَتَّى حسن لَهُم الشَّيْطَان تخطئة أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. وأكبر محن الْجَاهِل اعْتِقَاده أَنه أعرف من الْعَالم. وَأما حلق الرَّأْس فَإِن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا لَا يحلقون رؤوسهم إِلَّا فِي الْحَج وَالْعمْرَة، فَلَمَّا وَقع خلاف هَؤُلَاءِ الْقَوْم فِي العقائد وَقع فِي السيماء. وَاخْتلف الْعلمَاء: هَل يكره حلق الرَّأْس؟ وَفِيه عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ. 587 - / 703 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرت بِهِ جَنَازَة فَقَامَ. الحديث: 587 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 قد بَينا نسخ ذَلِك فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. 588 - / 704 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " من سَأَلَ الله الشَّهَادَة فَصدق بلغه الله منَازِل الشُّهَدَاء وَإِن مَاتَ على فرَاشه ". [15] اعْلَم أَن النِّيَّة قطب الْعَمَل عَلَيْهَا يَدُور، وَقد يُفِيد مُجَرّد النِّيَّة من غير عمل، وَلَا يُفِيد عمل من غير نِيَّة. وَمن صدقت نِيَّته فِي طلب الشَّهَادَة فَكَأَنَّهُ استسلم للْقَتْل، فَلَا يضرّهُ بعد بدنه عَن الْجِهَاد لعذر مَعَ صدق نِيَّته، كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله ثمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فقد وَقع أجره على الله} [النِّسَاء: 100] وَكَذَلِكَ من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا، وَكَذَلِكَ لَو نوى قيام اللَّيْل فغلبه النعاس كتب لَهُ ثَوَاب نِيَّته. وَمن هَذَا الْجِنْس: {يَا إِبْرَاهِيم. قد صدقت الرءيا} [الصافات: 104، 105] لِأَن الْخَلِيل اجْتهد فِي أَن يذبح بإمرار المدية، والذبيح استسلم، وَلم يبْق للْفِعْل مَانع سوى جَرَيَان الْقدر، فَكَانَا كَأَنَّمَا فعلا. 589 - / 705 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَهْوى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ إِلَى الْمَدِينَة فَقَالَ: " إِنَّهَا حرم آمن ". [15] وَظَاهر الْخَبَر الْخَبَر وَمَعْنَاهُ الْأَمر، كَقَوْلِه تَعَالَى: (وَمن دخله كَانَ الحديث: 588 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 آمنا} [آل عمرَان: 97] وَالْمعْنَى: أمنوه. وَقد ذكرنَا حد حرم الْمَدِينَة فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 (47) كشف الْمُشكل من مُسْند قيس [بن سعدٍ بن عبَادَة [ 15 - ] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّة عشر حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان. 590 - / 706 - فَالْأول: قد تقدم فِي مُسْند سهل بن حنيف. 591 - / 707 - وَالثَّانِي: إِنَّمَا أخرج مِنْهُ البُخَارِيّ طرفا: أَن قيس بن سعد - وَكَانَ صَاحب لِوَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَرَادَ الْحَج فَرجل. [15] هَذَا قدر مَا أخرج. وَالْمعْنَى: رجل رَأسه: أَي سرحه، وَكَانَ قد سرح شقّ رَأسه فَقَامَ غُلَام فقلد هَدْيه، فَلَمَّا رَآهُ قد قَلّدهُ أهل بِالْحَجِّ وَلم يرجل شقّ رَأسه الآخر، لِئَلَّا يكون مُسْتَعْملا للرفاهية. وَالْمرَاد من الْمحرم الشعث، وَإِن كَانَ فعل عَبده لَا يكسبه فعلا، لكنه يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون أمره بالتقليد. وَالثَّانِي: سلوك طَرِيق الْوَرع. الحديث: 590 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 (48) كشف الْمُشكل من مُسْند أسيد بن الْحضير [ 15 - ] شهد الْمشَاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سوى بدر، فَإِنَّهُ تخلف لِأَنَّهُ مَا ظن وُقُوع قتال، وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة عشر حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان. 592 - / 708 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " إِنَّكُم سَتَلْقَوْنَ بعدِي أَثَرَة " [15] وَقد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود، وَأَن الأثرة استئثار الْوُلَاة، إِمَّا بِفضل من الْقِسْمَة، أَو بِالْجُمْلَةِ. 593 - / 709 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: عَن أسيد، بَيْنَمَا هُوَ يقْرَأ من اللَّيْل رفع رَأسه، فَإِذا مثل الظلة. الظلة هَاهُنَا السَّحَاب، وكل شَيْء أظلك فَهُوَ ظلة. وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأسيد لما أخبرهُ: " اقْرَأ يَا ابْن حضير " مَعْنَاهُ: كَانَ يَنْبَغِي أَن تقْرَأ. أَو أَظن أَنَّك قَرَأت وَلم تسكت لأجل ذَلِك. الحديث: 592 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 (49) كشف الْمُشكل من مُسْند كَعْب بن مَالك [ 15 - ] شهد الْمشَاهد كلهَا سوى بدر، لأَنهم مَا ظنُّوا وُقُوع الْقِتَال، وَهُوَ أحد الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانُون حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سِتَّة أَحَادِيث. 594 - / 710 - فَمن الْمُشكل فِي حَدِيث الأول: أَنه تقاضى ابْن أبي حَدْرَد دينا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِد، فارتفعت أصواتهما، فكشف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجف حجرته وَقَالَ: " يَا كَعْب ضع من دينك هَذَا " وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ: الشّطْر، قَالَ: قد فعلت، قَالَ: " قُم فاقضه " [15] اسْم أبي حَدْرَد عبد الله، ويكنى أَبَا مُحَمَّد، وَفِي اسْم أَبِيه ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا عبد الله، وَالثَّانِي أسيد، وَالثَّالِث: سَلامَة. [15] والسجف: السّتْر [15] وَالَّذِي أمره بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سَبِيل المشورة، وَهَذَا يدل على أَن للْحَاكِم أَن يُرَاوِد الْخَصْمَيْنِ على الصُّلْح إِذا رأى وَجه الحديث: 594 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 الْمصلحَة، كَمَا يفصل الحكم بَينهمَا. 595 - / 711 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " مثل الْمُؤمنِينَ مثل الخامة من الزَّرْع تفيئها الرّيح ". [15] قَالَ أَبُو عبيد: الخامة: الغضة الرّطبَة، وَأنْشد: (إِنَّمَا نَحن مثل خامة زرع ... فَمَتَى يَأن يَأْتِ محتصده) [15] وَقَوله: " تفيئها " أَي تميلها. [15] وَقَوله: " تصرعها " أَي تلقيها. و " تعدلها ": تقيمها. [15] وتهيج: تيبس، يُقَال: هاج النَّبَات: إِذا يبس، وهاج: إِذا أصفر أَيْضا. [15] والأرزة وَاحِدَة الْأرز، قَالَ أَبُو عبيد: وَهِي شَجَرَة الصنوبر، والصنوبر ثَمَر الْأرز، يُسمى الشّجر صنوبرا. [15] والمجذية: الثَّابِتَة، يُقَال: أجذت تجذي، وجذت تجذو. [15] وانجعافها: انقلاعها. [15] فَشبه الْمُؤمن بالخامة من الزَّرْع الَّتِي تميلها الرّيح، لِأَنَّهُ مرزأ فِي نَفسه وَأَهله وَمَاله، وَشبه الْمُنَافِق بالأرزة الَّتِي لَا تميلها الرّيح، لِأَنَّهُ لَا يرزأ شَيْئا حَتَّى يَمُوت، وَإِن رزئ لم يُؤجر عَلَيْهِ. الحديث: 595 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 [15] وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هِيَ الأرزة من الشّجر الْأرز، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ الآرزة على مِثَال فاعلة، وَهِي الثَّابِتَة فِي الأَرْض، يُقَال: أرزت تأرز، وأرزت تأرز. 596 - / 712 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: فِي تَوْبَة كَعْب: إِنَّمَا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمسلمون فِي بدر يُرِيدُونَ عير قُرَيْش. [15] قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العير: الْإِبِل المرحولة المركوبة. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: العير: الْقَوْم على الْإِبِل. وَقَالَ الْفراء: لَا يُقَال عير إِلَّا لأَصْحَاب الْإِبِل. [15] قَوْله: وَلَقَد شهِدت لَيْلَة الْعقبَة. لما أرسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استخفى بأَمْره ثَلَاث سِنِين، ثمَّ نزل عَلَيْهِ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} [الْحجر: 94] فَكَانَ يعرض نَفسه فِي كل موسم على الْقَبَائِل وَيَقُول: " أَلا رجل يحملني إِلَى قومه، فَإِن قُريْشًا قد مَنَعُونِي أَن أبلغ كَلَام رَبِّي " فلقي فِي بعض السنين رهطا من الْخَزْرَج، فَدَعَاهُمْ إِلَى الله تَعَالَى وَعرض عَلَيْهِم الْإِسْلَام، فَأَجَابُوهُ، وَكَانُوا سِتَّة: أسعد بن زُرَارَة، وعَوْف بن عفراء، وَرَافِع بن مَالك، وَقُطْبَة بن عَامر بن حَدِيدَة، وَعقبَة بن عَامر بن نابي، وَجَابِر بن عبد الله، فَلَمَّا انصرفوا إِلَى قَومهمْ أخبروهم، فَفَشَا الحديث: 596 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 الْإِسْلَام فيهم، فَلَمَّا جَاءَ الْمَوْسِم حَضَره اثْنَا عشر رجلا من الْأَنْصَار فيهم من أُولَئِكَ السِّتَّة خَمْسَة، فَإِنَّهُ مَا تخلف مِنْهُم إِلَّا جَابر، فَلَقوهُ بِالْعقبَةِ فَبَايعُوهُ، وَهِي الْعقبَة الأولى، فَلَمَّا انصرفوا بعث مَعَهم مُصعب ابْن عُمَيْر يفقه أهل الْمَدِينَة ويقرئهم الْقُرْآن، وَخرج إِلَيْهِ فِي الْمَوْسِم الثَّالِث مِنْهُم سَبْعُونَ رجلا وَامْرَأَتَانِ، فَوَعَدَهُمْ فِي اللَّيْل عِنْد الْعقبَة، وَخرج وَمَعَهُ عَمه الْعَبَّاس، وَوَقعت الْبيعَة، وَعلمت قُرَيْش، فَلَمَّا اجْتمع رَأْيهمْ على الفتك بِهِ أَمر بِالْخرُوجِ إِلَى الْغَار. [15] وَإِنَّمَا قَالَ كَعْب بن مَالك: مَا أحب أَن لي بِالْعقبَةِ مشْهد بدر، لِأَنَّهُ رأى بيعَة الْعقبَة كالأساس لِلْإِسْلَامِ. [15] وَقَوله: أيسر مني: أَي أغْنى. [15] وَقَوله: لم يكن يُرِيد غزَاة إِلَى ورى بغَيْرهَا: أَي أوهم قصد سواهَا، والتورية فِي الشَّيْء: أَن يستر الَّذِي يُريدهُ وَيظْهر غَيره، أخذت من: وَرَاء الشَّيْء، كَأَنَّك تركت الشَّيْء الَّذِي يليك وتجاوزته إِلَى مَا وَرَاءه، أَو كَأَنَّك ألقيت التَّبْيِين وَرَاء ظهرك. وَهَذَا من حزم الرَّأْي لِئَلَّا يبلغ الْخَبَر الْعَدو فيستعد. [15] وَقَوله: واستقبل مفازا: المفاز والمفازة اسْم للقفز، وَسميت مفازة للتفاؤل بالفوز، كَمَا يُسمى اللديغ سليما. وَيُقَال: هُوَ من فوز: إِذا مَاتَ، وَالْمعْنَى: إِن الْمَوْت يخَاف فِيهَا. [15] وَقَوله فجلا للنَّاس أَمرهم: أَي كشفه وَأخْبرهمْ توجههم: أَي بجهتهم الَّتِي يستقبلونها ومقصدهم الَّذِي يقصدونه. [15] لَا يجمعهُمْ كتاب حَافظ. يُرِيد الدِّيوَان. قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 اللّغَوِيّ قَالَ: الدِّيوَان بِالْكَسْرِ، وَالْجمع دواوين، قَالَ الْأَصْمَعِي: أَصله فَارسي، والديو هُوَ الشَّيْطَان، فَأَرَادَ أَنهم كتاب يشبهون الشَّيَاطِين فِي نفاذهم. [15] وَقَوله: وَأَنا إِلَيْهَا أصعر: أَي أميل، والصعر: الْميل. [15] وطفقت: ابتدأت فِي الْفِعْل. [15] وَقَوله: حَتَّى اسْتمرّ بِالنَّاسِ الْجد: أَي تتَابع بهم الِاجْتِهَاد فِي السّير وَالْمُبَالغَة فِيهِ. [15] وتفارط الْغَزْو: أَي تقدم وتباعد. وَرُبمَا قَرَأَهُ من لَا معرفَة لَهُ بِالْحَدِيثِ فَقَالَ: وتفارط الْعَدو بِالدَّال. [15] وَقَوله: يحزنني. فِي يحزن لُغَتَانِ: فتح الْيَاء وَضمّهَا، يُقَال: حزنني وأحزنني، وَأمر محزن وحازن. [15] والأسوة: الْقدْوَة.: والمغموص عَلَيْهِ: الْمَعِيب الْمشَار إِلَيْهِ بذلك. [15] وَقَوله: وَالنَّظَر فِي عطفه: الْعَطف: الْجَانِب، وَالْمعْنَى مَشْغُول بلذاته وعجبه فِي نَفسه عَن الْجِهَاد. [15] وَأما رد معَاذ على من اغتاب كَعْبًا فَفِيهِ تَنْبِيه على الرَّد على كل من يغتاب الْمُسلمين. [15] وَقَوله: رأى رجلا مبيضا: أَي عَلَيْهِ ثِيَاب بيض. [15] والسراب: هُوَ الَّذِي ترَاهُ نصف النَّهَار كَأَنَّهُ مَاء. واللمز: الْعَيْب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 [15] وَفِي اسْم أبي خَيْثَمَة ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا عبد الرَّحْمَن بن بيحان، وَيُقَال: بيجان وَيُقَال سيجان. وَالثَّانِي: الْحجاب، وَالثَّالِث: الْحباب. [15] قَوْله: قَافِلًا: أَي رَاجعا. [15] والبث: أَشد الْحزن، سمي بذلك لِأَن صَاحبه لَا يصبر حَتَّى يبثه. وأظل قادما: قرب، تَقول: أظلني الشَّيْء: إِذا دنا مِنْك، وَقد سَمِعت من يصحف هَذَا وَيَقُول: أطل بِالطَّاءِ الْمُهْملَة. وَقَوله: زاح عني الْبَاطِل: أَي ذهب عني مَا كنت أَزورهُ فِي نَفسِي من الْعذر الْبَاطِل، فأجمعت صدقه: أَي أحكمت هَذَا وعزمت عَلَيْهِ. قَالَ المؤرج: أَجمعت الْأَمر، أفْصح من: أَجمعت عَلَيْهِ، وَأنْشد: (يَا لَيْت شعري والمنى لَا تَنْفَع ... ) (هَل أغدون يَوْمًا وأمري مجمع ... ) [15] وَأما بداية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَسْجِدِ إِذا قدم من سَفَره فَمن أحسن الْأَدَب، فَإِن الْأَدَب فِي تحايا الْمُلُوك تَقْدِيم الأهم على غَيره، فَبَدَأَ بِخِدْمَة الله عز وَجل وشكره على السَّلامَة. [15] والمخلفون: المتخلفون عَن الْغَزْوَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 [15] وَقَوله: ووكل سرائرهم إِلَى الله. الْمَعْنى أَنه قبل عذرهمْ الظَّاهِر، وَترك علم الْبَاطِن إِلَى الْمُنْفَرد بِالْغَيْبِ ليجازيهم عَلَيْهِ. [15] " ألم تكن ابتعت ظهرك؟ " أَي مَا تركب عَلَيْهِ. [15] والجدل: الْمعرفَة بِإِقَامَة الْحجَج ورد كَلَام الْخصم. [15] وَقَوله: ليوشكن: أَي ليسرعن. قَالَ ثَعْلَب: أوشك يُوشك لَا غير. [15] قَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: عجبت من سرعَة ذَلِك الْأَمر وسرعه وَمن وَشك ذَلِك ووشكه ووشكانه ووشكانه ووشكانه. [15] وَقَوله: أَرْجُو فِيهِ عُقبى الله: أَي مَا يعقبني بصدقي من الْعَفو. وَهَذَا رجل صَادِق الْإِيمَان كَامِل الْعقل، علم أَنه لَا ينْتَفع بِالْكَذِبِ عِنْد من يطلع على الْغَيْب. [15] وَقَوله: يؤنبونني من التأنيب: اللوم والتوبيخ، يُقَال: أنبه يؤنبه تأنيبا. [15] وَقَوله: فَذكرُوا لي رجلَيْنِ شَهدا بَدْرًا. هَذَا مِمَّا قرأته على الْمَشَايِخ سِنِين، وَمَا نبهني عَلَيْهِ أحد، وَلَا رَأَيْت من نظر فِيهِ مَعَ تتبع بَعضهم أغلاط بعض، فَلَمَّا جمعت أَسمَاء أهل بدر، وَذكرت من اتّفق على حُضُوره وَمن اخْتلف فِيهِ لم أر لهذين الرجلَيْن ذكرا، فَمَا زلت أبحث وأسأل فَلَا يدلني أحد على محجة، وَإِذا الحَدِيث مخرجا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي المسانيد، وَلَا يُنَبه أحد عَلَيْهِ، وَلَا أَدْرِي مَا وَجهه، إِلَى أَن رَأَيْت فِي كتاب " نَاسخ الحَدِيث ومنسوخه " لأبي بكر الْأَثْرَم، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 وَقَالَ فِيهِ: كَانَ الزُّهْرِيّ أوحد أهل زَمَانه فِي حفظ الحَدِيث، وَلم يحفظ عَلَيْهِ من الْوَهم إِلَّا الْيَسِير، من ذَلِك قَوْله فِي هذَيْن الرجلَيْن: شهد بَدْرًا. [15] وَأما تَخْصِيص هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة بنهي النَّاس عَن كَلَامهم فَإِنَّهُ دَلِيل على صدق إِيمَانهم، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا من الْمُنَافِقين الَّذين قنع مِنْهُم بالعذر، وَهَذَا كَمَا يُقَال: عَاتب صديقك ودع عَدوك. [15] وَقَوله: وَأما صَاحِبَايَ فاستكانا: أَي ضعفا وذلا من الْحزن. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي " مُسْنده " فَقَالَ: فاستكنا: أَي مَرضا. [15] وَقَوله: وَكنت أَطُوف فِي الْأَسْوَاق فَلَا يكلمني أحد. وَذَاكَ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى النَّاس عَن كَلَامهم عُقُوبَة لَهُم على تخلفهم. [15] وَقَوله: تسورت جِدَار حَائِط أبي قَتَادَة: أَي نزلت من سور الْجِدَار. والجدار: الْحَائِط، والحائط هَاهُنَا: الْبُسْتَان. [15] قَالَ الزّجاج: وَسمي النبط نبطا لاستنباطهم مَا يخرج من الأَرْض. [15] وَقَوله: ضَاقَتْ عَليّ نَفسِي. ضيق النَّفس: غمها بانحصارها عَن الانبساط الَّذِي ألفته، وَكَانَ حزنه على فعل الْمُوجب لذَلِك. [15] وَأما ضيق الأَرْض عَلَيْهِ فلمنع النَّاس من مكالمته ومعاملته، وَأمره الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 [15] باعتزال زَوجته. فضاقت عَلَيْهِ الأَرْض بِمَا رَحبَتْ: أَي ضَاقَتْ مَعَ سعتها. وَسُئِلَ بعض القدماء عَن التَّوْبَة النصوح، فَقَالَ: أَن تضيق على التائب أرضه وَنَفسه كَمَا ضَاقَتْ على كَعْب وصاحبيه. وَهَذَا لِأَن المذنب إِذا لاحظ آثَار الطَّرْد، وَخَافَ وُقُوع الْعقُوبَة، وَنَدم على مَا فَاتَ، ضَاقَتْ عَلَيْهِ النَّفس وَالْأَرْض، فَقبلت تَوْبَته لصدق حزنه وندمه. [15] وَقَوله: أوفى على سلع: أَي صعد على ذَلِك الْجَبَل. [15] وَقَوله: أتأمم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي أقصده. [15] وَقَوله: إِن من تَوْبَتِي أَن انخلع من مَالِي. هَذَا نظر بِعَين الْعقل أثمر قطع الْقَاطِع، لِأَنَّهُ لَوْلَا مَاله مَا قعد، فَلَمَّا صدقت تَوْبَته رأى أَن من عَلامَة ندمه قطع الْقَاطِع، فَلم يمنعهُ الرَّسُول من ذَلِك، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ: " أمسك بعض مَالك فَهُوَ خير لَك ". لعلمه أَن الْقَاطِع إِنَّمَا هُوَ الْفَاضِل عَن الْحَاجة. [15] وَقَوله: أبلاه الله: أَي أنعم عَلَيْهِ. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُقَال من الْخَيْر: أبليته، وَمن الشَّرّ: بلاه الله. [15] والرجس: المستقذر من كل شَيْء. [15] وَقَوله: " يحطمكم النَّاس " أصل الحطم الْكسر، فاستعير هَاهُنَا لِكَثْرَة النَّاس وازدحامهم على أهل الْبَيْت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 597 - / 713 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ: [15] عَن كَعْب: أَنهم كَانَت لَهُم غنم ترعى بسلع، فَأَبْصَرت جَارِيَة لَهُم بِشَاة لَهُم موتا، فَكسرت حجرا فذبحتها بِهِ، فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأمره بأكلها. [15] فِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَن ذَبِيحَة النِّسَاء حَلَال، والحرة الْأمة فِي ذَلِك سَوَاء. وَفِيه جوَار الذّبْح بِالْحجرِ الَّذِي لَهُ حد. والْحَدِيث مَحْمُول على أَن هَذِه الذَّبِيحَة كَانَت بهَا حَيَاة مُسْتَقِرَّة فذبحتها، وَلَوْلَا ذَلِك مَا حلت. 598 - / 714 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: [15] أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْكُل بِثَلَاث أَصَابِع، فَإِذا فرغ لعقها. [15] الْأكل بإصبع وَاحِد لَا يتم بِهِ التَّنَاوُل، وَلَا بِاثْنَيْنِ، وَالْأكل بِأَرْبَع أَو خمس يرفع فَوق مَا يطيقه الْفَم، وَيدل على الشره، وَالْعدْل الْأكل بِثَلَاث. [15] وَفِي لعق الْأَصَابِع ثَلَاثَة معَان: أَحدهَا أَنه رُبمَا كَانَت الْبركَة فِي ذَلِك الْقدر الْبَاقِي على الْيَد وَسَيَأْتِي هَذَا فِي مُسْند جَابر. وَالثَّانِي: أَنه دفع للكبر. وَالثَّالِث: أَنه منع التبذير والتفريط فِيمَا خلق قواما للآدمي. وَقد كَانُوا يَحْتَاجُونَ إِلَى مص النواة لشدَّة فَقرهمْ. الحديث: 597 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 599 - / 715 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه وَأَوْس بن الْحدثَان أَيَّام التَّشْرِيق فناديا: إِنَّه لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا مُؤمن، وَأَيَّام منى أَيَّام أكل وَشرب. [15] فَأَما أَيَّام التَّشْرِيق فَهِيَ أَيَّام منى، وَهِي ثَلَاثَة أَيَّام بعد عيد الْأَضْحَى. وَفِي تَسْمِيَتهَا بأيام التَّشْرِيق قَولَانِ ذكرهمَا ثَعْلَب، أَحدهمَا: لِأَن الذّبْح فِيهَا بعد شروق الشَّمْس. وَالثَّانِي: لأَنهم كَانُوا يشرقون فِيهَا اللَّحْم من لُحُوم الْأَضَاحِي، وَهَذَا أصح. وَهِي أَيَّام منى لإقامتهم فِيهَا، وَسميت منى من قَوْلهم: منى الشَّيْء وَقدر كَأَنَّهُ فِيهَا النَّحْر. [15] وَقَوله: أَيَّام أكل وَشرب. أَي لَا يجوز فِيهَا الصَّوْم، وَذَلِكَ لِأَن الْقَوْم كالضيف، والضيف لَا يَصُوم عِنْد مضيفه. وَاتفقَ الْعلمَاء على أَنه لَا يجوز أَن يتَطَوَّع بصومها، فَأَما من صامها عَن فرض فَيجوز عندنَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى لَا يجوز، وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي. وَقَالَ مَالك: لَا يَصح فِيهَا إِلَّا صَوْم الْمُتَمَتّع هُوَ القَوْل الثَّانِي للشَّافِعِيّ. [15] فَإِن قيل: مَا الْمُنَاسبَة بَين ذكر الْإِيمَان وَذكر الْأكل وَالشرب؟ فَالْجَوَاب: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَدَأَ بالأهم من ذكر الْإِيمَان، وَفِيه معنى يمس الْحَج، وَهُوَ أَن الْكفَّار قد كَانُوا يحجون، فَأخْبر أَن التَّعَبُّد إِنَّمَا ينفع الْمُؤمنِينَ دون غَيرهم. الحديث: 599 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 (50) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي أسيد مَالك بن ربيعَة السَّاعِدِيّ [ 15 - ] شهد الْمشَاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وروى عَنهُ ثَمَانِيَة وَعشْرين حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة أَحَادِيث. 600 - / 716 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " خير دور الْأَنْصَار بَنو النجار، ثمَّ بَنو عبد الْأَشْهَل، ثمَّ بَنو الْحَارِث بن الْخَزْرَج، ثمَّ بَنو سَاعِدَة " وَفِي رِوَايَة: لَو كنت كَاذِبًا لبدأت بقومي وَفِي لفظ: عشيرتي. [15] والدور هَاهُنَا الْقَبَائِل. وَالْقَوْم: الرِّجَال دون النِّسَاء، وَسموا قوما لأَنهم يقومُونَ بالأمور. وَالْعشيرَة: الْأَقَارِب الأدنون. 601 - / 717 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: [15] قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين صففنا لقريش: " إِذا أكثبوكم فارموهم واستبقوا النبل ". [15] صففنا من الصَّفّ، وَقد جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات: حَيْثُ استففنا لقريش، وَمَعْنَاهُ الْقرب مِنْهُم والتدلي عَلَيْهِم، كَأَن مكانهم كَانَ أهبط الحديث: 600 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 من مَكَان الصَّحَابَة، وَمِنْه قَوْلهم: أَسف الطَّائِر فِي طيرانه: إِذا انحط إِلَى تقَارب الأَرْض. [15] وَقَوله: " اكثبوكم " الكثب: الْقرب، وَالْمعْنَى: إِذا قربوا مِنْكُم وغشوكم فارموهم ليتباعدوا. [15] وَمعنى " واستبقوا نبلكم " لَا ترموهم إِذا بعدوا، فَإِنَّهُ يضيع النبل. 602 - / 718 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: خرجنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى انطلقنا إِلَى حَائِط، وَقد أَتَى بالجونية، فَلَمَّا دخل عَلَيْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " هبي نَفسك لي " قَالَت: وَهل تهب الملكة نَفسهَا لسوقة. [15] الْحَائِط المُرَاد بِهِ الْبُسْتَان. [15] وَقد اخْتلفُوا فِي اسْم الْجَوْنِية، فَفِي هَذَا الحَدِيث أُمَيْمَة بنت شرَاحِيل، وَقيل: أَسمَاء بنت النُّعْمَان بن أبي الجون. [15] والسوقة: من لَيْسَ بِملك. قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: يذهب عوام النَّاس إِلَى أَن السوقة أهل السُّوق، وَذَلِكَ خطأ، إِنَّمَا السوقة عِنْد الْعَرَب من لَيْسَ بِملك، تَاجِرًا كَانَ أَو غير تَاجر، بِمَنْزِلَة الرّعية الَّتِي تسوسها الْمُلُوك، وَسموا سوقة لِأَن الْملك يسوقهم فينساقون لَهُ، ويصرفهم على مُرَاده، يُقَال للْوَاحِد سوقة، وللاثنين سوقة، وَرُبمَا جمع سوقا، قَالَ زُهَيْر: (أحار لَا أرمين مِنْكُم بداهية ... لم يلقها سوقة قبلي وَلَا ملك) الحديث: 602 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 وَقَالَت حرقة بنت النُّعْمَان: (بَينا نسوس النَّاس وَالْأَمر أمرنَا ... إِذا نَحن فيهم سوقة نتنصف) [15] فَأَما أهل السُّوق فالواحد مِنْهُم سوقي، وَالْجَمَاعَة سوقيون. [15] وَقَوْلها: أعوذ بِاللَّه مِنْك: أَي ألجأ إِلَيْهِ وألوذ بِهِ. وَقَوله: " لقد عذت بمعاذ " أَي: بِمَا يستعاذ بِهِ. [15] وَقَوله: " اكسها رازقيين " الرازقية: ثِيَاب من كتَّان. [15] وَهَذِه الْجَوْنِية من جملَة من تزوجهن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يدْخل بهَا، وَكَذَلِكَ الْكلابِيَّة، وَاخْتلفُوا فِي اسْمهَا، فَقيل: فَاطِمَة بنت الضَّحَّاك، وَقيل عمْرَة بنت يزِيد، وَقيل: الْعَالِيَة بنت ظبْيَان، وَقيل سبأ بنت سُفْيَان، وَيُقَال: هَذِه الْأَسْمَاء المسميات كُلهنَّ عقد عَلَيْهِنَّ. ومنهن قتيلة أُخْت الْأَشْعَث بن قيس، زوجه إِيَّاهَا الْأَشْعَث، ثمَّ ذهب ليَأْتِيه بهَا فبلغته وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَردهَا، وارتدا، ثمَّ وَتَزَوجهَا بعد عِكْرِمَة بن أبي جهل، فَوجدَ أَبُو بكر من ذَلِك، فَقَالَ لَهُ عمر: وَالله مَا هِيَ من أَزوَاجه، مَا خَيرهَا وَلَا حجبها، وَقد برأها الله مِنْهُ بالارتداد، وَكَانَ عُرْوَة يُنكر أَن يكون تزَوجهَا. ومليكة بنت كَعْب اللَّيْثِيّ، وَبَعْضهمْ يُنكر تَزْوِيجهَا أصلا. وسبأ بنت أَسمَاء، تزَوجهَا فَمَاتَتْ قبل أَن يدْخل بهَا، ذكره أَبُو نصر بن مَاكُولَا. أم شريك الْأَزْدِيَّة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 وَاسْمهَا غزيَّة بنت جَابر، وَهِي الَّتِي وهبت نَفسهَا للنَّبِي فقبلها ثمَّ طَلقهَا وَلم يدْخل بهَا، وَقيل: لم يقبلهَا. وَقيل: بل الَّتِي وهبت نَفسهَا لَهُ خَوْلَة بنت حَكِيم، فأرجأها فَتَزَوجهَا عُثْمَان بن مَظْعُون. وَخَوْلَة بنت الْهُذيْل، تزَوجهَا فَمَاتَ قبل أَن تصل إِلَيْهِ. وشراف بنت خَليفَة، أُخْت دحْيَة الْكَلْبِيّ، تزَوجهَا وَلم يدْخل بهَا. وليلى بنت الخطيم، أُخْت قيس، تزَوجهَا وَكَانَت غيورا، فاستقالته فأقالها، وَقيل: بل وهبت نَفسهَا لَهُ فَلم يقبلهَا. وَعمرَة بنت مُعَاوِيَة الكندية، جِيءَ بهَا بَعْدَمَا مَاتَ. وَابْنَة جُنْدُب الجندعية، تزَوجهَا، وَأنكر بَعضهم صِحَة ذَلِك. والغفارية تزَوجهَا، فَلَمَّا نزعت ثِيَابهَا رأى بَيَاضًا فَقَالَ: " الحقي بأهلك " وَقد قيل: إِنَّمَا رَأْي الْبيَاض بالكلابية. فَهَذَا عدد اللواتي تزوجهن وَلم يدْخل بِهن، على الْخلاف الْمَذْكُور فِيهِنَّ. [15] فَأَما اللواتي خطبهن وَلم يتم نِكَاحه إياهن فَأم هانىء بنت عَمه أبي طَالب خطبهَا فَقَالَت: إِنِّي مصبية، فعذرها. وضباعة بنت عَامر بن قرط، خطبهَا إِلَى ابْنهَا سَلمَة بن هَاشم فَقَالَ: حَتَّى أستأمرها، وَقيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّهَا قد كَبرت، فَلَمَّا أَذِنت لابنها رَجَعَ، فَسكت عَنْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَصفِيَّة بنت بشامة، أَصَابَهَا سبيا، فَخَيرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن شِئْت أَنا وَإِن شِئْت زَوجك " قَالَت: زَوجي، فأرسلها، فلعنتها بَنو تَمِيم. وجمرة بنت الْحَارِث الْمُزنِيّ، خطبهَا فَقَالَ أَبوهَا: إِن بهَا سوءا، وَلم يكن بهَا، فَرجع وَقد برصت، وَهِي أم شبيب بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 البرصاء الشَّاعِر. وَسَوْدَة القرشية، خطبهَا فَقَالَت: أكره أَن يضغو صبيتي عِنْد رَأسك، فَدَعَا لَهَا. امْرَأَة لم يذكر اسْمهَا، خطبهَا فَقَالَت استأمر أبي: فَلَمَّا أذن لَهَا أَبوهَا لقِيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " قد التحفنا لحافا غَيْرك ". [15] فَأَما اللواتي وهبْنَ أَنْفسهنَّ لَهُ فقد ذكرنَا أم شريك، وليلى بنت الخطيم، وَخَوْلَة بنت حَكِيم، على الْخلاف الْمُتَقَدّم. 603 - / 719 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ مُسلم من هَذَا الْمسند: " إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فَلْيقل: اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أَبْوَاب رحمتك، وَإِذا خرج فَلْيقل: الله إمني أَسأَلك من فضلك ". [15] إِنَّمَا خصت الرَّحْمَة بِالدُّخُولِ لِأَن الدَّاخِل طَالب للآخرة، وَالرَّحْمَة أخص مَطْلُوب، وَخص الْفضل بِالْخرُوجِ، لِأَن الْإِنْسَان يخرج من الْمَسْجِد لطلب المعاش فِي الدُّنْيَا وَهُوَ المُرَاد بِالْفَضْلِ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وابتغوا من فضل الله} [الْجُمُعَة: 10] . الحديث: 603 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 (51) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي قَتَادَة الْأنْصَارِيّ [15] واسْمه عَمْرو بن ربعي، شهد أحدا وَالْخَنْدَق وَمَا بعدهمَا من الْمشَاهد. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة وَسَبْعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أحد وَعِشْرُونَ. 604 - / 720 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " إِذا شرب أحدكُم فَلَا يتنفس فِي الْإِنَاء ". [15] هَذَا على وَجه التَّعْلِيم للنظافة، لِأَنَّهُ رُبمَا خرج مَعَ النَّفس شَيْء من الْأنف فَوَقع فِي الْإِنَاء، وَذَلِكَ فَمَا تعافه نفس الشَّارِب فضلا عَن نفس المنتظر لفراغه ليشْرب، وَرُبمَا غير النَّفس ريح المشروب فتعافه النَّفس، وَرب نفس فَاسد يفْسد مَا يلقاه، وَالْمَاء من ألطف الْجَوَاهِر وأقبلها للتغير بِالرِّيحِ. [15] فَإِن قيل: فقد صَحَّ من حَدِيث أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتنفس فِي الْإِنَاء ثَلَاثًا. [15] فَالْجَوَاب: أَن الْمَعْنى يتنفس فِي مُدَّة شربه من الْإِنَاء ثَلَاثًا، وَمعنى الحديث: 604 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 هَذَا التنفس عِنْد إبانة المَاء عَن الْفَم، وَالنَّهْي فِي حديثنا هَذَا أَن يَجْعَل النَّفس فِي الْإِنَاء. [15] والخلاء: الْمَكَان الْخَالِي. [15] والتمسح والاستنجاء بِمَعْنى: وَهِي الاستطابة. قَالَ أَبُو عبيد: الاستطابة: الِاسْتِنْجَاء وَهُوَ من الطّيب، يَقُول: يطيب جسده مِمَّا عَلَيْهِ من الْخبث بالاستنجاء، يُقَال: استطاب فَهُوَ مستطيب، وأطاب فَهُوَ مُطيب. [15] وَإِنَّمَا وَقع النَّهْي عَن مس الذّكر والاستنجاء بِالْيَمِينِ لمعنيين: أَحدهمَا: لرفع قدر الْيَمين عَن الِاسْتِعْمَال فِي خساس الْأَحْوَال، وَلِهَذَا تجْعَل فِي آخر دُخُول الْخَلَاء وَأول دُخُول الْمَسْجِد، وَتجْعَل الْيَمين للْأَكْل وَالشرب والتناول، وتمتهن الْيُسْرَى فِي الأقذار. وَالثَّانِي: أَنه لَو باشرت الْيُمْنَى النَّجَاسَة لَكَانَ الْإِنْسَان يتَذَكَّر عِنْد تنَاول طَعَامه بِيَمِينِهِ مَا باشرت ومست، فينفر بالطبع ويستوحش، ويخيل إِلَيْهِ بَقَاء ذَلِك الْأَثر فِيهَا، فنزهت عَن هَذَا ليطيب عيشه فِي التَّنَاوُل. [15] فَإِن قيل: إِذا كَانَ قد نهى عَن مس الذّكر بِالْيَمِينِ، وَعَن الِاسْتِنْجَاء بِالْيَمِينِ، وَإِن أمْسكهُ باليمنى فقد نهي. فَالْجَوَاب: أَنه يمسح ذكره بِالْأَرْضِ أَو بالجدار أَو بِالْحجرِ الْكَبِير الَّذِي لَا يَتَحَرَّك بِالْمَسْحِ، أَو يضع رجله على طرف الْحجر ثمَّ يتمسح بِهِ، أَو يمسِكهُ بعقبيه، وَأما مسح الدبر فَلَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّكَلُّف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 605 - / 721 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كنت جَالِسا مَعَ رجال من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْقَوْم محرمون وَأَنا غير محرم عَام الْحُدَيْبِيَة، فَأَبْصرُوا حمارا وحشيا وَأَنا مَشْغُول أخصف نَعْلي ثمَّ أبصرته، فَقُمْت إِلَى الْفرس فركبت، فنسيت السَّوْط وَالرمْح، فَقلت لَهُم: ناولوني السَّوْط وَالرمْح قَالُوا: لَا وَالله، لَا نعينك عَلَيْهِ، فَغضِبت، فَنزلت فأخذتهما، وشددت على الْحمار فعقرته، فوقعوا فِيهِ يَأْكُلُونَهُ، ثمَّ شكوا فِي أكلهم وهم حرم، فرحنا وخبأت الْعَضُد معي، فسألنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَقَالَ: " هَل مَعكُمْ مِنْهُ شَيْء؟ " فناولته الْعَضُد فَأكلهَا وَهُوَ محرم. [15] خصف النَّعْل: خرزها. والمخصف: الإشفى لِأَنَّهُ يخرز بِهِ. [15] وَقد جَاءَ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق آخر، وَفِيه فَانْطَلَقت أطلب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرفع فرسي شأوا وأسير شأوا - أَي طلقا - ثمَّ سَأَلت عَنهُ رجلا فَقَالَ: تركته بتعهن وَهُوَ اسْم مَوضِع. [15] وَهَذَا الصَّيْد إِنَّمَا صَاده أَبُو قَتَادَة لنَفسِهِ لَا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا للْقَوْم، فَلهَذَا استجازوا الْأكل مِنْهُ، وَلما كَانُوا حرما لم يعاونوه لِئَلَّا تكون معاونة على الصَّيْد. [15] وَقَالَ أَبُو بكر الْأَثْرَم: وَكنت أسمع أَصْحَاب الحَدِيث يتعجبون من هَذَا الحَدِيث وَيَقُولُونَ، كَيفَ جَازَ لأبي قَتَادَة أَن يُجَاوز الْمِيقَات غير محرم؟ وَلَا يَدْرُونَ مَا وَجهه، حَتَّى رَأَيْته مُفَسرًا، رَوَاهُ عِيَاض بن عبد الله عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: خرجنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأحرمنا، فَلَمَّا كُنَّا الحديث: 605 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 بمَكَان كَذَا وَكَذَا إِذا نَحن بِأبي قَتَادَة، كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد بَعثه فِي كَذَا وَكَذَا - فِي شَيْء قد سَمَّاهُ -، فَذكر قصَّة الْحمار الوحشي فَإِذا أَبُو قَتَادَة إِنَّمَا جَازَ لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ لم يخرج يُرِيد مَكَّة. 606 - / 722 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: بَيْنَمَا نَحن نصلي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمع جلبة رجال، فَلَمَّا صلى قَالَ: " مَا شَأْنكُمْ؟ " قَالُوا: استعجلنا إِلَى الصَّلَاة. قَالَ: " فَلَا تَفعلُوا، إِذا أتيتم الصَّلَاة فَعَلَيْكُم السكينَة، فَمَا أدركتم فصلوا، وَمَا فاتكم فَأتمُّوا ". [15] السكينَة " فعيلة " من السّكُون، وَإِنَّمَا أَمر قَاصد الصَّلَاة بِالسَّكِينَةِ لاستعمال الْأَدَب فِي السَّعْي إِلَى الْعِبَادَة. [15] وَقَوله: " فَأتمُّوا " أَكثر الروَاة هَكَذَا رووا " فَأتمُّوا " مِنْهُم ابْن مَسْعُود وَأَبُو قَتَادَة وَأنس، وَأكْثر طرق أبي هُرَيْرَة " فَأتمُّوا " فَإِن الزبيدِيّ وَابْن أبي ذِئْب وَإِبْرَاهِيم بن سعد وَمعمر، كلهم رَوَوْهُ عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة فَقَالُوا: " فَأتمُّوا " وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن الزُّهْرِيّ: فَفِي رِوَايَة عَنهُ كَمَا ذكرنَا، وَفِي رِوَايَة أبي الْيَمَان عَنهُ " فاقضوا " وَفِي رِوَايَة عَن شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة: " فاقضوا " وَكَذَلِكَ روى ابْن سِيرِين وَأَبُو رَافع عَن أبي هُرَيْرَة الحديث: 606 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 [15] وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِيمَا يُدْرِكهُ الْمَأْمُوم من صَلَاة الإِمَام، فَقَالَ قوم: هُوَ أول صلَاته، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عَليّ وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن وَعَطَاء وَمَكْحُول وَالزهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَق بن رَاهَوَيْه وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ آخر صلَاته، وَهُوَ قَول مُجَاهِد وَابْن سِيرِين وَالثَّوْري وَأَصْحَاب الرَّأْي وَفِيه عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، وَالَّذِي نختاره أَنه آخر صلَاته، وَهُوَ الْأَشْبَه بمذهبنا وَمذهب أبي حنيفَة، لِأَن صَلَاة الْمَأْمُوم مرتبطة بِصَلَاة الإِمَام، فَيحمل قَوْله: " فَأتمُّوا " على أَن من قضى مَا فَاتَهُ فقد أتم، لِأَن الصَّلَاة تنقص بِمَا فَاتَ، فقضاؤه إتْمَام لما نقص. 607 - / 723 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا تقوموا حَتَّى تروني ". [15] إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة وَلم يكن الإِمَام حَاضرا لم يسن قيام الْمَأْمُوم، لِأَن الْقيام لَا يُرَاد لنَفسِهِ بل للشروع فِي الصَّلَاة فَإِذا قَامَ وَلم يشرع صَار فعله عَبَثا، فَأَما إِذا كَانَ الإِمَام حَاضرا فَأَي وَقت يسن قيام الْمَأْمُومين؟ عندنَا أَنهم يقومُونَ عِنْد قَوْله: قد قَامَت الصَّلَاة، وَيُكَبِّرُونَ للصَّلَاة إِذا فرغ من الْإِقَامَة، وَعند أبي حنيفَة يقومُونَ عِنْد الحيعلة وَيُكَبِّرُونَ عِنْد ذكر الْإِقَامَة، وَعند الشَّافِعِي لَا يقومُونَ إِلَّا عِنْد الْفَرَاغ من الْإِقَامَة 608 - / 724 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: كَانَ يقْرَأ فِي الظّهْر فِي الحديث: 607 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 الْأَوليين بِأم الْكتاب وسورتين وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِأم الْكتاب، ويسمعنا الْآيَة أَحْيَانًا، وَيطول فِي الرَّكْعَة الأولى مَا لَا يُطِيل فِي الثَّانِيَة. [15] ظَاهر هَذَا الحَدِيث يدل على وجوب الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجب فِي الرَّكْعَتَيْنِ من الصَّلَاة، وَقَالَ أَصْحَابه: وُجُوبهَا فِي الْأَوليين، فَإِن قَرَأَ فِي غير الْأَوليين صحت صلَاته. [15] وَقَوله: ويسمعنا الْآيَة أَحْيَانًا. أَي: فِي وَقت، وَذَلِكَ لَا يخرج الصَّلَاة عَن كَونهَا صَلَاة إخفاء. [15] وَقَوله: وَيطول فِي الرَّكْعَة الأولى دَلِيل على اسْتِحْبَاب تَطْوِيل الأولى من كل صَلَاة، كَيفَ وَقد قَالَ: كَانَ، وَهِي إِخْبَار عَن دوَام الْفِعْل، وَالْعلَّة فِيهِ أَن يلْحق من سمع الْإِقَامَة وَلم يتأهب، وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد بن حَنْبَل، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُطِيل الإِمَام الأولى فِي الْفجْر فَحسب، والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ ذكر التَّطْوِيل فِي الظّهْر ثمَّ قَالَ: وَهَكَذَا فِي الْعَصْر. وَقَالَ الشَّافِعِي: يُسَوِّي بَين جَمِيع الرَّكْعَات. 609 - / 725 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " الرُّؤْيَا من الله والحلم من الشَّيْطَان، فَإِذا حلم أحدكُم الْحلم يكرههُ فليبصق عَن يسَاره وليستعذ بِاللَّه مِنْهُ، فَلَنْ يضرّهُ ". الحديث: 609 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 [15] الرُّؤْيَا والحلم بِمَعْنى وَاحِد، لِأَن الْحلم مَا يرَاهُ الْإِنْسَان فِي نَومه، غير أَن صَاحب الشَّرْع خص الْخَيْر باسم الرُّؤْيَا، وَالشَّر باسم الْحلم. [15] وَقَوله: " فَإِذا حلم أحدكُم " مَفْتُوحَة اللَّام، يُقَال: حلم: إِذا رأى مناما وحلم بِالضَّمِّ من الْحلم الَّذِي هُوَ الْعَفو. [15] وَقَوله: " فليبصق عَن يسَاره " هَذَا دحر للشَّيْطَان، فَهُوَ من جنس رمي الْجمار. [15] وَقَوله: " وَلَا يحدث بِهِ أحدا " لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَن يذكر مَا يسوء. [15] وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " الرُّؤْيَا على رجل طَائِر مَا لم تعبر، فَإذْ عبرت وَقعت ". قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أَرَادَ أَنَّهَا غير مُسْتَقِرَّة، تَقول الْعَرَب للشَّيْء إِذا لم يسْتَقرّ: هُوَ على رجل طَائِر، وَبَين مخالب طَائِر، وعَلى قرن ظَبْي، قَالَ رجل فِي الْحجَّاج: (كَأَن فُؤَادِي بني أظفار طَائِر ... من الْخَوْف فِي جو السَّمَاء محلق) (حذار امرىء قد كنت أعلم أَنه ... مَتى مَا يعد من نَفسه الشَّرّ يصدق) [15] قَالَ المرار يذكر فلاة: (كَأَن قُلُوب أدلائها ... معلقَة بقرون الظباء) [15] قَالَ: وَلم يرد بقوله: فَإِذا عبرت وَقعت: أَن كل من عبرها وَقعت، وَإِنَّمَا أَرَادَ بذلك الْعَالم بهَا الْمُصِيب الْمُوفق، لَا الْجَاهِل، وَلَا أَرَادَ أَن كل رُؤْيا تعبر، لِأَن أَكْثَرهَا أضغاث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 [15] وَاعْلَم أَن الرُّؤْيَا على ثَلَاثَة أضْرب: أَحدهَا: مَا يَقع من حَدِيث النَّفس وَغَلَبَة الطَّبْع. وَالثَّانِي: من إِلْقَاء الشَّيْطَان. وَالثَّالِث: أَن يَأْتِي بهَا ملك الرُّؤْيَا عَن نُسْخَة أم الْكتاب، فَهَذِهِ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّحِيحَة، وَكَانَ ابْن سِيرِين رُبمَا عبر من كل أَرْبَعِينَ رُؤْيا وَاحِدَة. 610 - / 726 وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " من رَآنِي فقد رأى الْحق ". [15] الْمَعْنى: فقد رَآنِي حَقًا، يدل عَلَيْهِ فِي اللَّفْظ الَّذِي قبله، " فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَرَاءَى بِي " أَي لَا يتَمَثَّل بِصُورَتي. 611 - / 728 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: " إِذْ دخل أحدكُم الْمَسْجِد فَلَا يجلس حَتَّى يرْكَع رَكْعَتَيْنِ ". [15] لَا خلاف فِي اسْتِحْبَاب هَاتين الرَّكْعَتَيْنِ فِي غير أَوْقَات النَّهْي عَن الصَّلَاة، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي جَوَاز فعلهَا فِي أَوْقَات النَّهْي، وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: أحداهما: الْجَوَاز كَقَوْل الشَّافِعِي. 612 - / 729 وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِل أُمَامَة بنت زَيْنَب بنت رَسُول الله، فَإِذا سجد وَضعهَا، وَإِذا قَامَ حملهَا. [15] كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد زوج زَيْنَب وَهِي أكبر بَنَاته بِابْن خَالَتهَا أبي الْعَاصِ بن الرّبيع، وَكَانَت أم أبي الْعَاصِ هَالة بنت خويلد أُخْت خَدِيجَة الحديث: 610 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 فَولدت لأبي الْعَاصِ عليا فَتوفي وَقد ناهز الْحلم، وَقد كَانَ رَدِيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَاقَته يَوْم الْفَتْح، وَولدت لَهُ أُمَامَة وَهِي الْمَذْكُورَة هَاهُنَا. وَتَزَوجهَا عَليّ بن أبي طَالب بعد موت فَاطِمَة فَولدت لَهُ ولدا سَمَّاهُ مُحَمَّد. [15] وَقَوله: فَإِذا سجد وَضعهَا وَإِذا قَامَ حملهَا. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: يشبه أَن يكون هَذَا لَا عَن قصد من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتعمد، وَلَعَلَّ الصبية لطول مَا ألفته واعتادته فِي غير الصَّلَاة كَانَت تقصده حَتَّى تلابسه فِي الصَّلَاة فَلَا يَدْفَعهَا عَن نَفسه، فَإِذا أَرَادَ أَن يسْجد أرسلها إِلَى الأَرْض، وَإِذا أَرَادَ الْقيام عَادَتْ الصبية إِلَى ملابسته فَصَارَت مَحْمُولَة، وَأما تعمد حملهَا وحطها فَعمل يكثر، فَلَا يَنْبَغِي أَن يتَوَهَّم فِيهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه فعل ذَلِك لأجل قَضَاء الصبية وطرا من اللّعب، وَإِذا علم خميصة شغله فِي صلَاته، فَكيف لَا يشْغلهُ هَذَا الْفِعْل؟ . وَفِي الحَدِيث دلَالَة على أَن الْأَطْفَال وأبدانهم طَاهِرَة مَا لم تعلم نجاستها، وَفِيه أَن الْعَمَل الْيَسِير لَا يبطل. وَفِيه أَن الرجل إِذا صلى وَفِي كمه مَتَاع أَو على رقبته كارة وَنَحْوهَا فَإِن صلَاته مجزيه. 613 - / 730 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: كَانَ للْمُسلمين عَام حنين جَوْلَة. [15] سَبَب هَذِه الجولة أَن هوَازن اسْتقْبلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه الحديث: 613 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 بِجمع كثير، ورشقوا بِالنَّبلِ، فَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ، وَثَبت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ جمَاعَة من أَصْحَابه وَأهل بَيته، مِنْهُم أَبُو بكر الصّديق وَعمر وَعلي وَالْعَبَّاس، فَقَالَ للْعَبَّاس: " نَاد: يَا معشر الْأَنْصَار، يَا أَصْحَاب السمرَة، يَا أَصْحَاب سُورَة الْبَقَرَة " فَنَادَى - وَكَانَ صيتًا - فَأَقْبَلُوا كَأَنَّهُمْ الْإِبِل إِذا حنت إِلَى أَوْلَادهَا، يَقُولُونَ يَا لبيْك، يَا لبيْك، فحملوا على الْمُشْركين فَنظر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قِتَالهمْ فَقَالَ " الْآن حمي الْوَطِيس ". [15] وَقَوله فِي هَذَا الحَدِيث: ضَربته على حَبل عَاتِقه. حَبل العاتق: مَا بَين الْعُنُق والكاهل. [15] وَقَوله: لَاها الله إِذن. قَالَ الْخطابِيّ: كَذَا يرْوى، وَالصَّوَاب لَاها الله ذَا بِغَيْر ألف قبل الذَّال، وَمَعْنَاهُ فِي كَلَامهم: لَا وَالله، يجْعَلُونَ الْهَاء مَكَان الْوَاو، وَالْمعْنَى لَا وَالله لَا يكون ذَا. [15] والمخرف: الْبُسْتَان الَّذِي تخترف ثماره: أَي تجتنى، مَفْتُوح الْمِيم. فَأَما المخرف بِكَسْر الْمِيم فَهُوَ الْوِعَاء الَّذِي يجمع فِيهِ مَا يخْتَرف. وتأثلت المَال: تملكته فَجَعَلته أصل مَال. وأثلة كل شَيْء أَصله. [15] وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن السَّلب للْقَاتِل وَإِن لم يشْتَرط لَهُ الْأَمِير، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن شَرطه لَهُ الْأَمِير اسْتَحَقَّه. وَعِنْدنَا أَنه لَا تدخل الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم فِي السَّلب خلافًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 لأكثرهم، وَإِنَّمَا يسْتَحق الْقَاتِل السَّلب بأَرْبعَة شَرَائِط: أَن يقْتله حَال قيام الْحَرْب. وَأَن يغرر بِنَفسِهِ، مثل أَن يقْتله مبارزة أَو ينغمس فِي صف الْمُشْركين، وَأَن يكون الْمَقْتُول صَحِيحا سليما، وَأَن يَكْفِي الْمُسلمين شَره، وَهُوَ أَن يكون مُقبلا على قتال الْمُسلمين، فَأَما إِذا كَانَ مُنْهَزِمًا مجروحا فَلَا. وَقَالَ أَبُو ثَوْر وَدَاوُد: كَيفَ قَتله اسْتحق السَّلب. وَاعْلَم أَن بدار أبي بكر بالزجر والردع وَالْفَتْوَى وَالْيَمِين على ذَلِك فِي حَضْرَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ يصدقهُ الرَّسُول على مَا قَالَه وَيحكم بقوله شرف لم يكن لأحد من صحابته، فَإِنَّهُ قد كَانَ يُفْتِي فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة عشر من أَصْحَابه: أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَابْن مَسْعُود وعمار بن يَاسر وَأبي بن كَعْب ومعاذ بن جبل وَحُذَيْفَة وَزيد بن ثَابت وَأَبُو الدَّرْدَاء وسلمان وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَلِهَذَا لما قَالَ ذَلِك الرجل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَسَأَلت رجَالًا من أهل الْعلم فَأَخْبرُونِي أَن على ابْني جلد مائَة، لم يُنكر عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتْوَى غَيره فِي زَمَانه، لِأَنَّهَا عَن الرَّسُول صدرت، وَعَن تَعْلِيمه أخذت. وَأما الْفَتْوَى فِي حَضرته على مَا وَصفنَا فَلم تكن لأحد سوى أبي بكر، ويكفيه هَذِه فَضِيلَة على مَا وَصفنَا. [15] وَقد جَاءَ فِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث فِي رِوَايَة أُخْرَى: قَالَ أَبُو بكر: كلا، لَا يُعْطِيهِ أصيبغ من قُرَيْش ويدع أسداً من أَسد الله. قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 أَبُو سُلَيْمَان: يصفه بالمهانة والضعف، والأصبغ نوع من الطير، وَيجوز أَن يكون شبهه بنبات ضَعِيف يُقَال لَهُ الصبغاء. 614 - / 731 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: " إِنِّي أقوم إِلَى الصَّلَاة وَأَنا أُرِيد أَن أطول فِيهَا، فَأَسْمع بكاء الصَّبِي، فأتجوز فِي صَلَاتي كَرَاهِيَة أَن أشق على أمه ". [15] هَذَا الحَدِيث يدل على شفقته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولطفه بأمته، وَقد نبه بِهَذَا على أَن الأولى بالأئمة التَّخْفِيف، وَأَنه لَا يكَاد يَخْلُو بعض المأمونين من أَمر يشغل قلبه، وَإِن لم يكن التشاغل مَعَه. ويستدل بِهَذَا الحَدِيث على جَوَاز انْتِظَار الإِمَام فِي رُكُوعه للداخل إِذا أحس بِهِ من جِهَة أَنه إِذا كَانَ للْإنْسَان أَن يحذف من طول صلَاته لأجل خَارج إِلَى أُمُور الدُّنْيَا، جَازَ أَن يزِيد فِيهَا من عبَادَة الله وتسبيحه لأجل دَاخل فِي الْعِبَادَة. وَقد حكى أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ أَن بعض الْعلمَاء كره ذَلِك، وَقَالَ: أَخَاف أَن يكون شركا. وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن الْحسن. 615 - / 732 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: سرنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ بَعضهم: لَو عرست بِنَا. التَّعْرِيس: النُّزُول فِي السّفر من آخر اللَّيْل. الحديث: 614 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 [15] وحاجب الشَّمْس: جُزْء مِنْهَا مثل الْحَاجِب. [15] وَلَعَلَّ بِلَالًا حِين قَالَ: أَنا أوقظكم، لم يقل: إِن شَاءَ الله. [15] وَقَوله: فَلَمَّا ارْتَفَعت وابياضت صلى بهم. لَيْسَ المُرَاد أَنهم أخروا الصَّلَاة، وَلَكنهُمْ انتبهوا وَقد طلعت، فتشاغلوا بِالْوضُوءِ، فَلَمَّا تمت طَهَارَته واجتماعهم وَافق ذَلِك ارتفاعها. 616 - / 733 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: أَنه قَالَ لعمَّار: " بؤس ابْن سميَّة، تقتلك فِئَة باغية " [15] الْبُؤْس والبأساء: الْفقر، وَهَذَا مِمَّا لَا يُرَاد وُقُوعه، كَمَا يَقُولُونَ: ثكلتك أمك، وتربت يَمِينك. [15] وَسُميَّة أم عمار، وَهِي سميَّة بن خباط - بِالْبَاء الْمُعْجَمَة بِوَاحِدَة - مَوْلَاهُ أبي حُذَيْفَة بن الْمُغيرَة، أسلمت قَدِيما بِمَكَّة، وَكَانَت مِمَّن يعذب فِي الله لترجع عَن دينهَا فَلم تفعل، وَصَبَرت، فَمر عَلَيْهَا يَوْمًا أَبُو جهل فَطَعَنَهَا بِحَرْبَة فِي قبلهَا فَمَاتَتْ، وَكَانَت عجوزا كَبِيرا، فَهِيَ أول شَهِيد فِي الْإِسْلَام. [15] فَأَما الفئة فَهِيَ الْجَمَاعَة. والباغي من قَوْلك: بغى فلَان على فلَان، يَبْغِي: إِذا طلب مَا لَيْسَ لَهُ. 617 - / 734 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن رجلا قَالَ: أَرَأَيْت إِن قتلت فِي سَبِيل الله، يكفر عني خطاياي؟ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " نعم، الحديث: 616 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 إِذا قتلت فِي سَبِيل الله وَأَنت صابر محتسب، مقبل غير مُدبر " ثمَّ أعَاد عَلَيْهِ، فَقَالَ: " إِلَّا الدّين، فَإِن جِبْرِيل قَالَ لي ذَلِك ". وَهَذَا الحَدِيث يتَضَمَّن التحذير من الدّين، لِأَن حُقُوق المخلوقين صعبة شَدِيدَة الْأَمر تمنع دُخُول الْجنَّة حَتَّى تُؤَدّى، وَقد كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يمْتَنع فِي أول الْإِسْلَام من الصَّلَاة على ذِي الدّين، كل ذَلِك للتحذير من حُقُوق المخلوقين، فَكيف بالظلم؟ [15] فَإِن قيل: فقد كَانَت عَائِشَة تدان وَتقول: لَا يزَال لذِي الدّين عون من الله تَعَالَى. [15] وَالْجَوَاب: أَنه كَانَ لَهَا مَا تُؤدِّي. وَمن الْجَائِز أَن يكون قد كَانَت تضطر إِلَى الدّين. وَالْأولَى الحذر من الدّين، والأغلب أَنه لَا يكَاد يُؤْخَذ إِلَّا بِفُضُول الْعَيْش. أنشدنا أَبُو نصر أَحْمد بن مُحَمَّد الطوسي قَالَ أَنْشدني أَبُو يُوسُف الْقزْوِينِي قَالَ: أَنْشدني أبي قَالَ: أنشدنا القَاضِي أَبُو الْحسن عَليّ بن الْعَزِيز الْجِرْجَانِيّ لنَفسِهِ: (إِذا شِئْت أَن تستقرض المَال منفقا ... على شهوات النَّفس فِي زمن الْعسر) (فسل نَفسك الْإِقْرَاض من كيس صبرها ... عَلَيْك وإنظارا إِلَى زمن الْيُسْر) (فَإِن فعلت كنت الْغَنِيّ وَإِن أَبَت ... فَكل منوع بعده وَاسع الْعذر) 618 - / 735 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " من سره أَن ينجيه الله من الحديث: 618 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 كرب يَوْم الْقِيَامَة فليتنفس عَن مُعسر، أَو يضع عَنهُ ". [15] الْمُعسر: الْمضيق لشدَّة الْفقر. والتنفيس: تَأْخِير أجل الدّين عَن وَقت حُلُوله. والوضع: إِسْقَاط بعض الدّين أَو كُله. 619 - / 736 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " لَا تنتبذوا الزهو وَالرّطب جَمِيعًا، وَلَا الرطب وَالزَّبِيب جَمِيعًا، وَلَكِن انتبذوا كل وَاحِد على حِدته ". [15] قَالَ أَبُو عبيد: زهو النّخل: أَن يحمر أَو يصفر. وَإِنَّمَا نهى عَن الْجمع بَينهمَا لِأَنَّهُمَا يتعاونان على الاشتداد، والتعرض بِمَا يُثمر الاشتداد مَكْرُوه، فَإِن حدثت الشدَّة حرمت. 620 - / 737 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " إيَّاكُمْ وَكَثْرَة الْحلف فِي البيع، فَإِنَّهُ ينْفق ثمَّ يمحق ". [15] الْحلف: الْيَمين. والنفاق: خُرُوج الشَّيْء. ونفقت الدَّابَّة: خرج روحها. والمحق: النُّقْصَان. [15] وَالْمعْنَى: أَن السّلْعَة تخرج بِكَثْرَة الْحلف، وَإِنَّمَا تكون هَذِه الْأَيْمَان على جودتها، ثمَّ يَقع فِيمَا حصل بِالْكَذِبِ من الْأَيْمَان النَّقْص والتمحيق. 621 - / 738 وَفِي الحَدِيث السَّادِس: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّكُم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون المَاء - إِن شَاءَ الله - غَدا " الحديث: 619 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 فَانْطَلق النَّاس لَا يلوي أحد على أحد: أَي لَا يلْتَفت من سرعَة السّير لأجل بعد المَاء. [15] وابهار اللَّيْل: انتصف. وَقد بَينا هَذَا فِي مُسْند عمر. [15] وَقَوله: فدعمته: أَي أمسكته فَكنت لَهُ كالدعامة. [15] وَقَوله: من غير أَن أوقظه يُنَبه على التلطف وَحسن الْأَدَب. وتهور اللَّيْل: أَي ذهب أَكْثَره. [15] وينجفل: يَنْقَلِب وَيسْقط. [15] وَأما سيره بعد طُلُوع الشَّمْس فقد ذكرنَا فِي مُسْند عمرَان بن حُصَيْن أَنه قَالَ: " إِن بِهَذَا الْوَادي شَيْطَانا " وَذَلِكَ لَا يُعلمهُ إِلَّا نَبِي، وَلَا يجوز لغيره تَأْخِير الصَّلَاة إِذا انتبه. [15] والميضأة: مَا يتَوَضَّأ مِنْهُ. والمطهرة: مَا يتَطَهَّر مِنْهُ من الْأَوَانِي. [15] وَقَوله: وضُوءًا دون وضوء. كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى الْوضُوء المجزي دون الْكَامِل. [15] والنبأ: الْخَبَر. [15] وَقد جَاءَ فِي بعض الْأَلْفَاظ من غير هَذِه الرِّوَايَة قَالَ لَهُ: " ازدهر بِهَذَا الْإِنَاء " بِمَعْنى احتفظ بِهِ وَلَا تضيعه، وأنشدوا: (كَمَا ازدهرت قينة بالشراع ... لأسوارها عل مِنْهَا اصطباحا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 [15] أَي كَمَا احتفظت بالأوتار الْمُغنيَة. والشراع: الأوتار، والواحدة شرعة، وَجَمعهَا شرع وَشرع، ثمَّ الشراع جمع الْجمع. والأسوار يُقَال بِضَم الْألف وَكسرهَا: وَهُوَ الْوَاحِد من أساورة فَارس، وهم الفرسان، وَقد قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: الأسوار من أساورة الْفرس أعجمي مُعرب، وَهُوَ الرَّامِي، وَقيل: الْفَارِس، والأسوار لُغَة فِيهِ، يجمع على الأساور والأساورة، قَالَ الشَّاعِر: (ووتر الأساور القياسا ... ) (صغدية تنتزع الأنفاسا ... ) [15] قَالَ أَبُو سُلَيْمَان البستي: وأظن أَن قَوْله ازدهر كلمة لَيست بعربية، كَأَنَّهَا قبطية أَو سريانية فعربت. وَحكى أَبُو الْحسن الْهنائِي اللّغَوِيّ عَن بَعضهم أَنه قَالَ: إِنَّمَا هِيَ ازتهر بِالتَّاءِ " افتعل " من. الزهرة وَهِي الزِّينَة: أَي تزين بِهِ. [15] وَقَوله: فَجعل بَعْضنَا يهمس إِلَى بعض. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الهمس: الصَّوْت الْخَفي. [15] وَقَوله: " فَإِن كَانَ الْغَد فليصلها عِنْد وَقتهَا " ظَاهر هَذَا أَن يكون المُرَاد بِهِ صَلَاة الْيَوْم الثَّانِي يُصليهَا عِنْد وَقتهَا، وَحمله الْخطابِيّ على إِعَادَتهَا فِي الْيَوْم الثَّانِي، ثمَّ قَالَ: وَيُشبه أَن يكون ذَلِك اسْتِحْبَابا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 [15] وَقَوله: " أطْلقُوا لي غمري " الْغمر: قدح صَغِير، أَو قَعْب صَغِير. وَالْمعْنَى: جيئوني بِهِ. [15] وَقَوله تكابوا عَلَيْهِ: أَي وَقع بَعضهم على بعض. [15] وَقَوله: " أَحْسنُوا الْمَلأ " كثير من طلاب الحَدِيث يَقُولُونَ الملء، وَسمعت أَبَا مُحَمَّد الخشاب يَقْرَأها كَذَلِك، وفسرها فَقَالَ: ملْء الْقرب، وَهَذَا غلط فَاحش، لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدهم قَعْب صَغِير، وَإِنَّمَا كَانُوا يسقون مِنْهُ لشفاههم وَلم يملأوا مِنْهُ قربَة وَلَا وعَاء، وَلِهَذَا قَالَ: " كلكُمْ سيروى " وَإِنَّمَا هُوَ: أَحْسنُوا الْمَلأ: يَعْنِي الْخلق. قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: أحسن ملأك: أَي خلقك. قَالَ الْمفضل بن سَلمَة: الْمَلأ: الْخلق، وَجمعه أملاء، وَمِنْه الحَدِيث: " أَحْسنُوا أملاءكم " أَي أخلاقكم، وَكَذَلِكَ قَالَ الزّجاج: الْمَلأ: الْخلق، أَحْسنُوا ملأكم: أَي أخلاقكم، قَالَ الشَّاعِر: (تنادوا يال بهشة إِذْ رأونا ... فَقُلْنَا: أحسني مَلأ جهينا) [15] أَي خلقا. وَقَالَ ابْن السّكيت: أَي أَحْسنُوا أخلاقكم فِي الْحَرْب فافعلوا مَا يجب عَلَيْكُم فِيهَا كَمَا يفعل صَاحب الْخلق الْحسن. قَالَ: وَالْمَلَأ: الْخلق، قَالَ النَّبِي: " أَحْسنُوا ملأكم وأملاءكم " قَالَ ابْن قُتَيْبَة: بَال أَعْرَابِي فِي الْمَسْجِد فَضَربهُ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لَهُم: أَحْسنُوا ملأكم ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 [15] وَقَوله: " ساقي الْقَوْم آخِرهم " إِنَّمَا كَانَ ذَلِك لمعنيين: أَحدهمَا: أَنه قد تفضل بإيثارهم على نَفسه، فَيَنْبَغِي أَن يتمم. وَالثَّانِي: أَنه إِذا شرب وَقد بَقِي أحد اتهمَ بتناول الصافي وَترك الكدر. [15] وَقَوله: جامين: أَي مستريحين. 622 - / 739 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا عرس بلَيْل اضْطجع على يَمِينه، وَإِذا عرس قبيل الصُّبْح نصب ذراعه وَوضع رَأسه على كَفه. [15] قد ذكرنَا أَن التَّعْرِيس نزُول آخر اللَّيْل. وَإِنَّمَا كَانَ يفعل فِي آخر اللَّيْل مَا ذكر لأجل الصَّلَاة، خوفًا أَن يغلبه النّوم. 623 - / 740 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، كَيفَ تَصُوم؟ فَغَضب. [15] أما غَضَبه عِنْد هَذَا السُّؤَال فَلهُ خَمْسَة أوجه: أَحدهَا: أَنه قد خص بفضائل أوجبت عَلَيْهِ من الشُّكْر مَا لم يجب على غَيره، وَلِهَذَا كَانَ يقف حَتَّى ورمت قدماه، فَكَأَنَّهُ غضب من سُؤال من لم يُشَارِكهُ فِيمَا أنعم بِهِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: أَنه كَانَ يقوى من التَّعَبُّد على مَالا لَا يقوى غَيره. وَالثَّالِث: أَنه لَو وصف ذَلِك لاعتقد النَّاس وُجُوبه عَلَيْهِم. وَالرَّابِع: أَنه رُبمَا تكلفه السَّائِل ثمَّ عجز عَنهُ ومله فَتَركه. وَالْخَامِس: أَنه تَنْبِيه على كتمان النَّوَافِل. [15] وَقَوله: " لَا صَامَ وَلَا أفطر " يشبه أَن يكون كالدعاء عَلَيْهِ، الحديث: 622 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 وَيحْتَمل أَن يكون كالإخبار عَنهُ، فَيكون الْمَعْنى أَنه قد اعْتَادَ إدامة الصَّوْم فارتفعت مشتقه عَنهُ، فَكَأَنَّهُ مَا صَامَ، وَلَا هُوَ فِي عدد المفطرين لصورة الصَّوْم. و " لَا " تكون بِمَعْنى مَا. كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَلَا صدق وَلَا صلى} [الْقِيَامَة: 31] وَهَذَا فِي حق من صَامَ الدَّهْر كُله. فَأَما إِذا أفطر الْأَيَّام الْمُحرمَة فَلَا بَأْس. [15] وَقَوله: " ويطيق ذَاك أحد؟ " هَذَا تَعْظِيم لهَذَا الْأَمر وَبَيَان لصعوبته. [15] وَقَوله: " وددت أَنِّي طوقت ذَاك " أَي أطقت ذَلِك. [15] فَإِن قيل: من يقدر على الْوِصَال كَيفَ يصعب عَلَيْهِ هَذَا؟ [15] فَالْجَوَاب: أَنه كَانَ يواصل فِي بعض الْأَوْقَات، وَرُبمَا عجز لطبع البشرية عَن ذَلِك، وَقد كَانَ يُصَلِّي فِي بعض الْأَوْقَات قَاعِدا، وَيحْتَمل أَن يُشِير بِالْعَجزِ إِلَى أَن ذَلِك يمنعهُ من إِيفَاء أَزوَاجه حقوقهن، لِأَن الصَّوْم يعجزه، فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَعَ مَا يجب عَليّ من ذَلِك لَا أُطِيق هَذَا. [15] وَقَوله: " ثَلَاث من كل شهر، ورمضان صَوْم الدَّهْر " لما كَانَت الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا كَانَت الثَّلَاث قَائِمَة مقَام الشَّهْر، فَهَذِهِ تشْتَمل النَّفْل، ورمضان هُوَ الْفَرْض. [15] وَأما صِيَام يَوْم عرفه فَفِي تَسْمِيَة عَرَفَة بِهَذَا الِاسْم قَولَانِ: أَحدهمَا: بِأَن جِبْرِيل كَانَ يري إِبْرَاهِيم الْمَنَاسِك، فَيَقُول: عرفت. وَالثَّانِي: لِأَن آدم وحواء تعارفا هُنَالك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 [15] وَقَوله: " أحتسب على الله " أَي أَحسب ذَلِك فِيمَا أدخره عِنْد الله عز وَجل. [15] وَقَوله: " يكفر السّنة الَّتِي قبلهَا وَالسّنة الَّتِي بعْدهَا " الَّتِي تَأتي. وعاشوراء يكفر الَّذِي قبله لِأَنَّهُ فِي بداية السّنة، فَكفر الْمَاضِيَة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 (52) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي جهيم الْأنْصَارِيّ [15] واسْمه عبد الله بن الْحَارِث بن الصمَّة. أخرجَا لَهُ حديثين. 624 - / 741 فَالْحَدِيث الأول: " لَو يعلم الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ عَلَيْهِ أَن يقف أَرْبَعِينَ خير لَهُ من أَن يمر بَين يَدَيْهِ " قَالَ الرَّاوِي: لَا أَدْرِي قَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَو شهرا، أَو سنة. [15] إِنَّمَا كره الْمَمَر بَين يَدي الْمُصَلِّي لِأَن الْمَار كالحائل بَينه وَبَين مَقْصُوده، وَيصير كَأَنَّهُ فِي حَال مَمَره مَقْصُود بالتعبد، وَيفرق اجْتِمَاع هم الْمُصَلِّي، فكره لهَذِهِ الْأَشْيَاء. 625 - / 742 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أقبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نَحْو بِئْر جمل، فَلَقِيَهُ رجل فَسلم عَلَيْهِ، فَلم يرد عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أقبل على الْجِدَار، فَمسح بِوَجْهِهِ وَيَديه، ثمَّ رد عَلَيْهِ السَّلَام. [15] بِئْر جمل: اسْم مَوضِع. وَكَأَنَّهُ كره أَن يرد عَلَيْهِ وَهُوَ غير طَاهِر، لِأَن السَّلَام اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى. يبْقى أَن يُقَال: كَيفَ يَصح التَّيَمُّم فِي الْحَضَر؟ [15] فَجَوَابه من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن يكون هَذَا فِي أول الْأَمر، ثمَّ الحديث: 624 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 اسْتَقر الْأَمر على غير ذَلِك. وَالثَّانِي: أَنه نوع تشبه بالطاهرين وَإِن لم يكن لَهُ صِحَة، كَمَا أَمر من أكل يَوْم عَاشُورَاء أَن يمسك بَاقِي النَّهَار، وَكَذَلِكَ تُؤمر الْحَائِض إِذا طهرت فِي أثْنَاء النَّهَار بالإمساك. وَالثَّالِث: قد ذهب الْأَوْزَاعِيّ فِي الْجنب يخَاف إِن اغْتسل أَن تطلع الشَّمْس أَنه يتَيَمَّم وَيُصلي قبل فَوَات الْوَقْت. وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: إِذا خَافَ فَوَات صَلَاة الْجِنَازَة وَالْعِيدَيْنِ تيَمّم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 (53) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي الدَّرْدَاء الْأنْصَارِيّ [15] واسْمه عُوَيْمِر. وَيُقَال: عَامر، وعويمر. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة حَدِيث وَتِسْعَة وَسَبْعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة عشر. 626 - / 743 - والْحَدِيث الأول: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شهر رَمَضَان فِي حر شَدِيد، وَمَا فِينَا صَائِم إِلَّا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعبد الله بن رَوَاحَة. [15] اتّفق جُمْهُور الْعلمَاء على جَوَاز الْإِفْطَار فِي السّفر، وَالصَّوْم، وَقَالَ دَاوُد: إِذا صَامَ فِي السّفر لم يَصح، وَهَذَا الحَدِيث يرد عَلَيْهِ. وَاخْتلف الْعلمَاء أَيهمَا أفضل؟ فَذهب ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَأَبُو بصرة الْغِفَارِيّ إِلَى أَن الْفطر فِي السّفر أفضل، وَوَافَقَهُمْ من التَّابِعين عَطاء وَعِكْرِمَة وَالزهْرِيّ، وَمن الْفُقَهَاء الْأَوْزَاعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: الصَّوْم أفضل. وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الحَدِيث. وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن هَذَا كَانَ فِي أول الْأَمر ثمَّ نسخ بِأَحَادِيث فِي الصِّحَاح، مِنْهَا حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خرج الحديث: 626 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 إِلَى مَكَّة أفطر. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: إِنَّمَا يُؤْخَذ من أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْآخرِ فالآخر. وَقَالَ أَبُو بكر الْأَثْرَم: وَكَانَ أول الْأَمريْنِ اخْتِيَار الصَّوْم فِي السّفر، فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصُوم فِي السّفر ثمَّ أفطر، فاختير الْفطر. وَالثَّانِي: أَنه خرج صَائِما ثمَّ أفطر، وَسَيَأْتِي فِي مُسْند جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج إِلَى مَكَّة عَام الْفَتْح فصَام ثمَّ دَعَا بقدح من مَاء بعد الْعَصْر فَشرب. 627 - / 744 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " أَلَيْسَ فِيكُم ابْن أم عبد صَاحب النَّعْلَيْنِ والوسادة والمطهرة؟ يَعْنِي ابْن مَسْعُود. وَفِيكُمْ الَّذِي أجاره الله من الشَّيْطَان على لِسَان نبيه؟ يَعْنِي عمارا. وَفِيكُمْ صَاحب سر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ يَعْنِي حُذَيْفَة ". [15] وَقد ذكرنَا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يَلِي هَذِه الْأَشْيَاء من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر. وَقد ذكرنَا فِي مُسْند حُذَيْفَة أَن اسْم أمه أم عبد. [15] وَأما كَون عمار أجِير من الشَّيْطَان فشهادة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ بذلك. وَأما حُذَيْفَة فَإِنَّهُ لما أطلعه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَسمَاء الْمُنَافِقين دون غَيره قيل لَهُ صَاحب السِّرّ. الحديث: 627 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 628 - / 745 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: [15] قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: مَا أعرف من أَمر مُحَمَّد شَيْئا إِلَّا أَنهم يصلونَ جَمِيعًا. [15] أَشَارَ أَبُو الدَّرْدَاء إِلَى تغير أَحْوَال كَانَ يعرفهَا فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد عَاشَ أَبُو الدَّرْدَاء قَرِيبا من أَوَاخِر ولَايَة عُثْمَان، لِأَن عُثْمَان قتل فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَأَبُو الدَّرْدَاء توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، فقد رأى فِي تِلْكَ الْأَيَّام مَا لم يكن يألف من تغير النَّاس. 629 - / 746 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أقبل أَبُو بكر آخِذا بِطرف ثَوْبه حَتَّى أبدى عَن رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ النَّبِي: " أما صَاحبكُم فقد غامر ". [15] لما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر يمشي مشْيَة خَارِجَة عَن القانون الصَّالح لَهُ علم أَنه قد خَاصم. وغامر بِمَعْنى غاضب، وَهُوَ مَأْخُوذ من الْغمر: وَهُوَ الحقد. [15] وَقَوله: فأسرعت إِلَيْهِ: أَي كَلمته بِمَا لَا يحسن. [15] ويتمعر: يتَغَيَّر. وَالْأَصْل فِي التمعر قلَّة النضارة وَعدم إشراق اللَّوْن. يُقَال: مَكَان أمعر: إِذا كَانَ مجدبا. 630 - / 747 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " ذهب أهل الدُّثُور بِالْأُجُورِ ". وَقد سبق فِي مُسْند أبي ذَر. الحديث: 628 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 631 - / 748 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم. " لَا يكون اللعانون شُفَعَاء وَلَا شُهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة " [15] اللَّعْن فِي اللُّغَة الْبعد، وَاللّعان: الَّذِي يتَكَرَّر مِنْهُ اللَّعْن، كالمداح، وَلَا يتَكَرَّر هَذَا إِلَّا مِمَّن لَا يُرَاعِي كَلَامه، وَلَا ينظر فِيمَا يَقُول، وَالشَّهَادَة تَقْتَضِي الْعَدَالَة، وَهَذَا مِمَّا ينافيها. وَكَذَلِكَ الشَّفَاعَة تَقْتَضِي منزلَة، وَهَذَا اللاعن نَازل عَن الْمنزلَة، كَيفَ وَقد بولغ فِي الزّجر عَن اللَّعْن حَتَّى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِنَاقَة لعنت أَن تسيب على مَا ذكرنَا فِي مُسْند عمرَان بن حُصَيْن، كل ذَلِك زجر للاعن. 632 - / 749 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: دَعْوَة الْمَرْء الْمُسلم لِأَخِيهِ بِظهْر الْغَيْب مستجابة، عِنْد رَأسه ملك مُوكل، كلما دَعَا لِأَخِيهِ بِخَير قَالَ الْملك الْمُوكل بِهِ: آمين، وَلَك بِمثل " [15] قَوْله: " يظْهر الْغَيْب " أَي وَهُوَ غَائِب، وَذكر الظّهْر تَأْكِيد للغيبة وَنفي للحضور. وَإِنَّمَا كَانَت دَعْوَة الْمُسلم لِأَخِيهِ بِظهْر الْغَيْب مستجابة لِأَنَّهُ لم يثرها سوى الدّين، فَكَانَت لذَلِك خَالِصَة، إِذْ لَيْسَ عِنْده بحاضر فَيُقَال: تملقه، والخالص لَا يرد. وَلما وَقعت الْمُنَاسبَة بَين الْملك وَالْمُسلم فِي التدين والتعبد أوجبت نِيَابَة الْملك عَن الْمُسلم، فَهُوَ يَقُول: " وَلَك بِمثل " أَي بِمثل مَا دَعَوْت. الحديث: 631 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 [15] وَفِي هَذَا الحَدِيث ترغيب فِي الدُّعَاء للْمُسلمِ بِظهْر الْغَيْب، لِأَنَّهُ يُثَاب عَلَيْهِ بِدُعَاء الْملك، وَدُعَاء الْملك مستجاب. وَفِيه تَنْبِيه على التحذير من غيبَة الْمُسلم، لِأَن الْملك كَمَا يَدْعُو فِي الْخَيْر لَا يسكت عَن جَوَاب الشَّرّ. 633 - / 750 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فسمعناه يَقُول: " أعوذ بِاللَّه مِنْك ألعنك بلعنة الله " فَلَمَّا فرغ قُلْنَا لَهُ، فَقَالَ: " إِن عَدو الله إِبْلِيس جَاءَ بشهاب من نَار ليجعله فِي وَجْهي " [15] اعْلَم أَن إِبْلِيس لما غاظه علو الْإِسْلَام، ونكا فِيهِ اشتهاره وارتفاع قدر نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ مُسْتَقْبلا ليؤذيه. [15] فَإِن قيل: فَكيف دنا مِنْهُ وَهُوَ يفر من ظلّ عمر؟ [15] فَالْجَوَاب: أَنه كَانَ يعلم من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحلم والصفح، وَمن عمر الغلظة والشدة، فطمع فِي جَانب الْحَلِيم. ثمَّ إِنَّه استقتل فِي أَذَى الرئيس وَلم ير أَن يستقتل فِي أَذَى غَيره. [15] وَالْإِشَارَة بدعوة سُلَيْمَان إِلَى قَوْله: {وهب لي ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي} [ص: 35] وَالْمعْنَى: لَو تصرفت فِي الشَّيْطَان بحبسه ضاهيته فِيمَا سخر لَهُ من حبس الشَّيَاطِين، وَقد سَأَلَ أَلا يُشَارك، فَتركت لَهُ هَذِه الْحَالة. [15] وَقَوله: " بلعنة الله التَّامَّة " كَأَنَّهُ الْإِشَارَة بِتَمَامِهَا إِلَى دوامها. 634 - / 752 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَنه أَتَى على امْرَأَة محج على بَاب فسطاط فَقَالَ: " لَعَلَّه يُرِيد أَن يلم بهَا؟ " قَالُوا: نعم. قَالَ: الحديث: 633 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 " لقد هَمَمْت أَن ألعنه لعنا يدْخل مَعَه قَبره. كَيفَ يورثه وَهُوَ لَا يحل لَهُ؟ كَيفَ يستخدمه وَهُوَ لَا يحل لَهُ؟ ". [15] وَقَالَ أَبُو عبيد: المحج: الْحَامِل المقرب. وَوجه الحَدِيث أَن يكون الْحمل قد ظهر بهَا قبل أَن تسبى فَنَقُول: إِن جَاءَت بِولد وَقد وَطئهَا بعد ظُهُور الْحمل لم يحل لَهُ أَن يَجعله مَمْلُوكا، لِأَنَّهُ لَا يدْرِي لَعَلَّ الَّذِي ظهر لم يكن حملا، وَإِنَّمَا حدث الْحمل من وَطئه، فَإِن الْمَرْأَة رُبمَا ظن بهَا الْحمل ثمَّ لم يكن شَيْئا، وَالْمعْنَى: لَعَلَّه وَلَده. وَقَوله: كَيفَ يورثه؟ وَالْمرَاد من الحَدِيث النَّهْي عَن وَطْء الْحَوَامِل من السَّبي حَتَّى يَضعن. [15] والفسطاط: بِنَاء مَعْرُوف من الخيم، وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: فِيهِ سِتّ لُغَات: فسطاط، وفسطاط، وفستاط، وفستاط، وفساط، وفساط. 635 - / 753 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " من حفظ عشر آيَات من أول سُورَة الْكَهْف عصم من الدَّجَّال " وَفِي رِوَايَة: " من آخر الْكَهْف ". [15] الْكَهْف: المغار فِيهِ الْجَبَل، فَإِن صغر فَهُوَ غَار. [15] والدجال: الْكذَّاب، وَقد اشْتهر عِنْد الْإِطْلَاق بِالَّذِي يخرج فِي آخر الزَّمَان. والعصمة: الْمَنْع. [15] وَأما تَخْصِيص ذَلِك بِعشر آيَات من أول الْكَهْف فَالَّذِي يظْهر لنا فِيهَا من الْحِكْمَة أَن قَوْله تَعَالَى: {لينذر بَأْسا شَدِيدا من لَدنه} [الْكَهْف: 2] يهون الحديث: 635 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 بَأْس الدَّجَّال، وَقَوله: {ويبشر الْمُؤمنِينَ الَّذين يعْملُونَ الصَّالِحَات أَن لَهُم أجرا حسنا ماكثين فِيهِ أبدا} [الْكَهْف: 2، 3] يهون الصَّبْر على فتن الدَّجَّال بِمَا يظْهر من نعيمه وعذابه، وَقَوله: {وينذر الَّذين قَالُوا اتخذ الله ولدا} [الْكَهْف: 4] وَقَوله: {كَبرت كلمة تخرج من أَفْوَاههم} [الْكَهْف: 5] فذم من يَدعِي لَهُ ولدا، وَلَا مثل لَهُ، فَكيف يَدعِي الإلهية من هُوَ مثل لِلْخلقِ. فقد تَضَمَّنت الْآيَات مَا يصرف فتْنَة الدَّجَّال. إِلَى قَوْله: {إِذْ أَوَى الْفتية إِلَى الْكَهْف فَقَالُوا رَبنَا آتنا من لَدُنْك رَحْمَة وهيئ لنا من أمرنَا رشدا} [الْكَهْف: 10] فَهَؤُلَاءِ قوم ابتلوا فصبروا وسألوا صَلَاح أُمُورهم فأصلحت، وَهَذَا تَعْلِيم لكل مدعُو إِلَى الشّرك. [15] وَمن روى " من آخر الْكَهْف " فَإِن فِي قَوْله تَعَالَى: {وعرضنا جَهَنَّم} [الْكَهْف: 100] مَا يهون مَا يظهره من ناره. وَقَوله: {الَّذين كَانَت أَعينهم فِي غطاء عَن ذكري} [الْكَهْف: 101] يُنَبه على التغطية على قُلُوب تَابِعِيّ الدَّجَّال، فَإِنَّهُ يَكْفِي فِي تَكْذِيبه أَنه جسم مؤلف يقبل التجزؤ، وَفِي الْآيَات: {أَنما إِلَهكُم إِلَه وَاحِد} [الْكَهْف: 110] والمؤلف للأشياء لَا يكون مؤلفا، ثمَّ هُوَ مَحْمُول على حمَار، وخالق الْأَشْيَاء يكون حَامِلا لَهَا لَا مَحْمُولا، ثمَّ هُوَ معيب بالعور، والصانع لَا يطرقه عيب، إِلَى غير ذَلِك مِمَّا تتضمنه تِلْكَ الْآيَات مِمَّا يدل على كذب الدَّجَّال والكشف عَن فتنته. 636 - / 754 وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " أَيعْجزُ أحدكُم أَن يقْرَأ فِي لَيْلَة ثلث الْقُرْآن؟ " قَالُوا: كَيفَ يقْرَأ ثلث الْقُرْآن؟ قَالَ: {قل هُوَ الله أحد} [الْإِخْلَاص: 1] تعدل ثلث الْقُرْآن. الحديث: 636 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 [15] الْأَحَد عِنْد الْأَكْثَرين بِمَعْنى الْوَاحِد، وَفرق قوم فَقَالُوا: الْوَاحِد فِي الذَّات والأحد فِي الْمَعْنى. [15] وَفِي معنى كَونهَا ثلث الْقُرْآن ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا مَا أَنبأَنَا بِهِ زَاهِر ابْن طَاهِر قَالَ: أَنبأَنَا أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي وَأَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ قَالَا: أَنبأَنَا الْحَاكِم أَبُو عبد الله النَّيْسَابُورِي قَالَ: سَمِعت أَبَا الْوَلِيد حسان بن أَحْمد الْفَقِيه يَقُول: سَأَلت أَبَا الْعَبَّاس بن شُرَيْح، قلت: مَا معنى قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {قل هُوَ الله أحد} تعدل ثلث الْقُرْآن "؟ قَالَ: إِن الْقُرْآن أنزل أَثلَاثًا: فثلث أَحْكَام، وَثلث وعد ووعيد، وَثلث أَسمَاء وصفات، وَقد جمع فِي {قل هُوَ الله أحد} أحد الأثلاث وَهُوَ الصِّفَات، فَقيل: إِنَّهَا ثلث الْقُرْآن. [15] وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن معرفَة الله هِيَ معرفَة ذَاته، وَمَعْرِفَة أَسْمَائِهِ وَصِفَاته، وَمَعْرِفَة أَفعاله، فَهَذِهِ السُّورَة تشْتَمل على معرفَة ذَاته، إِذْ لَا يُوجد مِنْهُ مثل وَلَا وجد من شَيْء، وَلَا لَهُ مثل، ذكره بعض فُقَهَاء السّلف. [15] وَالثَّالِث: أَن الْمَعْنى: من عمل بِمَا تضمنته من الْإِقْرَار بِالتَّوْحِيدِ، والإذعان للخالق، كَانَ كمن قَرَأَ ثلث الْقُرْآن وَلم يعْمل بِمَا تضمنه، ذكره ابْن عقيل، قَالَ: وَلَا يجوز أَن يكون الْمَعْنى: من قَرَأَهَا فَلهُ أجر قِرَاءَة ثلث الْقُرْآن، لقَوْل رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من قَرَأَ الْقُرْآن فَلهُ بِكُل حرف عشر حَسَنَات ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 (53) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي حميد عبد الرَّحْمَن بن سعد السَّاعِدِيّ [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّة وَعِشْرُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ خَمْسَة. 637 - / 756 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: اسْتعْمل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا من الأزد يُقَال لَهُ ابْن اللتبية على الصَّدَقَة، فَلَمَّا قدم قَالَ: هَذَا لكم وَهَذَا أهدي إِلَيّ. [15] اسْم ابْن اللتيبة عبد الله، وَيُقَال فِيهِ: ابْن الأتبية. [15] وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن هَدَايَا الْعمَّال لَيست كالهدايا الْمُبَاحَة، لِأَن الْعَامِل إِنَّمَا يهدي لَهُ مُحَابَاة ليفعل فِي حق الْمهْدي مَا لَيْسَ لَهُ أَن يفعل، وَتلك خِيَانَة مِنْهُ. [15] وَقَوله: " أَفلا جلس فِي بَيت أمه " يَعْنِي إِنَّمَا أهدي إِلَيْهِ لكَونه عَاملا. [15] وَقَوله: " يحملهُ يَوْم الْقِيَامَة " فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا: يحملهُ بصورته. وَالثَّانِي: يحمل إثمه. [15] والرغاء: صَوت الْإِبِل. والخوار: صَوت الْبَقر. واليعار: صَوت الشياه. وَقد صحف بَعضهم فَقَالَ: تنعر بالنُّون. أَنبأَنَا مُحَمَّد بن الحديث: 637 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 الْحسن الحاجي قَالَ: أَنبأَنَا عبد الْبَاقِي بن أَحْمد الْوَاعِظ قَالَ: أَنبأَنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن أَحْمد الْأَهْوَازِي قَالَ: حَدثنَا أَبُو أَحْمد العسكري قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن عبيد الله بن عمار قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد ابْن أبي سعد عَن الْعَبَّاس بن مَيْمُون قَالَ: صحف أَبُو مُوسَى الزَّمن فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سخلة تَيْعر، قَالَ أَبُو مُوسَى: تنعر. [15] وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن كل مَا ينْسب بِهِ إِلَى الْحَرَام حرَام، كالقرض الَّذِي يجر مَنْفَعَة، وَكَذَلِكَ من بَاعَ درهما ورغيفا بِدِرْهَمَيْنِ أَو دِينَار، أَو صنجة الْمِيزَان بِدِينَار، إِلَى غير ذَلِك مِمَّا قد جعل ذَرِيعَة إِلَى الْمَحْظُور. 638 - / 757 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأتينا على حديفة لامْرَأَة، فَقَالَ رَسُول الله: " اخرصوها ". [15] الحديقة: الْبُسْتَان. والخرص: الحزر. وَالْمعْنَى: احزروا قدر مَا يحصل من ثَمَرهَا. والوسق: سِتُّونَ صَاعا. [15] وَأهْدى صَاحب أَيْلَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بغلة. لما أهْدى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يَعْلُو عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهْدى لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بردا يَعْلُو عَلَيْهِ، ليَكُون الْعُلُوّ فِي الطَّرفَيْنِ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَوله: " هَذِه طابة " يُرِيد الْمَدِينَة. وَالْمعْنَى طيبَة، يُقَال: طيب وطاب، قَالَ الشَّاعِر يمدح عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ: (مبارك الأعراق فِي الطاب الطاب ... ) الحديث: 638 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 (بَين أبي العَاصِي وَآل الْخطاب ... ) [15] وَقَوله: " أحد يحبنا ونحبه " يُرِيد أَن أهل أحد - وهم الْأَنْصَار سكان الْمَدِينَة يحبوننا ونحبهم، فأضاف ذَلِك إِلَى الْجَبَل، كَقَوْلِه تَعَالَى: {واسأل الْقرْيَة} [يُوسُف: 82] [15] والدور: الْقَبَائِل، وَقد سبق بَيَانه. 639 - / 758 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: كَيفَ نصلي عَلَيْك؟ قَالَ: " قُولُوا: اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى أَزوَاجه وَذريته، كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم ". [15] الصَّلَاة من الله: الرَّحْمَة. [15] والأزواج جمع زوج، والفصيح من الْكَلَام أَن يُقَال لامْرَأَة الرجل زوج بِغَيْر هَاء، ويذلك جَاءَ الْقُرْآن. [15] والذرية فِيهَا قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا " فعلية " من الذَّر، لِأَن الله أخرج الْخلق من صلب آدم كالذر. وَالثَّانِي: أَن أَصْلهَا ذرورة على وزن " فعلولة "، وَلَكِن لما كثر أبدل من الرَّاء الْأَخِيرَة يَاء فَصَارَت ذروية، ثمَّ أدغمت الْوَاو فِي الْيَاء فَصَارَ ذُرِّيَّة، ذكر الْوَجْهَيْنِ الزّجاج وَصوب الأول. الحديث: 639 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 [15] وَأما آل إِبْرَاهِيم، فالآل اسْم لكل من رَجَعَ إِلَى مُعْتَمد عَلَيْهِ، فَتَارَة يكون بِالنّسَبِ، وَتارَة يكون بِالسَّبَبِ، وَتارَة يكون الْآل بِمَعْنى الْأَهْل، وَيَقَع صلَة. [15] وَإِبْرَاهِيم اسْم أعجمي، اخْتلفت أَلْفَاظ الْعَرَب بِهِ على حسب مَا رأى كل قوم مِنْهُم أَنه يُقَارب أبنية لغتهم، وَفِيه سِتّ لُغَات: إِحْدَاهُنَّ: إِبْرَاهِيم وَهِي اللُّغَة الفاشية. وَالثَّانيَِة: إبراهام، وَبِه قَرَأَ ابْن عَبَّاس. وَالثَّالِثَة: إبراهم بِكَسْر الْهَاء، قَالَ عبد الْمطلب: (عذت بِمَا عاذ بِهِ إبراهم ... ) (مُسْتَقْبل الْكَعْبَة وَهُوَ قَائِم ... ) [15] وَالرَّابِعَة: إبراهم بِفَتْح الْهَاء. وَالْخَامِسَة: إبراهم بِضَم الْهَاء. وَالسَّادِسَة إبرهم، قَالَ عبد الْمطلب: (نَحن آل الله فِي كعبته ... لم يزل ذَاك على عهد ابرهم) [15] والحميد بِمَعْنى الْمَحْمُود. والمجيد بِمَعْنى الْمَاجِد. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: هُوَ الشريف. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: هُوَ الْوَاسِع الْكَرم. وأصل الْمجد فِي كَلَام الْعَرَب السعَة، والماجد: السخي الْوَاسِع الْعَطاء. وَفِي مثل: " فِي كل شجر نَار، واستمجد المرخ والعفار " أَي: استكثر مِنْهُمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 640 - / 759 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ: [15] رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كبر جعل يَدَيْهِ حذاء مَنْكِبَيْه. الْمنْكب: رَأس الْكَتف المشرف مِنْهُ. [15] وهصر ظَهره: أَي مده وسواه. وَقَالَ الْخطابِيّ: ثناه وخفضه. [15] والفقار: خرز الظّهْر، يُقَال: فقرة وفقرة، وَبَعْضهمْ يضم الْفَاء. [15] وَقَوله: غير مفترش: أَي لَا يفترش ذِرَاعَيْهِ. وافتراشهما: إلصاقهما بِالْأَرْضِ، وقبضهما يمْنَع التَّمَكُّن من بسط الْكَعْبَيْنِ على الأَرْض. [15] وَقَوله فَإِذا جلس فِي الرَّكْعَتَيْنِ - يَعْنِي: التَّشَهُّد الأول - جلس على رجله الْيُسْرَى، وَهُوَ الَّذِي يُسمى الافتراش. [15] وَقَوله: فَإِذا جلس فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة - يَعْنِي التَّشَهُّد الْأَخير، فوصف فِيهِ التورك، وَهُوَ أَن يحني رجلَيْهِ وَيقْعد على الأَرْض. 641 - / 760 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ مُسلم: [15] أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقدح لبن من النقيع، لَيْسَ مخمرا، فَقَالَ: " أَلا خمرته وَلَو تعرض عَلَيْهِ عودا ". [15] المخمر: المغطى. [15] وَقَوله: " تعرض ": أَي وَلَو أَن تعرض، وَالرَّاء مَضْمُومَة، وَبَعض الْعلمَاء يكسرها، وَالْمعْنَى أَن تجْعَل الْعود على عرضه، وَذَلِكَ الحديث: 640 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 يستر بعضه. [15] والأسقية جمع سقاء، وَهُوَ الْجلد المدبوغ الْمُتَّخذ للْمَاء كالقربة وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال لمسك السخلة مَا دَامَت ترْضع شكوة، فَإِذا فطم فمسكة البدرة، فَإِذا أجذع فمسكة السقاء. [15] وتوكى: تشد أفواهها. قَالَ أَبُو حميد: إِنَّمَا أَمر أَن توكى لَيْلًا. وَقد بيّنت عِلّة تَخْصِيص اللَّيْل بذلك على مَا سَيَأْتِي فِي مُسْند جَابر إِن شَاءَ الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 (55) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن سَلام [15] وَهُوَ من ولد يُوسُف بن يَعْقُوب عَلَيْهِمَا السَّلَام، أسلم فِي أول سنة من سني الْهِجْرَة. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا: أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان. 642 - / 761 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: فِي ذكر مَنَام لَهُ: فَجَاءَنِي منصف: الْمنصف بِكَسْر الْمِيم: الوصيف وَالْخَادِم. [15] وَقَوله: فرقيت: الْقَاف مَكْسُورَة، يُقَال: رقيت: إِذا صعدت، ورقيت، بِفَتْح الْقَاف من الرّقية. وَبَعض الْمُحدثين يفتح الْقَاف فِي الصعُود وَلَا يدْرِي. [15] وَقَوله: وَتلك العروة، عُرْوَة الوثقى. إِنَّمَا لم يقل العروة الوثقى لِأَنَّهُ يجوز نِسْبَة الشَّيْء إِلَى نَفسه، كَقَوْلِه: {ولدار الْآخِرَة} [النَّحْل: 30] . [15] والجواد: الطّرق، واحدتها جادة. [15] والمنهج: الْمُسْتَقيم. [15] وَقَوله: فزجل بِي: أَي رمى بِي. الحديث: 642 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 643 - / 762 وَفِيمَا انْفَرد البُخَارِيّ عَن ابْن سَلام: [15] قَالَ: إِذا كَانَ لَك على رجل حق وَأهْدى إِلَيْك حمل تبن أَو حمل قت فَلَا تَأْخُذهُ؛ فَإِنَّهُ رَبًّا. [15] القت مَعْرُوف من علف الْبَهَائِم. وَإِنَّمَا نَهَاهُ عَن قبُول الْهَدِيَّة من الْمَدِين لِأَنَّهُ فِي معنى الرِّبَا، من جِهَة أَنه يطْلب بذلك مسامحته وَتَأْخِير دينه. الحديث: 643 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 (56) كشف الْمُشكل من مُسْند سهل بن أبي حثْمَة [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة. 644 / 763 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: انْطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مَسْعُود إِلَى خَيْبَر وَهِي يَوْمئِذٍ صلح، فتفرقا، فَأتى محيصة إِلَى عبد الله بن سهل وَهُوَ يَتَشَحَّط فِي دَمه قَتِيلا. أَي يضطرب فِيهِ. [15] وَقَوله: " كبر " أَي ليَتَكَلَّم الْأَكْبَر. [15] وَقَوله: " فتبرئكم يهود " أَي تحلف بِالْبَرَاءَةِ من قَتله. [15] وَقَوله: فعقله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي أعْطى دِيَته. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: عقلت الْمَقْتُول: أَعْطَيْت دِيَته. وعقلت عَن فلَان: إِذا لَزِمته دِيَة فأعطيتها عَنهُ. قَالَ الْأَصْمَعِي: كلمت القَاضِي أَبَا يُوسُف عِنْد الرشيد فِي هَذَا فَلم يفرق بَين عقلته وعقلت عَنهُ حَتَّى فهمته. قَالَ الْخطابِيّ: يشبه أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا أعطَاهُ من سهم الغارمين على معنى الْحمالَة فِي إصْلَاح ذَات الْبَين، إِذْ لَا مصرف لمَال الصَّدقَات فِي الدِّيات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 [15] وَقَوله: برمتِهِ. أَي يسلم إِلَى أَوْلِيَاء الْقَتِيل. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الرمة: الْحَبل الْبَالِي، وأصل هَذَا أَن رجلا دفع إِلَى رجل بَعِيرًا بِحَبل فِي عُنُقه، فَقيل ذَلِك لكل من دفع شَيْئا بجملته. [15] وَقَوله: فوداه: أَي أدّى دِيَته. [15] والمربد: موقف الأبل، واشتقاقه من ربد: أَي أَقَامَ، والمربد أَيْضا: مَوضِع يلقى فِيهِ التَّمْر كالجرين. [15] وَاعْلَم أَن الْقسَامَة مِمَّا حكم بِهِ الْجَاهِلِيَّة، وَأول من قضى بهَا الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، فأقرها الْإِسْلَام. وَأول قسَامَة كَانَت فِي الْإِسْلَام فِي بني هَاشم، ثمَّ ثنت هَذِه الْقِصَّة والقسامة مَعْمُول بهَا. [15] وَعِنْدنَا أَنه يبْدَأ فِيهَا بأيمان المدعين. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يبْدَأ بأيمان الْمُدعى عَلَيْهِم. وَإِذا حلف الْوَلِيّ فِي الْقسَامَة وَجب الْقصاص عندنَا، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي " الْجَدِيد ": لَا يجب عَلَيْهِ الْقصاص بِحَال. وَعِنْدنَا أَنه لَيْسَ للْوَلِيّ أَن يقسم على أَكثر من وَاحِد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يجوز أَن يَدعِي على جمَاعَة. وَعِنْدنَا أَن الْقسَامَة تجب وَإِن لم يكن بالقتيل أثر. وَعَن أَحْمد: لَا يجب حَتَّى يكون بِهِ أثر كَقَوْل أبي حنيفَة. واللوث الَّذِي تجب مَعَه الْقسَامَة هُوَ الْعَدَاوَة الظَّاهِرَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الِاعْتِبَار بِوُجُود الْقَتِيل فِي مَحَله وَبِه أثر. وَإِذا كَانَ المدعون جمَاعَة قسمت الْأَيْمَان عَلَيْهِم بِالْحِسَابِ وجبر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 الْكسر، خلافًا لأحد قولي الشَّافِعِي: يحلف كل وَاحِد مِنْهُم خمسين يَمِينا. وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد هَل يخْتَص الْيَمين بالوارث من الْعصبَة أم لَا؟ فَروِيَ عَنهُ: يخْتَص، وَعنهُ: لَا يخْتَص، كَقَوْل مَالك. [15] وَعِنْدنَا أَنه لَا مدْخل للنِّسَاء فِي أَيْمَان الْقسَامَة بِحَال خلافًا للأكثرين، إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ: لَا يدخلن إِلَّا فِي الْخَطَأ. [15] والقسامة تجب عندنَا فِي قتل العبيد أَيْضا، خلافًا لمَالِك. وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين. 645 - / 764 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: نهى عَن بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ، وَرخّص فِي بيع الْعَرَايَا، وَنهى عَن الْمُزَابَنَة. [15] والْحَدِيث قد شرحناه فِي مُسْند زيد بن ثَابت. والمزابنة: هِيَ بيع الثَّمر فِي رُؤُوس النّخل بِالتَّمْرِ. 646 - / 765 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: صَلَاة الْخَوْف، وَأَنه صلاهَا يَوْم ذَات الرّقاع. [15] غزَاة ذَات الرّقاع كَانَت فِي السّنة الرَّابِعَة من الْهِجْرَة. وَأما تَسْمِيَتهَا بِذَات الرّقاع فَفِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا أَن أَقْدَام الصَّحَابَة نقبت أَي تقرحت وورمت، فلفوا على أَرجُلهم الْخرق، فسميت غَزْوَة ذَات الرّقاع. وَهَذَا قد تقدم من قَول أبي مُوسَى فِي مُسْنده. وَالثَّانِي: أَنه جبل فِيهِ الحديث: 645 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 حمرَة وَسَوَاد وَبَيَاض كَانُوا ينزلون فِيهِ، ذكره مُحَمَّد بن سعد فِي " الطَّبَقَات ". [15] وَالصَّلَاة الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الحَدِيث هِيَ الْمُعْتَمد عَلَيْهَا عندنَا وَعند الشَّافِعِي فِي صَلَاة الْخَوْف، وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: مثل قَوْلنَا. وَالثَّانيَِة: أَن الإِمَام يسلم وَلَا ينْتَظر الطَّائِفَة الْأُخْرَى. وَأما أَبُو حنيفَة فَإِنَّهُ يعْتَمد على مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَة والطائفة الْأُخْرَى مُوَاجهَة الْعَدو، ثمَّ انصرفوا فَقَامُوا فِي مقَام أُولَئِكَ، فجَاء أُولَئِكَ فصلى بهم رَكْعَة أُخْرَى ثمَّ سلم، ثمَّ قَامَ هَؤُلَاءِ فقضوا ركعتهم، وَقَامَ هَؤُلَاءِ فقضوا ركعتهم. [15] وَهَذِه الصَّلَاة الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث سهل إِنَّمَا تجوز بأَرْبعَة شَرَائِط: أَحدهمَا: أَن يكون الْعَدو مُبَاح الْقَتْل. وَالثَّانِي: أَن يكون فِي غير جِهَة الْقبْلَة. وَالثَّالِث: أَن لَا يُؤمن هجومه. وَالرَّابِع: أَن يكون فِي الْمُصَلِّين كَثْرَة يُمكن تفريقهم طائفتين، كل طَائِفَة ثَلَاثَة فَأكْثر، فتجعل طَائِفَة بِإِزَاءِ الْعَدو وَطَائِفَة خَلفه تصلي. وَأما إِذا كَانَ الْعَدو فِي جِهَة الْقبْلَة وهم بِحَيْثُ لَا يخفى بَعضهم على بعض، وَلَا يخَاف الْمُسلمُونَ كمينا وَفِيهِمْ كَثْرَة فَإِنَّهُ يقفهم خَلفه صفّين فَصَاعِدا، وَيحرم بهم أَجْمَعِينَ، فَإِذا أَرَادَ أَن يسْجد فِي الرَّكْعَة الأولى سجدوا كلهم إِلَّا الصَّفّ الأول الَّذِي يَلِيهِ فَإِنَّهُ يقف فيحرسهم، فَإِذا قَامُوا إِلَى الثَّانِيَة سجد الَّذين حرسوا وَلَحِقُوا بِهِ فصلوا أَجْمَعِينَ، فَإِذا سجد فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة حرس الصَّفّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 الَّذِي سجد مَعَه فِي الرَّكْعَة الأولى، فَإِذا جلس سجد الَّذين حرسوه ولحقوه، وَتشهد بِالْجَمِيعِ وَيسلم. فَإِذا اشْتَدَّ الْخَوْف والتحم الْقِتَال صلوا رجَالًا وركبانا إِلَى الْقبْلَة وَغَيرهَا، إِيمَاء وَغير إِيمَاء على قدر طاقتهم، فَإِن احتاجوا إِلَى الْكر والفر والطعن وَالضَّرْب فعلوا وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 (57) كشف الْمُشكل من مُسْند ظهير بن رَافع [15] وَهُوَ بَدْرِي. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حديثان، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد. 647 - / 766 وَهُوَ قَوْله: لقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَمر كَانَ بِنَا رافقا: سَأَلَني " كَيفَ تَصْنَعُونَ بمحاقلكم؟ " فَقلت: نؤاجرها على الرّبيع والأوسق من التَّمْر أَو الشّعير. قَالَ: " لَا تَفعلُوا، ازرعوها، أَو أزرعوها أَو أمسكوها ". [15] والمحاقل: الْمزَارِع. [15] وَالربيع: النَّهر الصَّغِير، وَجمعه أربعاء، وَمثله الْجَدْوَل. قَالَ ابْن قُتَيْبَة كَانُوا يكرون الأَرْض بِشَيْء مَعْلُوم، ويشترطون بعد ذَلِك على مكتريها مَا ينْبت على الْأَنْهَار، فَنهى عَن ذَلِك. [15] وَقَوله: نهى عَن كِرَاء الأَرْض يَعْنِي. على هَذَا الْوَجْه، رُبمَا ينْبت بَعْضهَا، فَرُبمَا لم ينْبت مَا اشترطوه، وَرُبمَا نبت وَلم ينْبت غَيره. وَيحْتَمل أَن يكون نهى عَن كِرَاء الأَرْض ليرتفق بعض النَّاس من بعض، وَلذَلِك ندبهم إِلَى أَن يمنح الْإِنْسَان أَخَاهُ أرضه ليزرعها فينتفع بذلك. الحديث: 647 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 (58) كشف الْمُشكل من مُسْند رَافع بن خديج [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة وَسَبْعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَمَانِيَة. 648 - / 767 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: كُنَّا أَكثر الْأَنْصَار حقلا، فَكُنَّا نكرِي الأَرْض على أَن لنا هَذِه وَلَهُم هَذِه، فَرُبمَا أخرجت هَذِه وَلم تخرج هَذِه، فنهانا عَن ذَلِك؛ فَأَما الْوَرق فَلم ينهنا. وَفِي رِوَايَة: كَانَ النَّاس يؤاجرون بِمَا على الماذيانات، وأقبال الجداول، وَأَشْيَاء من الزَّرْع. وَقد سبق بَيَان الحقل. وَالْوَرق: الْفضة. [15] والماذيانات: الْأَنْهَار الْكِبَار، الْوَاحِد ماذيان، كَذَلِك تسميها الْعَجم وَلَيْسَت بعربية والسواقي دون الماذيانات. [15] والجدول: النَّهر الصَّغِير. وأقبال الجداول: أوائلها وَمَا اسْتقْبل مِنْهَا. وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا ينْبت عَلَيْهَا من العشب. كَانَ يشْتَرط على الْمزَارِع الحديث: 648 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 أَن يَزْرَعهَا خَاصَّة لرب المَال سوى الشَّرْط على الثُّلُث وَالرّبع، وَهَذِه الْأَشْيَاء لَا يدْرِي أتسلم أم تعطب، فَهِيَ فِي حيّز الْمَجْهُول. والمزارع: كل مَا يَتَأَتَّى زراعته من الأَرْض. [15] وَقَوله: كُنَّا لَا نرى بالْخبر بَأْسا. الْخَبَر بِكَسْر الْخَاء، ذكره أَبُو عبيد فَقَالَ: الْخَبَر وَالْمُخَابَرَة: الْمُزَارعَة بِالنِّصْفِ وَالثلث وَالرّبع وَأَقل أَو أَكثر. وَكَانَ أَبُو عبيد يَقُول: لهَذَا يُسَمِّي الأكار خَبِيرا، لِأَنَّهُ يخابر الأَرْض. وَالْمُخَابَرَة هِيَ المؤاكرة، وَسمي الأكار لِأَنَّهُ يؤاكر الأَرْض. وَقَالَ غَيره: أصل هَذَا من خَيْبَر؛ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقرها فِي أَيْديهم على النّصْف، فَقيل: خابرهم: أَي عاملهم فِي خَيْبَر. [15] وَاعْلَم أَن الْمُزَارعَة بِبَعْض مَا تخرج الأَرْض إِذا كَانَ مَعْلُوما عندنَا جَائِزَة، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا تصح بِحَال. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تجوز فِي الأَرْض الْبَيْضَاء وَتجوز إِذا كَانَ فِي الأَرْض نخل أَو كرم تبعا لَهما. 649 - / 768 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذِي الحليفة، فَأصَاب النَّاس جوع، فَأَصَابُوا إبِلا وَغنما، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أخريات الْقَوْم، فعجلوا وذبحوا ونصبوا الْقُدُور، فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالقدور فأكفئت. [15] أكفئت بِمَعْنى كبت: يُقَال: كفأت الْقدر: إِذا كببتها لتفرغ مَا فِيهَا. الحديث: 649 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 وَهَذَا لأَنهم أخذُوا مغنما لم يقسمهُ بَينهم، فعاقبهم بِهَذَا. [15] قَوْله: فَعدل: ماثل وساوى. يُقَال: عدلت كَذَا بِكَذَا: أَي ماثلت بِهِ. [15] فند بعير: أَي ذهب فِي الأَرْض. [15] والبهائم جمع بَهِيمَة، قَالَ الزّجاج: إِنَّمَا قيل لَهَا بَهِيمَة لِأَنَّهُمَا أبهمت عَن أَن تميز، وكل حَيّ لَا يُمَيّز فَهُوَ بَهِيمَة. [15] قَالَ أَبُو عبيد: والأوابد. الَّتِي قد توحشت ونفرت من النَّاس. وتأبدت الدَّار تأبدا، وأبدت تأبد وتأبد أبودا: إِذا خلا مِنْهَا أَهلهَا وخلفتهم الْوَحْش فِيهَا. [15] والمدى جمع مدية: وَهِي الشَّفْرَة. [15] وأنهر الدَّم: أساله وصبه بِكَثْرَة، وَهُوَ تَشْبِيه لجَرَيَان الدَّم من الْعُرُوق بجريان المَاء فِي النَّهر. [15] وَقَوله: " أما السن فَعظم "، إِن قَالَ قَائِل: قد عرف هَذَا، فَمَا فَائِدَته؟ وَإِذا كَانَ الظفر مدى الْحَبَشَة فَلم يمْتَنع الذّبْح بِهِ؟ وَلَو أَن مُسلما ذبح بمدية حبشِي جَازَ؟ [15] فَالْجَوَاب أَن قَوْله: " أما السن فَعظم " يدل على أَنه قد كَانَ متقررا فِي عرفهم أَلا يذبحوا بِعظم، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يقطع الْعُرُوق كَمَا يَنْبَغِي. وَأما الْحَبَشَة فقد جرت عَادَتهم بِاسْتِعْمَال الْأَظْفَار مَكَان المدى فتنزهق النَّفس خنقا لَا ذبحا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 650 - / 769 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " الْحمى من فَور جَهَنَّم " وَفِي لفظ: " من فيح جَهَنَّم فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ ". الْفَوْر والفيح والفوح: اشتداد حرهَا وَقُوَّة غليانها، يُقَال: فاحت الْقدر تفيح: إِذا غلت. [15] وَقَوله: " أبردوها " أَي قابلوا حرهَا بِبرد المَاء وصبه على المحموم. [15] فَإِن قيل: فَنحْن نجد عُلَمَاء الطِّبّ يمْنَعُونَ من اغتسال المحموم. وَيَقُولُونَ: لَا يجوز مُقَابلَة الْأَشْيَاء بأضدادها بَغْتَة، وَالرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَقُول إِلَّا حِكْمَة وَحقا، وَقد ذكر عَن بعض من ينْسب إِلَى الْعلم أَنه حم فاغتسل، فاختفت الْحَرَارَة فِي بدنه، فَزَاد مَرضه، فَأخْرجهُ الْأَمر إِلَى أَشْيَاء أحْسنهَا التَّكْذِيب بِالْحَدِيثِ. [15] وَالْجَوَاب: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا خَاطب بِهَذَا أَقْوَامًا كَانُوا يعتادون مثل هَذَا فِي مثل تِلْكَ الأَرْض، والطب يَنْقَسِم: فشيء مِنْهُ بِالْقِيَاسِ كطب اليونانيين، وَشَيْء مِنْهُ تجارب كطب الْعَرَب، وَالْعرب تستشفي بأَشْيَاء لَا توَافق غَيرهم. وَقد قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: تبريد الحميات الصفراوية بسقي المَاء الْبَارِد وَوضع أَطْرَاف المحموم فِيهِ من أَنْفَع العلاج وأسرعه إِلَى إطفاء نارها، وعَلى هَذَا الْوَجْه أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتبريد الْحمى بِالْمَاءِ دون الانغماس فِيهِ. قَالَ: وَبَلغنِي عَن ابْن الْأَنْبَارِي أَنه كَانَ يَقُول: معنى قَوْله: " فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ " أَي تصدقوا بِالْمَاءِ عَن الْمَرِيض يشفه الله عز وَجل، لما رُوِيَ أَن أفضل الصَّدَقَة سقِِي المَاء. قلت: هَذَا كُله الحديث: 650 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 تكلّف فِي الْجَواب يردة مَا سَيَأْتِي فِي مُسْند أَسمَاء بنت أبي بكر: أَنَّهَا كَانَت إِذا أتيت بِالْمَرْأَةِ قد حمت تَدْعُو لَهَا، أخذت المَاء فصبته بَينهَا وَبَين جيبها، وَقَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرنَا أَن نبردها بِالْمَاءِ. وَأخْبرنَا مُحَمَّد بن أبي طَاهِر الْبَزَّار قَالَ: أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن عمر الْبَرْمَكِي قَالَ: أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد بن ماسي قَالَ: أخبرنَا أَبُو مُسلم الْكَجِّي قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل ابْن مُسلم الْمَكِّيّ عَن الْحسن عَن سَمُرَة بن جُنْدُب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " الْحمى قِطْعَة من النَّار فَأَبْرِدُوهَا عَنْكُم بِالْمَاءِ الْبَارِد " وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حم دَعَا بقربة من مَاء فأفرغها على قرنه فاغتسل. [15] فَهَذَا على خلاف مَا قَالَه الْخطابِيّ وَابْن الْأَنْبَارِي. وَالصَّحَابَة أعرف بمقصود الرَّسُول فِي خطابه، وَإِنَّمَا الْوَجْه مَا أَخْبَرتك بِهِ من عادات الْعَرَب فِي بِلَادهمْ. وَقد قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي قَوْله: " فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ " قَالَ: هَذَا لأهل الْمَدِينَة، لَو كَانَ رجل بخراسان فِي الشتَاء كَانَ يصب عَلَيْهِ المَاء، فَهَذَا يصدق مَا ذهبت إِلَيْهِ. 651 - / 770 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: كُنَّا نصلي الْمغرب مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَنْصَرِف أَحَدنَا وَإنَّهُ ليبصر مواقع نبله. مواقع النبل إِنَّمَا يكون فِي الْمَكَان المكشوف والصحراء، وَكَانُوا الحديث: 651 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 يصلونَ الْمغرب مَعَ الْغُرُوب فيتهيأ لذَلِك إبصار مواقع النبل، وَكَذَلِكَ كَانُوا يقدمُونَ الْعَصْر فِي أول وَقتهَا فيتهيأ مَا وَصفه فِي الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ. 652 - / 772 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: أعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمَاعَة - قد عدهم - مائَة مائَة من الْإِبِل، وَأعْطى عَبَّاس بن مرداس دون ذَلِك، فَقَالَ: (أَتجْعَلُ نَهْبي وَنهب العبيد ... بَين عُيَيْنَة والأقرع) (وَمَا كَانَ حصن وَلَا حَابِس ... يَفُوقَانِ مرداس فِي مجمع) (وَمَا كنت دون امْرِئ مِنْهُمَا ... وَمن تخْفض الْيَوْم لَا يرفع) [15] فَأَتمَّ لَهُ مائَة. [15] هَذَا الْعَطاء كَانَ يَوْم حنين، وَكَانَ السَّبي يَوْمئِذٍ سِتَّة آلَاف رَأس، وَالْإِبِل أَرْبَعَة وَعشْرين ألف بعير، وَالْغنم أَكثر من أَرْبَعِينَ ألف شَاة، وغنم أَرْبَعَة آلَاف أُوقِيَّة فضَّة، فَأعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا سُفْيَان بن حَرْب مائَة من الْإِبِل، وَأَرْبَعين أُوقِيَّة، وَأعْطى ابْنه يزِيد مثله، وَابْنه مُعَاوِيَة مثله، وَحَكِيم بن حزَام مائَة من الْإِبِل، ثمَّ سَأَلَهُ فَأعْطَاهُ مائَة الحديث: 652 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 أُخْرَى، وَأعْطى النَّضر بن الْحَارِث مائَة من الْإِبِل، وَصَفوَان بن أُميَّة، والْحَارث بن هِشَام، وَسُهيْل بن عَمْرو، وَقيس بن عدي، وَحُوَيْطِب ابْن عبد الْعُزَّى، وَأسيد بن جَارِيَة، والأقرع بن حَابِس، وعلقمة بن علاثة، وعيينة بن حصن، وَالْعَبَّاس بن مرداس، وَمَالك بن عَوْف، كل وَاحِد من هَؤُلَاءِ مائَة من الْإِبِل، وَأعْطى الْعَلَاء بن جَارِيَة، ومخرمة بن نَوْفَل، وَسَعِيد بن يَرْبُوع، وَعُثْمَان بن وهب، وَهِشَام بن عَمْرو، كل وَاحِد خمسين بَعِيرًا، فَهَؤُلَاءِ الَّذين أَعْطَاهُم من الْمُؤَلّفَة يتألفهم بالعطاء على الْإِسْلَام، لِأَنَّهُ كَانَ كالمتزلزل فِي قُلُوبهم، غير أَن أَكثر هَؤُلَاءِ قوي الْإِيمَان فِي قلبه فَخرج عَن حد التَّأْلِيف وَبَقِي عَلَيْهِ الِاسْم. [15] وَقَول الْعَبَّاس: أَتجْعَلُ نَهْبي وَنهب العبيد. العبيد اسْم فرسه. وَقَوله وَمَا كَانَ حصن وَلَا حَابِس. يَعْنِي أَبَوي عُيَيْنَة والأقرع، فعيينة بن حصن، والأقرع بن حَابِس. ويفوق بِمَعْنى يرْتَفع. فَالْمَعْنى: مَا كَانَ أبي دون أبويهما. وَلَا أَنا دونهمَا، وَكَأَنَّهُ ضج خوفًا من نقص مرتبته لَا لأجل المَال، وَلِهَذَا قَالَ: وَمن تخْفض الْيَوْم لَا يرفع. 653 - / 773 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وهم يأبرون النّخل، فَقَالَ: " لَعَلَّكُمْ لَو لم تَفعلُوا كَانَ خيرا " فَتَرَكُوهُ، فنفضت أَو نقصت. [15] يأبرون: يُلَقِّحُونَ. والإبار: تلقيح النّخل. ونخلة مأبورة ومؤبرة. الحديث: 653 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 [15] ونفضت: أَي نفضت مَا حملت من التَّمْر فِي مبادئ الْحمل. ونقصت بالصَّاد: أَي عَمَّا كَانَت تحمل. وَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام أعرض عَن الْأَسْبَاب إقبالا على الْمُسَبّب، ثمَّ عرف تَأْثِير الْأَسْبَاب فَقَالَ: " إِنَّمَا أَنا بشر " وَقد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند طَلْحَة. 654 - / 774 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: حرم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بَين لابتيها. [15] وَقد سبق بَيَان هَذَا، وَأَن اللابة الْحرَّة: وَهِي أَرض فِيهَا حِجَارَة سود، وَالْمَدينَة بَين لابتين. الحديث: 654 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 (59) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ [15] فِي الصَّحَابَة رجلَانِ من الْأَنْصَار يُقَال لكل وَاحِد مِنْهَا عبد الله بن زيد، وَإِنَّمَا يفرق بَينهمَا بالأجداد، وَأَحَدهمَا ابْن ثَعْلَبَة، وَهُوَ رائي الْأَذَان فِي الْمَنَام، وَهُوَ من أهل بدر. وَالثَّانِي: ابْن عَاصِم، وَهُوَ صَاحب هَذَا الْمسند، وَلم يشْهد بَدْرًا. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْهَا ثَمَانِيَة. 655 - / 766 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الثَّانِي: شكي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرجل يخيل إِلَيْهِ أَنه يجد الشَّيْء فِي الصَّلَاة. قَالَ: " لَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا ". [15] هَذَا نهي عَن الْعَمَل بِمُقْتَضى الوسواس لِأَن يَقِين الطَّهَارَة لَا يقاومه الشَّك، وَفِي هَذَا تَنْبِيه على ترك مُوَافقَة الوسواس فِي كل حَال. 656 - / 777 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: أَنه قسم يَوْم حنين وَلم يُعْط الْأَنْصَار شَيْئا. وَقَالَ: " كُنْتُم عَالَة فَأَغْنَاكُمْ الله بِي ". العالة: الْفُقَرَاء. الحديث: 655 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 وَقَوله: " لَو شِئْتُم قُلْتُمْ: جئتنا كَذَا وَكَذَا " أَي وحيدا طريدا. [15] وَقَوله: " لَوْلَا الْهِجْرَة لَكُنْت امْرَءًا من الْأَنْصَار " إِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يتَصَوَّر أَن يكون من الْأَنْصَار؟ وَكَيف أَرَادَ هَذَا وَنسبه أفضل؟ [15] وَالْجَوَاب: أَنه لم يرد تَغْيِير النّسَب وَلَا محو الْهِجْرَة، إِذا كِلَاهُمَا إِذا كِلَاهُمَا مَمْنُوع من تَغْيِيره، وَإِنَّمَا أَرَادَ النِّسْبَة إِلَى الْمَدِينَة والنصرة للدّين، فالتقدير: لَوْلَا أَن النِّسْبَة إِلَى الْهِجْرَة نِسْبَة دينية لَا يسع تَركهَا لانتسبت إِلَى داركم. ثمَّ إِن لَفْظَة لَوْلَا ترَاد لتعظيم الْأَمر وَإِن لم يَقع، كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَوْلَا كتاب من الله سبق} [الْأَنْفَال: 68] . وَهَذَا إِنَّمَا صدر مِنْهُ بَيَانا لتفضيلهم وحبه إيَّاهُم. [15] والشعب: مَا تفرق بَين الجبلين. [15] والشعار: مَا ولي الْجَسَد. والدثار: مَا تدثر بِهِ الْإِنْسَان فَوق الثِّيَاب. [15] والأثرة: الاستئثار. 657 - / 778 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَسْقِي، فَدَعَا وقلب رِدَاءَهُ. وَيَجِيء فِي حَدِيث آخر: وحول رِدَاءَهُ. [15] اخْتلفُوا فِي صفة التَّحْوِيل للرداء: فَقَالَ الشَّافِعِي: ينكس أَعْلَاهُ أَسْفَله وأسفله أَعْلَاهُ، ويتوخى أَن يَجْعَل مَا على شقَّه الْأَيْمن على شقة الْأَيْسَر وَيجْعَل الْجَانِب الْأَيْسَر على الْجَانِب الْأَيْمن. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل وَإِسْحَق: يَجْعَل الْيَمين على الشمَال، وَالشمَال على الْيَمين. وَقَول مَالك قريب من ذَلِك. وَقَالَ الْخطابِيّ: إِذا كَانَ الرِّدَاء مربعًا الحديث: 657 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 نكسه وَإِذا كَانَ طيلسانا مدورا قلبه وَلم ينكسه، وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: تأولوه على مَذْهَب التفاؤل: أَي لينقلب مَا بهم الجدب إِلَى الخصب. 758 - / 779 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " مَا بَين بَيْتِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة ". [15] الرَّوْضَة: الأَرْض المخضرة بالنبات. وَقَالَ الْخطابِيّ: معنى الحَدِيث: من لزم طَاعَة فِي هَذِه الْبقْعَة آلت بِهِ الطَّاعَة إِلَى رَوْضَة من رياض الْجنَّة. 659 - / 780 وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة ودعا لَهَا، وَإِنِّي حرمت الْمَدِينَة كَمَا حرم إِبْرَاهِيم مَكَّة، وَإِنِّي دَعَوْت فِي صاعها ومدها بمثلي مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيم لأهل مَكَّة ". [15] إِن قيل: كَيفَ قَالَ: " إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة " وَسَيَأْتِي فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس: " إِن هَذَا الْبَلَد حرمه الله يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض؟ ". [15] فَالْجَوَاب: أَن الله تَعَالَى قضى بِتَحْرِيمِهِ وأجرى الحكم بذلك على لِسَان إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 [15] وَأما الصَّاع فَهُوَ خَمْسَة أَرْطَال وَثلث، وَالْمدّ رَطْل وَثلث بالعراقي هَذَا مَذْهَبنَا وَمذهب أهل الْحجاز. وَذهب الْعِرَاقِيُّونَ إِلَى أَن الصَّاع ثَمَانِيَة أَرْطَال وَالْمدّ رطلان. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أظنهم سمعُوا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يغْتَسل بالصاع، وسمعوا فِي حَدِيث آخر أَنه يغْتَسل بِثمَانِيَة أَرْطَال، وسمعوا فِي حَدِيث آخر أَنه كَانَ يتَوَضَّأ برطلين، فتوهموا أَن الصَّاع ثَمَانِيَة أَرْطَال لهَذَا. 660 - / 781 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: لما كَانَ زمن الْحرَّة أَتَاهُم آتٍ فَقَالَ: إِن ابْن حَنْظَلَة يُبَايع النَّاس على الْمَوْت. [15] ابْن حَنْظَلَة اسْمه عبد الله بن حَنْظَلَة غسيل الْمَلَائِكَة، وَكَانَ حَنْظَلَة قد خرج إِلَى أحد جنبا، لِأَنَّهُ سمع الصائح فأسرع فَقتل، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " رَأَيْت الْمَلَائِكَة الْمَلَائِكَة تغسله بِمَاء المزن فِي صحاف الْفضة " فَسُمي غسيل الْمَلَائِكَة، وَكَانَ ابْنه عبد الله فِي أَيَّام الْحرَّة قد خلع يزِيد، وَبَايع النَّاس على أَن يصبروا على الْقِتَال إِلَى الْمَوْت، على أَن يكون هُوَ أَمِيرا على الْأَنْصَار، وَعبد الله بن مُطِيع أَمِيرا على قُرَيْش، وَمَعْقِل بن سِنَان الْأَشْجَعِيّ أَمِيرا على الْمُهَاجِرين. فَقَالَ عبد الله بن عَبَّاس: ثَلَاثَة أُمَرَاء، هلك الْقَوْم. فَلَمَّا خلع أهل الْمَدِينَة يزِيد بن مُعَاوِيَة أنفذ إِلَيْهِم مُسلم بن عقبَة فَقتل خلقا كثيرا، وَوَقعت وقْعَة عَظِيمَة، فَقيل لَهَا وقْعَة الْحرَّة. الحديث: 660 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 661 - / 782 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: وَهُوَ حَدِيث الْوضُوء. [15] وَفِيه: فأكفأ على يَدَيْهِ: أَي أمال الْإِنَاء فَقلب مِنْهُ. [15] وَقَوله: فأخرجنا إِلَيْهِ مَاء فِي تور. التور والمخضب يكونَانِ من صفر كالقدح، فَإِن كَانَ من حِجَارَة قيل لَهُ منقع. وَقيل المخضب شبه المركن والإجانة الَّتِي يغسل فِيهَا الثِّيَاب، والتور دون ذَلِك. واستنثر يحْتَمل شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: الاستشاق. وَالثَّانِي: الامتخاط، لِأَن النثرة هِيَ الْأنف. [15] وَقد اخْتلف فِي هَذَا الحَدِيث عدد غسله ليديه. وَالْمَحْفُوظ دَوَامه على الثَّلَاث، فَإِذا أثبت غسله مرَّتَيْنِ فليبين جَوَاز الِاخْتِلَاف فِي الْعدَد. [15] وَقَوله: بِمَاء غير فضل يَده. الْمَعْنى أَنه أَخذ للمسح مَاء جَدِيدا. الحديث: 661 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 (60) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن يزِيد الخطمي [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة أَحَادِيث. انْفَرد بِالْإِخْرَاجِ عَنهُ البُخَارِيّ، فَأخْرج لَهُ حديثين وَلم يخرج لَهُ مُسلم شَيْئا، كَذَا قَالَ الْحميدِي، ثمَّ قد أفرد فِي آخر الْكتاب من انْفَرد بِالْإِخْرَاجِ عَنهُ البُخَارِيّ، وَمن انْفَرد بِالْإِخْرَاجِ عَنهُ مُسلم، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يُؤَخر هَذَا إِلَى هُنَاكَ. فالعجب من هَذِه الْغَفْلَة فِي التَّرْتِيب. 662 - / 783 وَفِي الحَدِيث الأول: خرج عبد الله بن يزِيد فَاسْتَسْقَى، فَاسْتَغْفر ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ يجْهر بِالْقِرَاءَةِ وَلم يُؤذن وَلم يقم. [15] استسقى: طلب السقيا. [15] وَصلى: دَلِيل على أَنه تسن الصَّلَاة للاستسقاء خلافًا لأبي حنيفَة. [15] وَإِنَّمَا ترك الْأَذَان وَالْإِقَامَة لِأَن الْأَذَان إِعْلَام للغائبين، وَالَّذين يستسقون قد خَرجُوا مَعَه. الحديث: 662 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 663 - / 784 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد نهى عَن الْمثلَة والنهبى. [15] الْمثلَة: فعل مَا يخرج عَن الْعَادة فِي الْعقُوبَة، وفيهَا لُغَتَانِ مثلَة بِضَم الْمِيم وتسكين الثَّاء، وَجَمعهَا مثلات بِضَم الْمِيم وَسُكُون الثَّاء، ومثلات بضَمهَا. ومثلة بِفَتْح الْمِيم وَضم الثَّاء، وَجَمعهَا مثلات بِفَتْح الْمِيم وَضم الثَّاء. [15] وَالنَّهْي: اسْم مَا انتهب: وَهُوَ مَا أَخذ مسابقة ومبادرة للعير من الآخرين. الحديث: 663 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 (61) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ [15] وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ البدري، وَقد نَص البُخَارِيّ وَمُسلم على أَنه شهد بَدْرًا، غير أَن الْأَكْثَرين من أَرْبَاب التواريخ يَقُولُونَ: مَا شَهِدَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ ينزل مَاء بدر فنسب إِلَى بدر لنزوله بِالْمَاءِ. وَقد نسب خلق كثير إِلَى معنى وجد مِنْهُم، كسفينة مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ حمل مَتَاعا فِي سفر فَسُمي سفينة. ومقسم مولى ابْن عَبَّاس، كَانَ مولى عبد الله بن الْحَارِث، وَلكنه للزومه ابْن عَبَّاس قيل لَهُ: مولى ابْن عَبَّاس. وَأَبُو سعيد المَقْبُري، نزل عِنْد الْمَقَابِر فَقيل المَقْبُري. [15] وَجُمْلَة مَا روى أَبُو مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة حَدِيث وحديثان، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سَبْعَة عشر حَدِيثا. 664 - / 785 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " إِن الْمُسلم إِذا انفق على أَهله نَفَقَة وَهُوَ يحتسبها كَانَت لَهُ صَدَقَة ". [15] معنى يحتسبها يَنْوِي بهَا طَاعَة الله، ويرجو ثَوَابهَا مِنْهُ، فبذلك تجْرِي نَفَقَته مجْرى الصَّدَقَة. الحديث: 664 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 665 - / 786 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " الْآيَتَانِ من آخر سُورَة الْبَقَرَة من قَرَأَ بهما فِي لَيْلَة كفتاه ". [15] قَرَأَ بهما: أَي قرأهما، كَقَوْلِه تَعَالَى: {يشرب بهَا عباد الله} [الْإِنْسَان: 6] أَي يشربونها، أَو يشربون مِنْهَا. وأنشدوا: ( ... ... ... ... سود المحاجر لَا يقْرَأن بالسور ... ) أَي لم يَقْرَأْنَهَا، وَالْبَاء صلَة. [15] وَفِي معنى " كفتاه " ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: كفتاه عَن قيام اللَّيْل، قَالَه أَبُو بكر النقاش. وَالثَّانِي: كفتاه مَا يكون من الْآفَات تِلْكَ اللَّيْلَة. وَالثَّالِث: أَن الْمَعْنى حَسبه بهما فضلا وَأَجرا. 666 - / 788 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: لما نزلت آيَة الصَّدَقَة كُنَّا نحامل على ظُهُورنَا فجَاء رجل فَتصدق بِشَيْء كثير، فَقَالُوا: مراء. وَجَاء رجل فَتصدق بِصَاع، فَقَالُوا: إِن الله لَغَنِيّ عَن صَاع هَذَا فَنزلت: {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات وَالَّذين لَا يَجدونَ إِلَّا جهدهمْ} [التَّوْبَة: 79] . الحديث: 665 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 [15] وَأما آيَة الصَّدَقَة فَالظَّاهِر أَنَّهَا قَوْله: {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا} [الْبَقَرَة: 245] . [15] وَقَوله: نحامل: أَي نحمل ونتكلف الْحمل. [15] والمتصدق بالكثير عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، جَاءَ بأَرْبعَة آلَاف. وَقيل: بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّة من ذهب، فنبذه بالرياء بعض الْمُنَافِقين. وَقَالَ قَتَادَة: تصدق أَيْضا يَوْمئِذٍ عَاصِم بن عدي بن العجلان بِمِائَة وسق من تمر. وَأما الْمُتَصَدّق بالصاع فقد سميناه فِي مُسْند كَعْب بن مَالك، وَذكرنَا تَفْسِير اللمز. [15] وَقَوله: {الْمُطوِّعين} أَي المتطوعين، فأدغمت التَّاء فِي الطَّاء فَصَارَت طاء مُشَدّدَة. [15] والجهد بِضَم الْجِيم لُغَة أهل الْحجاز، وَغَيرهم يفتحها. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: بل المضمومة بِمَعْنى الطَّاقَة، والمفتوحة بِمَعْنى الْمَشَقَّة. 667 - / 789 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: كَانَ لَهُ غُلَام لحام. [15] اللحام: الَّذِي يَبِيع اللَّحْم، أَو يحسن طبخه. 668 - / 790 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: نهى عَن ثمن الْكَلْب وَمهر. الحديث: 667 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 الْبَغي وحلوان الكاهن. [15] وَقد ذكرنَا فِي مُسْند أبي جُحَيْفَة أَنه لَا يجوز بيع الْكَلْب وَإِن كَانَ معلما. [15] وَالْبَغي: الْفَاجِرَة. وَالْمرَاد بمهرها هُنَا أُجْرَة الفسوق بهَا، فَسَماهُ مهْرا على سَبِيل التَّشْبِيه بِالْمهْرِ، كَمَا نهى عَن ثمن الْكَلْب، وَهُوَ تَشْبِيه بِالثّمن أَو بِمَا يظنّ ثمنا. [15] والكاهن: الَّذِي يُوهم أَنه يعلم الْغَيْب. وحلوانه: مَا يعطاه على كهانته كالرشوة وَالْأُجْرَة. 669 - / 792 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: " إِن الشَّمْس وَالْقَمَر لَا ينكسفان لمَوْت أحد ". [15] إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَن الشَّمْس كسفت عِنْد موت وَلَده إِبْرَاهِيم، فَقَالَ النَّاس: إِنَّمَا كسفت لمَوْت إِبْرَاهِيم. 670 - / 793 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: أَشَارَ بِيَدِهِ نَحْو الْيمن فَقَالَ: " أَلا إِن الْإِيمَان هَاهُنَا، وَإِن الْقَسْوَة وَغلظ الْقُلُوب فِي الْفَدادِين عِنْد أصُول أَذْنَاب الْإِبِل حَيْثُ يطلع قرنا الشَّيْطَان فِي ربيعَة وَمُضر ". [15] قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْأَنْصَار من الْيمن، وَالْإِيمَان فيهم، وَهَذَا مدح لَهُم. وَقَالَ أَبُو عبيد: بَدَأَ الْإِيمَان من مَكَّة، وَهِي مولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحديث: 669 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 ومبعثه، ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة. قَالَ: وَيُقَال: مَكَّة من أَرض تهَامَة، وتهامة من أَرض الْيمن، قَالَ: وَفِيه وَجه آخر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَذَا القَوْل وَهُوَ يَوْمئِذٍ بتبوك، وَمَكَّة وَالْمَدينَة حِينَئِذٍ بَينه وَبَين الْيمن، وَأَشَارَ إِلَى نَاحيَة الْيمن وَهُوَ يُرِيد مَكَّة وَالْمَدينَة. قَالَ: وَفِيه وَجه ثَالِث: وَهُوَ أَنه أَرَادَ بِهَذَا القَوْل الْأَنْصَار وهم يمانون. [15] وَالْقَسْوَة: الشدَّة. وفيهَا ثَلَاث لُغَات: فتح الْقَاف وَضمّهَا وَكسرهَا. وَكَذَلِكَ الغلظة، والربوة. [15] والفدادون: مُخْتَلف فِي لَفْظَة وَتَفْسِيره: فَأَما لَفظه فالأكثرون على التَّشْدِيد، مِنْهُم الْأَصْمَعِي وثعلب، وَكَانَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ يُخَفف الْفَدادِين وَيَقُول: الْوَاحِد فدان مشدد. وَفِي المُرَاد بالفدان ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنهم المكثرون من الْإِبِل، الَّذين تعلو أَصْوَاتهم فِي حروثهم ومواشيهم، وهم أهل جفَاء وخيلاء، وَقد رُوِيَ فِي الحَدِيث: " أَن الأَرْض تَقول للْمَيت إِذا دفن فِيهَا: قد كنت تمشي فِي فدادا " أَي ذَا خُيَلَاء وَكبر. وَهَذَا قَول الْأَصْمَعِي. وَالثَّانِي: أَنهم الحمالون والبقارون والحمارون والرعيان، يشتغلون عَن ذكر الله عز وَجل وَالثَّالِث: أَن الْفَدادِين جمع فدان، وَهِي الْبَقَرَة الَّتِي يحرث بهَا، وَالْمعْنَى أَن أَهلهَا أهل جفَاء لبعدهم عَن الْأَمْصَار والتأدب فِيهَا. وَهَذَا مَذْهَب أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ. فعلى هَذَا تكون نِسْبَة الْجفَاء إِلَى الْفَدادِين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 وَالْمرَاد أَصْحَابهَا، كَقَوْلِه تَعَالَى: {واسأل الْقرْيَة} [يُوسُف: 82] . [15] وَقَوله: " عِنْد أصُول أَذْنَاب الْإِبِل " أَي هم مَعهَا يسوقونها حَيْثُ يطلع قرنا الشَّيْطَان فِي ربيعَة وَمُضر. كَأَن الْإِشَارَة إِلَى الْقَوْم قبل إسْلَامهمْ، وتعرفهم آدَاب الشَّرْع. وَذكر قَرْني الشَّيْطَان مثل يُرَاد بِهِ طلوعه بالفتن من تِلْكَ النواحي. 671 - / 794 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ: " إِن مِمَّا أردك النَّاس من كَلَام النُّبُوَّة الأولى: إِذا لم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا شِئْت ". [15] هَذَا الحَدِيث يرويهِ القعْنبِي عَن شُعْبَة، وَلَا يروي عَنهُ غَيره، وَكَانَ سَبَب سَمَاعه مِنْهُ مَا أَنبأَنَا بِهِ ابْن نَاصِر قَالَ: أَنبأَنَا أَبُو عَليّ الْحسن ابْن الْبناء قَالَ: أخبرنَا هِلَال بن مُحَمَّد بن جَعْفَر قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد الصّباغ قَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله الْكشِّي قَالَ: حَدثنِي بعض الْقُضَاة عَن بعض ولد القعْنبِي قَالَ: كَانَ أبي يشرب النَّبِيذ ويصحب الْأَحْدَاث، فَقعدَ يَوْمًا ينتظرهم على الْبَاب، فَمر شُعْبَة وَالنَّاس خَلفه يهرعون، قَالَ: من هَذَا؟ قَالَ شُعْبَة. قَالَ: وَأي شَيْء شُعْبَة؟ قيل: مُحدث، فَقَامَ إِلَيْهِ وَعَلِيهِ إِزَار أَحْمَر، فَقَالَ لَهُ: حَدثنِي. فَقَالَ: مَا أَنْت من أَصْحَاب الحَدِيث، فشهر سكينه فَقَالَ: أتحدثني أَو أجرحك. فَقَالَ لَهُ: حَدثنَا مَنْصُور عَن ربعي عَن أبي مَسْعُود قَالَ: قَالَ الحديث: 671 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا لم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا شِئْت " فَرمى سكينه، وَرجع إِلَى قومه فأهراق مَا عِنْده، وَمضى إِلَى الْمَدِينَة فَلَزِمَ مَالك بن أنس، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَصْرَة وَقد مَاتَ شُعْبَة، فَمَا سمع مِنْهُ غير هَذَا الحَدِيث. هَكَذَا رُوِيَ لنا فِي كَون القعْنبِي لم يسمع من شُعْبَة غير هَذَا. [15] وَقد رُوِيَ لنا مَا هُوَ أشبه: وَهُوَ أَن القعْنبِي قدم الْبَصْرَة ليسمع من شُعْبَة وَيكثر، فصادف مَجْلِسه يَوْم قدومه قد انْقَضى وَانْصَرف إِلَى منزله، فجَاء فَوجدَ الْبَاب مَفْتُوحًا وَشعْبَة على البالوعة، فَدخل من غير اسْتِئْذَان وَقَالَ: أَنا غَرِيب، قصدت من بلد بعيد لتحدثني. فاستعظم شُعْبَة ذَلِك وَقَالَ: دخلت بَيْتِي بِغَيْر إذني، وتكلمني على هَذِه الْحَالة، اكْتُبْ: حَدثنَا مَنْصُور ... فَذكر لَهُ الحَدِيث ثمَّ قَالَ: وَالله لَا حدثتك غَيره، وَلَا حدثت قوما أَنْت مَعَهم. [15] وَقَوله: " من كَلَام النُّبُوَّة الأولى " الْمَعْنى: أَن الْحيَاء لم يزل ممدوحا على ألسن الْأَنْبِيَاء الْأَوَّلين، ومأمورا بِهِ لم ينْسَخ فِي شرع. [15] وَفِي قَوْله: " إِذا لم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا شِئْت " ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَنه بِمَعْنى الْخَبَر وَإِن كَانَ لَفظه لفظ الْأَمر، كَقَوْلِه: " فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار " فَيكون الْمَعْنى: إِذا لم يمنعك الْحيَاء صنعت مَا شِئْت، وَهَذَا على جِهَة الذَّم لترك الْحيَاء، وَهَذَا قَول أبي عبيد. وَالثَّانِي: أَنه وَعِيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 على ترك الْحيَاء، وَالْمعْنَى إِذا لم تَسْتَحي فافعل مَا تُرِيدُ فستجازى، كَقَوْلِه: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} [فصلت: 40] قَالَه ثَعْلَب. وَالثَّالِث: أَن الْمَعْنى: مَا لم تَسْتَحي مِنْهُ إِذا ظهر فافعله، فَهُوَ فِي معنى قَوْله: " الْإِثْم حواز الْقُلُوب " قَالَه أَبُو مُوسَى الْمروزِي الشَّافِعِي. 672 - / 795 - وَفِي أَفْرَاد مُسلم. " حُوسِبَ رجل فَلم يُوجد لَهُ من الْخَيْر شَيْء، إِلَّا أَنه كَانَ يخالط النَّاس ". [15] قَوْله " حُوسِبَ " أَي نظر فِيمَا لَهُ وَعَلِيهِ. وَالْمرَاد بمخالطته النَّاس: معاملتهم. [15] وَقَوله: " كَانَ من خلقي الْجَوَاز " يَعْنِي التجاوز والمسامحة، وَهُوَ معنى قَوْله: " كنت أتيسر على الْمُوسر " أَي لَا أستقصي وَلَا أناقش. [15] فَإِن قيل قَوْله: " لم يُوجد لَهُ من الْخَيْر شَيْء " دَلِيل على أَنه كَانَ كَافِرًا، لِأَن الْمُؤمن لَا يَخْلُو من شَيْء. [15] فَالْجَوَاب: أَنه قد قَالَ ابْن عقيل: هَذَا رجل لم تبلغه شَرِيعَة، وَعمل لخصلة من الْخَيْر. الحديث: 672 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 673 - / 797 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: كَانَ يمسح مناكبنا فِي الصَّلَاة. [15] المناكب جمع منْكب: وَهُوَ مُجْتَمع رَأس الْعَضُد فِي الْكَتف. وَالْمعْنَى أَنه كَانَ يسويهم فِي الْوُقُوف، فَيرد الْخَارِج ليَقَع الاسْتوَاء. [15] وَقَوله: " وَلَا تختلفوا فتختلف قُلُوبكُمْ " أَي أَنكُمْ إِذا اختلفتم بالظواهر عُوقِبْتُمْ باخْتلَاف الْقُلُوب. وَيحْتَمل: لَا تختلفن ظواهركم، فَإِن اختلافها دَلِيل على اخْتِلَاف قُلُوبكُمْ. [15] وَقَوله: " ليلني مِنْكُم أولو الأحلام والنهى " قد سبق تَفْسِيره فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 674 - / 798 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَنه كَانَ يضْرب غُلَاما لَهُ، والغلام يَقُول: أعوذ بِاللَّه، ثمَّ يضْربهُ، وَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصِيح بِهِ: " اعْلَم أَبَا مَسْعُود، لله أقدر عَلَيْك مِنْك عَلَيْهِ " فاعتقه. فَقَالَ: " لَو لم تفعل لَلَفَحَتْك النَّار ". [15] لفح النَّار: الْإِصَابَة بحرها ولهبها. وَإِنَّمَا كَانَت تصيبه لأحد ثَلَاثَة أَشْيَاء: إِمَّا لِأَنَّهُ ضربه ظلما. أَو لِأَنَّهُ زَاد على مِقْدَار التَّأْدِيب. أَو لِأَنَّهُ استعاذ بِاللَّه فَلم يعذه. 675 - / 799 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: جَاءَ رجل بِنَاقَة مخطومة فَقَالَ: هَذِه فِي سَبِيل الله. فَقَالَ رَسُول الله،: " لَك بهَا يَوْم الْقِيَامَة الحديث: 673 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 سَبْعمِائة نَاقَة، كلهَا مخطومة ". [15] المخطومة: المزمومة بالخطام. وَإِنَّمَا سمي خطاما لِأَنَّهُ يَقع على الخطم، والخطم والمخطم: الْأنف. [15] وَاعْلَم أَن هَذَا الثَّوَاب على الْحَسَنَة أَمر مَعْلُوم عِنْد الله عز وَجل، وَقد جعل لنا على الْحَسَنَة من تِلْكَ الْمَقَادِير عشرا، فَهَذَا الرَّسْم الرَّاتِب، وَقد يُضَاعف ذَلِك لِلْمُؤمنِ على قدر إخلاصه وَرضَاهُ عَنهُ إِلَى سَبْعمِائة وَإِلَى سبعين ألفا وَأكْثر كَمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فِي قَوْله: {فيضاعفه لَهُ أضعافا كَثِيرَة} [الْبَقَرَة: 245] قَالَ: ألفي ألف وَألْفي ألف. 676 - / 800 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: جَاءَ رجل فَقَالَ لَهُ: أبدع بِي فَاحْمِلْنِي. فَقَالَ: " مَا عِنْدِي " فَقَالَ رجل: أَنا أدله على من يحملهُ. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من دلّ على خير فَلهُ مثل أجر فَاعله ". [15] قَوْله: أبدع: أَي عطبت ركابي أَو كلت فَانْقَطع بِي. يُقَال للرجل إِذا كلت رَاحِلَته أَو عطبت فَانْقَطع بِهِ: قد أبدع بِهِ، وَيُقَال: أبدعت الركاب: إِذا كلت. [15] وَقَوله: " من دلّ على خير فَلهُ مثل أجر فَاعله " فِيهِ إِشْكَال: وَهُوَ أَن يُقَال: الدّلَالَة كلمة تقال، وَفعل الْخَيْر إِخْرَاج مَال مَحْبُوب، فَكيف يتساوى الأجران؟ [15] فَالْجَوَاب: أَن المثلية وَاقعَة فِي الْأجر، فالتقدير: لهَذَا أجر كَمَا الحديث: 676 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 أَن لهَذَا أجرا وَإِن تفَاوت الأجران. وَمثل هَذَا قَوْله: " من سنّ سنة حَسَنَة فَلهُ أجرهَا وَأجر من عمل بهَا " وَقَوله: " الخازن الْأمين الَّذِي يُعْطي مَا أَمر بِهِ أحد المتصدقين " وَقَوله: " من جهز غازيا فقد غزا، وَمن خَلفه فِي أَهله بِخَير فقد غزا " وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الشَّرّ، فَإِنَّهُ لعن شَارِب الْخمر وعاصرها وحاملها حَتَّى عد عشرَة. وَلعن آكل الرِّبَا ومؤكله وكاتبه وشاهديه. 677 - / 801 وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله ". [15] هَذَا الحَدِيث يدل على تَقْدِيم الْقَارئ على الْفَقِيه، وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد بن حَنْبَل، وَإِنَّمَا يقدم إِذا كَانَ يعرف أَحْكَام الصَّلَاة، فَذَلِك الَّذِي هُوَ أولى من الْفَقِيه الَّذِي لَا يحسن إِلَّا الْفَاتِحَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: الْفَقِيه أولى. [15] وَقَوله: " فأقدمهم هِجْرَة " اعْلَم أَن التَّقَدُّم بِسَبَب الْهِجْرَة كَانَ يَوْمئِذٍ ثمَّ انْقَطع وَبقيت فضيلته موروثة، فَمن كَانَ من أَوْلَاد الْمُهَاجِرين، أَو كَانَ من آبَائِهِ أَو أسلافه من لَهُ قدم أَو سَابِقَة فِي الْإِسْلَام، أَو كَانَ آباؤه الحديث: 677 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 أقدم إسلاما فَهُوَ يقدم على النَّاقِص عَن مرتبته. فَإِن تَسَاوَت الْجَمَاعَة فِي ذَلِك أَو فِي عَدمه قدم الأسن، لِأَنَّهُ بِالسِّنِّ قد تقدم إِسْلَامه. [15] وَقَوله: " وَلَا تؤمن الرجل فِي سُلْطَانه " أَي فِي الْمَكَان الَّذِي ينْفَرد فِيهِ بِالْأَمر وَالنَّهْي. [15] وَقَوله: " وَلَا يقْعد فِي بَيته على تكرمته إِلَّا بِإِذْنِهِ " والتكرمة: مَا يخص بِهِ وَيكرم من فرَاش وَنَحْوه. [15] وَقَوله: " وأقدمهم قِرَاءَة " كَأَن الْإِشَارَة إِلَى السَّابِق إِلَى حفظ الْقُرْآن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 (62) كشف الْمُشكل من مُسْند شَدَّاد بن أَوْس [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان. 678 - / 802 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " سيد الاسْتِغْفَار أَن يَقُول العَبْد: اللَّهُمَّ أَنْت رَبِّي وَأَنا عَبدك ". [15] سيد الاسْتِغْفَار: أَي أفضله. وَالسَّيِّد هُوَ الْمُقدم. [15] وَقَوله: " وَأَنا على عَهْدك " فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا أَن الْمَعْنى: أَنا على مَا عاهدتك من الْإِيمَان بك وإخلاص الطَّاعَة لَك مَا اسْتَطَعْت. وَالثَّانِي: أَنا على مَا عهِدت إِلَيّ من أَمرك، أنتجز وَعدك فِي الثَّوَاب عَلَيْهِ. [15] وَقَوله: " مَا اسْتَطَعْت " فِيهِ اعْتِرَاف بِالْعَجزِ عَن كنه الْوَاجِب من حق الْحق عز وَجل. [15] وَقَوله: " أَبُوء " أَي أعترف بِالنعْمَةِ وَالِاسْتِغْفَار من الذُّنُوب، يُقَال: بَاء فلَان بِذَنبِهِ: إِذا احتمله كرها لَا يَسْتَطِيع دَفعه عَن نَفسه. [15] وَقَوله: " من قَالَهَا موقنا " الْيَقِين أبلغ علم مكتسب يرْتَفع مَعَه الحديث: 678 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 الشَّك لظُهُور برهانه. وَالْكَلَام يحْتَمل معنين: أَحدهمَا: الْيَقِين بِمن يقر لَهُ. وَالثَّانِي: الْيَقِين بِمَا تحويه الْكَلِمَات، وَذَلِكَ يكون بِحُضُور الْقلب، وَصدق الِاعْتِرَاف، لَا بلقلقة اللِّسَان فَقَط. 679 - / 803 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " إِن الله كتب الْإِحْسَان على كل شَيْء ". [15] أَي أَمر بالرفق واللطف. [15] وَقَوله: " فَإِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة " القتلة بِكَسْر الْقَاف: صُورَة القتلة، يُقَال: قَتله قتلة سوء. [15] وَالذّبْح مصدر ذبحه يذبحه. وأصل الذّبْح الشق، وَقد فسر إِحْسَان الذّبْح بقوله: " وليحد أحدكُم شفرته وليرح ذَبِيحَته " لِأَنَّهُ إِذا لم يفعل ذَلِك طَال تعذيبها، وراحتها بالتعجيل والتسهيل. الحديث: 679 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 (63) كشف الْمُشكل من مُسْند النُّعْمَان بن بشير [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة وَأَرْبَعَة عشر حَدِيثا. أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عشرَة. 680 - / 804 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: أَن أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي نحلت ابْني هَذَا غُلَاما لي. [15] " النحلة ": الْعَطِيَّة على وَجه الْهِبَة، وَقَالَ: نحل ووهب بِمَعْنى. [15] وَقَوله: " فأرجعه " وَقَوله: " لَا أشهد على جور " دَلِيل على أَنه إِذا فضل بعض وَلَده على بعض مَعَ تساويهم فِي الذكورية أَو الأنوثية فقد أَسَاءَ، وَيُؤمر بارتجاع ذَلِك وبالتسوية بَينهم، وَهَذَا مَذْهَب أَحْمد وَدَاوُد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يسترجع ذَلِك. [15] وَأما السّنة فِي الْعَطِيَّة فللذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَهَذَا قَول شُرَيْح وَمُحَمّد بن الْحسن وَأحمد بن حَنْبَل وَإِسْحَق. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: السّنة التَّسْوِيَة. 681 - / 805 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: الْحَلَال بَين وَالْحرَام بَين، الحديث: 680 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 وَبَينهمَا مُشْتَبهَات. [15] قَوْله: " الْحَلَال بَين " لِأَن الشَّرْع قد أوضح أمره. [15] والمشتبهات: الَّتِي لَا يُقَال فِيهَا حَلَال وَلَا حرَام، فَهِيَ تشتبه بالشيئين " فَمن اتَّقى الشُّبُهَات اسْتَبْرَأَ لدينِهِ " أَي احتاط لَهُ. [15] وَقَوله: " يرتع " أَي يرتع إبِله وغنمه وَقَوله: " أَلا " قَالَ الزّجاج: هِيَ كلمة يبتدأ بهَا يُنَبه بهَا الْمُخَاطب تدل على صِحَة مَا بعْدهَا. [15] والحمى: الْمَمْنُوع. " وَحمى الله مَحَارمه " أَي الَّتِي منع مِنْهَا وحرمها. [15] وَقَوله: " وَإِن فِي الْجَسَد مُضْغَة " المضغة: قدر مَا يمضغ. [15] وَسمي الْقلب قلبا لتقلبه فِي الْأُمُور. وَقيل: بل لِأَنَّهُ خَالص مَا فِي الْبدن، وخالص كل شَيْء قلبه. وَالْقلب أَمِير الْبدن، وَمَتى صلح الْأَمِير صلحت الرّعية. 682 - / 806 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " مثل الْمُؤمنِينَ فِي توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الْجَسَد ". [15] إِنَّمَا جعل الْمُؤمنِينَ كجسد وَاحِد لِأَن الْإِيمَان يجمعهُمْ كَمَا يجمع الْجَسَد الْأَعْضَاء، فلموضع اجْتِمَاع الْأَعْضَاء يتَأَذَّى الْكل بتأذى الْبَعْض وَكَذَلِكَ أهل الْإِيمَان، يتَأَذَّى بَعضهم بتأذي الْبَعْض. الحديث: 682 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 683 - / 807 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " إِن أَهْون أهل النَّار عذَابا لرجل يوضع فِي أَخْمص قَدَمَيْهِ جمرتان يغلي مِنْهُمَا دماغه " وَفِي رِوَايَة: " كَمَا يغلي الْمرجل ". [15] أَخْمص الْقدَم: بَاطِنهَا. [15] والمرجل: الْقدر الْكَبِيرَة من نُحَاس، وَجَمعهَا مراجل. وَقد جَاءَت هَذِه الصّفة فِي حق أبي طَالب عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس. [15] وَقَوله: " لَا يرى أَن أحدا أَشد عذَابا مِنْهُ " وَذَلِكَ أَنه يرى هَذِه الشدَّة الْعَظِيمَة فيظن أَنَّهَا النِّهَايَة، وظنه أَنه قد خص بأعظم الْعَذَاب عَذَاب فَوق عَذَابه. 684 - / 808 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " لتسون صفوفكم أَو ليخالفن الله بَين وُجُوهكُم ". [15] الظَّاهِر من قَوْله: " أَو ليخالفن الله بَين وُجُوهكُم " أَنه الْوَعيد الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى: {أَن نطمس وُجُوهًا فنردها على أدبارها} [النِّسَاء: 47] . [15] والقداح: السِّهَام. فَأَرَادَ أَنه كَانَ يقوم الصُّفُوف كَمَا تقوم السِّهَام. الحديث: 683 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 685 - / 809 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ: " مثل الْقَائِم فِي حُدُود الله وَالْوَاقِع فِيهَا ". الْقَائِم: الْمُسْتَقيم. [15] وَالْحُدُود: مَا منع الله عز وَجل من مجاوزتها. قَالَ الزّجاج: وأصل الْحَد فِي اللُّغَة الْمَنْع، وَمِنْه حد الدَّار: وَهُوَ مَا يمْنَع غَيرهَا من الدُّخُول فِيهَا. والحداد: الْحَاجِب والبواب، وكل من منع شَيْئا فَهُوَ حداد، قَالَ الْأَعْشَى: (فقمنا وَلما يَصح ديكنا ... إِلَى جونة عِنْد حدادها) [15] أَي عِنْد رَبهَا الَّذِي يمْنَعهَا إِلَّا لمن يُريدهُ. وأحدت الْمَرْأَة على زَوجهَا وحدت فَهِيَ حاد ومحداد: إِذا قطعت الزِّينَة وامتنعت مِنْهَا. وأحددت النّظر إِلَى فلَان: إِذا منعت نظرك من غَيره، وَسمي الْحَدِيد لِأَنَّهُ يمْتَنع بِهِ من الْأَعْدَاء. وَالْمرَاد من الحَدِيث أَنه إِذا سكت الْإِنْسَان عَن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر عُوقِبَ من عصى، لِأَن سُكُوته مَعَ الْقُدْرَة على الْإِنْكَار عصيان، وَإِن أَخذ على يَد العَاصِي بالزجر سلما جَمِيعًا. الحديث: 685 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 686 - / 810 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " لله أَشد فَرحا بتوبة عَبده من رجل حمل زَاده ومزاده ". [15] المزاد: مَا يكون فِيهِ المَاء من جُلُود. [15] والشرف: الْمَكَان العالي. وَالْمعْنَى: صعد إِلَى مَكَان عَال يشرف مِنْهُ على مَا وَرَاءه، هَل يرى مَا يَطْلُبهُ، ومشارف الأَرْض: أعاليها. [15] وَقَالَ: من القيلولة. [15] والخطام: زِمَام الْبَعِير، سمي خطاما لِأَنَّهُ على الخطم وَهُوَ الْأنف، وَقد شرحنا معنى هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 687 - / 811 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَة ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} و {هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية} . [15] هَذَا هُوَ الْمسنون فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْمَنْصُور عندنَا. وَعَن أَحْمد رِوَايَة: لَيْسَ فِيهِ معِين، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. وَقَالَ مَالك: يقْرَأ ب {سبح} (وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} وَقَالَ الشَّافِعِي: يقْرَأ فِي الأولى ب {ق} وَفِي الثَّانِيَة {اقْتَرَبت} وَهَذَا سَيَأْتِي فِي مُسْند أبي وَاقد اللَّيْثِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقرأهما فِي الْأَضْحَى وَالْفطر. الحديث: 686 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 [15] وَأما الْجُمُعَة فالمسنون عندنَا أَن يقْرَأ فيهمَا بِسُورَة الْجُمُعَة وَالْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي أَيْضا. وَيحمل هَذَا الحَدِيث على أَنه قد كَانَ يقْرَأ فِي بعض الْأَوْقَات بِهَذَا. وَأخذ مَالك بِهَذَا الحَدِيث وَقَالَ: السّنة أَن يقْرَأ ب {سبح} والغاشية. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ فيهمَا معِين. 688 - / 813 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: لقد رَأَيْت نَبِيكُم وَمَا يجد من الدقل مَا يمْلَأ بِهِ بَطْنه. الدقل: ردئ التَّمْر. وَهَذِه صفة لما كَانُوا فِيهِ من ضيق الْعَيْش. الحديث: 688 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 (64) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن أبي أوفى [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة وَتسْعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سِتَّة عشر حَدِيثا. 689 - / 814 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فِي رَمَضَان، فَلَمَّا غَابَتْ الشَّمْس قَالَ: " يَا فلَان، انْزِلْ فاجدح لنا ". [15] الجدح: أَن يخاض السويق بِالْمَاءِ ويحرك بالمجدح. والمجدح خَشَبَة لَهَا ثَلَاث جَوَانِب. [15] وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على اسْتِحْبَاب تَعْجِيل الْفطر. [15] وَقَوله: " فقد أفطر الصَّائِم " قد سبق بَيَانه فِي مُسْند عمر. [15] 690 - / 815 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: لما كَانَ يَوْم خَيْبَر وقعنا فِي الْحمر الْأَهْلِيَّة، فَنَادَى مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَن أكفئوا الْقُدُور، وَلَا تَأْكُلُوا من لُحُوم الْحمر شَيْئا ". الحديث: 689 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 فَقَالَ نَاس: إِنَّمَا نهى عَنْهَا لِأَنَّهَا لم تخمس، وَقَالَ آخَرُونَ: بل نهى عَنْهَا الْبَتَّةَ. [15] وَأما قَول الْقَائِلين: لِأَنَّهَا لم تخمس فَظن مِنْهُم لَيْسَ بِصَحِيح، وَلَوْلَا أَنه نهى عَنْهَا لذاتها مَا أَمر بإكفاء الْقُدُور. وَفِي مُسْند سَلمَة بن الْأَكْوَع أَنه أَمر بِكَسْر الْقُدُور، تَأْكِيدًا للتَّحْرِيم وتشديدا فِي النَّهْي. وَفِي بعض الْأَحَادِيث: " إِنَّهَا رِجْس ". 691 - / 817 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: بشر خَدِيجَة بِبَيْت فِي الْجنَّة من قصب، لَا صخب فِيهِ وَلَا نصب. [15] الْقصب: الدّرّ المجوف. والصخب: الْأَصْوَات المختلطة والجلبة. وَالنّصب: التَّعَب. وَفِي نفي الصخب وَالنّصب عَن هَذَا الْبَيْت وَجْهَان: أَحدهمَا أَن النصب لابد فِي كل بَيت من تَعب فِي إِصْلَاحه وصخب بَين سكانه، فَأخْبر أَن قُصُور الْجنَّة على خلاف ذَلِك. وَالثَّانِي: أَنَّهَا لما تعبت فِي تربية الْأَوْلَاد ناسب هَذَا ضَمَان الرَّاحَة. 692 - / 818 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " اللَّهُمَّ منزل الْكتاب، سريع الْحساب، اهزم الْأَحْزَاب ". [15] وَهَذَا الحَدِيث يدل على جَوَاز السجع فِي الْكَلَام. وَمثله: " أَبَا الحديث: 691 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 عُمَيْر، مَا فعل النغير ". [15] وَقَوله: " سريع الْحساب " فِي معنى سرعَة الْحساب خَمْسَة أَقْوَال: أَحدهَا: قلته، قَالَه ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: قرب مجيئة، قَالَه مقَاتل. وَالثَّالِث: أَنه لما علم مَا للمحاسب وَمَا عَلَيْهِ قبل حسابه كَانَ سريع الْحساب لذَلِك. وَالرَّابِع: أَن الْحساب بِمَعْنى الْجَزَاء، فَهُوَ سريع المجازاة. ذكر الْقَوْلَيْنِ الزّجاج. وَالْخَامِس: أَنه لَا يحْتَاج إِلَى فكر وروية كالعاجزين، ذكره أَبُو سُلَيْمَان الدِّمَشْقِي. [15] والأحزاب: الْجَمَاعَات. وَقَوله: " اهزمهم " قَالَ الزّجاج: أصل الهزم فِي اللُّغَة كسر الشَّيْء وَثني بعضه على بعض، يُقَال: سقاء مُنْهَزِم: إِذا كَانَ بعضه قد ثني على بعض مَعَ جفاف، وقصب مُنْهَزِم: قد كسر وشقق. وَالْعرب تَقول: هزمت على زيد: أَي عطفت عَلَيْهِ، قَالَ الشَّاعِر: (هزمت عَلَيْك الْيَوْم يَا ابْنة مَالك ... فجودي علينا بالنوال وأنعمي) [15] وَيُقَال: سَمِعت هزمة الرَّعْد. قَالَ الْأَصْمَعِي: كَأَنَّهُ صَوت فِيهِ تشقق. [15] " وزلزلهم " خوفهم وحركهم بِمَا يُؤْذِي، وأصل الزلزلة فِي اللُّغَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 من زل الشَّيْء عَن مَكَانَهُ، فَإِذا قلت زلزلته فتأويله: كررت زلزلته من مَكَانَهُ، وكل مَا كَانَ فِيهِ تَرْجِيع كررت فِيهِ فَاء الْفِعْل، تَقول: أقل فلَان الشَّيْء: إِذا رَفعه من مَكَانَهُ، فَإِذا كرر رَفعه ورده قيل: قلقلة. وَالْمعْنَى: كرر عَلَيْهِم التحريك بالخوف. [15] وَقَوله: " لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاء الْعَدو " وَهَذَا لِأَن متمني الْبلَاء لَا يدْرِي كَيفَ تكون حَاله. وَقد بَينا فِي مُسْند أبي مُوسَى معنى قَوْله: " الْجنَّة تَحت ظلال السيوف " وَأَنه إِذا تدانى الخصمان صَار كل مِنْهُمَا تَحت ظلّ سيف الآخر، فالجنة تنَال بِهَذَا 69 - 3 / 820 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفى ". [15] وَقد بَينا أَن الصَّلَاة من الله عز وَجل الرَّحْمَة. وَفِي معنى هَذَا الْكَلَام قَولَانِ: أَحدهمَا أَن الْآل صلَة، كَقَوْلِه: {وَبَقِيَّة مِمَّا ترك آل مُوسَى وَآل هَارُون} [الْبَقَرَة: 248] وَالْمعْنَى: صل على أبي أوفى. [15] وَالثَّانِي: أَنه قد علم دُخُول أبي أوفى فِي آله، فَحسن ذكرهم دونه، كَقَوْلِه: {وأغرقنا آل فِرْعَوْن} [الْبَقَرَة: 50] . 694 - / 822 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: قيل لِابْنِ أبي أوفى: كَيفَ الحديث: 694 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 كتب على النَّاس الْوَصِيَّة؟ . [15] الْإِشَارَة بِالْوَصِيَّةِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {كتب عَلَيْكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت إِن ترك خيرا الْوَصِيَّة} [الْبَقَرَة: 180] . وَهَذِه الْوَصِيَّة كَانَت فرضا بِدَلِيل قَوْله {كتب عَلَيْكُم} ثمَّ نسخت. قَالَ ابْن عَبَّاس: نسختها: {للرِّجَال نصيب مِمَّا ترك الْوَالِدَان وَالْأَقْرَبُونَ} [النِّسَاء: 7] . [15] وَفِي هَذَا الحَدِيث: قَالَ بعض الروَاة: ود أَبُو بكر لَو وجد عهدا من رَسُول الله فخزم أَنفه بخزامة. والخزامة: حَلقَة من شعر تجْعَل فِي أحد جَانِبي المنخرين من الْبَعِير يراض بذلك. وَمعنى الحَدِيث: لَو وجد أَبُو بكر عهدا لانقاد لَهُ. 695 - / 823 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: غزونا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبع غزوات نَأْكُل الْجَرَاد. [15] مَذْهَب جُمْهُور الْعلمَاء جَوَاز أكل الْجَرَاد، وَلَا يفرقون بَين مَا أَخذ حَيا أَو مَيتا. وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث: " أحلّت لنا ميتَتَانِ: السّمك وَالْجَرَاد " وَقَالَ مَالك: مَا أَخذ مِنْهُ حَيا فَغَفَلَ عَنهُ حَتَّى مَاتَ فَلَا يُؤْكَل. وَقَالَ اللَّيْث: أكره أكله مَيتا فَأَما مَا أَخذ وَهُوَ حَيّ فَلَا بَأْس بِهِ. الحديث: 695 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 696 - / 824 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْجَرّ الْأَخْضَر. قيل لَهُ: نشرب فِي الْأَبْيَض؟ قَالَ: " لَا " , [15] إِنَّمَا نهى عَن الْأَخْضَر لِأَنَّهُ يسْرع فِيهِ اشتداد النَّبِيذ وَإِن كَانَ يتباطأ فِي الْأَبْيَض، ثمَّ ثَبت تَحْرِيم السكر كَيفَ كَانَ، وَسقط حكم الأوعية. 697 - / 825 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: قيل لَهُ: أشهدت حنينا؟ قَالَ: قبل ذَلِك. [15] أَي شهِدت مَا قبل ذَلِك. 698 - / 826 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: مَاتَ إِبْرَاهِيم ابْن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَغِيرا. [15] كَانَ الْمُقَوْقس صَاحب الْإسْكَنْدَريَّة قد بعث مَارِيَة الْقبْطِيَّة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَولدت لَهُ إِبْرَاهِيم فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان من الْهِجْرَة، وَمَات وَهُوَ ابْن سِتَّة عشر شهرا، وَقيل: ثَمَانِيَة عشر شهرا. وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن لَهُ مُرْضعًا تتمّ رضاعه فِي الْجنَّة ". 699 - / 828 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: كُنَّا نُسلف على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. الحديث: 696 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 [15] المُرَاد بالسلف السّلم. وَعِنْدنَا أَنه يَصح السّلف فِي الْمَعْدُوم إِذا كَانَ يُوجد فِي مَحَله. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز. 700 - / 829 وَفِيمَا انْفَرد بِهِ مُسلم: " اللَّهُمَّ طهرني بالثلج وَالْبرد وَالْمَاء الْبَارِد ". [15] قَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا خص الثَّلج وَالْبرد لِأَنَّهُمَا ماءان مفطوران على الطَّهَارَة الأولى لم يمرسا بيد وَلم يخاضا بِرَجُل، وَذَلِكَ أوفى لصفة الطَّهَارَة، وَأبْعد لَهَا من مُخَالطَة شَيْء من أَنْوَاع النَّجَاسَة. وَقَالَ غَيره: هَذِه الْمَذْكُورَات صَافِيَة، فَهِيَ تَنْفِي الأوساخ أَكثر من المَاء الكدر. [15] وَبَاقِي الحَدِيث قد سبق شَرحه. الحديث: 700 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 (65) كشف الْمُشكل من مُسْند زيد بن أَرقم [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ اثْنَا عشر. 701 - / 830 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: كُنَّا نتكلم فِي الصَّلَاة حَتَّى نزلت: {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} [الْبَقَرَة: 238] فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ. [15] وَأما الْقيام فَالْمُرَاد بِهِ الْقيام فِي الصَّلَاة. وَأما الْقُنُوت فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ الطَّاعَة، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن قُتَيْبَة: لَا أرى أصل الْقُنُوت إِلَّا الطَّاعَة. وَقَالَ ابْن عمر: هُوَ طول الْقيام فِي الصَّلَاة. وَقَالَ قوم: هُوَ السُّكُوت، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث زيد، فَيكون الْمَعْنى على قَوْلهم: حققوا الطَّاعَة وَالْعِبَادَة بِالسُّكُوتِ عَن كَلَام الْخلق. [15] وَقد ذكرنَا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود مَتى حرم الْكَلَام فِي الصَّلَاة. الحديث: 701 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 702 - / 831 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كم غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: تسع عشرَة غَزْوَة، وَأول غزَاة غَزَاهَا ذَات العشير. [15] لَا يَخْلُو أَن يكون زيد أَشَارَ إِلَى مَا كَانَ فِيهِ مناوشة أَو قتال، أَو ذكر مَا يعلم، وَقد ذكرنَا عدد غَزَوَاته وَمَا قَاتل فِيهِ مِنْهَا فِي مُسْند بُرَيْدَة بن الْحصيب. [15] فَأَما ذَات العشير، فَتَارَة تروى بالشين الْمُعْجَمَة، وَتارَة بِالسِّين الْمُهْملَة. وَقد سَمَّاهَا مُحَمَّد بن سعد العشيره بِالْهَاءِ، وَذكر قبلهَا ثَلَاث غزوات. وَقد كَانَت غَزْوَة ذَات الْعَشِيرَة فِي جُمَادَى الْآخِرَة على رَأس سِتَّة عشر شهرا من مهَاجر رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحمل لِوَاءُهُ حَمْزَة، وَكَانَ لِوَاء أَبيض، واستخلف على الْمَدِينَة أَبَا سَلمَة بن عبد الْأسد، وَخرج يعْتَرض لعير قُرَيْش، وَهِي العير الَّتِي رجعت من الشَّام فِيهَا أَمْوَالهم، فَخرج فِي خمسين وَمِائَة. وَقيل: فِي مِائَتَيْنِ من الْمُهَاجِرين، وَلم يكره أحدا على الْخُرُوج، وَخَرجُوا على ثَلَاثِينَ بَعِيرًا يعتقبونها، فَبلغ ذَا الْعَشِيرَة، وَهِي لبني مُدْلِج بِنَاحِيَة يَنْبع، بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة تِسْعَة برد، ففاته العير، وَخرج قُرَيْش يمنعونها فَكَانَت وقْعَة بدر. 703 - / 832 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر أصَاب النَّاس فِيهِ شدَّة، فَقَالَ عبد الله بن أبي: لَا تنفقوا على من الحديث: 702 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا. [15] هَذَا السّفر الْمَذْكُور كَانَ فِي غزَاة الْمُريْسِيع. والمريسيع بِئْر لبني المصطلق، وَكَانَ ذَلِك فِي سنة خمس، وَقيل: سِتّ، وَكَانَ قد خرج مَعَه عبد الله بن أبي فِي جمَاعَة من الْمُنَافِقين طلبا للغنيمة لَا رَغْبَة فِي الْجِهَاد، لقرب ذَلِك السّفر، فَلَمَّا قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَزْوَة أقبل رجلَانِ يستقيان مَاء فاختصما، فَنَادَى أَحدهمَا: يال قُرَيْش، وَصَاح الآخر: يال الْخَزْرَج، فَقَالَ ابْن أبي لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا: أَي يتفرقوا. وَقَالَ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى المدنية ليخرجن الْأَعَز يَعْنِي نَفسه، وعنى بالأذل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] وَقَوله: {لووا رُءُوسهم} : أَي حركوها استهزاء بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبدعائه. [15] وَقَوله: {كَأَنَّهُمْ خشب مُسندَة} أَي ممالة إِلَى الْجِدَار. وَالْمرَاد أَنَّهَا لَيست بأشجار تثمر وتنمي. [15] وَقَوله: كَانُوا أجمل شَيْء قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ أبي جسيما فصيحا، ذلق اللِّسَان. 704 - / 833 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الذَّهَب بالورق دينا. الحديث: 704 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 الْوَرق: الْفضة وَهَذَا رَبًّا النَّسِيئَة، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند عمر. 705 - / 834 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: [15] أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لزيد: " هَذَا الَّذِي أوفى الله بأذنه ". [15] كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد خرج إِلَى الْمُريْسِيع، وَخرج مَعَه عبد الله ابْن أبي، فَقَالَ ابْن أبي: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل، فَسَمعَهَا زيد بن أَرقم، فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأرْسل إِلَى ابْن أبي فَأنْكر ذَلِك، وَحلف: إِنِّي مَا قلت، فلام النَّاس زيدا فَكَذبُوهُ، فَنزلت سُورَة الْمُنَافِقين، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزيد: " إِن الله قد صدقك " وَقَالَ: " هَذَا الَّذِي أوفى الله بأذنه " أَي أظهر صدقه فِي إخْبَاره عَمَّا سَمِعت أُذُنه. 706 - / 836 وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: [15] كبر زيد على جَنَازَة خمْسا وَقَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكبرها. [15] قد روى زيد وَحُذَيْفَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكبر خمْسا، إِلَّا أَن الحديث: 705 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 الْأَكْثَرين مِنْهُم ابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَجَابِر وَسَهل بن حنيف فِي آخَرين رووا عَنهُ أَنه كَانَ يكبر على الْجِنَازَة أَرْبعا، فَهَذَا كَانَ الْأَخير من فعله، وَيدل على ذَلِك مصير الْقَوْم إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ قد كَانَ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَابْن مَسْعُود فِي جمَاعَة من الصَّحَابَة يكبرُونَ أَرْبعا وهم أعلم بناسخ حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومنسوخه. 707 - / 837 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أهدي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُضْو من لحم صيد فَرده وَقَالَ: " إِنَّا لَا نأكله، إِنَّا حرم ". [15] وَهَذَا مَحْمُول على أَنه صيد لأَجله، فَلذَلِك امْتنع من أكله. 708 - / 838 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " صَلَاة الْأَوَّابِينَ حِين ترمض الفصال ". [15] الأواب: الرجاع، كَأَنَّهُ أذْنب ثمَّ رَجَعَ بِالتَّوْبَةِ. والفصال والفصلان: صغَار الْإِبِل، وَالْوَاحد فصيل. وَمعنى ترمض: يُصِيبهَا حر الرمضاء: وَهُوَ الرمل يحمى بَحر الشَّمْس فتبرك الفصال من شدَّة احتراق أخفافها، وَالْمعْنَى: صَلَاة الْأَوَّابِينَ عِنْد شدَّة ارْتِفَاع الشَّمْس. وَالْإِشَارَة إِلَى صَلَاة الضُّحَى، وَذَلِكَ أفضل وَقتهَا. 709 - / 839 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الحديث: 707 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 الْعَجز والكسل والجبن ". [15] هَذِه أُمُور تنشأ عَن ضعف فِي النَّفس، إِمَّا جبلة، وَإِمَّا لبعد الرياضة. وَالْبخل فِي الْغَالِب يكون طبعا. والهرم: حَالَة انحلال البنية، فَيصير الْإِنْسَان كلا على غَيره، ويثقل عَلَيْهِ حمل نَفسه. [15] وَقَوله: " زكها " أَي طهرهَا من الذُّنُوب وَأَصْلَحهَا. 710 - / 841 وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " إِنِّي تَارِك فِيكُم ثقلين: كتاب الله، وَأهل بَيْتِي ". [15] الثّقل: مَا يثقل حامله. والثقلان: الْإِنْس وَالْجِنّ، وسميا بذلك لِأَنَّهُمَا ثقل الأَرْض، إِذْ كَانَت تحملهم أَحيَاء وأمواتا. قَالَت الخنساء ترثي أخاها: (أبعد ابْن عَمْرو من آل الشريد ... حلت بِهِ الأَرْض أثقالها) [15] حلت من التحلية: أَي زانت بِهِ موتاها. [15] وَلما ذكر الْقُرْآن مَعَ مَا يثقل حَقِيقَة وهم أهل بَيته أجراه مجْرى الْمَذْكُور مَعَه، وَقد فسر زيد أهل بَيته فِي هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: أهل بَيته من حرم الصَّدَقَة، وهم آل عَليّ وَآل عقيل وَآل جَعْفَر. الحديث: 710 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 (66) كشف الْمُشكل من مُسْند ثَابت بن الضَّحَّاك الْأنْصَارِيّ [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة عشر حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان. 711 - / 842 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " من حلف على يَمِين بِملَّة غير الْإِسْلَام كَاذِبًا مُتَعَمدا فَهُوَ كَمَا قَالَ ". [15] اعْلَم أَنه إِنَّمَا يحلف الْحَالِف بِمَا هُوَ عَظِيم عِنْده، وَمن اعْتقد تَعْظِيم مِلَّة من ملل الْكفْر فقد ضاه الْكفَّار، وَلما كَانَ مَا يحلف عَلَيْهِ كذبا نفق الْكَذِب بِيَمِين هِيَ معظمة عِنْده. [15] وَقَوله: " وَمن قتل نَفسه بِشَيْء عذب بِهِ " سَيَأْتِي فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " من تحسى سما فَقتل نَفسه فَهُوَ يتحساه فِي نَار جَهَنَّم، وَمن قتل نَفسه بحديدة فحديدته فِي يَده يتوجأ بهَا فِي بَطْنه فِي نَار جَهَنَّم، وَمن تردى من جبل فَهُوَ يتردى فِي نَار جَهَنَّم ". [15] وَقَوله: " لَيْسَ على الْمُؤمن نذر فِيمَا لَا يملكهُ " وَهَذَا مثل أَن ينذر عتق من لَا يملك، فَإِنَّهُ لَا ينْعَقد نَذره، وَلَا يجب عَلَيْهِ شَيْء فِي إِحْدَى الحديث: 711 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَفِي الْأُخْرَى: عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين. [15] وَقَوله: " لعن الْمُؤمن كقتله " وَذَلِكَ أَن اللاعن لِلْمُؤمنِ كَأَنَّهُ أخرجه من حيّز الْمُؤمنِينَ، فَكَأَنَّهُ أعدم وجوده كَمَا لَو قَتله، وَكَذَلِكَ إِذا رَمَاه بالْكفْر. [15] وَقَوله: " وَمن ادّعى دَعْوَى كَاذِبَة ليتكثر بهَا لم يزده الله إِلَّا قلَّة " وَذَلِكَ أَنه من طلب تَحْصِيل شَيْء من الدُّنْيَا بالمعصية عُوقِبَ بانعكاس مَقْصُوده. 711 - م 843 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْمُزَارعَة، وَأمر بالمؤاجرة. [15] وَقد تكلمنا فِي هَذَا فِي مُسْند ظهير بن رَافع، ومسند رَافع بن خديج وَبينا أَنهم كَانُوا يزارعون بِمَا يخرج على السواقي وَنَحْو هَذَا، فَلذَلِك نهوا، وَذكرنَا هُنَاكَ الْكَلَام فِي الْمُزَارعَة بِبَعْض مَا تخرج الأَرْض، وَالْخلاف فِيهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 (67) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي بشير الْأنْصَارِيّ [15] واسْمه قيس بن عبيد. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة أَحَادِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد. 712 - / 844 وَفِيه: " لَا تبقين فِي رَقَبَة بعير قلادة من وتر أَو قلادة إِلَّا قطعت ". [15] وَرُبمَا صحف من لَا علم لَهُ بِالْحَدِيثِ فَقَالَ: من وبر بِالْبَاء، وَإِنَّمَا هِيَ تَاء. وَالْمرَاد بهَا أوتار القسي. وَفِي تَفْسِير الحَدِيث ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنهم كَانُوا يقلدونها أوتار القسي لِئَلَّا تصيبها الْعين على زعمهم، فَأَمرهمْ بقطعها ليعلمهم أَن الأوتار لَا ترد من أَمر الله شَيْئا، هَذَا قَول مَالك بن أنس الْفَقِيه. وَالثَّانِي: أَنه نهى عَن تقليدها أوتار القسي لِئَلَّا تختنق عِنْد شدَّة الركض، وَهَذَا قَول مُحَمَّد بن الْحسن الْفَقِيه. وَالثَّالِث: أَنه أَمر بقطعها لأَنهم كَانُوا يعلقون فِيهَا الْأَجْرَاس، حَكَاهُ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ. الحديث: 712 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 (68) كشف الْمُشكل من مُسْند الْبَراء بن عَازِب [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثمِائَة حَدِيث وَخَمْسَة أَحَادِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا. 713 - / 845 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: ذبح أَبُو بردة نيار قبل الصَّلَاة، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أبدلها " فَقَالَ: يَا رَسُول الله، لَيْسَ عِنْدِي إِلَّا جَذَعَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اجْعَلْهَا مَكَانهَا، وَلنْ تجزي عَن أحد بعْدك ". [15] الْجَذعَة: مَا قوي من الْغنم وَصَارَ جفرا وَذَلِكَ قبل أَن يحول عَلَيْهِ الْحول، وَإِذا تمّ لَهُ حول صَار ثنيا. وَلَا يجوز فِي الْأَضَاحِي دون الْجذع من الضَّأْن وَهُوَ مَا كمل لَهُ سِتَّة أشهر. والثني مَا عدا ذَلِك. والثني من الْمعز: مَا كمل لَهُ سنة، وَمن الْبَقر مَا كمل لَهُ سنتَانِ، وَمن الْإِبِل مَا كمل لَهُ خمس سِنِين. الحديث: 713 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 [15] وتجزي مَفْتُوحَة التَّاء، قَالَ أَبُو عبيد: وَالْمعْنَى لَا تقضي عَن أحد بعْدك، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {لَا تجزي نفس عَن نفس شَيْئا} [الْبَقَرَة: 48] . قَوْلهم: أجزاني الشَّيْء إِجْزَاء بِمَعْنى كفاني، فَهُوَ مَهْمُوز، وَلَيْسَ من هَذَا. [15] وَهَذَا تَخْصِيص لهَذَا الرجل وَلَيْسَ بنسخ، لِأَن النّسخ إِنَّمَا يَقع عَامَّة لِلْخلقِ. [15] والداجن: الَّتِي تعلف من الْبَيْت. وَقَوله " من الْمعز " مَحْمُول على أَنه قد كَانَت مِمَّا يجوز أَن يضحى بهَا. [15] والنسك: الذّبْح. والنسيكة: الذَّبِيحَة. وَلما ذبح الأولى ظنا مِنْهُ أَنَّهَا تكفيه أثيب بنيته، لذَلِك سَمَّاهَا الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام نسيكة. [15] وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن الذّبْح قبل الصَّلَاة لَا يَجْزِي عَن الْأُضْحِية، قَالَ أَصْحَابنَا: وَإِذا مضى مِقْدَار وَقت الصَّلَاة جَازَ الذّبْح. 714 - / 846 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: عَن عبد الله بن يزِيد قَالَ: حَدثنَا الْبَراء - وَهُوَ غير كذوب - قَالَ: كُنَّا نصلي خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا قَالَ: " سمع الله لمن حَمده " لمن يحن أحد منا ظَهره حَتَّى يضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَبهته على الأَرْض. [15] الَّذِي ذكره الْحميدِي من قَوْله عَن عبد الله بن يزِيد قَالَ: حَدثنَا الْبَراء وَهُوَ غير كذوب، يُعْطي أَن التَّابِعِيّ قَالَ عَن الصَّحَابِيّ، وَلَيْسَ الحديث: 714 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 كَذَلِك، وَإِنَّمَا هَذَا الحَدِيث يرويهِ أَبُو إِسْحَق، قَالَ: حَدثنِي الْبَراء وَهُوَ غير كذوب، يُشِير أَبُو إِسْحَق إِلَى عبد الله بن يزِيد لَا إِلَى الْبَراء، كَذَلِك قَالَ يحيى بن معِين، قَالَ: لَا يُقَال لرجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَهُوَ غير كذوب، فَأخْرج الْحميدِي طرف الحَدِيث فَصَارَ مُضَافا إِلَى الْبَراء، ثمَّ قَوْله غير كذوب تثبيت لصدق الرَّاوِي وَلَا يُوجب تُهْمَة فِي حَقه. [15] وَقد دلّ الحَدِيث على حسن الْمُتَابَعَة للْإِمَام، وَإنَّهُ لَا يشرع الْمَأْمُوم فِي فعل حَتَّى يتمه الإِمَام. 714 - م / 848 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: وجدت قِيَامه فركعته فاعتداله فسجدته فجلسته مَا بَين السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبا من السوَاء. [15] وَإِنَّمَا تَسَاوَت هَذِه الْأَحْوَال لاختصار الْقيام وَتَطْوِيل التَّسْبِيح وَالذكر. [15] وَقَوله: " وَلَا ينفع ذَا الْجد " قَالَ أَبُو عبيد: الْجد بِالْفَتْح لَا غير: الْغنى والحظ يُقَال: لفُلَان فِي هَذَا الْأَمر جد: إِذا كَانَ مرزوقا مِنْهُ، وَالْمعْنَى: لَا ينفع ذَا الْغنى مِنْك غناهُ، وَإِنَّمَا يَنْفَعهُ الْعَمَل بطاعتك. قَالَ أَبُو عبيد: وَزعم بعض النَّاس أَنه بِكَسْر الْجِيم وَهُوَ الِاجْتِهَاد فِي الْعَمَل، قَالَ: وَهَذَا التَّأْوِيل خلاف مَا دَعَا الله إِلَيْهِ الْمُؤمنِينَ حَيْثُ قَالَ: {وَاعْمَلُوا صَالحا} [الْمُؤْمِنُونَ: 51] وَقَالَ: (إِنَّا لَا نضيع أجر من أحسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 عملا} [الْكَهْف: 30] فَكيف يحثهم على الْعَمَل وَلَا يَنْفَعهُمْ. وَقلت: وَالَّذِي نفر مِنْهُ أَبُو عبيد لَهُ وَجه: وَهُوَ أَن من قضي عَلَيْهِ الشَّقَاء لم يَنْفَعهُ علمه بِالظَّاهِرِ، وَمن قدرت لَهُ السَّعَادَة لم يضرّهُ مَا يُعلمهُ من شَرّ، وَإِنَّمَا الْعَمَل للسوابق لَا للأعمال، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " مَا مِنْكُم من ينجيه عمله " قَالُوا: وَلَا أَنْت؟ قَالَ: " وَلَا أَنا، إِلَّا أَن يتغمدني مِنْهُ برحمة ". 715 - / 849 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسبع، ونهانا عَن سبع: أمرنَا بعيادة الْمَرِيض، وَاتِّبَاع الْجَنَائِز، وتشميت الْعَاطِس، وإبرار الْقسم، وَنصر الْمَظْلُوم، وَإجَابَة الدَّاعِي، وإفشاء السَّلَام. وَفِي رِوَايَة: وإنشاد الضال. [15] أما عِيَادَة الْمَرِيض فمسنونة لمعنيين: أَحدهمَا: تطيب قلبه واستعرض حَوَائِجه. وَالثَّانِي: الاتعاظ بمصرعه. [15] وَأما اتِّبَاع الْجِنَازَة فلثلاثة معَان: أَحدهَا: قَضَاء حَقه من حمله وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَدَفنه، وَذَلِكَ وَاجِب على الْكِفَايَة. وَالثَّانِي: قَضَاء حق أَهله من مساعدتهم على تشييعه، وتطييب قُلُوبهم وتعزيتهم. وَالثَّالِث: الِاعْتِبَار بِتِلْكَ الْحَال. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: والجنازة بِالْفَتْح: الْمَيِّت، وبالكسر: السرير. الحديث: 715 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 وَقَوله: وتشميت الْعَاطِس. قد سبق معنى التشميت فِي مُسْند أبي مُوسَى. وَأما إبرار الْقسم فلمعنيين: أَحدهمَا: لتعظيم الْمقسم بِهِ. وَالثَّانِي: لِئَلَّا يَحْنَث الْحَالِف. [15] وَأما نصر الْمَظْلُوم فلمعنيين: أَحدهمَا: إِقَامَة الشَّرْع بِإِظْهَار الْعدْل. وَالثَّانِي نصر الْأَخ الْمُسلم أَو الدّفع عَن الْكِتَابِيّ وَفَاء بِالذِّمةِ. [15] وَأما إِجَابَة الدَّاعِي فبالإشارة إِلَى الطَّعَام الْمَدْعُو إِلَيْهِ، فَإِن كَانَت وَلِيمَة عرس فإجابة الدَّاعِي إِلَيْهَا إِذا كَانَ مُسلما وَاجِبَة، فَإِن دَعَاهُ فِي الْيَوْم الثَّانِي اسْتحبَّ لَهُ الْإِجَابَة، وَإِن دَعَاهُ فِي الْيَوْم الثَّالِث لم يسْتَحبّ لَهُ الْإِجَابَة. فَإِذا حضر وَكَانَ صَائِما فَلَا يَخْلُو صَوْمه أَن يكون وَاجِبا: فَليدع ولينصرف، أَو أَن يكون تَطَوّعا فالاستحباب أَن يفْطر. فَإِن كَانَ فِي تِلْكَ الْوَلِيمَة آلَة اللَّهْو نظر فِي حَاله، فَإِن كَانَ قدر على الْإِنْكَار حضر، وَإِن لم يقدر لم يحضر. فَإِذا حضر فَرَأى على الثِّيَاب صور الْحَيَوَان، فَإِن كَانَت مفروشة أَو يتكأ إِلَيْهَا كالمخاد جلس، وَإِن كَانَت على الْحِيطَان والستور لم يجلس، وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد فِي ستر الْحِيطَان بِثِيَاب غير مصورة، أَو عَلَيْهَا صور غير الْحَيَوَان، فَعَنْهُ أَنه حرَام، فعلى هَذِه الرِّوَايَة، لَا يجلس، وَعنهُ أَنه مَكْرُوه، فعلى هَذِه: لَا ينْصَرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 وَإِن كَانَت الْوَلِيمَة لغير عرس فالإجابة إِلَيْهَا غير وَاجِبَة. وَأما إفشاء السَّلَام فَهُوَ إِظْهَاره ونشره، وَذَلِكَ مِمَّا يُوجب الود، وَيرْفَع التشاحن. وَأما إنشاد الضال فَهُوَ تَعْرِيفه، يُقَال: نشدت الضَّالة: إِذا طلبتها، وأنشدتها: عرفتها. [15] قَوْله: ونهانا عَن خَوَاتِيم الذَّهَب. وَهَذَا نهى تَحْرِيم. وَكَذَلِكَ الشَّرَاب فِي آنِية الْفضة. وَأما المياثر فَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان البستي: هِيَ مراكب تتَّخذ من حَرِير، سميت مبَاشر لوثارتها ولينها. [15] والقسي قد سبق شَرحه فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. [15] والإستبرق: غليظ الديباج، فَارسي مُعرب، وَأَصله إستفره. قَالَ ابْن دُرَيْد: إستروه، وَنقل من العجمية إِلَى الْعَرَبيَّة، فَلَو حقر استبرق أَو كسر لَكَانَ فِي التحقير أُبَيْرِق، وَفِي التكسير أبارق، بِحَذْف السِّين وَالتَّاء جَمِيعًا. وَهَذِه الْأَشْيَاء الْمَذْكُور كلهَا حَرِير، فَلذَلِك حرمت. وَقد سبق ذكر الديباج فِي مُسْند حُذَيْفَة. [15] وآنية الْفضة مُحرمَة على الرِّجَال وَالنِّسَاء، لِأَن اسْتِعْمَالهَا من بَاب السَّرف وَالْخُيَلَاء وإضاعة المَال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 716 - / 850 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: كَانَت الْأَنْصَار إِذا حجُّوا فَجَاءُوا لم يدخلُوا من قبل أَبْوَاب الْبيُوت، فجَاء رجل من الْأَنْصَار فَدخل من قبل بَابه، فَكَأَنَّهُ عير بذلك، فَنزلت: {وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا وَلَكِن الْبر من اتَّقى وَأتوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا} [الْبَقَرَة: 189] . [15] هَذِه عَادَة كَانَت لَهُم فِي الْجَاهِلِيَّة واستمروا عَلَيْهَا، فأعلموا أَن الْبر هُوَ الطَّاعَة لَيْسَ بِهَذَا الْفِعْل، وَإِنَّمَا هُوَ بر من اتَّقى مَا حرم عَلَيْهِ. 717 - / 851 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع " إِذا أويت إِلَى فراشك فَقل: اللَّهُمَّ إِن أسلمت نَفسِي إِلَيْك ". [15] أويت: صرت إِلَيْهِ: يُقَال: أَوَى الْإِنْسَان إِلَى منزله أويا، وآويته إيواء، والمأوى: مَكَان كل شَيْء. [15] وَقَوله: " أسلمت نَفسِي إِلَيْك " مثل سلمتها. " ووجهت وَجْهي " يحْتَمل الْعُضْو الْمَعْرُوف، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِالْوَجْهِ الْقَصْد، فَكَأَنَّهُ يَقُول: قصدتك فِي طلب سلامتي، " وفوضت أَمْرِي إِلَيْك " أَي رَددته إِلَيْك " وألجأت ظَهْري " أَي أملته. يُقَال: لَجأ فلَان إِلَى كَذَا: أَي مَال إِلَيْهِ. وَقَوله: " رَغْبَة وَرَهْبَة إِلَيْك " أسقط من الرهبة لَفْظَة مِنْك، وأعمل لفظ الرَّغْبَة بقوله: " إِلَيْك " على عَادَة الْعَرَب فِي أشعارهم: الحديث: 716 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 ( ... ... ... ... وزججن الحواجب والعيونا ... ) [15] والعيون لَا تزجج، وَلَكِن لما جمعهَا فِي النّظم حمل أَحدهمَا على حكم الآخر فِي اللَّفْظ. [15] والفطرة هَاهُنَا: دين الْإِسْلَام. [15] والمضجع: مَوضِع الانضجاع. فَأَما أمره بِالْوضُوءِ عِنْد النّوم فَيدل على أَن الْوضُوء عبَادَة مُرَادة لنَفسهَا؛ لِأَنَّهُ أمره بِهِ عِنْد المناقض. [15] وَقَوله: " اضْطجع على شقك الْأَيْمن " وَهَذَا هُوَ الْمصلحَة فِي النّوم عِنْد الْأَطِبَّاء أَيْضا، فأنهم يَقُولُونَ: يَنْبَغِي أَن يضطجع على الْجَانِب الْأَيْمن سَاعَة ثمَّ يَنْقَلِب إِلَى الْأَيْسَر فينام، فَإِن النّوم على الْيَمين سَبَب انحدار الطَّعَام، لِأَن نصبة الْمعدة تَقْتَضِي ذَلِك، وَالنَّوْم على الْيَسَار يهضم لاشتمال الكبد على الْمعدة [15] وَقَوله: " واجعلهن آخر مَا تَقول " ليَكُون ختام الْكَلَام. [15] فَقلت: أستذكرهن: أَي أكررهن ليثبتن فِي ذكري. [15] وبرسولك، فَقَالَ لَا، وبنبيك. المكرر للفظ أَبُو إِسْحَق السبيعِي، وَالَّذِي رد عَلَيْهِ الْبَراء رَاوِي الحَدِيث. وَفِي أمره بِحِفْظ هَذَا اللَّفْظ دون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 غَيره مَا يدل على أَنه يَنْبَغِي أَن يُرَاعِي اللَّفْظ. وَقد كَانَ خلق من السّلف يراعون الْأَلْفَاظ. وَهَذَا لِأَنَّهُ قل أَن يَنُوب لفظ عَن لفظ إِلَّا وَبَينهمَا نوع فرق، فَمَتَى أمكن مُرَاعَاة اللَّفْظ كَانَ أَجود، وَإِذا لم يُمكن جَازَ لذِي الْفِقْه والفهم أَن يروي بِالْمَعْنَى. وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ يروي الحَدِيث بِالْمَعْنَى. وَهَذِه الْأَلْفَاظ الْمَذْكُورَة هَاهُنَا يسيرَة فَأمكن ضَبطهَا. وَيجوز أَن يكون إِنَّمَا رده عَن ذكر الرَّسُول إِلَى ذكر النَّبِي لفائدة، وَهِي تحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون مُرَاده الْجمع لَهُ بَين الاسمين: النُّبُوَّة والرسالة، فَإِنَّهُ نَبِي قبل أَن يُرْسل، فَأَرَادَ أَن يصفه بِالنُّبُوَّةِ ثمَّ بالرسالة. وَلَو قَالَ: برسولك الَّذِي أرْسلت كَانَت صفة وَاحِدَة مكررة. وَالثَّانِي: أَن يكون ذكر النَّبِي احترارا من أَن يُضَاف ذَلِك إِلَى جِبْرِيل، لِأَنَّهُ إِذا قَالَ: بكتابك وَرَسُولك، احْتمل الرَّسُول جِبْرِيل، وَلم يكن للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ ذكر. [15] وَفِي آخر هَذَا الحَدِيث رِوَايَة فِيهَا: " اللَّهُمَّ بِاسْمِك أَحْيَا وباسمك أَمُوت " وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند حُذَيْفَة. 718 - / 852 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: أَنه كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام ينْقل التُّرَاب وَيَقُول: " اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْت مَا اهتدينا ". [15] هَذَا كَانَ يَوْم الخَنْدَق، فَأحب أَن يَأْخُذ نَصِيبا من التَّعَب فِي طَاعَة الله سُبْحَانَهُ، وتمثل بِشعر غَيره. الحديث: 718 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 719 - / 853 وَأما الحَدِيث التَّاسِع: فقد تقدم. 720 - / 854 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: ذكر " الْكَلَالَة " وَقد تقدّمت فِي مُسْند عمر. 721 - / 855 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: انْطلق أخفاء من النَّاس وحسر إِلَى هوَازن. [15] قَوْله: انْطلق أخفاء من النَّاس. هَذَا الْمَرْوِيّ المتداول. والأخفاء: السراع. وَقد رَوَاهُ ابْن قُتَيْبَة فَقَالَ: انْطلق جفَاء من النَّاس، وَقَالَ: وهم سرعَان النَّاس، شبههم بجفاء السَّيْل. [15] والحسر: الَّذين لَا دروع عَلَيْهِم. والرشق: الْوَجْه من الرَّمْي، وَهُوَ أَن يَرْمِي الْقَوْم بأجمعهم، فَيَقُولُونَ رمينَا رشقا بِكَسْر الرَّاء فَأَما الرشق بِفَتْح الرَّاء فَهُوَ مصدر رشق يرشق رشقا. [15] وَالرجل من الْجَرَاد: الْقطعَة مِنْهُ. [15] فانكشفوا: يَعْنِي انْهَزمُوا. [15] وَأَبُو سُفْيَان هُوَ ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، واسْمه الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب، وَكَانَ أَخا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الرضَاعَة، الحديث: 719 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 أَرْضَعَتْه حليمة أَيَّامًا، فَلَمَّا بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَادَاهُ وهجاه وَكَانَ شَاعِرًا ثمَّ تَلقاهُ فِي فتح مَكَّة فَأسلم قبل الْفَتْح، وَلما حَضرته الْوَفَاة قَالَ لأَهله: لَا تبكوا عَليّ، فَإِنِّي لم أتنطف بخطيئة مُنْذُ أسلمت. [15] وَقَوله: " أَنا النَّبِي لَا كذب " قد تكلم النَّاس فِي إنشاده مثل هَذَا مَعَ كَونه لَا يحسن قَول الشّعْر، فَقَالَ قوم: كَانَ إِذا أنْشد بَيْتا لَا يقيمه، واحتال بعض الروَاة فروى: أَنا النَّبِي لَا كذب بِنصب الْبَاء، وَهَذَا كُله لَا يحْتَاج إِلَيْهِ؛ لِأَن كل مَا ينْقل عَنهُ من الشّعْر فَهُوَ لغيره وَإِنَّمَا كَانَ يتَمَثَّل بِهِ، فَأَما قَول الشّعْر من قبل نَفسه فَإِنَّهُ منع من ذَلِك فَلَا يَتَأَتَّى لَهُ. وَهَذَا الْبَيْت لَا يَخْلُو من أَمريْن: إِمَّا أَن يكون قد قَالَه غَيره فأنشده: أَنْت النَّبِي لَا كذب، فَغَيره هُوَ وَقت الإنشاد. أَو يكون قد قَالَه وَلَا يقْصد الشّعْر فَوَقع شعرًا. وَإِذا تَأَمَّلت هَذَا وجدته يَقع كثيرا فِي كَلَام النَّاس، حَتَّى فِي الْقُرْآن الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شعر قطعا، مثل قَوْله تَعَالَى: {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} [آل عمرَان: 92] وَقَوله: {وجفان كالجواب وقدور راسيات} [سبأ: 13] . وَقَالَ بعض المرضى لأَهله: اذْهَبُوا بِي إِلَى الطَّبِيب وَقُولُوا قد اكتوى. فَخرج هَذَا على وزن الشّعْر وَإِن لم يَقْصِدهُ. [15] فَإِن قيل: فَكيف يفتخر بِعَبْد الْمطلب وفخره بِالدّينِ أولى، مَعَ أَنه قد نهى عَن الافتخار بِالْآبَاءِ؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 [15] فَالْجَوَاب من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَنه يصلح فِي الْحَرْب مَالا يصلح فِي غَيرهَا من الافتخار وَالْخُيَلَاء. وَقد قَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم خَيْبَر: أَنا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدرة. وَالثَّانِي: أَنه لم يرد بذلك الافتخار بِالْآبَاءِ، إِنَّمَا قصد الافتخار بِنَفسِهِ، وَإِنَّمَا ذكر الْأَب للتعريف، كَمَا يَقُول الْغَالِب لعَدوه: أَنا فلَان بن فلَان، وَمَعْنَاهُ: اعرفني، فَأَنا الَّذِي قهرتك، وَأَنا الَّذِي عاديتني، أَو يُرِيد: إِن نسبي صَحِيح، قَالَ خفاف بن ندبة: (أَقُول لَهُ وَالرمْح يأطر مَتنه ... تَأمل خفافا إِنَّنِي أَنا ذالكا) [15] وَالثَّالِث: أَنه ذكرهم بِهَذَا النّسَب أَشْيَاء كَانُوا يعرفونها فِي عبد الْمطلب، مشهورها أَرْبَعَة أَشْيَاء: أَحدهَا رُؤْيا رَآهَا عبد الْمطلب فَأخْبر بهَا قُريْشًا فعبرت أَنه سَيكون لَهُ ولد يسود النَّاس ويملكهم، فأذكرهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الرُّؤْيَا لتقوى نفوس المنهزمين من أَصْحَابه، ويوقنوا بِأَن الْعَاقِبَة لَهُ. وَالثَّانِي: أَن عبد الْمطلب وَفد على سيف بن ذِي يزن فَأخْبرهُ سيف أَنه سَيكون من أَوْلَاده نَبِي، وَكَانَ هَذَا الْأَمر مَشْهُورا بَينهم. وَالثَّالِث: أَن عبد الْمطلب أُتِي فِي مَنَامه فَقيل لَهُ: احْفِرْ زَمْزَم: قَالَ: وَمَا زَمْزَم؟ قَالَ: لَا تنزح وَلَا تذم، تَسْقِي الحجيج الْعظم فانتبه فحفرها، فَقَالَت لَهُ قُرَيْش: أشركنا فِيهَا، قَالَ: لَا، هَذَا شَيْء خصصت بِهِ دونكم، فحاكموه إِلَى كاهنة بن يسْعد، فَلَمَّا خَرجُوا عطشوا فِي الطَّرِيق، فانبعثت عين مَاء من تَحت خف رَاحِلَة عبد الْمطلب، فَقَالُوا: قد قضى لَك الَّذِي سقاك، فَلَا نخاصمك أبدا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 [15] وَالرَّابِع: أَنهم أمروا فِي النّوم أمروا فِي النّوم بالاستسقاء بِعَبْد الْمطلب: أخبرنَا عبد الله بن عَليّ بن عَليّ الْمُقْرِئ وَمُحَمّد بن نَاصِر قَالَا: أخبرنَا طراد ابْن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن مُحَمَّد بن بَشرَان قَالَ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن صَفْوَان قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد الْقرشِي قَالَ: حَدثنِي زَكَرِيَّا بن يحيى الطَّائِي قَالَ: حَدثنِي زحر من حُصَيْن عَن جده حميد بن منْهب قَالَ: قَالَ عمي عُرْوَة بن مُضرس يحدث عَن مخرمَة ابْن نَوْفَل عَن أمه رقيقَة ابْنة أبي صَيْفِي بن هِشَام. وَكَانَت لِدَة عبد الْمطلب، قَالَ: تَتَابَعَت على قُرَيْش سنُون أقحلت الضَّرع، وأدقت الْعظم، فَبينا أَنا نَائِمَة - اللَّهُمَّ أَو مهمومة - إِذا هَاتِف يصْرخ بِصَوْت صَحِلَ يَقُول: يَا معشر قُرَيْش، إِن هَذَا النَّبِي الْمَبْعُوث فِيكُم قد اظلتكم أَيَّامه، وَهَذَا إبان نجومه، فحي هلا بالحيا وَالْخصب، أَلا فانظروا رجلا مِنْكُم وسطا عظاما جِسَامًا ابيض بضا، أَوْطَفُ الْأَهْدَاب، سهل الْخَدين، أَشمّ الْعرنِين، لَهُ فَخر يَكْظِم عَلَيْهِ، وَسنة تهدى إِلَيْهِ، فَلْيخْلصْ هُوَ وَولده، وليهبط إِلَيْهِ من كل بطن رجل فليشنوا من المَاء، وليمسوا من الطّيب، ثمَّ ليستلموا الرُّكْن، ثمَّ ليرتقوا أَبَا قبيس، فليستسق الرجل، وليؤمن الْقَوْم، فغثتم مَا شِئْتُم، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 فَأَصْبَحت علم الله مَذْعُورَة قد اقشعر جلدي، وَوَلِهَ عَقْلِي، واقتصصت رُؤْيَايَ. فالحرمة وَالْحُرْمَة مَا بَقِي بهَا أبطحي إِلَّا قَالُوا: هَذَا شيبَة الْحَمد، وتتامت إِلَيْهِ رجالات قُرَيْش، وَهَبَطَ إِلَيْهِ من كل بطن رجل، فَمَشَوْا وَمَشوا، واستلموا ثمَّ ارْتَقَوْا أَبَا قبيس، وَطَفِقُوا جنابيه، فَمَا يبلغ سَعْيهمْ مهله حَتَّى إِذا اسْتَوَى بذورة الْجَبَل قَامَ عبد الْمطلب وَمَعَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُلَام قد أَيفع أَو كرب، فَقَالَ: اللَّهُمَّ سَاد الْخلَّة، وَكَاشف الْكُرْبَة، أَنْت معلم غير معلم، وَمَسْئُول غير مبخل، وَهَذِه عبداؤك وإماؤك بِعَذِرَاتٍ حَرمك، يَشكونَ إِلَيْك سنيهم، أذهبت الْخُف والظلف. اللَّهُمَّ فأمطرن علينا معرقًا مريعا، فوالكعبة مَا راموا حَتَّى تَفَجَّرَتْ السَّمَاء، وَاكْتفى الْوَادي بثجيجه، فلسمعت شَيْخَانِ قُرَيْش وحلفها عبد الله بن جدعَان وَحرب بن أُميَّة وَهِشَام بن الْمُغيرَة يَقُولُونَ لعبد الْمطلب: هَنِيئًا لَك أَبَا الْبَطْحَاء، أَي عَاشَ بك أهل الْبَطْحَاء. وَفِي ذَلِك تَقول رقيقَة: (بِشَيْبَة الْحَمد أسْقى الله بَلْدَتنَا ... لما فَقدنَا الحيا واجلوذ الْمَطَر) (فجَاء بِالْمَاءِ جَوْنِي لَهُ سبل ... سَحا، فَعَاشَتْ بِهِ الْأَنْعَام وَالشَّجر) (منا من الله بالميمون طَائِره ... وَخير من بشرت يَوْمًا بِهِ مُضر) (مبارك الْأَمر يستسقى الْغَمَام بِهِ ... مَا فِي الْأَنَام لَهُ عدل وَلَا خطر) [15] قَالَ مُحَمَّد بن سعد: أسلمت رقيقَة، وَأدْركت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَوله: كُنَّا إِذا احمر الْبَأْس نتقي بِهِ. أَي إِذا اشتدت الْحَرْب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 نستقبل الْعَدو بِهِ فنجعله أمامنا. وَالْعرب تصف الشَّديد بالحمرة، فَيَقُولُونَ: سنة حَمْرَاء وَمَوْت أَحْمَر. 722 - / 856 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أول مَا قدم الْمَدِينَة نزل على أجداده، أَو قَالَ: على أَخْوَاله من الْأَنْصَار، وَأَنه صلى قبل بَيت الْمُقَدّس سِتَّة عشر أَو سَبْعَة عشر شهرا، وَكَانَ يُعجبهُ أَن تكون قبلته قبل الْبَيْت. [15] قَوْله: نزل على أجداده أَو على أَخْوَاله. قد بَينا فِي مُسْند أبي بكر أَنه قَالَ: " أنزل على أخوال عبد الْمطلب ". [15] وَقَوله: صلى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل بَيت الْمُقَدّس. قبل الشَّيْء وَقبل الشَّيْء: مُقَابِله. وَسميت الْقبْلَة لمقابلة الْمُصَلِّي إِيَّاهَا. [15] وَاتفقَ الْعلمَاء على أَنه دخل الْمَدِينَة فِي ربيع الأول، وَاخْتلفُوا فِي أَي شهر حولت الْقبْلَة على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا يَوْم الْإِثْنَيْنِ لِلنِّصْفِ من رَجَب، قَالَه الْبَراء بن عَازِب وَمَعْقِل بن يسَار. وَالثَّانِي: لِلنِّصْفِ من شعْبَان، قَالَه قَتَادَة. قَالَ مُحَمَّد بن حبيب: حولت يَوْم الثُّلَاثَاء وَقت الظّهْر لِلنِّصْفِ من شعْبَان، زار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم بشير بن الْبَراء ابْن معْرور، فتغدى وَأَصْحَابه وَجَاءَت الظّهْر، فصلى بِأَصْحَابِهِ فِي مَسْجِد الْقبْلَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ من الظّهْر إِلَى الشَّام وَأمر أَن يسْتَقْبل الْكَعْبَة وَهُوَ رَاكِع فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة، فَاسْتَدَارَ إِلَى الْكَعْبَة واستدارت الصُّفُوف خَلفه ثمَّ أتم الصَّلَاة، فَسُمي مَسْجِد الْقبْلَتَيْنِ لهَذَا. الحديث: 722 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 [15] وَالثَّالِث: حولت فِي جُمَادَى الْآخِرَة، حَكَاهُ ابْن سَلامَة الْمُفَسّر عَن إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ. [15] وَقَوله: وَكَانَ يُعجبهُ أَن تكون قبلته قبل الْبَيْت. سَبَب هَذَا ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهَا: أَنَّهَا قبْلَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام، قَالَه ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: لمُخَالفَة الْيَهُود، قَالَه مُجَاهِد. وَالثَّالِث: أَن اسْتِقْبَال الْبَيْت أمس فِي عبَادَة صَاحبه، وَهَذَا الْبَيْت الْمَعْمُول عَلَيْهِ دون بَيت الْمُقَدّس. [15] وَقَوله: أول صَلَاة صلاهَا. ظَاهره أَنَّهَا الصَّلَاة الَّتِي حولت الْقبْلَة فِيهَا. وَقد ذكرنَا أَنَّهَا حولت فِي الظّهْر. فَيحْتَمل أَنه أَرَادَ أَنه صلى الْعَصْر كلهَا إِلَى الْكَعْبَة. [15] وَقَول الرجل: أشهد بِاللَّه، لقد صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل الْكَعْبَة، فدار الْقَوْم كلهم - أصل فِي قبُول خبر الْوَاحِد فِي أَمر الدّين إِذا كَانَ ثِقَة، وأصل فِي أَن كل مَأْذُون فِيهِ لَا يبطل مَا مضى قبل النّسخ. [15] قَوْله: {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ} [الْبَقَرَة: 143] أَي صَلَاتكُمْ. وسماها إِيمَانًا لِأَنَّهَا عَن الْإِيمَان نشأت. 723 - / 857 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: أهدي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثوب حَرِير، فَجعلنَا نلمسه ونعجب مِنْهُ، فَقَالَ: " مناديل سعد بن معَاذ فِي الْجنَّة خير من هَذَا ". الحديث: 723 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 [15] إِنَّمَا خص المناديل لِأَنَّهَا لَيست من رفيع الْمَتَاع، وَإِنَّمَا جعلت للابتذال، فَإِذا مدح المبتذل دلّ على رفْعَة المصون، وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى: {بطائنها من إستبرق} [الرَّحْمَن: 54] وَفِي هَذَا ثَنَاء عَظِيم على الظَّوَاهِر. 724 - / 858 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: اعْتَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأبى أهل مَكَّة أَن يَدعُوهُ يدْخل مَكَّة حَتَّى قاضاهم، فَكَتَبُوا: هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله. فَقَالُوا: مَا نقر بهَا، فَلَو نعلم أَنَّك رَسُول الله مَا منعناك، وَلَكِن أَنْت مُحَمَّد بن عبد الله. فَقَالَ لعَلي: " امح: رَسُول الله " قَالَ: لَا وَالله، لَا أمحوك أبدا، فَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكتاب فَكتب: هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله. [15] قاضاهم: من الْقَضَاء، وَالْقَضَاء: إحكام الْأَمر وإمضاؤه. [15] وَقَوله: فَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكتاب فَكتب، إِطْلَاق يَده بِالْكِتَابَةِ وَلم يحسنها كالمعجزة لَهُ، وَلَا يُنَافِي هَذَا كَونه أُمِّيا لَا يحسن الْكِتَابَة، لِأَنَّهُ مَا حرك يَده تَحْرِيك من يحسن الْكِتَابَة، إِنَّمَا حركها فجَاء الْمَكْتُوب صَوَابا. [15] وَقَوله: فَلَمَّا خَرجُوا تبعتهم بنت حَمْزَة. قد ذكرنَا اسْمهَا فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. [15] وَقَول جَعْفَر: خَالَتهَا تحتي، يَعْنِي أَسمَاء بنت عُمَيْس، لِأَن أم بنت حَمْزَة سلمى بنت عُمَيْس، وَأسْلمت سلمى وبايعت رَسُول الله الحديث: 724 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَتَزَوجهَا حَمْزَة، فَلَمَّا قتل عَنْهَا تزَوجهَا شَدَّاد بن الْهَاد. وَأما أَسمَاء فَإِنَّهَا أسلمت قَدِيما وبايعت وَهَاجَرت إِلَى الْحَبَشَة مَعَ زَوجهَا جَعْفَر، فَلَمَّا قتل عَنْهَا تزَوجهَا أَبُو بكر الصّديق، فَلَمَّا مَاتَ تزَوجهَا عَليّ بن أبي طَالب. [15] وَقَول زيد: بنت أخي، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آخى بَين حَمْزَة وَزيد، فَقضى بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لخالتها. وَزوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَلمَة بن أبي سَلمَة بن عبد الْأسد، فَهَلَك قبل أَن يجمعها إِلَيْهِ. وَإِنَّمَا قضى بهَا لخالتها لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْأُم، وَالأُم أولى بالحضانة من الْأَب، لِأَنَّهَا أحنى على الْوَلَد وَأعرف بِمَا يصلحه، فَإِذا عدمت الْأُم فالجدة أم الْأُم، فَإِذا اجْتمعت الْخَالَة والعمة كَانَت الْخَالَة أولى لِأَنَّهَا تدلي بِالْأُمِّ والعمة تدلي بِالْأَبِ، وَالأُم فِي الْحَضَانَة مُقَدّمَة على الْأَب. [15] وَقَوله: جلبان السِّلَاح، قد أَجَازُوا كسر الْجِيم وَضمّهَا، وَقد وَقع تَفْسِيره فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ: السَّيْف والقوس وَنَحْوه. والأزهري يَقُول: الجلبان شبه الجراب من الْأدم يوضع فِيهِ السَّيْف مغمودا ويطرح فِيهِ سَوط الرَّاكِب وأداته، ويعلقه من آخِرَة الرحل أَو واسطته. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: لَا أرَاهُ سمي بذلك إِلَّا لجفائه، وَلذَلِك قيل للْمَرْأَة الغليظة الجافية جلبانه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 [15] وَقَوله: جَاءَ أَبُو جندل يحجل. يُقَال: حجل فلَان فِي مَشْيه: إِذا قَارب الخطو، إِمَّا لقيد أَو تبختر، وَيكون الحجل بِمَعْنى القفز، وَقد شرحنا قصَّة أبي جندل فِي مُسْند سهل بن حنيف. 725 - / 859 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: وَعِنْده فرس مربوط بشطنين. [15] أَي بحبلين. والشطن: الْحَبل الطَّوِيل، وَالْجمع أشطان. 726 - / 860 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: لَيْسَ بالطويل الْبَائِن. يَعْنِي الوافر الطول. [15] وَقَوله: وجمته تضرب قَرِيبا من مَنْكِبَيْه. والجمة: شعر الرَّأْس. والمنكب: فرع الْكَتف. 727 - / 865 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين: أَنه قَالَ لحسان: " اهجهم أَو هاجهم، وَجِبْرِيل مَعَك ". [15] الهجاء: ذكر المساوىء. وَالْإِشَارَة إِلَى الْمُشْركين. [15] وَفِي جِبْرِيل إِحْدَى عشرَة لُغَة، قد ذكرتها فِي التَّفْسِير، أَجودهَا جبرئيل على وزن جبرعيل، قَالَ جرير: (عبدُوا الصَّلِيب وكذبوا بِمُحَمد ... وبجبرئيل وكذبوا ميكالا) الحديث: 725 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 [15] وَقَالَ أَبُو عبيد: معنى ايل معنى الربوبية، فأضيف جبر وميكا إِلَيْهِ، وجبر هُوَ الرجل، فَكَانَ مَعْنَاهُ عبد ايل، رجل ايل. 728 - / 866 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت} [إِبْرَاهِيم: 27] وَالْمعْنَى يثبتهم على الْحق عِنْد السُّؤَال فِي الْقَبْر بالْقَوْل الثَّابِت وَهُوَ التَّوْحِيد. 729 - / 868 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي من أَفْرَاد البُخَارِيّ: [15] لما نزل صَوْم رَمَضَان كَانُوا لَا يقربون النِّسَاء رَمَضَان كُله، وَكَانَ رجال يخونون أنفسهم، فَأنْزل الله عز وَجل: {علم الله أَنكُمْ كُنْتُم تختانون أَنفسكُم فَتَابَ عَلَيْكُم وَعَفا عَنْكُم} [الْبَقَرَة: 187] . [15] كَانَ الْمُسلمُونَ إِذا صَامُوا رَمَضَان فَنَامَ أحدهم فِي اللَّيْل لم يجز لَهُ أَن يَأْكُل بعد انتباهه وَلَا أَن يغشى أَهله، فأنزلت هَذِه الْآيَة، وأبيح لَهُم مَا منعُوا مِنْهُ. 730 - / 869 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: كَانَ أَبُو رَافع يُؤْذِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَبعث إِلَيْهِ رجَالًا من الْأَنْصَار وَأمر عَلَيْهِم عبد الله بن عتِيك، فجَاء عبد الله فتلطف حَتَّى دخل، ثمَّ تقنع بِثَوْبِهِ. وأغلق البواب الْبَاب، ثمَّ علق الأغاليق على ود. الحديث: 728 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 [15] قَوْله: تقنع بِثَوْبِهِ: أَي تغطى بِهِ. [15] والأغاليق: يُرِيد بهَا المفاتيح. والود: يُرِيد بِهِ الوتد. والأقاليد: المفاتيح، وَاحِدهَا إقليد. قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور: الإقليد: الْمِفْتَاح، فَارسي مُعرب، قَالَ الراجز (لم يؤذها الديك بِصَوْت تغريد ... ) (وَلم تعالج غلقا بإقليد ... ) [15] والمقليد لُغَة فِي الإقليد، وَالْجمع مقاليد. [15] قَوْله: وَكَانَ يسمر عِنْده. السمر حَدِيث اللَّيْل. [15] والعلالي: الْمَوَاضِع الْعَالِيَة. ونذروا بِي: علمُوا بِي. والدهش والداهش: الَّذِي يبدهه الْأَمر فيحيره. [15] وظبة السَّيْف: حَده. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: حداه من جانبيه ظبتاه، وغراره: مَا بَين ظبتيه. وَقَوله: وثئت رجْلي، الْوَاو مَضْمُومَة لَا غير، والوثء: وجع مؤلم. [15] والواعية: أصوات الباكين عَلَيْهِ، وَمَا عَداهَا من الْأَصْوَات يُقَال لَهُ صُرَاخ. وَكَذَلِكَ البغض فَإِنَّهُ عَام، والفرك بَين الزَّوْجَيْنِ خَاصَّة. وَالنَّظَر إِلَى الْأَشْيَاء عَام، والشيم للبرق خَاصَّة. والذنب للحيوان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 عَام، والذنابي للْفرس خَاصَّة. وَكَذَلِكَ السّير عَام، والسرى فِي اللَّيْل خَاصَّة. والهرب عَام، والإباق للعبيد خَاصَّة. [15] وَقَوله: أنعى أَبَا رَافع: أخبر بِمَوْتِهِ، والنعي: الْإِخْبَار بِالْمَوْتِ. [15] وَقَوله: حَتَّى سَمِعت نعايا أبي رَافع. والنعايا جمع ناعية: وَهِي النوائح، قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: هَكَذَا يرْوى نعايا، وَإِنَّمَا حق الْكَلَام أَن يُقَال: نعاء أبي رَافع: أَي انعوا أَبَا رَافع، كَقَوْلِهِم: دراك: أَي أدركوا، وَمن هَذَا قَول شَدَّاد بن أَوْس: يَا نعاء الْعَرَب، يُرِيد: انعوا الْعَرَب. قَالَ ابْن السّكيت: كَانَت الْعَرَب إِذا مَاتَ ميت لَهُ قدر ركب رَاكب وَسَار فِي النَّاس يَقُول: نعاء فلَانا: أَي انعوه، أخرجه مخرج نزال. قَالَ الحوفي: هَكَذَا روايتي: نعاء بِغَيْر يَاء، وَكَذَا يعرفهُ البصريون. والكوفيون يَقُولُونَ: نعائي، يضيفه إِلَى نَفسه، مثل ضربي زيدا. [15] وَقَوله: وَمَا بِي قلبة: أَي لَيست بِي عِلّة أقلب لأَجلهَا فَأنْظر. 731 - / 870 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الرجالة يَوْم أحد عبد الله بن جُبَير، وَقَالَ: " إِن رَأَيْتُمُونَا تخطفنا الطير فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أرسل إِلَيْكُم ". الحديث: 731 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 [15] قَوْله: " تخطفنا الطير ": مثل يُرِيد بِهِ الْهَزِيمَة. [15] والاشتداد: الْعَدو. وَقد رُوِيَ يسندن قَالَ الزّجاج: يُقَال: سَنَد الرجل فِي الْجَبَل وَأسْندَ: إِذا صعد. والأسواق جمع سَاق. [15] وَقَوله: " وَالْحَرب سِجَال " أَي مرّة لهَؤُلَاء وَمرَّة لهَؤُلَاء. وَأَصله أَن المستقين بالسجل - وَهِي الدَّلْو - يكون لكل وَاحِد مِنْهُم سجل. [15] وهبل: اسْم لصنم من أصنامهم. [15] وَأما الْعُزَّى فَفِيهَا قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا شَجَرَة لغطفان كَانُوا يعبدونها، قَالَه مُجَاهِد. وروى أَبُو صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى الْعُزَّى ليقطعها. وَالثَّانِي: أَنه صنم، قَالَه الضَّحَّاك وَأَبُو عُبَيْدَة. [15] وَقَوله: " الله مَوْلَانَا وَلَا مولى لكم " فَإِن قيل: أَلَيْسَ الله عز وَجل مولى الْخلق كلهم؟ فَالْجَوَاب: أَن الْمولى هَاهُنَا بِمَعْنى الْوَلِيّ، فَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يتَوَلَّى الْمُؤمنِينَ بالنصرة والإعانه، ويخذل الْكفَّار. 732 - / 871 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَكَانَ وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل السَّيْف؟ قَالَ: لَا بل مثل الْقَمَر. [15] فِي السَّيْف طول، وَفِي الْقَمَر تدوير، وَالْقَمَر يُوصف بالْحسنِ مَالا يُوصف السَّيْف، فَلذَلِك عدل إِلَى تشبيهه بالقمر. الحديث: 732 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 733 - / 872 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: عَن الْبَراء قَالَ: تَعدونَ أَنْتُم الْفَتْح فتح مَكَّة، وَقد كَانَ فتح مَكَّة فتحا، وَنحن نعد الْفَتْح بيعَة الرضْوَان يَوْم الْحُدَيْبِيَة، وَالْحُدَيْبِيَة بِئْر فنزحناها. [15] قَالَ الزُّهْرِيّ: لَك يكن فتح أعظم من صلح الْحُدَيْبِيَة، وَذَلِكَ أَن الْمُشْركين اختلطوا بِالْمُسْلِمين فَسَمِعُوا كَلَامهم فَتمكن الْإِسْلَام فِي قُلُوبهم، وَأسلم فِي ثَلَاث سِنِين خلق كثير. [15] فَأَما الْحُدَيْبِيَة فأنبأنا ابْن نَاصِر عَن أبي زَكَرِيَّا عَن الرقي قَالَ: الْحُدَيْبِيَة بِالتَّخْفِيفِ وبالتشديد أَجود. وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا هِيَ مُخَفّفَة. [15] والنزح: استقصاء مَا فِي الْبِئْر من المَاء. [15] وشفيرها: جَانبهَا. [15] وَقَوله: أصدرتنا مَا شِئْنَا: أَي عدنا عَنْهَا بِمَا نحب من المَاء. وَالْعرب تَقول: مَا شِئْت، فِي كل شَيْء تبلغ فِيهِ الأمل. قَالَ ذُو الرمة: غثنا مَا شِئْنَا. [15] والركاب: الْإِبِل. 734 - / 873 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: أول من قدم علينا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُصعب بن عُمَيْر وَابْن أم مَكْتُوم، ثمَّ جَاءَ عمار وبلال وَسعد، ثمَّ جَاءَ عمر فِي عشْرين، ثمَّ جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الحديث: 733 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 فَرَأَيْت الولائد وَالصبيان يَقُولُونَ: هَذَا رَسُول الله. [15] قد بَينا فِي حَدِيث الْعقبَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث مصعبا إِلَى الْمَدِينَة. يفقههم ويقرئهم. وَإِنَّمَا جَاءَ عمر فِي عشْرين لِأَنَّهُ هَاجر جَهرا دون الْكل. والولائد: الْجَوَارِي. 735 - / 875 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْم بدر نيفا على السِّتين. [15] قَالَ ابْن قُتَيْبَة: نَيف مَأْخُوذ من أناف على الشَّيْء: إِذْ أظل عَلَيْهِ وأوفى، كَأَنَّهُ لما زَاد على ذَلِك الْعدَد أشرف عَلَيْهِ. 736 - / 876 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: كُنَّا نتحدث أَن عدَّة أَصْحَاب بدر على عدَّة أَصْحَاب طالوت الَّذين جاوزا مَعَه النَّهر بضعَة عشر وثلاثمائة. [15] قَالَ الزّجاج: طالوت اسْم أعجمي لَا ينْصَرف، وَاجْتمعَ فِيهِ التَّعْرِيف والعجمة. [15] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لما غلب عَدو بني إِسْرَائِيل عَلَيْهِم سَأَلُوا نَبِيّهم شمويل - وَقيل: سمعون - أَن يبْعَث لَهُم ملكا، فَأتي بعصا وَقرن فِيهِ الحديث: 735 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 دهن، وَقيل لَهُ: إِن صَاحبكُم الَّذِي يكون ملكا يكون على طول هَذِه الْعَصَا، وَمَتى دخل عَلَيْك فنشق الدّهن فادهن بِهِ فَهُوَ الْملك، وَكَانَ طالوت سقاء يسْقِي على حمَار لَهُ، فَخرج يَطْلُبهُ وَقيل: كَانَ دباغا فضلت حمر لِأَبِيهِ فَخرج مَعَ غُلَام لَهُ يطْلبهَا فَمر بِبَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فدخلاه فنشق الدّهن، فقاسه بالعصا ودهنه، فانزعج بَنو إِسْرَائِيل وَقَالُوا: أَنى يكون لَهُ الْملك علينا! لِأَن النُّبُوَّة كَانَت فِي سبط لاوي، وَالْملك فِي سبط يهوذا، وَلم يكن من السبطين، غير أَنه كَانَ أعلم النَّاس بالحروب، وَكَانَ يفوق النَّاس بمنكبيه وعنقه وَرَأسه، فَلَمَّا جعل مَجِيء التابوت بعد أَن يغلب عَلَيْهِ الْعَدو عَلامَة تدل على تَمْلِيكه عَلَيْهِم، فَجَاءَت بِهِ الْمَلَائِكَة، أطاعوه حِينَئِذٍ، فَخرج مَعَه مائَة ألف، فَسَارُوا فِي حر شَدِيد، وابتلاهم الله بالنهر ليظْهر بالبلوى من لَهُ نِيَّة فِي الْمُوَافقَة مِمَّن هُوَ مَعَه بِالظَّاهِرِ، فَشرب الْقَوْم إِلَّا الْقَلِيل. [15] والبضع: مَا بَين الْوَاحِد إِلَى التِّسْعَة. [15] وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي عدَّة أهل بدر على مَا ذكرنَا فِي مُسْند عمر. 737 - / 877 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: أشهد عَليّ بَدْرًا؟ فَقَالَ: بارز وَظَاهر. [15] بارز: بِمَعْنى دَعَا البرَاز، وأصل البرَاز مَا ظهر واستوى من الأَرْض. الحديث: 737 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 [15] وَمعنى ظَاهر: أَي جمع بَين درعين فِي اللبَاس لَهما والتوقي بهما. 738 - / 878 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: " من شَاءَ أَن يعقب مَعَك فليعقب ". [15] أَي فليجلس عقيب ذهَاب أَصْحَابه. 739 - / 879 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما مَاتَ إِبْرَاهِيم: " إِن لَهُ مُرْضعًا فِي الْجنَّة ". [15] البستي: هَذَا يروي على وَجْهَيْن: مُرْضعًا بِضَم الْمِيم: أَي من يتم رضاعه فِي الْجنَّة. يُقَال: امْرَأَة مرضع بِلَا هَاء. ومرضعا بِفَتْح الْمِيم: أَي رضَاعًا. 740 - / 882 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: [15] أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقنت فِي الصُّبْح وَالْمغْرب. [15] قد صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قنت شهرا يَدْعُو على قوم من الْمُشْركين، فَفِي هَذَا الحَدِيث أَنه قنت فِي الصُّبْح وَالْمغْرب. وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنه قنت فِي الْعَتَمَة، وَفِي لفظ عَنهُ أَنه قنت فِي الظّهْر وَالْعشَاء وَالصُّبْح. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: قنت فِي جَمِيع الصَّلَوَات. إِلَّا أَن الحديث: 738 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 الصَّحِيح أَنه ترك الْقُنُوت. 741 - / 885 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على يَهُودِيّ محمم مجلود. [15] المحمم: المسود الْوَجْه، مفعل من الحمم، والحمم: الفحم. 742 - / 886 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " إِذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك " المُرَاد بِهَذَا أَلا يضع ذراعه على الأَرْض. 743 - / 887 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: مرت بجذل شَجَرَة. [15] أَي بأصلها. وأصل كل شَيْء جذله. الحديث: 741 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 (69) كشف الْمُشكل من مُسْند زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحد وَثَمَانُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَمَانِيَة. 744 - / 888 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، اقْضِ بَيْننَا بِكِتَاب الله. [15] إِن قيل: الَّذِي قضى بِهِ لَيْسَ فِي كتاب الله. وَالْجَوَاب أَنه أَرَادَ: اقْضِ بَيْننَا بِمَا كتب الله: أَي فرض. كَذَلِك قَالَ الْعلمَاء، مِنْهُم ابْن قُتَيْبَة. [15] والعسيف: الْأَجِير. 745 - / 889 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْأمة إِذا زنت وَلم تحصن. [15] فِي إِحْصَان الْأمة قَولَانِ: أَحدهمَا: التَّزْوِيج. وَالثَّانِي: الْعتْق. [15] وَقَوله: " بيعوها وَلَو بضفير " الضفير: الْحَبل المضفور: أَي الحديث: 744 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 المفتول، وَهُوَ فعيل بِمَعْنى مفعول. 746 - / 890 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسلم فِي إِثْر سَمَاء. [15] أَي فِي إِثْر مطر: وَالْعرب تسمى الْمَطَر سَمَاء لِأَنَّهُ يَأْتِي من السَّمَاء، وَالسَّمَاء عِنْدهم كل مَا علا. [15] وَقَوله: " مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا " قَالَ أَبُو عبيد: الأنواء جمع نوء، وَهِي ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ نجما مَعْرُوفَة الْمطَالع فِي أزمنة السّنة كلهَا، يسْقط مِنْهَا فِي كل ثَلَاث عشرَة لَيْلَة نجم فِي الْمغرب مَعَ طُلُوع الْفجْر، ويطلع آخر يُقَابله فِي الْمشرق من سَاعَته. وَإِنَّمَا سمي نوءا لِأَنَّهُ إِذا سقط السَّاقِط ناء الطالع، وَذَلِكَ النهوض هُوَ النوء، فَسُمي النَّجْم نوءا لذَلِك، وانقضاء هَذِه الثَّمَانِية وَالْعِشْرين مَعَ انْقِضَاء السّنة. وَكَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا سقط مِنْهَا نجم وطلع آخر يَقُولُونَ: لَا بُد أَن يكون عِنْد ذَلِك مطر ورياح / فينسبون كل غيث يكون ذَلِك إِلَى النَّجْم الَّذِي يسْقط حِينَئِذٍ، فَيَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الساقطة مِنْهَا فِي الغرب هِيَ الأنواء، والطالعة مِنْهَا فِي الْمشرق هِيَ البوارح. وَأما قَول عمر: كم بَقِي من نوء الثريا؟ فَإِنَّهُ أَرَادَ كم بَقِي من الْوَقْت الَّذِي جرت الْعَادة أَنه إِذا؟ أَتَى الله بالمطر. وَمن لم يكن اعْتِقَاده أَن الْكَوْكَب يفعل لم يضرّهُ هَذَا القَوْل. وَقد أجَاز الْعلمَاء أَن يُقَال: مُطِرْنَا فِي نوء كَذَا، وَلَا يُقَال بِنَوْء كَذَا. الحديث: 746 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 748 - / 891 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " من جهز غازيا فقد غزا ". [15] يُقَال: جهزت فلَانا: إِذا هيأت لَهُ مَا يصلحه فِي قَصده. وَقد بَينا آنِفا أَن الْمعِين على الشَّيْء كالفاعل فِي وُقُوع الْمُشَاركَة فِي الثَّوَاب وَالْعِقَاب. 748 - / 892 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لقطَة الذَّهَب أَو الْوَرق فَقَالَ: " اعرف وكاءها وعفاصها " وَفِي لفظ: " فَعرف عفاصها، ثمَّ عرفهَا سنة، فَإِن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وَدِيعَة عنْدك، فَإِن جَاءَ طالبها يَوْمًا من الدَّهْر فأدها إِلَيْهِ ". [15] فَأَما اللّقطَة فَإِن الروَاة قد اتَّفقُوا على فتح الْقَاف فِيهَا، وَأَرَادُوا أَنَّهَا الشَّيْء الْمُلْتَقط. قَالَ الْخَيل بن أَحْمد: اللّقطَة بِفَتْح الْقَاف: اسْم للَّذي يلقط، وبسكون الْقَاف: اسْم لما يلتقط: قَالَ الزُّهْرِيّ: هَذَا قِيَاس اللُّغَة، لِأَن فعلة فِي كَلَامهم جَاءَ فَاعِلا كالهمزة، وفعلة بِالسُّكُونِ جَاءَ مَفْعُولا كالهمزة، إِلَّا أَن كَلَام الْعَرَب فِي اللّقطَة على غير الْقيَاس، فَإِن الروَاة أَجمعُوا على أَن اللّقطَة اسْم الشَّيْء الْمُلْتَقط. [15] وَالْوَرق: الْفضة. [15] والوكاء: الَّذِي يشد بِهِ رَأس الصرة. والعفاص: الْوِعَاء الَّذِي يكون فِيهِ المَال. وَفِي عرفان هَذَا فَائِدَتَانِ. إِحْدَاهمَا: أَنه إِذا أَتَى صَاحبهَا سلمت إِلَيْهِ بِمُجَرَّد وَصفه. وَالثَّانِي: يتَمَيَّز من مَال الْمُلْتَقط، الحديث: 748 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 وَلَا يتَعَذَّر ردهَا على الْوَرَثَة إِن حدث الْمَوْت. وَمن روى: " فَعرف عفاصها " أَي اطلب من يعرفهُ. وَقَوله: " فَإِن جَاءَ طالبها يَوْمًا من الدَّهْر فأدها إِلَيْهِ " رد صَرِيح لمَذْهَب دَاوُد، فَإِن عِنْده إِذا جَاءَ صَاحبهَا بعد الْحول لم يغرم لَهُ. [15] وَقَوله: فِي ضَالَّة الْإِبِل: " دعها " دَلِيل على أَنه لَا يجوز التقاطها خلافًا لأبي حنيفَة. [15] وَفِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غضب عِنْد هَذَا السُّؤَال حَتَّى احْمَرَّتْ وجنتاه. وَإِنَّمَا غضب لقلَّة فهم السَّائِل، لِأَن اللّقطَة إِنَّمَا أُبِيح أَخذهَا لِأَنَّهَا لَا تصرف لَهَا يُوجب هدايتها إِلَى السَّبِيل الَّذِي يُوقع صَاحبهَا عَلَيْهَا، وَالْإِبِل بِخِلَاف ذَلِك. [15] وَقَوله: " فَإِن مَعهَا حذاءها " الْحذاء: النَّعْل. وَأَرَادَ بِهِ مَا يطَأ عَلَيْهِ الْبَعِير من خفه، فَإِن قوته كالحذاء لَهُ، والسقاء كالقربة وَنَحْوهَا من ظروف المَاء. وَأَرَادَ بالسقاء هَاهُنَا بطن الْبَعِير، فَإِنَّهُ يدّخر فِيهِ مَا يدْفع عَنهُ الْعَطش زَمَانا. [15] وَقَوله فِي الشَّاة: " خُذْهَا " مَحْمُول على مَا إِذا وجدت فِي أَرض فلاة، فَأَما إِذا وجدت بَين ظهراني عمَارَة فَلَا، لِأَنَّهُ لَا يُؤمن عَلَيْهَا هُنَاكَ، وَالْأَفْضَل تَركهَا. وَقد شرحنا أَحْوَال اللّقطَة فِي مُسْند أبي بن كَعْب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 749 - / 893 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " أَلا أخْبركُم بِخَير الشُّهَدَاء؟ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أَن يسْأَلهَا ". [15] هَذَا مدح لمؤدي الشَّهَادَة بعد تحملهَا، فَكَأَنَّهُ يقيمها لأَدَاء الْأَمَانَة، وَلَا يَعْنِي صَاحبهَا بطلبها. وَالشُّهَدَاء فِي هَذَا الحَدِيث جمع شَاهد. وَقد فسرنا هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند عمرَان بن حُصَيْن. 750 - / 895 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " من آوى ضَالَّة فَهُوَ ضال مَا لم يعرفهَا ". [15] الضَّالة إِنَّمَا تسْتَعْمل فِي الْحَيَوَان، فَأَما الجمادات فَهِيَ اللّقطَة. الحديث: 749 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 (70) كشف الْمُشكل من مُسْند سهل بن سعد السَّاعِدِيّ [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة حَدِيث وَثَمَانِية وَثَمَانُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ تِسْعَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا. 751 - / 896 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: أَن رجلا اطلع من جُحر فِي بَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مدرى يرجل بِهِ رَأسه. [15] المدرى: شَيْء محدد الطّرف كالمسلة، من الْحَدِيد أَو غَيره، فَهُوَ كبعض أَسْنَان الْمشْط إِلَّا أَنه أطول. وأصل المدرى أَنه قرن الثور المحدد الطّرف الَّذِي يدْرَأ بِهِ عَن نَفسه: أَي يدْفع. والمدري يرفع عَن الشّعْر تلبده واشتباكه وَمَا يقف فِي أُصُوله من أَذَى. [15] ويرجل بِمَعْنى يسرح. وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَن من اطلع فِي بَيت إِنْسَان بِحَيْثُ ينظر إِلَى عَوْرَته أَو حرمته فَلهُ أَن يَرْمِي عينه، فَإِن فقأها فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ. وَقد دلّ على هَذَا مَا سَيَأْتِي فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أبي هُرَيْرَة: " لَو أَن رجلا الحديث: 751 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 اطلع عَلَيْك فخذفته بحصاة ففقأت عينه مَا كَانَ عَلَيْك جنَاح ". 752 - / 897 - الحَدِيث الثَّانِي: حَدِيث الملاعنين. [15] وَفِيه: كره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الْمسَائِل وعابها. وَفِيه: " إِن جَاءَت بِهِ أُحَيْمِر كَأَنَّهُ وحرة ". [15] أما الْمسَائِل الَّتِي كرهها فَهِيَ مَالا حَاجَة إِلَيْهِ؛ لِأَن عَاصِمًا سَأَلَ لَا لنَفسِهِ، وَعَن شَيْء مَا ابْتُلِيَ بِهِ، وَهُوَ أَمر يكْشف العورات. [15] والوحرة: دويبة كالعظاءة تلصق بِالْأَرْضِ وتتشبث بِمَا تعلق بِهِ، وَإِذ دنت على الأَرْض وحر الْمَكَان: أَي اشْتَدَّ حره. وَجَمعهَا وحر. [15] وَقَوله: " أعين " أَي وَاسع الْعين، وَمِنْه الْحور الْعين. [15] وَهَذَا الرجل الَّذِي لَاعن مُبين الِاسْم فِي الحَدِيث، وَهُوَ عُوَيْمِر، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. [15] وَقَول الزُّهْرِيّ: فَكَانَت سنة المتلاعنين. يَعْنِي التَّفْرِيق بَينهمَا. 753 - / 898 - الحَدِيث الثَّالِث: " إِن كَانَ الشؤم فِي شَيْء فَفِي الْفرس وَالْمَرْأَة والمسكن " وَفِي مُسْند ابْن عمر: " الشؤم فِي الْفرس وَالْمَرْأَة وَالدَّار " وَلم يقل: إِن كَانَ، وَفِي مُسْند جَابر: " إِن كَانَ فِي شَيْء فَفِي الرّبع وَالْخَادِم وَالْفرس يَعْنِي الشؤم. الحديث: 752 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 [15] وَلقَائِل أَن يَقُول: فَكيف الْجمع بَين هَذَا وَبَين قَوْله: " لَا عدوى وَلَا طيرة "؟ وَالْجَوَاب: أما عَائِشَة فقد غَلطت من روى هَذَا، وَقَالَت: إِنَّمَا قَالَ: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ: الطَّيرَة فِي الْمَرْأَة وَالدَّابَّة وَالدَّار. وَهَذَا رد مِنْهَا لصريح خبر رَوَاهُ جمَاعَة ثِقَات، فَلَا يعْتَمد على ردهَا. وَالصَّحِيح أَن الْمَعْنى: إِن خيف من شَيْء أَن يكون سَببا لما يخَاف شَره ويتشاءم بِهِ فَهَذِهِ الْأَشْيَاء، لَا على السَّبِيل الَّتِي تظنها الْجَاهِلِيَّة من الْعَدوي والطيرة، وَإِنَّمَا الْقدر يَجْعَل للأسباب تَأْثِيرا. وَقَالَ الْخطابِيّ: لما كَانَ الْإِنْسَان فِي غَالب أَحْوَاله لَا يَسْتَغْنِي عَن دَار يسكنهَا، وَزَوْجَة يعاشرها، وَفرس يرتبطه. وَكَانَ لَا يَخْلُو من عَارض مَكْرُوه، أضيف الْيمن والشؤم إِلَى هَذِه الْأَشْيَاء إِضَافَة مَحل وظرف وَإِن كَانَا صادرين عَن قَضَاء الله سُبْحَانَهُ. قَالَ: وَقد قيل: شُؤْم الْمَرْأَة أَلا تَلد، وشؤم الْفرس أَلا يحمل عَلَيْهَا فِي سَبِيل الله، وشؤم الدَّار سوء الْجَار. 754 - / 899 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصلح بَين بني عَمْرو بن عَوْف، فَتقدم أَبُو بكر فصلى بِالنَّاسِ، وَجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ النَّاس فِي التصفيق، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرفع أَبُو بكر يَده فَحَمدَ الله وَرجع القهقهرى وَرَاءه حَتَّى قَامَ فِي الصَّفّ، وَتقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلى بِالنَّاسِ. قد دلّ هَذَا الحَدِيث على اسْتِحْبَاب الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا؛ لِأَن الصَّحَابَة لم ينتظروا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى آخر الْوَقْت، وَلَا هُوَ أنكر عَلَيْهِم. وَدلّ على تَفْصِيل أبي بكر حَيْثُ قدموه وَإِشَارَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ أ الحديث: 754 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 يثبت على حَاله تَقْرِير لفضله. [15] وَدلّ على جَوَاز الصَّلَاة بإمامين، وَذَلِكَ أَن الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام لما وقف عَن يسَار أبي بكر علم أَبُو بكر أَنه قد نوى الْإِمَامَة فَنوى أَبُو بكر الائتمام. [15] فَأَما رفع أبي بكر يَده وحمده الله تَعَالَى فَإِنَّمَا كَانَ إِشَارَة مِنْهُ إِلَى السَّمَاء شكرا لله، لَا أَنه تكلم. [15] فَإِن قَالَ قَائِل: لم لم يثبت أَبُو بكر وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام بالثبوت، وَظَاهر هَذَا الْمُخَالفَة؟ فَالْجَوَاب: أَنه علم أَنَّهَا إِشَارَة تكريم لَا إِلْزَام، والأشياء تعرف بقرائنها، وَيدل على ذَلِك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شقّ الصُّفُوف حَتَّى خلص إِلَيْهِ، وَلَوْلَا أَنه أَرَادَ الْإِمَامَة لصلى فِي آخر الصُّفُوف. [15] وَقَوله أبي بكر: مَا كَانَ لِابْنِ أبي قُحَافَة أَن يتَقَدَّم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن الإِمَام يكون فِي الْغَالِب أفضل من الْمَأْمُوم، وَإِن كَانَ فِي حق الرَّسُول لَا يحْتَمل هَذَا. وَالثَّانِي: أَنه لما علم أَبُو بكر أَن من الْجَائِز حُدُوث وَحي فِي الصَّلَاة يُغير حكما لم يستجز أَن يتَوَلَّى الصَّلَاة مَعَ وجود الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام، خوفًا من ذَلِك. [15] وَقَوله: " التصفيق للنِّسَاء " سَمِعت شَيخنَا أَبَا الْفضل بن نَاصِر يَقُول: لَيْسَ هُوَ التصفيق الْمَعْرُوف الَّذِي هُوَ ضرب بطن الْكَفّ بباطن الْأُخْرَى، فَإِن ذَلِك يطرب، وَإِنَّمَا هُوَ أَن تضرب الْمَرْأَة بِظهْر راحتها الْيُمْنَى على بَاطِن الرَّاحَة الْيُسْرَى. والتصفيح مثل التصفيق. 755 - / 900 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله فَقَالَت: يَا رَسُول الله، جِئْت أهب لَك نَفسِي، فَنظر إِلَيْهَا الحديث: 755 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَعدَ النّظر فِيهَا وَصَوَّبَهُ. [15] أَي نظر إِلَى وَجههَا وَحط النّظر إِلَى مَا دونه. وَهَذَا يدل على جَوَاز النّظر إِلَى الْمَرْأَة الَّتِي يُرَاد نِكَاحهَا، وَإِنَّمَا فعل ذَلِك لجَوَاز أَن يريدها، فَلَمَّا لم يردهَا طأطأ رَأسه. [15] وَقَوله: " ملكتكها " كلمة عبر بهَا الرَّاوِي عَن زوجتكها. وَقد رَوَاهُ جمَاعَة فَقَالُوا: " زوجتكها ". وَعِنْدنَا أَنه لَا ينْعَقد النِّكَاح بِغَيْر لفظ: زوجت أَو أنكحت. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: ينْعَقد بِكُل لفظ يُوجب التَّمْلِيك. [15] وَقَوله: " بِمَا مَعَك من الْقُرْآن " دَلِيل على أَن تَعْلِيم الْقُرْآن يجوز أَن يكون صَدَاقا، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَفِي أُخْرَى: لَا يجوز، وَإِنَّمَا جَازَ لذَلِك الرجل خَاصَّة. فعلى الرِّوَايَة الأولى نقُول: يجوز أَن تكون مَنَافِع الْحر مهْرا كالخياطة وَغَيرهَا من الْأَعْمَال. [15] وَقَوله: " تزوج وَلَو بِخَاتم من حَدِيد " دَلِيل على جَوَاز عقد النِّكَاح بالشَّيْء الْيَسِير وَعِنْدنَا أَن أقل الْمهْر لَا يتَقَدَّر. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يتَقَدَّر بِمَا يقطع بِهِ السَّارِق. وَقد اخْتلفَا فِيمَا يقطع بِهِ السَّارِق: فَقَالَ أَبُو حنيفَة: النّصاب دِينَار أَو عشرَة دَارهم أَو قيمَة أَحدهمَا من الْعرُوض. وَقَالَ مَالك: النّصاب ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو قيمتهَا من الذَّهَب أَو الْعرُوض. وَفِي رِوَايَة عَنهُ: ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو ربع دِينَار أَو قيمَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 أَحدهمَا من الْعرُوض. 756 - / 901 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: أَنه بشراب فَشرب مِنْهُ، وَعَن يَمِينه غُلَام وَعَن يسَاره الْأَشْيَاخ، فَقَالَ للغلام: " أتأذن لي أَن أعطي هَؤُلَاءِ؟ " فَقَالَ: لَا أوثر بنصيبي مِنْك أحدا. فتله فِي يَده. هَذَا الحَدِيث يدل على تَقْدِيم أهل الْيَمين وَذَلِكَ لشرف الْيَمين. وتله: وَضعه فِي يَده وَدفعه إِلَيْهِ. 757 - / 902 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " لَا يزَال النَّاس بِخَير مَا عجلوا الْفطر ". وَهَذَا لِأَن إِلْزَام النَّفس مَا لَا يلْزم شرعا ابتداع يخَاف مِنْهُ الزيغ، كَمَا ابتدع أهل الْكتاب فِي دينهم فزاغوا، وشددوا فَشدد الله عَلَيْهِم. 758 - / 903 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: أَن نَفرا تماروا فِي الْمِنْبَر: من أَي عود هُوَ؟ فَقَالَ سعد: من طرفاء الغابة، وَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ عَلَيْهِ فَكبر وَكبر النَّاس وَرَاءه وَهُوَ على الْمِنْبَر، ثمَّ رَجَعَ فَنزل الْقَهْقَرَى حَتَّى سجد فِي أصل الْمِنْبَر، ثمَّ عَاد حَتَّى فرغ من آخر صلَاته، ثمَّ أقبل على النَّاس فَقَالَ: " يَا أَيهَا النَّاس، إِنَّمَا صنعت هَذَا لتأتموا بِي ولتعلموا صَلَاتي ". الحديث: 756 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 الغابة: الغيضة، وَجَمعهَا غابات. [15] وَكَانَ الْمِنْبَر مرقاتين، فنزوله وصعوده خطوَات، وَذَلِكَ عمل يسير، وَلَعَلَّه قَامَ على الْمرقاة النَّازِلَة. [15] والقهقرى: الرُّجُوع إِلَى وَرَاء. وَإِنَّمَا فعل ذَلِك لِئَلَّا يستدبر الْقبْلَة فِي صلَاته. وَإِنَّمَا أَرَادَ بذلك الْفِعْل أَن يعلم أَصْحَابه الصَّلَاة ليحفظوا عَنهُ آدابها. [15] وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن الإِمَام إِذا كَانَ أَعلَى من الْمَأْمُوم لم تفْسد إِمَامَته، وَجَاز الائتمام بِهِ، وَإِن كَانَ ذَلِك مَكْرُوها. 759 - / 904 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التقى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ، فَاقْتَتلُوا، وَفِي أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل لَا يدع شَاذَّة وَلَا فاذة إِلَّا اتبعها يضْربهَا بِسَيْفِهِ. فَقَالُوا: مَا أَجْزَأَ أحد منا الْيَوْم كَمَا أَجْزَأَ فلَان، فَقَالَ: " إِنَّه من أهل النَّار ". [15] هَذِه الْقِصَّة جرت يَوْم أحد، وَهَذَا الرجل اسْمه قزمان، وَهُوَ مَعْدُود فِي جملَة الْمُنَافِقين، وَكَانَ قد تخلف يَوْم أحد فَعَيَّرَهُ النِّسَاء وقلن لَهُ: قد خرج الرِّجَال، مَا أَنْت إِلَّا امْرَأَة، فَخرج لما أحفظنه، فَصَارَ فِي الصَّفّ الأول، وَكَانَ أول من رمى بهم، وَجعل يُرْسل نبْلًا كالرماح، ثمَّ صَار إِلَى السَّيْف فَفعل الْعَجَائِب، فَلَمَّا انْكَشَفَ الْمُسلمُونَ كسر جفن سَيْفه وَجعل يَقُول: الْمَوْت أحسن من الْفِرَار، يال الْأَوْس، الحديث: 759 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 قَاتلُوا على الأحساب، وَجعل يدْخل وسط الْمُشْركين حَتَّى يُقَال: قد قتل، ثمَّ يخرج وَيَقُول: أَنا الْغُلَام الظفري، حَتَّى قتل سَبْعَة، وأصابته جِرَاحَة، فَمر بِهِ قَتَادَة بن النُّعْمَان فَقَالَ: هَنِيئًا لَك الشَّهَادَة. فَقَالَ: إِنِّي وَالله مَا قَاتَلت على دين، مَا قَاتَلت إِلَّا على الْحفاظ، أَلا تسير قُرَيْش إِلَيْهَا حَتَّى تطَأ سعفتنا، ثمَّ أقلقته الْجراحَة فَقتل نَفسه، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن الله ليؤيد هَذَا الدّين بِالرجلِ الْفَاجِر ". [15] وَأما الشاذة فَهِيَ المنفردة. والفاذة مثلهَا. [15] وَقَوله: مَا أَجْزَأَ أحد كَمَا أَجْزَأَ فلَان: أَي مَا كفى كِفَايَته وَلَا قَامَ مقَامه، وَيُقَال للشَّيْء الْكَافِي: جزأ وأجزأ. [15] وذباب السَّيْف: حد رَأسه. وحد كل شَيْء ذبابه. وَقَالَ بَعضهم: ذبابه: حَده الَّذِي يضْرب بِهِ. [15] التحامل: تكلّف الشَّيْء على مشقة. 760 - / 905 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: جرح وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكسرت رباعيته، وهشمت الْبَيْضَة على رَأسه، فَكَانَت فَاطِمَة تغسل الدَّم وَعلي يسْكب عَلَيْهَا بالمجن. [15] الرباعيات تلِي الثنايا، وَهِي اثْنَتَانِ من فَوق وَاثْنَتَانِ من أَسْفَل، وَقد ذكرنَا عدد الْأَسْنَان وأسماءهن فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. [15] وَقَوله: وهشمت: كسرت. والهشم: كسر الشَّيْء الأجوف. الحديث: 760 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 والمجن: الترس. 761 - / 906 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: فَبَاتَ النَّاس يدوكون ليلتهم أَيهمْ يعطاها. [15] قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يدوكون: يَخُوضُونَ فِيمَن يَدْفَعهَا إِلَيْهِ. يُقَال: النَّاس فِي دوكة: إِذا كَانَ فِي اخْتِلَاط وخوض. [15] وَقَوله: " لِأَن يهدي الله بك رجلا " أبين دَلِيل على تَفْضِيل الْعلم. [15] وَالنعَم: الْإِبِل. وَإِنَّمَا خص حمرها لِأَنَّهَا كرامها وخيارها. 762 - / 907 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: دَعَا أَبُو أسيد السَّاعِدِيّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عرسه، فَكَانَت امْرَأَته خادمتهم وَهِي الْعَرُوس، أنقعت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تمرات من اللَّيْل فِي تور، فَلَمَّا فرغ من الطَّعَام أماثته فسقته تخصه بذلك. [15] التور: آنِية كالقدح تكون من حِجَارَة، وَهِي اسْم أعجمي، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. [15] وَقَوله: أماثته. يُقَال: مثت الشَّيْء فِي المَاء: إِذا أنقعته فِيهِ ثمَّ عصرته وصفيته. وَيُقَال: انماث ينماث: إِذا ذاب وَتغَير المَاء بِهِ. 763 - / 909 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: فلهي بِشَيْء بَين يَدَيْهِ. لهي بِكَسْر الْهَاء وَمَعْنَاهُ اشْتغل. فإئا فتحت الْهَاء كَانَ من اللَّهْو. الحديث: 761 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 764 - / 910 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: ذكر امْرَأَة قدم بهَا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليتزوجها، فَنزلت فِي أجم بني ساعده، فَقَالَت: أعوذ بِاللَّه مِنْك. [15] الأجم والأطم: الْحصن. وَقد تقدّمت تَسْمِيَة هَذِه الْمَرْأَة وَشرح حَالهَا فِي مُسْند أبي أسيد. وَيُقَال: إِن بعض نِسَائِهِ قُلْنَ لَهَا: إِذا أردْت الحظوة عِنْده فَقولِي لَهُ: أعوذ بِاللَّه مِنْك، وَمَا علمت هِيَ مَا تَحت هَذَا. 765 - / 911 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: " يحْشر النَّاس على أَرض بَيْضَاء عفراء كقرصة النقي لَيْسَ فِيهَا معلم لأحد " وَفِي لفظ " علم ". [15] قَالَ أَبُو عبيد: العفر: الْأَبْيَض لَيْسَ بشديد الْبيَاض. [15] والنقي: الْحوَاري. والمعلم الْأَثر. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان البستي: إِنَّمَا سمي الْحوَاري نقيا لِأَنَّهُ نقي من القشر والنخاله. [15] وَيُرِيد بقوله: " لَيْسَ فِيهِ معلم " أَنَّهَا مستوية لَيْسَ فِيهَا حدب يرد الْبَصَر وَلَا بِنَاء يستر مَا وَرَاءه. والمعلم وَاحِد معالم الأَرْض: أَي الحديث: 764 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 أعلامها الَّتِي يهتدى بهَا فِي الطّرق. 766 - / 912 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: وننقل التُّرَاب على أكتادنا. [15] الأكتاد جمع كتد بِفَتْح الْكَاف وَالتَّاء: وَهُوَ موصل الْعُنُق فِي الظّهْر، وَهُوَ فِيمَا بَين الْكَاهِل إِلَى الظّهْر، والكاهل مَا بَين الْكَتِفَيْنِ. 767 - / 913 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: كُنَّا نفرح بِيَوْم الْجُمُعَة، وَذَلِكَ أَنه كَانَت عَجُوز ترسل إِلَى بضَاعَة، فتأخذ من أصُول السلق فتطرحه فِي الْقدر، وتكركر عَلَيْهِ حبات من شعير، مَا فِيهِ شَحم وَلَا ودك. [15] بضَاعَة: بِئْر حولهَا نخل وَزرع. وَمن الْمُحدثين من يضم الْبَاء فَيَقُول: بضَاعَة. [15] وَقَوله: تكركر: مَعْنَاهُ تطحن أَو تحبش، وَأَصله من الْكر، ضوعف عود الرَّحَى ورجوعها فِي الطحين مرّة بعد أُخْرَى. والكركرة بِمَعْنى الصَّوْت كالجرجرة. [15] والودك: الدّهن، إِلَّا أَنه لَا يُقَال ودك إِلَّا من الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم. وَيُقَال من دهن السمسم والجوز واللوز وَالزَّيْتُون دسم. وَيُقَال من الطير والدجاج والبط زهم. الحديث: 766 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 [15] وَقَوله: تغرسه على أربعائنا. الْأَرْبَعَاء: النَّهر. [15] وَقَوله: وَمَا كُنَّا نقِيل وَلَا نتغدى إِلَّا بعد الْجُمُعَة. القيلولة: النّوم قبل الزَّوَال. وَقد اسْتدلَّ بِهِ أَصْحَابنَا على جَوَاز إِقَامَة الْجُمُعَة قبل الزَّوَال، لِأَن القيلولة والغداء لَا يكونَانِ إِلَّا قبل الزَّوَال. وَقد عضد هَذَا مَا سَيَأْتِي فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ من حَدِيث أنس بن مَالك قَالَ: كُنَّا نبكر إِلَى الْجُمُعَة ثمَّ نقِيل بعْدهَا. وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَة ثمَّ نَذْهَب إِلَى جمالنا فنريحها حِين تَزُول الشَّمْس. وَهَذَا عِنْد أَصْحَابنَا وَقت جَوَاز فعل الْجُمُعَة. فَأَما الِاسْتِحْبَاب فَبعد الزَّوَال. وَيُمكن أَن تشبه بِصَلَاة الْعِيد، لِأَن الْجُمُعَة كالعيد. [15] وَلقَائِل أَن يَقُول: أَوْقَات الصَّلَاة مَعْلُومَة مُجْتَمع عَلَيْهَا، فَلَا تغير بِأَمْر مُحْتَمل. وَوجه الِاحْتِمَال أَن قَوْله: مَا كُنَّا نقِيل وَلَا نتغدى: أَي كُنَّا يحرضنا على البكور إِلَى الْجُمُعَة، نؤخر غداءنا وقيلولتنا إِلَى مَا بعد الْجُمُعَة. ويوضحه قَول أنس: كُنَّا نبكر إِلَى الْجُمُعَة ثمَّ نقِيل بعْدهَا. وَقد يَقُول من أخر غداءه إِلَى وَقت الْمسَاء: هَذَا غدائي. [15] ويكشف هَذَا أَن جَمِيع الْأَلْفَاظ: كُنَّا، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَلَفْظَة كَانَ إِخْبَار عَن دوَام الْفِعْل. وَقد قَالَ الْخصم: إِن ذَلِك جَائِز لَا مُسْتَحبّ، فَمَا كَانُوا بالذين يدومون على ترك الِاسْتِحْبَاب. فَأَما قَول جَابر: كُنَّا نصلي الْجُمُعَة ونريح جمالنا حِين تَزُول الشَّمْس، فَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 إِخْبَار عَن صَلَاة الْجُمُعَة مَعَ الزَّوَال. 768 - / 914 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: " رِبَاط يَوْم فِي سَبِيل الله ... ". [15] قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أصل الرِّبَاط والمرابطة: أَن يرْبط هَؤُلَاءِ خيولهم وَهَؤُلَاء خيولهم فِي الثغر، كل يعد لصَاحبه. 769 - / 915 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: هَذَا حري إِن خطب أَن ينْكح. [15] حري وحقيق وجدير بِمَعْنى. وَالْمرَاد من الحَدِيث أَلا يزدرى الْفَقِير، فَإِنَّهُ فِي الْأَغْلَب خير من الْغَنِيّ. 770 - / 917 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: كَانَ بَين مصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين الْجِدَار ممر الشَّاة. [15] هَذَا الْقرب من الْقبْلَة لأجل من يجوز. 771 - / 920 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: كَانَ رجال يصلونَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عاقدي أزرهم على أَعْنَاقهم كَهَيئَةِ الصّبيان، وَيُقَال للنِّسَاء: لَا ترافعن رؤوسكن حَتَّى يَسْتَوِي الرِّجَال جُلُوسًا. [15] كَانَت كسْوَة أُولَئِكَ الرِّجَال قَليلَة، وثيابهم قَصِيرَة لمَكَان الْفقر، الحديث: 768 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 فَأمر النِّسَاء أَلا يرفعن رؤوسهن حَتَّى يَسْتَوِي الرِّجَال جُلُوسًا لِئَلَّا يشاهدن عَورَة. 772 - / 921 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: إِن أهل الْجنَّة ليتراءون الغرفة فِي الْجنَّة كَمَا تتراءون الْكَوْكَب فِي السَّمَاء. [15] إِنَّمَا سميت الْجنَّة جنَّة لاستتار أرضه بأشجارها. وَسمي الْجِنّ لاستتارهم، وَيُسمى الْجَنِين أَيْضا. [15] والغرفة: الْمنزل فَوق الْأَبْنِيَة. [15] والكوكب: النَّجْم. وَأما الدُّرِّي فَقَالَ الْكسَائي: الدُّرِّي بِضَم الدَّال مشبه بالدر، وبكسر الدَّال: الْجَارِي. وَبِفَتْحِهَا: الملتمع. [15] والأفق وَاحِد الْآفَاق: وَهِي النواحي. 773 - / 922 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْعِشْرين: " إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يسير الرَّاكِب الْجواد الْمُضمر السَّرِيع مائَة عَام مَا يقطعهَا ". [15] الْجواد: الْفرس السَّرِيع. وتضمير الْخَيل: أَن تشد عَلَيْهَا سُرُوجهَا وتجلل بالأجلة، وتجري حَتَّى تعرق، ويكرر ذَلِك عَلَيْهَا حَتَّى تعتاده، فيقوى لحملها وَيذْهب رهلها، وتخف حركتها، فَإِذا انْتَهَت رياضتها وَبَلغت مَا يُريدهُ الرائضون فِيهَا فَهِيَ مضمرة، وَمَا دَامَت فِي الرياضة فَهِيَ غير مضمرة. وَاسم الْمَكَان الَّذِي تجْرِي فِيهِ الْمِضْمَار. وَقد يُقَال الحديث: 772 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 الْمِضْمَار للْوَقْت الَّذِي تضمر فِيهِ الْخَيل للسباق. وَهَذِه الشَّجَرَة يُقَال: إِنَّهَا طُوبَى. 774 - / 923 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين: " أَنا فَرَطكُمْ على الْحَوْض، وليردن عَليّ أَقوام أعرفهم ويعرفونني، ثمَّ يُحَال بيني وَبينهمْ ". [15] الفرط: الْمُتَقَدّم لأصلاح أَمر. [15] وَهَؤُلَاء الَّذين أَحْدَثُوا بعده يحْتَمل أَن يُرَاد بهم المُنَافِقُونَ والمرتدون والمبتدعون فِي أصل الدّين. [15] وَسُحْقًا مصدر أسحقه الله سحقا: أَي أبعده بعدا. [15] فَإِن قيل: كَيفَ خَفِي حَالهم عَلَيْهِ وَقد قَالَ: " تعرض عَليّ أَعمال أمتِي " فَالْجَوَاب أَنه إِنَّمَا تعرض عَلَيْهِ أَعمال الْمُوَحِّدين لَا الْمُنَافِقين وَلَا الْكَافرين. 775 - / 926 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث من أَفْرَاد البُخَارِيّ: " ليدخلن الْجنَّة من أمتِي سَبْعُونَ ألفا - أَو سَبْعمِائة ألف - سماطين، آخذ بَعضهم بِبَعْض، حَتَّى يدْخل أَوَّلهمْ وَآخرهمْ الْجنَّة، وُجُوههم على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر ". الحديث: 774 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 [15] السماط: مَا رتب على جِهَة مُتَسَاوِيَة. وَهَؤُلَاء يدْخلُونَ بَعضهم آخذ بيد بعض. [15] وَقَوله: " على صُورَة الْقَمَر " أَي على ضوئه لَيْلَة الْبَدْر، لَيْلَة أَربع عشرَة. [15] وَفِي تَسْمِيَتهَا بذلك قَولَانِ ذكرهمَا ابْن الْقَاسِم: أَحدهمَا: لأ، الْقَمَر فِيهَا يُبَادر طلوعه غرُوب الشَّمْس. وَالثَّانِي: لامتلاء الْقَمَر وَحسنه وكماله. وَسميت بدرة الدَّرَاهِم بدرة لامتلائها، وَمِنْه قَوْلهم: عين حدرة بدرة: إِذا كَانَت ممتلئة. 776 - / 927 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " أَنا وكافل الْيَتِيم فِي الْجنَّة كَهَذا " وَأَشَارَ بالسبابة وَالْوُسْطَى وَفرج بَينهمَا شَيْئا. [15] قَالَ الْأَصْمَعِي: الْيُتْم فِي النَّاس من قبل الْأَب، وَفِي غير النَّاس من قبل الْأُم. وَقَالَ ثَعْلَب: مَعْنَاهُ فِي كَلَام الْعَرَب الِانْفِرَاد، فَمَعْنَى يَتِيم: مُنْفَرد عَن أَبِيه، وَأنْشد: (أفاطم، إِنِّي ذَاهِب فتثبتي ... وَلَا تجزعي، كل النِّسَاء يَتِيم) [15] قَالَ: ويروى يَتِيم، ويئيم، فَمن روى بِالتَّاءِ أَرَادَ كل النِّسَاء ضَعِيف مُنْفَرد، وَمن روى بِالْيَاءِ أَرَادَ: كل النِّسَاء يَمُوت عَنْهُن أَزوَاجهنَّ. قَالَ: وأنشدنا ابْن الْأَعرَابِي: (ثَلَاثَة أحباب فحب علاقَة ... وَحب تملاق، وَحب هُوَ الْقَتْل) الحديث: 776 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 [15] فَقُلْنَا لَهُ: زِدْنَا: فَقَالَ: الْبَيْت يَتِيم، أَي مُنْفَرد. [15] وقرأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: إِذا بلغ الصَّبِي زَالَ عَنهُ اسْم الْيُتْم، يُقَال مِنْهُ: يتم ييتم يتما ويتما، وَجمع الْيَتِيم يتامى وأيتام، وكل مُنْفَرد عَن الْعَرَب يَتِيم ويتيمة. قَالَ: وَقيل أَيْضا: أصل الْيُتْم الْغَفْلَة، وَبِه سمي الْيَتِيم لِأَنَّهُ يتغافل عَن بره. والمراة تدعى يتيمة مالم تتَزَوَّج، فَإِذا تزوجت زَالَ عَنْهَا اسْم الْيُتْم. وَقيل: لَا يَزُول عَنْهَا اسْم الْيُتْم أبدا. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الْيُتْم: الإبطاء، وَمِنْه أَخذ الْيَتِيم، لِأَن الْبر يبطئ عَنهُ. [15] وَأما كَفَالَة الْيَتِيم فمعناها الْقيام بأَمْره وتربيته. 777 - / 928 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " من يضمن لي مَا بَين لحييْهِ وَمَا بَين رجلَيْهِ أضمن لَهُ الْجنَّة ". [15] الْإِشَارَة إِلَى اللِّسَان والفرج. وَالْمرَاد بِالضَّمَانِ الْوَفَاء بترك الْمعاصِي بهما. 778 - / 929 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: هَل أكل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النقي؟ يَعْنِي الحوارى. [15] وَقَوله: مَا بَقِي ثريناه: أَي بللناه بِالْمَاءِ. وَأَصله من الثرى وَهُوَ التُّرَاب الندي. الحديث: 777 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 779 - / 930 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: كَانَ النَّاس يؤمرون أَن يضع الرجل الْيَد الْيُمْنَى على ذراعه الْيُسْرَى فِي الصَّلَاة، قَالَ أَبُو حَازِم: وَلَا أعلمهُ إِلَّا ينمي ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] وضع الْيَد الْيُمْنَى على الْيُسْرَى مُسْتَحبّ فِي الصَّلَاة عندنَا، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، ولمالك رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا كَقَوْلِنَا، وَالثَّانيَِة: أَنه غير مُسْتَحبّ، إِنَّمَا هُوَ مُبَاح. [15] وَفِي ينمي لُغَتَانِ فتح الْيَاء وَضمّهَا. وَمَعْنَاهَا رفع الحَدِيث. قَالَ الزّجاج: نميت بالشَّيْء نَمَاء: إِذا رفعته، وأنميته إنماء مثله. [15] 780 / 931 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: قَالَ سهل: مَا عدوا من مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا من وَفَاته، مَا عدوا إِلَّا من مقدمه الْمَدِينَة. [15] الْإِشَارَة إِلَى التَّارِيخ. وَأعلم أَنه لما أهبط آدم من الْجنَّة وانتشر وَلَده، أرخ بنوه من هُبُوطه إِلَى أَن بعث الله نوحًا، فأرخوا مبعث نوح إِلَى أَن كَانَ الْغَرق، فأرخوا من الطوفان إِلَى نَار إِبْرَاهِيم. فَلَمَّا كثر ولد إِسْمَاعِيل افْتَرَقُوا، فأرخ بَنو إِسْحَق من نَار إِبْرَاهِيم إِلَى مبعث يُوسُف، وَمن مبعث يُوسُف إِلَى مبعث مُوسَى، وَمن مبعث مُوسَى إِلَى ملك سُلَيْمَان، وَمن ملك سُلَيْمَان إِلَى مبعث عِيسَى، وَمن مبعث عِيسَى إِلَى أَن بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وأرخ بَنو إِسْمَاعِيل من نَار إِبْرَاهِيم إِلَى الحديث: 779 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 بِنَاء الْبَيْت، وَمن بِنَاء الْبَيْت حَتَّى تَفَرَّقت معد. وَكَانَت للْعَرَب أَيَّام وأعلام يعدونها، ثمَّ أَرخُوا من موت كَعْب بن لؤَي إِلَى الْفِيل. وَكَانَ التَّارِيخ من الْفِيل إِلَى أَن أرخ عمر بن الْخطاب من الْهِجْرَة، وَإِنَّمَا أرخ عمر بعد سبع عشرَة سنة من الْهِجْرَة، وَذَلِكَ أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ كتب إِلَى عمر أَنه تَأْتِينَا من قبلك كتب لَيْسَ لَهَا تَارِيخ فأرخ، فَاسْتَشَارَ عمر الصَّحَابَة فِي ذَلِك، فَقَالَ بَعضهم: أرخ لمبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ بَعضهم: لوفاته. فَقَالَ عمر: بل نؤرخ لمهاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن مهاجره فرق بَين الْحق وَالْبَاطِل، فأرخ لذَلِك. وَاخْتلفُوا بِأَيّ شهر يبدأون، فَقَالَ عُثْمَان: أَرخُوا الْمحرم أول السّنة. وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: كتب التَّارِيخ بمشورة عَليّ. 781 - / 932 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: " فِيهَا مَا لَا عين رَأَتْ، وَلَا أذن سَمِعت، وَلَا خطر على قلب بشر ". [15] اعْلَم أَن نعيم الْجنَّة لما كَانَ غَائِبا نَاب الْوَصْف عَن الْمُشَاهدَة. وَإِنَّمَا يُوصف مَا قد رئي جنسه وَمَا يعرف شبهه، فوصف الله عز وَجل للْمُؤْمِنين مَا يعْرفُونَ من المطاعم والأزواج والفرش والقصور وَالْأَشْجَار والأنهار، ثمَّ درج الْأَغْرَاض فِي قَوْله: {وفيهَا مَا تشتهيه الْأَنْفس وتلذ الْأَعْين} [الزخرف: 71] ثمَّ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فِيهَا مَا لَا عين رَأَتْ، وَلَا أذن سَمِعت، وَلَا خطر على قلب تشر " وَهَذَا لِأَن النُّفُوس تحب الْأَشْيَاء الحديث: 781 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 المتجددة والغربية. فَلَمَّا كَانَ مَا قد رَأَتْهُ وَسمعت بِهِ وَمَا يخْطر بالقلوب عِنْدهَا مَعْرُوفا، أخْبرهَا بِوُجُود مَا يزِيد على ذَلِك مِمَّا لم يبلغ إِلَى مَعْرفَته، إِذْ لم تَرَ جنسه، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين} [السَّجْدَة: 17] وَقد جعل ذَلِك فِي مُقَابلَة قيام اللَّيْل حِين قَالَ: {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} [السَّجْدَة: 16] فأخفى جزاءهم لأخفائهم عِبَادَته فِي الدجى. وَقَول الْقرظِيّ: إِن ثمَّ لكيسا. أَي عقلا وافرا. حِين أخفوا مُعَامَلَته، وَفِي إخفاء الْمُعَامَلَة اقتناع بِرُؤْيَة الْمَعْمُول مَعَه. 782 - / 933 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: كَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حائطنا فرس يُقَال لَهُ اللحيف. الْحَائِط: الْبُسْتَان. [15] وَفِي اسْم هَذَا الْفرس ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهمَا: اللحيف بِالْحَاء. وَالثَّانِي: اللخيف بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَهُوَ مَذْكُور فِي الحَدِيث أَيْضا. وَالثَّالِث: النحيف بالنُّون والحاء الْمُهْملَة، ذكره بعض أهل التَّارِيخ. [15] وَقد ملك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعَة أَفْرَاس: أَحدهمَا: اسْمهَا السكب، وَهُوَ أول فرس ملكه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالثَّانِي: المرتجز، وَهُوَ الَّذِي اشْتَرَاهُ من الْأَعرَابِي، فَشهد فِيهِ خُزَيْمَة بن ثَابت. وَبَعض الروَاة جعل الاسمين لفرس وَاحِد. وَالثَّالِث: اللزاز، فرس اشْتَرَاهُ لَهُ الْمُقَوْقس. وَالرَّابِع: الظرب. أهداه لَهُ ربيعَة بن الْبَراء. وَالْخَامِس: الْورْد، أهداه لَهُ تَمِيم الدَّارِيّ. وَالسَّادِس النحيف. وَالسَّابِع: اليعسوب. وَكَانَت لَهُ النَّاقة الحديث: 782 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 الْقَصْوَاء، وَهِي العضباء، وَهِي الجدعاء. وَكَانَت بغلة تسمى بالشهباء وبالدلدل، وَكَانَ لَهُ حمَار يُقَال لَهُ يَعْفُور. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 (71) كشف الْمُشكل من مُسْند مَالك بن صعصعة [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة أَحَادِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد، وَهُوَ حَدِيث الْمِعْرَاج. 783 - / 935 - وَفِيه من الْمُشكل: بَينا أَنا فِي الْحطيم. [15] والحطيم هُوَ الْحجر، وَإِنَّمَا سمي حطيما لما حطم من جِدَاره، فَلم يسو بِبِنَاء الْبَيْت وَترك خَارِجا مِنْهُ محطوم الْجِدَار. وأصل الحطم الْكسر. [15] وَإِنَّمَا سمي الْحجر حجرا لِأَنَّهُ احتجر: أَي اقتلع من الأَرْض بِمَا أدير عَلَيْهِ من الْبُنيان. [15] وَقَوله: من ثغرة نَحره. النَّحْر مَوضِع القلادة. وثغرته: الهزمة الَّتِي تقع فِي اللبة. واللبة مَوضِع وسط القلادة، وَجمع الثغرة ثغر. [15] والشعرة: الْعَانَة. [15] والقص بالصَّاد، والعامة تَقول بِالسِّين وَذَلِكَ غلط: وَهُوَ وسط الصَّدْر. [15] والطست وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند أبي ذَر. الحديث: 783 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 [15] وَأما قَول مُوسَى: أبْكِي لِأَن غُلَاما بعث بعدِي يدْخل الْجنَّة من أمته أَكثر مِمَّا يدخلهَا من أمتِي، فَرُبمَا توهم جَاهِل أَنه فِي معنى الْحَسَد. والحسد لَا يجوز فِي حق الْأَنْبِيَاء، إِنَّمَا يكون فِي معنى الْغِبْطَة. وَقد قيل: إِنَّمَا بَكَى رَحْمَة لأمته، وتمنيا لَهُم الْخَيْر، لِأَنَّهُ بَالغ فِي الِاجْتِهَاد مَعَهم، وَطَالَ زمنهم إِلَى مَجِيء عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، ثمَّ زَاد عدد السالمين من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم. [15] فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ قَالَ: هَذَا الْغُلَام، وَهُوَ لفظ يَقْتَضِي التصغير؟ فَالْجَوَاب: أَنه تعجب من منَّة الله عَلَيْهِ مَعَ صغر سنه. وَيحسن فِي ذكر النعم تَصْغِير الْمُنعم عَلَيْهِ لينفرد الْمُنعم بالعظمة، كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِن هُوَ إِلَّا عبد أنعمنا عَلَيْهِ} [الزخرف: 59] وَقَوله عز وَجل: {ألم يجدك يَتِيما فآوى ووجدك ضَالًّا فهدى} [الضُّحَى: 6، 7] . [15] وَأما الْبَيْت الْمَعْمُور فَهُوَ الْكثير الغاشية، كَأَنَّهُ عمر بِمن يَغْشَاهُ. [15] قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ حِيَال الْكَعْبَة، يحجه كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك ثمَّ لَا يعودون إِلَيْهِ حَتَّى تقوم السَّاعَة. [15] وَمعنى آخر مَا عَلَيْهِم: أبدا. [15] وَقَوله فِي اللَّبن: " هِيَ الْفطْرَة " أصل الْخلقَة. وَهُنَاكَ وَقع الْإِقْرَار بالخالق من غير شوب دَعْوَى فِي حق غَيره. فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بالفطرة إِلَى الْإِقْرَار بِالتَّوْحِيدِ، لِأَن الْخمر يشاب، وَالْعَسَل يشاب، بِخِلَاف اللَّبن. [15] وَقَوله: " أحد الثَّلَاثَة بَين الرجلَيْن ": أَي لَيْسَ بالطويل وَلَا بالقصير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 [15] ومراق الْبَطن مُشَدّدَة الْقَاف: وَهُوَ مَا سفل من الْبَطن من الْمَوَاضِع الَّتِي ترق جلودها. وَيُقَال: وَاحِدهَا مرق. [15] وَقَوْلهمْ: مرْحَبًا بِهِ: الْمَعْنى أَتَى رحبا: أَي سَعَة. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَقَول النَّاس: مرْحَبًا وَأهلا: مَعْنَاهُ أتيت رحبا وَأهلا لَا غرباء، فأنس وَلَا تستوحش. وسهلا: أَي أتيت سهلا لَا حزنا. وَهُوَ فِي مَذْهَب الدُّعَاء، كَمَا تَقول: لقِيت خيرا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 (72) كشف الْمُشكل من مُسْند كَعْب بن عجْرَة [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة أَحَادِيث. 784 - / 936 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: قَوْله: " أَيُؤْذِيك هوَام رَأسك؟ ". [15] الْهَوَام جمع هَامة. [15] وَقَوله: " انسك نسيكة " يعْنى اذْبَحْ ذَبِيحَة، وَهِي شَاة. [15] والتهافت: التساقط شَيْء بعد شَيْء. [15] وَالْفرق: مكيال مَعْرُوف لَهُم. قَالَ ثَعْلَب: هُوَ مَفْتُوح وَلَا تسكنها. وَكَذَلِكَ قَالَ القتبي: وَهُوَ بِفَتْح الرَّاء، وَهُوَ سِتَّة عشر رطلا. وَقَالَ ابْن فَارس: بِفَتْح رائه وتسكن. وَهَذَا الْمِقْدَار مَكِيل من التَّمْر، وَلَا يَجْزِي أقل من نصف صَاع لكل فَقير. الحديث: 784 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 785 - / 938 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " مُعَقِّبَات لَا يخيب قائلهن ". [15] المعقبات: الَّتِي يعقب بَعْضهَا بَعْضًا: أَي يَأْتِي بَعضهنَّ فِي عقب بعض. 786 - / 939 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: عَن كَعْب بن عجْرَة أَنه دخل الْمَسْجِد وَعبد الرَّحْمَن بن أم الحكم يخْطب قَاعِدا، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبيث يخْطب قَاعِدا، وَقد قَالَ الله عز وَجل: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِما} [الْجُمُعَة: 11] . [15] الْقيام فِي الْخطْبَة مسنون عندنَا. فَأَما عِنْد الشَّافِعِي فَإِنَّهُ شَرط لَا تصح الْخطْبَة إِلَّا بِهِ. الحديث: 785 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 (73) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي بَرزَة نَضْلَة بن عبيد [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سَبْعَة أَحَادِيث. 787 - / 940 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: كَانَ يُصَلِّي الهجير الَّتِي تدعونها الأولى حِين تدحض الشَّمْس. [15] الهجير والهاجرة نصف النَّهَار عِنْد اشتداد الْحر. [15] وتدحض بِمَعْنى تَزُول. [15] وَقَوله: " وَالشَّمْس حَيَّة " حَيَاة الشَّمْس بَقَاء حرهَا لم يفتر، ولونها لم يصفر. [15] وَأما كَرَاهِيَة النّوم قبل الْعشَاء فَإِنَّهُ لَا يُؤمن امتداد النّوم إِلَى أَن يذهب وَقت الْفَضِيلَة، وَرُبمَا لم يدْرك حِينَئِذٍ جمَاعَة، فَإِن قَامَ النَّائِم فِي وَقت الْفَضِيلَة فَمَا أَخذ من النّوم قبل مُرَاده، فَيقوم كسلان. وَأما الحَدِيث بعْدهَا فلاستحباب ختم الْعَمَل بِالطَّاعَةِ، وَنسخ عَادَة الْجَاهِلِيَّة فِي الحديث: 787 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 السمر. فَأَما إِذا كَانَ الحَدِيث بعْدهَا فِي الْعلم وَالْخَيْر فَإِنَّهُ لَا يكره. 788 - / 941 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: [15] مَا أرى أحدا الْيَوْم خيرا من هَذِه الْعِصَابَة الملبدة، خماص الْبُطُون من أَمْوَال النَّاس. [15] الملبدة: المقيمة الَّتِي لَا تتصرف فِي الْفِتَن. والملبد: الْمُقِيم اللاصق بِالْأَرْضِ. [15] والخامص: الضامر. وَأَرَادَ نزاهة الْقَوْم من دِمَاء النَّاس وَأَمْوَالهمْ. 789 - / 942 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كُنَّا على شاطئ النَّهر وَقد نضب عَنهُ المَاء. [15] نضب: مَفْتُوحَة الضَّاد. وَالْمعْنَى: لم يبْق عَلَيْهِ شَيْء. [15] والتعنيف: التوبيخ. وَالْمعْنَى: مَا وبخني أحد وَلَا لَقِيَنِي بِكَلَام يشق. والعنف ضد الرِّفْق. [15] وَقَوله: منزلي متراخ: أَي متباعد. [15] وَقد ذكرنَا الحرورية فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، وهم الَّذين خَرجُوا على عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فنزلوا حروراء. والأزارقة: خوارج نسبوا إِلَى نَافِع بن الْأَزْرَق. [15] والقهقرى: الرُّجُوع على العقبين إِلَى وَرَاء. الحديث: 788 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 [15] وَقَوله: مخزيك: أَي مذلك. قَالَ الزّجاج: المخزى فِي اللُّغَة: المذل المحقور بِأَمْر قد لزمَه وبحجة. يُقَال: أخزيته: ألزمته حجَّة أذللته مَعهَا. 790 - / 943 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: [15] قَالَت: امْرَأَة لناقتها: حل، اللَّهُمَّ العنها. [15] وَحل: زجر للناقة. وَقد فسرنا هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند عمرَان بن حُصَيْن. 791 - / 944 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: حلقي عقرى. [15] أما حلقى وعقرى فهما كلمتان تخفان على أَلْسِنَة الْعَرَب فِي الدُّعَاء على النِّسَاء، وَرُبمَا دعين بهَا على أَنْفسهنَّ تَعْظِيمًا لِلْأَمْرِ الَّذِي وَقع الْغَضَب مِنْهُ، وَمَعْنَاهَا: عقرهَا الله وحلقها: أَي أَصَابَهَا بوجع فِي حلقها. [15] وَقَوله: " لَا، لعمر الله " أَي وحياته. 792 - / 945 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " وَأمر الْأَذَى عَن الطَّرِيق ". أَي: نحه الحديث: 790 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 793 - / 946 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث رجلا إِلَى حَيّ من أَحيَاء الْعَرَب، فسبوه وضربوه، فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ، فَقَالَ: " لَو أهل عمان أتيت مَا سبوك وَلَا ضربوك ". [15] قَالَ بعض الْعلمَاء: كَانَ أهل عمان أسْرع النَّاس قبولا للْخَبَر. أخبرنَا ابْن الْحصين قَالَ: أخبرنَا ابْن الْمَذْهَب قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر بن مَالك قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد، حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا يزِيد قَالَ: أخبرنَا جرير قَالَ: أَنبأَنَا الزبير بن الحريث عَن أبي لبيد قَالَ: خرج رجل فِي طاحية مُهَاجرا يُقَال لَهُ بيرح بن أَسد، فَقدم الْمَدِينَة بعد وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأيام، فَرَآهُ عمر، فَعلم أَنه غَرِيب، فَقَالَ لَهُ: من أَنْت؟ فَقَالَ: من أهل عمان. قَالَ / من أهل عمان؟ قَالَ نعم. فَأخذ بِيَدِهِ فَأدْخلهُ على أبي بكر فَقَالَ: هَذَا من أهل الأَرْض الَّتِي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " إِنِّي لأعْلم أَرضًا يُقَال لَهَا عمان، ينضج بناحيتها الْبَحْر، بهَا حَيّ من الْعَرَب لَو أَتَاهُم رَسُول مَا رَمَوْهُ بِسَهْم وَلَا حجر ". الحديث: 793 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 (74) كشف الْمُشكل من مُسْند سَلمَة بن الْأَكْوَع [15] وَاسم الاكوع سِنَان بن عبد الله بن قُشَيْر، كَذَلِك ذكره مُحَمَّد بن سعد، وَقَالَ غَيره: هُوَ سَلمَة بن عَمْرو بن الْأَكْوَع، والأكوع جده فنسب إِلَيْهِ. [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن النَّبِي سِتَّة وَتسْعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثُونَ. 794 - / 948 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الثَّانِي: غزونا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هوَازن، فَبينا نَحن نتضحى مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] قَالَ أَبُو عبيد: أَي نتغدى، وَاسم ذَلِك الْغَدَاء الضحاء، وَإِنَّمَا سمي بذلك لِأَنَّهُ يُؤْكَل فِي الضحاء، والضحاء ارْتِفَاع النَّهَار الْأَعْلَى، وَهُوَ مَمْدُود مُذَكّر. وَالضُّحَى مُؤَنّثَة مَقْصُورَة، وَهِي حِين تشرق الشَّمْس. [15] قَوْله: إِذْ جَاءَ رجل: كَانَ هَذَا الرجل جاسوسا لِلْعَدو. الحديث: 794 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 [15] وَقَوله: ثمَّ انتزع طلقا. الطلق بِفَتْح اللَّام: قيد من جُلُود يُقيد بِهِ الْبَعِير، وكل حَبل مفتول فَهُوَ طلق. والطلق فِي غير هَذَا: الشوط. يُقَال: عدا طلقا أَو طلقين. [15] والجعبة: الَّتِي يَجْعَل فِيهَا السِّهَام، وَهِي الكنانة أَيْضا. [15] وَقَوله: وَفينَا ضعفة. أَي ضعفاء. ورقة من الظّهْر. أَي: وَفِي إبلنا قله. [15] والناقة الورقاء لَوْنهَا لون الرماد، وَكَذَلِكَ الْبَعِير الأورق. وَسميت الْحَمَامَة وَرْقَاء للونها. 795 - / 950 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَن سَلمَة كَانَ يتحَرَّى مَوضِع الْمُصحف يسبح فِيهِ. [15] كَأَنَّهُ قد كَانَ هُنَاكَ مَوضِع مصحف. ويسبح بِمَعْنى يُصَلِّي. وَإِنَّمَا كَانَ يتحَرَّى ذَلِك الْموضع لأَنهم زادوا فِي الْمَسْجِد، فَكَأَنَّهُ كَانَ يطْلب مَوضِع الْحَائِط الأول. 796 - / 953 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يُؤذن من كَانَ أكل فليصم بَقِيَّة يَوْمه، وَمن لم يكن أكل فليصم فَإِن الْيَوْم عَاشُورَاء. [15] اعْلَم أَن صَوْم بعض النَّهَار لَيْسَ بِصَوْم، غير أَن الْإِمْسَاك لاحترام الْوَقْت وَبَيَان تَعْظِيمه، كَمَا يُؤمر القادم فِي رَمَضَان، وَالْحَائِض إِذا الحديث: 795 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 طهرت أَن تمسك، وَمن لَا مَاء لَهُ وَلَا تُرَاب أَن يُصَلِّي على حَاله. وَهَذَا كَانَ قبل فرض رَمَضَان، فَلَمَّا فرض رَمَضَان اشتغلوا بِهِ عَن غَيره، فَصَارَ مَا سواهُ نفلا. 797 - / 954 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى خَيْبَر، فسرنا لَيْلًا، فَقَالَ رجل من الْقَوْم لعامر بن الْأَكْوَع: أَلا تسمعنا من هنياتك. فَنزل يَحْدُو. [15] الهنيات هَاهُنَا: الأراجيز. [15] وَقَوله: اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْت مَا اهتدينا. قد بَينا معنى اللَّهُمَّ فِي أول الْكتاب. [15] وَقَوله: عولوا علينا. أَي أجلبوا، من العويل. يُقَال: أعولت وعولت. [15] فَأَما قَول الرَّسُول: " يرحمه الله " فَإِنَّهُ كَانَ لَا يسْتَغْفر لإِنْسَان يَخُصُّهُ إِلَّا اسْتشْهد. وَهَذَا مَذْكُور فِي آخر هَذَا الْمسند. [15] وَمعنى وَجَبت: وَجَبت لَهُ الشَّهَادَة. [15] وَلَوْلَا: بِمَعْنى هلا. [15] أمتعنا بِهِ: أَي بِبَقَائِهِ. وَالَّذِي قَالَ هَذَا عمر بن الْخطاب، وَهُوَ مُبين فِي آخر هَذَا الْمسند. [15] والمخمصة: المجاعة. [15] وَقَوله: واكسروا قدروها: كَانُوا قد طبخوا لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة، فَأَرَادَ بِكَسْر الْقُدُور التَّغْلِيظ فِي التَّحْرِيم، كَمَا أَمر. الحديث: 797 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 يشق الزقاق فِي الْخمر. [15] وَقد دلّ هَذَا على أَن التَّغْلِيظ على أَصْحَاب الْمُنكر جَائِز إِذا كَانَ سَببا لحسم المُرَاد، فَأَما إِذا قبلوا قَول الْحق فَإِن اللين أولى، وَلِهَذَا لما رَآهُمْ قد اسْتَجَابُوا لمراده أجَاز غسل الْأَوَانِي فَقَالَ: " أوذاك ". [15] فَإِن قيل: قد نهى عَن إِضَاعَة المَال. فَالْجَوَاب: أَن إِضَاعَة الشَّيْء الْخَاص للْمصْلحَة الْعَامَّة حسن، كتحريق مَال الغال. [15] وذباب السَّيْف: طرفه الَّذِي يضْرب بِهِ. [15] وقفلوا بِمَعْنى رجعُوا من غزاتهم. [15] وَقَوله: رَآنِي شاحبا: أَي متغير اللَّوْن. يُقَال: شحب وشحب بِكَسْر الْحَاء وَفتحهَا. [15] وَقَوله: ليهابون الصَّلَاة عَلَيْهِ. يَعْنِي الدُّعَاء لَهُ. [15] وَقَوله: مَاتَ بسلاحه. كَأَنَّهُمْ ظنوه فِي مقَام من قتل نَفسه، وَهَذَا غلط. 798 - / 956 وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: خرجت قبل أَن يُؤذن بِالْأولَى. يَعْنِي: الظّهْر. واللقاح من النوق: الْحَوَامِل، الْوَاحِدَة لاقح ولقوح. [15] وَقَوله: يَا صَبَاحَاه، يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَنهم كَانُوا يغيرون وَقت الصَّباح، وأنشدوا: الحديث: 798 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 (نَحن صبحنا عَامِرًا فِي دارها ... ) [15] فَكَأَن الْقَائِل: يَا صَبَاحَاه يَقُول: قد رهقنا الْعَدو. وَالثَّانيَِة: لما كَانَ الْأَعْدَاء يتراجعون عَن الْقِتَال فِي اللَّيْل فَإِذا جَاءَ النَّهَار عاودوه، كَانَ قَول الْقَائِل: يَا صَبَاحَاه، بِمَعْنى: قد جَاءَ وَقت الصَّباح فتأهبوا للقاء [15] وَقَوله: مَا بَين لابتي الْمَدِينَة. قد بَينا فِيمَا تقدم أَن اللابة جمعهَا لوب: وَهِي الْحِجَارَة السود. [15] قَوْله: ثمَّ اندفعت على وَجْهي: أَي أسرعت الْعَدو. [15] والرضع: اللئام، والراضع: اللَّئِيم. وَالْمعْنَى: الْيَوْم يَوْم هَلَاك الرضع. [15] قَالَ ابْن قُتَيْبَة: اصل هَذَا أَن رجلا كَانَ يرضع الْغنم وَالْإِبِل وَلَا يحلبها لِئَلَّا يسمع صَوت الْحَلب، فَقيل ذَلِك لكم لئيم. [15] وَقَوله: وَقد حميت الْقَوْم المَاء: أَي منعتهم مِنْهُ. [15] قَوْله: " ملكت فَأَسْجِحْ " قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أَي سهل. يُقَال خد أسجح: أَي سهل. [15] وَقَوله: " فَإِن الْقَوْم يقرونَ فِي قَومهمْ " من الْقرى والضيافة. وَالْمعْنَى أَنهم قد وصلوا إِلَى قَومهمْ. وَسَيَأْتِي فِي الحَدِيث الْخَامِس من أَفْرَاد مُسلم بَيَان هَذَا، وَهُوَ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّهُم الْآن ليفرون فِي أَرض غطفان " فَقَالَ: نحر لَهُم فلَان جزورا، فَلَمَّا كشطوا جلدهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 رَأَوْا غبارها فَقَالُوا: أَتَاكُم الْقَوْم، فَخَرجُوا هاربين. وَقد صحف هَذَا جمَاعَة فَقَالَ بَعضهم: يقرونَ بِفَتْح الْيَاء وَضم الرَّاء، وَفَسرهُ بِأَنَّهُم يجمعُونَ المَاء وَاللَّبن. وَقَالَ آخَرُونَ: يغرون بالغين الْمُعْجَمَة، وَهَذَا تَصْحِيف مِمَّن لَا يعرف الحَدِيث. 799 - / 957 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: على أَي شَيْء بايعتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: على الْمَوْت. [15] الْمَعْنى: على أَلا يَفروا وَلَو آل الْأَمر إِلَى الْمَوْت. 800 - / 959 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: لما نزلت: {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة} [الْبَقَرَة: 184] كَانَ من أَرَادَ أَن يفْطر ويفتدي حَتَّى نزلت: {فليصمه} . [15] على هَذَا التَّفْسِير يكون الْمَعْنى يُطِيقُونَ صَوْمه وَلَا يصومونه. 801 - / 961 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: أَن الْحجَّاج قَالَ: يَا ابْن الْأَكْوَع، أرتددت على عقبيك؟ تعربت؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذن لي فِي البدو. [15] وَمعنى تعربت: عدت أَعْرَابِيًا بعد صُحْبَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَذَلِك فسر بعض الْعلمَاء وَكَذَلِكَ سمعناه من أشياخنا. وَقَالَ أَبُو عبد الله الْحميدِي. تعزبت بالزاي: أَي بَعدت عَن الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَات بلزومك الْبَادِيَة. يُقَال: رجل عزب: أَي بعيد عَن النِّسَاء. الحديث: 799 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 802 - / 962 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: إِبَاحَة الْمُتْعَة، قد بَينا نسخهَا فِي مُسْند عمر بن الْخطاب. 803 - / 963 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: " من تَقول عَليّ مَا لم أقل " أَي من تكلّف أَن يَقُول عَليّ. 804 - / 964 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كَانَ إِذا أُتِي بِجنَازَة قَالَ: " هَل عَلَيْهِ دين؟ هَل ترك شَيْئا " إِلَى أَن جِيءَ بِرَجُل عَلَيْهِ ثَلَاثَة دَنَانِير، فَقَالَ: " صلوا على صَاحبكُم ". [15] أعلم أَن هَذَا كَانَ فِي أول الْأَمر، وَفَائِدَته تَعْظِيم أَمر الدّين، ثمَّ نسخ هَذَا بِمَا سَيَأْتِي فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة: أَنه قَالَ لما فتح الله الْفتُوح، قَالَ: " من ترك دينا فعلي ". 805 - / 965 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: خفت أزواد الْقَوْم وأملقوا، فَقَالَ: " نَاد فِي النَّاس يَأْتُوا بِفضل أَزْوَادهم، فَدَعَا على الطَّعَام وبرك عَلَيْهِ ". [15] الإملاق: الْفقر. [15] وَفضل الأزواد: مَا فضل مِنْهَا. والأزواد جمع زَاد. الحديث: 802 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 [15] وبرك: دَعَا بِالْبركَةِ. 806 - / 966 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: مر على نفر ينتضلون. النضال: الرَّمْي. 807 - / 967 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: فنفث فِيهِ ثَلَاث نفثات. النفث: النفخ بِغَيْر ريق. قَالَ أَبُو بكر الْأَنْبَارِي: قَالَ اللغويون: تَفْسِير نفث: نفخ نفخا لَيْسَ مَعَه ريق، قَالَ ذُو الرمة: (وَمن جَوف مَاء غرمض الْحول فَوْقه ... مَتى يحس مِنْهُ مائح الْقَوْم يتفل) 808 - / 969 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي من أَفْرَاد مُسلم: فجمعنا تزوادنا. [15] التزواد: الزَّاد، وَالتَّاء فِيهِ مَفْتُوحَة، وَقد حَدثنَا مُحَمَّد بن نَاصِر قَالَ: أمْلى علينا أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن عَليّ التبريزي قَالَ: أمْلى عَليّ أَبُو الْعَلَاء المعري قَالَ: الْأَشْيَاء الَّتِي جَاءَت على وزن " تفعال " على الحديث: 806 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 ضَرْبَيْنِ: مصَادر وَأَسْمَاء. فَأَما المصادر فالتلقاء والتبيان، وهما فِي الْقُرْآن. وَقَالُوا: التنضال من المناضلة، فَمنهمْ من يَجعله مصدرا، وَمِنْهُم من يَجعله اسْما على تفعال. وَيُقَال: جَاءَنَا لتيفاق الْهلَال، كَمَا يُقَال: لتوفاقه ولميفاقه، فَمنهمْ من يَجعله اسْما، وَمِنْهُم من يَجعله مصدرا. وَأما الْأَسْمَاء فالتنبال وَهُوَ الْقصير. وَيُقَال: رجل تيتاء أَي عذيوط، وَيُقَال بالضاد أَيْضا. وتيراك: مَوضِع. وتعشار: مَوضِع. وتقصار: قلادة قَصِيرَة فِي الْعُنُق. وتيغار: حب مَقْطُوع، أَي جابية. وتمراد: برج صَغِير للحمام. وتمساح: من دَوَاب المَاء مَعْرُوف، رجل تمساح: أَي كَذَّاب. وتمتان، وَاحِد التمانين: وَهِي خيوط يضْرب بهَا الْفسْطَاط. وَرجل تكلام. كثير الْكَلَام. وتلقام: كثير اللقم. وتلعاب: كثير اللّعب. والتمثال وَاحِد التماثيل. وتجفاف الْفرس مَعْرُوف. وترباع: مَوضِع. وترعام: اسْم شَاعِر. وترياق فِي معنى درياق وطرياق ذكره ابْن دُرَيْد فِي بَاب " تفعال ". قَالَ أَبُو الْعَلَاء: وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون على " فعيال ". وَمضى تهواء من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 اللَّيْل بِمَعْنى هوي. وناقة تضراب: وَهِي الْقَرِيبَة الْعَهْد بقرع الْفَحْل. وتلفاق: ثَوْبَان يخاط أَحدهمَا بِالْآخرِ. [15] فَأَما ربضة العنز، فَإِن العنز وَاحِدَة المعزى. وربضتها مَكَانهَا الَّذِي تربض فِيهِ وتأوي إِلَيْهِ، وَمِنْه قيل لمحلة كل قوم ربض لأَنهم يأوون إِلَيْهَا. [15] والإداوة مفسرة فِي مُسْند أبي بكر. والنطفة: شَيْء يسير من المَاء. [15] وندغفقه: نَصبه صبا شَدِيدا لكثرته. وَيُقَال: فلَان فِي عَيْش دغفق: أَي وَاسع. 809 - / 970 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: غزونا وعلينا أَبُو بكر، فَأمرنَا فعرسنا ثمَّ شن الغازة. [15] التَّعْرِيس: نزُول الْمُسَافِرين من آخر اللَّيْل يقعون فِيهِ وقْعَة ثمَّ يرتحلون. [15] وَشن الْغَارة: أرسلها وبثها وَأمر أَصْحَابه بهَا. [15] والعنق من النَّاس: الْجَمَاعَة. [15] والقشع مُفَسّر فِي الحَدِيث بالنطع، ذكره ابْن قُتَيْبَة بِفَتْح الْقَاف، وَقَالَ أَبُو عَمْرو الزَّاهِد: هُوَ بِكَسْر الْقَاف. 810 - / 971 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: فَقدمت فأعلو ثنية، فاستقبلني رجل فأرميه لَهُم، فَقبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَبْضَة من تُرَاب ثمَّ اسْتقْبل بهَا الحديث: 809 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 وُجُوههم فَقَالَ: " شَاهَت الْوُجُوه ". [15] قَوْله: فأعلو ثنية: أَي فعلوت. والثنية: طَرِيق مُرْتَفع بَين جبلين. وَكَذَلِكَ قَوْله فأرميه: أَي فرميته. وشاهت الْوُجُوه: قبحت. 811 - / 972 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: قعد رَسُول الله على جبا الرَّكية فَجَاشَتْ. [15] الجبا مَفْتُوح الْجِيم مَقْصُور غير مَهْمُوز: وَهُوَ مَا حول الْبِئْر. والركية: الْبِئْر، وَجَمعهَا ركايا. [15] وَقَوله: فَجَاشَتْ: أَي تحرّك المَاء فِيهَا حَرَكَة غليان. [15] والحجفة والدرقة: نَوْعَانِ مِمَّا يستجن بِهِ فِي الْحَرْب. وَقَوله: واسونا اصلح: أَي اتَّفقُوا مَعنا عَلَيْهِ وشاركونا فِيهِ. وَمِنْه الْمُوَاسَاة. [15] وَقَوله: وَكنت تبيعا لطلْحَة: أَي خَادِمًا لَهُ أتبعه وأكون مَعَه. [15] وَقَوله: كسحت شَوْكهَا: أَي قطعته. يُقَال: كسحت الْبَيْت: إِذا قشرت مَا فَوق أرضه مِمَّا يُؤْذِي النَّازِل بِهِ. [15] قَوْله: قتل ابْن زنيم. مَا نَحْفَظ من الصَّحَابَة من يُقَال لَهُ ابْن زنيم غير شَخْصَيْنِ: سَارِيَة بن زنيم بن عَمْرو بن عبد الله بن جَابر، وَهُوَ الَّذِي قَالَ عمر: يَا سَارِيَة الْجَبَل. وَأَخُوهُ أنس بن زنيم. الحديث: 811 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 قَوْله: اخترطت السَّيْف: أَي سللته من غمده. [15] وَقَوله: وَأخذت سِلَاحهمْ فَجَعَلته ضغثا فِي يَدي. الضغث: الحزمة والباقة من الشَّيْء كالبقل وَمَا أشبهه. قَالَه الزّجاج. وَالْمعْنَى جعلت سِلَاحهمْ فِي يَدي مثل الضغث والعبلات بِفَتْح الْبَاء: حَيّ من قُرَيْش ينسبون إِلَى أم من يُقَال لَهُ عبلة. [15] والمجفف من الْخَيل: هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ التجافيق: وَهِي كل مَا يمْنَع وُصُول الْأَذَى إِلَيْهِ، فَهُوَ مثل المدجج من الرِّجَال: وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ السِّلَاح التَّام. [15] وَقَوله: " يكن لَهُم بَدْء الْفُجُور " بدؤه: ابتداؤه. " وثناه " ثَانِيه، وَقد يمد. [15] وَالظّهْر: الركاب وَمَا يستعد للْحَمْل وَالرُّكُوب من الْإِبِل. [15] وَقَوله: أنديه. قَالَ أَبُو عبيد: التندية: أَن يُورد الرجل فرسه المَاء حَتَّى يشرب، ثمَّ يردهُ إِلَى المرعى سَاعَة يرتعي، ثمَّ يُعِيدهُ إِلَى المَاء. قَالَ الْأَصْمَعِي: وَالْإِبِل فِي ذَلِك مثل الْخَيل. واختصم حَيَّان من الْعَرَب فِي مَوضِع: فَقَالَ أحد الْحَيَّيْنِ: مسرح بهمنا، ومخرج نسائنا، ومندى خَيْلنَا، قَالَ الشَّاعِر يصف بَعِيرًا: (قريبَة ندوته من محمضه ... ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 [15] يَعْنِي الْموضع الَّذِي يندو فِيهِ. فَإِذا أردْت أَن الْفرس يفعل ذَلِك هُوَ وَلم تَفْعَلهُ أَتَت بِهِ قلت: قد ندا يندو ندوا. والندوة والمندى وَاحِد: وَهُوَ الْموضع الَّذِي ترعى فِيهِ بعد السَّقْي. قَالَ الْأَزْهَرِي: وللتندية معنى آخر: وَهُوَ تضمير الْفرس وإجراؤه حَتَّى يسيل عرقه، وَيُقَال لذَلِك الْعرق إِذا سَالَ: الندى. [15] والأكمة: مَوضِع مُرْتَفع من الأَرْض. [15] وَقَوله: فَألْحق رجلا مِنْهُم: أَي فلحقت. [15] قَوْله: خُذْهَا، يَعْنِي الرَّمية، [15] وَقَوله: فأعقربهم: أَي فأعقرهم. [15] والآرم: الْأَعْلَام. [15] وَقَوله: وَجَلَست على قرن. الْقرن: جبيل صَغِير مُنْفَرد. [15] والبرح: الشدَّة، يُقَال: برح فِي الْأَمر: إِذا اشْتَدَّ، وتباريح [الشوق] : توهجه، والبارح: الرّيح الْآتِيَة بِالتُّرَابِ فِي شدَّة هبوب. [15] وَقَول الأخرم لسَلمَة: لَا تحل بيني وَبَين الشَّهَادَة، يعلمك قُوَّة إِيمَان الصَّحَابَة وَشدَّة يقينهم. [15] وَقَوله: حَتَّى يعدلُوا: أَي حَتَّى عدلوا. [15] وَقَوله: فحليتهم: أَي طردتهم. وَأَصله الْهَمْز، يُقَال: حلأت الرجل عَن المَاء: إِذا منعته الْوُرُود، وَرجل محلأ: أَي مذود عَن المَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 [15] ونغض الْكَتف: فَرعه. وَقد ذكرنَا فِي مُسْند أبي ذَر. [15] وَقَوله: وأرذوا فرسين: أَي تركوهما لفرارهم. وَبَعْضهمْ يَقُول: أردوا بِالدَّال غير الْمُعْجَمَة، وَفَسرهُ بِأَنَّهُم عرضوهما للردى، وَلَيْسَ بِشَيْء. [15] والمذقة: من اللَّبن: الممذوق بِمَاء. والمذق خلط المَاء بِاللَّبنِ. [15] وَقَوله " إِنَّهُم الْآن يقرونَ " أَي يضافون ويطعمون من الْقرى. [15] وَقَوله: فطفرت: أَي وَثَبت. [15] وربطت عَلَيْهِ: أَي تَأَخَّرت عَنهُ شرفا أَو شرفين: أَي قدرا من الْمسَافَة ثمَّ إِنِّي رفعت: أَي زِدْت فِي الْعَدو. حَتَّى ألحقهُ: أَي لحقته. [15] فأصكه: أَي صككته. والصك: الضَّرْب على الْوَجْه خَاصَّة. قَالَ بعض الْعلمَاء: الصَّك ضرب الشَّيْء بالشَّيْء العريض. [15] وَاعْلَم أَن الْعَرَب تفرق فِي الضَّرْب، فَتَقول للضرب بِالرَّاحِ على مقدم الرَّأْس: صفع. وعَلى الْقَفَا: صقع. وعَلى الْوَجْه: صك. وعَلى الخد ببسط الْكَفّ. لطم. وبقبضتها: لكم. وبكلتا الْيَدَيْنِ: لدم. وعَلى الذقن والحنك. وهز. وعَلى الْجنب وخز. وعَلى الصَّدْر والبطن بالكف: وكز. وبالركبة: زبن. وَبِالرجلِ: ركل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 [15] وَقَوله: يخْطر بِسَيْفِهِ: أَي يهزه ويتبختر معجبا بِنَفسِهِ، متعرضا للمبارزة. [15] وَقَوله: شاكي السِّلَاح: أَي شائك السِّلَاح. [15] والبطل: الشجاع، يُقَال: بَطل بَين البطولة والبطالة. [15] والمغامر: المخاصم. ويروى: مغاور: أَي مقَاتل. [15] وَقَوله: ذهب يسفل لَهُ: أَي يحط يَده إِلَى أَسْفَل. [15] والأكحل: عرق. [15] وَقَوله: فَكَانَت فِيهَا نَفسه: أَي مَاتَ بذلك. [15] وَقَوله: أَنا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدرة: لما ولد عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام سَمَّاهُ أَبوهُ عليا، وسمته أمه أسدا باسم أَبِيهَا، فغلب عَلَيْهِ عَليّ، فَذكر مَا سمته بِهِ أمه لمناسبة مَا بَين الْحَرْب وصولة الْأسد. والحيدرة من أَسمَاء الْأسد، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنا الْأسد. [15] وَقَوله: كريه المنظرة. وَالْهَاء فِي حيدرة والمنظرة للاستراحة، فهما زائدتان. [15] وَأما السندرة، فَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: هِيَ شَجَرَة يصنع فِيهَا الْقَيْسِي والنبل. فَيحمل أَن يكون أَرَادَ مكيالا يتَّخذ من هَذِه الشَّجَرَة، سمي باسمها كَمَا يُسمى الْقوس نبعة باسم الشَّجَرَة الَّتِي أخذت مِنْهَا. فَإِن كَانَ كَذَلِك فَإِنِّي أَحسب الْكَيْل بهَا كَيْلا جرفا. قلت: وَظَاهر الحَدِيث يدل على أَن الَّذِي ولي قتل مرحب عَليّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 عَلَيْهِ السَّلَام. وَقد حكى مُحَمَّد بن سعد أَن مُحَمَّد بن مسلمة قتل مرْحَبًا يَوْمئِذٍ، ودفق عَلَيْهِ عَليّ بعد أَن أثْبته مُحَمَّد. 814 - / 973 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: أَن رجلا أكل بِشمَالِهِ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كل بيمينك " قَالَ: لَا أَسْتَطِيع. قَالَ: " لَا اسْتَطَعْت " مَا مَنعه إِلَّا الْكبر. [15] وَالْمعْنَى أَنه كَانَ لَا يحتفل للطعام وَلَا يُبَالِي فيتناوله باليسرى. وَيَنْبَغِي للعاقل أَن يعرف قدر مَا جعل قواما لَهُ. 813 - / 975 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: عدنا رجلا موعوكا، فَوضعت يَدي عَلَيْهِ فَقلت: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رجلا أَشد حرا. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَلا أخْبركُم بأشد حرا مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة؟ هاذينك الرجلَيْن المقفيين ". [15] كَأَن الْإِشَارَة إِلَى رجلَيْنِ من الْمُنَافِقين انْطَلقَا. والمنطلق يرى قَفاهُ لَا وَجهه. آخر مَا فِي مسانيد الْمُتَقَدِّمين بعد الْعشْرَة الحديث: 814 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 وَأول مسانيد المكثرين (75) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن الْعَبَّاس [15] ولد فِي الشّعب وَبَنُو هَاشم محصورون فِيهِ قبل خُرُوجهمْ مِنْهُ بِيَسِير، وَذَلِكَ قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين، وَرَأى جِبْرِيل مرَّتَيْنِ، ودعا لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالحكمة وَالْفِقْه والتأويل، فَكَانَ حبر الْأمة، وَكَانَ يُسمى الْبَحْر لغزارة علمه. [15] وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألف حَدِيث وسِتمِائَة وَسِتُّونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِائَتَا حَدِيث وَأَرْبَعَة وَسِتُّونَ حَدِيثا. 814 - / 977 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَجود النَّاس، وَكَانَ أَجود مَا يكون فِي رَمَضَان حِين يلقاه جِبْرِيل. [15] الْجُود: كَثْرَة الْإِعْطَاء. وَإِنَّمَا كثر جوده عَلَيْهِ السَّلَام فِي رَمَضَان لخمسة أَشْيَاء: أَحدهَا: أَنه شهر فَاضل، وثواب الصَّدَقَة يتضاعف فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْعِبَادَات. قَالَ الزُّهْرِيّ: تَسْبِيحَة فِي رَمَضَان خير من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 سبعين فِي غَيره. وَالثَّانِي: أَنه شهر الصَّوْم، فإعطاء النَّاس إِعَانَة لَهُم على الْفطر والسحور. وَالثَّالِث: أَن إنعام الْحق يكثر فِيهِ، فقد جَاءَ فِي الحَدِيث: أَنه يُزَاد فِيهِ رزق الْمُؤمن، وَأَنه يعْتق فِيهِ كل يَوْم ألف عَتيق من النَّار. فَأحب الرَّسُول أَن يُوَافق ربه عز وَجل فِي الْكَرم. وَالرَّابِع: أَن كَثْرَة الْجُود كالشكر لترداد جِبْرِيل إِلَيْهِ فِي كل لَيْلَة. وَالْخَامِس: أَنه لما كَانَ يدارسه الْقُرْآن فِي كل لَيْلَة من رَمَضَان زَادَت معاينته الْآخِرَة، فَأخْرج مَا فِي يَدَيْهِ من الدُّنْيَا. 815 - / 978 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: خرج رَسُول الله فِي رَمَضَان حَتَّى بلغ الكديد فَأفْطر. [15] الكديد بِفَتْح الْكَاف اسْم مَاء بَين عسفان وقديد. [15] وَقَوله: فَصبح مَكَّة: أَي جاءها صباحا. [15] وَقَوله: وَقد صَامَ فِي السّفر وَأفْطر. دَلِيل على أَن من صَامَ أَجْزَأَ عَنهُ، خلافًا لداود. [15] والغدير: مستنقع المَاء. وَإِنَّمَا سمي غديرا لِأَن السَّيْل غَادَرَهُ: أَي تَركه فِي الأَرْض المنخفضة الَّتِي تمسكه. [15] والظهيرة: وَقت اشتداد الْحر. ونحرها: اشتدادها. وَنحر كل شَيْء أَوله. الحديث: 815 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 [15] وَقَوله: فَكَانَ أَصْحَابه يتبعُون الأحدث فالأحدث من أمره. من كَلَام الزُّهْرِيّ، وَإِنَّمَا دَرَجه الرَّاوِي فِي الحَدِيث وَلم يبين. وَقد بَين ذَلِك معمر بن رَاشد وَمُحَمّد بن إِسْحَق عَن الزُّهْرِيّ. 816 - / 979 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: استفتى سعد بن عبَادَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نذر كَانَ على أمه، توفيت قبل أَن تقضيه، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اقضه عَنْهَا ". [15] هَذَا الحَدِيث يدل على أَن صَوْم النّذر يَقْضِيه الْوَلِيّ عَن الْمَيِّت. وَهَذَا مَذْهَب أَحْمد، وَالْقَدِيم من قَول الشَّافِعِي. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَدَاوُد: لَا يصام عَنهُ. والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِم. [15] وَأما المخرف فَهُوَ الْبُسْتَان الَّذِي تخترف مِنْهُ الثِّمَار. وَقَالَ أَبُو عبيد: هُوَ جنى النّخل، وَجمعه مخارف، وَإِنَّمَا سمي مخرفا لِأَنَّهُ يخْتَرف مِنْهُ: أَي يجتنى. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: هَذَا غلط؛ لِأَن جنى النّخل مخروف، فَأَما المخرف فَإِنَّهُ النّخل نَفسه. فَقَوله: إِن لي مخرفا. يُرِيد نخلا. [15] وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن ثَوَاب القربات إِذْ فعلت للْمَيت وصل إِلَيْهِ. 817 - / 980 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: لما حضر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ". الحديث: 816 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 [15] اخْتلف الْعلمَاء فِي الَّذِي أَرَادَ أَن يكْتب لَهُم على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه أَرَادَ أَن ينص على الْخَلِيفَة بعده. وَالثَّانِي: أَن يكْتب كتابا فِي الْأَحْكَام يرْتَفع مَعَه الْخلاف، وَالْأول أظهر. [15] وَقَوله: حسبكم كتاب الله: أَي يكفيكم. قَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا ذهب عمر إِلَى أَنه لَو نَص بِمَا يزِيل الْخلاف لبطلت فَضِيلَة الْعلمَاء، وَعدم الِاجْتِهَاد. قلت: وَهَذَا غلط من الْخطابِيّ لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن مضمونه أَن رَأْي عمر أَجود من رَأْي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالثَّانِي: أَنه لَو نَص على شَيْء أَو أَشْيَاء لم يبطل الِاجْتِهَاد، لِأَن الْحَوَادِث أَكثر من أَن تحصر، وَإِنَّمَا خَافَ عمر أَن يكون مَا يَكْتُبهُ فِي حَالَة غَلَبَة الْمَرَض الَّذِي لَا يعقل مَعهَا القَوْل، وَلَو تيقنوا أَنه قَالَ مَعَ الْإِفَاقَة لبادروا إِلَيْهِ. وَهُوَ معنى قَوْلهم: هجر. وَإِنَّمَا قَالُوهُ استفهاما، أَي: أتراه يهجر: أَي يتَكَلَّم بِكَلَام الْمَرِيض الَّذِي لَا يدْرِي بِهِ؟ [15] واللغط: اخْتِلَاط الْأَصْوَات. [15] والرزية: من الرزء. والرزء: الْمُصِيبَة. [15] وَقَوله: " فَالَّذِي أَنا فِيهِ خير " يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: مَا قد كَانَ يعانيه فِي مَرضه مِمَّا أعد لَهُ من الْكَرَامَة. وَالثَّانِي: أَن يكون الْمَعْنى: فَإِن امتناعي من أَن أكتب لكم خير مِمَّا تدعونني إِلَيْهِ من الْكِتَابَة. فَأَما جَزِيرَة الْعَرَب فقد ذَكرنَاهَا فِي مُسْند عمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 [15] وَقَوله: " أجيزوا الْوَفْد " أَي أعطوهم. والجائزة: الْعَطاء. 818 - / 981 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " أَقْرَأَنِي جِبْرِيل على حرف فراجعته، فَلم أزل أستزيده حَتَّى انْتهى إِلَى سَبْعَة أحرف ". [15] قَالَ الزُّهْرِيّ: بَلغنِي أَن تِلْكَ الأحرف إِنَّمَا هِيَ فِي الْأَمر الَّذِي يكون وَاحِدًا لَا يخْتَلف فِي حَلَال وَلَا حرَام. [15] وَقد فسرنا هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند عمر. وَبِمَا حكيناه هُنَالك عَن أبي عبيد ينْكَشف معنى قَول الزُّهْرِيّ هَاهُنَا. 819 - / 982 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: أَقبلت رَاكِبًا على أتان وَقد ناهزت الْحلم، فَنزلت وَأرْسلت الأتان ترتع. [15] الأتان: الْحمار. [15] وناهزت الشَّيْء: قربت مِنْهُ. [15] وترتع: تتسع فِي المرعى. 820 - / 983 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: مر بِشَاة ميتَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " هلا انتفعتم بإهابها " وَفِي لفظ: " فدبغتموه فانتفعتم بِهِ ". [15] الْحَيَوَان عندنَا على ثَلَاثَة أَقسَام: أَحدهَا: مَا لَا يخْتَلف الْمَذْهَب فِي نَجَاسَته حَيا وَمَيتًا، وَهُوَ الْكَلْب وَالْخِنْزِير، وَمَا تولد مِنْهُمَا أَو من أَحدهَا، فَهَذَا لَا يطهر جلده، قولا وَاحِدًا. وَالثَّانِي: مَا لَا يخْتَلف الحديث: 818 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 الْمَذْهَب فِي طَهَارَته حَال الْحَيَاة، وَهُوَ مَا يحل أكله، فَفِي طَهَارَة جلده بالدباغ إِذا مَاتَ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: أَنه لَا يطهر، وَهُوَ قَول طَاوس وَسَالم بن عبد الله، وَالثَّانيَِة: يطهر، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَعَن مَالك كالروايتين. [15] وَالثَّالِث: مَا يخْتَلف الْمَذْهَب فِي طَهَارَته حَيا على رِوَايَتَيْنِ، وَهُوَ مَا لَا يحل أكله غير الْكَلْب وَالْخِنْزِير والمتولد مِنْهُمَا، فَهَذَا إِنَّمَا يطهر جلده بالدباغ على الرِّوَايَة الَّتِي تَقول إِنَّه طَاهِر. وَقَالَ الشَّافِعِي: كل الْجُلُود تطهر إِلَّا جلد الْكَلْب وَالْخِنْزِير. وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَدَاوُد: وَجلد الْخِنْزِير. وَإِذا قلت: لَا تطهر جُلُود الْميتَة أجبنا عَن هَذَا الحَدِيث بِثَلَاثَة أجوبة: أَحدهَا: الطعْن وَإِن كَانَ فِي الصِّحَاح. قَالَ أَحْمد: لم يَصح عِنْدِي فِي الدّباغ حَدِيث، وأصحها حَدِيث ابْن عكيم، وَالْجرْح مقدم على التَّعْدِيل. وَقَالَ أَبُو بكر الْأَثْرَم. قد اضْطَرَبُوا فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: فَتَارَة يجعلونه سَمَاعا لِابْنِ عَبَّاس عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام، وَتارَة عَن مَيْمُونَة، وَتارَة عَن سَوْدَة. وَالثَّانِي: أَنه مَنْسُوخ بِحَدِيث ابْن عكيم. قَالَ الْأَثْرَم: حَدِيث ابْن عكيم أثبت الْأَحَادِيث؛ لِأَنَّهُ كَأَن نَاسخ لما قبله، أَلا ترَاهُ يَقُول: قبل مَوته بِشَهْر. ويؤكد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 هَذَا أَنه يَقْتَضِي الْحَظْر، والحظر مقدم على الْإِبَاحَة. وَالثَّالِث: أَنه يَجعله على الِانْتِفَاع بِهِ فِي اليابسات. وَلنَا رِوَايَة فِي جَوَاز ذَلِك. [15] فَأَما الإهاب فَإِنَّهُ اسْم للجلد. وَقيل: هُوَ الْجلد قبل أَن يدبغ، وَجمعه أهب على فعل. وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل: إِنَّمَا يُقَال الإهاب لجلد مَا يُؤْكَل لَحْمه. 821 - / 984 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: كَانَ أهل الْكتاب يسدلون أشعارهم، فسدل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ناصيته. [15] سدلت وأسبلت وَأرْسلت بِمَعْنى. والناصية: مقدم شعر الرَّأْس. 822 - / 986 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: طَاف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع على بعير يسْتَلم الرُّكْن بمحجن. [15] والمحجن: الْعَصَا المعوجة الطّرف. 823 - / 986 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: أَن رجلا أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: رَأَيْت اللَّيْلَة فِي الْمَنَام ظلة تنطف السّمن وَالْعَسَل، وَأرى النَّاس يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا بِأَيْدِيهِم، فالمستكثر والمستقل. [15] والظلة: السحابة، وكل شَيْء أظلك من فَوْقك فَهُوَ ظلة. الحديث: 821 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 [15] وتنطف: تقطر. يُقَال: نطف ينطف بِضَم الطَّاء وَكسرهَا، والمصدر النطف بِفَتْحِهَا، ويتكففون: أَي يَأْخُذُونَ بأكفهم. [15] وَالسَّبَب الْوَاصِل: الْحَبل الْمَمْدُود. [15] وَقَوله: " اعبرها " يُقَال: عبرت الرُّؤْيَا وعبرتها، أعبرها عبرا وتعبيرا. قَالَ الزّجاج: وَالْمعْنَى خبرت بآخر مَا يؤول إِلَيْهِ أمرهَا. واشتقاقه من عبر النَّهر: وَهُوَ شاطىء النَّهر. فَتَأْوِيل عبرت النَّهر: بلغت إِلَى عبره: أَي إِلَى شطه: وَهُوَ آخر عرضه. [15] وَقَوله: " أصبت بَعْضًا وأخطأت بَعْضًا " فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن مَوضِع الْخَطَأ أَنه عبر السّمن وَالْعَسَل بِالْقُرْآنِ، وَكَانَ حَقه أَن يعبر كل وَاحِد مِنْهُمَا بِشَيْء، قَالَ بعض الْعلمَاء: كَانَ يَنْبَغِي أَن يعبرهما بِالْكتاب وَالسّنة. وَحكى أَبُو بكر الْخَطِيب عَن بعض الْعلمَاء قَالَ: أهل الْعلم بِعِبَارَة الرُّؤْيَا يذهبون إِلَى أَنَّهُمَا شَيْئَانِ، كل وَاحِد مِنْهُمَا غير صَاحبه، من أصلين مُخْتَلفين، وَأَبُو بكر ردهما إِلَى أصل وَاحِد وَهُوَ الْقُرْآن. وَمن الْحجَّة لمن قَالَ هَذَا مَا أَنبأَنَا بِهِ ابْن الْحصين قَالَ: أخبرنَا ابْن الْمَذْهَب قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن جَعْفَر قَالَ: أخبرنَا عبد الله بن أَحْمد قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة قَالَ: حَدثنَا ابْن لَهِيعَة عَن واهب بن عبد الله عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: رَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم كَأَن فِي إِحْدَى إصبعي سمنا وَفِي الْأُخْرَى عسلا وَأَنا ألعقهما، فَلَمَّا أَصبَحت ذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: " تقْرَأ الْكِتَابَيْنِ: التَّوْرَاة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 وَالْفرْقَان " فَكَانَ يقرؤهما. وَالثَّانِي: أَن الْخَطَأ تَفْسِيره بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِي هَذَا بعد، لقَوْله: " أصبت بَعْضًا وأخطأت بَعْضًا " وَإِنَّمَا الْإِشَارَة إِلَى تَعْبِير الرُّؤْيَا. [15] وَفِي قَوْله: " لَا تقسم " دَلِيل على أَن أمره بإبرار الْمقسم خَاص المُرَاد، وَيحْتَمل مَنعه إِيَّاه الْجَواب ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن التَّعْبِير الَّذِي صَوبه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعضه وَخَطأَهُ فِي بعضه كَانَ من جِهَة الظَّن لَا من قبل الْوَحْي، فَظن رَسُول يجوز أَن يَقع فِيهِ الْخَطَأ. كَمَا ظن أَنهم لَو تركُوا تلقيح النّخل لم يضر. ذكر هَذَا القَوْل أَبُو بكر الْخَطِيب. وَالثَّانِي: أَنه علم غيب، فَجَاز أَن يخْتَص بِهِ ويخفيه عَن غَيره. وَالثَّالِث: أَنه لما أقدم أَبُو بكر على تَعْبِير الرُّؤْيَا وَلم يصبر للإستفادة من الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنعه الإفادة الثَّانِيَة، كالعقوبة للْفِعْل الأول. [15] وَقَوله: " من رأى رُؤْيا فليقصها " أَي ليذكرها على مَا رَآهَا. يُقَال: فلَان يقص الحَدِيث: أَي يذكرهُ على مَا نَقله. 824 - / 989 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: " لَيْسَ لنا مثل السوء. الَّذِي يعود فِي هِبته كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه ". [15] الْمَعْنى: لَا يصلح ضرب الْمثل الْقَبِيح لنا، إِنَّمَا يضْرب لغيرنا، وَهَذَا تَقْدِيم الِاعْتِذَار عَمَّا يستوحش. الحديث: 824 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 825 - / 990 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: ذكر التلاعن عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ عَاصِم بن عدي فِي ذَلِك قولا ثمَّ انْصَرف. [15] يشبه أَن يكون ذَلِك القَوْل مَا ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند ابْن مَسْعُود من قَوْلهم: إِن وجد رجل مَعَ امْرَأَته رجلا فَقتله، أتقتلونه؟ [15] وَقَول عَاصِم: مَا ابْتليت بِهَذَا. أَي بشكوى هَذَا الرجل إِلَيّ. إِلَّا بِقَوْلِي: أَي: بِمَا قلته. [15] وَقَوله: سبط الشّعْر. يُقَال: شعر سبط وسبط: إِذا كَانَ سهلاً غير متجعد. والجعد المنثني. فَإِذا زَادَت جعودة الشّعْر فَهُوَ القطط. [15] والخدل: الممتلىء الْأَعْضَاء الدَّقِيق الْعِظَام. [15] والآدم: الأسمر. [15] وَقد ذكرنَا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود اسْم هَذَا الرجل الَّذِي قذف امْرَأَته. [15] وَقَوله: كَانَت تظهر السوء: يَعْنِي الْقَبِيح، يُشِير بذلك إِلَى الزِّنَا. 826 - / 991 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: لَو أَن النَّاس غضوا من الثُّلُث إِلَى الرّبع، فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " وَالثلث كثير ". [15] غضوا بِمَعْنى نَقَصُوا. وَمِنْه غض الْبَصَر. وعَلى فلَان فِي هَذَا غَضَاضَة. وَالْمرَاد الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ. وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّهُ خَافَ من قَوْله: " وَالثلث كثير " أَن يكون قد كره ذَلِك الْمِقْدَار. الحديث: 825 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 827 - / 993 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: انخسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] انخسفت بِمَعْنى انكسفت. وَقد قيل: الخسوف للقمر والكسوف للشمس، فعلى هَذَا يكون مستعارا. وَقيل: إِذا ذهب بَعْضهَا فَهُوَ الْكُسُوف، وَإِذا ذهب الْجَمِيع فَهُوَ الخسوف. [15] وَقد ذكرت صَلَاة الْكُسُوف فِي هَذَا الحَدِيث. وَذكر فِي كل رَكْعَة ركوعان، وَهَذَا مَذْهَب أَحْمد فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَقد رُوِيَ عَن أَحْمد فِي كل رَكْعَة أَربع ركوعات، وَهُوَ مَذْكُور فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: صَلَاة الْكُسُوف كَهَيئَةِ صَلَاتنَا، ثمَّ ندعوا حَتَّى تنجلي. [15] وَالسّنة عندنَا فِي صَلَاة كسوف الشَّمْس الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ. وَهَذَا فِي حَدِيث عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جهر فِي صَلَاة الخسوف بقرَاءَته. وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يسر بِالْقِرَاءَةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيث ابْن عَبَّاس: فحزرنا قِرَاءَته. فَلَو كَانَ جهر لاستغني عَن الحزر، وَالْجَوَاب أَن عَائِشَة أَثْبَتَت، وَقَول الْمُثبت مقدم. وَمن الْجَائِز أَن يكون ابْن عَبَّاس قد كَانَ فِي آخر الصُّفُوف فَلم يسمع، فَاحْتَاجَ إِلَى الحزر، ثمَّ قد يكون قَرِيبا فيشاغل بِالسَّمَاعِ عَن معرفَة مِقْدَار التِّلَاوَة. [15] وَالْمُسْتَحب فِي خُسُوف الْقَمَر أَن يصلوا جمَاعَة كَمَا يصلونَ فِي الحديث: 827 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 كسوف الشَّمْس. وَهَذَا قَول أَحْمد وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَيْسَ فِي خُسُوف الْقَمَر صَلَاة مسنونة فِي جمَاعَة، بل يصلونَ فِي بُيُوتهم فُرَادَى كَهَيئَةِ صَلَاتنَا. وَلَا يسن فِي الكسوفين خطْبَة، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد بن حَنْبَل. وَقَالَ الشَّافِعِي: يسْتَحبّ أَن يخْطب بعد الصَّلَاة خطبتين كَمَا يخْطب لصَلَاة الْعِيد. [15] وتجلت بِمَعْنى انكشفت وَظَهَرت. [15] وَقَوله: " تناولت شَيْئا فِي مقامك " الْمقَام بِفَتْح الْمِيم: مَوضِع الْإِقَامَة، وَرُبمَا استعملوا هَذِه اللَّفْظَة لهَذِهِ. [15] وتكعكع بِمَعْنى تَأَخّر وَلم يتَقَدَّم. وَيُقَال: تكعكع وكع، وتكأكأ: إِذا جبن عَن الْإِقْدَام. [15] وَقَوله: " فَلم أر منْظرًا أفظع " أَي أهول. يُقَال: أفظع الْأَمر فَهُوَ فظيع ومفظع: إِذا كَانَ شَدِيدا هائلا. وَفِي الْكَلَام إِضْمَار " مِنْهُ ". قَالَ طَلْحَة يَوْم الْجمل: لم أر كَالْيَوْمِ مصرع شيخ أضيع. والعشير: الصاحب وَالزَّوْج والمعاشر، وَكله من الْعشْرَة. 828 - / 994 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكل عرقا أَو لَحْمًا ثمَّ صلى وَلم يتَوَضَّأ. الْعرق: الْعظم الَّذِي يُؤْخَذ عَنهُ اللَّحْم فَيبقى عَلَيْهِ بَقِيَّة مِنْهُ، وَجمعه الحديث: 828 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 عراق، وَهُوَ جمع نَادِر وَتقول: عرقت اللَّحْم وتعرقته واعترقته: إِذا أخذت عَنهُ اللَّحْم بأسنانك. [15] وَالْمرَاد من هَذَا الحَدِيث أَنه نَاسخ لقَوْله: " توضؤوا مِمَّا مست النَّار " وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة إِن شَاءَ الله. 829 - / 995 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: قَالَت الْمَرْأَة: إِن فَرِيضَة الله فِي الْحَج أدْركْت أبي شَيخا كَبِيرا لَا يَسْتَطِيع أَن يثبت على الرَّاحِلَة، أفحج عَنهُ؟ قَالَ: " نعم ". [15] أَرَادَت هَذِه الْمَرْأَة أَن أَبَاهَا أسلم على الْكبر، وَمن أدْركهُ الْكبر أَو الزَّمن وَلم يسْتَمْسك على الرَّاحِلَة وَجب عَلَيْهِ عندنَا أَن يَسْتَنِيب من يحجّ عَنهُ إِذا قدر على المَال، سَوَاء كَانَ لَهُ مَال قبل عذره أَو طَرَأَ بعد عذره وَلَا يلْزمه، وَهَذَا قَول الشَّافِعِي. وَقَالَ مَالك: العضب يسْقط الْحَج بِكُل حَال، وَلَا يلْزم الْإِنْسَان أَن يَسْتَنِيب فِي الْحَج. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجب الِاسْتِنَابَة إِلَّا على من اسْتَقر الْوُجُوب فِي ذمَّته، فَإِذا تقدم العضب على الْوُجُوب لم يجب. وَاعْلَم أَنه إِذا حج هَذَا النَّائِب وَقع عَن المستنيب، وَهُوَ قَول مَالك الحديث: 829 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَقع الْحَج على الْحَاج تَطَوّعا وَلَا يَقع على المستنيب إِلَّا ثَوَاب النَّفَقَة. وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على هَذَا، فَإِن عوفي المستنيب من العضب لم يلْزمه الْحَج خلافًا لأبي حنيفَة. 830 - / 996 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: وَقد أنقذ الإشفى فِي كفها. الأشفى مَقْصُورَة، وَهِي حَدِيدَة يخرز بهَا. والعامة تَقول: الشفى. 831 - / 997 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين: أَنه قَالَ يَوْم فتح مَكَّة: " لَا هِجْرَة، وَلَكِن جِهَاد وَنِيَّة ". [15] قَوْله: " لَا هِجْرَة " إِنَّمَا وَجَبت الْهِجْرَة لمعنيين: أَحدهمَا: نصْرَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ كَانَ فِي قلَّة، فَوَجَبَ على النَّاس النفير إِلَيْهِ لنصره على أعدائه. وَالثَّانِي: لاقتباس الْعلم وَفهم الدّين. وَكَانَ أعظم الْمخوف عَلَيْهِم مَكَّة، فَلَمَّا فتحت أَمن الْمُسلمُونَ وانتشر الدّين، فَقيل للنَّاس: قد انْقَطَعت الْهِجْرَة وَبقيت نِيَّة المجاهدة، وَكُونُوا مستعدين، فَإِذا دعيتم إِلَى عَدو فانفروا. [15] وَقَوله: " لم تحل إِلَّا سَاعَة من نَهَار " أَي حل لي فِيهَا إِرَاقَة الدَّم، وَلم يرد بِهِ حل الصَّيْد وَقطع الشّجر. وَهَذَا دَلِيل وَاضح على أَنَّهَا فتحت عنْوَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: فتحت صلحا. [15] وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِيمَن جنى ثمَّ لَجأ إِلَى الْحرم، فروى الْمروزِي الحديث: 830 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 عَن أَحْمد أَنه إِذا قتل أَو قطع يدا أَو أقنى حدا فِي غير الْحرم ثمَّ دخله لم يقم عَلَيْهِ الْحَد، وَلم يقْتَصّ مِنْهُ، وَلَكِن لَا يُبَايع وَلَا يشارى وَلَا يؤاكل حَتَّى يخرج. فَإِن فعل شَيْئا من ذَلِك فِي الْحرم استوفى مِنْهُ. وروى عَنهُ حَنْبَل أَنه إِن قتل خَارج الْحرم ثمَّ دخله لم يقتل، وَإِن كَانَت الْجِنَايَة دون النَّفس أقيم عَلَيْهِ الْحَد، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يُقَام عَلَيْهِ جَمِيع ذَلِك فِي النَّفس وَمَا دونهَا. [15] وَقَوله: " لَا يعضد شوكه " أَي لَا يكسر. والعضد: قطع الشّجر بالمعضد: وَهُوَ كالسيف يمتهن فِي قطع الشّجر. وَيُسمى مَا قطع من الشّجر إِذا عضدت العضيد والعضد. [15] وَقَوله: " وَلَا ينفر صَيْده " أَي لَا يزعج عَن مَكَانَهُ، فَإِنَّهُ إِذا تعرض لَهُ بالاصطياد نفر. وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: إِذا كَانَ أَيْضا فِي ظلّ شَجَرَة لم ينفره الرجل ليستظل بهَا. [15] وَقَوله: " وَلَا تلْتَقط لقطته إِلَّا من عرفهَا " عندنَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَن لقطَة الْحرم لَا يحل أَن يَأْخُذهَا إِلَّا من يعرفهَا أبدا وَفِي الْأُخْرَى أَنَّهَا كَسَائِر اللقط. وَعَن الشَّافِعِي كالروايتين. فعلى الرِّوَايَة الأولى الْأَمر فِي اللّقطَة ظَاهر، وعَلى الثَّانِيَة يكون الْفرق بَين لقطَة الْحرم وَغَيره أَن لقطَة غير الْحرم إِذا كَانَت يسيره لم يجب تَعْرِيفهَا بِخِلَاف لقطَة الْحرم، فَإِنَّهُ يجب تَعْرِيفهَا وَإِن قلت. وفقهه من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن سَاكِني مَكَّة يَحْتَاجُونَ إِلَى الْيَسِير لشدَّة فَقرهمْ. وَالثَّانِي: أَن يكون ذَلِك التَّخْصِيص لتعظيم الْمَكَان، فَإِن الْحَسَنَة تضَاعف بهَا، والسيئة أَيْضا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 [15] قَوْله: " وَلَا يخْتَلى خلاه " الخلا بِالْقصرِ: الْحَشِيش الرطب، الْوَاحِدَة خلاة. فَإِذا مددته فَهُوَ الْمَكَان الْخَالِي. وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: لَا يحتش فِي الْحرم، فَأَما الرَّعْي فَلَا بَأْس. [15] وَقَوله: " لمن ينشدها " أَي يعرفهَا. والمنشد: الْمُعَرّف. وَقد ذهب بَعضهم إِلَى معنى لَو صَحَّ فِيهِ اللَّفْظ لَكَانَ حسنا، فَقَالَ: المنشد: صَاحب اللّقطَة، وَالْمعْنَى: لَا تحل لقطتهَا إِلَّا لِرَبِّهَا. قَالَ أَبُو عبيد: لَا يجوز فِي الْعَرَبيَّة أَن يُقَال للطَّالِب منشد، إِنَّمَا المنشد الْمُعَرّف، والطالب هُوَ الناشد. [15] والإذخر: نَبَات مَعْرُوف. والقين: الْحداد. وَقد اسْتدلَّ بَعضهم على أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يحكم بِاجْتِهَادِهِ، بقول الْعَبَّاس فِي أثْنَاء الْكَلَام: إِلَّا الْإِذْخر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِلَّا الْإِذْخر " وَلم ينْتَظر الْوَحْي. قَالَ ابْن عقيل: هَذَا اسْتِدْلَال أبله، فَإِن الْوَحْي كَانَ أقرب إِلَى قلبه من الِاسْتِثْنَاء إِلَى لِسَانه، وَإِنَّمَا هَذَا قَول من يظنّ أَن قطع الْمسَافَة بِالْوَحْي كَقطع الْمسَافَة بالكلف. أَو لَيْسَ الْقُدْرَة الْمنزلَة للإلهام إِلَى قلبه الْكَرِيم أَو الْوَحْي على لِسَان الْملك هِيَ الَّتِي أحضرت عرش بلقيس قبل ارتداد الطّرف؟ فَهَذِهِ الْغَفْلَة عَن مِقْدَار سرعَة الإيحاء. ثمَّ إِنَّمَا يشكل هَذَا على من لم يعلم مَادَّة جِبْرِيل، فيستبعد صعُود جسم ونزوله، وَلَو فطنوا أَن الْمَلَائِكَة فِي الْحَقِيقَة كاشفة تَنْتَشِر وتنقبض، بَيْنَمَا جِبْرِيل ظهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 ناشرا جناحيه من الْمشرق إِلَى الْمغرب، تصور فِي صُورَة دحْيَة، وحوته الْحُجْرَة، وَدخل تَحت العباءة، وَتدْخل الْمَلَائِكَة إِلَى ضيق اللحود. وَقد وجدنَا شُعَاع الشَّمْس سَاعَة تطلع من الْمشرق إِلَى الْمغرب فِي وَقت وَاحِد، وَلَو رفعت إجانة عَن مِصْبَاح انبسط فِي الْآفَاق، وآكد من هَذَا مَا نرَاهُ فِي نفوسنا حِين نرفع الجفن عَن الْعين فنرى الأفلاك ونجومها إدراكا لَهَا بالشعاع المنبعث من عيوننا إِلَى ذَلِك الْمحل الْأَعْلَى قَاطعا لتِلْك المساحة، فَلَا يَخْلُو جِبْرِيل أَن يكون من جنس تِلْكَ الْأَنْوَار، أَو يكون قد جعلت فِيهِ من سرعَة الْحَرَكَة مَا جعل فِي الْأَنْوَار. [15] والعضاه: شجر ذُو شوك كالطلح. يُقَال: أَرض عضهة: إِذا كَانَت كَثِيرَة العضاه. وبعير عضه: إِذا كَانَ يَأْكُل الْعضَاة. 832 - / 998 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: " وَمَا يعذبان فِي كَبِير ". [15] فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا أَن هَذَا لَيْسَ من الْكَبَائِر، فَإِنَّهَا قد عدت فِي أَحَادِيث، فَيكون الْمَعْنى التحذير من الْكَبَائِر؛ لِأَنَّهُ إِذا وَقع الْعَذَاب فِي الْقَبْر على مَا لَيْسَ من الْكَبَائِر فَكيف بالكبائر؟ وَالثَّانِي: أَنه لَيْسَ المُرَاد أَن هَذَا لَيْسَ بكبير فِي بَاب الدّين، وَلكنه لَيْسَ بكبير على فَاعله، إِذْ النثرة من الْبَوْل لَا تشق، وَترك النميمة سهل. والنميمة: أَن ينْقل الْإِنْسَان ذكرا قبيحا عَن شخص إِلَى شخص. وَيُقَال للنمام: قَتَّات وديبوب، وتلاع، وقساس، ونمال. الحديث: 832 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 [15] وَقَوله: " لَا يسْتَتر من بَوْله " أَي لَا يَجْعَل بَينه وَبَينه مَا يستره مِنْهُ. وَمن روى: " لَا يستنزه " فَالْمَعْنى: لَا يتباعد، وَمَكَان نزيه: خَال من الأنيس. [15] والعسيب من النّخل كالقضيب من الشَّجَرَة. وَإِنَّمَا غرس عسيبا رطبا لِأَنَّهُ أَرَادَ أَن يظْهر عَلَيْهِمَا بركَة مَمَره. فَكَأَنَّهُ سَأَلَ لَهما التَّخْفِيف، فَجعل رُطُوبَة العسيب حدا لمُدَّة التَّخْفِيف. وَهَذَا سَيَأْتِي فِي مُسْند جَابر، أدرجه مُسلم فِي مُسْند أبي الْيُسْر، قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنِّي مَرَرْت بقبرين يعذبان، فَأَحْبَبْت بشفاعتي أَن يرفه عَنْهُمَا مَا دَامَ هَذَا الغصنان رطبين " وَهَذَا كَانَ لبركة شَفَاعَته. وَسَيَأْتِي فِي مُسْند الْعَبَّاس أَنه قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عمك أَبُو طَالب كَانَ يحوطك وَيفْعل، فَهَل يَنْفَعهُ ذَلِك؟ قَالَ: " نعم، وجدته فِي غَمَرَات من النَّار فَأَخْرَجته إِلَى ضحضاح ". فَأَما مَا يحْكى عَن الرافضة أَنهم يجْعَلُونَ مَعَ الْمَيِّت سعفة رطبَة فَلَا وجد لَهُ. 833 - / 999 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: أمرنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نسجد على سَبْعَة أَعْضَاء: الْجَبْهَة، وَالْيَدَيْنِ، والركبتين، وَالرّجلَيْنِ. [15] عندنَا أَنه يجب السُّجُود على هَذِه الْأَعْضَاء، وَهُوَ قَول مَالك، وَأحد قولي الشَّافِعِي. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه لَا يجب إِلَّا على الْجَبْهَة، الحديث: 833 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِيمَن يسْجد على أَنفه دون جَبهته. فعندنا أَنه لَا يجْزِيه، رِوَايَة وَاحِدَة، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجْزِيه. فَأَما إِذا سجد على جَبهته دون أَنفه فَهَل يجْزِيه، عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: أَنه يجْزِيه، وَهِي الرِّوَايَة الصَّحِيحَة، وَبهَا قَالَ أَكثر الْفُقَهَاء. [15] وَاعْلَم أَن بدن الْإِنْسَان سَبْعَة أَعْضَاء: يَدَاهُ، وَرجلَاهُ، وَرَأسه، وظهره، وبطنه. فَأمر بِوَضْع هَذِه الْأَعْضَاء على الأَرْض ذلا لخالقه، فَحصل الْمَقْصُود من الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ، فَبَقيَ الظّهْر والبطن، فَلَو وَقع على بَطْنه فَاتَ ذل الظّهْر، وَلَو اسْتلْقى على ظَهره فَاتَ ذل بَاقِي الْأَعْضَاء. فَكَانَ السُّجُود جَامعا لذل الْبَطن وَالظّهْر. [15] وَقَوله: وَلَا نكفت الثِّيَاب: أَي لَا نضمها ونجمعها من الانتشار، قَالَ تَعَالَى: {ألم نجْعَل الأَرْض كفاتا} [المرسلات: 25] وَالْمعْنَى أَنَّهَا تضم أَهلهَا أَحيَاء على ظهرهَا وأمواتا فِي بَطنهَا. يُقَال: اكفت هَذَا إِلَيْك: أَي ضمه. وَكَانُوا يسمون بَقِيع الْغَرْقَد كفتة. لِأَنَّهُ مَقْبرَة للموتى. وَالْمرَاد أَن لَا تَقِيّ شعورنا وثيابنا عِنْد السُّجُود التُّرَاب صِيَانة لَهَا، بل نرسلها حَتَّى تقع على الأَرْض، فتسجد مَعَ الْأَعْضَاء. [15] وَقَوله: معقوص أَي مضفور. وعقص الشّعْر: ضفره وفتله. [15] وَقَوله: وَهُوَ مكتوف: أَي مربوط مشدود. 834 - / 1000 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: قَالَ ابْن عَبَّاس، أما الَّذِي نهى عَنهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ الطَّعَام أَن يُبَاع حَتَّى يقبض. وَلَا الحديث: 834 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 أَحسب كل شَيْء إِلَّا مثله. وَفِي رِوَايَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من ابْتَاعَ طَعَاما فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيه " قلت لِابْنِ عَبَّاس: كَيفَ ذَاك؟ قَالَ: دَرَاهِم بِدَرَاهِم، وَالطَّعَام مرجاً. [15] اعْلَم أَن القبوض تخْتَلف، فَمِنْهَا مَا يكون بِالْيَدِ، وَمِنْهَا بِالتَّخْلِيَةِ بَينه وَبَين المُشْتَرِي، وَمِنْهَا بِالنَّقْلِ من مَوْضِعه، وَمِنْهَا بِأَن يكتال، وَذَاكَ يكون فِيمَا يُكَال. فَإِذا بيع الطَّعَام وَهُوَ صبرَة فَقَبضهُ نَقله من مَكَانَهُ، فَإِن بيع بِالْكَيْلِ لم يجز للْمُشْتَرِي أَن يَبِيعهُ دون أَن يُعِيد الْكَيْل عَلَيْهِ. وَالْمعْنَى فِي ذَلِك أَن الْكَيْل قد يخْتَلف، فَرُبمَا حصل فِي الْكَيْل الثَّانِي زِيَادَة فَكَانَت للْبَائِع، أَو نقص فَكَانَ التَّمام عَلَيْهِ. [15] وَكَذَلِكَ الْمَوْزُون والمذروع الْمَعْدُود. وَقَالَ أَبُو حُذَيْفَة فِي الْمكيل وَالْمَوْزُون كَقَوْلِنَا، وَفِي المذروع يجوز رِوَايَة وَاحِدَة. وَله فِي الْمَعْدُود رِوَايَتَانِ. [15] وَأما قَول ابْن عَبَّاس: وَالطَّعَام مرجأ، فَإِنَّهُ تَأَول هَذَا على السّلف، وَذَلِكَ أَن يَشْتَرِي الرجل من الرجل طَعَاما بِمِائَة إِلَى أجل، ثمَّ يَبِيعهُ مِنْهُ قبل قَبضه مِنْهُ بِمِائَة وَعشْرين، فَهَذَا غير جَائِز، لِأَنَّهُ فِي التَّقْدِير بيع دَرَاهِم بِدَرَاهِم وَالطَّعَام غَائِب. 835 - / 1001 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: أَنه خرج إِلَى أَرض تهتز زرعا فَقَالَ: " لمن هَذِه؟ " فَقَالُوا: اكتراها فلَان. فَقَالَ " أما إِنَّه لَو منحها إِيَّاه كَانَ خيرا لَهُ من أَن يَأْخُذ عَلَيْهَا أجرا مَعْلُوما ". الحديث: 835 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 [15] هَذَا الحَدِيث مُبين فِي مُسْند رَافع بن خديج. ومنحة الأَرْض: إِبَاحَة الزَّرْع فِيهَا من غير أُجْرَة. 836 - / 1002 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: وَقت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأهل الْمَدِينَة ذَا الحليفة، وَلأَهل الشَّام الْجحْفَة، وَلأَهل نجد قرن الْمنَازل، وَلأَهل الْيمن يَلَمْلَم، قَالَ: " هن لَهُنَّ وَلمن أَتَى عَلَيْهِنَّ من غير أهلهن، فَمن كَانَ دونهن فمهله من أَهله ". [15] اعْلَم أَن المُرَاد من هَذِه الْمَوَاقِيت الصَّلَاة، فَإِنَّهُ لَو صلى قبل الْمِيقَات لم يجز، فَأَما إِذا جَاوز الْمِيقَات محلا ثمَّ أحرم فَعَلَيهِ دم، سَوَاء عَاد إِلَى الْمِيقَات أَو لم يعد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن عَاد ملبيا سقط الدَّم. وَقَالَ الشَّافِعِي: يسْقط بِكُل حَال إِلَّا أَن يعود بعد الطّواف. فَأَما إِذا عَاد إِلَى الْمِيقَات غير محرم فَأحْرم مِنْهُ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. [15] وَقرن بتسكين الرَّاء، وَرُبمَا فتح الرَّاء من لَا يعرف من الْفُقَهَاء وطلبة الحَدِيث. [15] وَقَوله: " فهن لَهُنَّ " أَي هَذِه الْمَوَاقِيت لهَذِهِ الْبلدَانِ وَلمن أَتَى عَلَيْهِنَّ، فَإِنَّهُ لَو جَاءَ الْمدنِي من الشَّام أحرم من الْجحْفَة، وَلَو جَاءَ الشَّامي من قبل ذِي الحليفة أحرم مِنْهَا. وَاعْلَم أَن الْمَوَاقِيت خَمْسَة، وَالْمَذْكُور مِنْهَا فِي هَذَا الحَدِيث أَرْبَعَة، وَقد بقى ذَات عرق، فروى أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث عَائِشَة الحديث: 836 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقت لأهل الْعرَاق ذَات عرق. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَالصَّحِيح أَن عمر بن الْخطاب وَقتهَا لأهل الْعرَاق بعد أَن فتحت الْعرَاق. 837 - / 1003 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْعِشْرين: احْتجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ محرم. [15] الْحجامَة للْمحرمِ جَائِزَة عِنْد جُمْهُور الْفُقَهَاء. وَقَالَ مَالك: لَا يحتجم إِلَّا من ضَرُورَة. [15] وَاعْلَم أَن الْخَوْف على الْمحرم من الْحجامَة لأجل قطع الشّعْر، فَإِن احْتجم فِي مَوضِع لَا شعر فِيهِ فَلَا بَأْس بِهِ، فَإِن حلق دون ثَلَاث شَعرَات فَفِي كل شَعْرَة مد من طَعَام، وَعَن أَحْمد أَيْضا: قَبْضَة من طَعَام. وَعَن الشَّافِعِي ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهمَا: مد. وَالثَّانِي: ثَلَاث دَرَاهِم. وَالثَّالِث. دِرْهَم. وَأما إِن حلق ثَلَاث شَعرَات فَعَلَيهِ دم. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: فِي أَربع شَعرَات دم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب الدَّم إِلَّا فِي حلق ربع الرَّأْس فَصَاعِدا. وَقَالَ مَالك: يجب فِيمَا يحصل بزواله إمَاطَة الْأَذَى. وَاتفقَ الْعلمَاء على تَسَاوِي حكم شعر الرَّأْس وَالْبدن، مَا خلا دَاوُد فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تجب الْفِدْيَة إِلَّا بحلق الرَّأْس. الحديث: 837 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 838 - / 1005 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: قَالَ ابْن عَبَّاس: شهِدت الصَّلَاة يَوْم الْفطر مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر، فكلهم يُصليهَا قبل الْخطْبَة. [15] أما تَقْدِيم الصَّلَاة على الْخطْبَة فَيحْتَمل ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن يكون ذَلِك للْخلاف بَين مَا هُوَ فرض عين كَالْجُمُعَةِ وَمَا هُوَ فرض كِفَايَة. وَالثَّانِي: لِأَن النَّاس يهتمون بِالْفطرِ أَو بالأضاحي، فَقدمت الصَّلَاة لِئَلَّا ينشغلوا عَنْهَا. وَالثَّالِث: أَن الْخَطِيب يبين لَهُم مَا يخرجُون فِي الْفطر، وبماذا يضحون، وَذَلِكَ يفْتَقر إِلَى الْحِفْظ، فَأخر لِئَلَّا يتفكر الْحَافِظ لَهُ قبل الصَّلَاة فِي الصَّلَاة. فَأَما خطْبَة الْجُمُعَة فَلَا تزيد على الموعظة الَّتِي فِي الصَّلَاة من جِنْسهَا. [15] وَقَوله: فَجعلْنَ يلقين الفتخ وَالْخَوَاتِيم. قَالَ عبد الرَّزَّاق: الفتخ: الخواتيم الْعِظَام كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: خَوَاتِيم لَا فصوص لَهَا. وَقَالَ لنا عبد الله بن أَحْمد النَّحْوِيّ: الفتخ: خَوَاتِيم كن يلبسنها فِي أَصَابِع الرجلَيْن، وأنشدنا لامْرَأَة العجاج، قَالَ: ضمهَا إِلَيْهِ العجاج وَقبلهَا فَقَالَت: (وَالله لَا تخدعني بِالضَّمِّ ... ) (وَلَا بتقبيل وَلَا بشم ... ) (إِلَّا بزعزاع يسلي همي ... ) الحديث: 838 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 (يسْقط مِنْهُ فتخي فِي كمي ... ) [15] قَالَ: وَكَانَت أكمام الْعَرَب وَاسِعَة، فَلذَلِك قَالَت هَذَا. [15] وَالْخَوَاتِيم جمع خَاتم، وَفِيه أَربع لُغَات: خَاتم بِفَتْح التَّاء وبكسرها، وخاتام، وخيتام. [15] والقرط والخرص: الْحلقَة الصَّغِيرَة من الْحلِيّ تجْعَل فِي الْأذن. [15] والسخاب: خيط ينظم فِيهِ خرز ويلبسه الْجَوَارِي وَالصبيان، وَجمعه سخب. [15] وَأما كَون الْعِيد لَا يُؤذن لَهُ فقد سبق بَيَان الْمَعْنى فِي هَذَا، وَأَن الْعِيد يصلى فِي الصَّحرَاء، وَالْأَذَان لمن لم يحضر، والمصلون للعيد قد حَضَرُوا، وَمن لم يحضر لم يسمع الْأَذَان، فَلَا فَائِدَة فِيهِ. 839 - / 1006 - وَفِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ قَامَ يتهجد. [15] قَالَ ابْن قُتَيْبَة: تهجد بِمَعْنى سهر، وهجد بِمَعْنى نَام. قَالَ لبيد: (قَالَ هجدنا فقد طَال السرى ... ... ... ... ... ... ... . .) الحديث: 839 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 [15] أَي نومنا. قَالَ الْأَزْهَرِي: المتهجد: الْقَائِم إِلَى الصَّلَاة من النّوم، وَقيل لَهُ متهجد لإلقاته الهجود عَن نَفسه، كَمَا يُقَال تحرج وتأثم. وَحكى ابْن الْأَنْبَارِي أَن اللغويين يَقُولُونَ: هُوَ من حُرُوف الأضداد. يُقَال للنائم هاجد ومتهجد، وللساهر أَيْضا كَذَلِك. [15] وَقَوله: " أَنْت قيم السَّمَوَات " أَي الْقَائِم بمصالحها، وَفِي لفظ: " قيام السَّمَوَات " وَقد شرحنا هَذَا فِي مُسْند أبي بن كَعْب. [15] وَقَوله: " أَنْت نور السَّمَوَات وَالْأَرْض " أَي بك حصل نورها وهداية أَهلهَا. [15] قَوْله: " والساعة حق " يَعْنِي الْقِيَامَة. سميت سَاعَة لِأَنَّهَا تكون فِي سَاعَة. [15] وَقَوله: " لَك أسلمت، وَعَلَيْك توكلت " أَي وثقت بتدبيرك: " وَإِلَيْك أنبت " أَي رجعت عَمَّا تكره. " فَاغْفِر لي مَا قدمت وَمَا أخرت " يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: مَا قدمت من الذُّنُوب وَمَا أخرت مِنْهَا، كَأَنَّهُ قَالَ: اغْفِر لي الْقَدِيم والْحَدِيث. وَالثَّانِي: فَاغْفِر لي مَا قدمت مِمَّا يَنْبَغِي أَن يُؤَخر، وَمَا أخرت مِمَّا يَنْبَغِي أَن يقدم. [15] وَقَوله: " وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني " يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: مَا قد نَسِيته من الزلل. وَالثَّانِي: مَا هُوَ خطأ عنْدك وَأَنا لَا أعلم أَنه خطأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 840 - / 1007 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ: " ألْحقُوا الْفَرَائِض بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِي فَهُوَ لأولى رجل ذكر ". [15] قَالَ الْخطابِيّ: بِأَهْلِهَا: أَي بذوي السِّهَام الَّذين يَرِثُونَ، فَمَا بَقِي فَالْأولى رجل: أَي لأَقْرَب رجل من الْعصبَة. وَالْوَلِيّ. الْقرب. وَإِنَّمَا قَالَ " ذكر " ليعلم أَن الْعصبَة إِذا كَانَ عَمَّا أَو ابْن عَم أَو من كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا وَكَانَ مَعَه أُخْت، أَنَّهَا لَا تَرث شَيْئا. 841 - / 1008 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ: " لَا تلقوا الركْبَان ". [15] تلقي الركْبَان: أَن يخرج إِلَيْهِم قبل أَن يقدموا فيشتري مِنْهُم السّلْعَة رخيصة وهم لَا يعْرفُونَ سعر الْبَلَد. فَنهى عَن ذَلِك لما فِيهِ من الخديعة والغبن. [15] وَقَوله: " وَلَا يبع حَاضر لغَائِب " قَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ: لَا يتربص بسلعته لَا أَن يَبِيعهُ بِسعْر يَوْمه فيرتفق النَّاس بذلك، فَإِذا جَاءَهُ الحضري قَالَ لَهُ: أَنا أتربص بسلعتك حرم النَّاس ذَلِك الرِّفْق. قَالَ: وَقَالَ: إِنَّمَا يحرم عَلَيْهِ ذَلِك فِي بلد ضيق الرِّفْق. 842 - / 1009 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحديث: 840 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 احْتجم وَأعْطى الْحجام أجره، واستعط. اسْم هَذَا الَّذِي حجمه نَافِع، ويكنى أَبَا طيبَة. [15] والضريبة: مَا يضْرب على العَبْد من خراج يُؤَدِّيه. وَلما خفف عَنهُ الدَّم ناسب هَذَا أَن يكلم مَوْلَاهُ ليخفف من خراجه. وَقد قَالَ الْعلمَاء: لَا يكره إِعْطَاء الْحجام، إِنَّمَا يكره للحجام الْأَخْذ. [15] وَقَوله: استعط. الاستعاط: تَحْصِيل الدّهن أَو غَيره فِي أقْصَى الْأنف، سَوَاء كَانَ بجذب النَّفس أَو بالتفريخ فِيهِ. 843 - / 1010 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ فِي الذّبْح وَالْحلق وَالرَّمْي والتقديم وَالتَّأْخِير فَقَالَ: " لَا حرج ". [15] اعْلَم أَن هَذِه الْأَفْعَال مترتبة، ومحلها كلهَا يَوْم النَّحْر، فأولها الرَّمْي، ثمَّ الذّبْح، ثمَّ الْحلق، ثمَّ الطّواف. والحرج: الضّيق، ويعبر بِهِ عَن الْإِثْم لِأَنَّهُ فِي معنى الضّيق. [15] وَهَذَا الحَدِيث فِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس مُخْتَصر. وَقد ضَبطه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَهُوَ يَوْمئِذٍ أحفظ من ابْن عَبَّاس، وَفِي حَدِيثه: أَن رجلا قَالَ: لم أشعر فنحرت قبل أرمي، فَقَالَ: " ارْمِ، وَلَا حرج ". فَقَالَ آخر: لم أشعر فحلقت قبل أَن أذبح، فَقَالَ: " اذْبَحْ وَلَا حرج ". [15] وَعِنْدنَا أَنه إِذا قدم الحلاق على الرَّمْي أَو على النَّحْر جَاهِلا بمخالفة الحديث: 843 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 السّنة فِي ذَلِك فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ عَالما بذلك، فَهَل يجب عَلَيْهِ دم؟ فِيهِ عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ. وَقد حمل من لَا يرى وجوب الدَّم قَوْله: " وَلَا حرج " على نفي الْإِثْم، وَاللَّفْظ عَام فِي الْإِثْم والفدية. 844 - / 1011 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: رخص للحائض أَن تنفر إِذا حَاضَت. [15] هَذَا مُفَسّر فِي تَمام الحَدِيث: وَهُوَ أَن تكون قد حَاضَت بعد الطّواف الْفَرْض، فتنفر وتترك طواف الْوَدَاع. ويحتج بِهَذَا من يرى أَن طواف الْوَدَاع لَيْسَ بِوَاجِب، وَهُوَ قَول مَالك، وَأحد قولي الشَّافِعِي. وَعِنْدنَا أَنه وَاجِب يلْزم بِتَرْكِهِ دم، وَلَا يمْتَنع أَن يكون رخص لَهُ لِئَلَّا تطول عَلَيْهَا الْإِقَامَة مَعَ إِيجَاب الدَّم عَلَيْهَا. 845 - / 1012 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانُوا يرَوْنَ أَن الْعمرَة فِي أشهر الْحَج من أفجر الْفُجُور فِي الأَرْض، وَكَانُوا يسمون الْمحرم صفر، وَيَقُولُونَ: إِذا برأَ الدبر، وَعَفا الْأَثر، وانسلخ صفر، حلت الْعمرَة لمن اعْتَمر. الْفُجُور: الْخُرُوج عَن الْحق. [15] وَقَوْلهمْ: برأَ الدبر. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: يحْتَمل أَن يَكُونُوا أَرَادوا: الحديث: 844 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 إِذا برأَ الدبر من ظُهُور الْإِبِل، لِأَنَّهَا إِذا انصرفت عَن الْحَج دبرت ظُهُورهَا. [15] وَقَوْلهمْ: وَعَفا الْأَثر: أَي امحى، وغطاه مَا نبت. وَقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: وَعَفا الْوَبر: أَي كثر نَبَاته. [15] وَقَوله: فَقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَبِيحَة رَابِعَة. يَعْنِي رَابِعَة من ذِي الْحجَّة وَهَذَا مَذْكُور فِي الحَدِيث. [15] والإهلال: رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ. [15] وَقَوله: فَأَمرهمْ أَن يجعلوها عمْرَة. وَذَلِكَ بفسح نِيَّة الْحَج وَقطع أَفعاله، وَأَن يَجْعَل الْإِحْرَام للْعُمْرَة، فَإِذا فرغ من أَعمال الْعمرَة حل ثمَّ أحرم من مَكَّة ليَكُون مُتَمَتِّعا. [15] وَهَذَا إِذا لم يسق الْهَدْي، فَإِن سَاقه لم يجز لَهُ الْفَسْخ، لِأَنَّهُ لَو فسخ الْحَج احْتَاجَ إِلَى أَن يشرع فِي أَفعَال عمْرَة وَلَا يحل مِنْهَا إِلَّا بِالْحلقِ، وَقد قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تحلقوا رءوسكم حَتَّى يبلغ الْهَدْي محلّة} [الْبَقَرَة: 196] . وَإِنَّمَا أَمر أَصْحَابه بِالْفَسْخِ ليَقَع الْخلاف بَين حجهم وَحج الْمُشْركين، فَإِن الْمُشْركين كَانُوا لَا يرَوْنَ الْعمرَة فِي أشهر الْحَج، وَكَانَ يحب مخالفتهم، وَقد قَالَ أَصْحَابنَا: إِنَّمَا أَمرهم بِالْفَسْخِ ليتمتعوا، وتأسف على التَّمَتُّع. وَقَالَ ابْن عقيل: وَهَذَا يبعد عِنْدِي أَن يكون الله عز وَجل فَوت نبيه فِي حجَّته الْإِحْرَام بهَا على الْوَجْه الْأَفْضَل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 [15] وَهَذَا الحَدِيث نَص فِي جَوَاز فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة. وَقد رَوَاهُ جمَاعَة من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه إِنَّمَا أَمر أَصْحَابه أَن يفسخوا الْحَج إِلَى الْعمرَة، وتأسف هُوَ على كَونه لَا يُمكنهُ الْفَسْخ لأجل الْهَدْي، فَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث جَابر وَغَيره. وَقد نَص أَحْمد على جَوَاز ذَلِك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَدَاوُد: لَا يجوز فسخ الْحَج بِحَال. وَإِنَّمَا تأسف عَلَيْهِ السَّلَام على سوق الْهَدْي لِئَلَّا يُخَالف فعله فعل أَصْحَابه، فيظن المُنَافِقُونَ أَنه غير مُتبع فِي فعله، فَأَرَادَ أَن يكون الْأَمر وَاحِدًا. [15] وَقَوله: " فَإِن الْعمرَة قد دخلت فِي الْحَج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " فِي تَفْسِير هَذَا أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة. وألفاظ الحَدِيث تشهد لهَذَا الْمَعْنى. وَالثَّانِي: أَن الْإِشَارَة إِلَى تدَاخل النُّسُكَيْنِ، فيجزي عَنْهُمَا طواف وَاحِد وسعي وَاحِد. وَالثَّالِث: أَن الْعمرَة قد دخلت فِي وَقت الْحَج وشهوره، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة لَا يرَوْنَ ذَلِك. وَالرَّابِع: أَن الْمَعْنى سقط فرض الْعمرَة بِالْحَجِّ، وَهَذَا قَول من لَا يرى وجوب الْعمرَة. 846 - / 1013 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: " اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين وَعلمه التَّأْوِيل ". [15] الْفِقْه: الْفَهم، وَقد سبق هَذَا. [15] وَاخْتلف الْعلمَاء فِي معنى التَّأْوِيل، فَذهب أَكثر القدماء إِلَى أَنه بِمَعْنى التَّفْسِير. الحديث: 846 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 [15] وَقَالَ آخَرُونَ: بل التَّفْسِير إِخْرَاج الشَّيْء عَن مقَام الخفاء إِلَى مقَام التجلي، والتأويل نقل الْكَلَام عَن وَضعه الْأَصْلِيّ إِلَى مَا يحْتَاج فِي إثْبَاته إِلَى دَلِيل لولاه مَا ترك ظَاهر اللَّفْظ، فَهُوَ مَأْخُوذ من قَوْلك: آل الشَّيْء إِلَى كَذَا: أَي صَار إِلَيْهِ. [15] وَأما الْحِكْمَة فقد ذَكرنَاهَا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. [15] وَالْكتاب: الْقُرْآن. 847 - / 1015 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ: أَنا مِمَّن قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْمزْدَلِفَة فِي ضعفة أَهله. [15] وَقد سبق تَفْسِير الْمزْدَلِفَة: وَهِي الْمَكَان الَّذِي يقرب إِلَى مَكَّة. وحد الْمزْدَلِفَة مَا بَين المأزمين ووادي محسر. والمأزمان: المضيقان. [15] والضعفة جمع ضَعِيف. وَإِنَّمَا قدم الضِّعَاف لِئَلَّا يحطمهم النَّاس، فَإِن النَّاس يبيتُونَ بِمُزْدَلِفَة، فَإِذا طلع الْفجْر دفعُوا. [15] وَعِنْدنَا أَنه يجوز الدّفع من مُزْدَلِفَة بعد نصف اللَّيْل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز حَتَّى يطلع الْفجْر. فَأَما إِذا دفع قبل نصف اللَّيْل فعندنا أَن عَلَيْهِ دَمًا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا دم عَلَيْهِ، وَيتَخَرَّج لنا مثله. الحديث: 847 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 848 - / 1016 - وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين: " وتوق كرائم أَمْوَالهم ". أَي نفائسها. 849 - / 1017 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ: " لَا يخلون رجل بِامْرَأَة إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم. [15] عِلّة هَذَا النَّهْي ظَاهِرَة، وَهُوَ أَن الطباع تَدْعُو إِلَى مَا جبلت عَلَيْهِ، وَالْحيَاء يكف مَعَ مُشَاهدَة الْخلق، فَإِذا كَانَت الْخلْوَة عدم الْحيَاء الْمَانِع، فَلم يبْق إِلَّا الْمَانِع الديني. وَالْإِنْسَان يجْرِي مَعَ طبعه من غير تكلّف، ويعاني مُخَالفَة هَوَاهُ حفظا للدّين بِكُل كلفة، فالطبع كالمنحدر، وَالتَّقوى كالمداد، وَقد تضعف قُوَّة هَذَا الَّذِي يمد، أَو يشْتَد جَرَيَان المنحدر. ثمَّ لَو قَدرنَا السَّلامَة من الْفُجُور ففكر النَّفس فِي تَصْوِير ذَلِك لَا ينفكان مِنْهُ أَو أَحدهمَا، فَحسن الزّجر عَن ذَلِك. [15] وَأما السّفر فَإِن الْمَرْأَة إِذا خلت عَن محرم كَانَت كَأَنَّهَا فِي خلْوَة، وَلَا يُؤمن عَلَيْهَا من جِهَة ميل طبعها إِلَى الْهوى وَعدم الْمحرم المدافع عَنْهَا. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن الْمَرْأَة إِذا لم تَجِد الْمحرم لم يلْزمهَا الْحَج، وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد، وَقَول أبي حنيفَة. وَهل الْمحرم من شَرَائِط الْوُجُوب أم من شَرَائِط الْأَدَاء، فِيهِ عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: إِذا تحصنت الْمَرْأَة بنسوة ثِقَات وَكَانَ الطَّرِيق آمنا لَزِمَهَا الْخُرُوج وَإِن لم يساعدها محرم. الحديث: 848 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 850 - / 1018 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ: إِن رفع الصَّوْت بِالذكر حِين ينْصَرف النَّاس من الْمَكْتُوبَة كَانَ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] الْإِشَارَة بِهَذَا الذّكر بعد الصَّلَاة أَن يُرَاد بِهِ الدُّعَاء وَالتَّسْبِيح وَالتَّكْبِير. [15] وَفِي هَذَا الحَدِيث: مَا كُنَّا نَعْرِف انْقِضَاء صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا بِالتَّكْبِيرِ. 851 - / 1091 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ: بت عِنْد خَالَتِي مَيْمُونَة، فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اللَّيْل فَتَوَضَّأ من شن معلقَة. [15] أما مَيْمُونَة فَهِيَ زوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي مَيْمُونَة بنت الْحَارِث ابْن حزن الْهِلَالِيَّة، وَأُخْتهَا لبَابَة بنت الْحَارِث وتكنى أم الْفضل، وَهِي أم عبد الله بن عَبَّاس. [15] والشن: الْقرْبَة البالية. [15] وَقَوله: فجعلني عَن يَمِينه. وَهَذَا لِأَن الْقَائِم عَن الْيَسَار فِي حكم الْفَذ. [15] والنفخ هَاهُنَا بِمَعْنى الغطيط. [15] واستن: اسْتعْمل السِّوَاك. [15] وَقَوله: يمسح النّوم عَن وَجهه: أَي يمسح أثر النّوم. [15] وشحمة الْأذن: مَا لَان من أَسْفَلهَا، وَهُوَ مُعَلّق القرط. [15] وَقَوله: فَتحدث مَعَ أَهله. يدل على حسن المعاشرة للأهل وَنفي الانقباض وَسُوء الْخلق، وَفِيه رد لطريقة أهل العبوس من جهلة الحديث: 850 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 المتزهدين، فَإِن الحَدِيث يُوجب الْأنس وَيرْفَع الوحشة ويطيب النُّفُوس. وَرُبمَا قَالَ بعض الْجُهَّال: الحَدِيث يضيع الزَّمَان. وَالْجَوَاب: أَنه كَانَ حَدِيثا مُبَاحا وَقصد بِهِ إيناس المعاشر أثيب الْأنس على الْقَصْد، وَلم يضع الزَّمَان. [15] وَقَوله: فَأطلق شناقها. قَالَ أَبُو عبيد: الشناق: الْخَيط وَالسير الَّذِي تعلق بِهِ الْقرْبَة على الوتد. يُقَال مِنْهُ: أشنقتها إشناقا: إِذا علقتها وَيُقَال: أشنقت النَّاقة: إِذا مددتها بزمامها إِلَيْك كَمَا تكبح الْفرس. وَقَالَ أَبُو زيد: شنقت النَّاقة شنقا. وَقَالَ الزّجاج: يُقَال: شنقت الْقرْبَة وأشنقتها، وشنقت الدَّابَّة وأشنقتها. [15] وَأما طلبه للنور فَلِأَنَّهُ سَبَب الْهِدَايَة. وَالْمعْنَى: اللَّهُمَّ اهدني وأرشدني، لِأَن نور الطَّرِيق يمْنَع الضلال. [15] وَقَوله: أبقيه يُقَال: أبقيت فلَانا أبقيه: إِذا رصدته وراعيته. [15] وَقَوله: وَسبع فِي التابوت: أَي سَبْعَة أَشْيَاء مَكْتُوبَة عِنْدِي فِي التابوت، وَهُوَ نَحْو الصندوق. يَقُول: قد نسيتهَا وَهِي عِنْدِي مَكْتُوبَة. وَقد جَاءَ فِيمَا بعد مِنْهَا: عصبي، ولحمي، وَدمِي، وشعري، وبشري. [15] والغليم تَصْغِير غُلَام. قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: يذهب عوام النَّاس إِلَى أَن الْغُلَام وَالْجَارِيَة: العَبْد وَالْأمة خَاصَّة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 وَلَيْسَ كَذَلِك، إِنَّمَا الْغُلَام وَالْجَارِيَة الصغيران. قَالَ: وَقد قيل: الْغُلَام: الطار الشَّارِب. وَيُقَال لِلْجَارِيَةِ غلامة أَيْضا، قَالَ الشَّاعِر: ( ... ... ... ... . . ... تهان لَهَا الغلامة والغلام) وَقد يُقَال للكهل أَيْضا غُلَام، قَالَ ليلى الأخيلية تمدح الْحجَّاج: ( ... ... ... ... . . غُلَام ... إِذا هز الْقَنَاة سَقَاهَا) [15] وَكَأن قَوْلهم للطفل غُلَام على معنى التفاؤل: أَي سيصير غُلَاما. وَقَوْلهمْ للكهل غُلَام: أَي الَّذِي كَانَ مرّة غُلَاما. وَهُوَ " فعال " من الغلمة، وَهِي شدَّة شَهْوَة النِّكَاح. وَقَالَت امْرَأَة ترقص بِنْتا لَهَا: (وَمَا علتي أَن تكون جاريه ... ) (حَتَّى إِذا مَا بلغت ثمانيه ... ) (زوجتها عتبَة أَو مُعَاوِيه ... ) (أختَان صدق ومهور غاليه ... ) [15] والغليظ: صَوت يسمع من تردد النَّفس كَهَيئَةِ صَوت المختنق. والخطيب قريب مِنْهُ، والغين وَالْخَاء متقاربتا الْمخْرج. [15] والذؤابة: الشّعْر المنسدل من وسط الرَّأْس إِلَى مَا انحدر عَنهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 والعضد: مَا بَين الْمرْفق والمنكب. [15] ويعدلني: يصرفني عَن مقَامي إِلَى الْجَانِب الْأَيْمن، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {فسواك فعدلك} [الإنفطار: 7] على قِرَاءَة من خفف: إِلَى صرفك إِلَى أَي الصُّور شَاءَ. 852 - / 1020 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: " لَو أَن أحدكُم إِذا أَرَادَ أَن يَأْتِي أَهله قَالَ: بِسم الله ". [15] المُرَاد بالإتيان هَاهُنَا الْجِمَاع، وَفِي تِلْكَ الْحَال للهوى غَلَبَة تشغل عَن الذّكر، وَإِذا تشاغل الْإِنْسَان بِالذكر فِي غير وقته الْمُعْتَاد أَو مَعَ مَا يضاده نظر الْمَذْكُور إِلَيْهِ، فأعاذه من الْعَدو وَأجَاب دعاءه. [15] فَإِن قَالَ قَائِل: مَا معنى " لم يضرّهُ الشَّيْطَان "؟ أتراه: لَا يوقعه قطّ فِي زلَّة؟ وَكَيف يكون هَذَا وَلم يسلم الأكابر من هَذَا؟ فَالْجَوَاب: أَنه يحْتَمل أَن يكون معنى دفع ضَرَر الشَّيْطَان حفظه من إغوائه وإضلاله بالْكفْر والزيغ، وَيحْتَمل أَن يكون حفظه من الْكَبَائِر وَالْفَوَاحِش. وَيحْتَمل أَن يكون توفيقه للتَّوْبَة إِذا زل. 853 - / 1021 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ: " نصرت بالصبا، وأهلكت عَاد بالدبور ". [15] الصِّبَا: ريح لينَة تَأتي من نَاحيَة الشرق، ويقابلها الدبور. وَجَاء الحديث: 852 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 فِي التَّفْسِير: أَن ريح الصِّبَا هِيَ الَّتِي حملت ريح يُوسُف قبل البشير إِلَى يَعْقُوب، فإليها يستريح كل محزون. قَالَ أَبُو صَخْر الْهُذلِيّ: (إِذا قلت هَذَا حِين أسلو يهيجني ... نسيم الصِّبَا من حَيْثُ يطلع الْفجْر) 854 - / 1022 وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ: " أما إِبْرَاهِيم فانظروا إِلَى صَاحبكُم، وَأما مُوسَى فجعد آدم على جمل أَحْمَر مَخْطُوم بخلبة ". [15] وَقَوله: " انْظُرُوا إِلَى صَاحبكُم " يَعْنِي أَنه يشبهني. [15] والجعد: الشّعْر المنقبض. والسبط: السهل. [15] والآدم: الأسمر. [15] والخطام: سمي بذلك لِأَنَّهُ على الخطم وَهُوَ الْأنف. والخلب: الليف يفتل مِنْهُ الحبال للخطم وَغَيرهَا. [15] وَقَوله: " كَأَنَّهُ من رجال شنُوءَة وَمن الزط " وهم قوم معروفون. [15] والمربوع: الْمُتَوَسّط بَين الطول وَالْقصر: وَهُوَ الربعة أَيْضا. [15] وَقَوله: {فَلَا تكن فِي مرية من لِقَائِه} [السَّجْدَة: 23] المرية: الشَّك. وللمفسرين فِي معنى هَذِه الْآيَة أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: فَلَا تكن فِي مرية من لِقَاء مُوسَى ربه، رَوَاهُ ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالثَّانِي: من لِقَاء مُوسَى لَيْلَة الْإِسْرَاء، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قَتَادَة، وَهُوَ قَول أبي الْعَالِيَة وَمُجاهد. وَالثَّالِث: من لِقَاء الْأَذَى كَمَا لقى مُوسَى، قَالَه الْحسن. الحديث: 854 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 وَالرَّابِع: من تلقي مُوسَى كتاب الله بِالرِّضَا وَالْقَبُول، فَتكون الْهَاء للْكتاب، وَهُوَ قَول السّديّ. وَقَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي: أضيف الْمصدر إِلَى ضمير الْكتاب، وَالْمعْنَى: من لِقَاء مُوسَى الْكتاب. وَفِي ذَلِك مدح لَهُ على امْتِثَال مَا أَمر بِهِ، وتنبيه على الْأَخْذ بِمثل هَذَا الْفِعْل. [15] والثنية: طَرِيق مُرْتَفع بَين جبلين. [15] والجؤار: رفع الصَّوْت. [15] وهرشى ولفت: موضعان. 855 - / 1024 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ: " فَلَا يمسح يَده حَتَّى يلعقها أَو يلعقها ". [15] قد ذكرنَا وَجه الْحِكْمَة فِي مُسْند كَعْب بن مَالك. 856 - / 1025 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ: أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه أَن يرملوا ثَلَاثَة أَشْوَاط ويمشوا بَين الرُّكْنَيْنِ، ليرى الْمُشْركُونَ جلدهمْ. الرمل كالهرولة والخبب، وَهُوَ فَوق الْمَشْي وَدون الْإِسْرَاع. [15] والأشواط: الدورات فِي الطّواف الحديث: 855 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 [15] وَالْجَلد: الْقُوَّة. وَإِنَّمَا اقْتصر على ثَلَاثَة أَشْوَاط لطفا بهم. وَهَذَا مِمَّا زَالَ سَببه وَبَقِي حكمه. وَفِي هَذَا تَنْبِيه على التجلد خوفًا من شماتة الْأَعْدَاء. 857 - / 1026 - وَفِي الحَدِيث الْخمسين: أعتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالعشاء حَتَّى رقد النِّسَاء وَالصبيان، ثمَّ خرج يَقُول: " أَنه للْوَقْت لَوْلَا أَن أشق على أمتِي ". [15] أعتم بِمَعْنى أَخّرهَا. يُقَال: عتم اللَّيْل إِذا مضى مِنْهُ صدر. وعتم الْقَوْم: صَارُوا وَقت الْعَتَمَة. وَالْعَتَمَة: ظلمَة اللَّيْل. ووقتها بعد غيبوبة الشَّفق. [15] فَأَما قَوْله: " إِنَّه للْوَقْت " فَإِنَّهُ يَعْنِي وَقت الْفَضِيلَة ". [15] وَقَوله: " لَيْسَ أحد من أهل الأَرْض اللَّيْلَة ينتظرها غَيْركُمْ " هَذَا مِمَّا اطلع عَلَيْهِ فقاله عَن مطالعة الْغَيْب. 858 - / 1028 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْخمسين: قَالَ رجل لِابْنِ عَبَّاس: مَا هَذِه الْفتيا الَّتِي تشغفت النَّاس: أَن من طَاف بِالْبَيْتِ فقد حل؟ فَقَالَ: سنة نَبِيكُم وَإِن رغمتم. [15] الْفتيا: جَوَاب السُّؤَال. [15] وَقَوله: تشغفت النَّاس. هَذِه الْكَلِمَة ترى على سِتَّة أوجه: [15] أَحدهَا: تشغفت أَي حلت شغَاف قُلُوبهم فشغلتها. وَالثَّانِي الحديث: 857 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 تشعبت بِالنَّاسِ: أَي تَفَرَّقت بهم. وَالثَّالِث: شعبت النَّاس. وَالرَّابِع: شعبت، بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف، ومعناهما فرقتهم. وَالْخَامِس: شغبت: أَي أوجبت الشغب وَالِاخْتِلَاف بَينهم. والشغب هَاهُنَا هيجان الشَّرّ والمنازعة. وَالسَّادِس: أَن هَذَا الْأَمر قد تفشغ النَّاس، وَالْمعْنَى: تفشغ فيهم: أَي كثر، يُقَال تفشغ فِي رَأسه الشيب: أَي كثر وانتشر. قَالَ الْأَصْمَعِي: تفشغ الشَّيْء: فَشَا وَكثر. [15] وَقَوله: وَإِن رغمتم، قد بَينا هَذَا فِي مُسْند أبي ذَر. وَكَانَ الأَصْل: ون رغم أنف فلَان: أَي وَإِن الْتَصق بالرغام: وَهُوَ التُّرَاب، ثمَّ حذف هَاهُنَا ذكر الْأنف لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال. [15] فَأَما قَوْله: من طَاف بِالْبَيْتِ فقد حل. اعْلَم أَنه الْحَج لَهُ تحللان: الأول يحصل بِاثْنَيْنِ من ثَلَاثَة: وَهِي الرَّمْي والحلاق وَالطّواف. وَالثَّانِي يحصل بالثالث إِذا قُلْنَا إِن الحلاق نسك وَهُوَ الصَّحِيح، وَإِن قُلْنَا لَيْسَ بنسك حصل التَّحَلُّل الأول بِوَاحِد من اثْنَيْنِ: الرَّمْي وَالطّواف، وَحصل الثَّانِي بِالْآخرِ. فَإِذا تحلل الْحل الأول أُبِيح لَهُ جَمِيع الْمَحْظُورَات إِلَّا الْجِمَاع فِي الْفرج، وَهُوَ ظَاهر كَلَام أَحْمد. وَظَاهر كَلَام أَصْحَابنَا أَنه لَا يُبَاح لَهُ جملَة الِاسْتِمْتَاع ودواعيه. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يُبَاح الْجِمَاع فِي الْفرج، وَفِي دواعيه قَولَانِ. [15] وَقد بَينا آنِفا أَن أول الْأَشْيَاء الرَّمْي، ثمَّ الذّبْح، ثمَّ الْحلق، ثمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 الطّواف. فَيحمل كَلَام ابْن عَبَّاس على التَّحَلُّل الأول، فَإِنَّهُ بعد الطّواف، أَو على من رمى وَحلق ثمَّ طَاف. 859 - / 1029 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْخمسين: " عمْرَة فِي رَمَضَان تقضي حجَّة، أَو حجَّة معي ". [15] الْمَعْنى: تفي بهَا وَتقوم مقَامهَا. وَفِي لفظ: " تعدل حجَّة " وَقد بَينا أَن ثَوَاب الْأَعْمَال يزِيد بِزِيَادَة شرف الْوَقْت، أَو خلوص الْقَصْد، أَو حُضُور قلب الْعَامِل. وَقد ذكرنَا عَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ: تَسْبِيحَة فِي رَمَضَان خير من سبعين فِي غَيره. 860 - / 1030 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْخمسين: " لَو أَن لِابْنِ آدم مثل وَاد مَالا لأحب أَن لَهُ إِلَيْهِ مثله ". قد سبق بَيَان هَذَا، وَذكرنَا أَن أحب الْأَشْيَاء إِلَى الْآدَمِيّ نَفسه، وَقد جعل المَال قواما لَهَا، فَهُوَ يحب الازدياد من سَبَب بَقَائِهَا. 861 - / 1031 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْخمسين: قَالَ عَطاء: خرجنَا مَعَ ابْن عَبَّاس فِي جَنَازَة مَيْمُونَة بسرف فَقَالَ: هَذِه زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا رفعتم نعشها فَلَا تزعزعوا وَلَا تزلزلوا. [15] كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد تزوج مَيْمُونَة بِهَذَا الْموضع الَّذِي اسْمه سرف، وَقضى الله سُبْحَانَهُ أَنَّهَا مَاتَت ودفنت هُنَاكَ. الحديث: 859 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 [15] والزعزعة: التحريك بِشدَّة وعنف. وَيُقَال للسير إِذا جد: هَذَا سير زعزع، وَكَذَلِكَ الزلزلة: اضْطِرَاب شَدِيد بحركة قَوِيَّة. [15] وَقَوله: كَانَ عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسع نسْوَة. إِشَارَة إِلَى اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُن. وَهن: عَائِشَة وَحَفْصَة وَسَوْدَة وَأم سَلمَة ومَيْمُونَة وَزَيْنَب بنت جحش وَجُوَيْرِية وَصفِيَّة. [15] وَقَوله: كَانَ لَا يقسم لوَاحِدَة. فِي هَذَا الحَدِيث عَن عَطاء أَنه قَالَ: بلغنَا أَنَّهَا صَفِيَّة. وَقَالَ غَيره: إِنَّمَا هِيَ سَوْدَة؛ لِأَنَّهَا وهبت يَوْمهَا لعَائِشَة. 862 - / 1032 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْخمسين: قَالَ ابْن عَبَّاس: لَيْسَ التحصيب بشي، إِنَّمَا هُوَ منزل نزله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] التحصيب: نزُول المحصب، وَهُوَ الشّعب الَّذِي يخرج مِنْهُ إِلَى الأبطح فِي طَرِيق منى. وكل مَوضِع جعلت فِيهِ الْحَصْبَاء - وَهِي صغَار الْحِجَارَة - فَهُوَ محصب. وَأَرَادَ: النُّزُول فِيهِ لَيْسَ بنسك من مَنَاسِك الْحَج، وَإِنَّمَا نزل فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتِّفَاقًا غير قصد. 863 - / 1033 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْخمسين: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خرج من الْبَيْت ركع رَكْعَتَيْنِ فِي قبل الْكَعْبَة وَقَالَ: " هَذِه الْقبْلَة ". [15] قَوْله: فِي قبل: أَي فِي مقابلتها ومواجهتها. [15] وَقَوله: " هَذِه الْقبْلَة " فِي الْإِشَارَة قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا إِلَى الْكَعْبَة. ثمَّ فِي الْمَعْنى قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه تَقْرِير لحكم الِانْتِقَال عَن الحديث: 862 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 بَيت الْمُقَدّس، وَالثَّانِي: الْإِشَارَة إِلَى وَجه الْبَيْت فِي حق حاضره، بِخِلَاف الْغَائِب فَإِنَّهُ يجْتَهد. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الْإِشَارَة إِلَى وَجه الْكَعْبَة، فَيكون التَّعَلُّم للْإِمَام أَن يسْتَقْبل الْبَيْت من وَجهه وَإِن كَانَت الصَّلَاة إِلَى جَمِيع جهاته جَائِزَة. 864 - / 1034 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْخمسين: مكث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة ثَلَاث عشرَة، وَتُوفِّي وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ. [15] والمكث: الْإِقَامَة. وَهَذَا مِقْدَار مَا أَقَامَ بِمَكَّة بعد أَن أُوحِي إِلَيْهِ. [15] وَقَوله: وَتُوفِّي وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ. وَهُوَ الصَّحِيح فِي مِقْدَار عمره. وَقد رُوِيَ مثل هَذَا عَن مُعَاوِيَة وَأنس وَعَائِشَة. وَعَن أنس أَنه قَالَ: توفّي على رَأس سِتِّينَ. وَعَن ابْن عَبَّاس: أَنه توفّي وَهُوَ ابْن خمس وَسِتِّينَ. وكل هَذِه الْأَطْرَاف فِي الصَّحِيح. فَأَما خمس وَسِتُّونَ فَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه من أَفْرَاد مُسلم، والمتفق عَلَيْهِ عَن ابْن عَبَّاس مَا قدمنَا. وَالثَّانِي: أَنه إِشَارَة إِلَى مَا كَانَ يرى قبل النُّبُوَّة من النُّور وَيسمع من الصَّوْت. وَهَذَا مُبين فِي الحَدِيث. وَمن قَالَ سِتِّينَ قصد أعشار السّني، وَالْإِنْسَان قد يَقُول: عمري خَمْسُونَ سنة، وَلَعَلَّه قد زَاد عَلَيْهَا، لِأَن الزِّيَادَة لما لم تبلغ عشرا لم يذكرهَا. [15] وَأما قَول ابْن عَبَّاس: لبث بِمَكَّة عشرا يوحي إِلَيْهِ. فَلهُ وَجْهَان: أَحدهمَا: أَنه ذكر العقد وَترك مَا زَاد عَلَيْهِ كَمَا بَينا. وَالثَّانِي: أَنه لما أُوحِي إِلَيْهِ استسر بِالنُّبُوَّةِ ثَلَاث سِنِين حَتَّى نزل عَلَيْهِ (فَاصْدَعْ بِمَا الحديث: 864 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 تُؤمر} [الْحجر: 94] . فَأَنْذر حِينَئِذٍ، فَحسب ابْن عَبَّاس مَا ظهر. [15] وَأما الْبضْع فَهُوَ الْقطعَة من الشَّيْء، وَالْعرب تسْتَعْمل ذَلِك فِي الْعدَد من الثَّلَاث. [15] وَفِي هَذَا الحَدِيث: قلت لعروة: ابْن عَبَّاس [يَقُول] : بضع عشرَة سنة، فغفره. أَي دَعَا لَهُ بالمغفرة، فَقَالَ: غفر الله لَهُ. والغفر: ستر الذَّنب بِالْعَفو عَنهُ. 865 - / 1035 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْخمسين: أَنه لما قدم الْمَدِينَة فَرَأى الْيَهُود يَصُومُونَ عَاشُورَاء فَقَالَ: " مَا هَذَا؟ " قَالُوا: نجى الله فِيهِ مُوسَى فصامه. فَقَالَ: " أَنا أَحَق بمُوسَى مِنْكُم " فصامه وَأمر بصيامه. [15] اعْلَم أَن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتبع طَرِيق الْأَنْبِيَاء فِيمَا لم يشرع لَهُ مثله أَو خِلَافه، لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: {فبهداهم اقتده} [الْأَنْعَام: 90] فصَام عَاشُورَاء قبل فرض رَمَضَان، لِأَنَّهُ لما قدم الْمَدِينَة لم يكن عَلَيْهِ فرض رَمَضَان، وَإِنَّمَا قدم فِي ربيع الأول، فَأَقَامَ إِلَى أَن جَاءَ عَاشُورَاء، فَرَآهُمْ يصومونه فصامه. فَلَمَّا جَاءَ شعْبَان من السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة فرض رَمَضَان، فصامه وَترك عَاشُورَاء، فَبَان من هَذِه أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَامَ تسع رمضانات. 866 - / 1036 - وَفِي الحَدِيث السِّتين: " إِنَّكُم ملاقوا الله حُفَاة عُرَاة غرلًا ". الحديث: 865 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 [15] الغرل: جمع أغرل: وَهُوَ الَّذِي لم يختتن. وَقَالَ أَبُو بكر الْأَنْبَارِي: أغرل وأرغل وأقلف وأغلف بِمَعْنى. وَقَالَ أَبُو هِلَال العسكري: لَا تلتقي الرَّاء مَعَ اللَّام فِي الْعَرَبيَّة إِلَّا أَربع كَلِمَات: أرل: وَهُوَ اسْم جبل وورل: وَهِي دَابَّة مَعْرُوفَة. وجرل: وَهُوَ ضرب من الْحِجَارَة. والغرلة: وَهِي الغلفة. [15] وَالْمرَاد أَنهم يعادون كَمَا خلقُوا، ويبقون على تِلْكَ الْحَال؛ لِأَن لَذَّة جماع الأقلف تزيد على لَذَّة جماع المختون. قَالَ ابْن عقيل: وَذَلِكَ أَن بشرة حَشَفَة الأقلف موقاة بالغلفة، فَتكون بَشرَتهَا أرق، وَمَوْضِع الجس كلما كَانَ أرق كَانَ الجس أصدق، كراحة الْكَفّ إِذا كَانَت مرفهة من الْأَعْمَال صلحت للجس، وَإِذا كَانَت يَد قصار أَو نجار خشنت فخفي فِيهَا الجس. قَالَ: فَلَمَّا أبانوا فِي الدُّنْيَا تِلْكَ الْبضْعَة لأَجله أَعَادَهَا ليذيقها من حلاوة فضلَة ونعيم جنته. والسر فِي الْخِتَان مَعَ كَون الغلفة معفوا عَمَّا تحتهَا من النَّجس أَنه سنة إِبْرَاهِيم، حَيْثُ بلي بالترويع بِذبح الْوَلَد، فَأحب أَن يَجْعَل لكل وَاحِد من مِلَّته ترويعا بِقطع عُضْو وإراقة دم وَلَده، ويبتلي أَوْلَادهم بِالصبرِ على إيلام الْآبَاء لَهُم، فَتكون هَذِه الْحَالة مظهرة للصبر وَالتَّسْلِيم من الْآبَاء وَالْأَوْلَاد، أُسْوَة بإبراهيم. [15] وَقَوله: " أول من يكسى إِبْرَاهِيم " وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ كالعريان من النَّفس وَالْمَال وَالْولد، فَأسلم نَفسه إِلَى النيرَان، وَولده إِلَى القربان، وَمَاله للضيفان، فشرف بابتدائه بالكسوة. [15] وَقَوله: " لم يزَالُوا مرتدين " قد بَينا فِي مُسْند سهل بن سعد أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 الْإِشَارَة بِهَذَا إِلَى الْمُرْتَدين وَالْمُنَافِقِينَ. وَقد قَالَ الْخطابِيّ: لَيْسَ معنى الارتداد الرُّجُوع عَن الدّين، إِنَّمَا هُوَ التَّأَخُّر عَن بعض الْحُقُوق اللَّازِمَة، وَالتَّقْصِير فِيهَا. وَهَذَا الَّذِي قَالَه فِيهِ بعد من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن قَوْله: " مرتدين على أَعْقَابهم " يعْطى الْكفْر، كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم على أعقابكم} [آل عمرَان: 144] أَي رجعتم إِلَى الْكفْر. وَالثَّانِي: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي حَدِيث آخر: " فَأَقُول بعدا لَهُم وَسُحْقًا " وَلَا يَقُول هَذَا للْمُسلمين، لِأَن شَفَاعَته للمذنبين. 867 - / 1037 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتِّينَ: بَيْنَمَا رجل وَاقِف مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَة، إِذْ وَقع من رَاحِلَته فأوقصته أَو فأقعصته. وَقَالَ بَعضهم: فوقصته. فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اغسلوه بِمَاء وَسدر، وكفنوه فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تحنطوه، وَلَا تخمروا رَأسه ". [15] الوقص بِسُكُون الْقَاف: كسر الْعُنُق، يُقَال: وقصت عُنُقه فَهِيَ موقوصة، ووقصت بفلان نَاقَته: أَي كسرت عُنُقه. قَالَ أَبُو عبيد: وَيُقَال للرجل إِذا كَانَ مائل الْعُنُق قصيرها: أوقص، وَمن هَذَا حَدِيث عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: أَنه قضى فِي القارصة والقامصة والواقصة بِالدِّيَةِ أَثلَاثًا. وَتَفْسِيره: أَن ثَلَاث جوَار كن يلعبن، فركبت إِحْدَاهُنَّ صاحبتها فقرصت الثَّالِثَة المركوبة فقمصت، فَسَقَطت الراكبة، فوقصت عُنُقهَا، فَجعل عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام القارصة ثلث الدِّيَة، الحديث: 867 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 وعَلى القامصة الثُّلُث، وَأسْقط الثُّلُث لِأَنَّهُ حِصَّة الراكبة لِأَنَّهَا أعانت على نَفسهَا. [15] وَأما الإقعاص فَهُوَ الْقَتْل عَاجلا، يُقَال: ضربه فأقصعه: أَي قَتله مَكَانَهُ. وَقد روى بَعضهم فِي هَذَا الحَدِيث: فأقصعته بِتَقْدِيم الصَّاد، وَهُوَ غلط وَإِن كَانَ لَهُ وَجه على بعد، يُقَال: قصع الْبَعِير بجرته: إِذا هشمها بأضراسه وطحنها، وَالْمَحْفُوظ مَا سبق. [15] وَقَوله: " وَلَا تحنطوه " لِأَن فِي الحنوط طيبا. " وَلَا تخمروا رَأسه " أَي لاتغطوه. [15] والملبي من التَّلْبِيَة. والملبد من التلبيد. وَكَانَ الْمحرم يَجْعَل فِي رَأسه صمغا أَو عسلا ليجمع الشّعْر ويتلبد فَلَا يتخلله التُّرَاب، وَلَا يَقع فِيهِ الدبيب، وَلَا يُصِيبهُ الشعث. [15] وَالْمرَاد من الحَدِيث: أَن الْمحرم يبْعَث على شعث الْإِحْرَام. وَقد دلّ أَيْضا على أَن الْمَوْت لَا يقطع حكم الْإِحْرَام، وَأَنه إِذا مَاتَ الْمحرم لم يخمر رَأسه وَلم يقرب طيبا، وَهَذَا قَول أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَدَاوُد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يبطل إِحْرَامه وَيفْعل بِهِ مَا يفعل بِغَيْر الْمحرم إِذا مَاتَ. وَلَا خلاف أَنه لَا يُطَاف بِهِ، وَلَا تلْزمهُ الْفِدْيَة فِي مَاله إِذا لبس الْمخيط. 868 - / 1038 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتِّينَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس: الحديث: 868 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 أَلِمَنْ قتل مُؤمنا مُتَعَمدا من تَوْبَة؟ قَالَ: لَا. فتلوت عَلَيْهِ: {وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ} إِلَى قَوْله: {إِلَّا من تَابَ} [الْفرْقَان: 68 - 69] فَقَالَ: هَذِه آيَة مَكِّيَّة نسختها آيَة مَدَنِيَّة. {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} [النِّسَاء: 93] . [15] وَيصْلح أَن يُجَاب ابْن عَبَّاس عَن قَوْله هَذَا بِأَن هَذِه الْآيَة المدنية عَامَّة قد دَخلهَا التَّخْصِيص، فَإِنَّهُ لَو قَتله وَالْقَاتِل كَافِر ثمَّ أسلم انهدرت عَنهُ الْعقُوبَة فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة، فَإِذا كَانَت من الْعلم الْمَخْصُوص فَأَي دَلِيل صلح للتخصيص وَجب الْعَمَل بِهِ. وَمن أَسبَاب التَّخْصِيص أَن يكون قَتله مستحلا فيخلد لَا ستحلاله لِأَنَّهُ يكفر بذلك. وَيُقَوِّي هَذَا أَنَّهَا إِنَّمَا نزلت فِي حق مُسلم ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام وَقتل مُسلما، وَقد أجَاب قوم بِجَوَاب آخر فَقَالُوا: فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم إِن جازاه، وَلَيْسَ من ضَرُورَة الْوَعيد وُقُوعه. وَذهب آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَة بقوله: {وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء} [النِّسَاء: 48] وَالْوَجْه مَا قُلْنَاهُ. 869 - / 739 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتِّينَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} [الشُّعَرَاء: 214] صعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الصَّفَا فَجعل يُنَادي. [15] الْعَشِيرَة: الرَّهْط الأدنون. والبطون: دون الْقَبِيلَة. [15] وَقَوله: " يَا بني فهر، يَا بني عدي " فهر هُوَ مَالك بن النَّضر، من الحديث: 869 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 أجداد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وعدي هُوَ ابْن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر. [15] وَقَوله: تَبًّا لَك: أَي هَلَاكًا. والتباب: الخسران. وَمعنى: {تبت يدا أبي لَهب} خسرت يَدَاهُ {وَتب} [المسد: 1] أَي خسر هُوَ. وَقَالَ الْفراء: الأول دُعَاء وَالثَّانِي خبر كَمَا تَقول للرجل: أهْلكك الله وَقد أهْلكك. وجعلك الله صَالحا وَقد جعلك. [15] وَأما تَخْصِيص ذَلِك بِالْيَدِ فعلى عَادَة الْعَرَب، فَإِنَّهُم يعبرون بِبَعْض الشَّيْء عَن جَمِيعه كَقَوْلِه: {ذَلِك بِمَا قدمت يداك} [الْحَج: 10] وَإِنَّمَا خصت الْيَد بِالذكر لِأَن الرِّبْح والخسران يكونَانِ بالمعاملة وَالْبيع، وَالْيَد هِيَ الآخذة المعطية. [15] فَأَما أَبُو لَهب فَهُوَ عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَلقَائِل أَن يَقُول: مَا السِّرّ فِي أَن الله تَعَالَى كناه وَفِي الكنية نوع تَعْظِيم؟ وَجَوَابه من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه قد قيل: إِن اسْمه عبد الْعُزَّى، فَكيف يذكرهُ الله تَعَالَى بِهَذَا الِاسْم وَفِيه معنى الشّرك. وَالثَّانِي: أَن كثيرا من النَّاس اشتهروا بكناهم وَلم تعرف أَسمَاؤُهُم. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: خبرني غير وَاحِد عَن الْأَصْمَعِي أَن أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء وَأَبا سُفْيَان بن الْعَلَاء اسماهما كناهما، وَإِن كَانَ اسْم أبي لَهب كنيته فَإِنَّمَا ذكره بِمَا لَا يعرف إِلَّا بِهِ. [15] وَقَوله: {مَا أغْنى عَنهُ مَاله} أَي مَا يُغني. قَالَ ابْن مَسْعُود: قَالَ أَبُو لَهب: إِن كَانَ مَا يَقُول ابْن أخي حَقًا فَأَنا أفتدي بِمَالي وَوَلَدي. فَقَالَ الله عز وَجل: {مَا أغْنى عَنهُ مَاله وَمَا كسب} فَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: المُرَاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 بِكَسْبِهِ وَلَده. [15] وَقَوله: يَا صَبَاحَاه. مُفَسّر فِي مُسْند سَلمَة بن الْأَكْوَع. [15] وَقَوله: {وجعلناكم شعوبا وقبائل} [الحجرات: 13] الشعوب. جمع شعب: وَهُوَ الْحَيّ الْعَظِيم مثل مُضر وَرَبِيعَة. والقبائل دونهَا كبكر من ربيعَة وَتَمِيم من مُضر. 870 - / 1040 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسِّتِّينَ: أَن بُرَيْدَة بن الْحصيب قَالَ: " لَا رقية إِلَّا من عين أَو حمة ". [15] قَوْله: " من عين " أَي من إِصَابَة الْعين. وَقَوله: " أَو حمة " قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْحمة سم الْحَيَّات والعقارب وَمَا أشبههَا من ذَوَات السمُوم، والعامة تذْهب إِلَى أَن حمة الْعَقْرَب شَوْكهَا وَلَيْسَ كَذَلِك، إِنَّمَا الْحمة سمها، والشوكة هِيَ الإبرة. وَسَيَأْتِي فِي مَوَاضِع من المسانيد الرُّخْصَة فِي الرّقية. وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث عَوْف بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " لَا بَأْس بالرقى مَا لم يكن شرك ". والمسند من هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُفَسّر فِي مُسْند عمرَان بن حُصَيْن. الحديث: 870 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 871 - / 1041 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتِّينَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعالج من التَّنْزِيل شدَّة، وَكَانَ مِمَّا يُحَرك بِهِ شَفَتَيْه، فَأنْزل الله {لَا تحرّك بِهِ لسَانك} [الْقِيَامَة: 16] تَفْسِير هَذَا أَنه كَانَ يُحَرك شَفَتَيْه بِمَا قد سَمعه من جِبْرِيل قبل إتْمَام جِبْرِيل الْوَحْي، مَخَافَة أَن يذهب عَنهُ جِبْرِيل وَمَا حفظ. فَقيل لَهُ: {لَا تحرّك بِهِ} أَي الْقُرْآن {لسَانك لتعجل بِهِ} أَي بِأَخْذِهِ {إِن علينا جمعه وقرآنه} أَي علينا جمعه وضمه فِي صدرك. {فَإِذا قرأناه} أَي إِذا فرغ جِبْرِيل من قِرَاءَته {فَاتبع قرآنه} قَالَ ابْن عَبَّاس: فاستمع وأنصت. 872 - / 1042 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتِّينَ: أَهْدَت خَالَتِي أم حفيد إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمنا وَأَقِطًا وأضبا. [15] أم حفيد أسلمت وبايعت وروت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَيَأْتِي اسْمهَا فِي هَذَا الحَدِيث حفيدة، وَكَذَلِكَ فِي مُسْند خَالِد بن الْوَلِيد، وَإِنَّمَا هِيَ أم حفيد بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة، أُخْت أم الْفضل الَّتِي هِيَ أم ابْن عَبَّاس. [15] والأقط: شَيْء يصنع من اللَّبن فيجفف. [15] والأضب جمع ضَب. أخبرنَا موهوب بن أَحْمد وَمُحَمّد بن أبي مَنْصُور بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِمَا قَالَا: أخبرنَا الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار قَالَ: أَنبأَنَا الْعَزِيز بن عَليّ الْأَزجيّ قَالَ: أخبرنَا أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الحديث: 871 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 المخلص قَالَ: أَنبأَنَا أَبُو مُحَمَّد عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن السكرِي قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أبي سعيد قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن عبد الله الطوسي عَن أبي عبيد قَالَ: قَالَ أَبُو زيد: الضَّب حِين يخرج من بيضته حسل، ثمَّ غيداق، ثمَّ مطبخ، ثمَّ يكون ضباً مدْركا. قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ الْأَحْمَر: هُوَ حسل، ثمَّ مطبخ ثمَّ خضرم ثمَّ ضَب. قَالَ الطوسي: وَأَخْبرنِي الْأَسدي عَن أبي فصيح قَالَ: تَجِيء الضبة إِلَى الْمَكَان فتبيض عشْرين بَيْضَة تصفها صفا، ثمَّ تَدعه أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثمَّ تَأتي فِي الْوَقْت الَّذِي قد آن لَهُ أَن يخرج فتكشف عَنهُ فتأكله إِلَّا مَا أفلت مِنْهُ، فَلذَلِك قيل: " أعق من ضَب ". قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي سعد: وحَدثني مُحَمَّد بن عبد الله بن يَعْقُوب قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو الْحسن اللحياني وَقَالَ: الضَّب أطول دَابَّة عمرا، تعيش ثَلَاثمِائَة سنة، يُقَال: " لَا آتِيك سنّ الحسل " لطول عمره. قَالَ أَبُو مُحَمَّد: وحَدثني مُحَمَّد ابْن أبي بشر الدينَوَرِي قَالَ: أنشدنا الْعَبَّاس بن الْفرج: (فَلَو كَانَ هَذَا الضَّب لَا ذَنْب لَهُ ... وَلَا كشية، مَا مَسّه الدَّهْر لَا مس) (وَلكنه من أجل ذنيبه ... وكشيته دبت إِلَيْهِ الدهارس) [15] الكشية: لحْمَة صفراء تملأ جَوف الضَّب. وأنشدوا: (وَأَنت لَو ذقت الكشى بالأكباد ... ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 (لما تركت الضَّب يعدو بالواد ... ) [15] وَقد كَانَ جمَاعَة من الْعَرَب يحبونَ أكل الضَّب ويربونه. وَإِنَّمَا عافه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بَين من قَوْله: " إِنَّه لم يكن بِأَرْض قومِي فأجدني أعافه ". [15] وَقد نبه هَذَا الحَدِيث على ترك مَا تعافه النَّفس من المطاعم، وَاتِّبَاع مَا تميل إِلَيْهِ. وحكماء الْأَطِبَّاء يَقُولُونَ: مَا تميل النَّفس إِلَيْهِ أصلح مِمَّا لَا تميل إِلَيْهِ إِلَّا أَن يكون فِيهِ فرط رداءة، وَهَذَا لِأَن الله تَعَالَى جبل النَّفس على الْميل إِلَى مَا يصلحها والنفور عَمَّا يؤذيها. فلولا أَنه خلق فِيهَا شَهْوَة الْمطعم لما أكلت، ولكان ترك الْأكل سَببا للهلاك، لكنه جعل الشَّهْوَة باعثا ليحصل الْمَقْصُود من تنَاول الْغذَاء. وَقد يحْتَاج الْبدن إِلَى الحامض تَارَة فتشتهيه النَّفس، وَإِلَى الحلو، وَإِلَى فنون المطاعم، فَوضع تِلْكَ الشَّهْوَة لاخْتِلَاف النَّفْع، وَهَذَا الْقدر جَهله كثير من المتزهدين، فمنعوا النَّفس مِمَّا تؤثره، وَذَلِكَ سعي فِي إبِْطَال حَقّهَا، ورد لحْمَة الْوَاضِع، وسعي فِي تنقيص قوى النَّفس أَو تلفهَا. وَرُبمَا ظن بعض جهالهم أنني أحث بِهَذَا الْكَلَام على تنَاول الشَّهَوَات مُطلقًا، وَإِنَّمَا أُشير إِلَى أَخذ مِقْدَار الْحَاجة مِمَّا يصلح الْبدن لَا إِلَى الشره، فليفهم هَذَا. [15] والمحنوذ: المشوي، وَيُقَال لَهُ حنيذ، كَمَا يُقَال للمطبوخ طبيخ، وللمقتول قَتِيل، قَالَ الْفراء: هُوَ مَا حفرت الأَرْض ثمَّ غممته. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: هُوَ المشوي بِالْحِجَارَةِ المحماة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 [15] وَقَوله: " فأجدني أعافه " أَي أكرهه. يُقَال: عاف يعاف عيافا. وَقد بَين سَبَب كراهيته، وللعادة والمألوف أثر. [15] وَقَوله: دَعَانَا عروس. المُرَاد بالعروس الرجل المتزوج. قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور قَالَ: تذْهب الْعَامَّة إِلَى أَن الْعَرُوس يَقع على الْمَرْأَة خَاصَّة دون الرجل، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل يُقَال: رجل عروس وَامْرَأَة عروس، وَلَا يسميان عروسين إِلَّا أَيَّام الْبناء، قَالَ الشَّاعِر: ( ... ... ... ... وَهَذَا عروسا بِالْيَمَامَةِ خَالِد) [15] وَمن أمثالهم: " كَاد الْعَرُوس يكون أَمِيرا " وَيُقَال لَهما أَيْضا عرسان فِي كل وَقت، قَالَ الراجز: (أَنْجَب عرس جمعا وعرس ... ) [15] وَقَوله: فَقرب إِلَيْهِم خوان: الخوان مَعْرُوف، يتْرك عَلَيْهِ الطَّعَام وَقت الْأكل. وَقيل لثعلب: أَيجوزُ أَن يُقَال: إِنَّمَا سمي خوانًا لِأَنَّهُ يتخون مَا عَلَيْهِ: أَي ينتقص؟ فَقَالَ: مَا يبعد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 873 - / 1043 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتِّينَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَوْلَاد الْمُشْركين فَقَالَ: " الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين إِذْ خلقهمْ ". [15] قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْمَعْنى: لَو أبقاهم. يُرِيد: فَلَا تحكموا عَلَيْهِم بِكفْر آبَائِهِم إِذا لم يبلغُوا فيكفروا، وَلَا تحكموا عَلَيْهِم بميثاق الْفطْرَة الَّتِي ولدُوا عَلَيْهَا، لأَنهم لم يبلغُوا فيؤمنوا. [15] قلت: وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي أَوْلَاد الْمُشْركين على خَمْسَة أَقْوَال: أَحدهَا: الْوَقْف فيهم، لِأَن طَرِيق إِثْبَات ذَلِك النَّص، وَلَا نَص، وَهَذَا اخْتِيَار أبي بكر الْأَثْرَم، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا ينزلون جنَّة وَلَا نَارا، وَيُقَال فيهم كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين " فاستدل بِهَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور وَبِحَدِيث عَائِشَة قَالَت: مَاتَ صبي من الْأَنْصَار فَقلت: عُصْفُور من عصافير الْجنَّة، فَقَالَ النَّبِي: " أَو غير ذَلِك يَا عَائِشَة. إِن الله خلق الْجنَّة وَخلق لَهَا أَهلا، خلقهَا لَهُم وهم فِي أصلاب آبَائِهِم. وَخلق النَّار وَخلق لَهَا أَهلا، خلقهَا لَهُم وهم فِي أصلاب آبَائِهِم ". [15] وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنهم فِي النَّار. روى عبد الله بن الْحَارِث عَن خَدِيجَة أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَوْلَادهَا من أزواجها فِي الْجَاهِلِيَّة. فَقَالَ: " فِي النَّار " فَقَالَت: بِغَيْر عمل؟ فَقَالَ: " الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين " وَسَأَلته عَن أَوْلَادهَا مِنْهُ، فَقَالَ: " فِي الْجنَّة " فَقَالَت: بِغَيْر عمل؟ فَقَالَ: " الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين ". وروى يحيى بن الحديث: 873 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 المتَوَكل عَن بهية عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَو شِئْت لأسمعتك تضاغيهم فِي النَّار ". قَالَ الْأَثْرَم: وَحَدِيث خَدِيجَة لَيْسَ بِالْقَوِيّ، لِأَنَّهُ مُرْسل، لِأَن خَدِيجَة توفيت فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَلم يلقها أحد من التَّابِعين، وَحَدِيث بهية إِسْنَاده واه. [15] وَالثَّالِث: أَنهم يمْتَحنُونَ فِي الْقِيَامَة بِنَار تأجج لَهُم. روى عَليّ بن زيد عَن أبي رَافع عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه يُؤْتى بالمعتوه والهالك فِي الفترة والمولود، فتؤجج لَهُم نَار، وَيبْعَث إِلَيْهِم رَسُول فَيَقُول: ردوهَا، فيردها من كَانَ فِي علم الله سعيدا، فَتكون عَلَيْهِ بردا وَسلَامًا، وتحبس عَنْهَا من كَانَ فِي علم الله شقيا، وَهَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِشَيْء، فَإِن عَليّ بن زيد لَا يحْتَج بِهِ. قَالَ أَحْمد وَيحيى: لَيْسَ بِشَيْء. [15] وَالْقَوْل الرَّابِع: أَنهم خدم أهل الْجنَّة لحَدِيث نقل وَلَا يثبت. [15] وَالْخَامِس: أَنهم بَين الْجنَّة وَالنَّار، إِذا لَا طَاعَة لَهُم وَلَا مَعْصِيّة. وَكَانَ ابْن عقيل ينصر أَنهم لَا يُعَذبُونَ، ويحتج بقوله: {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} [الْأَنْعَام: 164] وَقَوله: {لَا ظلم الْيَوْم} [غَافِر: 17] قَالَ: وَهَذَا يُعْطي أَن الظُّلم الْمُؤَاخَذَة بِغَيْر كسب، وَلَا صنع للطفل وَلَا كسب، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَو أَنا أهلكناهم بِعَذَاب من قبله لقالوا رَبنَا لَوْلَا أرْسلت إِلَيْنَا رَسُولا فنتبع آياتك} [طه: 134] وَبِقَوْلِهِ: {أَو تَقولُوا إِنَّمَا أشرك آبَاؤُنَا من قبل وَكُنَّا ذُرِّيَّة من بعدهمْ أفتهلكنا بِمَا فعل المبطلون} [الْأَعْرَاف: 173] وَبِقَوْلِهِ: {لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسُل} [النِّسَاء: 165] قَالَ: فَكَمَا أَنه لَا يعذب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 بَالغا لم تأته الرسَالَة، لَا يعذب مَجْنُونا وطفلا لم تأته الرسَالَة، وَهَذَا يخبر أَنه لَا يعذب إِلَّا بعد الْإِرْسَال، فللأطفال أَن يحتجوا ويقولوا: مَا جَاءَنَا من رَسُول. فَإِن قَالَ قَائِل: أَنا أعذبكم بِمُطلق الْمَشِيئَة، أفْضى إِلَى أَن يكون الاعتلال بالرسل لَيْسَ باعتلال وَلَا احتجاج، لِأَنَّهُ قد أبْطلهُ بتعذيب من لم يُرْسل إِلَيْهِ، وَلَا فعل مَا يسْتَحق بِهِ الْجَزَاء. وَمن يُقيم الْحجَّة للعدل بِتِلْكَ الْإِقَامَة لَا يعود بتعذيب بِغَيْر حجَّة، وحوشي من الِاخْتِلَاف فِي أَقْوَاله، والتحريف فِي أَفعاله. 874 - / 1044 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتِّينَ: كَانَ يَصُوم حَتَّى يَقُول الْقَائِل: لَا يفْطر، وَيفْطر حَتَّى يَقُول الْقَائِل: لَا يَصُوم. [15] إِن قَالَ قَائِل: كَيفَ عدل عَمَّا شهد أَنه أفضل الصّيام، وَهُوَ صِيَام دَاوُد؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الظَّاهِر من هَذَا الْفِعْل أَنه قد كَانَ يَصُوم بِقدر مَا يفْطر، فَهَذَا مثل صَوْم دَاوُد. وَالثَّانِي: أَنه كَانَ فِي مقَام هُوَ أَعلَى المقامات، وَهُوَ الرِّضَا بالأقدار، فَكَانَ يتقلب فِيمَا يقلبه الْحق عز وَجل فِيهِ من غير اخْتِيَار لنَفسِهِ، فَإِذا ألهمه الصَّوْم أَو لم يقدر لَهُ مَا يَأْكُل قَالَ: " إِنِّي إِذن صَائِم ". 875 - / 1045 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسِّتِّينَ: مَا قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْجِنّ وَمَا رَآهُمْ. [15] هَذَا كُله يضاد مَا سبق فِي مُسْند ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: أَتَانِي دَاعِي الْجِنّ فَذَهَبت مَعَه، فقرات عَلَيْهِم الْقُرْآن. وَرفع هَذَا الحديث: 874 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 الْإِشْكَال من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يقدم حَدِيث ابْن مَسْعُود لِأَنَّهُ مُثبت وَابْن عَبَّاس يَنْفِي، وَقَول الْمُثبت مقدم. وَالثَّانِي: أَن يكون حَدِيث ابْن عَبَّاس مُتَقَدم، بِدَلِيل أَنه وصف فِيهِ تحير الشَّيَاطِين لوُقُوع الشهب، وَإِنَّمَا وَقعت عِنْد المبعث، وَحَدِيث ابْن مَسْعُود فِي حَال أُخْرَى بعد ذَلِك. وَيدل على أَنَّهُمَا حالتان أَن فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: جَاءُوا وَهُوَ لَا يعلم، فَأُوحي إِلَيْهِ {أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} . وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود: استدعوه فحضرهم. [15] قَوْله: وَقد حيل بَين الشَّيَاطِين وَبَين خبر السَّمَاء، وَأرْسلت عَلَيْهِم الشهب. اخْتلف الْعلمَاء: هَل كَانَت الشَّيَاطِين ترمى بالنجوم قبل مبعث نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم لَا؟ على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا لم ترم حَتَّى بعث، وَظَاهر هَذَا الحَدِيث يدل على ذَلِك، ويقويه قَوْله تَعَالَى: {فَمن يستمع الْآن يجد لَهُ شهابا رصدا} [الْجِنّ: 19] وَقد اسْتدلَّ الزّجاج على صِحَّته: أَن قَالَ: لم يُوجد فِي شعر شعراء الْعَرَب الَّذين يمثلون بالبرق والأشياء المسرعة ذكر الْكَوَاكِب المنقضة، فَلَمَّا حدثت بعد مولد نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتعْملت الشُّعَرَاء ذكرهَا، فَقَالَ ذُو الرمة. (كَأَنَّهُ كَوْكَب فِي إِثْر عفرية ... مُسَوَّم فِي سَواد اللَّيْل منقضب) [15] وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه قد كَانَ قبل نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِدَلِيل مَا سَيَأْتِي فِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: بَينا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس فِي نفر من أَصْحَابه إِذْ رمي بِنَجْم فَاسْتَنَارَ، فَقَالَ: " مَا كُنْتُم تَقولُونَ إِذا كَانَ مثل هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّة؟ " قَالَ: كُنَّا نقُول: يَمُوت عَظِيم أَو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 [15] يُولد عَظِيم. وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: إِن الشَّيَاطِين كَانَت لَا تحجب عَن السَّمَوَات، فَلَمَّا ولد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام منعت من ثَلَاث سماوات، فَلَمَّا ولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منعت من السَّمَاوَات كلهَا. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: قد كَانَ يرْمى بالنجوم قبل مبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلكنهَا غلظت حِين بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا مَذْهَب ابْن قُتَيْبَة. قَالَ: وعَلى هَذَا وجدنَا الشّعْر الْقَدِيم، قَالَ بشر بن أبي خازم: (وَالْعير يرهقها الْغُبَار وجحشها ... ينْقض خلفهمَا انقضاض الْكَوْكَب) [15] وَقَالَ أَوْس بن حجر، وَهُوَ جاهلي: (فانقض كالدري يتبعهُ ... نقع يثور تخاله طنبا) [15] قلت: وَقد ذكر فِي شعره انقضاض الْكَوْكَب الأفوه الأودي، وَأُميَّة ابْن أبي الصَّلْت، وعَوْف بن الخرع وَغَيرهم، إِلَّا أَن الَّذِي أميل إِلَيْهِ أَنه لم ترم بِالشُّهُبِ إِلَّا قبيل مولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ اسْتمرّ ذَلِك وَكثر حَتَّى بعث، وَكَانَ ذَلِك من التأسيس لأَمره والتفخيم لشأنه كَمَا جرى على أَصْحَاب الْفِيل، وكما انْبَعَثَ المَاء من تَحت خف رَاحِلَة عبد الْمطلب حِين خرج هُوَ وَجَمَاعَة إِلَى الكاهن ليشير إِلَى أحدهم بالتخصيص بزمزم. وعَلى هَذَا يحمل شعر بشر بن أبي خازم، فَإِنَّهُ قد أدْرك الْفجار وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أدْرك الْفجار، وَأُميَّة أدْرك النُّبُوَّة وَكَذَلِكَ أشعار البَاقِينَ، فَإِنَّهَا قيلت قبل مولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا حجَّة فِي أشعار الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 المخضرمين لما بَينا من أَن ذَلِك كالتأسيس لأمر للنبوة، وَمَا يُمكن أحدا أَن يَأْتِي بِبَيْت شعر من أشعار الْجَاهِلِيَّة القدماء فِي انقضاض الْكَوْكَب مَعَ كَونهم قد شبهوا السرعة بِكُل شَيْء وَلم يذكرُوا الْكَوْكَب فَهَذَا هُوَ التَّحْقِيق فِي هَذَا، وَقد ذكر نَحْو مَا ذكرته أَبُو عُثْمَان الْبَصْرِيّ. [15] فَإِن قَالَ قَائِل: أيزول الْكَوْكَب إِذا رجم بِهِ؟ قُلْنَا: قد يُحَرك الْإِنْسَان يَده أَو حَاجِبه فتضاف تِلْكَ الْحَرَكَة إِلَى جَمِيعه، فَرُبمَا فضل شُعَاع من الْكَوْكَب فَأحرق، وَيجوز أَن يكون ذَلِك الْكَوْكَب يفنى ويتلاشى، وَالله أعلم. [15] وَقَوله: أخذُوا نَحْو تهَامَة. سميت تهَامَة لشدَّة حرهَا. وَقيل لشدَّة رِيحهَا. 876 - / 1047 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسبْعين: قلت لِابْنِ عَبَّاس: سُورَة التَّوْبَة. فَقَالَ: هِيَ الفاضحة. [15] اعْلَم أَن هَذِه السُّورَة لَهَا تِسْعَة أَسمَاء: أَحدهَا سُورَة التَّوْبَة، وَالثَّانِي بَرَاءَة، وَهَذَانِ مشهوران. وَالثَّالِث: سُورَة الْعَذَاب، قَالَه حُذَيْفَة. الرَّابِع: المقشقشة، قَالَه ابْن عمر. وَالْخَامِس: سُورَة البحوث، لِأَنَّهَا بحثت عَن سرائر الْمُنَافِقين، قَالَه الْمِقْدَاد بن الْأسود. الحديث: 876 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 وَالسَّادِس: الفاضحة، لِأَنَّهَا فضحت الْمُنَافِقين، قَالَه ابْن عَبَّاس. وَالسَّابِع: المثيرة، لِأَنَّهَا أثارت مخازي الْمُنَافِقين ومثالبهم، قَالَه قَتَادَة. وَالثَّامِن: المبعثرة، لِأَنَّهَا بعثرت أَخْبَار النَّاس وكشفت عَن سرائرهم، قَالَه ابْن إِسْحَق. وَالتَّاسِع: الحافرة، لِأَنَّهَا حفرت عَن قُلُوب الْمُنَافِقين، قَالَه الزّجاج. 877 - / 1048 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسبْعين: إِذا حرم الرجل امْرَأَته فَهُوَ يَمِين يكفرهَا. وَفِي لفظ: لَيْسَ بِشَيْء. [15] اخْتلف الْعلمَاء فِيمَن قَالَ لزوجته: أَنْت عَليّ حرَام، فَذهب أَبُو بكر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة إِلَى أَنه يَمِين، وَعَن أَحْمد مثله، وَذهب عُثْمَان بن عَفَّان إِلَى أَنه ظِهَار، وَهُوَ الْمَنْصُور من مَذْهَب أَحْمد. فَإِن قَالَ: نَوَيْت بِهِ الْيَمين أَو الطَّلَاق لم يقبل فِي رِوَايَة، وَيقبل فِي الْأُخْرَى. وَعَن أَحْمد رِوَايَة ثَالِثَة أَنه طَلَاق. وَقَالَ مَالك: هُوَ طَلَاق ثَلَاث فِي حق الْمَدْخُول بهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يرجع إِلَى نِيَّته، فَإِن لم ينْو فَهُوَ يَمِين وَيكون موليا. وَقَالَ الشَّافِعِي: يرجع إِلَى نِيَّته إِلَّا أَن يَنْوِي الْيَمين فَإِنَّهُ يكون يَمِينا، وَيجب كَفَّارَة يَمِين، وَالثَّانِي: لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَعَلِيهِ يحمل قَول ابْن عَبَّاس: لَيْسَ بِشَيْء. وَيحْتَمل لَيْسَ بِشَيْء يثبت التَّحْرِيم. الحديث: 877 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 878 - / 1050 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسبْعين: قَالَ ابْن عَبَّاس: سقيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من زَمْزَم فَشرب وَهُوَ قَائِم. [15] هَذَا لَا يعدو ثَلَاثَة أَحْوَال: إِمَّا أَن يكون مَنْسُوخا بنهيه عَن الشّرْب قَائِما. وَإِمَّا لتبيين الْجَوَاز، لِأَن نَهْيه عَن ذَلِك نهي كَرَاهَة. وَإِمَّا لعذر. وَفِي تَمام الحَدِيث أَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَ على بعيره، وَهَذَا قَاعد. 879 - / 1051 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسبْعين: مر على قبر منبوذ فامهم وَصفهم خَلفه. [15] المنبوذ هَاهُنَا: الْمُفْرد عَن الْقُبُور. وَقد رَوَاهُ قوم: على قبر منبوذ، بِكَسْر الرَّاء مَعَ الْإِضَافَة، وفسروه باللقيط، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء، لِأَن فِي بعض الْأَلْفَاظ: أَتَى قبرا مَنْبُوذًا. [15] وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على جَوَاز إِعَادَة الصَّلَاة على الْمَيِّت لمن لم يصل، وَالصَّلَاة على الْقَبْر خلافًا لأبي حنيفَة. 880 - / 1052 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسبْعين: قَالَ ابْن عَبَّاس: أنهى عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أجل - أَنه كَانَ حمولة النَّاس فكره أَن تذْهب حمولتهم، أَو حرمت فِي يَوْم خَيْبَر - لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة؟ . الحديث: 878 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 [15] الحمولة بِفَتْح الْحَاء: الْإِبِل الَّتِي تحمل الأثقال، فَهَذَا اسْمهَا كَانَ عَلَيْهَا حمل أَو لم يكن. وكل شَيْء حمل عَلَيْهِ من الدَّوَابّ كالخيل وَالْبِغَال وَالْحمير فَإِنَّمَا سمي حمولة تَشْبِيها بِالْإِبِلِ. فَأَما الحمولة بِضَم الْحَاء فالأحمال بِعَينهَا. [15] وَقد كشف هَذَا الْإِشْكَال الَّذِي وَقع لِابْنِ عَبَّاس قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّهَا رِجْس ". 881 - / 1053 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسبْعين: " من هم بِالْحَسَنَة فَلم يعملها كتبهَا الله لَهُ عِنْده حَسَنَة، وَلَا يهْلك على الله إِلَّا هَالك ". [15] قد بَينا فِيمَا سبق أَن مِقْدَار الْجَزَاء على الْحَسَنَة مَعْلُوم الْقدر عِنْد الله عز وَجل فَهُوَ يثيب المحسن بذلك الثَّوَاب عشر مَرَّات، فَهَذَا الرَّاتِب، ثمَّ يُزَاد الْإِنْسَان على قدر إخلاصه وَصدقه وحضوره إِلَى مَا لَا يعلم النَّاس حَده، فَإِذا هم الْإِنْسَان بِالْحَسَنَة فَلم يعملها، فاهتمامه بِالْحَسَنَة حَسَنَة، فَلذَلِك تكْتب. وَإِذا هم بِالسَّيِّئَةِ فَلم يعملها فالغالب أَنه إِنَّمَا تَركهَا خوفًا من الْعقَاب، فخوفه حَسَنَة، فَلذَلِك تكْتب، فَخرج الْكَلَام مخرج الْغَالِب. فَأَما إِذا لم يتَمَكَّن من الْمعْصِيَة فَإِنَّهُ لَا يُسمى تَارِكًا، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتْرك مَا يقدر عَلَيْهِ، غير أَنه يسامح فِي همته، إِذْ الاهتمام تردد، فَإِن صَارَت المهمة عَزِيمَة أخرجته إِلَى الْإِصْرَار فأثم. [15] وَقَوله: " لَا يهْلك على الله إِلَّا هَالك " يَعْنِي أَن حلمه عَظِيم، وفضله عَظِيم، فَمن هلك بعد ذَلِك فَهُوَ الْهَالِك من قبل تَقْصِيره ومساكن تفريطه. الحديث: 881 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 882 - / 1054 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسبْعين: " اطَّلَعت فِي الْجنَّة فَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا الْفُقَرَاء ". قد شرحناه فِي مُسْند عمرَان بن حُصَيْن. 883 - / 1055 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسبْعين: " من رأى من أميره شَيْئا فليصبر عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ من فَارق الْجَمَاعَة شبْرًا فَمَاتَ فميتة جَاهِلِيَّة ". [15] الْمُفَارقَة هَاهُنَا فِي قبُول الْإِمَامَة، وَذكر الشبر على سَبِيل الْمثل. [15] وَالْميتَة مَكْسُورَة الْمِيم: يَعْنِي بهَا الْحَالة الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا، فَهِيَ كالقعدة والجلسة وَالركبَة، وَإِنَّمَا يُرَاد بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الْحَال والهيئة. وَأما الْميتَة بِفَتْح الْمِيم فَهِيَ الْحَيَوَان الْمَيِّت، وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " الْحل ميتَته ". [15] والجاهلية: عَادَة الْقَوْم قبل الْإِسْلَام، فَإِنَّهُم كَانُوا يعْملُونَ بواقعاتهم وَلَا يلتفتون إِلَى مشرع. 884 - / 1056 وَفِي الحَدِيث الثَّمَانِينَ: " أعوذ بعزتك ". [15] قَالَ الزّجاج: الْعِزَّة: المنعة وَشدَّة الْغَلَبَة، وَهُوَ مَأْخُوذ من قَوْلهم: ارْض عزاز، قَالَ الْأَصْمَعِي: هِيَ الَّتِي لَا تنْبت شَيْئا. فَتَأْوِيل الحديث: 882 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 الْعِزَّة الْغَلَبَة والشدة الَّتِي لَا يتَعَلَّق بهَا إذلال، قَالَت الخنساء: (كَأَن لم يَكُونُوا حمى يتقى ... إِذْ النَّاس إِذْ ذَاك من عز بزا) [15] أَي: من قوي وَغلب سلب. وَيُقَال: قد اسْتعزَّ على الْمَرِيض: أَي اشْتَدَّ وَجَعه. 885 - / 1058 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي والثمانين: " لَا يَنْبَغِي لعبد أَن يَقُول أَنا خير من يُونُس بن مَتى " وَنسبه إِلَى أَبِيه. [15] وَقد سبق بَيَان هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. وَأَبوهُ اسْمه مَتى. 886 - / 1059 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث والثمانين: " من لم يجد إزارا فليلبس سَرَاوِيل، وَمن لم يجد نَعْلَيْنِ فليلبس خُفَّيْنِ ". [15] الْإِشَارَة إِلَى الْمحرم، فَإِذا لم يجد الْإِزَار جَازَ أَن يلبس السَّرَاوِيل وَلَا تجب عَلَيْهِ فديَة بِظَاهِر هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ قَول أَحْمد وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: إِن لبس السَّرَاوِيل وَجَبت عَلَيْهِ الْفِدْيَة. وَقد اخْتلف أَصْحَاب أبي حنيفَة هَل يجوز لَهُ لبسه. فَقَالَ الطَّحَاوِيّ: لَا يجوز لبسه حَتَّى يفتقه. وَقَالَ الرَّازِيّ: يجوز ويفتدي، وَهُوَ قَول أَصْحَاب مَالك، وهم يَقُولُونَ لنا: نَحن نقُول بِجَوَاز اللّبْس، فَمَا الحديث: 885 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 الدَّلِيل على نفي الْكَفَّارَة؟ فَالْجَوَاب: إِن إِذن الشَّرْع الْمُطلق مُؤذن بِنَفْي التَّبعَات، فمدعي التبعة يفْتَقر إِلَى الدَّلِيل. فَإِن قَالُوا: يفتقه، فقد زَالَ عَنهُ اسْم السَّرَاوِيل. [15] وَأما إِذا لم يجد النَّعْلَيْنِ فَيجوز لَهُ لبس الْخُفَّيْنِ من غير فديَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز لَهُ لبسهما على صفتهما، بل بقطعهما اسفل الْكَعْبَيْنِ، فَإِن لبسهما افتدى، وذهبوا إِلَى حَدِيث ابْن عمر. وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 887 - / 1060 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع والثمانين: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم. [15] قد خُولِفَ ابْن عَبَّاس فِي هَذَا. وَسَيَأْتِي فِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث يزِيد بن الْأَصَم عَن مَيْمُونَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزَوجهَا وَهُوَ حَلَال. وروى أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث يزِيد بن الْأَصَم عَن مَيْمُونَة قَالَت: تزَوجنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن حلالان بسرف. وَمَعْلُوم أَن مَيْمُونَة أعلم بشأنها من غَيرهَا. وروى أَبُو دَاوُد أَيْضا أَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: وهم ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم. وَيحْتَمل قَوْله: وَهُوَ محرم، أَي فِي شهر حرَام، قَالَ الشَّاعِر: الحديث: 887 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 (قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة محرما ... ) أَي فِي شهر حرَام. 888 - / 1061 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس والثمانين: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع بَين الظّهْر وَالْعصر، وَالْمغْرب وَالْعشَاء من غير خوف وَلَا سفر. [15] وَهَذَا يحمل على أَنه قد كَانَ مطر أَو وَحل وَقد قَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ: لَعَلَّه فِي لَيْلَة مطيرة. وَقَالَ أَبُو الشعْثَاء جَابر بن زيد رَاوِي هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس: عَسى. إِلَّا أَنه قد جَاءَ فِي بعض الْأَلْفَاظ: من غير خوف وَلَا مطر، فَهَذَا يحمل على أَنه لأجل الوحل. وَعِنْدنَا يجوز الْجمع لأَجله خلافًا للشَّافِعِيّ، وَيحْتَمل أَن يكون لأجل الْمَرَض، وَعِنْدنَا يجوز خلافًا للشَّافِعِيّ أَيْضا. [15] وَفِي لفظ: صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمانياً جَمِيعًا، وَسبعا جَمِيعًا. يَعْنِي الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء. وَيحْتَمل أَن يكون الْجمع تَأْخِير الصَّلَاة إِلَى آخر وَقتهَا، وَتَقْدِيم الثَّانِيَة إِلَى أول وَقتهَا، وعَلى هَذَا يخرج قَول ابْن عَبَّاس: أَرَادَ أَلا يحرج أمته: أَي لَا يضيق عَلَيْهَا الْوَقْت. [15] وَفِي رِوَايَة: جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر. وَهَذَا جَائِز عندنَا وَعند الشَّافِعِي، خلافًا لأبي حنيفَة، فَإِن كَانَ السّفر قَصِيرا لم يجز الحديث: 888 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 الْجمع، خلافًا لمَالِك. [15] وَقَول الرَّاوِي: فحاك فِي صَدْرِي: أَي أثر، فَقَالَ: مَا يحيك كلامك فِي قلبِي: أَي مَا يُؤثر. 889 - / 1062 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس والثمانين: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُرِيد على ابْنة حَمْزَة، فَقَالَ: " لَا تحل لي: وَقَالَ: " يحرم من الرضَاعَة مَا يحرم من الرَّحِم ". [15] الْمَعْنى: أُرِيد أَن يَتَزَوَّجهَا، وَكَانَ حَمْزَة أَخَاهُ من الرضَاعَة، أرضعتهما ثويبة. وَقد سبق هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. 890 - / 1063 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع والثمانين: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَيْمُونَة كَانَا يغتسلان من إِنَاء وَاحِد. وَفِي رِوَايَة كَانَ يغْتَسل بِفضل مَيْمُونَة. [15] أما اغتسالهما من إِنَاء وَاحِد مَعًا فَلَا خلاف فِي جَوَازه. وَأما مَا رُوِيَ من اغتساله بفضلها فَإِنَّهُ مَرْوِيّ بِالشَّكِّ والتردد، قَالَ فِيهِ عَمْرو بن دِينَار: أَكثر علمي وَالَّذِي يخْطر على بالي أَن أَبَا الشعْثَاء أَخْبرنِي عَن ابْن عَبَّاس بِهَذَا. ثمَّ هُوَ مَحْمُول على أَنه اغْتسل بِمَا أفضلته مَعَ حُضُوره وَقت اسْتِعْمَالهَا، وَاسْتِعْمَال ذَلِك جَائِز لَهُ بِالْإِجْمَاع. فَأَما إِذا خلت بِهِ فالمنصور من الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد أَنه لَا يجوز لَهُ التَّوَضُّؤ بفضلها. وَفِي الحديث: 889 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 الرِّوَايَة الْأُخْرَى أَن ذَلِك مَكْرُوه، فَإِن تَوَضَّأ أَجزَأَهُ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يجوز لَهُ التَّوَضُّؤ بِهِ. [15] وَقَول عَمْرو بن دِينَار: يخْطر على بالي. البال: الْقلب، وَقَول النَّاس: مَا أُبَالِي بِكَذَا: أَي مَا أشغل بِهِ بالي، والبال يُقَال بِمَعْنى الْحَال، يُقَال: مَا بالك؟ أَي: مَا حالك؟ 891 - / 1064 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن والثمانين: خَطَبنَا ابْن عَبَّاس فِي يَوْم ذِي ردغ، فَأمر الْمُؤَذّن لما بلغ: حَيّ على الصَّلَاة، قَالَ: قل: الصَّلَاة فِي الرّحال، فَنظر بَعضهم إِلَى بعض كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا، فَقَالَ: إِنَّهَا عَزمَة. [15] الردغ: المَاء والطين. وَقَالَ أَبُو عبيد: الردغة بِفَتْح الرَّاء وَالدَّال وبالهاء: هِيَ المَاء والطين والوحل، وَجَمعهَا رداغ. [15] وَقَوله: إِنَّهَا عَزمَة. يَعْنِي صَلَاة الْجُمُعَة، وَلم تذكر، وَلَكِن قَوْله خَطَبنَا، قد دلّ عَلَيْهَا. [15] وَقَوله: كرهت أَن أحرجكم. أَي أضيق عَلَيْكُم. [15] والدحض: الزلق. يُقَال: مَكَان دحض: أَي زلق. 892 - / 1065 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع والثمانين: عَن أبي جَمْرَة الحديث: 891 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 قَالَ: كنت أترجم بَين ابْن عَبَّاس وَبَين النَّاس. [15] أما أَبُو جَمْرَة فَهُوَ بِالْجِيم الْمُعْجَمَة وَالرَّاء الْمُهْملَة، واسْمه نصر بن عمرَان الضبعِي. ويروي عَن ابْن عَبَّاس أَبُو حَمْزَة بِالْحَاء وَالزَّاي. قد ذكرنَا ذَلِك لِئَلَّا يشْتَبه. [15] وَقَوله: كنت أترجم: أَي أخبر النَّاس بقول ابْن عَبَّاس وَأخْبرهُ بقَوْلهمْ. [15] وقلوه: غير خزايا. الخزايا: جمع خزيان يُقَال: خزي الرجل يخزى خزاية: إِذا استحيا من فعل فعله على خلاف الصَّوَاب. الندامى جمع نادم، وَكَانَ الْقيَاس أَن يَقُول: وَلَا نادمين، وَلَكِن أخرجه على وزن الْكَلَام الأول وَهُوَ قَوْله خزايا، كَمَا قَالُوا: " إِنَّه ليَأْتِينَا بالغدايا والعشايا " يُرِيدُونَ غَدَاة، وَهِي تجمع على الغدوات، لكنه لما قرنه بالعشايا أخرجه على وَزنهَا. وَإِنَّمَا مدحهم بِهَذَا لأَنهم أَتَوا مُسلمين طَوْعًا، فَلم يصبهم حَرْب تؤذيهم، وَلَا سبي يخزيهم. [15] وَقَوله: أَتَيْنَا من شقة بعيدَة. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الشقة: السّفر. وَقَالَ الزّجاج: الشقة: الْغَايَة الَّتِي تقصد. [15] وَقَوله: فمرنا بِأَمْر فصل: أَي بَين وَاضح ينْفَصل بِهِ المُرَاد من غَيره ويرتفع الْإِشْكَال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 [15] وَقَوله " وَأَن تُؤَدُّوا الْخمس من الْمغنم " اعْلَم أَن أَرْبَعَة أَخْمَاس الْغَنِيمَة لأهل الْحَرْب خَاصَّة، وَأما الْخمس الْخَامِس فينقسم على خَمْسَة أسْهم: سهم للرسول، وَسَهْم لِذَوي الْقُرْبَى، وَسَهْم لِلْيَتَامَى، وَسَهْم للْمَسَاكِين، وَسَهْم لأبناء السَّبِيل. [15] وَقَوله: ونهاهم عَن الدُّبَّاء والحنتم. أَي عَن الانتباذ فِي هَذِه الْأَشْيَاء. والدباء الْقرعَة. والحنتم الحناتم: الجرار. والمزفت: الَّذِي قد طلي بالزفت: وَهُوَ القار. والنقير: أصل النَّخْلَة ينقر فيتخذ مِنْهَا مَا ينتبذ فِيهِ. وَإِنَّمَا نَهَاهُم عَن هَذِه الْأَوَانِي لِأَن الشَّرَاب قد يغلي فِيهَا وَيصير مُسكرا وَلَا يعلم بِهِ، لَا أَنَّهَا تحرم شَيْئا. وَكَذَلِكَ خلط البلح بالزهو يُوجب تعاونهما الاشتداد، وكل هَذِه الْأَشْيَاء مَكْرُوهَة مَا لم توجب اشتداداً، فَإِذا حدثت بهَا شدَّة حرمت. [15] وَقَوله للأشج. الْأَشَج لقب، واسْمه الْمُنْذر، وَقيل: قيس. [15] والأناة: التأني والتثبت وَترك العجلة إِلَى أَن يَتَّضِح الصَّوَاب. 893 - / 1066 - وَفِي الحَدِيث التسعين: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن الْمُتْعَة فَأمرنِي بهَا. [15] الْمُتْعَة هَاهُنَا مُتْعَة الْحَج، وَقد بيناها فِي مُسْند سعد. [15] وَالْهَدْي: مَا أهْدى إِلَى الْبَيْت، وَفِيه لُغَتَانِ: هدي بِإِسْكَان الدَّال، الحديث: 893 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 [15] وهدي بِكَسْرِهَا وَتَشْديد الْيَاء. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أَصله مشدد فَخفف وَإِنَّمَا يكون الْهَدْي من الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم. [15] وَقَوله: أَو شرك فِي دم. عندنَا أَنه لَا يجوز أَن يشْتَرك السَّبْعَة فِي الْبَدنَة وَالْبَقَرَة، سَوَاء كَانَ هديهم تَطَوّعا أَو وَاجِبا، وَسَوَاء اتّفقت جِهَات قربهم أَو اخْتلفت، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ بَعضهم مُتَطَوعا وَبَعْضهمْ عَن وَاجِب، أَو كَانَ بَعضهم متقربا وَبَعْضهمْ يُرِيد اللَّحْم، نَص على هَذَا أَحْمد، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانُوا متقربين صَحَّ الِاشْتِرَاك، وَإِن كَانَ بَعضهم يُرِيد اللَّحْم وَبَعْضهمْ يُرِيد الْقرْبَة لم يَصح الِاشْتِرَاك. وَقَالَ مَالك: لَا يَصح الِاشْتِرَاك فِي الْهَدْي الْوَاجِب، فَإِن كَانُوا متطوعين صَحَّ الِاشْتِرَاك. 894 - / 1067 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالتسْعين: كَانَت صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث عشرَة رَكْعَة. [15] الْإِشَارَة إِلَى قيام اللَّيْل. وَهَذِه الثَّلَاث عشرَة مِنْهُنَّ رَكْعَة الْوتر، وَهَذَا أَكثر مَا رُوِيَ فِي عدد الرَّكْعَات اللواتي كَانَ يصليهن بِاللَّيْلِ. وَسَيَأْتِي فِي الصَّحِيح عَن عَائِشَة أَنه كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل تسع رَكْعَات. وعنها: أَنه مَا كَانَ يزِيد على إِحْدَى عشرَة رَكْعَة. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَأكْثر مَا رُوِيَ عَنهُ ثَلَاث عشرَة مَعَ الْوتر. وَأَقل مَا نقل تسع رَكْعَات. قلت: وَسَيَأْتِي فِي مُسْند عَائِشَة أَنَّهَا سُئِلت عَن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحديث: 894 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 بِاللَّيْلِ، فَقَالَت: سبع، وتسع، وَإِحْدَى عشرَة. وَهَذَا غير مَا قَالَه التِّرْمِذِيّ. 895 - / 1068 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالتسْعين: طرف فِي ذكر إِسْلَام أبي ذَر. وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْنده. 896 - / 1069 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالتسْعين: فربا الرجل ربوة شَدِيدَة. [15] الربوة: تتَابع النَّفس، وَأَصله الانتفاخ. 897 - / 1070 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالتسْعين: نهى عَن بيع النّخل حَتَّى يَأْكُل مِنْهُ أَو يُؤْكَل، وَحَتَّى يُوزن. [15] الْوَزْن هَاهُنَا بِمَعْنى الحزر، وَهُوَ الْخرص، وَإِنَّمَا يخرص إِذا اشْتَدَّ وَصلح للْأَكْل، فَحِينَئِذٍ يُؤمن عَلَيْهِ العاهة غَالِبا. 898 - / 1071 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالتسْعين: قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم يسلفون فِي الثِّمَار السّنة والسنتين، فَقَالَ: " من أسلف فِي تمر فليسلف فِي كيل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم ". [15] السّلف: السّلم، وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَنه لَا يجوز إِلَى الْأَجَل الحديث: 895 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 الْمَجْهُول، كقدوم الْحَاج، وَوقت الْحَصاد، وَهَذَا لَيْسَ بِمَعْلُوم، فَإِنَّهُ قد يتَقَدَّم ويتأخر. وَقد دلّ الحَدِيث على جَوَاز السّلم فِي الشَّيْء الْمَعْدُوم حَال السّلم، خلافًا لأبي حنيفَة. 899 - / 1072 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: [15] لما طعن عمر جعل يألم، فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس - وَكَأَنَّهُ يجزعه: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَلَا كل ذَلِك. [15] يجزعه: يزِيل جزعه. وَمثله قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم} [سبأ: 23] أَي أزيل عَنْهَا الْفَزع. [15] وَقَوله: من أَجلك وَأجل أَصْحَابك. يَعْنِي الْإِمَارَة. [15] وطلاع الأَرْض: مَا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس. 900 - / 1073 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: صَلَاة الْخَوْف. [15] وَهِي تكون إِذا كَانَ الْعَدو فِي جِهَة الْقبْلَة، وَقد ذكرنَا فِي مُسْند سهل بن أبي حثْمَة تَقْسِيم صَلَاة الْخَوْف فأغنى عَن الْإِعَادَة. 901 - / 1074 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: وَكِتَابكُمْ تَقْرَءُونَهُ مَحْضا لم يشب. [15] الْمَحْض: الْخَالِص. والشوب: الَّذِي يخلط بِهِ غَيره. وَالْمعْنَى: لم يُبدل. الحديث: 899 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 902 - / 1075 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: كتب إِلَى قَيْصر: فَإِن توليت فَعَلَيْك إِثْم اليريسيين. [15] أما قَيْصر فقد تكلمنا على هَذَا الِاسْم فِي مُسْند جَابر بن سَمُرَة. [15] وَأما قَوْله: " إِثْم اليريسيين " فَكَذَا يرويهِ المحدثون: اليرسيين، بياء أولى وياءين فِي آخر الْكَلِمَة. قَالَ الْخطابِيّ: كَذَا رَوَاهُ البُخَارِيّ: اليريسيين. وَالْيَاء مبدلة فِيهِ عَن الْهمزَة، وَهُوَ فِي سَائِر الرِّوَايَات: الأريسيين. وَأما أهل اللُّغَة فَيَقُولُونَ: الأريسيين بياء وَاحِدَة غير مُشَدّدَة، وَهِي لُغَة شامية. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأريس: الأكار، وَيجمع الأريسين بتَخْفِيف، وَقد أرس يأرس أرسا: إِذا صَار أريسا. وَقَالَ لنا ابْن الخشاب: إِنَّمَا هُوَ الأريسين بتَشْديد الرَّاء وبياء وَاحِدَة بعد السِّين. وَالْمعْنَى: إِنَّك إِن لم تسلم كَانَ عَلَيْك إِثْم الزراعين والأجراء الَّذين هم أَتبَاع لَك وخدم. [15] فَإِن قيل: فَمَا وَجه كِتَابَته عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى قَيْصر وكسرى وَأمره مَعَ قومه مَا انبرم، فضلا عَن بَقِيَّة الْعَرَب؟ فقد أجَاب عَنهُ ابْن عقيل فَقَالَ: هَذَا يدل على أَنه كَانَ مدفوعا إِلَى الْكِتَابَة من جِهَة من إِلَيْهِ حفظ الْعَاقِبَة، وَإِلَّا فَذَاك لَا يصدر عَن رَأْي من لَهُ رَأْي، لكنه اطلع على العواقب، ووثق بالمرسل، وَهَذَا من أقوى الْأَدِلَّة على صدقه عَلَيْهِ السَّلَام. الحديث: 902 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 903 - / 1076 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بكتابه إِلَى كسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ مزقه، فحسبت أَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يمزقوا كل ممزق. [15] أما كسْرَى فقد تكلمنا فِي هَذَا الِاسْم فِي مُسْند عدي بن حَاتِم. وَقَوله: أَن يمزقوا: أَي يتفرق أَمرهم وَيَنْقَطِع ملكهم. 904 - / 1077 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: تقدمين على فرط صدق، على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعَلى أبي بكر. [15] الفرط: الْمُتَقَدّم، وَقد سبق بَيَانه فِي مَوَاضِع. وإضافته إِلَى الصدْق مدح لَهُ كَقَوْلِه: {أَن لَهُم قدم صدق} [يُونُس: 2] . [15] وَقَوله: وَهِي مغلوبة. أَي قد غلبها الْمَرَض فأضعفها عَن التَّصَرُّف. [15] وَقَوْلها: إِن اتَّقَيْت: تَعْنِي إِن خلصت لي التَّقْوَى فَمَا أُبَالِي بِالْمرضِ. [15] وللمفسرين فِي قَوْله: {نسيا منسيا} خَمْسَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن الْمَعْنى لَيْتَني لم أكن شَيْئا، رَوَاهُ الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: أَنه دم حَيْضَة ملقاة، قَالَه مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة، وَقَالَ الْفراء: المنسي: مَا تلقيه الْمَرْأَة من خرق اعتلالها. وَقَالَ ابْن الحديث: 903 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 الْأَنْبَارِي: هِيَ خرق الْحيض تلقيها فَلَا تذكرها وَلَا تطلبها. وَالثَّالِث: أَنه السقط، قَالَه أَبُو الْعَالِيَة وَالربيع. وَالرَّابِع: أَن الْمَعْنى: لَيْتَني لَا لَا يدرى من أَنا، قَالَه قَتَادَة. وَالْخَامِس: أَنه الشَّيْء التافه يرتحل عَنهُ الْقَوْم فيهون عَلَيْهِم، فَلَا يرجعُونَ إِلَيْهِ، قَالَه ابْن السَّائِب. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ مَا نسي من إداوة وعصي فَلَا يرجع إِلَيْهِ لاحتقار صَاحبه إِيَّاه. 905 - / 1078 وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " فسبحاني أَن أَتَّخِذ صَاحبه ". [15] أَي تنزهت عَمَّا يعاب. 906 - / 1079 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: " أبْغض النَّاس إِلَى الله ثَلَاثَة: ملحد فِي الْحرم، ومبتغ فِي الْإِسْلَام سنة جَاهِلِيَّة، ومطلب دم امرىء بِغَيْر حق ليهريق دَمه ". [15] الملحد: المائل عَن الاسْتقَامَة. وَفِي المُرَاد بالإلحاد فِي الْحرم خَمْسَة أَقْوَال: أَحدهمَا: أَنه الظُّلم، رَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس. وَقَالَ عمر بن الْخطاب: احتكار الطَّعَام بِمَكَّة إلحاد بظُلْم. وَقَالَ مُجَاهِد: هُوَ عمل سَيِّئَة. وَالثَّانِي: أَنه الشّرك، رَوَاهُ ابْن طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، وَبِه قَالَ الْحسن وَقَتَادَة. وَالثَّالِث: الشّرك وَالْقَتْل، قَالَه عَطاء. وَالرَّابِع: أَنه استحلال مَحْظُورَات الْإِحْرَام، رُوِيَ عَن عَطاء الحديث: 905 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 أَيْضا. وَالْخَامِس: استحلال الْحَرَام تعمدا، قَالَه ابْن جريج. [15] وَقَوله: " ومبتغ فِي الْإِسْلَام " المبتغي: الطَّالِب. وَالْمرَاد أَنه يعْمل وَهُوَ مُسلم بعادات الْجَاهِلِيَّة. [15] وَالْمطلب: الطَّالِب. ويهريق بِمَعْنى يريق. 907 - / 1081 وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: " كَأَنِّي بِهِ أسود أفحج يقلعها حجرا حجرا ". يَعْنِي الْكَعْبَة الفحج: تبَاعد مَا بَين الفخذين، يُقَال: رجل أفحج، وَامْرَأَة فحجاء، وَالْجمع فحج. وَهَذَا من نعوت الْحَبَشَة، وَكَذَلِكَ قَوْله: " يخرب الْكَعْبَة ذُو السويقتين من الْحَبَشَة " فَذكره بِلَفْظ التصغير، لِأَن فِي سوق الْحَبَشَة دقة وخموشة. [15] فَإِن قَالَ قَائِل: مَا السِّرّ فِي حراسة الْكَعْبَة من أَصْحَاب الْفِيل فِي الْجَاهِلِيَّة وَلم تحرس فِي الْإِسْلَام مِمَّا صنع بهَا الْحجَّاج والقرامطة حِين سلبوها ثِيَابهَا وقلعوا الْحجر، وَمِمَّا يصنع بهَا فِي آخر الزَّمَان؟ فَالْجَوَاب: أَن حبس الْفِيل كَانَ علما لنبوة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودليلا على نبوته، لِأَن أَهله كَانُوا عمار الْبَيْت وسكان الْوَادي، فصين ليعرفوا نعْمَة الَّذِي حفظه بِلَا قتال، فَلَمَّا ظهر نَبِي مِنْهُم تأكدت الْحجَّة عَلَيْهِم بالأدلة الَّتِي شوهدت بالبصر قبل الْأَدِلَّة الَّتِي ترى بالبصائر، وَكَانَ حكم الْحس غَالِبا على الْقَوْم، فأروا آيَة تدل على وجود النَّاصِر. وَلَيْسَ لقَائِل أَن يَقُول: فقد كَانُوا يقرونَ بالإله؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَار من جِهَة أَن مدعي الحديث: 907 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 الشَّرِيك مَعَ الْقوي الْقَادِر لَا يعرف الْقَادِر، فَلَمَّا ظهر الدّين وقويت حججه كَانَ مَا جرى وَيجْرِي على الْكَعْبَة ابتلاء لِلْخلقِ، كَمَا سلط الْكفَّار على الْأَنْبِيَاء لينْظر إِيمَان الْمُؤمنِينَ، هَل يثبت أَو يتزلزل. 908 - / 1082 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: أَن نَفرا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مروا بِمَاء فيهم لديغ أَو سليم. [15] السَّلِيم: اللديغ. وَفِي تَسْمِيَته بذلك قَولَانِ: أَحدهمَا التفاؤل بالسلامة. وَالثَّانِي: أَنه أسلم لما بِهِ. [15] وَقَوله: فَإِن فِي المَاء. أَي فِي النازلين على المَاء. [15] وَقَوله: على شَاءَ. الْمَعْنى: أَنه لم يقْرَأ حَتَّى ضمنت لَهُ الشَّاء. وَهَذَا الحَدِيث يحْتَج بِهِ من يرى جَوَاز أَخذ الْأُجْرَة على الْقرب كالأذان وَالصَّلَاة وَتَعْلِيم الْقُرْآن وَغير ذَلِك، وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَعند أبي حنيفَة لَا يجوز ذَلِك، وَهُوَ الْمَنْصُور من الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد. وعَلى هَذَا يكون تَأْوِيل الحَدِيث على أحد وَجْهَيْن: إِمَّا أَن يَكُونُوا لكَوْنهم نزلُوا بهم فَمَا أضافوهم، فاستجازوا أَخذ ذَلِك، لِأَن للضيف حَقًا، وَسَيَأْتِي هَذَا فِي مُسْند عقبَة بن عَامر. [15] وَيَأْتِي فِي مُسْند أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنهم استضافوهم فَلم يضيفوهم، وَأَنَّهُمْ استباحوا أَخذ الْأُجْرَة لكَوْنهم كفَّارًا، وَجعلُوا الرّقية حجَّة. الحديث: 908 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 909 - / 1083 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: قَالَ ابْن عَبَّاس: أَلا تعْجبُونَ لِابْنِ الزبير قَامَ فِي أمره هَذَا فَقلت: لأحاسبن نَفسِي لَهُ حسابا مَا حاسبته لأبي بكر وَعمر. [15] الْمَعْنى: لأناقشن نَفسِي فِي معونته والذب عَنهُ. [15] وَقَوله: ابْن عمَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. عمَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَاهُنَا المُرَاد بهَا صَفِيَّة، فَإِن عبد الله بن الزبير ابْن ابْنهَا فنسبه إِلَيْهَا. وَإِنَّمَا قَالَ: ابْن أبي بكر، لِأَنَّهُ ابْن أَسمَاء بنت أبي بكر. وَإِنَّمَا قَالَ: ابْن أخي خَدِيجَة لِأَن الْعَوام وَخَدِيجَة ابْنا خويلد بن أَسد بن عبد الْعُزَّى، وَهُوَ ابْن أَخِيهَا، فأضافه إِلَى جده. [15] وَقَوله: وَأَبوهُ حوارِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي ناصره. [15] وَقَوله: ذَات النطاق، سَيَأْتِي شَرحه فِي مُسْند عَائِشَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. [15] وَقَوله: يتعالى عَليّ: أَي يترفع عَليّ. ويربيني: أَي يكون رَبًّا عَليّ وأميرا. [15] وَقَوله: بَنو عمي يُرِيد أَن عبد الْملك من بني عبد شمس، وَعبد شمس أَخُو هَاشم. [15] وَقَوله: كتب بني أُميَّة محلين. أَي محلين مَا حرم الله، يَعْنِي مستبيحين الْقِتَال فِي الْحرم. الحديث: 909 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 [15] وَقَوله: فآثر التويتات والأسامات والحميدات. يَعْنِي قوما من بني أَسد بن عبد الْعُزَّى، من قرَابَته، فَكَأَنَّهُ صغرهم وحقرهم. فتويت وَحميد وَأُسَامَة من بني عبد الْعُزَّى. [15] وَقَوله: برز يمشي القدمية. قَالَ أَبُو عبيد: يَعْنِي: المتبختر، وَإِنَّمَا هَذَا مثل، وَلم يرد بِهِ الْمَشْي بِعَيْنِه، وَلكنه أَرَادَ بِهِ: ركب معالي الْأُمُور وسعى فِيهَا وَعمل بهَا. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُقَال: مَشى فلَان القدمية واليقدمية: أَي تقدم بهمته وأفعاله. [15] وَقَوله: لوى بِذَنبِهِ، يَعْنِي ابْن الزبير، أَي أَنه لم يبرز للمعروف ويبدي لَهُ صفحته، وَلكنه راغ عَن ذَلِك وَتَنَحَّى. 910 - / 1085 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: قَالَ ابْن عَبَّاس: {حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل وظنوا أَنهم قد كذبُوا} [يُوسُف: 110] ذهب بهَا هُنَاكَ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى السَّمَاء، فَبلغ هَذَا عَائِشَة فَقَالَت: معَاذ الله، مَا وعد الله وَرَسُوله من شَيْء قطّ إِلَّا علم أَنه كَائِن قبل أَن يَمُوت، وَلَكِن لم يزل الْبلَاء بالرسل حَتَّى خَافُوا أَن يكون من مَعَهم يكذبونهم، وَكَانَت تقْرَأ: {كذبُوا} مُشَدّدَة. [15] وَأما قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل} فَمَعْنَاه: يئسوا من تَصْدِيق قَومهمْ. [15] وَأما {كذبُوا} فَقَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر بِالتَّشْدِيدِ، وعَلى هَذِه الْقِرَاءَة فِي الظَّن قَولَانِ: أَحدهَا: أَنه بِمَعْنى التَّرَدُّد فِي الحديث: 910 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 الشَّيْء، فَيكون الْمَعْنى: ظن الرُّسُل لقُوَّة الْبلَاء وَتَأْخِير النَّصْر أَن قَومهمْ الْمُؤمنِينَ قد كذبوهم بِمَا وعدوا بِهِ من النَّصْر حَتَّى استيأس الرُّسُل مِمَّن كذبهمْ من قَومهمْ، وظنوا أَن أتباعهم قد كذبوهم. وَهَذَا الَّذِي أشارت إِلَيْهِ عَائِشَة هُوَ فقه مِنْهَا وَفهم، ويبينه قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَقُول الرَّسُول وَالَّذين آمنُوا مَعَه مَتى نصر الله} فَيَقُول الرَّسُول: {أَلا إِن نصر الله قريب} [الْبَقَرَة: 214] . وَالثَّانِي: أَن الظَّن بِمَعْنى الْيَقِين، كَقَوْلِه تَعَالَى: {الَّذين يظنون أَنهم ملاقوا رَبهم} [الْبَقَرَة: 46] {إِنِّي ظَنَنْت أَنِّي ملاق حسابيه} [الحاقة: 20] فَيكون الْمَعْنى: تَيَقّن الرُّسُل أَن قَومهمْ الْكفَّار قد كذبوهم. وَهَذَا قَول الْحسن وَعَطَاء وَقَتَادَة. [15] وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {كذبُوا} خَفِيفَة، فَيكون الظَّن هَاهُنَا بِمَعْنى الشَّك والتردد، وَيكون فِي الْمَعْنى قَولَانِ: أَحدهمَا مَا حكيناه عَن ابْن عَبَّاس، وَقد فسره أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ فَقَالَ: يحْتَمل أَن يُقَال: إِن الرُّسُل عِنْد امتداد الْبلَاء وإبطاء النَّصْر دخلتهم الرِّيبَة حَتَّى توهموا أَن مَا جَاءَهُم من الْوَحْي كَانَ حسبانا مِنْهُم ووهما، فارتابوا بِأَنْفسِهِم وظنوا عَلَيْهَا الْغَلَط، كَقَوْلِك: كذب سَمْعِي وبصري. وَقد كَانَ نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بداية الْوَحْي يرتاب بِنَفسِهِ، ويشفق أَن يكون [الَّذِي] يتراءاه أمرا غير موثوق بِهِ، إِلَى أَن ثَبت الله عز وَجل قلبه، وَسكن كَذَلِك جأشه، ومرجع الْأَمر أَن الرِّيبَة ترجع إِلَى الوسائط الَّتِي هِيَ مُقَدمَات الْوَحْي لَا إِلَى الْوَحْي. قلت: وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 قَالَ يَوْمًا: " اللَّهُمَّ أَرِنِي آيَة لَا أُبَالِي من كَذبَنِي بعْدهَا " فقد كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يطْلب قُوَّة الدَّلِيل على مَا هُوَ فِيهِ. وَالْقَوْل الثَّانِي: ظن قَومهمْ أَن الرُّسُل قد كذبُوا فِيمَا وعدوا بِهِ من النَّصْر. [15] وَقَرَأَ أَبُو رزين وَمُجاهد وَالضَّحَّاك: {كذبُوا} بِفَتْح الذَّال وَالْكَاف، وَالْمعْنَى: ظن قَومهمْ أَيْضا أَنهم قد كذبُوا. [15] وَمَا ذهبت إِلَيْهِ عَائِشَة عَلَيْهَا السَّلَام أصح وَأقوى، لِأَن مَا ثَبت عِنْد الْأَنْبِيَاء ثَبت بالبرهان، وَحصل بِهِ الْيَقِين، وَالْيَقِين لَا يقبل التَّرَدُّد. 911 - / 1086 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فِي الْعَسَل، والحجم الشِّفَاء ". [15] وَقَالَ ابْن عَبَّاس: " الشِّفَاء فِي ثَلَاثَة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نَار، وَأَنا أنهى أمتِي عَن الكي " وَرفع الحَدِيث. [15] هَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة قد تَضَمَّنت أصُول الْأَدْوِيَة، وَالَّذِي كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُشِير إِلَيْهِ فِي الطِّبّ يَنْقَسِم إِلَى مَا عرفه من طَرِيق الْوَحْي، وَإِلَى مَا عرفه من عادات الْعَرَب، وَإِلَى مَا يُرَاد مِنْهُ التَّبَرُّك، كالاستشفاء بِالْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا نهى عَن الكي لمشقته. وَقد تكلما على ذَلِك فِي مُسْند الحديث: 911 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 عمرَان بن حُصَيْن. 912 - / 1087 وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا يطوف بِالْكَعْبَةِ بزمام أَو غَيره، فَقَطعه. الزِّمَام للناقة كالرسن للدابة. [15] والخزامة: حَلقَة من شعر تجْعَل فِي أحد جَانِبي المنخرين. [15] وَقد تضمن هَذَا الحَدِيث النَّهْي عَن الابتداع فِي الدّين وَإِن قصدت بِهِ الطَّاعَة. 913 - / 1088 وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن قَوْله: {لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] قَالَ سعيد ابْن جُبَير: قربى آل مُحَمَّد. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: عجلت. إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن بطن من قُرَيْش إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهِ قرَابَة، فَقَالَ: إِلَّا أَن تصلوا مَا بيني وَبَيْنكُم من الْقَرَابَة. [15] اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن الْمُشْركين كَانُوا يُؤْذونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة، فَنزلت. وَالثَّانِي: أَنه لما قدم الْمَدِينَة كَانَت تنوبه نَوَائِب، وَلَيْسَ فِي يَده سَعَة، فَجمعت لَهُ الْأَنْصَار مَالا وأتوه بِهِ، فَنزلت، وَالْقَوْلَان عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّالِث: أَن الْمُشْركين قَالُوا بَينهم: أَتَرَوْنَ مُحَمَّدًا يسْأَل عَمَّا يتعاطاه أجرا، فَنزلت، قَالَه قَتَادَة. الحديث: 912 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 وَالْهَاء فِي (عَلَيْهِ) كِنَايَة عَمَّا جَاءَ بِهِ من الْهدى. [15] وَفِي الِاسْتِثْنَاء قَولَانِ: أَحدهمَا: من الْجِنْس، فَيكون على هَذَا سَائِلًا أجرا. وَقد أَشَارَ إِلَى هَذَا الْمَعْنى ابْن عَبَّاس فِيمَا رَوَاهُ عَن الضَّحَّاك، ثمَّ قَالَ: نسخت بقوله: {قل مَا سألتكم من أجر فَهُوَ لكم إِن أجري إِلَّا على الله وَهُوَ على كل شَيْء شَهِيد} [سبأ: 47] وَهَذَا مَذْهَب مقَاتل. وَالثَّانِي: أَنه اسْتثِْنَاء مُنْقَطع، لِأَن الْأَنْبِيَاء لَا يسْأَلُون عَن تبليغهم أجرا، وَإِنَّمَا الْمَعْنى: لكني أذكركم الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى، رَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ اخْتِيَار الْمُحَقِّقين فَلَا يتَوَجَّه النّسخ أصلا. [15] وَفِي المُرَاد بالقربى خَمْسَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن معنى الْكَلَام إِلَّا أَن تودوني لقرابتي مِنْكُم. وَلم يكن بطن من قُرَيْش إِلَّا وَله فيهم قرَابَة، وَهَذَا مَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس، وَبِه قَالَ الْأَكْثَرُونَ. وَالثَّانِي: إِن الْمَعْنى: إِلَّا أَن تودوا قَرَابَتي، قَالَه على بن الْحُسَيْن وَسَعِيد بن جُبَير وَالسُّديّ. وَالثَّالِث: أَن الْمَعْنى: إِلَّا أَن تودوا إِلَى الله تَعَالَى بِمَا يقربكم إِلَيْهِ من الْعَمَل، قَالَه الْحسن وَقَتَادَة. وَالرَّابِع: إِلَّا أَن تودوني كَمَا تودون قرابتكم، قَالَه ابْن زيد. وَالْخَامِس: إِلَّا أَن تودوا قرابتكم وتصلوا أَرْحَامكُم. حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ، وَالْأول أصح. 914 - / 1089 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: قَالَ ابْن عَبَّاس: ثَلَاث من خلال الْجَاهِلِيَّة: الطعْن فِي الْأَنْسَاب، والنياحة، وَنسي الرَّاوِي الثَّالِثَة. قَالَ سُفْيَان: وَيَقُولُونَ: إِنَّهَا الاسْتِسْقَاء بالأنواء. الحديث: 914 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 [15] أما الطعْن فِي الْأَنْسَاب فَهُوَ نوع (الْقَذْف، وَأما النِّيَاحَة فتجمع بَين الاستغاثة على الْقدر وَالْكذب فِي ذكر محَاسِن الْمَيِّت، وَإِظْهَار الْجزع والحث عَلَيْهِ. وَأما الاسْتِسْقَاء بالأنواء فقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند زيد ابْن خَالِد الْجُهَنِيّ. 915 - / 1090 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَيْت فَوجدَ فِيهِ صُورَة إِبْرَاهِيم وَصُورَة مَرْيَم، فَقَالَ: " أما هم فقد سمعُوا أَن الْمَلَائِكَة لَا تدخل بَيْتا فِيهِ صُورَة. هَذَا إِبْرَاهِيم مُصَور فَمَاله يستقسم ". [15] قد ذكرنَا فِي هَذَا الحَدِيث لفظين: أَحدهمَا يدل على أَنهم صوروا هَذِه الصُّور فِي حيطان الْبَيْت، وَهُوَ قَوْله: فَأمر بهَا فمحيت. وَاللَّفْظ الثَّانِي: يحْتَمل أَن يَكُونُوا صوروا لَهَا كِتَابَة كَمَا يصور الجص، وَيحْتَمل أَن يَكُونُوا جعلوها على هَيْئَة الْأَصْنَام مُفْردَة، وَهُوَ قَوْله: فأخرجوا صُورَة إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل فِي أَيْدِيهِمَا الأزلام. [15] والاستقسام: طلب علم مَا قسم للمستقسم، وَكَانَت الْجَاهِلِيَّة تستقسم بالأزلام. وَقد فسرنا الأزلام فِي مُسْند سعد بن أبي وَقاص. [15] وَفِي قَوْله: " قَاتلهم الله " ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: لعنهم الله، قَالَه ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: قَتلهمْ، قَالَه أَبُو عُبَيْدَة. وَالثَّالِث: عاداهم الله، ذكره ابْن الْأَنْبَارِي. الحديث: 915 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 [15] وَقَوله: لم يصل فِيهِ. مَحْمُول على أول دُخُوله إِلَيْهِ، وَإِلَّا فقد ثَبت أَنه صلى فِي الْبَيْت. 916 - / 1091 وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: قَالَ ابْن عَبَّاس: لَيْسَ السَّعْي بِبَطن الْوَادي بَين الصَّفَا والمروة سنة، إِنَّمَا كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ: لَا نجيز الْبَطْحَاء إِلَّا شدا. [15] قَالَ الزّجاج: الصَّفَا فِي اللُّغَة: الْحِجَارَة الصلبة الصلدة الَّتِي لَا تنْبت شَيْئا، وَهُوَ جمع واحده صفاة. والمرة: الْحِجَارَة اللينة وهما جبلان معروفان. [15] والبطحاء: مَكَان متسع. [15] والشد: الْعَدو. [15] وَفِي السَّعْي عَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات: إِحْدَاهُنَّ: أَنه ركن فِي الْحَج، لَا يَنُوب عَنهُ الدَّم، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَالثَّانيَِة: أَنه لَيْسَ بِرُكْن، فَيجب بِتَرْكِهِ دم، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. وَالثَّالِثَة: أَنه تطوع، نقلهَا الْمَيْمُونِيّ. وَهَذَا الحَدِيث يدل عَلَيْهَا. 917 - / 1092 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين: انْطلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمَدِينَة بَعْدَمَا ترجل وادهن. الحديث: 916 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 [15] التَّرَجُّل: تَسْرِيح الشّعْر. [15] والمزعفرة: الَّتِي تشبع بالزعفران. [15] وَقَوله: الَّتِي تردغ على الْجلد. كَذَا وَقع، وَصَوَابه: تردغ الْجلد: أَي تصبغه، وينفض صبغها عَلَيْهِ. وأصل الردغ فِي هَذَا الصَّبْغ والتأثير، وَيُقَال: ثوب رديغ: أَي مصبوغ، وردغه بالزعفران صبغه. [15] وَقَوله: أهل. الإهلال رفع الصَّوْت بالتلبيه. 918 - / 1093 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: قَالَ ابْن عَبَّاس: يطوف الرجل بِالْبَيْتِ مَا كَانَ حَلَالا حَتَّى يهل بِالْحَجِّ، فَإِذا ركب إِلَى عَرَفَة فَمن تيَسّر لَهُ هَدْيه من الْإِبِل أَو الْبَقر أَو الْغنم، فَمَا تيَسّر لَهُ من ذَلِك. [15] إِنَّمَا أَشَارَ بِهَذَا إِلَى الْمُتَمَتّع، فَإِنَّهُ إِذا قضى عمرته طَاف مَا شَاءَ، فَإِذا أهل بِالْحَجِّ فَعَلَيهِ مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي. 919 - / 1094 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث أَبَا بكر على الْحَج يخبر النَّاس بمناسكهم، ويبلغهم عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَتَوا عَرَفَة من قبل ذِي الْمجَاز، فَلم يقرب الْكَعْبَة، الحديث: 918 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 وَلَكِن شمر إِلَى ذِي الْمجَاز، وَذَلِكَ أَنهم: اسْتَمْتعُوا بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج. [15] هَذَا الحَدِيث كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى أَن أَبَا بكر ابْتِدَاء بِمَوْسِم عَرَفَة لينادي ب " بَرَاءَة " وَيَقُول: لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك. [15] 920 / 1095 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: قلت لِابْنِ عَبَّاس: اسجد فِي (ص) ؟ فَقَرَأَ: {فبهداهم اقتده} [الْأَنْعَام:] وَفِي لفظ: لَيست من عزائم السُّجُود، وَقد رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْجد فِيهَا. [15] اخْتلف الْفُقَهَاء فِي هَذِه السَّجْدَة، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك هِيَ من سُجُود التِّلَاوَة وَقَالَ الشَّافِعِي: لَيست بِسَجْدَة، وَعَن أَحْمد كالمذهبين، والمنصور مِنْهُمَا كَقَوْل الشَّافِعِي. 921 - / 1096 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل الْقصاص، وَلم تكن فيهم الدِّيَة. [15] قد فسر هَذَا سعيد بن جُبَير فَقَالَ: كَانَ حكم الله على أهل التَّوْرَاة أَن يقتل قَاتل الْعمد وَلَا يُعْفَى عَنهُ وَلَا يُؤْخَذ مِنْهُ دِيَة، فَرخص الله لأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن شَاءَ الْمَقْتُول عمدا قتل، وَإِن شَاءَ عَفا، وَإِن شَاءَ أَخذ الدِّيَة. الحديث: 921 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 رنمة الشَّاة. [15] اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي العتل على سَبْعَة أَقْوَال: أَحدهَا أَنه العاتي الشَّديد الْمُنَافِق، قَالَه ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: المتوفر الْجِسْم، قَالَه الْحسن. وَالثَّالِث: الشَّديد الأشر، قَالَه مُجَاهِد. وَالرَّابِع: الْقوي فِي كفره، قَالَه عِكْرِمَة. وَالْخَامِس: الأكول الشروب الْقوي الشَّديد، قَالَه عبيد بن عُمَيْر. وَالسَّادِس: الشَّديد الْخُصُومَة بِالْبَاطِلِ، قَالَه الْفراء. وَالسَّابِع: الغليظ الجافي، قَالَه ابْن قُتَيْبَة. [15] وَفِي الزنيم أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه الدعي فِي قُرَيْش وَلَيْسَ مِنْهُم، رَوَاهُ عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، وَهَذَا مَعْرُوف فِي اللُّغَة أَن الزنيم هُوَ الملصق فِي الْقَوْم وَلَيْسَ مِنْهُم، وَبِه قَالَ الْفراء وَأَبُو عُبَيْدَة وَابْن قُتَيْبَة. قَالَ حسان: (وَأَنت زنيم نيط فِي آل هَاشم ... كَمَا نيط خلف الرَّاكِب الْقدح الْفَرد) [15] وَالثَّانِي: أَنه الَّذِي يعرف بِالشَّرِّ كَمَا تعرف الشَّاة بزنمتها، رَوَاهُ سعيد ابْن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّالِث: أَنه الَّذِي لَهُ زنمة مثل زنمة الشَّاة، قَالَه ابْن عَبَّاس، نعت فَلم يعرف حَتَّى قيل لَهُ زنيم فَعرف، وَكَانَت لَهُ زنمة فِي عُنُقه يعرف بهَا، قَالَ الزّجاج: والزنمتان المعلقتان عِنْد حلق المعزى. وَالرَّابِع: انه الظلوم، رَوَاهُ الْوَالِبِي عَن ابْن عَبَّاس. [15] وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الْمَوْصُوف بِهَذِهِ الصّفة على ثَلَاثَة أَقْوَال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 أَحدهَا: أَنه الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، قَالَه ابْن عَبَّاس. وَمُقَاتِل وَالْجُمْهُور. قَالَ ابْن عَبَّاس: لَا نعلم أَن الله تَعَالَى بلغ من ذكر عُيُوب أحد مَا بلغه من ذكر عُيُوب الْوَلِيد، لِأَنَّهُ وصف بِالْحلف والمهانة وَالْعَيْب للنَّاس وَالْمَشْي بالنميمة وَالْبخل وَالظُّلم وَالْإِثْم والجفاء والدعوة، فَألْحق بِهِ عارا لَا يُفَارِقهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. وَالثَّانِي: أَنه الْأَخْنَس بن شريق، قَالَه عَطاء وَالسُّديّ. وَالثَّالِث: أَنه الْأسود بن عبد يَغُوث. قَالَه مُجَاهِد. 923 - / 1099 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين: {لتركبن طبقًا عَن طبق} [الانشقاق: 19] حَالا بعد حَال. قَالَ: هَذَا نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله. [15] اعْلَم أَن الْقُرَّاء اخْتلفُوا فِي قِرَاءَة {لتركبن} فَقَرَأَ ابْن كثير وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ بِفَتْح التَّاء وَالْبَاء، وَفِي الْمَعْنى قَولَانِ: أَحدهمَا: لتركبن سَمَاء بعد سَمَاء، قَالَه ابْن مَسْعُود وَالشعْبِيّ وَمُجاهد. وَالثَّانِي: لتركبن حَالا بعد حَال، قَالَه ابْن عَبَّاس. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الْإِشَارَة إِلَى السَّمَاء، وَالْمعْنَى أَنَّهَا تَتَغَيَّر ضروبا من التَّغْيِير، فَتَارَة كَالْمهْلِ، وَتارَة كالدهان، رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود أَيْضا. [15] وَقَرَأَ نَافِع وَعَاصِم وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {لتركبن} بِفَتْح التَّاء وَضم الْبَاء، وَهُوَ خطاب لجَمِيع النَّاس، وَمَعْنَاهُ: لتركبن حَالا بعد حَال، ثمَّ الحديث: 923 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 فِي معنى الْكَلَام خَمْسَة أَقْوَال: أَحدهَا: الشدائد والأهوال، ثمَّ الْمَوْت، ثمَّ الْبَعْث، ثمَّ الْعرض، قَالَه ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: أَنه الرخَاء بعد الشدَّة والشدة بعد الرخَاء، والغنى بعد الْفقر والفقر بعد الْغنى، وَالصِّحَّة بعد السقم والسقم بعد الصِّحَّة قَالَه الْحسن. وَالثَّالِث: أَنه كَون الْإِنْسَان رضيعا، ثمَّ فطيما، ثمَّ غُلَاما، ثمَّ شَابًّا، ثمَّ شَيخا، قَالَه عِكْرِمَة. وَالرَّابِع: أَنه تَغْيِير حَال الْإِنْسَان فِي الْآخِرَة بعد الدُّنْيَا، فيرتفع من كَانَ وضيعا، ويتضع من كَانَ رفيعا، قَالَه سعيد ابْن جُبَير. وَالْخَامِس: أَنه ركُوب سنَن من كَانَ قبلهم من الْأَوَّلين، قَالَه أَبُو عُبَيْدَة. [15] وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود وَأَبُو الجوزاء وَأَبُو الْأَشْهب {ليركبن} بِالْيَاءِ وَنصب الْبَاء، وَقَرَأَ أَبُو المتَوَكل وَأَبُو عمرَان وَابْن يعمر {ليركبن} بِالْيَاءِ وَرفع الْبَاء. [15] فَأَما (عَن) فَهِيَ بِمَعْنى بعد فِي قَول عَامَّة الْمُفَسّرين واللغويين. 924 - / 1100 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: {إِن شَرّ الدَّوَابّ عِنْد الله الصم الْبكم} [الْأَنْفَال: 22] قَالَ: هم نفر من بني عبد الدَّار. [15] الدَّوَابّ: اسْم لكل حَيَوَان يدب. [15] والصم: جمع أَصمّ، والصمم: انسداد منافذ السّمع، وَهُوَ أَشد من الطرش. والبكم جمع أبكم: وَهُوَ الْأَخْرَس. وَهَذِه الْآيَة نزلت فِي نفر من بني عبد الدَّار بن قصي، وَمَا كَانَ الْقَوْم صمًّا وَلَا بكما حَقِيقَة، وَلَكنهُمْ لما أَعرضُوا عَن سَماع مَا يهْدِيهم والتكلم بِمَا يَنْفَعهُمْ الحديث: 924 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 كَانُوا كالصم الْبكم. 925 - / 1102 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعمت الله كفرا} [إِبْرَاهِيم: 28] هم قُرَيْش. [15] هَذِه النِّعْمَة أَن الله عز وَجل تفضل عَلَيْهِم بِأَن أسكنهم حرمه، وَبعث إِلَيْهِم رَسُولا من أنفسهم، فَأوجب عَلَيْهِم بذلك الشُّكْر، وَأول مقامات الشُّكْر الطَّاعَة، فبدلوا الشُّكْر كفرا، ودعوا قَومهمْ إِلَى الْكفْر، فَذَلِك قَوْله: {وَأَحلُّوا قَومهمْ دَار الْبَوَار} يَعْنِي دَار الْهَلَاك، ثمَّ فسر الدَّار بقوله: {جَهَنَّم} وَإِنَّمَا أحلوهم النَّار يَوْم بدر، لأَنهم لما قتلوا يَوْمئِذٍ على الْكفْر دخلُوا عقيب الْقَتْل النَّار. 926 - / 1103 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ: أَنه كَانَت سُكْنى الْحول للمتوفى عَنْهَا زَوجهَا وَاجِبَة لقَوْله: {غير إِخْرَاج} [الْبَقر: 240] . [15] اعْلَم أَن هَذَا مِمَّا نسخ، كَقَوْلِه: كَانَ على الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا أَن تَعْتَد سنة وَالنَّفقَة عَلَيْهَا من مَاله، فنسخت السّنة بأَرْبعَة اشهر وَعشر، وَالنَّفقَة بِالْمِيرَاثِ. 927 - / 1104 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ: قَرَأَ ابْن عَبَّاس {وعَلى الَّذين يطوقونه فديَة} [الْبَقَرَة: 184] قَالَ: لَيست بمنسوخة؛ هِيَ الحديث: 925 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 للشَّيْخ الْكَبِير وَالْمَرْأَة الْكَبِيرَة لَا يستطيعان أَن يصوما ويطعمان عَن كل يَوْم مِسْكينا. [15] معنى يطوقونه: يحملونه وَيُكَلِّفُونَهُ وَلَيْسوا مطيقين لَهُ، فَهَؤُلَاءِ يطْعمُون وَلَا يَصُومُونَ. 928 - / 1109 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ: {يغلبوا مِائَتَيْنِ} [الْأَنْفَال: 65] . [15] لفظ هَذَا الْكَلَام لفظ الْخَبَر وَمَعْنَاهُ الْأَمر، وَالْمرَاد: يقاتلوا مِائَتَيْنِ، فَفرض على الرجل أَن يثبت لِرجلَيْنِ، فَإِن زادوا جَازَ لَهُ الْفِرَار. 929 - / 1110 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ: {أَلا إِنَّهُم يثنون صُدُورهمْ} [هود: 5] فَسَأَلته عَنْهَا، قَالَ: كَانَ النَّاس يستحيون أَن يتخلوا فيفضوا إِلَى السَّمَاء أَبُو يجامعوا نِسَاءَهُمْ فيفضوا إِلَى السَّمَاء فَنزل ذَلِك فيهم. [15] اعْلَم أَن الْمُفَسّرين اخْتلفُوا فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة على خَمْسَة أَقْوَال: أَحدهَا: مَا ذَكرْنَاهُ عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: أَنَّهَا نزلت فِي الْأَخْنَس بن شريق كَانَ يُجَالس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيحلف أَنه يُحِبهُ، ويضمر خلاف مَا يظْهر لَهُ، رَوَاهُ أَبُو صَالح عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّالِث: أَنَّهَا نزلت فِي بعض الْمُنَافِقين، كَانَ إِذا مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثنى صَدره وظهره وطأطأ رَأسه وغطى وَجهه كَيْلا يرَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَه عبد الله بن شَدَّاد. وَالرَّابِع: أَن طَائِفَة من الْمُشْركين قَالُوا: إِذا غلقنا الحديث: 928 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 أبوابنا وأرخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عَدَاوَة مُحَمَّد، كَيفَ يعلم بِنَا، فَأخْبر الله تَعَالَى عَمَّا كتموه، ذكره الزّجاج. وَالْخَامِس: أَنَّهَا نزلت فِي قوم كَانُوا لشدَّة عداوتهم لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سمعُوا مِنْهُ الْقُرْآن حنوا صُدُورهمْ ونكسوا رؤوسهم وتغشوا ثِيَابهمْ ليبعد عَنْهُم صَوت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا يدْخل أسماعهم شَيْء من الْقُرْآن، ذكره ابْن الْأَنْبَارِي. [15] وَمعنى يثنون: يعطفون ويطوون. ولماذا كَانُوا يثنونها؟ فِيهِ خَمْسَة أَقْوَال: أَحدهَا: حَيَاء من الله، وَهُوَ يخرج على مَا فِي هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: أَنهم كَانُوا يثنونها على عَدَاوَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَه أَبُو صَالح عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّالِث: على الْكفْر، قَالَه مُجَاهِد. وَالرَّابِع: لِئَلَّا ليستمعوا كتاب الله، قَالَه قَتَادَة. وَالْخَامِس: إِذا ناجى بَعضهم بَعْضًا فِي أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَه ابْن زيد. [15] فَأَما قِرَاءَة ابْن عَبَّاس (يثنوني) على " يفعوعل " فَهُوَ فعل للمصدر، وَمَعْنَاهُ. [15] الْمُبَالغَة فِي تثني الصُّدُور، كَمَا تَقول الْعَرَب: احلولي الشي يحلولي: إِذا بالغوا فِي وَصفه بالحلاوة، قَالَ عنترة: (أَلا قَاتل الله الطلول البواليا ... وَقَاتل ذكرا كالسفين الخواليا) (وقولك للشَّيْء الَّذِي لَا تناله ... إِذا مَا هُوَ احلولي: أَلا لَيْت ذَا ليا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 930 - / 1111 وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين: قَالَ سعيد بن جُبَير: سلوني، فَإِنِّي قد أوشكت أَن أذهب. وَحدث عَن ابْن عَبَّاس: أول مَا اتخذ النِّسَاء الْمنطق من قبل أم إِسْمَاعِيل، اتَّخذت منطقا لتعفي أَثَرهَا على سارة. [15] وَقَوله: أوشكت أَن أذهب: أَي قربت من الْمَوْت. والوشيك: الْقَرِيب. [15] والمنطق: كل شَيْء شددت بِهِ وسطك، وَجمعه مناطق، وَهُوَ للنِّسَاء، ثوب يشددنه على الحقو. [15] وَمعنى: لتعفي أَثَرهَا: أَي تسحب طرف ذَلِك الثَّوْب على التُّرَاب فتمحو أثر خطواتها. وَهَذَا فعلته لما كَانَت عِنْدهَا. وَسبب ذَلِك أَن الْوَلَد كَانَ أَبْطَأَ على سارة، فَوهبت هَاجر لإِبْرَاهِيم، فَلَمَّا رزق مِنْهَا إِسْمَاعِيل غارت وَقَالَت: لَا تساكنيني فِي بلد، فَكَانَت هَاجر تقصد أَن تخفى على سارة، واتخذت الْمنطق، ثمَّ خرج بهَا إِبْرَاهِيم وبابنها وَهُوَ رَضِيع. [15] والدوحة: الشَّجَرَة الْعَظِيمَة. [15] والسقاء: إهَاب فِيهِ مَاء. [15] والشنة: الْقرْبَة الْخلقَة. [15] وقفى بِمَعْنى ولى وَذهب. [15] والبنية: مَوضِع الْبَيْت. الحديث: 930 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 [15] وَقَوله: واستقبل بِوَجْهِهِ الْبَيْت، لِأَن الْبَيْت لم يكن حِينَئِذٍ قد بني. [15] وَقَوله: يتلوى. التلوي والتلبط: التمرغ والتقلب. [15] وَقَوله: ينشغ للْمَوْت. قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بن فَارس: النشغ مثل الشهيق عِنْد الشوق. والنواشغ: أعالي الْوَادي، الْوَاحِدَة ناشغة. [15] والمجهود: المشقوق عَلَيْهِ الَّذِي قد نَالَ جهدا، أَي مَا فِيهِ كلفة ومشقة. [15] وصه: أَمر بِالسُّكُوتِ. [15] والغواث والغياث والغوث: إِجَابَة المتسغيث. وَرُبمَا ضم عين الغواث بعض قرأة الحَدِيث. وَقَالَ لنا ابْن الخشاب: هُوَ بِالْفَتْح. [15] والعقب: مُؤخر الرجل. [15] وتحوضه: تجْعَل لَهُ كالحوض. [15] وتحفن: تجمع. وَقد رُوِيَ: تحفر: أَي ليجتمع المَاء فِي الحفرة. [15] والمعين: المَاء الظَّاهِر، وَهُوَ " مفعول " من الْعين؛ وَهَذَا لِأَن إِجْرَاء تِلْكَ الْعين كَانَ إنعاما مَحْضا لم يشبه كسب البشرية، فَلَمَّا دخل الْحَوْض وقف الإنعام ووكلت إِلَى تدبيرها. [15] وَقَوله: لَا تخافوا الضَّيْعَة: يَعْنِي الضّيَاع. والرابية: الْمَكَان الْمُرْتَفع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 [15] وكداء مَوضِع بِمَكَّة مَعْرُوف، بِفَتْح الْكَاف مَعَ الْمَدّ، وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّة إِذا صعد فِيهِ الْآتِي من طَرِيق الْعمرَة، وَمَا هُنَالك انحدر بِهِ إِلَى الْمَقَابِر وَإِلَى المحصب. وَثمّ مَوضِع آخر يُقَال لَهُ كداً بِالْقصرِ وتنوين الدَّال، وَهُوَ أَسْفَل مَكَّة، يدْخل فِيهِ الدَّاخِل بعد أَن ينْفَصل من ذِي طوى، وَهُوَ بِقرب شعب الشافعيين عِنْد قيقعان، وَهُوَ المُرَاد بِهَذَا الحَدِيث؛ لِأَنَّهُ قَالَ: فنزلوا أَسْفَل مَكَّة. وَهُنَاكَ مَوضِع ثَالِث يُقَال لَهُ كدي. مصغر، وَإِنَّمَا هُوَ لمن خرج من مَكَّة إِلَى الْيمن فِي طَرِيقه. وَلَيْسَ من هذَيْن المقدمين فِي شَيْء. وَقَالَ أَبُو عبد الله الْحميدِي: هَكَذَا كَانَ شَيخنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْعَزِيز العذري يخبر بالأندلس عَن هَذِه الْمَوَاضِع عَن كل من لَقِي بِمَكَّة من أهل الْمعرفَة بمواضعها. وَكَانَ سَائِر مَشَايِخنَا هُنَالك يستفيدون ذَلِك مِنْهُ ويأخذونه عَنهُ. [15] والعائف: الَّذِي يتَرَدَّد ويحوم حول المَاء وَلَا يبرح. [15] والجري: الرَّسُول. والجري أَيْضا الْوَكِيل، سميا بذلك لِأَنَّهُمَا يجريان مجْرى الْمُرْسل وَالْمُوكل. [15] وَقَوله: وأنفسهم: أَي أعجبهم فرغبوا فِي مصاهرته. [15] وَقَوله: فَكَأَنَّهُ أنس شَيْئا: أَي وجد وَأبْصر أثر زائر. [15] والأكمة: مَا ارْتَفع من الأَرْض، وَجَمعهَا أكم، ثمَّ تجمع على الأكام والإكام. [15] وَالْقَوَاعِد: أساس الْبَيْت، واحدتها قَاعِدَة، وَأما قَوَاعِد النِّسَاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 فواحدتها قَاعد. قَالَ عَليّ بن أبي طَالب: حفر إِبْرَاهِيم فأبدى عَن قَوَاعِد، مَا يُحَرك الْقَاعِدَة دون ثَلَاثِينَ رجلا. قَالَ ابْن عَبَّاس: رفع الْقَوَاعِد الَّتِي كَانَت قَوَاعِد قبل ذَلِك. 931 - / 1114 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ: حرم من النّسَب سبع، وَمن الصهر سبع، ثمَّ قَرَأَ: {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} [النِّسَاء: 23] . هَذِه الْآيَة قد جمعت الْكل، فَمن أَولهَا إِلَى قَوْله: {وَبَنَات الْأُخْت} هن الْمُحرمَات من النّسَب، والباقيات هن الْمُحرمَات من الصهر. 932 - / 1115 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: {وَلكُل جعلنَا موَالِي} [النِّسَاء: 33] قَالَ: وَرَثَة. وَقَوله: {وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} قَالَ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لما قدمُوا الْمَدِينَة يَرث الْمُهَاجِرِي الْأنْصَارِيّ دون رَحمَه، للأخوة الَّتِي آخى النَّبِي، فَلَمَّا نزلت: {وَلكُل جعلنَا موَالِي} نسختها، ثمَّ قَالَ: {وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} إِلَّا النَّصْر والرفادة والنصيحة، وَقد ذهب الْمِيرَاث ويوصي لَهُ. [15] قلت: كَانَ جمَاعَة من الْمُحدثين يروون من حفظهم، فتقصر عبارتهم خُصُوصا الْعَجم، فَلَا يبين للْكَلَام رونق مثل هَذِه الْأَلْفَاظ فِي الحديث: 931 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 هَذَا الحَدِيث وَتَحْقِيق هَذَا الحَدِيث وَبَيَانه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آخى بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار بِالْمَدِينَةِ، وَقد سمينا من أحصينا من الْكل فِي كتَابنَا الْمُسَمّى بالتلقيح. فَكَانُوا يتوارثون بِتِلْكَ الْأُخوة ويرونها دَاخِلَة فِي قَوْله: {وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} فَلَمَّا نزل قَوْله تَعَالَى: {وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض} [الْأَنْفَال: 75] نسخ الْمِيرَاث بَين الْمُتَعَاقدين وَبَقِي النَّصْر والرفادة وَجَوَاز الْوَصِيَّة لَهُم. وَفِي رِوَايَة الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {عاقدت أَيْمَانكُم} قَالَ: كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة يلْحق بِهِ الرجل فَيكون تَابعه، فَإِذا مَاتَ الرجل صَار لأقاربه الْمِيرَاث وَبَقِي تَابعه لَيْسَ لَهُ شَيْء، فَأنْزل الله تَعَالَى: {وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم فآتوهم نصِيبهم} فَكَانَ يعْطى من مِيرَاثه. ثمَّ أنزل الله تَعَالَى: {وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض} [الْأَنْفَال: 75] فنسخ ذَلِك. 923 - / 1119 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ: جمعت الْمُحكم فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قيل: وَمَا الْمُحكم؟ قَالَ: الْمفصل. [15] قد سبق بَيَان الْمفصل فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 934 - / 1120 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ: هما واليان: وَال يَرث، ووال لَا يَرث، وَذَلِكَ الَّذِي يُقَال لَهُ الْمَعْرُوف. [15] الْإِشَارَة إِلَى قَوْله: {وَإِذا حضر الْقِسْمَة أولُوا الْقُرْبَى} [النِّسَاء: 8] الحديث: 934 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 [15] وللمفسرين فِي المُرَاد بِهَذِهِ الْقِسْمَة قَولَانِ: أَحدهمَا: قسْمَة الْمِيرَاث بعد موت الْمَوْرُوث، فَيكون الْخطاب للوارثين، هَذَا قَول الْجُمْهُور. وَالثَّانِي: أَنَّهَا وَصِيَّة الْمَيِّت قبل مَوته، فَيكون مَأْمُورا بِأَن يعين لمن لَا يَرِثهُ شَيْئا، قَالَه ابْن زيد. وعَلى مَا ذكره ابْن عَبَّاس يكون الْمشَار بِأولى الْقُرْبَى إِلَى من يَرث وَمن لَا يَرث من الْقرَابَات، وَيكون قَوْله: {فارزقوهم} عَائِدًا على الْوَارِث. وَقَوله: {وَقُولُوا لَهُم قولا مَعْرُوفا} عَائِدًا إِلَى من لَا يَرث. وَالْأَكْثَرُونَ من الْمُفَسّرين قَالُوا: المُرَاد بأولي الْقُرْبَى هَاهُنَا من لَا يَرث، وفسروا قَوْله: {فارزقوهم} فَقَالَ قوم: أعطوهم من المَال. وَقَالَ آخَرُونَ: أطعموهم، وَذَلِكَ على سَبِيل الِاسْتِحْبَاب، وَذهب قوم إِلَى أَن ذَلِك وَاجِب فِي المَال، فَإِن كَانَ الْوَرَثَة كبارًا توَلّوا إعطاءهم، وَإِن كَانُوا صغَارًا تولى ذَلِك عَنْهُم ولي مَالهم. فَروِيَ عَن عبيده أَنه قسم مَال أَيْتَام فَأمر بِشَاة فاشتريت من مَالهم، وبطعام فَصنعَ، وَقَالَ: لَوْلَا هَذِه الْآيَة لأحببت أَن يكون من مَالِي. وَكَذَلِكَ فعل مُحَمَّد بن سِيرِين فِي أَيْتَام وليهم. وَقَالَ الْحسن وَالنَّخَعِيّ: يُعْطون من المَال وَيُقَال لَهُم عِنْد قسْمَة الْأَرْضين وَالرَّقِيق: بورك فِيكُم، وَهَذَا القَوْل الْمَعْرُوف. وَقد رُوِيَ عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس أَن هَذِه الْآيَة نسخت بقوله: {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم} [النِّسَاء: 11] وَهُوَ مَذْهَب سعيد بن الْمسيب وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة الضَّحَّاك فِي آخَرين. 935 - / 1121 وَفِي الحَدِيث الْخمسين: أَنه قَالَ فِي الْكَوْثَر: هُوَ الْخَيْر الَّذِي أعطَاهُ الله إِيَّاه. الحديث: 935 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 [15] اعْلَم أَن الْمُفَسّرين اخْتلفُوا فِي الْكَوْثَر على سِتَّة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه نهر فِي الْجنَّة. وَسَيَأْتِي فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه فسره بنهر فِي الْجنَّة. وَالثَّانِي: الْخَيْر الْكثير الَّذِي أعْطِيه نَبينَا، وَهَذَا الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّالِث: الْعلم وَالْقُرْآن، قَالَه الْحسن. وَالرَّابِع: النُّبُوَّة، قَالَه عِكْرِمَة. وَالْخَامِس: أَنه حَوْض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكثر النَّاس عَلَيْهِ، قَالَه عَطاء. وَالسَّادِس: أَنه كَثْرَة اتِّبَاعه وَأمته، قَالَه أَبُو بكر بن عَيَّاش. وَلَا يَنْبَغِي أَن يعْتَمد إِلَّا على القَوْل الأول، لِأَنَّهُ إِذا صَحَّ الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يبْق لقَائِل قَول. 936 - / 1123 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْخمسين: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِلْمِقْدَادِ: " إِذا كَانَ رجل مُؤمن يخفي إيمَانه مَعَ قوم كفار فأظهر إيمَانه فَقتلته، فَكَذَلِك كنت أَنْت تخفي إيمانك بِمَكَّة ". [15] قيل: سَبَب هَذَا القَوْل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث سَرِيَّة فِيهَا الْمِقْدَاد، فَلَمَّا أَتَوا الْقَوْم وجدوهم قد تفَرقُوا وَبَقِي رجل لَهُ مَال كثير، فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، فَأَهوى إِلَيْهِ الْمِقْدَاد فَقتله، فَلَمَّا قدمُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخْبرُوهُ بذلك، فَقَالَ: " يَا مقداد، أقتلت رجلا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله؟ فَكيف بِلَا إِلَه إِلَّا الله غَدا؟ " فَنزل قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيل الله فَتَبَيَّنُوا} [النِّسَاء: 94] رَوَاهُ سعيد بن جُبَير عَن الحديث: 936 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 ابْن عَبَّاس. 937 - / 1124 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْخمسين: سُئِلَ ابْن عَبَّاس: مثل من أَنْت حِين قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: أَنا يَوْمئِذٍ مختون، وَكَانُوا لَا يختنون الرجل حَتَّى يدْرك. [15] قد بَينا أول هَذَا الْمسند أَنه ولد قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين، فَيكون حِين قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن ثَلَاث عشرَة، وَقد يبلغ الصَّبِي لَهَا ولاثنتي عشرَة سنة. 938 - / 1125 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْخمسين: أَنه دفع مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَرَفَة، فَسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَاءه زجرا شَدِيدا وَضَربا لِلْإِبِلِ، فَقَالَ: " عَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ، فَإِن الْبر لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ ". السكينَة بِمَعْنى السّكُون. وَالْبر: الطَّاعَة. والإيضاع: الْإِسْرَاع. 939 - / 1126 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْخمسين: كَانَ يعوذ الْحسن وَالْحُسَيْن: " أُعِيذكُمَا بِكَلِمَات الله التَّامَّة من كل شَيْطَان وَهَامة، وَمن كل عين لَامة ". [15] المُرَاد بِكَلِمَات الله قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه كَلَامه على الْإِطْلَاق، وَلَا نقص فِيهِ، إِذا كَلَام المخلوقين لَا يَخْلُو من نقص يعاب بِهِ. وَقَالَ الْخطابِيّ: تَمامهَا: فَضلهَا وبركتها، وَأَنه لَا تخفق مَعهَا طلبة. الحديث: 937 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 وَالثَّانِي: أَنَّهَا أقضيته وعداته الَّتِي تتضمنها كَلِمَاته، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وتمت كلمت رَبك الْحسنى على بني إِسْرَائِيل} [الْأَعْرَاف: 137] فكلمته هِيَ قَوْله: {ونريد أَن نمن على الَّذين استضعفوا فِي الأَرْض} [الْقَصَص: 5] قَالَ الْخطابِيّ: وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يسْتَدلّ بقوله: " كَلِمَات الله التَّامَّة " على أَن الْقُرْآن غير مَخْلُوق، وَيَقُول: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يستعيذ بمخلوق. [15] وَفِي الهامة قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا كل نسمَة تهم بِسوء، قَالَه ابْن الْأَنْبَارِي. وَالثَّانِي: أَنَّهَا وَاحِدَة الْهَوَام، والهوام الْحَيَّات وكل ذِي سم يقتل. فَأَما مَاله سم إِلَّا أَنه لَا يقتل فَهِيَ السوام، كالعقرب والزنبور. وَأما مَا يُؤْذِي وَلَيْسَ بِذِي سم كالقنافذ والخنافس والفأر واليربوع فَهِيَ القوام. وَقد تقع الهامة على كل مَا يدب من الْحَيَوَان، وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لكعب: " أَيُؤْذِيك هوَام رَأسك؟ " يَعْنِي الْقمل. [15] وَقَوله: " من كل عين لَامة " قَالَ أَبُو عبيد: أَصْلهَا من أَلممْت إلماما، وَلم يقل ملمة، كَأَنَّهَا أَرَادَ أَنَّهَا ذَات لمَم. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: اللامة الملمة، وَهِي الْآتِيَة فِي الْوَقْت بعد الْوَقْت. قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ لَامة وقياسها ملمة ليُوَافق لفظ هَامة فَيكون ذَلِك أخف على اللِّسَان. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: اللامة: ذَات اللمم، وَهِي كل دَاء وَآفَة تلم بالإنسان من جُنُون وخبل وَغير ذَلِك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 940 - / 1128 وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْخمسين: {وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف} [الْحَج: 11] . [15] قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة: على شكّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كل شَاك فِي شَيْء فَهُوَ على حرف لِأَنَّهُ قلق فِي دينه، على غير ثبات. 941 - / 1129 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْخمسين: خرج رجل من بني سهم مَعَ تَمِيم الدَّارِيّ وعدي بن بداء، فَمَاتَ السَّهْمِي بِأَرْض لَيْسَ بهَا مُسلم، فَلَمَّا قدمُوا بِتركَتِهِ فقدوا جَاما من فضَّة مخوصا بِذَهَب، فَأَحْلفهُمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ وجد الْجَام بِمَكَّة، فَقَالُوا: ابتعناه من تَمِيم وعدي بن بداء، فَقَامَ رجلَانِ من أوليائه فَحَلفا لَشَهَادَتنَا أَحَق من شَهَادَتهمَا وَأَن الْجَام لصَاحِبِهِمْ، وَفِيهِمْ نزلت هَذِه الْآيَة: {شَهَادَة بَيْنكُم} [الْمَائِدَة: 106] . [15] اسْم هَذَا السَّهْمِي بزيل بن أبي مَارِيَة، مولى الْعَاصِ بن وَائِل السَّهْمِي، هَكَذَا ذكره ابْن مَاكُولَا: بزيل بالزاي، وَقد ذكره بعض الْمُفَسّرين بِالدَّال، وَلَيْسَ هَذَا قَول من يعرف علم الحَدِيث. وَكَانَ تَمِيم وعدي حِينَئِذٍ نَصْرَانِيين، فَأسلم تَمِيم، وَمَات عدي نَصْرَانِيّا. [15] والمخوص بِالذَّهَب: أَن يَجْعَل عَلَيْهِ صَفَائِح كالخوص تزينه. [15] قَالَ ابْن قُتَيْبَة: إِن الله عز وَجل أَرَادَ أَن يعرفنا كَيفَ نشْهد بِالْوَصِيَّةِ الحديث: 940 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 عِنْد حُضُور الْمَوْت، فَقَالَ: {ذَوا عدل مِنْكُم} يَعْنِي عَدْلَيْنِ من الْمُسلمين. وَعلم أَن من النَّاس من يُسَافر فيصحبه فِي سَفَره أهل الْكتاب دون الْمُسلمين، ويحضره الْمَوْت فَلَا يجد من يشهده من من الْمُسلمين، فَقَالَ: {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} أَي من غير أهل ملتكم. فالذميان فِي السّفر خَاصَّة إِذا لم يُوجد غَيرهمَا تحبسونها من بعد الصَّلَاة - بعد صَلَاة الْعَصْر - إِن ارتبتم فِي شَهَادَتهمَا وخشيتم أَن يَكُونَا قد خَانا أَو بَدَلا، فَإِذا حلفا مَضَت شَهَادَتهمَا، فَإِن ظهر على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا أَي حنثا فِي الْيَمين بكذب أَو خِيَانَة فآخران، أَي قَامَ فِي الْيَمين مقامهما رجلَانِ من قرَابَة الْمَيِّت، وهما الوليان، فيحلفان لقد ظهرنا على خِيَانَة الذميين وكذبهما، وَمَا اعتدينا عَلَيْهِمَا، ولشهادتنا أصح لكفرهما وإيماننا، فَيرجع على الذميين بِمَا اختانا، وينقض مَا مضى من الحكم بِشَهَادَتِهِمَا تِلْكَ. 942 - / 1130 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْخمسين: {لَهُ مَا بَين أَيْدِينَا وَمَا خلفنا} [مَرْيَم: 64] . [15] وللمفسرين فِي ذَلِك قَولَانِ: أَحدهمَا: مَا بَين أَيْدِينَا الْآخِرَة، وَمَا خلفنا الدُّنْيَا، قَالَه سعيد بن الجبير. وَالثَّانِي: على عكس هَذَا، قَالَه مُجَاهِد. الحديث: 942 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 943 - / 1131 وَفِي الحَدِيث السِّتين: قَالَ ابْن عَبَّاس: قضى مُوسَى أَكثر الْأَجَليْنِ وأطيبهما، إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَالَ فعل. [15] اعْلَم أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رأى طمع شُعَيْب [عَلَيْهِ السَّلَام] مُتَعَلقا بِالْفَضْلِ فَلم يقْض كرمه أَن يخيب الظَّن فِي كريم. 944 - / 1132 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتِّينَ: آخر آيَة نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة الرِّبَا. [15] وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وعطية وَمُقَاتِل فِي آخَرين: أَن آخر آيَة نزلت: {وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} [الْبَقَرَة: 281] قَالَ ابْن عَبَّاس: توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعْدهَا بِأحد وَثَمَانِينَ يَوْمًا. قَالَ ابْن جريج: توفّي بعْدهَا بتسع لَيَال. وَقَالَ مقَاتل: بِسبع لَيَال. وَهَذِه الْآيَة مُتَعَلقَة بآيَات الرِّبَا الَّتِي قبلهَا، فَكَأَن الْإِشَارَة إِلَى الْجَمِيع. [15] وَقد رُوِيَ عَن الْبَراء أَن آخر آيَة نزلت: {يستفتونك قل الله يفتيكم فِي الْكَلَالَة} [النِّسَاء: 176] قَالَ أبي بن كَعْب: آخر آيَة نزلت: {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} آخر الْآيَة [التَّوْبَة: 128] . 945 - / 1133 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتِّينَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِابْنِ صياد: " لقد خبأت لَك خبيئا ". قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الدخ. الحديث: 943 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 418 [15] وَقد سبق تفسر هَذَا، وَاسم ابْن صياد فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 946 - / 1134 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتِّينَ: كَانَ مُعَاوِيَة يسْتَلم الْأَركان، فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: إِنَّه لَا يسْتَلم هَذَانِ الركنان. فَقَالَ: لَيْسَ شَيْء من الْبَيْت مَهْجُورًا. وَفِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لم أر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَلم غير الرُّكْنَيْنِ اليمانيين. [15] السّنة فِي حق الطَّائِف بِالْبَيْتِ أَن يبتدىء من الْحجر الْأسود فيستلمه بِيَدِهِ ويقبله وبحاذيه بِجَمِيعِ بدنه إِن أمكنه، وَإِلَّا استلمه وَقبل يَده، ثمَّ يَجْعَل الْبَيْت عَن يسَاره وَيَطوف، فَإِذا بلغ إِلَى الرُّكْن الْيَمَانِيّ استلمه وَقبل يَده وَلم يقبله. وَظَاهر كَلَام الْخرقِيّ أَنه يقبله. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ استلام الرُّكْن الْيَمَانِيّ بمسنون. وَإِنَّمَا لم يسْتَلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّكْنَيْنِ الآخرين لِأَن الْحجر من الْبَيْت فَلَو استلمهما كَانَ تَقْرِير الْبَيْت وَإِخْرَاج الْحجر مِنْهُ. 947 - / 1135 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسِّتِّينَ: أَن ابْن عَبَّاس أبي تَحْرِيم الْحمر الْأَهْلِيَّة وَقَرَأَ: {قل لَا أجد فِي مَا أُوحِي إِلَيّ محرما} الْآيَة [الْأَنْعَام: 145] . [15] اعْلَم أَنه لم يكن فِي الشَّرِيعَة محرم حِين نزُول هَذِه الْآيَة إِلَّا مَا ذكر فِيهَا، ثمَّ جَاءَ تَحْرِيم أَشْيَاء بعد ذَلِك، كَمَا أَنه قد كَانَ من أقرّ الحديث: 946 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 419 بِالشَّهَادَتَيْنِ فَحسب فِي أول الْإِسْلَام دخل الْجنَّة، ثمَّ جَاءَت الْفَرَائِض وَالْحُدُود بعد ذَلِك، وَقد صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن الْحمر الْأَهْلِيَّة وَقَالَ: " إِنَّه رِجْس " وَقَالَ طَاوس وَمُجاهد: لَا أجد محرما مِمَّا كُنْتُم تستحلون فِي الْجَاهِلِيَّة إِلَّا هَذَا. 948 - / 1136 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتِّينَ: " الْحمى من فيح جَهَنَّم، فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ ". أَو قَالَ: " بِمَاء زَمْزَم ". [15] قد سبق هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند رَافع بن خديج. وَإِنَّمَا يذكر زَمْزَم للاستشفاء بِهِ تبركا. 949 - / 1137 وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتِّينَ: أول جُمُعَة جمعت بعد جُمُعَة فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَسْجِد عبد الْقَيْس بجواثى من الْبَحْرين. [15] جواثى: اسْم قَرْيَة من قرى عبد الْقَيْس. وَفِي هَذَا دَلِيل على أَن الْجُمُعَة تُقَام فِي الْقرى، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تُقَام إِلَّا فِي الْأَمْصَار. 950 - / 139 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتِّينَ: " اشْتَدَّ غضب الله على من قَتله نَبِي فِي سَبِيل الله. اشْتَدَّ غضب الله على قوم دموا وَجه نَبِي الله ". الحديث: 948 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 [15] اعْلَم أَن الْأَنْبِيَاء بعثوا بِالرَّحْمَةِ واللطف، فَلَا يقصدون بِالْقَتْلِ إِلَّا المبارز بالعناد، وَكَذَلِكَ لَا يبلغ أَذَى الْمُشرك إِلَى أَن يدمي وَجه نَبِي الله إِلَّا وَقد فاق فِي العناد، فصلح هَذَا أَن يُقَاتل بِشدَّة الْغَضَب عَلَيْهِ. وَقد كَانَت تدمية وَجه رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد، ويومئذ قتل أبي بن خلف. فَأَما تدمية وَجهه، فَإِنَّهُ لما فر النَّاس ثَبت صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عِصَابَة من أَصْحَابه عَددهمْ أَرْبَعَة عشر، فَجعل يَرْمِي عَن قوسه حَتَّى صَارَت شظايا، وَأُصِيبَتْ رباعيته وكلم فِي وجنته وَوَجهه، وعلاه ابْن قميئة بِالسَّيْفِ فَضَربهُ على شقَّه الْأَيْمن، فاتقاه طَلْحَة بن عبيد الله بِيَدِهِ فشلت إصبعه، وَحِينَئِذٍ قَالَ: " كَيفَ يفلح قوم دموا وَجه نَبِيّهم وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى الله عز وَجل " فَنزلت: {لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء} الْآيَة [آل عمرَان: 128] . [15] وَأما قَتله أبي بن خلف، فقد روى مُحَمَّد بن سعد عَن سعيد بن الْمسيب أَن أبي بن خلف أسر يَوْم بدر، فَلَمَّا افتدي من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن عِنْدِي فرسا أعلفها كل يَوْم فرق ذرة لعَلي أَقْتلك عَلَيْهَا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " بل أَنا أَقْتلك عَلَيْهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى " فَلَمَّا كَانَ يَوْم أحد أقبل يرْكض فرسه تِلْكَ حَتَّى دنا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَاعْترضَ رجال من الْمُسلمين لَهُ ليقتلوه، فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " استأخروا، استأخروا " وَأقَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ بِحَرْبَة فِي يَده فَرمى بهَا أبي بن خلف فَكسرت ضلعا من أضلاعه، فَرجع إِلَى أَصْحَابه ثقيلا فاحتملوه، وَطَفِقُوا يَقُولُونَ لَهُ: لَا بَأْس، فَقَالَ لَهُم أبي: ألم يقل لي: " بل أَنا أَقْتلك إِن شَاءَ الله " فَمَاتَ بِبَعْض الطَّرِيق، فدفنوه، وَفِيه أنزلت: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 {وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى} [الْأَنْفَال: 17] . 951 - / 1141 وَفِي الحَدِيث السّبْعين: {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس} [الْإِسْرَاء: 60] قَالَ: هِيَ رُؤْيا عين أريها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس. [15] الْإِشَارَة بِهَذِهِ الرُّؤْيَا إِلَى مَا رَآهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ اللَّيْلَة من الْآيَات والعجائب. والفتنة: بِمَعْنى الاختبار؛ فَإِن قوما آمنُوا بِمَا قَالَ، وقوما كفرُوا. [15] فَإِن قَالَ قَائِل: لَو كَانَ من رُؤْيَة الْعين لقَالَ الرُّؤْيَة، فَلَمَّا قَالَ الرُّؤْيَا دلّ على أَنه فِي النّوم. فقد أجَاب عَن هَذَا أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي قَالَ: الْمُخْتَار من هَذِه الرُّؤْيَا أَن تكون يقظة، وَلَا فرق بَين أَن يَقُول الْقَائِل: رَأَيْت فلَانا رُؤْيَة، ورأيته رُؤْيا، إِلَّا أَن الرُّؤْيَة يقل اسْتِعْمَالهَا فِي الْمَنَام، والرؤيا يكثر اسْتِعْمَالهَا فِي الْمَنَام، وَيجوز كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي الْمَعْنيين. 952 - / 1142 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسبْعين: عَن أبي الْأسود مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: قطع على أهل الْمَدِينَة بعث فاكتتبت فِيهِ، فَلَقِيت عِكْرِمَة فنهاني أَشد النَّهْي ثمَّ قَالَ: أَخْبرنِي ابْن عَبَّاس أَن نَاسا من الْمُسلمين كَانُوا مَعَ الْمُشْركين يكثرون سَواد الْمُشْركين على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَأْتِي السهْم يَرْمِي بِهِ فَيُصِيب أحدهم فيقتله، أَو يضْرب فَيقْتل، فَأنْزل الله تَعَالَى: {إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي} الحديث: 951 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 أنفسهم} الْآيَة [النِّسَاء: 97] . [15] كَانَ ابْن الزبير قد استقصى على يزِيد، فَكَانَ يزِيد يَأْمر وُلَاة الْمَدِينَة وَغَيرهَا بِإِقَامَة الْبعُوث بقتاله. 953 - / 1143 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسبْعين: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَرضه وَقد عصب رَأسه بعصابة دهماء، فَذكر وَصيته بالأنصار. [15] الدهماء: السَّوْدَاء. والدهمة: السوَاد. وَقد جَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى: بعصابة دسماء. والدسماء: السَّوْدَاء. [15] وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن الْخلَافَة لَيست فِي الْأَنْصَار، لِأَنَّهُ وصّى بهم، وَلَو كَانَت فيهم لوصاهم. 954 - / 1144 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسبْعين: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " هَذِه وَهَذِه سَوَاء " يَعْنِي الْخِنْصر والإبهام. يَعْنِي فِي الدِّيَة. [15] قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: هَذَا أصل فِي كل شَيْء من الْجِنَايَات لَا يضْبط فَيعلم قدره وَيُوقف على كميته، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ كَذَلِك وَلم يكن اعْتِبَاره من طَرِيق الْمَعْنى كَانَ الحكم مُعْتَبرا فِيهِ من طَرِيق الِاسْم كالأصابع والأسنان، وَإِن اخْتلف جمَالهَا ومنافعها، وَمَعْلُوم أَن للإبهام من الْقُوَّة وَالْمَنْفَعَة مَا لَيْسَ للخنصر، ثمَّ جعلت دِيَتهمَا سَوَاء، وَالْعلَّة فِي ذَلِك أَنه لَا يضْبط وَلَا يُوقف على دقائق مَعَانِيه فَحمل الْأَمر على الحديث: 953 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 الِاسْم، وَالله أعلم بالمصالح. 955 - / 1145 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسبْعين: قَالَ ابْن عَبَّاس: رَأَيْته عبدا - يَعْنِي زوج بَرِيرَة، كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ يتبعهَا فِي سِكَك الْمَدِينَة يبكي عَلَيْهَا. [15] الصَّحِيح فِي زوج بَرِيرَة أَنه كَانَ عبدا كَمَا قَالَ ابْن عَبَّاس، وَكَذَلِكَ روى عُرْوَة وَالقَاسِم عَن عَائِشَة. وَقد روى عَنْهُمَا الْأسود بن يزِيد أَنه كَانَ حرا، وَلَا يَصح لثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن البُخَارِيّ يَقُول: قَول الْأسود مُنْقَطع، وَقَول ابْن عَبَّاس أصح. وَالثَّانِي: أَن عَائِشَة خَالَة عُرْوَة وعمة الْقَاسِم، وَكَانَا يدخلَانِ عَلَيْهَا بِلَا حجاب، فقولهما مقدم من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه للقرب مِنْهَا أقدر على الاستثبات. وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا اثْنَان. وَالثَّالِث: أَن قَوْله: كَانَ حرا، كَلَام الْأسود وَلَيْسَ يرويهِ عَن عَائِشَة. [15] وَلَا خلاف أَن الْأمة إِذا كَانَت تَحت عبد فعتقت أَن لَهَا الْخِيَار، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا إِذا كَانَت تَحت حر، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا خِيَار لَهَا. وَقَالَ أهل الرَّأْي: لَهَا الْخِيَار. وَقَالَ الشَّافِعِي: وَالْأَصْل فِي الْمُكَافَأَة فِي النِّكَاح حَدِيث بَرِيرَة، فَإِنَّهُ لما كَانَ زَوجهَا عبدا فاستفادت الْحُرِّيَّة فضلته بهَا، فَكَانَ لَهَا الْخِيَار فِي الْمقَام والفراق. 956 - / 1146 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسبْعين: قَالَ عِكْرِمَة: رَأَيْت رجلا عِنْد الْمقَام يكبر فِي كل خفض وَرفع وَإِذا وضع، فَأخْبرت الحديث: 955 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 ابْن عَبَّاس فَقَالَ: أَو لَيْسَ تِلْكَ صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا أم لَك؟ . [15] أما التَّكْبِيرَة الأولى لافتتاح الصَّلَاة فَلَا بُد مِنْهَا. فَأَما بَاقِي التَّكْبِيرَات فعندنا أَنَّهَا وَاجِبَة، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: هِيَ سنة. 957 - / 1147 وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسبْعين: لعن المتشبهين من الرِّجَال بِالنسَاء، والمتشبهات من النِّسَاء بِالرِّجَالِ. [15] اعْلَم أَن الله عز وَجل كرم الرجل بِكَوْنِهِ ذكرا، فَإِذا تشبه بِالنسَاء حط نَفسه عَن مرتبته، وَرَضي بخسة الْحَال، فاستوجب اللَّعْن. وَأما الْمَرْأَة إِذا تشبهت بِالرِّجَالِ فَإِن ذَلِك يُوجب مُخَالطَة الرِّجَال لَهَا ورؤيتها وَهِي عَورَة غير مستورة. 958 - / 1148 وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسبْعين: قَالَ ابْن عَبَّاس: قد أحْصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحلق وجامع نِسَاءَهُ وَنحر هَدْيه حَتَّى اعْتَمر عَاما قَابلا. [15] اعْلَم أَن الْإِحْصَار على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا: إحصار بعدو، وَلَا يكون لَهُ طَرِيق إِلَى الْبَيْت، فَهَذَا يذبح الْهَدْي فِي مَكَان إحصاره ويتحلل، فَإِن لم يجد هَديا صَامَ عشرَة أَيَّام ثمَّ تحلل. وَالثَّانِي: الْإِحْصَار بِالْمرضِ، وَذَهَاب النَّفَقَة أَو ضلال الطَّرِيق أَو الْخَطَأ فِي الْعدَد، فَهَذَا لَا يتَحَلَّل بل يُقيم على إِحْرَامه، فَإِن فَاتَهُ الْحَج تحلل بِفعل عمْرَة، فَإِن كَانَ شَرط فِي ابْتِدَاء إِحْرَامه أَن يحل مَتى مرض أَو الحديث: 957 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 ضَاعَت نَفَقَته أَو أَخطَأ الطَّرِيق أَو الْعدَد، أَو حصره عَدو، أَو فَاتَهُ الْحَج، فَلهُ التَّحَلُّل إِذا وجد ذَلِك وَلَا شَيْء عَلَيْهِ. 959 - / 1149 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسبْعين: أَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسع عشرَة سنة يقصر الصَّلَاة، فَنحْن إِذا سافرنا وأقمنا تسع عشرَة قَصرنَا، وَإِذا زِدْنَا أتممنا. [15] اعْلَم أَن الْكَلَام لَيْسَ فِي إِقَامَة الْمُسَافِر، إِنَّمَا فِي نِيَّته، وَعِنْدنَا أَنه إِذا نوى إِقَامَة تزيد على أَرْبَعَة أَيَّام أتم، وَعَن أَحْمد أَنه إِذا نوى إِقَامَة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين صَلَاة أتم، وَلَا تخْتَلف الرِّوَايَة أَنه يحْتَسب بِيَوْم الدُّخُول وَيَوْم الْخُرُوج. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَتى نوى خَمْسَة عشر يَوْمًا أتم. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: أَرْبَعَة أَيَّام غير أَيَّام الدُّخُول وَالْخُرُوج. [15] فَأَما ذكر التِّسْعَة عشر فرأي لِابْنِ عَبَّاس. وَهَذِه الْإِقَامَة كَانَت بِمَكَّة عَام الْفَتْح. 960 - / 1153 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي والثمانين: نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن المحاقلة والمزابنة. [15] قَالَ أَبُو عبيد: المحاقلة: بيع الزَّرْع وَهُوَ فِي سنبله بِالْبرِّ، وَهُوَ مَأْخُوذ من الحقل، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه أهل الْعرَاق القراح. والمزابنة: الحديث: 959 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 بيع الثَّمر فِي رُؤُوس النّخل بِالتَّمْرِ. [15] وَإِنَّمَا جَاءَ النَّهْي فِي هَذَا لِأَنَّهُ من الْكَيْل، وَلَيْسَ يجوز شَيْء من الْكَيْل وَالْوَزْن إِذا كَانَا من جنس وَاحِد إِلَّا مثلا بِمثل ويدا بيد، وَهَذَا مَجْهُول لَا يعلم أَيهمَا أَكثر. 961 - / 1154 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث والثمانين: أُتِي عَليّ بزنادقة فاحرقهم. [15] قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: قَالَ ثَعْلَب: لَيْسَ زنديق من كَلَام الْعَرَب، وَإِنَّمَا تَقول الْعَرَب: رجل زندق وزندقي: إِذا كَانَ شَدِيد الْبُخْل، فَإِذا أَرَادَت الْعَرَب معنى مَا تَقول الْعَامَّة قَالُوا: ملحد، ودهري. فَإِذا أَرَادوا معنى السن قَالُوا: دهري. قَالَ ابْن دُرَيْد. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: الزنديق فَارسي مُعرب، كَأَن أَصله عِنْده: زنده كرد، زنده: الْحَيَاة، وكرد: الْعَمَل، أَي يَقُول بدوام الدَّهْر. قَالَ أَبُو بكر قَالُوا: رجل زندقي. وزندقي لَيْسَ من كَلَام الْعَرَب. قَالَ: وَسَأَلت الرياشي أَو غَيره عَن اشتقاق الزنديق فَقَالَ: يُقَال: رجل زندقي: إِذا كَانَ نظارا فِي الْأُمُور. قَالَ أَصْحَابنَا: والزنديق هُوَ الَّذِي يظْهر الْإِسْلَام ويبطن الْكفْر، وَهل تقبل تَوْبَته أم لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد. الحديث: 961 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 962 - / 1156 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس والثمانين: " لَو كنت متخذا خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر وَلَكِن أخوة الْإِسْلَام أفضل ". [15] قد سبق بَيَان هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. [15] وَقَوله: " وَلَكِن أخوة الْإِسْلَام أفضل " أَي هِيَ أَجود من اعْتِمَاد أَمر يصعب الْقيام بِهِ. [15] والخوخة: بَاب صَغِير. واختصاصه أَبَا بكر بِهَذَا تَفْضِيل عَظِيم، فَكَأَنَّهُ نبه على خِلَافَته. [15] وَفِيه: أنزلهُ أَبَا. يَعْنِي أَبَا بكر أنزل الْجد أَبَا. 963 - / 1157 وَفِي الحَدِيث السَّادِس والثمانين: جَاءَت امْرَأَة ثَابت بن قيس بن شماس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقَالَت: إِنِّي مَا أَعتب عَلَيْهِ فِي خلق وَلَا دين، وَلَكِنِّي أكره الْكفْر فِي الْإِسْلَام. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَتردينَ عَلَيْهِ حديقته؟ " قَالَت: نعم، فَقَالَ: " أقبل الحديقة مِنْهَا وَطَلقهَا تَطْلِيقَة ". [15] اخْتلفُوا فِي اسْم هَذِه الْمَرْأَة على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: جميلَة، قَالَه ابْن عَبَّاس وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ، ونسبها يحيى بن أبي كثير فَقَالَ: جميلَة بنت عبد الله بن أبي بن سلول، وكناها مقَاتل فَقَالَ: أم حَبِيبَة بنت عبد الله. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا هِيَ جميلَة أُخْت عبد الله بن أبي. وَالثَّانِي: جميلَة بنت سهل. وَالثَّالِث: سهلة بنت حبيب، روى الْقَوْلَيْنِ الحديث: 962 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 يحيى بن سعيد عَن عمْرَة. [15] وَأول خلع كَانَ فِي الْإِسْلَام خلع هَذِه الْمَرْأَة من ثَابت. [15] والحديقة: الْبُسْتَان. [15] وَقد اخْتلف الْعلمَاء: هَل للزَّوْج أَن يَأْخُذ من الَّتِي تطلب الْخلْع أَكثر مِمَّا أَعْطَاهَا؟ فَقَالَ قوم مِنْهُم عمر وَعُثْمَان وَابْن عَبَّاس وَالْحسن وَمُجاهد وَالنَّخَعِيّ وَالشَّافِعِيّ: يجوز. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم عَليّ وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن وَعَطَاء وَطَاوُس وَابْن جُبَير وَالشعْبِيّ وَالزهْرِيّ وَأحمد بن حَنْبَل: لَا يجوز. [15] وَهل يجوز الْخلْع دون السُّلْطَان؟ قَالَ عمر وَعُثْمَان وَعلي وَجُمْهُور الْعلمَاء: يجوز. وَقَالَ الْحسن وَابْن سِيرِين وَقَتَادَة: لَا يجوز إِلَّا عِنْد السُّلْطَان. 964 - / 1158 وَفِي الحَدِيث السَّابِع والثمانين: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد بِالنَّجْمِ وَسجد مَعَه الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنّ وَالْإِنْس. [15] وَقد سبق الْكَلَام فِي هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 965 - / 1159 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن والثمانين: انتشل رَسُول الله الحديث: 964 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرقا من قدر ثمَّ صلى وَلم يتَوَضَّأ. [15] وَالْمعْنَى: أَخذه قبل تَمام النضج. والعرق: الْعظم عَلَيْهِ اللَّحْم. وَكَونه لم يتَوَضَّأ نسخ لقَوْله: " توضئوا مِمَّا مست النَّار ". 966 - / 1160 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع والثمانين: بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب، إِذا هُوَ بِرَجُل قَائِم، فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيل، نذر أَن يقوم فِي الشَّمْس وَلَا يقْعد، وَلَا يستظل، وَلَا يتَكَلَّم، ويصوم. فَقَالَ: " مره، فَلْيَتَكَلَّمْ وليستظل وليقعد وليتم صَوْمه ". [15] أَبُو إِسْرَائِيل اسْمه قَيْصر العامري. وَلَيْسَ فِي جَمِيع الصَّحَابَة من يُشَارِكهُ فِي اسْمه وَلَا فِي كنيته، وَلَا لَهُ ذكر إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث، وَقد ذكره المنيعي فَسَماهُ قشيرا. [15] وَمن نذر مَا لَا يجوز لَهُ لم يجز لَهُ أَن يفعل مَا نذر، وَيلْزمهُ أَن يكفر كَفَّارَة يَمِين. 967 - / 1161 وَفِي الحَدِيث التسعين: ذكر عِنْد عِكْرِمَة شَرّ الثَّلَاثَة. الحديث: 966 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 [15] يَعْنِي الثَّلَاثَهْ إِذا ركبُوا على بَهِيمَة، وَهَذَا شَيْء تَقوله الْعَامَّة لَا أصل لَهُ، فَروِيَ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدم فاستقبلته أغيملة بني عبد الْمطلب، فَحمل وَاحِدًا بَين يَدَيْهِ وَآخر خَلفه. 968 - / 1162 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالتسْعين: " من تحلم بحلم لم يره كلف أَن يعْقد بَين شعيرتين وَلنْ يفعل. وَمن اسْتمع إِلَى حَدِيث قوم وهم لَهُ كَارِهُون صب فِي أُذُنه الآنك يَوْم الْقِيَامَة. وَمن صور صُورَة عذب وكلف أَن ينْفخ فِيهَا الرّوح وَلَيْسَ بنافخ ". [15] قَوْله: " من تحلم بحلم " أَي من زعم أَنه رأى مناما لم يره. وَهَذَا لما ذكر رُؤْيَة مَا لم يره، كلف فعل مَا لم يفعل، وَهُوَ العقد بَين شعيرتين. [15] فَإِن قَالَ قَائِل: كذب الْكَاذِب فِي مَنَامه لَا يزِيد على كذبه فِي يقظته، فَلم زَادَت عُقُوبَته فِيمَا يتَعَلَّق بِالنَّوْمِ؟ فقد أجَاب عَنهُ ابْن جرير الطَّبَرِيّ فَقَالَ: قد صَحَّ الحَدِيث أَن الرُّؤْيَا جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة، والنبوة لَا تكون إِلَّا وَحيا، والكاذب فِي الرُّؤْيَا يَدعِي أَن الله تَعَالَى أرَاهُ مَا لم يره، وَأَعْطَاهُ جُزْءا من النُّبُوَّة لم يُعْطه، والكاذب على الله أعظم فِرْيَة مِمَّن كذب على الْخلق أَو على نَفسه. [15] والآنك: الرصاص القلعي. وَالْمرَاد بِهِ سد سَمعه عُقُوبَة لَهُ. [15] وَأما المصور فَإِنَّهُ شبه أَفعَال الْخَالِق وَلم يقدر على استتمام مَا شبه الحديث: 968 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 بنفخ الرّوح، فَهُوَ يعذب لتشبهه فعل الْخَالِق، فَكيف بِمن يَدعِي تَشْبِيه ذَات الْخَالِق بذوات المخلوقين. 969 - / 1163 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالتسْعين: أَن هِلَال بن أُميَّة قذف امْرَأَته عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشريك بن سَحْمَاء. . فَذكر الحَدِيث، وَأَنه شهد عَلَيْهَا، وَأَنَّهَا شهِدت، فَلَمَّا كَانَت عِنْد الْخَامِسَة وقفوها وَقَالُوا: إِنَّهَا مُوجبَة. [15] وَقَوله: " إِنَّهَا مُوجبَة " الْمَعْنى أَن هَذِه المرات توجب عَذَاب الله. [15] وَقَوله: فتلكأت. أَي تباطأت عَن إتْمَام اللّعان. وَنَكَصت. النكوص: رُجُوع فِي توقف. [15] والكحل: سَواد الْعين خلقه، يُقَال من الْكحل: عين كحيلة، وَمن الْكحل: عين كحيل. [15] وَقَوله: سابغ الأليتين: السبوغ: التَّمام. [15] والخدلج والخدل بِمَعْنى وَاحِد: وَهُوَ الممتلىء السَّاقَيْن أَو الذراعين. [15] وَقَوله: " لَوْلَا مَا مضى من كتاب الله " يَعْنِي قَوْله تَعَالَى: {ويدرأ عَنْهَا الْعَذَاب أَن تشهد} [النُّور: 8] " لَكَانَ لي وَلها شَأْن " يُشِير إِلَى الرَّجْم. 970 - / 1165 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالتسْعين: نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يشرب من فِي السقاء. [15] إِنَّمَا نهى عَن ذَلِك لخمسة معَان: أَحدهَا: أَنه رُبمَا كَانَت فِي الحديث: 969 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 السقاء هَامة أَو قذاة فانتشرت فِي الْحلق. وَالثَّانِي: أَنه رُبمَا وَقع الشرق باندفاق المَاء. وَالثَّالِث: أَنه لَا يُمكن مص المَاء، بل يَقع العب الَّذِي يُؤْذِي الكبد. وَالرَّابِع: أَنه يُغير ريح السقاء. وَالْخَامِس: أَنه يتخايل الشَّارِب الثَّانِي رُجُوع شَيْء من فَم الأول فيستقذره. 971 - / 1166 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالتسْعين: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم بدر: " اللَّهُمَّ أنْشدك عَهْدك وَوَعدك. اللَّهُمَّ إِن تشأ لَا تعبد بعد الْيَوْم ". [15] أنْشدك بِمَعْنى أَسأَلك. قَالَ الزّجاج: يُقَال: نشدتك الله: أَي سَأَلتك بِاللَّه. وَقد تكلمنا على هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند عمر. 972 - / 1168 وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالتسْعين: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَاف بِالْبَيْتِ وَهُوَ على بعير، كلما أَتَى الرُّكْن أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْء فِي يَده وَكبر. [15] اتّفق الْعلمَاء على أَن من طَاف رَاكِبًا من عذر جَازَ لَهُ. وَاخْتلفُوا فِيمَن طَاف رَاكِبًا من غير عذر: فَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: يجْزِيه وَلَا دم عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَالْأُخْرَى لَا يجْزِيه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يجْزِيه وَعَلِيهِ دم. الحديث: 971 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 973 - / 1169 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالتسْعين: عَلَيْهِ أَدَاة الْحَرْب. أَي آلَة الْحَرْب وَمَا يصلح لَهَا من السِّلَاح. 974 - / 1170 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالتسْعين: قَالَ ابْن عَبَّاس: إِذا أسلمت النَّصْرَانِيَّة قبل زَوجهَا بساعة حرمت عَلَيْهِ. [15] وَهَذَا لِأَن الْإِسْلَام فرق بَينهمَا. 975 - / 1172 وَفِي الحَدِيث الأول بعد الْمِائَة: قَالَ ابْن عَبَّاس: حدث النَّاس كل جُمُعَة مرّة، فَإِن أَبيت فمرتين. [15] أعلم أَن كل شَيْء يكثر على النَّفس تمله، خُصُوصا المواعظ الَّتِي لاحظ للطبع فِيهَا إِلَّا أَن يكون مُجَرّد السماع. وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتخولهم بِالْمَوْعِظَةِ مَخَافَة السَّآمَة. [15] وَقَوله: واجتنب السجع فِي الدُّعَاء. وَهَذَا لِأَن الدُّعَاء يجب أَن يثيره صدق الْحَاجة، وَأَن يكون بذل وخشوع، واشتغال الْقلب بترتيب الْأَلْفَاظ يذهله عَن الْخُشُوع، فَإِذا وَقع الدُّعَاء مسجوعا عَن غير تكلّف يشغل فَلَا بَأْس بِهِ، كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام: " أعوذ بك من عين لَا تَدْمَع، وَمن قلب لَا يخشع، وَمن دُعَاء لَا يسمع ". الحديث: 973 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 976 - / 1173 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي بعد الْمِائَة: ذكر فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة. وَقد سبق. [15] وَقَوله: وَأشهر الْحَج شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة: أَي وَبَعض ذِي الْحجَّة وَإِنَّمَا يذكر الشَّهْر كُله لِأَن الْحَج يكون فِيهِ. 977 - / 1174 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث بعد الْمِائَة: " لَو خرج الَّذين يباهلون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لرجعوا لَا يَجدونَ أَهلا وَلَا مَالا ". [15] وَبَيَان هَذِه الْقِصَّة أَنه لما قدم أهل نَجْرَان من النَّصَارَى على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيهِمْ السَّيِّد وَالْعَاقِب، فناظراه فِي أَمر عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَقَالا: كَيفَ تزْعم أَنه عبد الله؟ فَنزلت: {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم خلقه من تُرَاب} [آل عمرَان: 59] وَذَلِكَ أَنهم استبعدوا خلق الْمَخْلُوق لَا من أَب، فَأَرَاهُم مخلوقا لَا من أَب وَلَا من أم، فَلَمَّا لم يلتفتوا إِلَى الدَّلِيل دعاهم إِلَى المباهلة. أخبرنَا عبد الله بن سعد قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن أَيُّوب قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْعَلَاء الوَاسِطِيّ قَالَ: أخبرنَا أَبُو عَليّ الْفَارِسِي قَالَ: قَالَ الزّجاج: معنى الابتهال فِي اللُّغَة الْمُبَالغَة فِي الدُّعَاء، وَأَصله الالتعان، يُقَال: بهله الله: أَي لَعنه، وَمعنى لَعنه: باعده من رَحمته. وَإِنَّمَا أَمر بالمباهلة بعد إِقَامَة الْحجَّة. قَالَ الشّعبِيّ: وعدوه الْغَد للملاعنة، فَانْطَلقُوا إِلَى رجل مِنْهُم الحديث: 976 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 عَاقل فَذكرُوا لَهُ ذَلِك فَقَالَ: إِن كَانَ نَبيا فَدَعَا عَلَيْكُم لَا يغضبه الله فِيكُم، وَإِن كَانَ ملكا فَظهر لَا يستبقيكم، فأدوا الْجِزْيَة. 978 - / 1175 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع بعد الْمِائَة: حَدِيث مَاعِز وَقد سبق فِي مُسْند بُرَيْدَة. 979 - / 1176 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس بعد الْمِائَة: خطبَته يَوْم النَّحْر، وَقَوله: " إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُم حرَام " وَقد سبق فِي مُسْند أبي بكرَة. 980 - / 1177 وَفِي الحَدِيث السَّادِس بعد الْمِائَة: " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن ". [15] فِيهِ تَأْوِيلَانِ: أَحدهمَا: أَنه ينْزع الْإِيمَان مِنْهُ. قَالَ عِكْرِمَة: قلت لِابْنِ عَبَّاس: كَيفَ ينْزع الْإِيمَان مِنْهُ؟ قَالَ: هَكَذَا، وَشَبك بَين أَصَابِعه ثمَّ أخرجهَا، فَإِن تَابَ عَاد إِلَيْهِ هَكَذَا، وَشَبك بَين أَصَابِعه. وَوجه هَذَا أَن الْمعْصِيَة تذهله عَن مُرَاعَاة الْإِيمَان، وَهُوَ تَصْدِيق الْقلب، فَكَأَنَّهُ ينسى من صدق بِهِ. وَالثَّانِي: أَنه لَا يَزْنِي وَهُوَ كَامِل الْإِيمَان. 981 - / 1180 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع بعد الْمِائَة: حَدِيث الْقسَامَة. الحديث: 978 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 وَقد سبق الْكَلَام فِيهِ فِي مُسْند سهل بن أبي حثْمَة، وَفِيه من الْغَرِيب: [15] أَشد عُرْوَة جوالقي. والجوالق كالغرارة يَجْعَل فِيهَا مَا يَجْعَل فِي الأوعية. [15] وَفِيه فَحَذفهُ بعصا: أَي رَمَاه بهَا. وَالْعرب تَقول: حذفه بالعصا، وقذفه بِالْحجرِ، ورشقه بِالنَّبلِ، ونضحه بِالْمَاءِ، ولفعه بالبعر. [15] وَفِيه: قتلني فِي عقال: أَي لأجل عقال: وَهُوَ الْحَبل الَّذِي يعقل بِهِ الْبَعِير، كالقيد للدابة. [15] وَفِيه قَول امْرَأَة: أحب أَن تجيز لي ابْني هَذَا بِرَجُل من الْخمسين. أَي تَأذن لي فِي ترك الْيَمين. وَقد رُوِيَ تجير بالراء: أَي تجيره من الْيَمين وتؤمنه مِنْهَا. [15] وَقَول: وَلَا تصبر يَمِينه حَيْثُ تصبر الْأَيْمَان. يَمِين الصَّبْر: هِيَ الَّتِي يلْزمهَا الْمَأْمُور بهَا وَيكرهُ عَلَيْهَا وَيقْضى عَلَيْهِ بِهِ. [15] وَفِيه: قَالَ ابْن عَبَّاس: فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ مَا حَال الْحول وَمن البَاقِينَ عين تطرف. هَذِه كَانَت عَادَة الله عز وَجل عِنْد الْقَوْم قبل الشَّرِيعَة: أَن يهْلك من حلف بِهِ كَاذِبًا ليمتنعوا من الظُّلم. 982 - / 1182 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر بعد الْمِائَة: " نعمتان مغبون فيهمَا كثير من النَّاس: الصِّحَّة والفراغ ". [15] اعْلَم أَنه قد يكون الْإِنْسَان صَحِيحا وَلَا يكون متفرغا لِلْعِبَادَةِ لاشتغاله بِأَسْبَاب المعاش، وَقد يكون متفرغا من الأشغال وَلَا يكون صَحِيحا، الحديث: 982 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 فَإِذا اجْتمعَا للْعَبد ثمَّ غلب عَلَيْهِ الكسل عَن نيل الْفَضَائِل فَذَاك الْغبن كَيفَ وَالدُّنْيَا سوق الرباح، والعمر أقصر، والعوائق أَكثر. 983 - / 1184 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر بعد الْمِائَة: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اللات والعزى. كَانَ اللات رجلا يلت سويق الْحَاج. [15] اعْلَم أَن هَذَا التَّفْسِير لَا يَقع على قِرَاءَة الْجُمْهُور، وَأَن الْجُمْهُور يقرءُون: (اللات) خَفِيفَة، وَهُوَ اسْم صنم كَانَ لثقيف. وَكَانَت الْعَرَب تشتق لأصنامها من أَسمَاء الله تَعَالَى: فَقَالُوا من الله: اللات، وَمن الْعَزِيز: الْعُزَّى، وَمن المنان: مَنَاة. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: كَانَ الْمُشْركُونَ يتعاطون " الله " اسْما لبَعض أصنامهم، فَصَرفهُ الله إِلَى اللات صِيَانة لهَذَا الِاسْم وذبا عَنهُ. وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس وَأَبُو رزين وَأَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَمُجاهد وَالضَّحَّاك وَابْن يعمر وَالْأَعْمَش ورويس عَن يَعْقُوب: (اللات) بتَشْديد التَّاء، وَتَفْسِيره على مَا قَالَ ابْن عَبَّاس. وَقَالَ مُجَاهِد: كَانَ يلت بتَشْديد التَّاء، وَتَفْسِيره على مَا قَالَ ابْن عَبَّاس. وَقَالَ مُجَاهِد: كَانَ يلت السويق للْحَاج فَلَمَّا مَاتَ عكفوا على قَبره فعبدوه. وَقَالَ الزّجاج: كَانَ يلت السويق ويبيعه عِنْد ذَلِك الصَّنَم. فَسمى الصَّنَم اللات. 984 - / 1185 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر بعد الْمِائَة: " حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل ". [15] بمعى كافينا، وَمثله: حَسبك الله، قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: الحديث: 983 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 ( ... ... ... ... ... ... ... . ... وخسبك من غنى شبع وري) [15] وَقَالَ غَيره: (وَإِذ لَا ترى فِي النَّاس حسنا يفوقنا ... وفيهن حسن لَو تَأَمَّلت محسب) [15] وَالْوَكِيل: الْكَافِي، وَقيل: الرب، وَقيل: الْكَفِيل. 985 - / 1186 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر بعد الْمِائَة: " آلَيْت مِنْهُنَّ شهرا " يَعْنِي النِّسَاء. وَقد سبق هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند عمر. 986 - / 1187 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر بعد الْمِائَة: مَا ترك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا مَا بَين الدفتين. [15] الْإِشَارَة إِلَى مَا بَين الدفتين إِلَى الْقُرْآن. وَيَعْنِي بالدفتين جَانِبي الْمُصحف. وَيحْتَمل هَذَا الحَدِيث شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: مَا ترك من الدُّنْيَا شَيْئا، إِنَّمَا ترك الْقُرْآن. وَالثَّانِي: مَا ترك من الْعَمَل مسطورا سوى الْقُرْآن. 987 - / 1188 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر بعد الْمِائَة: {إِنَّهَا ترمي بشرر كالقصر} [المرسلات: 32] قَالَ ابْن عَبَّاس: كُنَّا نرفع الْخشب ثَلَاثَة أَذْرع أَو أقل للشتاء فنسميه الْقصر. {كَأَنَّهَا جمالات صفر} [المرسلات: 33] حبال السفن تجمع حَتَّى تكون كأوساط الرِّجَال. الحديث: 985 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 [15] اعْلَم أَن قِرَاءَة الْجُمْهُور (كالقصر) بِإِسْكَان الصَّاد. وَفِي المُرَاد بذلك قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه أحد الْقُصُور المبنية. وَالثَّانِي: أَنه أصُول النّخل وَالشَّجر، قَالَ الْحسن: بل هُوَ الجزل من الْخشب، واحده قصرة وَقصر، مثل وجمرة وجمر، وَتَمْرَة وتمر. وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس وَأَبُو رزين وَأَبُو الجوزاء وَمُجاهد: (كالقصر) بِفَتْح الصَّاد، وَفِي مَعْنَاهَا قَولَانِ: أَحدهمَا: مَا ذكرنَا عَن ابْن عَبَّاس. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: من فتح الصَّاد أَرَادَ أصُول النّخل المقطوعة المقلوعة. وَالثَّانِي: أَنَّهَا أَعْنَاق الْإِبِل، قَالَه الزّجاج. وَقَرَأَ سعد بن أبي وَقاص وَعَائِشَة وَعِكْرِمَة وَابْن يعمر بِفَتْح الْقَاف وَكسر الصَّاد. وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود وَأَبُو هُرَيْرَة وَالنَّخَعِيّ بِضَم الْقَاف وَالصَّاد. وَقَرَأَ أَبُو الدَّرْدَاء بِكَسْر الْقَاف وَفتح الصَّاد. وَقَالَ ابْن مقسم: كلهَا لُغَات بِمَعْنى وَاحِد. [15] وَأما (الجمالات) فَقَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر: (جمالات) بِالْألف وَكسر الْجِيم. وَقَرَأَ رويس عَن يَعْقُوب: (جمالات) بِضَم الْجِيم. وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ على التَّوْحِيد بِكَسْر الْجِيم. وَقَرَأَ أَبُو رزين وَحميد مثلهمَا، لكنهما ضما الْجِيم. قَالَ الزّجاج: من قَرَأَ (جمالات) بِالْكَسْرِ فَهُوَ جمع جمال، كَمَا تَقول: بيُوت وبيوتات، فَهُوَ جمع الْجمع، فَالْمَعْنى: كَأَن الشرارات كالجمال، وَمن قَرَأَ (جمالات) فَهُوَ جمع جمالة: وَهِي الْفلس من فلوس سفن الْبَحْر، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 وَيجوز أَن يكون جمع جمل وجمال وجمالات. وَكَذَلِكَ تَفْسِير قِرَاءَة (جمالة) بِضَم الْجِيم. وَمن قَرَأَ (جمالة) فَهُوَ جمل وجماله كَمَا قيل حجر وحجارة، وَذكر وذكارة. [15] وَأما الصفر فَهِيَ هَاهُنَا السود، قَالَ الْفراء: الصفر: سود الْإِبِل، لَا ترى الْأسود من الْإِبِل إِلَّا وَهُوَ مشوب بصفرة، فَلذَلِك سمت الْعَرَب سود الْإِبِل صفرا، كَمَا سموا الظباء أدما لما يعلوها من الظلمَة فِي بياضها. 988 - / 1190 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر بعد الْمِائَة: سبق مُحَمَّد الباذق. [15] والباذق بِفَتْح الذَّال: وَهُوَ نوع من الشَّرَاب كَانَ عِنْدهم، وَالْمعْنَى: سبق حكم مُحَمَّد فِي أَن مَا أسكر فَهُوَ حرَام. 989 - / 1191 وَفِي الحَدِيث الْعشْرين [بعد الْمِائَة] : قَالَ ابْن عَبَّاس: من طَاف بِالْبَيْتِ فليطف من وَرَاء الْحجر، وَلَا تَقولُوا: الْحطيم، فَإِن الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَ يحلف فيلقي سَوْطه أَو نَعله أَو قوسه. [15] وَقد سبق معنى الْحجر والحطيم فِي مُسْند مَالك بن صعصعة، وَذكرنَا أَنه هُوَ الْحطيم، وَبينا أَنه سمي حطيما لِأَنَّهُ محطوم الْحِجَارَة، الحديث: 988 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 فكره ابْن عَبَّاس لَهُ هَذَا الِاسْم. [15] وَقَوله: فيلقي سَوْطه أَو نَعله. هَذَا شَيْء من مَذَاهِب الْجَاهِلِيَّة، فَكَأَنَّهُ قد كَانَ يحلف أَن يطوف فيلقي نَعله أَو سَوْطه كالنيابة عَن طَوَافه، فَكَأَنَّهُ أَمرهم بِالطّوافِ ونهاهم عَن مَذَاهِب الْجَاهِلِيَّة. [15] وَفِي رِوَايَة البرقاني: " فأيما صبي حج بِهِ أَهله فقد قَضَت حجَّته عَنهُ، وَإِذا بلغ فَعَلَيهِ حجَّة " أما حج الصَّبِي وَالْعَبْد فَإِنَّهُ حج صَحِيح، إِلَّا أَنَّهَا يعيدان بعد الْبلُوغ وَالْعِتْق. 990 - / 1192 وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: [15] عَن أبي الطُّفَيْل: قلت لِابْنِ عَبَّاس: أَرَأَيْت هَذَا الرمل بِالْبَيْتِ ثَلَاثَة أطواف ومشي أَرْبَعَة أطواف، أسنة هُوَ؟ [15] أما الرمل فقد فسرناه فِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ من هَذَا الْمسند. وَقَوله: لَيْسَ بِسنة. جُمْهُور الْعلمَاء على خِلَافه. وَسُئِلَ عمر بن الْخطاب: فيمَ الرمل الْيَوْم؟ قَالَ: لَا نَدع شَيْئا كُنَّا نفعله على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقد كَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ يرى على من ترك الرمل دَمًا. الحديث: 990 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 [15] وَأما الطّواف بِالْبَيْتِ رَاكِبًا من غير عذر أَو من عذر فقد سبق بَيَان حكمه فِي الحَدِيث السَّابِع وَالتسْعين من أَفْرَاد البُخَارِيّ من هَذَا الْمسند. [15] وَأما السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة فَإِنَّهُ ركن فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ، فعلى هَذَا حكمه حكم الطّواف. وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى أَنه سنة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ وَاجِب يَنُوب عَنهُ الدَّم. وَأما أَبُو الطُّفَيْل فَسَيَأْتِي ذكره فِي مُسْنده إِن شَاءَ الله. [15] وَيدعونَ بِمَعْنى يدْفَعُونَ. ويكرهون: يضطرون إِلَى التنحي عَن الْمَكَان الَّذِي هم فِيهِ. 991 - / 1193 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: آخر سُورَة نزلت من الْقُرْآن جمعيا {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} [15] قد روينَا فِي حَدِيث الْبَراء أَن آخر سُورَة نزلت (بَرَاءَة) وَالَّذِي يَقُوله ابْن عَبَّاس أليق؛ لِأَن (بَرَاءَة) نزلت فِي سنة تسع، وَقد نزل بعْدهَا أَشْيَاء. 992 - / 1194 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا، وَالْبكْر تستأذن فِي نَفسهَا ". [15] الأيم: الَّتِي لَا زوج لَهَا. وَالْمرَاد بهَا هَاهُنَا من فقدت زَوجهَا، الحديث: 991 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 إِمَّا بِطَلَاق أَو بِمَوْت. [15] قَوْله: " وَالْبكْر تستأذن فِي نَفسهَا ". وَجعل صمتها إِذْنا لموْضِع حيائها. 993 - / 1195 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَن أَبَا الصَّهْبَاء قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: هَات من هناتك، ألم يكن طَلَاق الثَّلَاث على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَاحِدَة؟ فَقَالَ: قد كَانَ ذَلِك، فَلَمَّا كَانَ فِي عهد عمر تتايع النَّاس فِي الطَّلَاق فَأَجَازَهُ عَلَيْهِم. وَفِي لفظ، قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ الطَّلَاق على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وسنتين من خلَافَة عمر، طَلَاق الثَّلَاث وَاحِدَة، فَقَالَ عمر: إِن النَّاس قد استعجلوا فِي أَمر كَانَت لَهُم فِيهِ أَنَاة، فَلَو أمضيناه عَلَيْهِم فأمضاه عَلَيْهِم. [15] الهنات: خِصَال سوء مَكْرُوهَة، قَالَ ابْن فَارس: وَلَا يُقَال فِي الْخَيْر. وَلَعَلَّ أَبَا الصَّهْبَاء قد سمع من ابْن عَبَّاس أَن الطَّلَاق فِي الْحيض لَا يكره، أَو أَن جمع الثَّلَاث جَائِز، فَأَرَادَ الرَّد عَلَيْهِ. وَالَّذِي يظْهر من معنى الحَدِيث أَن قَوْله: كَانَ طَلَاق الثَّلَاث وَاحِدَة أَن يُوقع وَاحِدَة بعد وَاحِدَة، وَهَذَا طَلَاق السّنة: أَن يُوقع فِي كل طهر طَلْقَة، فَلَمَّا كَانَ فِي عهد عمر تتايع النَّاس فِي الطَّلَاق - أَي أَسْرعُوا فِيهِ وَلم ينتظروا الطُّهْر لإيقاعه، أَو جمعُوا الثَّلَاث بِكَلِمَة وَاحِدَة، فَأَجَازَهُ - أَي حكم بِوُقُوعِهِ. [15] والتتايع - بِالْيَاءِ قبل الْعين - لَا يكون إِلَّا فِي الشَّرّ الحديث: 993 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 [15] وَقَوله: قد استعجلوا فِي أَمر كَانَت لَهُم فِيهِ أَنَاة. أَي رفق. وَهُوَ إِيقَاع الطقلة الْوَاحِدَة فِي الطُّهْر ثمَّ ينْتَظر الطُّهْر الثَّانِي لإيقاع ثَانِيَة. [15] فَلَو أمضيناه عَلَيْهِم، أَي تركنَا الْإِنْكَار عَلَيْهِم فِي هَذَا لِأَنَّهُ مُبَاح. [15] وَفِي هَذَا الحَدِيث: لَا ينفر أحد حَتَّى يكون آخر عَهده بِالْبَيْتِ. النَّفر من الْحَج: الدّفع والانطلاق. وَالْإِشَارَة بِالْحَدِيثِ إِلَى طواف الْوَدَاع. ووهو عندنَا وَاجِب يلْزم بِتَرْكِهِ دم خلافًا لمَالِك وَأحد قولي الشَّافِعِي أَنه لَيْسَ بِوَاجِب. فَإِن طَاف وَلم يعقبه بِالْخرُوجِ لَزِمته الْإِعَادَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تلْزمهُ. 994 - / 1197 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " الْعين حق، وَلَو كَانَ شَيْء سَابق الْقدر سبقته الْعين، وَإِذا استغسلتم فَاغْسِلُوا ". [15] الْعين: نظر باستحسان يشوبه شَيْء من الْحَسَد، وَيكون النَّاظر خَبِيث الطَّبْع كذوات السمُوم فيؤثر فِي المنظور إِلَيْهِ، وَلَوْلَا هَذَا لَكَانَ كل عاشق يُصِيب معشوقه بِالْعينِ. يُقَال: عنت الرجل: إِذا أصبته بِعَيْنِك، فَهُوَ معِين ومعيون، وَالْفَاعِل عائن. وَمعنى قَوْله: " الْعين حق " أَنَّهَا تصيب بِلَا شكّ عَاجلا، كَأَنَّهَا تسابق الْقدر. [15] وَقد أشكل إِصَابَة الْعين على قوم فاعترضوا على هَذَا الحَدِيث فَقَالُوا: كَيفَ تعْمل الْعين من بعد حَتَّى تمرض؟ وَالْجَوَاب: أَن طبائع النَّاس تخْتَلف كَمَا تخْتَلف طبائع الْهَوَام، وَقد بَينا فِيمَا تقدم من شرح قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي الأبتر وَذي الطفيتين: " أَنَّهُمَا يطمسان الْبَصَر ويسقطان الْحَبل " أَن ذَلِك يكون بِسم فصل من أعينهما فِي الْهَوَاء حَتَّى الحديث: 994 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 أصَاب من رأينه، فَكَذَلِك الْآدَمِيّ. قَالَ ابْن السَّائِب: كَانَ فِي الْمُشْركين رجل يمْكث الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَة لَا يَأْكُل، يرفع جَانب خبائه فتمر بِهِ النعم فَيَقُول: لم أر كَالْيَوْمِ إبِلا وَلَا غنما أحسن من هَذِه، فَمَا تذْهب إِلَّا قَرِيبا حَتَّى تسْقط مِنْهَا عدَّة , وَقَالَ الْأَصْمَعِي: رَأَيْت رجلا عيُونا كَانَ يَقُول: إِذا رَأَيْت الشَّيْء يُعجبنِي وجدت حرارة تخرج من عَيْني. [15] وَقد عرف أَن النَّاس من تلسعه الْعَقْرَب فتموت الْعَقْرَب. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: كَانَ المتَوَكل قد جِيءَ بأسود من بعض الْبَوَادِي يَأْكُل الأفاعي وَهِي أَحيَاء، ويتلقاها بالنهش من جِهَة رؤوسها، وَيَأْكُل ابْن عرس وَهُوَ حَيّ، ويتلقاه بِالْأَكْلِ من جِهَة رَأسه. وَأتي بآخر يَأْكُل الْجَمْر كَمَا يَأْكُلهُ الظليم. وفقراء الْأَعْرَاب الَّذين يبعدون عَن الرِّيف يَأْكُلُون الْحَيَّات وكل مادب ودرج من الحشرات. فَلَا يُنكر أَن يكون من النَّاس ذُو طبيعة ذَات سم وضرر، فَإِذا نظر إِلَى الشَّيْء يُعجبهُ فصل من عينه فِي الْهَوَاء شَيْء من السم فيصل إِلَى المرئي فيعله. وَمِمَّا يشبه هَذَا أَن الْمَرْأَة الطامث تَدْنُو من إِنَاء اللَّبن تسوطه فَيفْسد اللَّبن، وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا لشَيْء فصل عَنْهَا فوصل إِلَى اللَّبن، وَقد تدخل الْبُسْتَان فتضر بِكَثِير من الغروس من غير أَن تمسها، وَيفْسد الْعَجِين إِذا وضع فِي الْبَيْت الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 فِيهِ الْبِطِّيخ. وناقف الحنظل تَدْمَع عَيناهُ، وَكَذَلِكَ قَاطع البصل، والناظر إِلَى الْعين المحمرة، وَقد يتثاءب الرجل فيثاءب غَيره. [15] وَجَاء فِي الحَدِيث: أَن عَامر بن ربيعَة رأى سهل بن حنيف يغْتَسل فعانه وَقَالَ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ، وَلَا جلد مخبأة، فلبط بِهِ - أَي صرع - حَتَّى مَا يعقل من شدَّة الوجع، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أتتهمون أحدا؟ " قَالُوا: نعم، عَامر بن ربيعَة. فأخبروه بقوله، فَأمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يغْتَسل لَهُ فَفعل، فراح مَعَ الركب. [15] وَقد وصف الزُّهْرِيّ الْغسْل. فَقَالَ: يُؤْتى العائن بقدح، فَيدْخل كَفه فِيهِ فيمضمض ثمَّ يمجه فِي الْقدح، ثمَّ يغسل وَجهه فِي الْقدح، ثمَّ يدْخل يَده الْيُسْرَى فَيصب على مرفقه الْأَيْمن، ثمَّ يدْخل يَده الْيُمْنَى فَيصب على مرفقه الْأَيْسَر، ثمَّ يغسل دَاخل إزَاره، وَلَا يوضع الْقدح بِالْأَرْضِ، ثمَّ يصب على رَأس الرجل الَّذِي أُصِيب بِالْعينِ من خَلفه صبة وَاحِدَة. وَقد اخْتلفُوا فِي المُرَاد بداخلة إزارة: فَقَالَ أَبُو عبيد: كَانَ بَعضهم يذهب وهمه إِلَى المذاكير، وَبَعْضهمْ إِلَى الأفخاذ والورك، وَلَيْسَ كَذَلِك، إِنَّمَا أَرَادَ بداخله إزَاره طرف إزَاره الدَّاخِل الَّذِي يَلِي جسده، وَهُوَ يَلِي الْجَانِب الْأَيْمن من الرجل، لِأَن المؤتزر إِنَّمَا يبْدَأ إِذا ائتزر بجانبه الْأَيْمن، فَذَلِك الطّرف يُبَاشر جسده، فَهَذَا الَّذِي يغسل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 995 - / 1198 وَفِي الحَدِيث السَّابِع: صفة التَّشَهُّد. وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 996 - / 1199 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: أَن ضباعة أَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِنِّي امْرَأَة ثَقيلَة، وَإِنِّي أُرِيد الْحَج، فَمَا تَأْمُرنِي؟ قَالَ: " أَهلِي بِالْحَجِّ واشترطي أَن محلى حَيْثُ تحبسني ". [15] الإهلال بِالْحَجِّ: التَّلْبِيَة. وَمعنى هَذَا الِاشْتِرَاط أَنِّي أحل إِذا حَبَسَنِي الْمَرَض. وَلَا خلاف أَن الْمحصر بالعدو يتَحَلَّل، فَأَما الْمحصر بِالْمرضِ فَعِنْدَ أبي حنيفَة أَنه كالمحصر بالعدو، وَعند الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد لَا يُبَاح لَهُ التَّحَلُّل، إِلَّا عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد أَنه إِذا شَرط فِي ابْتِدَاء إِحْرَامه أَنه إِذا مرض تحلل جَازَ لَهُ التَّحَلُّل عِنْد وجود الشَّرْط. وَعند أبي حنيفَة وَمَالك أَن اشْتِرَاطه لَا تَأْثِير لَهُ. فَأَبُو حنيفَة يَقُول: لَا يحل لَهُ إِلَّا بِالْهَدْي، وَمَالك يَقُول: لَا يَسْتَفِيد التَّحَلُّل أصلا. والْحَدِيث حجَّة جلية؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَ الْمَرَض يُبِيح لَهَا التَّحَلُّل لم يكن لاشتراطها معنى. فَإِن قَالُوا: فَائِدَة هَذَا الشَّرْط أَن لَا يلْزمهَا الْهَدْي، فلنا الحكم الْمُعَلق على الشَّرْط التَّحَلُّل، وَلم يجر للهدي ذكر، ثمَّ عنْدكُمْ إِن وجود هَذَا الشَّرْط كَعَدَمِهِ، وَإنَّهُ يجوز لَهَا التَّحَلُّل قبل الْهَدْي فَمَا قُلْتُمْ بِهِ. 977 - / 1200 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي الإقعاء الحديث: 995 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 على الْقَدَمَيْنِ: هُوَ سنة. [15] قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: الإقعاء: أَن يضع أليته على عَقِبَيْهِ وَيقْعد مستوفزا غير مطمئن إِلَى الأَرْض، وَكَذَلِكَ إقعاء السبَاع وَالْكلاب إِنَّمَا هُوَ أَن تقعد على مآخيرها وتنصب أفخاذها. قَالَ طَاوُوس: رَأَيْت العبادلة ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير يَفْعَلُونَ ذَلِك. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: أهل مَكَّة يستعملون الإقعاء. وَقد رُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه قَالَ لِبَنِيهِ: لَا تقتدوا بِي فِي الإقعاء، فَإِنِّي فعلته حِين كَبرت. وَيُشبه أَن يكون حَدِيث ابْن عَبَّاس مَنْسُوخا، لِأَنَّهُ قد ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طرق أَنه قعد بَين السَّجْدَتَيْنِ مفترشا قدمه الْيُسْرَى. 988 - / 1203 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: أَن امْرَأَة رفعت صَبيا لَهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَلِهَذَا حج؟ قَالَ: " نعم، وَلَك أجر. [15] هَذَا الحَدِيث صَرِيح فِي صِحَة حج الصَّبِي. وَعِنْدنَا أَن إِحْرَامه صَحِيح، فَإِن كَانَ مُمَيّزا صَحَّ إِحْرَامه بِإِذن وليه، وَإِن كَانَ غير مُمَيّز أحرم عَنهُ الْوَلِيّ وَصَارَ محرما بِإِحْرَام الْوَلِيّ، وَفعل عَنهُ مَا لَا يَتَأَتَّى فعله مِنْهُ، وَهَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ. فَأَما نَفَقَة حجه وَمَا يلْزمه من كَفَّارَة إِذا ارْتكب مَحْظُورًا فَهَل هِيَ فِي مَاله أَو فِي مَال وليه؟ فِيهِ عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ. وَاخْتلف أَصْحَاب أبي حنيفَة: فَمنهمْ من قَالَ: لَا يَصح إِحْرَامه وَلَا حجه بِحَال. وَمِنْهُم من قَالَ: يَصح، وَلَكِن لَا يلْزم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 وَفَائِدَته أَنه ارْتكب مَحْظُورًا لم تلْزمهُ الْكَفَّارَة. وَلَا خلاف فِي وجوب الْإِعَادَة عِنْد الْبلُوغ. 999 - / 1204 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى خَاتمًا من ذهب فِي يَد رجل، فَنَزَعَهُ فطرحه، وَقَالَ: " يعمد أحدكُم إِلَى جَمْرَة من نَار فيجعلها فِي يَده " فَقيل للرجل بَعْدَمَا ذهب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خُذ خاتمك انْتفع بِهِ. قَالَ: لَا وَالله، لَا آخذه أبدا وَقد طَرحه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] إِنَّمَا جعل الْخَاتم جَمْرَة لِأَنَّهُ محرم اللّبْس، وَالْحرَام يَئُول بِصَاحِبِهِ إِلَى النَّار، فَهُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَارا} [النِّسَاء: 10] وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " من شرب فِي آنِية الْفضة إِنَّمَا يجرجر فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم ". [15] وَرُبمَا نسب هَذَا الرجل بعض الْجُهَّال إِلَى التَّفْرِيط فِي ترك انتفاعه بالخاتم، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِنَّهُ لَا يخفى أَن الْمحرم لبسه لَا الِانْتِفَاع بِهِ، غير أَنه قد يتَعَلَّق الإبعاد بِعَين الشَّيْء، فخاف الرجل أَن يكون هَذَا من ذَاك الْجِنْس، مثل مَا تقدم من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن: أَن امْرَأَة لعنت ناقتها، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " خُذُوا مَا عَلَيْهَا ودعوها، فَإِنَّهَا ملعونة " وَكَذَلِكَ لما ورد أَرض ثَمُود فعجنوا من بئارها أَمرهم بإلقاء الْعَجِين. فَلَمَّا جَازَ أَن يكون للشَّرْع فِي صُورَة الْأَمر سر، كَانَ الأولى الحديث: 999 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 450 التَّمَسُّك بِظَاهِر اللَّفْظ. وَفِي هَذَا تَنْبِيه على منع إِخْرَاج الْقيم فِي الزَّكَاة؛ لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ مُرَاده نفس مَا نَص عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ إِزَالَة النَّجَاسَة بِالْمَاءِ. 1000 - / 1206 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: قَالَ كريب: رَأَيْت الْهلَال بِالشَّام لَيْلَة الْجُمُعَة، ثمَّ قدمت الْمَدِينَة فَأخْبرت ابْن عَبَّاس فَقَالَ: لَكنا رَأَيْنَاهُ لَيْلَة السبت. قلت: افلا تكتفي بِرُؤْيَة مُعَاوِيَة؟ قَالَ: لَا، هَكَذَا أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] اخْتلف الْفُقَهَاء فِيمَا إِذا رأى الْهلَال أهل بلد، فَهَل يلْزم جَمِيع الْبِلَاد الصَّوْم؟ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: يلْزم، وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يلْزم إِلَّا مَا قَارب ذَلِك الْبَلَد. 1001 - / 1207 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: فرض الله الصَّلَاة على نَبِيكُم فِي الْحَضَر أَرْبعا، وَفِي السّفر رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْف رَكْعَة. [15] هَذَا يحْتَج بِهِ أَبُو حنيفَة، لِأَن عِنْده يتَعَيَّن الْقصر على الْمُسَافِر وَلَا يجوز لَهُ الْإِتْمَام. وَنحن نجيب عَن هَذَا الحَدِيث من وَجْهَيْن: أَنه رَأْي ابْن عَبَّاس واجتهاده لَا رِوَايَته. وَالثَّانِي: أَن الصَّلَاة فِي السّفر رَكْعَتَيْنِ فرض من يخْتَار الْقصر، وَعِنْدنَا أَن الْمُسَافِر مُخَيّر بَين الْقصر والإتمام، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وللخصم على هَذَا اعْتِرَاض، فَإِنَّهُم يَقُولُونَ: أجمعنا على أَن مَا زَاد على الرَّكْعَتَيْنِ لَا يجب على الْمُسَافِر، الحديث: 1000 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 451 بِدَلِيل أَنه يجوز لَهُ تَركه، وَلَا يجوز أَن يُقَال: الْوُجُوب مَوْقُوف على إِرَادَة العَبْد، فَإِن اخْتَار الْإِتْمَام وَجب، وَإِن لم يختره لم يجب؛ لِأَن هَذَا يُوجب تَفْوِيض الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة إِلَى اخْتِيَار العَبْد. وَالْجَوَاب: إِنَّمَا لم يجب مَا زَاد على الرَّكْعَتَيْنِ لِأَن الله تَعَالَى تصدق على الْمُسَافِر. فَإِن قيل: الصَّدَقَة تسْقط عَنهُ، وَإِن لم يقبل وأتى بِهِ أَتَى بِالْوَاجِبِ، وَصَارَ كمن عَلَيْهِ أَرْبَعَة دَرَاهِم فَقَالَ صَاحب الدّين: قد تَصَدَّقت عَلَيْك بِدِرْهَمَيْنِ، فَإِن قبل وَأدّى دِرْهَمَيْنِ كَانَت هِيَ الْوَاجِب، وَإِن لم يقبل وَأدّى الْأَرْبَعَة كَانَت الْوَاجِب. وَقَوْلهمْ: الْوُجُوب لَا يقف على اخْتِيَار العَبْد. قُلْنَا: إِنَّمَا خير فِي تعْيين قدر دون قدر كَمَا خير فِي كَفَّارَة الْيَمين. وَيدل على أَن الِاخْتِيَار إِلَى العَبْد قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " فاقبلوا صدقته " وَالنَّدْب إِلَى الْقبُول دَلِيل على ارتباطه بِاخْتِيَار الْمُكَلف. وَمثل هَذَا إِيجَاب الشَّرْع على الْمُصَلِّي أَن يقف فِي الصَّلَاة بِقدر الْقِرَاءَة، ثمَّ لَو مد الْقيام وَقع الْكل وَاجِبا. [15] وَأما قَوْله: صَلَاة الْخَوْف رَكْعَة، فَإِنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا يَقْتَدِي فِيهِ الْمَأْمُوم؛ لِأَنَّهُ يَقْتَدِي فِي رَكْعَة، وَيتم أُخْرَى، وَلَوْلَا هَذَا الْحمل كَانَ مُخَالفا للْإِجْمَاع. 1002 - / 1208 وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى} [النَّجْم: 11] قَالَ: رَآهُ بِقَلْبِه وَفِي لفظ: رَآهُ بفؤاده مرَّتَيْنِ. [15] اعْلَم أَن الْمُفَسّرين اخْتلفُوا فِي هَاء الْكِنَايَة فِي قَوْله: {وَلَقَد رَآهُ} الحديث: 1002 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا ترجع إِلَى الله عز وَجل، وعَلى هَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس. وَقَوله: بِقَلْبِه وفؤاده، رَأْي من ابْن عَبَّاس حمل فِيهِ الْحَقِيقَة على الْمجَاز، لِأَن الرُّؤْيَة إِذا أطلقت فحقيقتها بالبصر. وَقد روى ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " رَأَيْت رَبِّي ". وَالثَّانِي: أَنَّهَا ترجع إِلَى جِبْرِيل، وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود، فَلَا يحْتَاج على هَذَا القَوْل أَن يُقَال: رَآهُ بِقَلْبِه وَلَا بفؤاده. 1003 - / 1209 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: " لَك الْحَمد ملْء السَّمَوَات وملء الأَرْض ". [15] فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه أُرِيد تَكْثِير الْحَمد فَضرب لَهُ مثل يَقْتَضِي الْكَثْرَة، كَقَوْلِه: " من لَقِيَنِي بقراب الأَرْض خَطَايَا لَقيته بقرابها مغْفرَة ". وَالثَّانِي: أَن يكون الْحَمد كَمَا قيل: كتب فَمَلَأ بالصحف السَّمَوَات وَالْأَرْض. [15] وَقَوله: " أهل الثَّنَاء وَالْمجد " الْمجد: الشّرف. [15] وَقَوله: " وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد " قَالَ أَبُو عبيد: لَا ينفع ذَا الْغنى مِنْك غناهُ، وَإِنَّمَا يَنْفَعهُ طَاعَتك وَالْعَمَل بِمَا يقربهُ مِنْك. 1004 - / 1210 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِيَمِين وَشَاهد. الحديث: 1003 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 [15] هَذَا الحَدِيث قد رَوَاهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمر وَعلي وَابْن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت وَابْن عمر وَابْن عَمْرو وَسعد بن عبَادَة وَجَابِر بن عبد الله وَأَبُو سعيد وَأَبُو هُرَيْرَة وَسَهل بن سعد وعامر بن ربيعَة والمغيرة وَأنس ابْن مَالك وَتَمِيم الدَّارِيّ وَعمارَة بن حَازِم وَعَمْرو بن حزم وَسَلَمَة بن قيس وبلال بن الْحَارِث وسرق وَزَيْنَب بنت ثَعْلَبَة العذري. وَهُوَ مَذْهَب أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَمُعَاوِيَة وَشُرَيْح وَسَعِيد بن الْمسيب وَعُرْوَة وَالشعْبِيّ وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن وخارجة بن زيد وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود وَسليمَان بن يسَار وَأبي سَلمَة ابْن عبد الرَّحْمَن وَالزهْرِيّ وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَعبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن وَيحيى بن يعمر وَسليمَان بن حبيب وَمَكْحُول. وَمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد أَنه يجوز الحكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين فِي المَال وَمَا يقْصد بِهِ المَال خلافًا لأبي حنيفَة. وَهل يقْضى بذلك فِي الْعتاق؟ فِيهِ عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ. وَلَا يقْضى بامرأتين وَيَمِين خلافًا لمَالِك. وَإِذا حكم الْحَاكِم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين فَرجع الشَّاهِد عَن شَهَادَته غرم جَمِيع المَال. وَقَالَ الشَّافِعِي: يغرم النّصْف. [15] 1005 / 1211 وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: أهْدى الصعب بن جثامة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حمَار وَحش. وَفِي لفظ: رجل وَحش، فَرده وَقَالَ: " لَوْلَا أَنا محرمون لقبلناه مِنْك ... ". [15] الرجل من أصل الْفَخْذ. والْحَدِيث مَحْمُول على أَنه صَاده لأَجله، خلافًا لأبي حنيفَة. وَفِيه وَجه آخر: وَهُوَ أَنه رد الصَّيْد لِأَنَّهُ لَا يجوز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 للْمحرمِ تملك الصَّيْد، لَا بالهدية وَلَا بِالشِّرَاءِ. 1006 - / 1213 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: " من سمع سمع الله بِهِ وَمن راءى راءى الله بِهِ ". [15] سمع: عمد ليسمع النَّاس عَنهُ فعله الْحسن. سمع الله بِهِ: أَي أظهر عَنهُ مَا ينطوي عَلَيْهِ من قبح السريرة. تَقول: سَمِعت بالشَّيْء: إِذا أشعته فَفَشَا فِي الأسماع، وَسمعت بِالرجلِ: إِذا أشهرته وأفشيت الْقَبِيح عَنهُ. وعَلى نَحْو هَذَا: " من راءى راءى الله بِهِ ". 1007 - / 1215 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: " لَا تَتَّخِذُوا شَيْئا فِيهِ الرّوح غَرضا ". [15] الْغَرَض: المرمى. 1008 - / 1216 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: بَينا جِبْرِيل قَاعد عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمع نقيضا من فَوْقه، فَرفع رَأسه فَقَالَ: " هَذَا بَاب من السَّمَاء فتح الْيَوْم لم يفتح قطّ، فَنزل مِنْهُ ملك، فَقَالَ: هَذَا ملك نزل إِلَى الأَرْض لم ينزل قطّ، فَسلم وَقَالَ: أبشر بنورين أُوتِيتهُمَا لم يؤتهما نَبِي قبلك: فَاتِحَة الْكتاب وخواتيم سُورَة الْبَقَرَة، لن تقْرَأ بِحرف مِنْهُمَا إِلَّا أَعْطيته ". الحديث: 1006 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 [15] النقيض: الصَّوْت. [15] قد يشكل هَذَا الحَدِيث فَيُقَال: كَأَن سُورَة " الْبَقَرَة " أوتيها نَبِي قبله، أَو " آل عمرَان " أَو غير ذَلِك من الْقُرْآن، فَكيف خص " الْفَاتِحَة " وخواتيم " الْبَقَرَة "؟ وَالْجَوَاب: أَن الْمَقْصُود مَا فيهمَا؛ فَإِن الْفَاتِحَة قد علمنَا فِيهَا سُؤال الصِّرَاط الْمُسْتَقيم، وَقد وهب لِأُمَّتِنَا فِيهَا مَا لم يُوهب لمتقدمي الْأُمَم، وسلمت من أَوْصَاف المغضوب عَلَيْهِم وهم الْيَهُود، والضالين، وهم النَّصَارَى. وَآمَنت بِجَمِيعِ كتب الله وَرَسُوله، وَلم تفرق بَين رَسُول وَرَسُول كَمَا فرقت الْأُمَم قبلهَا فِي الْإِيمَان بالرسل، وَقَالَت: سمعنَا وأطعنا، وَقد قَالَ من قبلهَا: وعصينا، وعفي لَهَا عَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان، وَلم يحمل عَلَيْهَا إصرا - وَهُوَ الثّقل - كَمَا حمل على من قبلهَا، وَلَا مَالا طَاقَة لَهَا بِهِ. [15] فَإِن قَالَ قَائِل: فقد قَالَ: " افْتَرَقت أمة مُوسَى وَعِيسَى، وَسَتَفْتَرِقُ أمتِي " فَالْجَوَاب: أَن الْفرْقَة النَّاجِية من هَذِه الْأمة أَكثر من الْفرق الضَّالة من غَيرهَا، فَهَذِهِ الْأمة إِلَى السَّلامَة أقرب. وَإِذا أردْت اعْتِبَار الْأَحْوَال فَانْظُر إِلَى قوم مُوسَى، كَيفَ عرضت لَهُم غزَاة فِي الْعُمر فَقَالُوا: {اذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا} وَكَانَ أَصْحَاب نَبينَا عَلَيْهِ السَّلَام يستجيبون لَهُ مَعَ الْجراح والقرح. وَأُولَئِكَ يَقُولُونَ لمُوسَى: {اجْعَل لنا إِلَهًا} وَهَؤُلَاء يَتْلُو أطفالهم {قل هُوَ الله أحد} وَقد سبق فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، إِنِّي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 أَرْجُو أَن تَكُونُوا نصف أهل الْجنَّة ". وَقد روينَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " أهل الْجنَّة مائَة وَعِشْرُونَ صفا، أمتِي مِنْهُم ثَمَانُون ". 1009 - / 1217 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: لما نزلت: {وَإِن تبدو مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} [الْبَقَرَة: 284] دخل قُلُوبهم مِنْهَا شَيْء لم يدْخل قُلُوبهم من شَيْء، فَأنْزل الله تَعَالَى: {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} الْآيَة [الْبَقَرَة: 286] . [15] اعْلَم أَن ابْن عَبَّاس يُشِير إِلَى النّسخ، وَقد صرح بِهِ فِي حَدِيث آخر. وَقد ذهب آخَرُونَ إِلَى أَنه لم ينْسَخ، ثمَّ انقسموا قسمَيْنِ: مِنْهُم من قَالَ: هُوَ عَام فِي جَمِيع المخفيات. ثمَّ انقسم هَؤُلَاءِ ثَلَاث فرق: ففرقة قَالَت: يُؤَاخذ بِهِ من يَشَاء ويغفره لمن يَشَاء، وَهُوَ مَذْهَب ابْن عمر وَالْحسن. وَفرْقَة قَالَت: معنى الْمُؤَاخَذَة بِهِ اطلَاع العَبْد على فعله السيء، وَقد روى هَذَا الْمَعْنى عَليّ بن أبي طَالب عَن ابْن عَبَّاس. وَفرْقَة قَالَت: الْمُؤَاخَذَة بِهِ هُوَ مَا يُصِيب العَبْد فِي الدُّنْيَا من غم وحزن وأذى، وَهَذَا قَول عَائِشَة. وَأما الْقسم الثَّانِي فَإِنَّهُم قَالُوا: بل هُوَ خَاص فِي نوع من المخفيات، وَلَهُم فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه فِي الشَّهَادَة، قَالَ: معنى إِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم من كتمان الشَّهَادَة أَو تُخْفُوهُ، وَهَذَا الْمَعْنى فِي رِوَايَة مقسم عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: أَنه الشَّك وَالْيَقِين، قَالَه مُجَاهِد. الحديث: 1009 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 1010 - / 1218 وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْعِشْرين: أَن ضمادا سمع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلَاما فَقَالَ: لقد بلغ قَامُوس الْبَحْر. [15] قَالَ أَبُو عبيد: قاموسه: وَسطه، ولي فِي الْبَحْر مَوضِع أبعد غورا مِنْهُ، وَلَا المَاء أَشد انغماسا مِنْهُ فِي وَسطه. وأصل القمس الغوص. وَقد رَوَاهُ قوم: ناعوس الْبَحْر، وَهُوَ تَصْحِيف. 1011 - / 1219 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين: قَالَ أَبُو البخْترِي: تراءينا الْهلَال، فَقَالَ بعض الْقَوْم: هُوَ ابْن ثَلَاث. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ ابْن لَيْلَتَيْنِ. فَقَالَ: أَي لَيْلَة رَأَيْتُمُوهُ؟ قُلْنَا: لَيْلَة كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن الله مده للرؤية ". [15] معنى الحَدِيث: لَا تنظروا إِلَى كبر الْهلَال وصغره، فَإِن تَعْلِيق الحكم على رُؤْيَته. " فَإِن أُغمي " يَعْنِي لَيْلَة رَمَضَان " فأكلموا الْعدة " أَي عدَّة شعْبَان. هَذَا الظَّاهِر، لقَولهم فِي أول الحَدِيث: أَهْلَلْنَا رَمَضَان. وَيحْتَمل: فَإِن أُغمي فِي آخِره فأكملوا عدَّة رَمَضَان. 1012 - / 1220 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: حَدِيث الرَّمْي بالنجوم. وَقد تكلمنا عَلَيْهِ فِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسِّتِّينَ من هَذَا الْمسند. الحديث: 1010 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 [15] وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْغَرِيب: يقرفون فِيهِ: أَي يزِيدُونَ ويضيفون إِلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ. [15] وَمِنْه: " حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم " قَالَ ابْن قُتَيْبَة: خفف عَنْهَا الْفَزع. وَالْإِشَارَة إِلَى الْمَلَائِكَة يفزعون خوفًا من أَمر يطْرَأ عَلَيْهِم من أَمر الله عز وَجل. 1013 - / 1222 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ: أَن نجدة الحروري كتب إِلَى ابْن عَبَّاس: هَل كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَغْزُو بِالنسَاء؟ وَهل كَانَ يضْرب لَهُنَّ بِسَهْم؟ وَهل كَانَ يقتل الصّبيان؟ وَمَتى يَنْقَضِي يتم الْيَتِيم؟ وَعَن الْخمس: لمن هُوَ؟ فَكتب إِلَيْهِ: قد كَانَ يَغْزُو بِالنسَاء فيداوين الْجَرْحى، ويحذين من الْغَنِيمَة، وَأما سهم فَلَا يضْرب لَهُنَّ: وَلم يكن يقتل الصّبيان. وَأما يتم الْيَتِيم، فلعمري إِن الرجل لتنبت لحيته وَإنَّهُ لضعيف الْأَخْذ ضَعِيف الْعَطاء، فَإِذا أَخذ لنَفسِهِ من صَالح مَا يَأْخُذ النَّاس فقد ذهب عَنهُ الْيُتْم. وَأما الْخمس فَإنَّا نقُول: هُوَ لنا، فَأبى علينا قَومنَا ذَلِك. وَقَالَ: لَوْلَا أَن يَقع فِي أحموقة مَا كتبت إِلَيْهِ. [15] يحذين: يُعْطين. [15] وَأما الْيُتْم فَإِنَّهُ يرْتَفع بِالْبُلُوغِ، وَإِنَّمَا يقف تَسْلِيم مَاله على إيناس الرشد. [15] وَأما الْخمس فَاعْلَم أَن الْغَنِيمَة إِذا حصلت عَن الْقِتَال بَدَأَ الإِمَام الحديث: 1013 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 بالأسلاب، فَأَعْطَاهَا للمقاتلين، ثمَّ أخرج مُؤنَة الْغَنِيمَة: وَهِي أُجْرَة الَّذين حملوها وجمعوها وحفظوها، ثمَّ أخرج خمسها فَقَسمهُ على خَمْسَة أسْهم: سهم لله تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ، يصرف فِي الْمصَالح وسد الثغور وأزراق الْجند وَغَيرهَا. وَسَهْم لِذَوي الْقُرْبَى، وهم بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ ابْن عَبَّاس: فَأبى علينا قَومنَا، كَأَنَّهُ قَالَ: هُوَ لبني هَاشم، فَقَالَ بَنو الْمطلب: وَلنَا. وَسَهْم لِلْيَتَامَى الْفُقَرَاء، وَسَهْم للْمَسَاكِين، وَسَهْم لأبناء السَّبِيل. ثمَّ يعْطى النَّفْل بعد ذَلِك ويرضخ لمن لاسهم لَهُ من العبيد وَالنِّسَاء وَالصبيان، ثمَّ يقسم بَاقِي الْغَنِيمَة بَين من شهد الْوَقْعَة. [15] والأحموقة من الحماقة، فَكَأَنَّهُ خَافَ أَن يفعل شَيْئا بِجَهْل، فَعرفهُ الصَّوَاب. 1014 - / 1223 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ: " فَأَما السُّجُود فاجتهدوا فِي الدُّعَاء، فقمن أَن يُسْتَجَاب لكم ". [15] قمن مَفْتُوحَة الْمِيم، وَالْمعْنَى: جدير وحقيق وحري. قَالَ أَبُو عبيد: يُقَال قمن، وَلَا يثنى وَلَا يجمع وَلَا يؤنث، لِأَنَّهُ مصدر سمي بِهِ، فَإِذا قلت قمن بِكَسْر الْمِيم ثنيت وجمعت وأنثت، لِأَنَّهُ اسْم. وَيُقَال قمين أَيْضا بِمَعْنى قمن. قَالَ قيس بن الخطيم: (إِذا جَاوز الِاثْنَيْنِ سر فَأَنَّهُ ... بنث وتكثير الوشاة قمين) الحديث: 1014 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 1051 - / 1234 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَئِن بقيت إِلَى قَابل لأصومن التَّاسِع "، فَلم يَأْتِ الْعَام الْمقبل حَتَّى توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِي رِوَايَة: قَالَ ابْن عَبَّاس: إِذا رَأَيْت هِلَال الْمحرم فاعدد وَأصْبح يَوْم التَّاسِع صَائِما. قلت: هَكَذَا كَانَ مُحَمَّد يَصُومهُ؟ قَالَ: نعم. [15] اعْلَم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قدم الْمَدِينَة رأى الْيَهُود يَصُومُونَ يَوْم عَاشُورَاء، فصامه وَأمر بصيامه، فَلَمَّا نزلت فَرِيضَة رَمَضَان لم يَأْمُرهُم بِغَيْرِهِ، فَبَقيَ ذَلِك الْيَوْم يتَطَوَّع بصومه، فَأَرَادَ مُخَالفَة الْيَهُود فِي آخر عمره، فَمَاتَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] وَفِي قَوْله: " إِذا كَانَ الْعَام الْمقبل صمنا يَوْم التَّاسِع " أَرْبَعَة أوجه: أَحدهَا: أَن يكون أَرَادَ صَوْم التَّاسِع عوضا عَن الْعَاشِر ليخالف الْيَهُود. وَالثَّانِي: أَن يكون أَرَادَ صَوْم التَّاسِع والعاشر ليخالفهم. وَالثَّالِث: أَن يكون كره صَوْم يَوْم مُفْرد فَأَرَادَ أَن يصله بِيَوْم آخر. وَالرَّابِع: أَن التَّاسِع هُوَ عَاشُورَاء، وَهَذَا مَذْهَب ابْن عَبَّاس كَمَا ذكرنَا، وَإِنَّمَا أَخذه ابْن عَبَّاس من أعشار أوراد الْإِبِل، وَالْعشر عِنْدهم تِسْعَة أَيَّام، وَذَلِكَ أَنهم يحسبون فِي الأظماء الْورْد، فَإِذا وردوا يَوْمًا وَأَقَامُوا فِي المرعى يَوْمَيْنِ ثمَّ أوردوا الْيَوْم الثَّالِث قَالُوا: أوردنا أَرْبعا، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْم الثَّالِث، فَإِذا أَقَامُوا فِي الرَّعْي ثَلَاثًا ووردوا الْيَوْم الرَّابِع قَالُوا: أوردنا خمْسا، وعَلى هَذَا الْحساب، فعاشوراء على هَذَا الْقيَاس إِنَّمَا هُوَ الْيَوْم التَّاسِع. الحديث: 1051 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 1061 - / 1235 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حمارا مَوْسُوم الْوَجْه، فَأنْكر ذَلِك وَقَالَ: وَالله لَا أُسَمِّهِ إِلَّا فِي أقْصَى شَيْء من الْوَجْه، وَأمر بحماره فكوي فِي جَاعِرَتَيْهِ، وَهُوَ أول من كوى الْجَاعِرَتَيْنِ. [15] قَالَ الزّجاج: الجاعرتان: مَوضِع الرقمتين من عجز الْحمار. وكشف هَذِه غَيره فَقَالَ: الجاعرتان: مضرب الْحَيَوَان بِذَنبِهِ على فَخذه. 1017 - / 1226 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ: ذكر الأنواء. [15] وَقد سبقت فِي مُسْند زيد بن خَالِد. [15] وَقَوله: {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} [الْوَاقِعَة: 75] وَفِي " لَا " قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا صلَة. وَالثَّانِي: أَنَّهَا على أَصْلهَا. ثمَّ فِيهَا قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا للنَّهْي. وَالتَّقْدِير: فَلَا تكذبوا وَلَا تجحدوا مَا ذكرته من النعم. وَالثَّانِي: أَنَّهَا رد لما يَقُوله الْكفَّار فِي الْقُرْآن إِنَّه سحر وَشعر، ثمَّ اسْتَأْنف الْقسم. [15] وَفِي " النُّجُوم " قَولَانِ: أَحدهمَا: نُجُوم السَّمَاء، فعلى هَذَا فِي مواقعها ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: انتشارها يَوْم الْقِيَامَة، قَالَه الْحسن. وَالثَّانِي: منازلها، قَالَه عَطاء. وَالثَّالِث: مغيبها فِي الْمغرب، قَالَه الحديث: 1061 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 أَبُو عُبَيْدَة. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنَّهَا نُجُوم الْقُرْآن، قَالَه ابْن عَبَّاس، فعلى هَذَا سميت نجوما لنزولها مُتَفَرِّقَة. [15] وَقَوله: (مدهنون) قَالَ مُجَاهِد: ممالئون للْكفَّار على الْكفْر بِهِ. {وتجعلون رزقكم} أَي شكر رزقكم {أَنكُمْ تكذبون} وَذَلِكَ لقَولهم: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا، فقد كفرُوا بالمنعم. 1018 - / 1227 وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ الْمُسلمُونَ لَا ينظرُونَ إِلَى أبي سُفْيَان وَلَا يُقَاعِدُونَهُ، فَقَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا نَبِي الله، ثَلَاثًا أعطنيهن. قَالَ: " نعم ". قَالَ: عِنْدِي أحسن الْعَرَب وأجمله، أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان، أزَوّجكَهَا، قَالَ: " نعم ". قَالَ: وَمُعَاوِيَة تَجْعَلهُ كَاتبا بَين يَديك. قَالَ: " نعم ". [15] قَالَ: وَتُؤَمِّرنِي حَتَّى أقَاتل الْكفَّار كَمَا كنت أقَاتل الْمُسلمين. قَالَ: " نعم ". وَفِي هَذَا الحَدِيث وهم من بعض الروَاة لَا شكّ فِيهِ وَلَا تردد، وَقد اتهموا بِهِ عِكْرِمَة بن عمار رَاوِي الحَدِيث، وَقد ضعف أَحَادِيثه يحيى ابْن سعيد وَقَالَ: لَيست بصحاح، وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: هِيَ أَحَادِيث ضِعَاف، وَلذَلِك لم يخرج عَنهُ البُخَارِيّ، وَإِنَّمَا أخرج عَنهُ مُسلم، لِأَنَّهُ قد قَالَ يحيى بن معِين: هُوَ ثِقَة. [15] وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِن هَذَا وهم لِأَن أهل التَّارِيخ أَجمعُوا على أَن أم حَبِيبَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 كَانَت عِنْد عبد الله بن جحش، وَولدت لَهُ، وَهَاجَر بهَا وهما مسلمان إِلَى أَرض الْحَبَشَة، ثمَّ تنصر وَثبتت هِيَ على دينهَا، فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى النَّجَاشِيّ ليخطبها عَلَيْهَا، فَزَوجهُ إِيَّاهَا، واصدقها عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذَلِكَ سنة سبع من الْهِجْرَة، وَجَاء أَبُو سُفْيَان فِي زمن الْهُدْنَة فَدخل عَلَيْهَا، فتلت بِسَاط رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لَا يجلس عَلَيْهِ. وَلَا خلاف أَن أَبَا سُفْيَان وَمُعَاوِيَة أسلما فِي فتح مَكَّة سنة ثَمَان، وَلَا نَعْرِف أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَبَا سُفْيَان. وَقد أَنبأَنَا ابْن نَاصِر عَن أبي عبد الله الْحميدِي قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن سعيد الْحَافِظ قَالَ: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع لَا شكّ فِي وَضعه، والآفة فِيهِ من عِكْرِمَة بن عمار، وَلم يخْتَلف أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزَوجهَا قبل الْفَتْح بدهر وأبوها كَافِر. [15] وَأما كَون الْمُسلمين كَانُوا لَا ينظرُونَ إِلَيْهِ وَلَا يُقَاعِدُونَهُ فلأجل مالقوا من محاربته، ثمَّ مَا كَانُوا يثقون بِإِسْلَامِهِ، وَهُوَ مَعْدُود فِي الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم، ثمَّ إِن الله ثَبت الْإِسْلَام فِي قلبه فقاتل الْمُشْركين وَبَالغ. 1019 - / 1228 وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: كَانَ الْمُشْركُونَ يَقُولُونَ: لبيْك لَا شريك لَك، فَيَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " وَيْلكُمْ، قد قد " أَي حسبكم؛ لِأَنَّهُ علم أَنهم يَقُولُونَ بعد هَذَا: إِلَّا شَرِيكا هُوَ لَك. 1020 - / 1230 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ: " إِذْ دبغ الإهاب فقد طهر ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 [15] يحْتَج بِهَذَا من يرى طَهَارَة جُلُود الْميتَة، وَهَذَا لَا يُمكن الْعَمَل بِإِطْلَاقِهِ إِلَّا عِنْد أبي يُوسُف وَدَاوُد، فَإِن الشَّافِعِي يَسْتَثْنِي جلد الْكَلْب وَالْخِنْزِير، وَأَبا حنيفَة جلد الْخِنْزِير، فَإِذا لم يكن الْعَمَل عِنْدهمَا بِعُمُومِهِ حملناه على غير الْميتَة، وَيكون معنى طَهَارَته بالدبغ أَن إِزَالَة الأوساخ عَنهُ بدبغه أَجْزَأت عَن المَاء. وَإِن قُلْنَا: هُوَ مَنْسُوخ بِحَدِيث ابْن عكيم فَلَا كَلَام. [15] وَقَوله: يُؤْتى بالسقاء يجْعَلُونَ فِيهِ الودك. فَنَقُول: من الْجَائِز أَن يكون من الْمَجُوس من أسلم أَو من أهل الْكتاب، فَيحْتَمل من ذبح أُولَئِكَ، فَيَنْبَغِي قَوْله: " دباغه طهوره " فَيكون مَعْنَاهُ. مَا ذكرنَا. 1021 - / 1231 وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين: فِي ذكر الْخمر: " إِن الَّذِي حرم شربهَا حرم بيعهَا " فَفتح المزادتين حَتَّى ذهب مَا فِيهَا. [15] الْخمر نجسسة الْعين، فَلَا يَصح بيعهَا كالبول. [15] والمزاد: جلد مخروز على هَيْئَة مَا يحمل المَاء كالقربة والراوية. 1022 - / 1233 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ: انْطلق سِنَان بن سَلمَة مُعْتَمِرًا وَانْطَلق مَعَه ببدنة يَسُوقهَا، فأزحفت عَلَيْهِ بِالطَّرِيقِ، فعي بشأنها إِن هِيَ أبدعت، كَيفَ يَأْتِي لَهَا. [15] أزحفت مَفْتُوح الْألف، قَالَ الزّجاج: وَيُقَال زحف الصَّبِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 وأزحف: إِذا لم يقدر على النهوض، مهزولا كَانَ أَو سمينا. [15] وَقَوله: فعي بشأنها. يُقَال: عي فلَان بِكَذَا وعيي بِهِ: إِذا تحير فَلم يدر كَيفَ الْمخْرج فِيهِ. [15] وأبدعت النَّاقة: أَي ظلعت وكلت فَلم تنهض، والظلع لِلْإِبِلِ كالعرج للْإنْسَان. [15] وَقَوله: لأستحفين: أَي لأستقصين فِي السُّؤَال عَنهُ. والحفي بالشَّيْء: المعني بِهِ والمستقصي فِي الْبَحْث عَنهُ. [15] وَقَوله: أَصبَحت: يَعْنِي انقادت. [15] والبطحاء: الْمَكَان المتسع المنفسح، وَكَذَلِكَ الأبطح والبطيحة. [15] وَقَوله: على الْخَبِير سَقَطت: أَي على من يعلم بَاطِن هَذَا الْأَمر وَقعت. [15] وَقَوله: اصبغ نعلها فِي دَمهَا: أَي اغمسه فِيهِ والطخه بِهِ، ثمَّ اجْعَلْهُ على صفحتها ليَكُون ذَلِك عَلامَة يعرف بِهِ النَّاظر أَنَّهَا هَدِيَّة فيأكلها الْفُقَرَاء. [15] وَقَوله: وَلَا تَأْكُل مِنْهَا. عندنَا أَنه لَا يجوز الْأكل من جَمِيع الدِّمَاء الْوَاجِبَة إِلَّا من هدي التَّمَتُّع وَالْقرَان. وَعَن أَحْمد: يَأْكُل من الْجَمِيع إِلَّا النّذر وَجَزَاء الصَّيْد، وَبِه قَالَ مَالك، وَزَاد: وفدية الْأَذَى. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَأْكُل من جَمِيع الدِّمَاء الْوَاجِبَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 1023 - / 123 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس: كَيفَ أُصَلِّي إِذا كنت بِمَكَّة إِذا لم أصل مَعَ الإِمَام؟ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ، سنة أبي الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله. [15] الْإِشَارَة بِهَذَا إِلَى قصر الْمُسَافِر للصَّلَاة. وَقد سبق الْبَيَان أَنه إِذا نوى إِقَامَة تزيد على أَرْبَعَة أتم. وَعَن أَحْمد: إِذا نوى اثْنَتَيْنِ وَعشْرين صَلَاة أتم. وَقد ذكرنَا الْخلاف فِي ذَلِك الحَدِيث الثَّامِن وَالسبْعين من أَفْرَاد البُخَارِيّ فِي هَذَا الْمسند. 1024 - / 1235 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر بِذِي الحليفة، ثمَّ دَعَا بناقته فأشعرها فِي صفحة سنامها الْأَيْمن وسلت الدَّم عَنْهَا وقلدها نَعْلَيْنِ، ثمَّ ركب رَاحِلَته، فَلَمَّا اسْتَوَت بِهِ على الْبَيْدَاء أهل بِالْحَجِّ. [15] قَالَ أَبُو عبيد: إِشْعَار الْحَج أَن تطعن فِي أسنمتها فِي أحد الْجَانِبَيْنِ بمبضع أَو نَحوه بِقدر مَا يسيل الدَّم. وأصل الْإِشْعَار الْعَلامَة، وَإِنَّمَا يفعل هَذَا بِالْهَدْي ليعلم أَنه قد جعل هَديا. وإشعار الْهَدْي وتقليدها سنة عِنْد أَكثر الْعلمَاء، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره الْإِشْعَار، وَهَذَا الحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ. فَإِن قيل: هَذَا مثلَة. قُلْنَا: هَذَا اعْتِرَاض على الشَّرْع فَلَا يقبل، ثمَّ إِنَّمَا تكون الْمثلَة بِقطع عُضْو من الْحَيَوَان الْحَيّ. وسبيل الْإِشْعَار سَبِيل الكي والوسم ليعرف بذلك الْمَالِك، وَكَذَلِكَ الْإِشْعَار ليعلم أَنَّهَا بَدَنَة فتتميز وتصان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 [15] وَفِي صفة الْإِشْعَار لنا ثَلَاث رِوَايَات: إِحْدَاهُنَّ: أَنه شقّ صفحة سنامها الْأَيْمن، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَالثَّانيَِة: شقّ سنامها الْأَيْسَر، وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد. وَالثَّالِثَة: أَنه مُخَيّر فِيهَا. [15] وَقَوله: وسلت عَنْهَا الدَّم بِيَدِهِ: أَي أماطه بإصبعه، وأصل السلت الْقطع، يُقَال: سلت الله أَنفه: أَي جدعه. [15] وَأما التَّقْلِيد فمسنون أَيْضا، وَعِنْدنَا أَنه يُمَيّز تَقْلِيد الْغنم أَيْضا خلافًا لأبي حنيفَة وَمَالك. [15] وَقَوله: فَلَمَّا اسْتَوَت بِهِ على الْبَيْدَاء أهل بِالْحَجِّ: أَي علت بِهِ فَوق الْبَيْدَاء. قَالَ الْخَلِيل: أَتَيْنَا أَبَا ربيعَة الْأَعرَابِي وَهُوَ فَوق سطح فَقَالَ: اسْتَووا واصعدوا. [15] وَاخْتلف الْعلمَاء فِي أفضل وَقت الْإِحْرَام، فَروِيَ عَن أَحْمد أَن الْأَفْضَل أَن يحرم عقيب رَكْعَتَيْنِ. وَعنهُ: أَن الْإِحْرَام عقيب الصَّلَاة وَحين تستوي بِهِ رَاحِلَته على الْبَيْدَاء سَوَاء. وَقَالَ مَالك: الْأَفْضَل حِين تستوي بِهِ رَاحِلَته على الْبَيْدَاء. وَقَالَ الشَّافِعِي قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا كَقَوْلِنَا الأول وَالثَّانِي: إِذا سَارَتْ بِهِ رَاحِلَته. [15] وَأما الإهلال فَهُوَ رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ. 1025 - / 1237 وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ: نهى عَن كل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 ذِي نَاب من السبَاع، وَعَن كل ذِي مخلب من الطير. [15] المخلب للصائد من الطير وللسباع أَيْضا الظفر، وَسمي مخلبا لِأَنَّهَا تخلب بِهِ. والخلب: الشق وَالْقطع. 1026 - / 1238 وَقد سبق الْكَلَام فِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّامِن. 1028 - / 1239 إِلَّا أَن فِي الثَّامِن أَنه شرب من زبيب قد جعل فِي مَاء يَوْمه وَلَيْلَته، فَلَمَّا أصبح أَمر بِمَا بَقِي مِنْهُ فأهريق. وَهَذَا لِأَنَّهُ اشْتَدَّ أَو قَارب. [15] وَفِي رِوَايَة: كَانَ ينقع لَهُ الزَّبِيب فيشربه الْيَوْم وَغدا وَبعد الْغَد إِلَى مسَاء الثَّالِثَة، ثمَّ يَأْمر بِهِ فيسقى أَو يراق. وَإِنَّمَا هَذَا فِيمَا لم يشْتَد وَلم يتكامل لَهُ ثَلَاثَة أَيَّام، فَأَما إِذا تَيَقّن اشتداده فَإِنَّهُ يراق وَلَا يسقى أحدا. 1028 - / 1240 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ: فحطأني حطأة. [15] الحطء: الدّفع. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْمَعْنى ضَرَبَنِي بِيَدِهِ مبسوطة، وَمثله لطخني، يُقَال: حطأني: أَي دفعني. وَقَول الرَّاوِي: وقفدني: وَهُوَ حطأني، إِلَّا أَنه بالتواء رسغ الْكَفّ إِلَى الْجَانِب الوحشي من الْإِنْسَان، والجانب الوحشي الَّذِي فِيهِ الْخِنْصر، والإنسي الَّذِي فِيهِ الْإِبْهَام. ورسغ الْكَفّ: ملتقى الْكَفّ والذراع، وَهُوَ الْموضع الَّذِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 ينثني بَين الْكَفّ والذراع، وَكَأن القفد على هَذَا ضرب بِالْيَدِ الْيُمْنَى إِلَى جِهَة الْيَمين. [ 15 - ] آخر مَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس من الْمُشكل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 (76) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي عبد الرَّحْمَن، عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا [15] أسلم بِمَكَّة مَعَ أَبِيه، وَلم يكن بَالغا حِينَئِذٍ، وَهَاجَر مَعَ أَبِيه إِلَى الْمَدِينَة، وَأول غَزْوَة شَهِدَهَا الخَنْدَق. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألفا حَدِيث وسِتمِائَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِائَتَا حَدِيث وَثَمَانُونَ. 1029 - / 1241 فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " لَا عدوى وَلَا طيرة ". كَانَت الْعَرَب تتوهم الْفِعْل فِي الْأَسْبَاب، كَمَا كَانَت تتوهم نزُول الْمَطَر بِفعل الأنواء، فَأبْطل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك بقوله: " لَا عدوى " وَإِنَّمَا أَرَادَ إِضَافَة الْأَشْيَاء إِلَى الْقدر، وَلِهَذَا قَالَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " فَمن أعدى الأول؟ " وَنهى عَن الْوُرُود إِلَى بلد فِيهِ الطَّاعُون لِئَلَّا يقف الْإِنْسَان مَعَ السَّبَب وينسى الْمُسَبّب. وَسَيَأْتِي فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة: " لَا يُورد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 ممرض على مصح، وفر من المجذوم فرارك من الْأسد "، ثمَّ قد يسقم الْإِنْسَان لمصاحبة السقيم من جِهَة أَن الرَّائِحَة كَانَت سَببا فِي الْمَرَض، وَالله تَعَالَى قد يعْمل الْأَسْبَاب وَقد يُبْطِلهَا، وَكَذَلِكَ قَوْله: " وَلَا طيرة " والطيرة من التطير: وَهُوَ التشاؤم بالشَّيْء ترَاهُ أَو تسمعه وتتوهم وُقُوع الْمَكْرُوه بِهِ. وَقد بَينا ذَلِك فِي مُسْند عمرَان بن حُصَيْن، فَأَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِضَافَة الْوَاقِعَات من الضَّرَر والنفع إِلَى الله عز وَجل. [15] وَأما قَوْله: " الشؤم فِي ثَلَاث " فقد تكلمنا عَلَيْهِ فِي مُسْند سهل بن سعد. [15] الْإِبِل الهيم: الَّتِي يُصِيبهَا دَاء يُقَال لَهُ الهيام، يكسبها الْعَطش فَلَا تروى من المَاء، وَرُبمَا أَدَّاهَا ذَلِك إِلَى الْمَوْت، وَالْوَاحد أهيم وهيمان، وناقة هيماء، وَرُبمَا أصَاب غَيرهَا من الْإِبِل الَّتِي مَعهَا مثل ذَلِك فيظن أَنه أعدى، وَلذَلِك قَالَ: " لَا عدوى ". 1030 - / 1242 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " من جَاءَ مِنْكُم الْجُمُعَة فليغتسل ". [15] هَذَا مِمَّا كَانَ وَاجِبا فنسخ الْوُجُوب وَبَقِي مُسْتَحبا. وناسخه حَدِيث أنس وَأبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " من تَوَضَّأ فبها ونعمت، وَمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 اغْتسل فالغسل أفضل " وَمذهب دَاوُد أَنه بَاقٍ على الْوُجُوب، وَقد حُكيَ عَن مَالك أَيْضا. 1031 - / 1243 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: صلى لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعشَاء فِي آخر حَيَاته، فَلَمَّا سلم قَامَ فَقَالَ: " أَرَأَيْتُم ليلتكم هَذِه، فَإِن رَأس مائَة سنة مِنْهَا لَا يبْقى مِمَّن هُوَ على ظهر الأَرْض أحد ". [15] هَذَا علم غيب أطلعه الله عز وَجل عَلَيْهِ، وَكَانَ كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ قد كَانَ خلق يعمرون فِي ذَلِك الزَّمَان، كسلمان فَإِنَّهُ عَاشَ مِائَتَيْنِ وَخمسين سنة، إِلَّا أَنه لم يبْق أحد بعد مائَة سنة من ذَلِك الْيَوْم تَصْدِيقًا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي هَذَا رد لقَوْل من يزْعم بَقَاء الْخضر، لِأَنَّهُ من بني آدم، وَهُوَ على ظهر الأَرْض. 1032 - / 1244 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى، فَإِذا خفت الصُّبْح فأوتر بِوَاحِدَة ". [15] أَكثر أَصْحَاب ابْن عمر رووا عَنهُ: " صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى " وَهُوَ الْمَذْكُور فِي الصَّحِيح، وَقد روى أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث عَليّ بن عبد الله الْبَارِقي عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " صَلَاة اللَّيْل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 وَالنَّهَار مثنى مثنى " وَهَذِه زِيَادَة من ثِقَة، وَهِي مَقْبُولَة، وَعِنْدنَا أَن الْأَفْضَل من النَّوَافِل أَن يسلم فِي كل رَكْعَتَيْنِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار، وَهَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْأَفْضَل أَن يسلم من أَربع. وَحكى القَاضِي أَبُو يعلى عَن مَذْهَب أبي حنيفَة قَالَ: أما صَلَاة النَّهَار فَإِن شَاءَ أَرْبعا وَإِن شَاءَ رَكْعَتَيْنِ بِسَلام، وَلَا يزِيد على الْأَرْبَع بِسَلام وَاحِد. وَأما صَلَاة اللَّيْل فَإِن شَاءَ رَكْعَتَيْنِ، وَإِن شَاءَ أَرْبعا، وَإِن شَاءَ سِتا، وَإِن شَاءَ ثمانيا، لَا يزِيد على ذَلِك بِتَسْلِيمَة وَاحِدَة. [15] وَقَوله: " وأوتر بِوَاحِدَة " نَص على جَوَاز الْوتر بِوَاحِدَة، وَهُوَ قَول أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: أقل الْوتر ثَلَاث، إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة يَقُول: بِسَلام وَاحِد، وَمَالك يَقُول: بِسَلام عقيب الثَّانِيَة. [15] وَقَوله: كَأَن الْأَذَان بأذنيه قَالَ حَمَّاد بن زيد: يَعْنِي يُصَلِّيهمَا مسرعا، فعلى هَذَا يكون المُرَاد بِالْأَذَانِ هَاهُنَا الْإِقَامَة، وَالْمعْنَى أَنه يخففهما كَأَنَّهُ قد سمع الْإِقَامَة، وَتسَمى الْإِقَامَة أذانا، لِأَن الْأَذَان إِعْلَام، وَيحْتَمل أَنه كَانَ يُصَلِّيهمَا عقيب الْأَذَان. 1033 - / 1245 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " إِن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تسمعوا أَذَان ابْن أم مَكْتُوم ". [15] كَانَ مؤذنو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة: بِلَال: وَهُوَ أول من أذن لَهُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 وَابْن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى، وَقد سبق الْخلاف فِي اسْمه فِي مُسْند زيد بن ثَابت. وَأَبُو مَحْذُورَة الجُمَحِي. [15] وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على جَوَاز الْأَذَان للفجر قبل طُلُوع الْفجْر، وَقد ذكرنَا الْخلاف فِي ذَلِك فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 1034 - / 1246 وَفِي الحَدِيث السَّادِس: رفع الْيَدَيْنِ عِنْد الرُّكُوع وَعند الرّفْع مِنْهُ. [15] وَقد سبق الْكَلَام فِيهِ فِي مُسْند مَالك بن الْحُوَيْرِث. 1035 - / 1247 وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " كلكُمْ رَاع، وكلكم مسئول عَن رَعيته ". [15] الرَّاعِي هَاهُنَا الْحَافِظ المؤتمن. وَهَذَا لِأَن الْولَايَة على الْمولى عَلَيْهِ أَمَانَة، لِأَنَّهُ مَأْمُور بِحِفْظ مَا استرعى، فالسؤال عَن حفظ الْأَمَانَة يَقع. 1036 - / 1248 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهل ملبدا: " لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك ". [15] قد بَينا معنى الإهلال والتلبيد فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَبينا معنى: " اللَّهُمَّ " فِي مُسْند أبي بكر الصّديق عَلَيْهِ السَّلَام، وفسرنا " لبيْك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 وَسَعْديك " فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. [15] وَقَوله: " إِن الْحَمد " كسر الْألف أَجود من فتحهَا. قَالَ ثَعْلَب: من كسر فقد عَم، وَمن فتح فقد خص. [15] وَلَا تسْتَحب عندنَا الزِّيَادَة على تَلْبِيَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهُ قد قَالَ: " خُذُوا عني مَنَاسِككُم " وَهَذَا قَول الشَّافِعِي أَيْضا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْتَحبّ. والتلبية عندنَا وَعند الشَّافِعِي لَا تجب، إِنَّمَا تدخل فِي الْإِحْرَام بِمُجَرَّد النِّيَّة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة تجب فِي ابْتِدَاء الْإِحْرَام. فَإِن لم يلب وقلد الْهَدْي وَسَاقه وَنوى الْإِحْرَام صَار محرما. وَقَالَ مَالك: يجب بترك التَّلْبِيَة دم. وَإِظْهَار التَّلْبِيَة عندنَا مسنون فِي الصَّحَارِي دون الْأَمْصَار. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يسْتَحبّ إظهارها فِي الْأَمْصَار وَغَيرهَا. وَقَالَ مَالك: يكره إظهارها فِي الْمَسَاجِد. [15] وَأما الرغباء فَالَّذِي سمعناه من أشياخنا فتح الرَّاء مَعَ الْمَدّ. وَمن النَّاس من يخْتَار الْقصر مَعَ فتح الرَّاء كسكرى وشكوى. وَمِنْهُم من يقصر مَعَ ضم الرَّاء. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: فِيهَا لُغَتَانِ: الرغباء بِفَتْح الرَّاء مَمْدُود، والرغبى بِضَم الرَّاء مَقْصُورَة. وَتَفْسِير الرغباء الْمَسْأَلَة، وَالْمعْنَى: وَالرَّغْبَة إِلَيْك وَالْعَمَل لَك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 1037 - / 1249 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين يقدم من مَكَّة اسْتَلم الرُّكْن الْأسود أول مَا يطوف يخب ثَلَاثَة أطواف من السَّبع. [15] الخبب: ضرب من الْعَدو فَوق الْمَشْي وَدون الجري، وَهُوَ الرمل. وَقد ذَكرْنَاهُ فِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ من مُسْند ابْن عَبَّاس، وَبينا سَببه. وَالسَّعْي: إسراع الْمَشْي حَتَّى يُقَارب الْعَدو. والأشواط جمع شوط، وَالْمرَاد بِهِ مِقْدَار الطّواف حول الْبَيْت مرّة. [15] وبطن المسيل يُرَاد بِهِ الْوَادي، وَهُوَ مَا بَين الصَّفَا والمروة. [15] والركعتان بعد الطّواف سنة عندنَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: وَاجِبَة، وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين. 1038 - / 1250 وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: لم أر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَلم إِلَّا الرُّكْنَيْنِ اليمانيين. [15] الإستلام: اللَّمْس بِالْيَدِ. وَقد شرحنا هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1039 - / 1251 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: كَانَ ابْن عمر يقدم ضعفة أَهله فيقفون عِنْد الْمشعر الْحَرَام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 [15] وَقد شرحنا هَذَا الحَدِيث فِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ من مُسْند ابْن عَبَّاس. والمشعر: الْمعلم لمتعبد من المتعبدات. 1040 - / 1252 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر " يهل أهل الْمَدِينَة من ذِي الحليفة " وَفِي لفظ: " مهل أهل الْمَدِينَة من ذِي الحليفة ". [15] الْمِيم فِي الْمهل مَضْمُومَة، وَإِنَّمَا يفتحها من لَا يعرف. والإهلال: رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ. [15] وَقد سبق ذكر الْمَوَاقِيت فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1041 - / 1253 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: " لَا يلبس الْمحرم الْقَمِيص وَلَا الْعِمَامَة وَلَا الْبُرْنُس وَلَا السَّرَاوِيل ". [15] اعْلَم أَن الْمحرم مَمْنُوع من لبس الْمخيط وتغطية الرَّأْس. وَفِي تَغْطِيَة وَجهه رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد. [15] والورس: نبت يصْبغ بِهِ كالعصفر. [15] وَلَا يجوز لَهُ لبس السَّرَاوِيل إِلَّا أَن يعْدم الْإِزَار. وَلَا الْخُفَّيْنِ إِلَّا عِنْد عدم النَّعْلَيْنِ، فَيجوز لَهُ لبس السَّرَاوِيل من أَن يفتفه، وَلبس الْخُفَّيْنِ من غير أَن يقطعهما، عملا بِحَدِيث ابْن عَبَّاس الَّذِي تقدم فِي مُسْنده. وَقد ذكرنَا هُنَاكَ عَن أَصْحَاب أبي حنيفَة أَنه لَا يجوز لَهُ لبس السَّرَاوِيل حَتَّى يفتقه، أَو يلْبسهُ ويفتدي. فَأَما الخفان فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 لَا يجوز لَهُ لبسهما إِلَّا أَن يقطعهما أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ عملا بِهَذَا الحَدِيث. ولأصحابه أَن يَقُولُوا: إِن كَانَ حَدِيث ابْن عَبَّاس مُطلقًا فِي اللّبْس، فَحَدِيث ابْن عمر مُقَيّد الْجَوَاز بِشَرْط الْقطع. فقد أجَاب أَصْحَابنَا فَقَالُوا: قد روى حَدِيث ابْن مَالك وَعبيد الله بن عمر وَأَيوب فِي آخَرين، فوقفوه على ابْن عمر، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس أَكثر رُوَاة، وَلم يقفه أحد. وَقد أخرج مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل حَدِيث ابْن عَبَّاس من غير اشْتِرَاط قطع. ثمَّ قد أَخذ بحديثنا عمر وَعلي وَسعد وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة، ثمَّ إِنَّا نحمل قَوْله: " وليقطعهما " على الْجَوَاز من غير كَرَاهَة لأجل الْإِحْرَام، وَينْهى عَن ذَلِك فِي غير الْإِحْرَام لما فِيهِ من الْفساد. فَأَما إِذا لبس الْخُف الْمَقْطُوع من أَسْفَل الكعب مَعَ وجود النَّعْل فعندنا أَنه لَا يجوز وَيجب عَلَيْهِ الْفِدَاء خلافًا لأبي حنيفَة وَأحد قولي الشَّافِعِي. [15] فَأَما النقاب فَهُوَ مَا كَانَ على الْأنف يستر مَا تَحْتَهُ. [15] وَأما القفازان فَقَالَ أَبُو عبيد: هما شَيْء يعْمل لِلْيَدَيْنِ ويحشى بِقطن وَيكون لَهُ أزرار يزر على الساعدين من الْبرد، يلْبسهُ النِّسَاء. قلت: وَقد اخْتلف الْفُقَهَاء فِي لبس القفازين: فَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز للمحرمة لبسهما. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز، وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين وَقَالَ أَبُو عبيد: النَّاس على الرُّخْصَة فِي هَذَا؛ لِأَن الْإِحْرَام إِنَّمَا هُوَ فِي الرَّأْس وَالْوَجْه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 1042 - / 1254 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: ذكر التَّمَتُّع. وَقد سبق الْكَلَام فِيهِ فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. 1043 - / 1255 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: ذكر صَلَاة الْخَوْف، ذَكرنَاهَا فِي مُسْند سهل بن أبي حثْمَة. 1044 - / 1256 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسبح على ظهر رَاحِلَته حَيْثُ كَانَ وَجهه، يومىء بِرَأْسِهِ. [15] المُرَاد بالتسبيح هَاهُنَا صَلَاة النَّافِلَة. وَلَا يشْتَرط فِي ذَلِك مُوَاجهَة الْقبْلَة إِلَّا أَن يُمكنهُ افْتِتَاح الصَّلَاة إِلَى الْقبْلَة فَيلْزمهُ ذَلِك وَيتم الصَّلَاة على حسب حَاله، وَسَوَاء كَانَ ذَلِك فِي سفر طَوِيل أَو قصير. وَقَالَ مَالك: لَا يجوز إِلَّا فِي السّفر الطَّوِيل. وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا كَقَوْلِنَا، وَالثَّانيَِة: يجوز أَيْضا خَارج الْمصر وَإِن لم ينْو سفرا. وَعِنْدنَا أَنه يجوز التَّنَفُّل فِي السّفر للماشي أَيْضا خلافًا لأبي حنيفَة. [15] وَقَوله: يُوتر عَلَيْهَا، دَلِيل على أَن الْوتر لَيْسَ بِوَاجِب، وَإِنَّمَا يجْرِي مجْرى السّنَن، إِذْ الْوَاجِب لَا يجوز فعله على الْبَعِير، وَهَذَا مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. وَعَن أَحْمد مَا يدل على وجوب الْوتر كَأبي حنيفَة، وَالْأول أصح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 [15] وَقد قَالَ ابْن عقيل من أَصْحَابنَا: الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث مَدْخُول؛ لِأَنَّهُ قد صَحَّ أَن الْوتر كَانَ وَاجِبا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَا بُد أَن يُقَال: كَانَ ذَلِك لعذر عرض لَهُ. قلت: وَقَول ابْن عقيل هُوَ الْمَدْخُول من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهمَا: أَن ابْن عمر يَقُول: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوتر على الْبَعِير، و " كَانَ " إِخْبَار عَن دوَام الْفِعْل. وَالثَّانِي: أَن ابْن عمر أفتى بِهِ فَتْوَى عَامَّة، وَفِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث ابْن عمر: أَن سعيد ابْن يسَار قَالَ: كنت أَسِير مَعَ ابْن عمر، فَنزلت فأوترت، فَقَالَ: أَلَيْسَ لَك فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسْوَة حَسَنَة؟ قلت: بلَى. قَالَ: إِنَّه كَانَ يُوتر على الْبَعِير. وَالثَّالِث: أَنا لَا نعلم حَدِيثا صَحِيحا فِي تَخْصِيص رَسُول الله بِوُجُوب الْوتر، إِنَّمَا ثمَّ حَدِيث يرويهِ أَبُو جناب الْكَلْبِيّ، وَقد ضعفه يحيى وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَحمل عَلَيْهِ أَحْمد بن حَنْبَل حملا شَدِيدا، وَقَالَ الفلاس: هُوَ مَتْرُوك الحَدِيث. 1045 - / 1257 وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي يَوْم الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ. [15] وَهَذَا أقل مَا رُوِيَ فِي سنة الْجُمُعَة، وَبِه يَقُول أَحْمد وَالشَّافِعِيّ. وَسَيَأْتِي فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة: أَربع رَكْعَات. وَقَالَ إِسْحَق بن رَاهَوَيْه: إِن صلى فِي الْمَسْجِد صلى رَابِعا، وَإِن صلى فِي بَيته صلى رَكْعَتَيْنِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 وَاحْتج بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ فِي بَيته. وَبقول: " من كَانَ مِنْكُم مُصَليا بعد الْجُمُعَة فَليصل أَرْبعا ". وَكَانَ ابْن مَسْعُود يُصَلِّي قبل الْجُمُعَة أَرْبعا وَبعدهَا أَرْبعا، وَإِلَى هَذَا ذهب الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك. وَقَالَ أَبُو بكر الْأَثْرَم: وكل هَذَا جَائِز. 1046 - / 1258 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: " إِذا اسْتَأْذَنت أحدكُم امْرَأَته إِلَى الْمَسْجِد فَلَا يمْنَعهَا ". [15] اعْلَم أَن نسَاء الصَّحَابَة كن على طَريقَة الْأزْوَاج فِي التدين والتعبد، وانضم إِلَى هَذَا مَا فِي طباع الْعَرَب من تقبيح الْفَوَاحِش خُصُوصا الْحَرَائِر، كَمَا قَالَت هِنْد: وَهل تَزني الْحرَّة؟ فَاجْتمع مَا فِي الطباع من الأنفة والعفاف إِلَى مَا وهب الله لَهُنَّ من الدّين، فَأذن لَهُنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخُرُوج إِلَى الْمَسَاجِد، وَقد كن يحضرن موعظته، ويصلين خَلفه، ويسافرن فِي الْغَزَوَات مَعَه. فَمن علم من امْرَأَته حسن الْمَقْصد فِي خُرُوجهَا إِلَى الصَّلَاة فَلَا يمْنَعهَا، ولحسن الْمَقْصد عَلَامَات: مِنْهَا ترك الزِّينَة وَالطّيب، وَالْمُبَالغَة فِي الاستتار. وَمن لم يجد ذَلِك مِنْهُنَّ جَازَ لَهُ الْمَنْع، فقد قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: لَو علم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أحدث النِّسَاء بعده لمنعهن الْمَسْجِد. وَقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 تكون الْمَرْأَة حَسَنَة الْمَقْصد غير أَنَّهَا تكون ذَات هيكل فتؤذي من يَرَاهَا، فالاستتار لتِلْك أولى، وَقد كَانَ عمر بن الْخطاب يكره خُرُوج امْرَأَته ويغار من ذَلِك، وَلَا يَنْهَاهَا لأجل هَذَا الحَدِيث. وَكَانَ عمر يحرص على نزُول الْحجاب حَتَّى قَالَ يَوْمًا لسودة: قد عرفناك، لِئَلَّا تخرج. [15] والدغل الْفساد، وأصل الدغل الشّجر الملتف الَّذِي يسْتَتر بِهِ أهل الْفساد. 1047 - / 1259 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: لما مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحجرِ قَالَ: " لَا تدْخلُوا مسَاكِن الَّذين ظلمُوا أنفسهم ". [15] الْإِشَارَة إِلَى قوم ثَمُود. قَالَ قَتَادَة: الْحجر اسْم الْوَادي الَّذِي كَانُوا بِهِ. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: اسْم مدينتهم. [15] وَقَوله: " إِلَّا أَن تَكُونُوا بَاكِينَ " إِنَّمَا ينشأ الْبكاء عَن التفكر، فَكَأَنَّهُ أَمرهم فِي التفكر فِي أَحْوَال توجب الْبكاء. والتفكر الَّذِي ينشأ عَنهُ الْبكاء فِي مثل ذَلِك الْمقَام يَنْقَسِم ثَلَاثَة أَقسَام: أَحدهَا تفكر يتَعَلَّق بِأَمْر الله عز وَجل. [15] وَالثَّانِي: يتَعَلَّق بأولئك الْقَوْم. وَالثَّالِث: يتَعَلَّق بالمار عَلَيْهِم. وَفِي كل قسم من هَذِه فنون نشِير إِلَى يسير مِنْهَا يُنَبه على الْكثير. فَأَما الْمُتَعَلّق بِاللَّه عز وَجل: فَمِنْهُ قَضَاؤُهُ على أُولَئِكَ بالْكفْر، وَلِهَذَا الْمَار عَلَيْهِم بِالْإِيمَان قبل وجود الْفَرِيقَيْنِ. وَمِنْه خوف تقليبه الْقُلُوب، فَرُبمَا جعل مآل الْمُؤمن إِلَى الْكفْر. وَمِنْه إمهال الْكفَّار على كفرهم مُدَّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 طَوِيلَة. وَمِنْه شدَّة نقمته وَقُوَّة عَذَابه. وَأما الْمُتَعَلّق بالقوم فإهمالهم إِعْمَال الْعُقُول فِي طَاعَة الْخلق، ومبارزتهم بالعناد والمخالفة، وفوات أَمرهم حَتَّى لَا وَجه للاستدراك، حَتَّى إِن لعنتهم وعقوبتهم أثرت فِي الْمَكَان وَالْمَاء، فَقَالَ: " لَا تدْخلُوا مسَاكِن الَّذين ظلمُوا أنفسهم " وَلما استقوا من آبارهم وعجنوا بِهِ أَمرهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يهريقوا مَا استقوا ويعلفوا الْإِبِل الْعَجِين وَأَن يَسْتَقُوا من الْبِئْر الَّتِي كَانَت تردها النَّاقة. فَأَما الْمُتَعَلّق بالمار عَلَيْهِم فتوفيقه للْإيمَان، واعتباره بِالْجِنْسِ، وتمكينه من الِاسْتِدْرَاك، وإمهاله مَعَ الْعِصْيَان، ومسامحته مَعَ الزلل، إِلَى غير ذَلِك من الْأَسْبَاب الَّتِي كلهَا توجب الْبكاء. فَمن مر على مثل أُولَئِكَ وَلم يتفكر فِيمَا يُوجب الْبكاء شابههم فِي إهمالهم التفكر، فَلم يُؤمن عَلَيْهِ نزُول الْعقَاب. [15] وَقَوله: " أَن يُصِيبكُم " فِيهِ إِضْمَار تَقْدِيره: حذار أَن يُصِيبكُم، وَهَذَا تحذير من الْغَفْلَة عَن تدبر الْآيَات، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذا رَأَيْتُمْ مَا حل بهم وَلم تنتبهوا من رقدات الْغَفْلَة فاحذروا من الْعقُوبَة، فَإِنَّهُ إِنَّمَا حلت بهم لغفلتهم عَن التدبر. 1048 - / 1260 وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: " الْمُسلم أَخُو الْمُسلم، لَا يَظْلمه، وَلَا يُسلمهُ ". [15] هَذِه أخوة الْإِسْلَام، فَإِن كل اتِّفَاق بَين شَيْئَيْنِ يُوجب اسْم أَخُوهُ. وَقَوله: " لَا يُسلمهُ " أَي لَا يتْركهُ مَعَ مَا يُؤْذِيه، بل ينصره وَيدْفَع عَنهُ. [15] وَقَوله: " من ستر مُسلما " أَي لم يظْهر عَلَيْهِ قبيحا، وَهَذَا لَا يمْنَع الْإِنْكَار عَلَيْهِ؛ لِأَن الْإِنْكَار فِيمَا خَفِي يكون فِي خُفْيَة، وَقد نهى هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 الحَدِيث عَن الْغَيْبَة؛ لِأَن من أظهر المساوىء بالغيبة فَمَا ستر الْمُسلم. 1049 - / 1261 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين: " أَن ثَلَاثَة آواهم الْمبيت إِلَى غَار ... . ". [15] أَي جعله لَهُم مأوى والمأوى: الْمَكَان الَّذِي يؤوى إِلَيْهِ. والغار: نقب فِي الْجَبَل. [15] والغبوق: شراب الْعشي، وَهُوَ اسْم للشراب الْمعد لذَلِك الْوَقْت، يُقَال: غبقت فلَانا غبوقا: إِذا سقيته حِينَئِذٍ. [15] وَالْمَال هَاهُنَا الْمَاشِيَة. [15] وَقَوله: فنأى بِي طلب شجر: أَي بعد بِي طلب الشّجر الَّتِي ترعاها الْإِبِل، فَلم أرح: من الرواح: وَهُوَ مَا بعد الزَّوَال. [15] وبرق: بِمَعْنى أَضَاء وتلألأ. [15] ويتضاغون: يصرخون ويبكون. والضغو والضغاء: صَوت الذَّلِيل والمقهور. [15] وألمت بهَا سنة: أَي أصابتها. والملمة: النَّازِلَة من نَوَازِل الدَّهْر. وَالسّنة: الْفقر والجدب. [15] والفض: تَفْرِيق الشَّيْء الْمُجْتَمع. وانفض الْقَوْم: تفَرقُوا. وَكنت بالخاتم عَن الْفرج. [15] وَقَوْلها: إِلَّا بِحقِّهِ. أَي بِمَا يحل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 [15] وتحرجت: أَي تَأَثَّمت وَرَأَيْت الْإِثْم والحرج فِي اقتحام مَا لَا يحل. [15] وَقَوله: على فرق من أرز. قَالَ ابْن فَارس: الْفرق: مكيال من المكاييل، تفتح راؤه وتسكن. وَقَالَ القتبي: هُوَ الْفرق بِفَتْح الرَّاء. وَهُوَ الَّذِي جَاءَ فِي الحَدِيث: " مَا أسكر الْفرق مِنْهُ " وَهُوَ سِتَّة عشر رطلا، وَأنْشد لخداش بن زُهَيْر: (يَأْخُذُونَ الْأَرْش فِي أخوتهم ... فرق السّمن وشَاة فِي الْغنم) [15] فَأَما الْأرز فَقَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: الْأرز اسْم أعجمي، ووزنه " أفعل " لَا محَالة، فالهمزة فِيهِ زَائِدَة، وَفِيه لُغَات أرز، وأرز، وأرز مثل كتب، وأرز مثل كتب، ورز، ورنز، قَالَ الراجز: (يَا خليلي كل أوزه ... وَاجعَل الجوذان رنزه) [15] وَقَوله: فاستاقه: أَي حازه وَذهب بِهِ. وَالْأَصْل فِي ذَلِك مَا يساق من الْمَوَاشِي، فاستعير لكل مَأْخُوذ ومعطى. [15] وانفرجت: بِمَعْنى انشقت واتسعت. [15] وَقَوله: فانساحت: أَي انفسحت، وَمثله تَعَالَى: {فسيحوا فِي الأَرْض أَرْبَعَة أشهر} [التَّوْبَة: 2] أَي انفسحوا. وَقد صحفه قوم فَقَالُوا: انساخت بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 1050 - / 1262 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: نهى أَن يُؤْكَل لحم الْأَضَاحِي بعد ثَلَاث. [15] إِنَّمَا نهى عَن ذَلِك لأجل قوم جَاءُوا إِلَى الْمَدِينَة مضطرين، فَأحب أَن يواسوا، ثمَّ أَبَاحَ ذَلِك. وَهَذَا يَأْتِي فِي مُسْند عَائِشَة. 1051 - / 1263 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: " تَجِدُونَ النَّاس كإبل مائَة، لَا يجد الرجل فِيهَا رَاحِلَة ". [15] الْعَرَب تَقول لمن لَهُ مائَة من الْإِبِل: لفُلَان إبل، وَلمن لَهُ مِائَتَان: لَهُ إبلان. [15] وَالرَّاحِلَة: اسْم يَقع على الْجمل النجيب وعَلى النَّاقة المختارة، وَالْهَاء للْمُبَالَغَة، كَمَا يُقَال: رجل داهية، وَرِوَايَة. وَيُقَال: جمل رحيل: أَي قوي على السّير. وَقيل: سميت رَاحِلَة لِأَنَّهَا ترحل: أَي تسْتَعْمل فِي الرحيل وَالسير، وَإِنَّمَا هِيَ مرحولة، كَقَوْلِه: {فَهُوَ فِي عيشة راضية} [الحاقة: 21] أَي مرضية. [15] وَالْمرَاد من الحَدِيث: أَن الْمُخْتَار من النَّاس قَلِيل، كَمَا أَن الْمُخْتَار من الْإِبِل للرحلة عَلَيْهِ وتحميله للأثقال قَلِيل، وَفِي هَذَا الْمَعْنى قَول المتنبي: [15] (وَمَا الْخَيل إِلَّا كالصديق قَليلَة ... وَإِن كثرت فِي عين من لم يجرب) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 1052 - / 1264 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: أَن عمر حمل على فرس، ثمَّ رَآهَا تبَاع. [15] وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند عمر. 1053 - / 1265 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: وجد عمر حلَّة من إستبرق تبَاع، فَأَخذهَا. [15] قد فسرنا فِي مُسْند عمر الْحلَّة، والسيراء، وَفِي مُسْند حُذَيْفَة الديباج. وَفِي مُسْند الْبَراء الإستبرق. [15] وَعُطَارِد: هُوَ ابْن حَاجِب بن زُرَارَة التَّمِيمِي، وَكَانَ فِي وَفد تَمِيم الَّذين قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَخَطب وفخر، فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَابت بن قيس بن شماس فَأَجَابَهُ، وَأسلم وَصَحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم [15] وَأما القباء فَقَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور قَالَ: قيل: هُوَ فَارسي مُعرب، وَقيل: هُوَ عَرَبِيّ، وإشتقاقه من القبو: وَهُوَ الضَّم وَالْجمع. وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَن التجمل بالثياب غير مُنكر فِي الشَّرِيعَة، وَأَن التهيؤ للقاء النَّاس بالتجمل الْمُبَاح لَا يُنكر، لِأَن عمر قَالَ لَهُ: تجمل بِهَذِهِ، وَلم يُنكر عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ امْتنع مِنْهَا لكَونهَا حَرِيرًا. وَهَذَا على خلاف مَذْهَب المتقشفين من جهال المتزهدين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 وَقد روينَا عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه خرج يَوْمًا وَعَلِيهِ حلَّة يمَان، وعَلى فرقد جُبَّة صوف، فَجعل فرقد يمس حلَّة الْحسن ويسبح، فَقَالَ لَهُ: يَا فرقد، ثِيَابِي ثِيَاب أهل الْجنَّة، وثيابك ثِيَاب أهل النَّار - يَعْنِي القسيسين والرهبان. وَقَالَ لَهُ: يَا فرقد، إِن التَّقْوَى لَيست فِي لبس هَذَا الكساء، وَإِنَّمَا التَّقْوَى مَا وقر فِي الصَّدْر وَصدقه الْعَمَل. 1054 - / 1266 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: " لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ " وَقد فسرناه فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 1055 - / 1267 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْعِشْرين: أَن عمر انْطلق مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَهْط من أَصْحَابه قبل ابْن صياد حَتَّى وجدوه يلْعَب مَعَ الصّبيان عِنْد أَطَم بني مغالة. [15] الأطم: الْحصن. وَقد شرحنا هَذِه الْكَلِمَة فِي مُسْند الزبير. [15] وَقَوله: " رَسُول الْأُمِّيين " وهم جمع أُمِّي: وَهُوَ الَّذِي لَا يحسن الْكِتَابَة، وَفِي تَسْمِيَته بذلك ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: لِأَنَّهُ على خلقَة الْأمة الَّتِي لم تتعلم الْكتاب، فَهُوَ على جبلته، قَالَه الزّجاج، وَالثَّانِي: لِأَنَّهُ على مَا وَلدته أمه. وَالثَّالِث: للنسبة إِلَى أمه فِي الْجَهْل بِالْكِتَابَةِ؛ لِأَن الْكِتَابَة كَانَت فِي الرِّجَال دون النِّسَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 [15] وَقَوله: فرفصه: أَي أعرض عَنهُ. وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا هُوَ فرصه بالصَّاد الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة، وَمِنْه: رص الْبناء، كَقَوْلِه تَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص} [الصَّفّ: 4] وَالْمعْنَى أَنه ضغطه حَتَّى ضم بعضه إِلَى بعض. [15] وَقَوله: يأتيني صَادِق وكاذب، فَقَالَ " خلط عَلَيْك الْأَمر ". وَقد ذكرنَا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود قِطْعَة من أخباره، وَذكرنَا أَن اسْمه عبد الله. وَقد روينَا هَاهُنَا أَن اسْمه صَاف، فَلَعَلَّهُ كَانَ سمي بالاسمين. وَبينا هُنَاكَ معنى قَوْله: " اخْسَأْ، فَلَنْ تعدو قدرك ". [15] وَقَوله: طفق: أَي أَخذ فِي الْفِعْل. [15] وَقَوله: يَتَّقِي بجذوع النّخل، أَي يَتَّقِي أَن يرى، لَا ستتاره بهَا. [15] ويختل: الختل: الخديعة فِي استتار، وَطلب نيل الْغَرَض من غير علم الْمَطْلُوب مِنْهُ. [15] والقطيفة وَاحِدَة القطائف: وَهُوَ ضرب من الأكسية. [15] والزمزمة: صَوت مردد دَاخل الْفَم لَا يكَاد يفهم. [15] وَقَوله: " تعلمُوا أَنه أَعور " أَي اعلموا. وَالْمرَاد بِذكر العور النَّقْص، وَالنَّقْص لَا يجوز على الْإِلَه. قَالَ أَبُو الْوَفَاء بن عقيل: يحْسب بعض الْجُهَّال أَنه لما نفي العور عَن الله تَعَالَى أثبت من الْخطاب أَنه ذُو عينين، وَهَذَا بعيد من الْفَهم، إِنَّمَا نفي عَن الله تَعَالَى العور من حَيْثُ نفي النقائض، وَهَذَا مثل مَا نفي الْوَلَد عَنهُ، لَا يُرِيد بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 (لم يلد) لِأَنَّهُ ذكر وَلَيْسَ بأنثى، وَلَا أَنه يَتَأَتَّى مِنْهُ، لَكِن لم يلد لِأَنَّهُ مُسْتَحِيل عَلَيْهِ التجزؤ والانقسام. وَلَو كَانَت الْإِشَارَة بِالْحَدِيثِ إِلَى صُورَة كَامِلَة لم يكن فِي ذَلِك دَلِيل على الإلهية وَلَا الْقدَم؛ فَإِن الْكَامِل فِي الصُّورَة كثير، وَمَا يُشَارك فِيهِ الْمُحدث لَا يكون خصيصة الْقدَم والإلهية، وَلَو كَانَ العور دلَالَة على نفس الإلهية لَكَانَ الْكَمَال فِي الصُّورَة دلَالَة على إِثْبَاتهَا. أتراه لم يجد فِي الدَّجَّال مَا يسْتَدلّ بِهِ على نفي الإلهية إِلَّا العور، حاشاه أَن يقْصد ذَلِك، وَفِي الدَّجَّال من النقلَة والتحرك وركوب الْحمار وَأكل الطَّعَام وَغير ذَلِك مَا يدل على الْحَدث، فَلَمَّا عدل إِلَى ذكر العور دلّ على أَنه أَرَادَ أَن الْإِلَه لَا تلْحقهُ النقائض. وَأما الْمَكْتُوب بَين عَيْني الدَّجَّال فلزيادة فضيحته، وتسليط الْمُؤمن على الْقِرَاءَة لذَلِك الْمَكْتُوب وَإِن لم يكن قَارِئًا أكْرم لَهُ بكشف الشُّبُهَات عَن وَجهه. 1056 - / 1268 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين: بَينا أَنا قَائِم أَطُوف بِالْبَيْتِ، فَإِذا رجل آدم. [15] هَذَا كَانَ فِي الْمَنَام، وَقد صرح بذلك فِي لفظ آخر. [15] والآدم: الأسمر. [15] وَالشعر السبط: المنبسط، على ضد الْجَعْد. [15] ويهادى بَين رجلَيْنِ: يمشي بَينهمَا فيعتمد عَلَيْهِمَا. [15] وينطف رَأسه: يقطر من شعر رَأسه المَاء. [15] والطافية من الْعِنَب: الْحبَّة الَّتِي خرجت عَن حد نبت أخواتها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 فنتأت وعلت، وَمِنْه الطافي من السّمك، سمي بذلك لِأَنَّهُ علا على ظهر المَاء. [15] وَأما تَسْمِيَة عِيسَى بالمسيح فَفِيهِ سَبْعَة أَقْوَال: أَحدهَا: لِأَنَّهُ أَمسَح الرجل لَا أَخْمص لَهَا، رَوَاهُ عَطاء عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: لِأَنَّهُ كَانَ لَا يسمح بِيَدِهِ ذَا عاهة إِلَّا برِئ، رَوَاهُ الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّالِث: أَن معنى الْمَسِيح: الصّديق، رَوَاهُ النَّخعِيّ. وَالرَّابِع: لِأَنَّهُ مسح بِالْبركَةِ، قَالَه الْحسن. وَالْخَامِس: لِأَنَّهُ كَانَ يمسح الأَرْض. أَي يقطعهَا، قَالَه ثَعْلَب. وَالسَّادِس: لِأَنَّهُ مسح عُمُوم الْكفْر الَّذِي كَانَ قبله، ذكره ابْن مقسم. وَالسَّابِع: لِأَنَّهُ خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن، حَكَاهُ ابْن الْأَنْبَارِي. [15] وَأما ابْن قطن فَقَالَ الزُّهْرِيّ: هُوَ رجل من خُزَاعَة هلك فِي الْجَاهِلِيَّة. [15] وَقَوله: بَين ظهراني النَّاس، النُّون مَفْتُوحَة لَا غير. يُقَال: بَين ظهرانهم وظهريهم: أَي بَينهم وَفِي جَمَاعَتهمْ. [15] والدجال: الْكذَّاب. وَقد أشبعنا الْكَلَام فِي معنى الدَّجَّال فِي مُسْند حُذَيْفَة. وَأما تَسْمِيَته بالمسيح فَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: سمي مسيحا لِأَن إِحْدَى عَيْنَيْهِ ممسوحة عَن أَن ينظر بهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عبيد: لِأَنَّهُ مَمْسُوح إِحْدَى الْعَينَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 [15] واللمة: شعر الرَّأْس إِذا جَاوز الْأُذُنَيْنِ وحاذاهما، كَأَنَّهُ ألم بهما، سمي بإلمامه بهما لمة. فَإِذا بغلت اللمة الْمَنْكِبَيْنِ فَهِيَ جمه. [15] وَقَوله: رجل الشّعْر. قَالَ الزّجاج: شعر رجل وَرجل: وَهُوَ المسترسل. فَإِن كَانَ مسترسلا وَفِي أَطْرَافه شَيْء من الجعودة قيل شعر أحجن. [15] وَقد ذكرنَا مَا وصف بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام هَاهُنَا فِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ من مُسْند ابْن عَبَّاس. 1057 - / 1270 وَفِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ: " أَلا إِن الْفِتْنَة هَاهُنَا - يُشِير إِلَى الْمشرق - من حَيْثُ يطلع قرن الشَّيْطَان ". [15] أما تَخْصِيص الْفِتَن بالمشرق فَلِأَن الدَّجَّال يخرج من تِلْكَ النَّاحِيَة، وَكَذَلِكَ يَأْجُوج وَمَأْجُوج. وَأما ذكر قرن الشَّيْطَان فعلى سَبِيل الْمثل، كَأَن إِبْلِيس يطلع رَأسه بالفتن من تِلْكَ النواحي. [15] فَأَما الشَّام فمأخوذ من الْيَد الشؤمى: وَهِي الْيُسْرَى، وَيُقَال: أَخذ شأمه: أَي على يسَاره، فَهِيَ عَن يسَار الْكَعْبَة. واليمن مَأْخُوذ من الْيَد الْيُمْنَى لِأَنَّهَا عَن يَمِين الْكَعْبَة. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: نجد نَاحيَة الْمشرق، وَمن كَانَ بِالْمَدِينَةِ كَانَ نجده بادية الْعرَاق ونواحيها، وَهِي مشرق أَهلهَا، وأصل النجد مَا ارْتَفع من الأَرْض وَقَالَ ابْن فَارس: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 الأَصْل فِي نجد الِارْتفَاع، يُقَال للْأَرْض المرتفعة نجد، وخلافه الْغَوْر. [15] والزلزلة: قُوَّة التحريك وترديده. [15] فَأَما الْعرَاق فقد سبق بَيَانه فِي مُسْند سهل بن حنيف. [15] وَقَوله: {وَفَتَنَّاك فُتُونًا} [طه: 40] فَقَالَ ابْن عَبَّاس: الْفُتُون: وُقُوعه فِي محنة بعد محنة، ثمَّ خلصه الله مِنْهَا، كولادته فِي وَقت ذبح الْأَطْفَال، وَمنعه الرَّضَاع، ومده لحية فِرْعَوْن وتناوله الْجَمْرَة، وَقَتله القبطي. فعلى هَذَا يكون الْمَعْنى: خلصناك من تِلْكَ المحن كَمَا يفتن الذَّهَب بالنَّار فيخلص من كل خبث. 1058 - / 1271 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ: فِي لَيْلَة الْقدر: " التمسوها فِي الْعشْر الغوابر ". [15] الغوابر: الْبَوَاقِي. [15] وَقَوله: " أرى رؤياكم قد تواطأت " أَي توافقت. وَأخْبرنَا ابْن نَاصِر قَالَ: أخبرنَا أَبُو زَكَرِيَّا قَالَ: قَالَ أَبُو الْعَلَاء المعري: تواطأت فِي الْعَرَبيَّة أقوى من تواطت. [15] وَقَوله: تَحَيَّنُوا. التحين طلب الشَّيْء فِي حِين مُخْتَصّ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 1059 - / 1272 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ: " فَإِن غم عَلَيْكُم فاقدروا لَهُ ". [15] غم بِمَعْنى ستر بغيم أَو غَيره. [15] وللعلماء فِي معنى " فاقدروا لَهُ " قَولَانِ: أَحدهمَا: قدرُوا لَهُ شعْبَان ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَهَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور، وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِأَن فِي أَكثر أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث مَا يدل على هَذَا، فَمِنْهَا لفظ أخرج فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث جبلة بن سحيم عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " الشَّهْر تسع وَعِشْرُونَ لَيْلَة، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تروه، فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ " وَفِي لفظ أخرجه مُسلم: " صُومُوا لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته، فَإِن غم عَلَيْكُم فاقدروا ثَلَاثِينَ " وَقد روى هَذَا الحَدِيث أَبُو هُرَيْرَة مُفَسرًا، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيثه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " صُومُوا لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته، فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا عدَّة شعْبَان ثَلَاثِينَ " كَذَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ. وَفِي لفظ مُتَّفق عَلَيْهِ: " فعدوا ثَلَاثِينَ ". ويوضح هَذَا حَدِيث ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة كِلَاهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " فَإِن غم عَلَيْكُم فعدوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثمَّ صُومُوا ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 [15] وَالْقَوْل الثَّانِي: ضيفوا لَهُ عددا يطلع فِي مثله، وَذَلِكَ باحتساب شعْبَان تسعا وَعشْرين، وعَلى هَذَا مَا يذهب إِلَيْهِ أَصْحَابنَا. [15] وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِيمَا إِذا حَال دون مطلع الْهلَال غيم أَو قتر فِي لَيْلَة الثَّلَاثِينَ. وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات: إِحْدَاهُنَّ: يلْزم الصَّوْم، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن عمر وَأنس وَعَائِشَة وَأَسْمَاء. وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة: لَا يجوز صَوْمه من رَمَضَان وَلَا نفلا، إِلَّا أَن يكون نفلا يُوَافق عَادَة، وَيجوز صَوْمه قَضَاء وَكَفَّارَة ونذرا، وَهَذَا قَول الشَّافِعِي. وَالرِّوَايَة الثَّالِثَة: أَن الْمرجع إِلَى رَأْي الإِمَام فِي الصَّوْم وَالْفطر، وَهُوَ قَول الْحسن وَابْن سِيرِين. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يجوز صَوْمه من رَمَضَان، وَيجوز صِيَامه مَا سوى ذَلِك. وَالرِّوَايَة الأولى هِيَ المنصورة عِنْد أَكثر أَصْحَابنَا، ويستدلون على صِحَة تفسيرهم الحَدِيث بِفعل ابْن عمر؛ فَإِنَّهُ قد روى الجوزقي فِي كِتَابه الْمخْرج على الصَّحِيحَيْنِ هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ فِيهِ: فَكَانَ ابْن عمر إِذا كَانَ تسع وَعِشْرُونَ إِن رأى فِي السَّمَاء قترة أَو غمامة اصبح صَائِما. وَمَعْلُوم أَن الصَّحَابَة أعلم بمعاني كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمرَاده، فَوَجَبَ الرُّجُوع إِلَى تَفْسِير ابْن عمر لهَذَا، كَمَا رَجعْنَا إِلَيْهِ فِي خِيَار الْمجْلس؛ فَإِنَّهُ كَانَ يمشي ليلزم البيع. وحملوا قَوْله: " فاقدروا ثَلَاثِينَ " على مَا إِذا غم هِلَال شَوَّال، فَإنَّا نقدر ثَلَاثِينَ احْتِيَاطًا للصَّوْم كَمَا قَدرنَا فِي أَوله للصَّوْم. وَسَيَأْتِي الْكَلَام على حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي مُسْنده إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 1060 - / 1273 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر على رجل وَهُوَ يعظ أَخَاهُ فِي الْحيَاء، فَقَالَ: " دَعه؛ فَإِن الْحيَاء من الْإِيمَان ". [15] اعْلَم أَن من أَخْلَاق الْمُؤمن الْحيَاء، وَالْحيَاء انقباض، وَالْمُؤمن منقبض حَيَاء من خالقه، وإجلالا لهيبته، وحذرا من عِقَابه، فَصَارَ الانقباض خلقا لِلْمُؤمنِ، فاستحيا من أَبنَاء جنسه. [15] فَإِن قيل: كَيفَ جعل الْحيَاء - وَهُوَ غريزة - من الْإِيمَان الَّذِي هُوَ اكْتِسَاب؟ فقد أجَاب عَن هَذَا ابْن قُتَيْبَة فَقَالَ: لِأَن المستحيي يَنْقَطِع بِالْحَيَاءِ عَن الْمعاصِي وَإِن لم يكن لَهُ تقى، فَصَارَ كالإيمان الَّذِي يقطع عَنْهَا. 1061 - / 1274 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: " اقْتُلُوا الْحَيَّات، واقتلوا ذَا الطفيتين ". [15] هَذَا الحَدِيث قد تقدم هُوَ وَشَرحه فِي مُسْند أبي لبَابَة. إِلَّا أَنه فِي بعض أَلْفَاظه: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمر بقتل الْكلاب. وَقد بَينا فِي مُسْند عبد الله بن مُغفل أَنه نسخ ذَلِك. 1062 - / 1275 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ: " لَا تَبِيعُوا الثَّمر حَتَّى يَبْدُو صَلَاحه ". الحديث: 1062 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 [15] هَذَا الحَدِيث بِأَلْفَاظ قد سبق فِي مُسْند زيد بن ثَابت. وَقد شرحناه ثمَّ. وَفِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث: نهى عَن بيع النّخل حَتَّى يزهو، وَعَن السنبل حَتَّى يبيض ويأمن العاهة. [15] قَالَ أَبُو عبيد: زهو النّخل: أَن يحمر أَو يصفر. والعاهة: الآفة تصيبه. [15] وَفِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث: نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا. وَكَانَ إِذا سُئِلَ عَن صَلَاحهَا قَالَ: حَتَّى تذْهب عاهته. وَظَاهر هَذَا أَن الْمَسْئُول عَن ذَلِك والمجيب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَيْسَ كَذَلِك، إِنَّمَا الْمَسْئُول والمجيب عَن ذَلِك ابْن عمر، وَقد درج كَلَامه فِي كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاشْتَبَهَ. أَنبأَنَا عبد الْوَهَّاب الْحَافِظ قَالَ: أَنبأَنَا جَعْفَر بن أَحْمد بن السراح قَالَ: أَنبأَنَا أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت قَالَ: الْمَسْئُول عَن صَلَاح الثَّمَرَة والمجيب بقوله: حَتَّى تذْهب عاهته، لَيْسَ هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا هُوَ عبد الله بن عمر. وَقد بَين ذَلِك مُسلم ابْن إِبْرَاهِيم الْأَزْدِيّ وَمُحَمّد بن جَعْفَر غنْدر فِي روايتهما هَذَا الحَدِيث عَن شُعْبَة عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر. 1063 - / 1276 وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ: " من اشْترى طَعَاما فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيه " وَكُنَّا نشتري الطَّعَام من الركْبَان جزَافا، فنهانا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نبيعه حَتَّى ننقله من مَكَانَهُ. الحديث: 1063 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 [15] اسْتِيفَاء الطَّعَام إِذا كَانَ قد اشْترى صبرَة بنقله، وَإِن كَانَ بِالْكَيْلِ فَلَا يجوز بَيْعه حَتَّى يُعَاد عَلَيْهِ الْكَيْل على مَا بَيناهُ فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. [15] والجزاف: مَا أَخذ على حَاله دون معرفَة قدره من الْكَيْل وَالْوَزْن. وَعِنْدنَا أَنه من بَاعَ صبرَة مجازفة وَانْفَرَدَ البَائِع بِمَعْرِِفَة قدرهَا لم يجز لَهُ ذَلِك، إِلَّا أَن البيع صَحِيح، وَللْمُشْتَرِي الْخِيَار. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: البيع لَازم وَلَا خِيَار للْمُشْتَرِي. 1064 - / 1277 وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: " من ابْتَاعَ نخلا بعد أَن يؤبر فثمرها للَّذي بَاعهَا إِلَّا أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع ". [15] هَكَذَا أخرج فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقد أَنبأَنَا عبد الْوَهَّاب الْحَافِظ قَالَ: أخبرنَا جَعْفَر بن أَحْمد السراج قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت قَالَ: اتّفق إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا الخلفاني وَأَبُو مُعَاوِيَة الضَّرِير والهيثم بن عدي الطَّائِي على رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن عبيد الله بن عمر الْعمريّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَكَذَا. ووهموا فِي ذَلِك؛ لِأَن نَافِعًا إِنَّمَا كَانَ يروي الْفَصْل الَّذِي فِي بيع النّخل خَاصَّة عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ويروي الْفَصْل الْأَخير الَّذِي فِي بيع العَبْد عَن ابْن عمر عَن عمر بن الْخطاب قَوْله، بَين ذَلِك يحيى بن سعيد الْقطَّان وَبشر بن الْمفضل فِي روايتهما عَن عبيد بن عمر هَذَا الحَدِيث فِي سِيَاقَة وَاحِدَة، وميزا أحد الْفَصْلَيْنِ من الآخر، وضبطا إِسْنَاده، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سعيد بن أبي عروية عَن الحديث: 1064 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن نَافِع. وروى مَالك عَن نَافِع الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا، إِلَّا أَنه أفرد كل وَاحِد مِنْهُمَا بِإِسْنَادِهِ، وَجعل فصل النّخل عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفصل العَبْد عَن ابْن عمر عَن عمر قَوْله. وَكَذَلِكَ روى مُحَمَّد بن بشر الْعَبْدي وَمُحَمّد بن عبيد الله الطنافسي عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع الْفَصْلَيْنِ بِإِسْنَادَيْنِ مفردين. [15] فَأَما تَفْسِير الحَدِيث: فأبرت النّخل: بِمَعْنى لقحت، ونخلة مؤبرة. وتأبير النَّخْلَة أَن يتشقق طلعها فَيُوضَع فِي أَثْنَائِهِ من طلع فَحل النّخل، فَيكون ذَلِك لقاحا، فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّمر المستكن فِي الطّلع كَالْوَلَدِ المستجن فِي بطن الْحَامِل، فَإِنَّهَا إِذا بِيعَتْ تبعها الْحمل فِي البيع، فَإِذا ظهر تميز حكمه عَن حكم أمه، فَكَذَلِك ثَمَر النّخل إِذا تشقق وَظهر فَإِنَّهُ ينْفَرد حكمه عَن حكم أَصله. [15] وَقَوله: " فَمَاله للْبَائِع " دَلِيل على أَن العَبْد لَا يملك بِحَال جعله فِي أقوى الْحَالَات - وَهِي إِضَافَة الْملك إِلَيْهِ - غير ملك. 1065 - / 1278 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الْمغرب وَالْعشَاء بِالْمُزْدَلِفَةِ جَمِيعًا. زَاد البُخَارِيّ: كل وَاحِدَة مِنْهُمَا بِإِقَامَة، وَلم يسبح بَينهمَا وَلَا على إِثْر وَاحِدَة مِنْهُمَا. [15] وَأما الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ هُنَا. فمجمع عَلَيْهِ. [15] والمزدلفة اسْم مَأْخُوذ من الْقرب، وَقد بَيناهُ فِيمَا مضى. [15] وَمعنى لم يسبح: لم يتَنَفَّل. وَقَوله: لَيْسَ بَينهمَا سَجْدَة: أَي رَكْعَة. الحديث: 1065 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 [15] وَقَوله: وَصلى الْمغرب ثَلَاثًا، هَذَا لِأَن الْمغرب لَا يقصر. [15] وَقَوله: كل وَاحِدَة بِإِقَامَة. هَذَا هُوَ الْمَنْصُور عندنَا. وَعند أَحْمد أَنه مُخَيّر. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجمع بِأَذَان وَإِقَامَة بِمُزْدَلِفَة على مَا فِي لفظ الحَدِيث الآخر. 1066 - / 1279 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ: " لَا تتركوا النَّار فِي بُيُوتكُمْ حِين تنامون ". [15] هَذَا تَأْدِيب يتَضَمَّن التحذير مِمَّا يُمكن وُقُوعه، فَإِنَّهُ رُبمَا هبت الرّيح بِثَوْب أَو غَيره إِلَى النَّار، وَرُبمَا وَقع على النَّار شَيْء فاشتعل واشتعل بِهِ الْبَيْت. وَرُبمَا جرت الْفَأْرَة الفتيلة فأحرقت. ثمَّ إِنَّمَا يُرَاد الضَّوْء للمنتبه، فإيقاد النَّار بعد النّوم من غير حَاجَة تَفْرِيط. 1067 - / 1280 وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أعجله السّير فِي السّفر يُؤَخر الْمغرب حَتَّى يجمع بَينهَا وَبَين الْعشَاء. [15] قد سبق الْكَلَام فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. [15] وَقَوله: وَلَا يسبح: أَي لَا يتَنَفَّل. [15] واستصرخ: استغيث بِهِ ليَكُون غوثا على مَا استغيث بِهِ فِيهِ. [15] والشفق: الْحمرَة الَّتِي ترى فِي الْمغرب عِنْد غرُوب الشَّمْس. الحديث: 1066 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 1068 - / 1281 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينفل بعض من يبْعَث من السَّرَايَا لأَنْفُسِهِمْ خَاصَّة سوى قسم عَامَّة الْجَيْش، وَالْخمس فِي ذَلِك كُله وَاجِب. [15] قد بَينا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس كَيفَ تقسم الْغَنِيمَة، وَذكرنَا أَن النَّفْل يَقع من الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس الَّتِي هِيَ سِهَام أهل الْوَقْعَة، وَهُوَ معنى قَوْله: وَالْخمس فِي ذَلِك كُله وَاجِب. يَعْنِي أَن الْخمس على حَاله لأربابه، وَالنَّفْل خَارج عَنهُ. وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينفل من الجيوش والسرايا ذَوي الْقُوَّة فِي الْحَرْب تحريضا لَهُم على الْقِتَال، وتعويضا عَمَّا يصيبهم من الْمَشَقَّة، فَيكون ذَلِك كالصلة، ثمَّ يجعلهم بعد ذَلِك أُسْوَة الْجَمَاعَة فِي سَهْمَان الْغَنِيمَة، هَذَا مَذْهَبنَا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يكون النَّفْل من خمس الْخمس الَّذِي للْمصَالح. وَإِنَّمَا سمي ذَلِك نفلا لِأَنَّهُ زِيَادَة على الأَصْل، وَسميت الْغَنَائِم بالأنفال لِأَنَّهَا مِمَّا زَاد الله عز وَجل هَذِه الْأمة فِي الْحَلَال، وَقد كَانَت مُحرمَة على من قبلهم. [15] والشارف: النَّاقة المسنة. 1069 - / 1282 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ: أَن ابْن عمر طلق امْرَأَته وَهِي حَائِض، فَذكر ذَلِك عمر لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فتغيظ وَقَالَ: " ليراجعها ". [15] اعْلَم أَنه إِنَّمَا أمره بالمراجعة لِأَن الطَّلَاق حَال الْحيض محرم، إِلَّا الحديث: 1068 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 أَنه يَقع، وَكَذَلِكَ إِذا طَلقهَا فِي طهر قد وَطئهَا فِيهِ. وَعِنْدنَا أَنه يسْتَحبّ ارتجاعها إِن كَانَ الطَّلَاق رَجْعِيًا، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ مَالك: تجب عَلَيْهِ الرّجْعَة. وَعَن أَحْمد نَحْو ذَلِك. [15] وَقَوله: " إِن عجز واستحمق " التَّاء فِي استحمق مَفْتُوحَة، كَذَا قَالَ لنا عبد الله بن أَحْمد النَّحْوِيّ، وَقَالَ: الْمَعْنى: فعل فعلا يصير بِهِ أَحمَق، أسقط عَنهُ حكم الطَّلَاق عَجزه وحمقه، وَهَذَا من الْجَواب الْمَحْذُوف الْمَدْلُول عَلَيْهِ بفحوى الْكَلَام. [15] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن سِيرِين قَالَ: مكثت عشْرين سنة يحدثني من لَا أتهم: أَن ابْن عمر طلق امْرَأَته ثَلَاثًا وَهِي حَائِض فَأمر أَن يُرَاجِعهَا، فَجعلت لَا أتهمهم وَلَا أعرف الحَدِيث، حَتَّى لقِيت يُونُس بن جُبَير، وَكَانَ ذَا ثَبت فَحَدثني عَن ابْن عمر: أَنه طلق امْرَأَته تَطْلِيقَة. قلت: فَبَان بِهَذَا أَن الَّذِي يتهمه ابْن سِيرِين غلط، وَقد يكون الْإِنْسَان ثِقَة لكنه يغلط. وَقد روى هَذَا الحَدِيث أَبُو الزبير فَقَالَ فِيهِ: فَردهَا عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يره شَيْئا. أَشَارَ إِلَى هَذَا مُسلم، وأفصح أَبُو مَسْعُود فِي " التعليقة ". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي " السّنَن " وَقَالَ: كل الْأَحَادِيث يُخَالف مَا رَوَاهُ أَبُو الزبير. وَقَالَ غَيره من عُلَمَاء الْمُحدثين: لم يرو أَبُو الزبير حَدِيثا أنكر من هَذَا. على أَنه يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: لم يره شَيْئا باتا تحرم مَعَه الرّجْعَة. وَالثَّانِي: لم يره شَيْئا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 جَائِزا فِي السّنة. 1070 - / 1283 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ: " إِن الله يَنْهَاكُم أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ " قد سبق فِي مُسْند عمر. 1071 - / 1284 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: " أريت كَأَنِّي أنزع بِدَلْو بكرَة على قليب ". [15] النزع بِمَعْنى الاستقاء. وَالْمعْنَى: استقي بيَدي على البكرة. [15] والقليب: الْبِئْر قبل أَن تطوى، فَإِذا طويت فَهِيَ طوي، والقليب مُذَكّر، والبئر مُؤَنّثَة. والذنُوب: الدَّلْو الْعَظِيمَة. [15] وَقَوله: " فاستحالت غربا " أَي تحولت وَرجعت إِلَى الْكبر. والغرب بِإِسْكَان الرَّاء: الدَّلْو الْعَظِيمَة. وَالْمعْنَى: أَن عمر لما أَخذ الدَّلْو عظمت فِي يَده، وَكَذَا كَانَ تَأْوِيلهَا: أَن الْفتُوح فِي أَيَّامه كَانَت أَكثر من الْفتُوح فِي أَيَّام أبي بكر. [15] وَقَوله: " فَلم أر عبقريا " العبقري: سيد الْقَوْم وَكَبِيرهمْ وقويهم، قَالَ أَبُو بكر الْأَنْبَارِي: عبقر قَرْيَة تسكنها الْجِنّ، وكل فائق جليل ينْسب إِلَيْهَا. [15] قَالَ الزّجاج: عبقر: بلد كَانَ يوشى فِيهِ الْبسط وَغَيرهَا، فنسب الحديث: 1070 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 كل جيد إِلَيْهِ، قَالَ زُهَيْر: (يخيل عَلَيْهَا جنَّة عبقرية ... جديرون يَوْمًا أَن ينالوا فيستعلموا) [15] وَقَوله: " يفري فريه " أَي يقطع قطعه. الْمَعْنى: يعْمل عمله. وَالْعرب تَقول: تركت فلَانا يفري الفري: أَي يعْمل الْعَمَل الْجيد، وَأنْشد الْأَحْمَر: (قد أطعمتني دقلا حوليا ... ) (مسوسا مدودا حجريا ... ) (قد كنت تفرين بِهِ الفريا ... ) [15] أَي كنت تكثرين فِيهِ القَوْل وتعظيمنه. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {لقد جِئْت شَيْئا فريا} [مَرْيَم: 27] . قَالَ ابْن السّكيت: الفري: الْعَمَل الْجيد الصَّحِيح. قَالَ: وَيُقَال: هُوَ يفري الفري: إِذا جَاءَ بالعجب فِي عمل عمله. وَقَالَ اللَّيْث: يفري فريه خَفِيفَة، وَمن ثقل فقد غلط. قَالَ الشَّاعِر: (فَلَا شَيْء يفري فِي الْيَدَيْنِ كَمَا يفري ... ) [15] وَقَوله: " حَتَّى ضرب النَّاس بِعَطَن " قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: مَعْنَاهُ: حَتَّى رووا وأرووا إبلهم وأبركوها وضربوا لَهَا عطنا، يُقَال: عطنت الْإِبِل وأعطنتها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 1072 - / 1286 وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ: أَن ابْن عمر كَانَ يَحْكِي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " يَأْخُذ الله سماواته وأرضيه بِيَدِهِ وَيَقُول: أَنا الله، وَيقبض أُصْبُعه ويبسط: أَنا الْملك " حَتَّى نظرت إِلَى الْمِنْبَر يَتَحَرَّك. [15] قد ثَبت بِالدَّلِيلِ الْقَاطِع أَن يَد الْحق عز وَجل لَيست جارحة، وَأَن قَبضه للأشياء لَيست مُبَاشرَة، وَلَا لي كف، وَإِنَّمَا قرب الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الأفهام مَا يُدْرِكهُ الْحس، فَقبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصَابِعه وبسطها. فوقوع الشّبَه بَين القبضتين من حَيْثُ ملكه الْمَقْبُوض لَا من حَيْثُ التَّشْبِيه بآلات الْقَبْض، كَمَا وَقع تَشْبِيه رؤيه الْحق بِرُؤْيَة الْقَمَر فِي اتضاح الرُّؤْيَة لَا فِي تَشْبِيه المرئي. [15] وَفِي لفظ: " يَأْخُذ الْجَبَّار سماواته " وَفِي معنى الْجَبَّار أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه الْعَظِيم، قَالَه ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: أَنه الَّذِي يقهر الْخلق ويجبرهم على مَا يُرِيد، قَالَه الْقُرْطُبِيّ وَالسُّديّ. وَالثَّالِث: الَّذِي جبر مفاقر خلقه وكفاهم أَسبَاب المعاش والرزق. وَالرَّابِع: أَنه العالي فَوق خلقه، من قَوْلهم: تجبر النَّبَات: إِذا طَال وَعلا، ذكر الْقَوْلَيْنِ الْخطابِيّ. 1073 - / 1287 وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: " من أعتق عبدا بَينه وَبَين آخر قوم عَلَيْهِ من مَاله قيمَة عدل، لَا وكس وَلَا شطط، ثمَّ عتق الحديث: 1072 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 عَلَيْهِ فِي مَاله إِن كَانَ مُوسِرًا ". وَفِي رِوَايَة: " من أعتق شركا لَهُ فِي عبد فَكَانَ لَهُ مَال يبلغ ثمن العَبْد قوم عَلَيْهِ العَبْد قيمَة عدل، فَأعْطى شركاؤه حصصهم وَعتق عَلَيْهِ العَبْد، وَإِلَّا فقد عتق عَلَيْهِ مَا عتق. " وَفِي رِوَايَة عَن يحيى بن سعيد وَأَيوب قَالَا: لَا نَدْرِي قَوْله: " وَإِلَّا فقد عتق مِنْهُ مَا عتق " أَشَيْء قَالَه نَافِع أَو فِي الحَدِيث. [15] وَقَالَ أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت: وَقَوله: " وَإِذا كَانَ لَهُ مَال يبلغ ثمن العَبْد " يُقَال: إِنَّه من كَلَام الزُّهْرِيّ. [15] الوكس: النُّقْصَان. والشطط: مُجَاوزَة الْقدر. وشططت وأشططت: إِذا جرت فِي الحكم. [15] وَحكم الحَدِيث أَنه إِذا أعتق الْمُوسر شِقْصا لَهُ فِي عبد عتق كُله وَضمن قيمَة نصيب شَرِيكه، فَإِن كَانَ الْمُعْتق مُعسرا عتق نصِيبه خَاصَّة وَلم يكن لشَرِيكه تضمين الْمُعْتق نصِيبه، وَلَا استسعاء العَبْد، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِنَّمَا يعْتق حِصَّة الْمُعْتق خَاصَّة، وَالشَّرِيك مُخَيّر بَين أَن يعْتق نصِيبه أَو يضمن قيمَة نصيب الْمُعْتق، وَبَين أَن يستسعى العَبْد، سَوَاء كَانَ الْمُعْتق مُوسِرًا أَو مُعسرا، وَعَن أَحْمد نَحْو قَول أبي حنيفَة. وَالْكَلَام مَعَ أبي حنيفَة فِي فصلين: أَحدهمَا فِي سرَايَة الْعتْق إِلَى نصيب الشَّرِيك إِذا كَانَ الْمُعْتق مُوسِرًا. وَالثَّانِي: فِي إبِْطَال الْقبُول بالاستسعاء إِذا كَانَ مُعسرا. [15] وَأما الْوَقْت الَّذِي يعْتق فِيهِ نصيب شَرِيكه فَذَلِك عقيب الْإِيقَاع، وَلَا يقف عتقه على أَدَاء قِيمَته، خلافًا لإحدى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك، وَأحد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 أَقْوَال الشَّافِعِي، ولداود، فِي قَوْلهم: لَا يعْتق إِلَّا بِدفع الْقيمَة. 1074 - / 1288 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ: مَا كُنَّا نَدْعُو زيد بن حَارِثَة إِلَّا زيد بن مُحَمَّد حَتَّى نزل فِي الْقُرْآن: {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الْأَحْزَاب: 5] . [15] كَانَ زيد بن حَارِثَة قد خرجت بِهِ أمه سعدى بنت ثَعْلَبَة إِلَى زِيَارَة قَومهَا، فأغارت خيل لبني الْقَيْن، فَمروا بزيد فاحتملوه، فوافوا بِهِ سوق عكاظ فَعَرَضُوهُ للْبيع، فَاشْتَرَاهُ حَكِيم بن حزَام لِعَمَّتِهِ خَدِيجَة، فَلَمَّا تزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهبته لَهُ، فَلَمَّا علم أَبوهُ وَعَمه قدما بفدائه إِلَى مَكَّة، فدخلا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَا: يَا ابْن هَاشم، يَا ابْن سيد قومه، أَنْتُم أهل حرم الله وجيرانه، تفكون العاني، وتطعمون الْأَسير، وَقد جئْنَاك فِي ابننا عنْدك، فَامْنُنْ علينا وَأحسن إِلَيْنَا فِي فدائه. قَالَ: " فَهَلا غير ذَلِك؟ " قَالَا: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: " ادعواه فخيراه، فَإِن اختاركما فَهُوَ لَكمَا بِغَيْر فدَاء، وَإِن اختارني فوَاللَّه مَا أَنا بِالَّذِي أخْتَار على من اختارني أحدا " قَالَ: نعم هَذَا أبي، وه عمي. قَالَ: فَأَنا من قد علمت وَرَأَيْت صحبتي لَك، فاخترني أَو اخترهما. فَقَالَ زيد: مَا أَنا بِالَّذِي أخْتَار عَلَيْك أحدا، أَنْت مني بمَكَان الْأَب وَالْعم، فَقَالَا: وَيحك يَا زيد، أتختار الْعُبُودِيَّة على الْحُرِّيَّة وعَلى أَبِيك وعمك وَأهل بَيْتك! قَالَ: نعم، إِنِّي قد رَأَيْت من هَذَا الرجل شَيْئا مَا أَنا الحديث: 1074 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 بِالَّذِي أخْتَار عَلَيْهِ أحدا أبدا، فَلَمَّا رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك أخرجه إِلَى الْحجر فَقَالَ: " يَا من حضر، اشْهَدُوا أَن زيدا ابْني، أرثه ويرثني " فَلَمَّا رأى ذَلِك أَبوهُ وَعَمه طابت أَنفسهمَا وانصرفا، إِلَى أَن نزل قَوْله تَعَالَى: {ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ} فَحِينَئِذٍ دعِي زيد بن حَارِثَة. 1075 - / 1289 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا وضع رجله فِي الغرز واستوت بِهِ رَاحِلَته أهل. [15] الغرز للجمل كالركاب للْفرس. [15] وَقَوله: أهل: أَي لبّى. وَقد سبق الْكَلَام فِي هَذَا، وَفِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يمس من الْأَركان سوى اليمانيين. وَبينا أَنه لَو مس الرُّكْنَيْنِ الآخرين خرج الْحجر أَن يكون من الْبَيْت. [15] قَوْله: ورأيتك تلبس النِّعَال السبتية. هِيَ منسوبة إِلَى السبت. والسبت: جُلُود الْبَقر المدبوغة بالقرظ، يتَّخذ مِنْهَا النِّعَال. وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَن السبت مَا لَا شعر فِيهِ من الْجلد؛ لِأَنَّهُ قَالَ: رَأَيْته يلبس النِّعَال الَّتِي لبس فِيهَا شعر، فَكَأَنَّهَا سميت سبتية لِأَن شعرهَا قد سبت عَنْهَا: أَي حلق وأزيل. يُقَال: سبت رَأسه يسبته: إِذا حلقه. وَيُقَال: سميت سبتيه لِأَنَّهَا انسبتت بالدباغ: أَي لانت، يُقَال: رطبَة منسبتة: أَي لينَة. وَالَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو عبيد أَن السبتية هِيَ المدبوغة بالقرظ، وَلم ير قَول من قَالَ: إِنَّهَا المحلوقة الشّعْر. الحديث: 1075 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 [15] وَقَوله: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصْبغ بالصفرة. يَعْنِي بِهِ خضاب الشّعْر. أخبرنَا عَليّ بن عبد الله وَأحمد بن الْحُسَيْن وَعبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد قَالُوا: حَدثنَا عبد الصَّمد بن الْمَأْمُون قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن عمر الْخُتلِي قَالَ: حَدثنَا عِيسَى بن سُلَيْمَان الْقرشِي قَالَ: حَدثنَا دَاوُد بن رشيد قَالَ حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز عَن سُلَيْمَان ابْن مُوسَى عَن عبيد بن جريج: أَنه رأى ابْن عمر يخضب بالصفرة ويخبر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخضب بهَا. وَقد رَوَاهُ زيد بن أسلم عَن عبيد قَالَ: رَأَيْت ابْن عمر يصفر لحيته، فَقلت لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصفر لحيته. وَقد كَانَ جمَاعَة من الصَّحَابَة يخضبون بالصفرة، مِنْهُم عُثْمَان وَابْن عمر وَمُعَاوِيَة وَابْن عَبَّاس والمقداد وَعبد الله بن بسر والمقدام بن معد يكرب وَأَبُو أُمَامَة الْبَاهِلِيّ وَعتبَة بن عبد السّلمِيّ وَالْحجاج بن علاط، وَكَانَ بعدهمْ من التَّابِعين خلق يطول ذكرهم يخضبون بالصفرة، قد ذكرتهم فِي كتاب " الشيب والخضاب ". 1076 - / 1290 - وَفِي الحَدِيث الْخمسين: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي وَهُوَ فِي معرسة من ذِي الحليفة فِي بطن الْوَادي فَقيل لَهُ: إِنَّك ببطحاء مباركة. [15] المعرس: مَوضِع نزُول الْقَوْم فِي سفرهم من آخر اللَّيْل للراحة وَالنَّوْم. الحديث: 1076 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 [15] والبطحاء: كل متسع. [15] ويتحرى بِمَعْنى يتوخى ويقصد. 1077 - / 1291 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْخمسين: " من اقتنى كَلْبا إِلَّا كلب صيد أَو مَاشِيَة فَإِنَّهُ ينقص من أجره كل يَوْم قيراطان " وقِي لفظ: " إِلَّا كلب ضارية " [15] يُقَال: ضري الْكَلْب يضرى ضراوة: إِذا حرص على الصَّيْد واعتاده، وَفهم الزّجر والإرسال. وأضريته أَنا: أَي عَلمته ذَلِك وعودته إِيَّاه ودربته عَلَيْهِ. [15] والحرث: الزَّرْع. [15] وَقَول سَالم: كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَقُول: " أَو كلب حرث " وَكَانَ صَاحب حرث. هَذَا مَذْكُور فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقد رُوِيَ فِي مَوضِع آخر ذكر أَنه لِابْنِ عمر أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: " إِلَّا كلب صيد أَو زرع أَو مَاشِيَة " فَقَالَ: إِن لأبي هُرَيْرَة زرعا. فتأول بعض من لم يوفق للصَّوَاب أَن ابْن عمر قد اتهمَ أَبَا هُرَيْرَة. وَهَذَا محَال، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَصْدِيق أبي هُرَيْرَة، فَجعل حَاجته إِلَى ذَلِك شَاهدا لَهُ على علمه ومعرفته، لِأَن من كثرت حَاجته إِلَى شَيْء كثرت مَسْأَلته عَنهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: جدير بِأبي هُرَيْرَة أَن يكون علم هَذَا عِنْده، وَأَن يكون قد سَأَلَ عَنهُ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ. وَقد روى عبد الله بن مُغفل وسُفْيَان بن أبي زُهَيْر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل حَدِيث أبي هُرَيْرَة، فَكيف يتهم، وَقد ذكرنَا أَن فِي الحديث: 1077 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 [15] الصَّحِيح عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: " إِلَّا كلب زرع " وَهَذَا فِي رِوَايَة عمرَان بن الْحَارِث عَنهُ، فَلَعَلَّ ابْن عمر سمع ذَلِك من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونسيه ثمَّ عَاد فَذكره، وَلَعَلَّه أرسل الحَدِيث بذلك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتِمَادًا على رِوَايَة أبي هُرَيْرَة. [15] وَعَامة أَصْحَاب ابْن عمر رووا عَنهُ " قيراطين ". وروى عمرَان وَسَالم فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن أبي بكر " قيراطا وَاحِدًا " وروى عَنهُ سعيد بن الْمسيب قيراطين. وكل هَذِه الْأَطْرَاف فِي الصَّحِيح. [15] وَإِنَّمَا نهى عَن اقتناء الْكَلْب لمعنيين: أَحدهمَا: النَّجَاسَة، وَكَانَت الْعَرَب قد ألفت اقتناءها، وَكَانَت تخالطهم فِي أوانيهم. وَالثَّانِي: لِأَنَّهُ يروع الضَّيْف ويؤذي الطارق والسائل، فَلَمَّا كَانَ الْمَسْئُول والمطروق والمضيف لَا يَخْلُو من أجر فِي بذل مَا يبذله لهَؤُلَاء وَلَو طيب الْكَلَام، وَكَانَ الْكَلْب سَببا لمنع ذَلِك، نقص أجره لفقد مَا كَانَ الْكَلْب سَببا فِي مَنعه، وَلم يقل أَنه يَأْثَم، وَلكنه أخبر بِنَقص الْأجر من هَذِه الْوُجُوه الَّتِي منعهَا اقتناء الْكَلْب. 1078 - / 1293 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْخمسين: " إِذا أنزل الله بِقوم عذَابا أصَاب الْعَذَاب من كَانَ فيهم ثمَّ بعثوا على أَعْمَالهم ". [15] قد يشكل هَذَا فَيُقَال: كَيفَ يُصِيب الْعَذَاب من لم يفعل أفعالهم؟ وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون فيهم رَاضِيا بأفعالهم، أَو غير مُنكر لَهَا، فيعذب بِرِضَاهُ الْمعْصِيَة، وسكوته عَن الْإِنْكَار، فَإِن الحديث: 1078 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 الصَّالِحين من بني إِسْرَائِيل لما أَنْكَرُوا على المفسدين ثمَّ واكلوهم وصافوهم عَم الْعَذَاب الْكل. وَالثَّانِي: أَن يكون إِصَابَة الْعَذَاب لَهُم لَا على وَجه التعذيب، وَلَكِن يكون إماتة لَهُم عِنْد انْتِهَاء آجالهم، كَمَا هَلَكت الْبَهَائِم والمواشي فِي الطوفان بآجالها لَا بالتعذيب. 1079 - / 1294 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْخمسين: " لَا تزَال الْمَسْأَلَة بأحدكم حَتَّى يلقى الله وَلَيْسَ فِي وَجهه مزعة لحم ". [15] هَذِه مَسْأَلَة الْغَنِيّ عَن السُّؤَال. والمزعة: الْقطعَة من اللَّحْم. وَالْمرَاد أَنه يَقع عِقَابه بشين وَجهه لِأَنَّهُ المبذول للسؤال، كَمَا وَقع عِقَاب الْبَخِيل فِي إعراضه عَن الْفَقِير بكي الْجَبْهَة وَالْجنب وَالظّهْر، لِأَنَّهُ إِذا رأى الْفَقِير قبض وَجهه ثمَّ لوى جنبه ثمَّ أعطَاهُ ظَهره. وَقد تَأَوَّلَه قوم على أَنه يَأْتِي لَا جاه لَهُ وَلَا قدر، يُقَال: لفُلَان وَجه: أَي جاه، وَهَذَا لِأَن السُّؤَال أسقط جاهه فِي الدُّنْيَا فَأتى على ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة. [15] وَإِنَّمَا كره السُّؤَال لثَلَاثَة معَان: أَحدهَا: أَنه ذل، وذل يَنْبَغِي أَن يكون لمَالِكه فَحسب. وَالثَّانِي: لِأَنَّهُ يتَضَمَّن نوع شكوى من الْقدر. وَالثَّالِث: أَن سُؤال الْغَنِيّ عَن الشَّيْء مزاحمة لمن أعد لَهُ من الْفُقَرَاء وتضييق عَلَيْهِم، وَقد كَانَ السّلف يحترزون من السُّؤَال الْجَائِز. أخبرنَا هبة الله بن مُحَمَّد قَالَ: أخبرنَا أَبُو عَليّ التَّمِيمِي قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر ابْن مَالك قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا الحديث: 1079 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 مُوسَى بن دَاوُد قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن المؤمل عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: رُبمَا سقط الخطام من يَد أبي بكر الصّديق فَيضْرب بِذِرَاع نَاقَته فينيخها فَيَأْخذهُ، فَقَالُوا لَهُ: أَفلا أمرتنا نناولكه. فَقَالَ: إِن حَبِيبِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَمرنِي أَن لَا أسأَل النَّاس شَيْئا. قَالَ أَحْمد: وَحدثنَا وَكِيع قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي ذِئْب عَن مُحَمَّد بن قيس عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن ثَوْبَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من يتَقَبَّل لي بِوَاحِدَة وأتقبل لَهُ بِالْجنَّةِ؟ " قَالَ: قلت أَنا. قَالَ: " لَا تسْأَل النَّاس شَيْئا " فَكَانَ ثَوْبَان يَقع سَوْطه وَهُوَ رَاكب فَلَا يَقُول لأحد: ناولنيه، حَتَّى ينزل فيتناوله. 108 - / 1295 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْخمسين: أَنه أطنب فِي ذكر الدَّجَّال. [15] أَي بَالغ فِي أَوْصَافه وَالْبَيَان عَنهُ وَبَاقِي الحَدِيث مُفَسّر فِيمَا تقدم. 1081 - 1297 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْخمسين: " أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا، لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، ويقيموا الصَّلَاة، ويؤتوا الزَّكَاة ". [15] وَقد تقدم الْكَلَام فِي هَذَا. [15] وَفِي هَذَا دَلِيل على أَن الْكفَّار مخاطبون بالفروع، لأَنهم يُقَاتلُون على ذَلِك. [15] فَإِن قيل: قد علق ترك الْقِتَال فِي مُسْند عمر بن الْخطاب بالْقَوْل، وعلقه هَاهُنَا بأَشْيَاء مَعَ القَوْل. فَالْجَوَاب: أَن حَدِيث عمر كَانَ فِي الحديث: 1081 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 مبدأ الْإِسْلَام، وَحَدِيث ابْن عمر وَأنس متأخران بعد نزُول الْفَرَائِض. 1082 - / 1298 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْخمسين: " إِذا صَار أهل الْجنَّة إِلَى الْجنَّة وَأهل النَّار إِلَى النَّار جِيءَ بِالْمَوْتِ فَيذْبَح ". [15] هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند أبي سعيد الْخُدْرِيّ أبسط مِنْهُ هَاهُنَا وأوضح، فسنذكر تَفْسِيره هُنَاكَ إِذا وصلنا إِلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 1083 - / 1299 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْخمسين: صَحِبت النَّبِي فَلم أره يسبح فِي السّفر. [15] قد بَينا فِيمَا تقدم أَنه المُرَاد بالتسبيح التَّنَفُّل. [15] والأسوة: الْقدْوَة. 1084 - / 1300 وَفِي الحَدِيث السِّتين: " إِن الشَّمْس وَالْقَمَر لَا يخسفان لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ ". [15] وَقد سبق هَذَا فِي مُسْند أبي مُوسَى. وَذكرنَا صَلَاة الْكُسُوف فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. [15] 1085 - / 1301 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتِّينَ: " إِذا بدا حَاجِب الشَّمْس فدعوا الصَّلَاة حَتَّى تبرز، وَلَا تَحَيَّنُوا بصلاتكم طُلُوع الشَّمْس وَلَا غُرُوبهَا ". الحديث: 1082 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 [15] حَاجِب الشَّمْس: أول مَا يَبْدُو مِنْهَا كالحاجب. وَهَذَا من أَوْقَات النهى عَن التَّنَفُّل. [15] وَقد ذكرنَا معنى التحين فِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ من هَذَا الْمسند. [15] وَأما قَوْله: " بَين قَرْني الشَّيْطَان " فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن الْمَعْنى: تطلع والشيطان يقارنها. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: لم يرد مَا يتخيل كقرن الشَّاة، وَإِنَّمَا الْقرن حرف الرَّأْس، وللرأس قرنان: أَي حرفان، فالشيطان ماثل مَعَ الشَّمْس حِين تطلع، لِأَنَّهُ وَقت كَانَ عباد الشَّمْس يَسْجُدُونَ لَهَا، فإبليس حِينَئِذٍ فِي جِهَة مطْلعهَا. وَالثَّانِي: أَن الْمَعْنى: أَن الشَّيْطَان يَتَحَرَّك عِنْد طُلُوعهَا ويتسلط، قَالَه إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ. وَالثَّالِث: أَن معنى قرن الشَّيْطَان: قوته، تَقول: أَنا مقرن لهَذَا الْأَمر: أَي مطيق، فالشيطان يقوى أمره فِي حَال طُلُوعهَا وغروبها لمَكَان تسويله لعبدتها السُّجُود لَهَا، ذكره أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ. 1086 - / 1303 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتِّينَ: نهى عَن أكل الثوم، وَعَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة. [15] اعْلَم أَن مُطلق النَّهْي عَن الشَّيْء يدل على تَحْرِيمه إِلَّا أَن يدل دَلِيل على أَنه نهي كَرَاهَة، ثمَّ اتِّفَاق الشَّيْئَيْنِ فِي النَّهْي دَلِيل على استوائهما إِلَّا أَن يدل دَلِيل على أَنه نهي كَرَاهَة أَو نهي تَحْرِيم. وَقد دلّ الدَّلِيل على أَن النَّهْي عَن أكل الثوم نهي كَرَاهَة؛ لِأَنَّهُ مُعَلل بالتأذي بِالرِّيحِ، الحديث: 1086 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 ودلت قرينَة قَوْله فِي لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة: " اكفئوا الْقُدُور، فَإِنَّهَا رِجْس " على أَنه نهي تَحْرِيم. لِأَن تَضْييع المَال لَا يجوز. والرجس: النَّجس. 1087 - / 1304 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسِّتِّينَ: أَنهم نزلُوا أَرض ثَمُود، فاستقوا من آبارها، وعجنوا بِهِ الْعَجِين، فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يهريقوا مَا استقوا، ويعلفوا الْإِبِل الْعَجِين. [15] لما لعن قوم ثَمُود أثرت لعنتهم فِي مِيَاههمْ وأماكنهم، كَمَا تُؤثر الْبركَة فِي الْمِيَاه والأماكن. وَقد شرحنا هَذَا فِي الحَدِيث التَّاسِع عشر من هَذَا الْمسند. 1088 - / 1305 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتِّينَ: أعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَر بِشَطْر مَا يخرج مِنْهَا. وَقد سبق بَيَان هَذَا فِي مُسْند عمر. [15] وَقَوله: كَانَ يُعْطي أَزوَاجه مائَة وسق، الوسق: سِتُّونَ صَاعا، والصاع خَمْسَة أَرْطَال وَثلث بالعراقي. [15] وَقَوله: نهى عَن كِرَاء الْمزَارِع. إِنَّمَا نهى ليرفق الْقَوْم بَعضهم بَعْضًا. ثمَّ قد كَانُوا يكرونها بِشَيْء مَجْهُول وَذَلِكَ أَمر مَنْهِيّ عَنهُ، وَقد بَينا هَذَا فِي مُسْند رَافع بن خديج. [15] وَقَوله: إِن عمر أجلى الْيَهُود وَالنَّصَارَى من أَرض الْحجاز. إجلاء الْقَوْم: إخراجهم عَن مَنَازِلهمْ وطردهم عَنْهَا. فَأَما الْحجاز فَقَالَ ابْن الحديث: 1087 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 فَارس: قَالَ قوم: سمي حجازا من قَوْلهم: حجز الرجل الْبَعِير يحجزه: إِذا شده إِلَى رسغه، فَكَأَن ذَلِك قيد لَهُ، والجبل حجاز، وَقيل: سمي حجازا لِأَنَّهُ احتجز بالجبال، يُقَال: احتجزت الْمَرْأَة: إِذا شدت ثِيَابهَا على وَسطهَا وائتزرت، وَتلك هِيَ الحجزة، وَزعم نَاس أَن الحزة خطأ، والحجزة والحزة سَوَاء، وَلَكِن الحزة لُغَة لبني الْحَارِث بن كَعْب. قَالَ الْحَارِثِيّ: (يرقون فِي النّخل حَتَّى ينزلُوا أصلا ... فِي كل حزة سيح مِنْهُم بسر) [15] وَالْأَصْل عندنَا فِي الْحجاز أَنه حاجز بَين أَرضين. وَقِيَاس الْمَنْع على مَا قُلْنَاهُ. وكل مَوضِع يمْتَنع بِهِ الْإِنْسَان فَهُوَ حجاز، وَقَالَ النَّابِغَة فِي الحجزة، وكنى بهَا عَن الْبدن: (رقاق النِّعَال طيب حجزاتهم ... يحيون بالريحان يَوْم السباسب) وتيماء أَرض مَعْرُوفَة. وأريحاء: هِيَ أَرض بَيت الْمُقَدّس كَذَلِك. [15] قَالَ السّديّ: وَقَوله: وَكَانَ التَّمْر يقسم على السهْمَان من نصف. الْمَعْنى أَن الْقَوْم كَانُوا يعْملُونَ فِيهَا على وَجه الْمُسَاقَاة كَمَا ذكرنَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 مُسْند عمر، فَيَأْخُذُونَ النّصْف، ثمَّ يقسم النّصْف الْبَاقِي على السهْمَان كَمَا تقسم الْغَنِيمَة. [15] وَقَوله: فَيَأْخُذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخمس. وَيحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: يَأْخُذ الْخمس من النّصْف فيفرقه على خَمْسَة أسْهم وَالْبَاقِي لمن شهد الْوَقْعَة. وَالثَّانِي: يَأْخُذ الْخمس لنَفسِهِ، فَيكون المُرَاد خمس الْخمس. ثمَّ إِن عمر قسم خَيْبَر على من شَهِدَهَا. [15] وَقَوله: ولرسول الله شطر ثَمَرهَا. قد بَيناهُ فِي أول الْكَلَام. 1089 - / 1306 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتِّينَ: " انهكوا الشَّوَارِب وَاعْفُوا اللحى " وَفِي لفظ آخر: " اُحْفُوا الشَّوَارِب ". النهك: النُّقْصَان، يُقَال: نهكته الْحمى: إِذا بالغت فِي نُقْصَان قوته. وَالْمعْنَى: بالغوا فِي الْأَخْذ مِنْهَا. [15] وَقَوله: " أحفوا الشَّوَارِب " قَالَ ابْن فَارس: يُقَال: أحفيت الشَّارِب إحفاء: إِذا أخذت مِنْهُ. والحفي: المستقصي فِي السُّؤَال. [15] وَأما إعفاء اللِّحْيَة فَهُوَ توفيرها وتكبيرها. قَالَ أَبُو عبيد: يُقَال: عَفا الشّعْر وَغَيره: إِذا كثر، يعْفُو؛ فَهُوَ عاف، وَقد عفوته وأعفيته، لُغَتَانِ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى عفوا} [الْأَعْرَاف: 95] أَي كَثُرُوا وَكَثُرت أَمْوَالهم. وَسَيَأْتِي فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة " جزوا الشَّوَارِب وأرخوا اللحى، وخالفوا الْمَجُوس " وَهَذَا لِأَنَّهُ كَانَ من زِيّ آل كسْرَى قصّ اللحى الحديث: 1089 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 وتوفير الشَّارِب، فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمته بمخالفتهم فِي الْهَيْئَة، وَفِي ذَلِك أَرْبَعَة معَان: أَحدهَا: مُخَالفَة الْكفَّار. وَفِي الثَّانِي: أَنه أجمل وَأحسن. وَالثَّالِث: أَنه أطيب وأنظف، فَإِن الْإِنْسَان إِذا أكل أَو شرب أَو قبل مَنعه طول الشَّارِب من كَمَال الالتذاذ، وَرُبمَا دخل الشّعْر فِي الْفَم مَعَ المتناول، ثمَّ يحصل فِيهِ من الزهم والوسخ، واللحية بعيدَة عَن ذَلِك. وَالرَّابِع: أَن الله تَعَالَى خلق اللِّحْيَة على صفة تقبل الطول بِخِلَاف الشَّارِب، فَإِنَّهُ لَا يطول كطولها، فَكَانَ المُرَاد مُوَافقَة الْحق عز وَجل فِيمَا رتب. [15] فَأَما الْفطْرَة فَإِنَّهَا كلمة تقال على أوجه قد ذَكرنَاهَا فِي مُسْند الْبَراء. وَالْمرَاد بهَا هَاهُنَا السّنة. 1090 - / 1307 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتِّينَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر يصلونَ الْعِيدَيْنِ قبل الْخطْبَة. [15] قد بَينا عِلّة تَأْخِير الْخطْبَة فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1091 - / 1308 - وَفِي الْحَادِث الثَّامِن وَالسِّتِّينَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب يَوْم الْجُمُعَة قَائِما ثمَّ يجلس ثمَّ يقوم. [15] قد بَينا أَن الْقيام والقعدة بَين الْخطْبَتَيْنِ عندنَا سنة، وَأَن الشَّافِعِي يرى ذَلِك وَاجِبا. الحديث: 1090 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 1092 - / 1309 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسِّتِّينَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرض رَاحِلَته فَيصَلي إِلَيْهَا. [15] وَالْمعْنَى: ينحيها فِي عرض الْقبْلَة، وَفِيه لُغَتَانِ: يعرض ويعرض. 1093 - / 1310 - وَفِي الحَدِيث السّبْعين والعنزة بَين يَدَيْهِ. العنزة: عَصا شَبيهَة بالعكاز، وَهِي الحربة. 1094 - / 1313 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسبْعين: " اجعلوا من صَلَاتكُمْ فِي بُيُوتكُمْ ". الْإِشَارَة بِهَذَا إِلَى السّنَن والنوافل. 1095 - / 1314 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسبْعين: " إِذا وضع عشَاء أحدكُم وأقيمت الصَّلَاة فابدءوا بالعشاء ". [15] اعْلَم أَن هَذَا ورد فِي حق الجائع الَّذِي قد تاقت نَفسه إِلَى الطَّعَام، أَمر بذلك لِئَلَّا يشْتَغل قلبه فِي الصَّلَاة بِذكر الطَّعَام عَن الْخُشُوع والفكر. وَقد ظن قوم أَن هَذَا من بَاب تَقْدِيم حَظّ العَبْد على حق الْحق، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ صِيَانة لحق الْحق، ليدخلوا فِي الْعِبَادَة بقلوب مقبلة غير مَشْغُولَة بِذكر الطَّعَام. وَإِنَّمَا كَانَ عشَاء الْقَوْم يَسِيرا لَا يقطع عَن لحاق الْجَمَاعَة، يدل على مَا قُلْنَاهُ مَا سَيَأْتِي من حَدِيث عَمْرو بن أُميَّة الحديث: 1092 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 521 الضمرِي قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْكُل ذِرَاعا يحتز مِنْهَا، فدعي إِلَى الصَّلَاة، فَقَامَ وَطرح السكين، فصلى وَلم يتَوَضَّأ. 1096 - / 1315 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسبْعين: فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَكَاة الْفطر صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير. [15] الصَّاع مكيال مَعْرُوف قدره خَمْسَة أَرْطَال وَثلث بالعراقي، وَهَذَا قدر صَاع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الصَّاع ثَمَانِيَة أَرْطَال. وَقد سبق بَيَان هَذَا. [15] وَأما ذكر التَّمْر وَالشعِير خَاصَّة فَلِأَنَّهُ كَانَ أَكثر قوت الْقَوْم. وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث أبي سعيد ذكر الْبر وَالزَّبِيب والأقط. [15] وَلَا يَجْزِي عندنَا أقل من صَاع من أَي الْأَجْنَاس الْمَنْصُوص عَلَيْهَا كَانَ، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَجْزِي نصف صَاع بر، وَهُوَ المُرَاد بقول ابْن عمر: فَعدل النَّاس بِهِ نصف صَاع بر. وَعِنْدنَا أَنه يجوز إِخْرَاج الصَّاع من جِنْسَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَجْزِي على وَجه الْقيمَة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يَجْزِي بِحَال. [15] وَقَوله: على كل حر وَعبد، ذكر وَأُنْثَى من الْمُسلمين. هَذَا دَلِيل على أَن الْإِنْسَان لَا تلْزمهُ فطْرَة عَن عَبده الْكَافِر، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تلْزمهُ. وَعِنْدنَا أَن الْفطْرَة تجب على العَبْد الْمُشرك، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا الحديث: 1096 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 522 تجب. وَاخْتلف الرِّوَايَة عَن أَحْمد: كم يخرج كل مَالك، فروى عَنهُ نصف صَاع، وَهُوَ اخْتِيَار الْخرقِيّ. [15] وَقَوله: وَأَن تُؤَدّى قبل خُرُوج النَّاس للصَّلَاة، عندنَا أَن صَدَقَة الْفطر تجب بغروب الشَّمْس من لَيْلَة الْفطر، وَهُوَ قَول مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجب بِطُلُوع الْفجْر من يَوْم الْفطر، وَهِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن مَالك، وَالْقَوْل الْقَدِيم للشَّافِعِيّ. فَأَما وَقت إخْرَاجهَا فَالْأَفْضَل أَن يُخرجهَا قبل صَلَاة الْعِيد، فَإِن قدمهَا قبل الْفطر بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ جَازَ كَمَا ذكر فِي هَذَا الحَدِيث، وَلَا تجوز الزِّيَادَة على ذَلِك. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز إخْرَاجهَا من أول رَمَضَان، وَلَا يجوز قبله. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز تَقْدِيمهَا على رَمَضَان. 1097 - / 1316 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسبْعين: لَا تُسَافِر الْمَرْأَة ثَلَاثًا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرم. [15] إِنَّمَا ذكرت الثَّلَاث لِأَنَّهَا مِقْدَار السّفر الشَّرْعِيّ الَّذِي تقصر فِيهِ الصَّلَاة. وَسَيَأْتِي فِي مُسْند أبي سعيد: " لَا تُسَافِر الْمَرْأَة يَوْمَيْنِ " وَفِي مُسْند أبي هُرَيْرَة: " مسيرَة يَوْم وَلَيْلَة " وَقد ذكرنَا فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: " لَا تُسَافِر الْمَرْأَة إِلَّا مَعَ ذِي محرم " وَلم تذكرة مُدَّة، وَهَذَا لِأَن بعْدهَا عَن الْمنَازل غير مَأْمُون. وَقد تكلمنا على هَذَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. الحديث: 1097 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 523 1098 - / 1317 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسبْعين: أَن ابْن عمر أحرم بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة، فَانْطَلق يهل بهما حَتَّى قدم مَكَّة، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة، وَلم يحلل حَتَّى كَانَ يَوْم النَّحْر فَنحر، وَرَأى أَن قد قضى طواف الْحَج وَالْعمْرَة بطوافه الأول، وَقَالَ: كَذَلِك فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] هَذَا يدل على أَن قَارن تدخل أَفعَال عمرته فِي حجه عِنْد نِيَّة الْقرَان، فيجتزي لَهما بِإِحْرَام وَاحِد وَطواف وَاحِد وسعي وَاحِد وحلاق وَاحِد، وَهَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل، وَهل تجزيه هَذِه الْعمرَة عَن عمْرَة الْإِسْلَام؟ فِيهِ عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَجْزِي الْقَارِن إِلَّا طوافان وسعيان. فَأَما الْإِحْرَام والحلاق الْوَاحِد فيجزيه، لِأَن الْإِحْرَام عِنْده شَرط، وَلَيْسَ من الْحَج، والحلاق لَيْسَ بنسك، إِنَّمَا هُوَ مُحَلل كالسلام من الصَّلَاة. 1099 - / 1319 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسبْعين: أَن الْعَبَّاس اسْتَأْذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يبيت بِمَكَّة ليَالِي منى من أجل سقايته، فَأذن لَهُ. [15] اعْلَم أَن الْمبيت بمنى ليَالِي منى من وَاجِبَات الْحَج، وَإِنَّمَا رخص لأجل السِّقَايَة والرعاء فَإِذا ترك غَيرهم الْمبيت فِي منى فَمَا الَّذِي يلْزمه؟ فِيهِ ثَلَاث رِوَايَات عَن أَحْمد: إِحْدَاهُنَّ: يلْزمه دم. وَالثَّانيَِة: الحديث: 1098 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 524 تلْزمهُ صَدَقَة. وَالثَّالِثَة: لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. 1100 - / 1320 - وَفِي الحَدِيث الثَّمَانِينَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخرج من طَرِيق الشَّجَرَة وَيدخل من طَرِيق المعرس. وَفِي رِوَايَة: أَنه دخل مَكَّة من كداء من الثَّنية الَّتِي عِنْد الْبَطْحَاء وَخرج من الثَّنية السُّفْلى. [15] هَذِه كلهَا أَسمَاء مَوَاضِع. وكداء هَاهُنَا مَفْتُوح الْكَاف مَمْدُود، وَهُوَ الَّذِي يسْتَحبّ الدُّخُول مِنْهُ، وبمكة ثَلَاث مَوَاضِع تشتبه بِكدَاء قد بيناها فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1101 - / 1321 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي والثمانين: لما خلع أهل الْمَدِينَة يزِيد بن مُعَاوِيَة جمع ابْن عمر حشمه وَولده. الحشم: خدم الرجل وَأَتْبَاعه. [15] وَقَوله: كَانَ الفيصل بيني وَبَينه. و " الفيصل " " فيعل " من الْفَصْل، وَأَرَادَ بهَا القطيعة التَّامَّة. وَهَذَا يدل على الصَّبْر على الإِمَام وَإِن جَار. [15] وَقد تكلمنا على قَوْله: " لكل غادر لِوَاء " فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 1102 - / 1322 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي والثمانين: عرضت على النَّبِي الحديث: 1100 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 525 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد وَأَنا ابْن أَربع عشرَة فَلم يجزني، وَعرضت عَلَيْهِ عَام الْفَتْح وَأَنا ابْن خمس عشرَة فأجازني. [15] هَكَذَا ذكره الْحميدِي، وَهُوَ سَهْو، وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ هَكَذَا، وَإِنَّمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ جَمِيعًا: وَعرضت عَلَيْهِ يَوْم الخَنْدَق فأجازني. وَأول من سَهَا فِي هَذَا أَبُو مَسْعُود صَاحب " التعليقة "، ثمَّ تبعه خلف صَاحب " التعليقة " الْأُخْرَى، ثمَّ تبعهما أَبُو عبد الله الْحميدِي، وَلم ينْظرُوا فِي هَذَا. وَالْعجب من صَاحب حَدِيث يتَكَرَّر هَذَا على سَمعه وَلَا يتدبره، فَإِن غزَاة أحد كَانَت فِي سنة ثَلَاث وغزاة الْفَتْح كَانَت فِي سنة ثَمَان. فَمن يكون فِي غزَاة أحد ابْن أَربع عشر كَيفَ يكون بعد خمس سِنِين ابْن خمس عشرَة؟ 1103 - / 1323 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث والثمانين: " الْخَيل فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ". [15] قد تكلمنا على هَذَا فِي مُسْند جرير بن عبد الله. 1104 - / 1324 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع والثمانين: " إِن العَبْد إِذا نصح لسَيِّده وَأحسن عبَادَة الله عز وَجل فَلهُ أجره مرَّتَيْنِ ". [15] وَإِنَّمَا ضوعف أجر العَبْد لِأَن خدمَة السَّيِّد تشغل عَن عبَادَة الله عز الحديث: 1103 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 526 وَجل، فَإِن تحمل الْمَشَقَّة فِي الْجمع بَين الْحَقَّيْنِ ضوعف لَهُ أجره، فَلهُ أجر بِعبَادة ربه، وَأجر بِخِدْمَة سَيّده، وَكلما كثرت المشاق زَاد الْأجر. 1105 - / 1325 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس والثمانين: " على الْمَرْء الْمُسلم السّمع وَالطَّاعَة فِيمَا أحب أَو كره إِلَّا أَن يُؤمر بِمَعْصِيَة ". [15] الْإِشَارَة بِهَذَا إِلَى طَاعَة الْأُمَرَاء، فَهِيَ لَازِمَة فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَة لله عز وَجل. 1106 - / 1326 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس والثمانين: أجْرى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا ضمر من الْخَيل من الحفياء إِلَى ثنية الْوَدَاع. وَأما تضمير الْخَيل فقد فسرناه فِي مُسْند سهل بن سعد. [15] والحفياء: اسْم مَوضِع. وَاخْتلفُوا كم بَينه وَبَين ثنية الْوَدَاع؟ فَقَالَ: مُوسَى بن عقبَة: سِتَّة أَمْيَال أَو سَبْعَة. وَقَالَ البُخَارِيّ: قَالَ سُفْيَان: من الحفياء إِلَى ثنية الْوَدَاع خَمْسَة أَمْيَال أَو سِتَّة. وَمن ثنية الْوَدَاع إِلَى مَسْجِد بني زُرَيْق ميل. [15] والأمد: الْغَايَة. وَالْمرَاد أَنه جعل غَايَة المضامير أبعد من غَايَة مَا لم يضمر. [15] وَقَوله: فطفف بِي الْفرس الْمَسْجِد. قَالَ أَبُو عبيد: يَعْنِي أَن الْفرس وثب حَتَّى كَاد يُسَاوِي مَسْجِد بني زُرَيْق. وَمن هَذَا قيل: إِنَاء طفان: الحديث: 1105 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 527 وَهُوَ الَّذِي قرب أَن يمتلئ أَو يُسَاوِي الْمِكْيَال. والاقتحام: دُخُول الشَّيْء بِشدَّة. [15] فَأَما الْمُسَابقَة بِالْخَيْلِ فَإِنَّهَا تجوز بعوض وَبِغير عوض. فَإِن سَابق بعوض كَانَ العقد كالجعالة فِي إِحْدَى الْوَجْهَيْنِ لنا، يجوز فَسخه وَيجوز الزِّيَادَة فِيهِ، وَلَا يُؤْخَذ فِيهِ رهنا وَلَا ضمينا، وَلَا يلْزم إِلَّا بِوُجُود السَّبق، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة. وَفِي الْوَجْه الآخر هُوَ كالإجازة تلْزم بِمُجَرَّد العقد، وَلَا يجوز فَسخه وَلَا الِامْتِنَاع من إِتْمَامه، وَلَا الزِّيَادَة فِيهِ، ويدخله الرَّهْن والضمين. وَعَن الشَّافِعِي كالوجهين. وَلَا بُد من تعْيين الْفرس وتحديد الْمسَافَة وَالْعلم بِالْعِوَضِ. وَيجوز السَّبق بِالْإِبِلِ أَيْضا. [15] والسبق فِي الْخَيل: أَن يسْبق أَحدهمَا بِالرَّأْسِ إِذا تماثلت الْأَعْنَاق، فَإِن اخْتلفت الفرسان فِي طول الْعُنُق أَو كَانَ السَّبق فِي الْإِبِل اعْتبر السَّبق بالكتف. [15] وَلَا تجوز الْمُسَابقَة بَين جِنْسَيْنِ كَالْإِبِلِ وَالْخَيْل، وعَلى نَوْعَيْنِ كالعربي والهجين. وَقد يتَخَرَّج الْجَوَاز بِنَاء على تساويهما فِي سهم الْغَنِيمَة. وَتجوز الْمُسَابقَة على البغال وَالْحمير والفيلة، وبالطيور والرماح والمزاريق والسماريات بِغَيْر عوض، وَلَا يجوز فِي شَيْء من ذَلِك بعوض، وَكَذَلِكَ المصارعة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجوز المصارعة بعوض، وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين: فَأَما الْمُسَابقَة على الْأَقْدَام فَلَا تجوز بعوض. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجوز. وَعَن الشَّافِعِيَّة كالمذهبين. وَإِذا شَرط فِي الْمُسَابقَة أَن من غلب أطْعم السَّبق أَصْحَابه بَطل الشَّرْط، وَهل يَصح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 528 العقد؟ على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: يَصح، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. وَالثَّانِي: يبطل، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي. 1107 - / 1327 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع والثمانين: " أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم فِي النَّفْل للْفرس سَهْمَيْنِ وللرجل سهم. [15] المُرَاد بالنفل الْأَنْفَال: وَهِي الْغَنَائِم، قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: فِي هَذَا بَيَان أَن الْفَارِس يَأْخُذ ثَلَاثَة أسْهم: سَهْما باسم نَفسه، وسهمين باسم فرسه، وَذَلِكَ لما يلْزمه من الْمُؤْنَة للْفرس. فَأَما مَا جَاءَ فِي الحَدِيث: " للفارس سَهْمَان " فَإِنَّهُمَا سَهْما فرسه، وسهمه لنَفسِهِ ثَابت، والمجمل يرد إِلَى الْمُفَسّر. 1108 - / 1330 - وَفِي الحَدِيث التسعين: " نهى عَن الشّغَار. وَفِي لفظ حَدِيث مَالك: نهى عَن الشّغَار، والشغار أَن يُزَوّج الرجل ابْنَته الرجل على أَن يُزَوجهُ ابْنَته وَلَيْسَ بَينهمَا صدَاق. فقد درج هَذَا فِي الحَدِيث وَلَيْسَ من كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِنَّمَا هُوَ قَول مَالك، أَعنِي تَفْسِير الشّغَار. وَفِي رِوَايَة: أَن نَافِعًا فسره أَيْضا. [15] وَاعْلَم أَن صفة الشّغَار مَا ذكرنَا، وَهُوَ أَن يَقُول: زَوجتك ابْنَتي على أَن تزَوجنِي ابْنَتك بِغَيْر صدَاق. وَقَالَ الشَّافِعِي: هَذِه صفته، وفيهَا الحديث: 1107 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 529 زِيَادَة: وَهُوَ أَن يَقُول: وَيَضَع كل وَاحِدَة مِنْهُمَا مهر الْأُخْرَى، وَإِن لم يقل هَذَا فَالنِّكَاح صَحِيح، وَلكُل مِنْهُمَا مهر الْمثل. وَقد فسر نَافِع وَمَالك الشّغَار فِي هَذَا الحَدِيث على مَا ذكرنَا، وَلَيْسَ فِيهِ مَا قَالَ الشَّافِعِي. [15] وَنِكَاح الشّغَار عندنَا بَاطِل؛ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَنهُ، وَبِهَذَا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ بباطل، وَلكُل وَاحِدَة مهر مثلهَا، وَإِنَّمَا النَّهْي عِنْده أَن يسْتَحل الْفرج بِغَيْر مهر. وأصل الشّغَار الرّفْع، يُقَال: شغر الْكَلْب بِرجلِهِ: إِذا رَفعهَا عِنْد الْبَوْل، فَسُمي هَذَا النِّكَاح لِأَنَّهُمَا رفعا الْمهْر بَينهمَا. وعَلى الْحَقِيقَة إنَّهُمَا رفعا مَا يجوز أَن يكون مهْرا، وَجعلا مَا لَيْسَ بِمهْر مهْرا وَهُوَ الْبضْع، فَصَارَ الْمَعْقُود عَلَيْهِ معقودا؛ لِأَن العقد للْمَرْأَة وَبهَا، فَكَأَنَّهُ زَوجهَا وَاسْتثنى بضعهَا فَجعله مهْرا لصاحبتها فَكَانَ بَاطِلا. 1109 - / 1331 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالتسْعين: " أَن رجلا رمى امْرَأَته وانتفى من وَلَدهَا، فَأَمرهمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَلَاعَنا، ثمَّ قضى بِالْوَلَدِ للْمَرْأَة، وَفرق بَين المتلاعنين. [15] أما قَضَاؤُهُ بِالْوَلَدِ للْمَرْأَة فَمَعْنَاه أَنه ألحقهُ بهَا لِأَنَّهُ مِنْهَا قطعا. وَأما التَّفْرِيق بَين المتلاعنين فَإِنَّهُ يحصل بلعانهما، هَذَا مَذْهَبنَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَبِه قَالَ مَالك، وَفِي الْأُخْرَى: لَا يَقع بِمُجَرَّد لعانهما إِلَّا أَن يُضَاف إِلَيْهِ حكم الْحَاكِم، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. الحديث: 1109 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 530 [15] وَاخْتلفُوا: هَل تَحْرِيم اللّعان مؤبد أم لَا؟ فالمنصور من مَذْهَبنَا أَنه مؤبد، وَعَن أَحْمد أَنه يرْتَفع بتكذيب الرجل نَفسه، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. [15] وَقَوله: أول من سَأَلَ عَن هَذَا فلَان بن فلَان. قد بَينه فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى فَقَالَ: فرق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أخوي بني العجلان. وَهَذَا يدل على أَنَّهَا قصَّة عُوَيْمِر بن الْحَارِث الْعجْلَاني. وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. وَقد مر حَدِيث اللّعان فِي مُسْند سهل بن سعد ومسند ابْن عَبَّاس. 1110 - / 1333 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالتسْعين: " الْمُؤمن يَأْكُل فِي معي وَاحِد " وَقد سبق فِي مُسْند أبي مُوسَى. 1111 - / 1335 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالتسْعين: لما توفّي عبد الله بن أبي جَاءَ ابْنه عبد الله إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ أَن يُعْطِيهِ قَمِيصه يُكفن فِيهِ أَبَاهُ فَأعْطَاهُ. [15] عبد الله بن أبي رَأس الْمُنَافِقين، وَقد ذكرنَا حَاله فِي مُسْند عمر. وَكَانَ ابْنه عبد الله من صالحي الصَّحَابَة، شهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا، وَلما قَالَ ابْن أبي فِي غزَاة الْمُريْسِيع: (لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَذَل) وَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ إِلَيْهِ عبد الله فَقَالَ: يَا رَسُول الله بَلغنِي أَنَّك تُرِيدُ قتل أبي لما بلغك عَنهُ، فَإِن كنت فَاعِلا فمرني الحديث: 1110 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 531 فَأَنا أحمل إِلَيْك رَأسه، فَإِنِّي أخْشَى أَن يقْتله غَيْرِي فَلَا تدعني نَفسِي حَتَّى أقتل قَاتله فَأدْخل النَّار. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " بل نحسن صحبته مَا بَقِي مَعنا " فَلَمَّا أَرَادَ ابْن أبي أَن يدْخل الْمَدِينَة جَاءَ ابْنه فَقَالَ: وَرَاءَك. قَالَ: مَالك؟ وَيلك. قَالَ: لَا وَالله، لَا تدْخلهَا أبدا إِلَّا بِإِذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتعلم الْيَوْم من الْأَعَز وَمن الْأَذَل. فَلَمَّا مَاتَ طلب وَلَده قَمِيص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأعْطَاهُ. وَاخْتلفُوا لم أعطَاهُ؟ على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: لإكرام الْوَلَد. الثَّانِي: لِأَنَّهُ مَا سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا فَقَالَ لَا. وَالثَّالِث: لِأَنَّهُ كَانَ قد أعْطى الْعَبَّاس قَمِيصًا لما أسر يَوْم بدر، وَلم يكن على الْعَبَّاس ثِيَاب يَوْمئِذٍ، فَأَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكافأته على ذَلِك. وَسَيَأْتِي هَذَا فِي مُسْند جَابر. 1112 - / 1336 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالتسْعين: " الْحمى من فيح جَهَنَّم فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ ". [15] قد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند رَافع بن خديج. 1113 - / 1337 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالتسْعين: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطع سَارِقا فِي مجن قِيمَته ثَلَاثَة دَرَاهِم. [15] الْمِجَن: الترس. قَالَ الْخطابِيّ: كَانَ الأَصْل فِي النَّقْد عِنْدهم الدَّنَانِير، وَكَانَ صرف الدِّينَار اثْنَي عشر درهما، فَثَلَاثَة دَرَاهِم ربع الحديث: 1112 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 532 دِينَار، فَلَا فرق بَينه وَبَين حَدِيث عَائِشَة. [15] وَاعْلَم أَن النّصاب فِي السّرقَة فِي مَذْهَب أَحْمد ربع دِينَار أَو ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو قيمَة ثَلَاثَة دَرَاهِم من الْعرُوض، والأثمان أصل لَا يقوم بَعْضهَا بِبَعْض، وَهُوَ قَول مَالك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: النّصاب دِينَار أَو عشرَة دَرَاهِم أَو قيمَة أَحدهمَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: النّصاب ربع دِينَار أَو مَا قِيمَته ربع دِينَار. وَيجب الْقطع عندنَا بِسَرِقَة مَا يسْرع إِلَيْهِ الْفساد، وبسرقه الصيود والطيور الْمَمْلُوكَة، وبسرقة الْحَطب، خلافًا لأبي حنيفَة. 1114 - / 1338 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالتسْعين: " دخلت امْرَأَة النَّار فِي هرة ربطتها، فَلم تطعمها وَلم تدعها تَأْكُل من خشَاش الأَرْض ". [15] خشَاش الأَرْض: دوابها وحشراتها وهوامها. 1115 - / 1339 - وَفِي الحَدِيث الْمِائَة: " أخبروني عَن شَجَرَة كَالرّجلِ الْمُسلم لَا يتحات وَرقهَا ... وَلَا ... وَلَا ... وَلَا ... ". [15] الشّجر فِي اللُّغَة: كل مَا قَامَ على سَاق: وتحات الْوَرق: وَقع من الأغصان. [15] وَقَوله: " وَلَا ... وَلَا ... وَلَا ... " يصف فِيهِ مَا يُوجب مدحها. الحديث: 1114 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 533 والجمار: شحمة النّخل، وَوجه تَشْبِيه الشَّجَرَة بِالرجلِ الْمُسلم من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: من حَيْثُ الذَّات، وَالثَّانِي: من حَيْثُ الْمَعْنى، فَأَما من حَدِيث الذَّات فَمن وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنَّهَا من فضلَة تربة آدم على مَا يرْوى وَإِن كَانَ لَا يثبت. وَالثَّانِي: أَنَّهَا إِذا قطع رَأسهَا يَبِسَتْ بِخِلَاف سَائِر الشّجر؛ فَإِنَّهُ يتشعب غصونه من جوانبه، والآدمي قد يبْقى عِنْد قطع أَعْضَائِهِ وَلَا يبْقى عِنْد قطع رَأسه. وَأما من حَيْثُ الْمَعْنى فَمن أَرْبَعَة أوجه: أَحدهَا: أَنه لَيْسَ فِيهَا شَيْء إِلَّا وَينْتَفع بِهِ، كَمَا أَن الْمُؤمن كُله خير ونفع، وَهَذَا الْمَعْنى مَذْكُور فِي بَقِيَّة الحَدِيث؛ فَإِنَّهُ قَالَ: " لَهَا بركَة كبركة الْمُسلم ". وَالثَّانِي: أَنَّهَا شَدِيدَة الثُّبُوت كثبوت الْإِيمَان فِي قلب الْمُؤمن. وَالثَّالِث: أَنَّهَا عالية الْفُرُوع كعلو ارْتِفَاع عمل الْمُؤمن. وَالرَّابِع: أَنَّهَا تؤتي أكلهَا كل حِين، وَالْمُؤمن يكْتَسب الثَّوَاب فِي كل وَقت. [15] وَالْأكل: الثَّمَرَة. [15] وللمفسرين فِي المُرَاد بالحين هَاهُنَا سِتَّة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه ثَمَانِيَة أشهر، قَالَه عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. وَالثَّانِي: سِتَّة أشهر، رَوَاهُ ابْن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، وَبِه قَالَ الْحسن وعكرمه. وَالثَّالِث: بكرَة وَعَشِيَّة، رَوَاهُ أَبُو ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس. وَالرَّابِع: سنة، قَالَه مُجَاهِد وَابْن زيد. وَالْخَامِس: شَهْرَان، قَالَه سعيد بن الْمسيب. وَالسَّادِس: كل سَاعَة، قَالَه ابْن جرير. فَمن قَالَ: ثَمَانِيَة أشهر، أَشَارَ إِلَى مُدَّة حملهَا بَاطِنا وظاهراً. وَمن قَالَ: سِتَّة أشهر، فَهِيَ مُدَّة حملهَا ظَاهرا إِلَى حِين صرامها وَمن قَالَ: بكرَة وَعَشِيَّة. أَشَارَ إِلَى الاجتناء مِنْهَا حَال الْحمل. وَمن قَالَ: سنة، أَشَارَ إِلَى أَنَّهَا لَا تحمل فِي السّنة إِلَّا مرّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 534 وَمن قَالَ: شَهْرَان، فَهِيَ مُدَّة صَلَاحهَا. وَمن قَالَ: كل سَاعَة، أَشَارَ إِلَى أَن ثَمَرَتهَا تُؤْكَل دَائِما؛ فَتَارَة يُؤْكَل طلعها، وَتارَة بلحها، وَتارَة بسرها، وَتارَة رطبها، ثمَّ يُؤْكَل دَائِما تمرها. 1116 - / 1341 - وَفِي الحَدِيث الأول بعد الْمِائَة: " إِن أمامكم حوضا مَا بَين جرباء وأذرح ". [15] أمامكم: أَي بَين أَيْدِيكُم. [15] وجرباء وأذرح قَرْيَتَانِ بِالشَّام , وَبَينهمَا مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام. [15] والظمأ: الْعَطش. 1117 - / 1342 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي بعد الْمِائَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الْوَاصِلَة وَالْمسْتَوْصِلَة. [15] الْوَاصِلَة: اسْم يَقع على الَّتِي تصل شعرهَا بِشعر غَيره، توهم أَن ذَلِك من شعرهَا. وَيَقَع على فاعلة ذَلِك بغَيْرهَا. وَالْمسْتَوْصِلَة: الَّتِي تطلب من يفعل بهَا ذَلِك. قَالَ أَبُو عبيد: وَقد رخصت الْفُقَهَاء فِي القرامل وكل شَيْء وصل بِهِ الشّعْر مَا لم يكن الْوَصْل شعرًا. [15] وَقد فسرنا الواشمه والمستوشمة فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. الحديث: 1116 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 535 1118 - / 1343 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث بعد الْمِائَة: نذرت أَن أعتكف. وَقد سبق فِي مُسْند عمر. 1119 - / 1344 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع بعد الْمِائَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَفَاضَ يَوْم النَّحْر، ثمَّ رَجَعَ فصلى الظّهْر بمنى. [15] أَفَاضَ بِمَعْنى دفع. فَكَأَنَّهُ مضى إِلَى مَكَّة وَطَاف بِالْبَيْتِ ثمَّ رَجَعَ إِلَى منى. 1120 - / 1345 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس بعد الْمِائَة: " البيعان بِالْخِيَارِ مَا لم يفترقا، أَو يَقُول أَحدهمَا لصَاحبه: اختر ". [15] اعْلَم أَن الشَّرْع لما علم أَن الْعُقُود فِي الْغَالِب تقع بَغْتَة من غير ترو وَلَا فكر، وَأَنه رُبمَا نَدم أحد المبتاعين بعد الْفَوات، جعل الْمجْلس حد التروي وَالنَّظَر. [15] وَهَذَا الحَدِيث نَص فِي ثُبُوت خِيَار الْمجْلس، وَبِه قَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة مَالك: لَيْسَ خِيَار الْمجْلس بِثَابِت. وَقد اعْترضُوا على هَذَا الحَدِيث من خَمْسَة أوجه: أَحدهَا: أَنهم قَالُوا: يرويهِ مَالك ومذهبه على خِلَافه، ورأي الرَّاوِي مقدم على رِوَايَته؛ لِأَن رَأْيه يشْعر بالطعن فِيمَا روى. وَالثَّانِي: أَنه خبر وَاحِد فِيمَا تعم بِهِ الْبلوى، فَلَا يقبل. وَالثَّالِث: أَنه يُخَالف قِيَاس الْأُصُول؛ لِأَن عُقُود الحديث: 1118 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 536 الْمُعَاوَضَات لَا يثبت فِيهَا خِيَار الْمجْلس. وَالرَّابِع: أَنهم حملوه على المتساومين، وسميا متبايعين لِأَن حَالهمَا يؤول إِلَى ذَلِك. وَالْخَامِس: أَنهم حملوه على حَالَة التواجب إِذا قَالَ البَائِع: بِعْت وَلم يقل المُشْتَرِي: قبلت، فالبائع مُخَيّر بَين أَن يَفِي بِمَا قَالَ أَو يرجع، وَالْمُشْتَرِي مُخَيّر بَين أَن يقبل أَو يرد. قَالُوا: وَقد حمل الْكَلَام على حَقِيقَته؛ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أثبت الْخِيَار بِسَبَب التبايع؛ والتبايع اسْم لحالة تشاغلهما بِالْبيعِ. فَأَما بعد ارتباط الْإِيجَاب بِالْقبُولِ فَلَا يسميان متبابعين، إِنَّمَا يُقَال: كَانَا متبايعين. فعلى هَذَا يكون الْمَعْنى: مَا لم يَتَفَرَّقَا بالأقوال. وَقد يَقع التَّفَرُّق بالْقَوْل، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمَا تفرق الَّذين أُوتُوا الْكتاب} [الْبَيِّنَة: 4] . [15] وَالْجَوَاب: أما قَوْلهم: يرويهِ مَالك، فَجَوَابه من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَنه مَتى صَحَّ الحَدِيث كَانَ حجَّة على رَاوِيه وَغَيره؛ لِأَن الْحجَّة مَا كَانَت من قبل الرَّاوِي، بل من نَقله، فَلَا يلْتَفت إِلَى خِلَافه، لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون نسي أَو تَأَول. وَقد علمنَا سَبَب مُخَالفَة مَالك للْحَدِيث؛ فَإِنَّهُ قَالَ: رَأَيْت عمل أهل الْمَدِينَة بِخِلَافِهِ، وَعِنْده أَن عمل أهل الْمَدِينَة حجَّة. وَقد أزرى عَلَيْهِ فِي هَذَا الرَّأْي ابْن أبي ذِئْب وَغَيره. وَقَالَ الشَّافِعِي: رحم الله مَالِكًا، لست أَدْرِي من اتهمَ فِي هَذَا الحَدِيث: أتهم نَفسه أَو نَافِعًا، وَأعظم أَن أَقُول: اتهمَ ابْن عمر! [15] وَالثَّانِي: أَن الحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عمر من غير طَرِيق مَالك، يرويهِ البُخَارِيّ وَمُسلم من طَرِيق يحيى بن سعيد، وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ كِلَاهُمَا عَن نَافِع. وَيَرْوِيه مُسلم من حَدِيث ابْن جريج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 537 وَالضَّحَّاك بن عُثْمَان عَن نَافِع. وَالثَّالِث: أَن هَذَا الحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ من مُسْند حَكِيم بن حزَام عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] وَقَوْلهمْ: خبر وَاحِد فِيمَا يعم بِهِ الْبلوى وَيُخَالف قِيَاس الْأُصُول، هَذَا مِمَّا صنعه فِي الجدل أَبُو زيد الْحَنَفِيّ، وَهُوَ مَرْدُود عَلَيْهِ؛ لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُؤَدِّي مَا حمله من الرسَالَة إِلَى الشَّخْص الْوَاحِد وَإِلَى الْإِثْنَيْنِ وَإِلَى الْجَمَاعَة، فَإِذا بلغ عَن الثِّقَة لزم الحكم البَاقِينَ، وَكم من حكم قد انْفَرد بروايته وَاحِد فَتَبِعَهُ الْبَاقُونَ: فَإِن حكم التَّيَمُّم كَانَ عِنْد عمار وخفي على عمر، وَحكم الاسْتِئْذَان كَانَ عِنْد أبي مُوسَى وخفي على عمر، وَحكم الْمُتْعَة كَانَ عِنْد عَليّ وخفي على ابْن عَبَّاس، وَحكم الْإِقْدَام على بلد الطَّاعُون كَانَ عِنْد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وخفي على الجم الْغَفِير الَّذين سافروا مَعَ عمر إِلَى الشَّام، إِلَى غير هَذَا. وَقد ينْفَرد الصَّحَابِيّ بِرِوَايَة حَدِيث. وَقد يروي الحَدِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة، فَإِن قَوْله: " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " لَا يَصح إِلَّا من رِوَايَة عمر وَحده. وَقَوله: " من كذب عَليّ مُتَعَمدا " قد روينَاهُ عَن سِتِّينَ نفسا من الصَّحَابَة، رَوَوْهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. ثمَّ الْعجب من أَصْحَاب أبي حنيفَة، فَإِنَّهُم يبطلون الْوضُوء بالقهقهة ويوجبون الْوتر بِأَحَادِيث آحَاد لَا تثبت. وَكَيف يَقُولُونَ هَذَا! [15] وَأما حملهمْ إِيَّاه على التساوم لَا يُمكن لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 538 البيع غير المساومة. وَالثَّانِي: أَن ذَلِك يسْقط فَائِدَة التَّخْصِيص بِالْبيعِ؛ فَإِن السّوم فِي كل العقد، وَيثبت بِهِ الْخِيَار. وَحَملهمْ على حَالَة التواجب لَا يَصح؛ لِأَنَّهُمَا لَا يسميان متبايعين إِلَّا على وَجه التَّجَوُّز. وَحَملهمْ التَّفَرُّق على الْأَقْوَال غلط من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن هَذَا الحَدِيث مُفَسّر فِي رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: مَا لم يفترقا عَن مكانهما، وَهَذَا الَّذِي عقله ابْن عمر رَاوِي الحَدِيث؛ فَإِنَّهُ كَانَ يمشي بعد العقد. وَالثَّانِي: أَنه أَلْفَاظ الصِّحَاح كلهَا: " مَا لم يَتَفَرَّقَا " وَقد فرق اللغويون بَين يَتَفَرَّقَا ويفترقا بالْكلَام. [15] وَقَوله: إِلَّا بيع الْخِيَار. مَعْنَاهُ أَن يخيره قبل التَّفَرُّق وهما بعد فِي الْمجْلس، فَيَقُول: اختر. 1121 - / 1346 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس بعد الْمِائَة: " إِذا كَانَ أحدكُم يُصَلِّي فَلَا يبصق قبل وَجهه ". [15] قبل وَجهه: مَا يُقَابله. وَمثله: حِيَال وَجهه. [15] وَقَوله: " وَلَا يتنخمن " التنخم والبصاق متقاربان؛ لِأَن البصاق من أدنى الْفَم، والتنخم من النخامة وَهِي من أقْصَى الْفَم. وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّهُ قد جعلت الْقبْلَة على هَيْئَة سدد الْمُلُوك، فلزمها احترامها لهَذَا الْمَعْنى. 1122 - / 1347 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع بعد الْمِائَة: " صَلَاة الْجَمَاعَة أفضل من صَلَاة الْفَذ بِسبع وَعشْرين دَرَجَة " وَفِي لفظ " ببضع ". الحديث: 1121 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 539 [15] الْبضْع: مَا بَين الْوَاحِد إِلَى الْعشْرَة. وَلَفْظَة " بِسبع " تَفْسِير لَهُ. وَقد تكلّف قوم تَعْلِيل سبع وَعشْرين وَمَا وَقَعُوا بطائل، وَقد جَاءَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " بِخمْس وَعشْرين جُزْءا " وَلَعَلَّ الِاخْتِلَاف لاخْتِلَاف أَحْوَال الْمُصَلِّين. 1123 - / 1348 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن بعد الْمِائَة: " الَّذِي تفوته صَلَاة الْعَصْر كَأَنَّمَا وتر أَهله وَمَاله ". [15] فِي معنى " وتر " قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه بِمَعْنى النَّقْص، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَلنْ يتركم أَعمالكُم} [مُحَمَّد: 35] أَي لن ينقصكم. وَتقول: وترته حَقه: أَي نقصته، فَيكون الْمَعْنى: وكأنما نقص أَو سلب، فَبَقيَ فَردا وترا. وَالثَّانِي: ذهَاب الْكل، فَيكون من الْوتر الَّذِي هُوَ الْجِنَايَة الَّتِي يذهب فِيهَا مَال الْإِنْسَان من الفجائع، ذكره ابْن الْأَنْبَارِي وَغَيره. [15] وَفِي إِعْرَاب الْأَهْل وَالْمَال قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهُمَا منصوبان، وَهُوَ الَّذِي سمعناه وضبطناه عَن أشياخنا فِي كتاب أبي عبيد وَغَيره. وَيكون الْمَعْنى: فَكَأَنَّمَا وتر فِي أَهله وَمَاله. فَلَمَّا حذف الْخَافِض انتصب. وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا مرفوعان على مَا لم يسم فَاعله، وَالْمعْنَى: نقصا. [15] وَأما تَخْصِيص الْعَصْر فلفضلها؛ لِأَنَّهَا الصَّلَاة الْوُسْطَى، وَبهَا تختم صلوَات النَّهَار. الحديث: 1123 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 540 1124 - / 1349 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع بعد الْمِائَة: " إِن أحدكُم إِذا مَاتَ عرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشي، إِن كَانَ من أهل الْجنَّة وَإِن كَانَ من أهل النَّار ... ". [15] المقعد: مَوضِع الْقعُود. [15] وَهَذَا الحَدِيث يَنْبَغِي أَن يتلمح بِعَين الْفِكر؛ فَإِنَّهُ إِذا تؤمل علم أَنه السرُور الدَّائِم بعد الْمَوْت، أَو البغضة الدائمة، فَكيف بِمن يزعج غدْوَة وَعَشِيَّة! أعجب لمشتري اللَّذَّة الفانية بالحسرة الدائمة. 1125 - / 1350 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر [بعد الْمِائَة] : " الْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى، وَالْيَد الْعليا هِيَ المنفقة، والسفلى هِيَ السائلة ". [15] هَذَا الحَدِيث يتَضَمَّن التحذير لِذَوي الأنفة من ذل السُّؤَال. وَقد روى أَبُو دَاوُد فِي " السّنَن " فَقَالَ فِي بعض الرِّوَايَات: " وَالْيَد الْعليا المتعففة " وَله وَجه، وَهُوَ أَن الْمُتَعَفِّف قد علت يَده إِذا سفلت يَد السَّائِل. قَالَ الْخطابِيّ: وَقد توهم كثير من النَّاس أَن معنى الْعليا أَن يَد الْمُعْطى مستعلية فَوق يَد الْأَخْذ، يجعلونه من علو الشَّيْء فَوق الشَّيْء، وَلَيْسَ ذَلِك عِنْدِي بِالْوَجْهِ، إِنَّمَا هُوَ من عَلَاء الْمجد وَالْكَرم، يُرِيد بِهِ الترفع عَن الْمَسْأَلَة وَالتَّعَفُّف عَنْهَا. وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْخطابِيّ وَجه حسن، وَلَا يمْتَنع مَا أنكرهُ؛ لِأَنَّهُ إِذا حملت الْعليا على المتعففة لم يكن للمنفق ذكر، وَقد صحت لَفْظَة المنفقة، فَكَانَ المُرَاد أَن هَذِه الْيَد الحديث: 1124 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 541 الَّتِي علت وَقت الْعَطاء على يَد السَّائِل هِيَ الْعَالِيَة فِي بَاب الْفضل. وَقد زعم قوم مالوا إِلَى الترفه: أَن الْيَد الْعليا هِيَ الآخذة، والسفلى هِيَ المعطية. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَلَا أرى هَؤُلَاءِ إِلَّا قوما استطابوا السُّؤَال، فهم يحتجون للدناءة، وَالنَّاس إِنَّمَا يعلون بِالْمَعْرُوفِ والعطايا لَا بِالْأَخْذِ وَالسُّؤَال، والمعالي للصانعين لَا للمصطنع إِلَيْهِم. 1126 - / 1352 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر [بعد الْمِائَة] : " اللَّهُمَّ ارْحَمْ المحلقين " قَالُوا: والمقصرين يَا رَسُول الله. قَالَ: " اللَّهُمَّ ارْحَمْ المحلقين " قَالُوا: والمقصرين يَا رَسُول الله. قَالَ: " والمقصرين ". [15] إِنَّمَا قدم المحلقين لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام حلق رَأسه فحلق قوم وَقصر قوم، فَقدم من وَافقه. [15] فَإِن قيل: فَمَا وَجه تَركهم الموافقه لَهُ؟ فقد أجَاب الْخطابِيّ فَقَالَ: كَانَت عَادَة أَكثر الْعَرَب اتِّخَاذ الشّعْر على الرؤوس وتوفيره وتزيينه، وَكَانَ التحليق فيهم قَلِيلا، وَكَانُوا يرَوْنَ ذَلِك نوعا من الشُّهْرَة، وَكَانَ يشق عَلَيْهِم الحلاق، فمالوا إِلَى التَّقْصِير. [15] وَفِي هَذَا الحَدِيث أَن ذَلِك كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع. 1127 - / 1353 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر بعد الْمِائَة: كَانَ إِذا قفل من عزو أَو حج أَو عمْرَة وافى على ثنية أَو فدفد يكبر على كل شرف ثَلَاثًا. الحديث: 1126 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 542 [15] قفل بِمَعْنى رَجَعَ، وَمِنْه سميت الْقَافِلَة. [15] والثنية: طَرِيق عَال بَين جبلين. [15] والفدفد: أَرض فِيهَا غلظ وارتفاع. والشرف من الأَرْض: العالي. [15] والإياب: الرُّجُوع من السّفر. [15] وَلما ارْتَفع على الْمَكَان العالي ناسب ذَلِك ذكر الله عز وَجل بِالتَّكْبِيرِ. 1128 - / 1354 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر [بعد الْمِائَة] : " لَا يَتَنَاجَى اثْنَان دون ثَالِث " وَقد سبق شَرحه فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 1129 - / 1355 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر [بعد الْمِائَة] : " خمس من الدَّوَابّ، لَيْسَ على الْمحرم فِي قتلهن جنَاح: الْغُرَاب، والحدأة، وَالْعَقْرَب، والفأرة، وَالْكَلب الْعَقُور ". [15] نبه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذكر هَذِه الْخمس على أَن مَالا يُؤْكَل لَحْمه لَا يجب الْجَزَاء بقتْله، وَهَذَا مَذْهَب أَحْمد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ، إِلَّا أَنه قد رُوِيَ عَن مَالك أَنه قَالَ: لَا يقتل الْمحرم الْغُرَاب الصَّغِير. وَفِي مَذْهَب أَحْمد أَنه يجوز أكل غراب الزَّرْع وَلَا يجوز أَن يُؤْكَل الْغُرَاب الأبقع وَلَا الْأسود الْكَبِير. وَبَيَان ذَلِك أَن مَالا يُؤْكَل لَحْمه لَا يجب الْجَزَاء بقتْله من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه جمع بَين سِبَاع ضارية وهوام قاتلة لَا تشبهها، إِلَّا أَنه مستخبث اللَّحْم، فَعلمنَا أَن تَحْرِيم الْأكل دَلِيل الحكم. الحديث: 1128 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 543 وَالثَّانِي: أَنه لما نَص على الْكَلْب الْعَقُور نبة على السَّبع لِأَنَّهُ أَشد ضَرَرا، وَإِنَّمَا نَص على أدنى الْأَنْوَاع لينبه على أَعْلَاهَا، فنص على الحدأة فنبه على الصَّقْر والبازي وَالْعِقَاب، وَنَصّ على الْعَقْرَب فنبه على الْحَيَّة وَغَيرهَا، وَنَصّ على الْفَأْرَة فنبه على بَقِيَّة الحشرات. ثمَّ إِن السَّبع يُسمى كَلْبا، قَالَ سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة: الْكَلْب الْعَقُور كُله سبع يعقره، قَالَ أَبُو عبيد: وَلَيْسَ للْحَدِيث عِنْدِي مَذْهَب إِلَّا مَا قَالَ سُفْيَان. قَالَ: وَيجوز أَن يُقَال للسبع كلب. قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عتبَة بن أبي لَهب: " اللَّهُمَّ سلط عَلَيْهِ كَلْبا من كلابك " فَخرج إِلَى الشَّام فَقتله الْأسد. وَمن هَذَا قَوْله تَعَالَى: {وَمَا علمْتُم من الْجَوَارِح مكلبين} [الْمَائِدَة: 4] فَهَذَا اسْم مُشْتَقّ من الْكَلْب، ثمَّ دخل فِيهِ صيد الفهد والبازي والصقور. [15] قلت: كَذَا ذكر أَبُو عبيد: أَن عتبَة الَّذِي أكله السَّبع. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي " مغازي " ابْن اسحق، وَقد نَقله كَذَلِك أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ، وَهَذَا غلط مِنْهُم؛ لِأَن أَبَا لَهب كَانَ لَهُ عتبَة وعتيبة، فَأَما عتبَة فَإِنَّهُ أسلم وَشهد غزاه حنين، وَإِنَّمَا الَّذِي أكله السَّبع عتيبة. وَقد ذكره على الصِّحَّة مُحَمَّد بن سعد فِي " الطَّبَقَات ". [15] وَقَالَ أَبُو حنيفَة: أَي صيد قَتله الْمحرم فَعَلَيهِ جَزَاؤُهُ. وَنحن لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 544 نسلم أَن اسْم الصَّيْد يَقع على غير الْمَأْكُول؛ لِأَن أَذَى الْحَيَوَان مَمْنُوع، وَإِنَّمَا أُبِيح أَن يُؤْذى بالاصطياد لحَاجَة الْأكل، وَإِنَّمَا سمى هَذِه الْأَشْيَاء فواسق لمَكَان خبثها وشرها كَمَا فِي الْفَاسِق. 1130 - / 1356 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر بعد الْمِائَة: نهى عَن الْوِصَال. [15] الْوِصَال فِي الصّيام أَن تصل اللَّيْل بِالنَّهَارِ فِي ترك الْأكل، وَإِنَّمَا نهى عَنهُ لمعنيين: أَحدهمَا: مَا يتخوف على الصَّائِم من ضعف الْقُوَّة، فَرُبمَا أخرجه ذَلِك إِلَى الْمَرَض وَالْعجز عَن الصَّوْم الْمَفْرُوض، فَيرى الْعِبَادَة حِينَئِذٍ بِعَين البغضة لما لَقِي فِيهَا من الْمَشَقَّة، ويوضح هَذَا قَوْله: " لست كأحدكم، إِنِّي أطْعم وأسقى ". وَالثَّانِي: أَن العَبْد مَأْمُور بِالْوُقُوفِ على مراسم الشَّرْع، والمشرع جعل وَظِيفَة الصَّوْم مُخْتَصَّة بِالنَّهَارِ، فَإِذا وصل المتعبد بهَا اللَّيْل أنشأ صُورَة تعبد بِرَأْيهِ، وَالْمعْنَى مِنْهُ مسلوب لِأَنَّهُ لَا يكون تعبد إِلَّا بِأَمْر الشَّرْع، فَصَارَ كَمَا لَو صَامت الْحَائِض. فعلى هَذَا يكون مَا خص بِهِ الرَّسُول من الْوِصَال مَحْمُول الْمَشَقَّة لكَونه يطعم ويسقى، وَيكون تعبدا فِي حَقه لِأَنَّهُ مَأْمُور بِهِ. [15] وَقَوله: " إِنِّي أظل " يُقَال: ظلّ الرجل يفعل كَذَا: إِذا فعله نَهَارا. وَقد ذكر الْعلمَاء فِي معنى كَونه يطعم ويسقى وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه يحْتَمل أَن يخص بِطَعَام وشراب حَقِيقَة وَلَا يفْسد صَوْمه، كَمَا يغط فِي نَومه وَلَا ينْتَقض وضوءه، فَيكون هَذَا مُضَافا إِلَى خَصَائِصه الَّتِي أكْرم بهَا. وَالثَّانِي: أَنه يحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى: إِنِّي أعَان وَأقوى، فَيكون الحديث: 1130 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 545 ذَلِك بِمَنْزِلَة الطَّعَام وَالشرَاب. 1131 - / 1357 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر [بعد الْمِائَة] : " من حمل علينا السِّلَاح فَلَيْسَ منا ". [15] أَي لَيْسَ على سيرتنا ومذهبنا، وَقد شرحنا هَذَا فِي مُسْند أبي مُوسَى. 1132 - / 1358 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر [بعد الْمِائَة] : نهى عَن النجش. [15] والنجش نوع من الخديعة والغبن، وَهُوَ أَن يمدح سلْعَة يزِيد فِي ثمنهَا وَهُوَ لَا يُرِيد الشِّرَاء، وَلَكِن يقْصد أَن يسمعهُ غَيره فيغتر فيزيد وَيَشْتَرِي، وَهَذَا فعل محرم. والمنصور من مَذْهَبنَا أَنه بيع صَحِيح، وَللْمُشْتَرِي، الْخِيَار إِن كَانَ فِي البيع زِيَادَة لَا يتَغَابَن النَّاس بِمِثْلِهَا، وَكَذَلِكَ كل مسترسل غبن بِالْبيعِ، وَيدخل فِيهِ إِذا تلقى الركْبَان فَاشْترى مِنْهُم، فَإِن لَهُم الْخِيَار إِذا دخلُوا السُّوق وَعَلمُوا بِالْغبنِ. وَنقل عَن أَحْمد أَن بيع النجش وتلقي الركْبَان باطلان. 1133 - / 1359 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر [بعد الْمِائَة] : " لَا يبع بَعْضكُم على بيع بعض ". [15] فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن يَشْتَرِي الرجل السّلْعَة وَيتم البيع وَلم الحديث: 1131 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 546 يفْتَرق الْمُتَبَايعَانِ بعد، فَنهى أَن يعرض رجل آخر سلْعَة أُخْرَى على ذَلِك المُشْتَرِي تشبه السّلْعَة الَّتِي اشْتَرَاهَا، لما فِي ذَلِك من الْإِفْسَاد على الأول، فَرُبمَا مَال إِلَى هَذِه وَفسخ بِحكم الْمجْلس. وَالثَّانِي: أَنه فِي المتساومين إِذا قَارب وُقُوع العقد، فَيَجِيء آخر يُرِيد أَن يَشْتَرِي تِلْكَ السّلْعَة فيخرجها من يَد المُشْتَرِي الأول، فَهَذَا يُبَاح فِي أول الْعرض، وَينْهى عَنهُ بعد المقاربة للْبيع. وَهَذَا اخْتِيَار أبي عبيد، فَإِنَّهُ قَالَ: معنى الحَدِيث: لَا يشتر على شِرَاء أَخِيه، وَإِنَّمَا وَقع النَّهْي على المُشْتَرِي لَا على البَائِع؛ لِأَن الْعَرَب تَقول: بِعْت الشَّيْء بِمَعْنى اشْتَرَيْته، وَمثل هَذَا: " لَا يخْطب على خطْبَة أَخِيه " لِأَن الْخَاطِب طَالب كالمشتري، وَالنَّهْي وَقع على الطالبين دون الْمَطْلُوب إِلَيْهِم، وَقد جَاءَ فِي الشّعْر البَائِع بِمَعْنى المُشْتَرِي، قَالَ طرفَة: (عذ مَا غَد مَا أقرب الْيَوْم من غَد ... سيأتيك بالأخبار من لم تزَود) (ويأتيك بالأنباء من لم تبع لَهُ ... بتاتا وَلم تضرب لَهُ وَقت موعد) [15] فتبع هَاهُنَا بِمَعْنى تشتري. [15] وَقَالَ مَالك بن أنس: إِنَّمَا نهى أَن يخْطب الرجل على خطْبَة أَخِيه إِذا كَانَ كل وَاحِد من الْفَرِيقَيْنِ قد رَضِي بِصَاحِبِهِ، فَأَما قبل الرِّضَا فَلَا بَأْس أَن يخطبها من يَشَاء. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 547 1134 - / 1360 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين [بعد الْمِائَة] : نهى أَن تتلقى السّلع حَتَّى يبلغ بهَا الْأَسْوَاق. [15] قد ذكرنَا الحكم فِي هَذَا قبل حديثين. 1135 - / 1361 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين [بعد الْمِائَة] : نهى عَن الْمُزَابَنَة. وَقد سبق الْكَلَام فِيهَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1136 - / 1362 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين [بعد الْمِائَة] : " لَا يحلبن أحد مَاشِيَة أحد إِلَّا بِإِذْنِهِ. أَيُحِبُّ أحدكُم أَن تُؤْتى مشْربَته فَينْتَقل طَعَامه ". [15] الْمشْربَة: الغرفة. [15] وينتقل " يفتعل " من نقل الشَّيْء عَن مَكَانَهُ. وينتثل بالثاء بِمَعْنى يفرق ويبدد. والنثل: نثر الشَّيْء جَمِيعه فِي مرّة وَاحِدَة. [15] والضرع لذوات الظلْف. وَهُوَ من ذَوَات الْخُف وَمن ذَوَات الْحَافِر وَالسِّبَاع الطبي. وَمن الْمَرْأَة الثدي، وَمن الرجل الثندوة. 1137 - / 1363 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين [بعد الْمِائَة] : نهى أَن يُسَافر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو " فَإِنِّي لَا آمن أَن يَنَالهُ الْعَدو " وَفِي لفظ: " فَإِنِّي أَخَاف أَن يَنَالهُ الْعَدو ". الحديث: 1134 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 548 [15] ظَاهر هَذَا الْكَلَام أَن الْقَائِل: " لَا آمن، وأخاف " هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقد جَاءَ فِي حَدِيث آخر: " مَخَافَة أَن يَنَالهُ الْعَدو " قَالَ أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت: إِنَّمَا هَذَا من قَول مَالك. وَقد بَين ذَلِك أَبُو مُصعب الزبيرِي عبد الله بن وهب وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم. وَإِنَّمَا الْمسند النَّهْي فَحسب. [15] وَالْإِشَارَة بِالْقُرْآنِ إِلَى الْمُصحف. وَإِنَّمَا حذر عَلَيْهِ من إهانة الْعَدو إِيَّاه بالتمزيق وَغَيره، وَفِي هَذَا بَيَان احترام الْمُصحف. 1138 - / 1364 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين [بعد الْمِائَة] : أَمر بقتل الْكلاب، حَتَّى إِنَّا لنقتل كلب المرية من أهل الْبَادِيَة يتبعهَا. [15] قد بَينا نسخ الْأَمر بقتل الْكلاب فِي مُسْند عبد الله بن مُغفل. [15] والمرية تَصْغِير الْمَرْأَة. [15] وَقَول ابْن عمر فِي هَذَا الحَدِيث: إِن لأبي هُرَيْرَة زرعا. كشفناه فِي هَذَا الْمسند. 1139 - / 1365 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين [بعد الْمِائَة] : " إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق " الحديث: 1138 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 549 قد بَينا فِي مُسْند عمر معنى الْوَلَاء. [15] " وَإِنَّمَا " تثبت الْمشَار إِلَيْهِ وتنفي ماعداه، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا وَلَاء إِلَّا لمن أعتق. وَالْوَلَاء من الْوَلِيّ وَهُوَ الْقرب. وَيُقَال: فلَان ولي فلَان: أَي يلاصقه بالنصرة. قَالَ ابْن فَارس: الْوَلَاء من الْمُوَالَاة وَهِي المقاربة، فَسُمي وَلَاء لِأَن العَبْد الْمُعْتق موَالٍ، أَي كَأحد قرَابَته. وسنزيد هَذَا الحَدِيث شرحا فِي مُسْند عَائِشَة. 1140 - / 1366 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين [بعد الْمِائَة] : أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجم يَهُودِيَّة. وَقَالَ: فَرَأَيْت الرجل يجنأ على الْمَرْأَة يَقِيهَا الْحِجَارَة. وَفِي لفظ: يجانيء. وَفِي لفظ: فرأيته أجنأ عَلَيْهَا. [15] يجنأ: يكب. والجنأ: الأحديداب. ويجانيء: ينحني، قَالَه أَبُو عبيد: وَقد روى لنا فِي لفظ - لم يذكرهُ الْحميدِي: فَرَأَيْت الرجل يحني على الْمَرْأَة. قَالَ ابْن الأنبا ري: قَالَ اللغويون: يحني ويحنو بِالْيَاءِ وَالْوَاو. [15] وَفِي الحَدِيث فَقَالُوا: الرجل أَعور، وَهُوَ ابْن صوريا. والأحبار: الْعلمَاء. الحديث: 1140 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 550 [15] وَالتَّحْمِيم: تسويد الْوَجْه. وَالتَّجْبِيَة: أَن يجبهُ بالسب، وَأَصله اسْتِقْبَال الْجَبْهَة بذلك. ويوضحه أَن فِي بعض الْأَلْفَاظ: نسخم وجوهما ونخزيهما. 1141 - / 1368 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين [بعد الْمِائَة] : " مثل صَاحب الْقُرْآن كَمثل صَاحب الْإِبِل الْمُعَلقَة ". [15] يَعْنِي: المشدودة بِالْعقلِ: وَهُوَ جمع عقال: وَهُوَ الْحَبل الَّذِي يشد بِهِ الْبَعِير. وَقد بَينا هَذَا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 1142 - / 1369 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين [بعد الْمِائَة] : " إِذا دعِي أحدكُم إِلَى الْوَلِيمَة فليأتها ". [15] الْوَلِيمَة: الطَّعَام يصنع عِنْد الْعرس. وَإِنَّمَا تجب الْإِجَابَة إِلَى وَلِيمَة الْعرس فَقَط. 1143 - / 1370 - وَفِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ [بعد الْمِائَة] : " من شرب الْخمر فِي الدُّنْيَا ثمَّ لم يتب مِنْهَا حرمهَا فِي الْآخِرَة ". [15] حكم هَذَا الحَدِيث ظَاهر. وَلقَائِل أَن يَقُول: لَا يَخْلُو هَذَا أَن يَشْتَهِي الْخمر فِي الْجنَّة أَو لَا يشتهيها، فَإِن لم يشتهها لم يُؤثر عِنْده فقدها، وَإِن اشتهاها وَلم يُعْطهَا تأسف، والأسف فِي الْجنَّة لَا يكون. فَالْجَوَاب: أَنه لَا يشتهيها وَيصرف عَن قلبه حبها وَذكرهَا، لكنه قد الحديث: 1141 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 فَاتَتْهُ لَذَّة عَظِيمَة كَمَا تفوته منزلَة الشُّهَدَاء ومنازل الْأَنْبِيَاء، وكل نَاقص بِالْإِضَافَة إِلَى الكاملين قد رَضِي بِحَالهِ. وَإِنَّمَا نذْكر هَذَا لننبه الْيَوْم للاستدراك. [15] والإدمان على الشَّيْء: الدَّوَام عَلَيْهِ. وإصراره وعزمه على شريها صيره كالشارب لَيْلًا وَنَهَارًا. [15] وَقَوله: " كل مُسكر خمر " صَرِيح فِي إِثْبَات شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: الْأَسْمَاء بِالْقِيَاسِ على بَينا فِي مُسْند عمر. وَالثَّانِي: تَحْرِيم النَّبِيذ. 1144 - / 1471 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ [بعد الْمِائَة] : " لَا ينظر الله إِلَى من جر ثَوْبه خُيَلَاء ". [15] الْخُيَلَاء والمخيلة: التكبر. وَيُقَال: خَال الرجل واختال، وأنشدوا: (بَان الشَّبَاب وَحب الْخَالَة الخلبة ... وَقد صحوت فَمَا فِي النَّفس من قلبه) [15] وَالْخَالَة جمع خائل. يُقَال: رجل خائل من قوم خَالَة: إِذا كَانَ مختالا فِي مشيته، متكبرا. والخلبة: الشَّبَاب الَّذين يخلبون النِّسَاء بجمالهم، واحدهم خالب. [15] وَقَوله: " يتجلجل " التجلجل: حَرَكَة مَعَ صَوت. وَالْمعْنَى: أَنه يخسف بِهِ وَلَا يثبت، وَلَا يزَال منحدرا. الحديث: 1144 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 1145 - / 1373 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ [بعد الْمِائَة] : أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطع نخل بني النَّضِير وَحرق. وَلها يَقُول حسان بن ثَابت: (وَهَان على سراة بني لؤَي ... حريق بالبويرة مستطير) [15] وَفِي ذَلِك نزلت: {مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة على أصلوها} الْآيَة [الْحَشْر: 5] . [15] كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أَتَى بني النَّضِير يكلمهم، فَهموا بالغدر بِهِ، فَقَالَ بَعضهم: أَنا أظهر على الْبَيْت فأطرح عَلَيْهِ صَخْرَة. فجَاء الْخَبَر، فَنَهَضَ رَاجعا إِلَى الْمَدِينَة وَبعث إِلَيْهِم: " لَا تساكنوني " فَأرْسل إِلَيْهِم ابْن أبي: لَا تخْرجُوا؛ فَإِن معي أَلفَيْنِ، وتمدكم قُرَيْظَة. فأرسلوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا لَا نخرج فَاصْنَعْ مَا بدا لَك، فَسَار إِلَيْهِم، فَقَامُوا على حصونهم مَعَهم النبل وَالْحِجَارَة، فاعتزلتهم قُرَيْظَة، وخذلهم ابْن أبي، فَحَاصَرَهُمْ وَقطع نَخْلهمْ، فجزعوا وَقَالُوا: يَا مُحَمَّد، زعمت أَنَّك تُرِيدُ الصّلاح، أَفَمَن الصّلاح عقر الشّجر وَقطع النّخل؟ وَهل وجدت فِيمَا أنزل عَلَيْك الْفساد فِي الأَرْض؟ فشق ذَلِك على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَوجد الْمُسلمُونَ فِي أنفسهم من قَوْلهم، فَنزل قَوْله تَعَالَى: {مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا} [الْحَشْر: 5] وَهِي ألوان النّخل كلهَا إِلَّا الْعَجْوَة والبرنية. وَكَذَلِكَ قَالَ الزُّهْرِيّ وَأَبُو عُبَيْدَة. وَقَالَ الزّجاج: أصل لينَة لَونه، فقلبت الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا. الحديث: 1145 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 [15] وَأما السراة فالأشراف. والبويرة: اسْم الْمَكَان الَّذِي فِيهِ نَخْلهمْ. والمستطير: الْمُنْتَشِر. [15] فَأجَاب أَبُو سُفْيَان حسانا فَقَالَ: (ستعلم أَيّنَا فِيهَا بنزه ... وَتعلم أَي أرضينا تضير) [15] والنزه: التباعد. وَالْمعْنَى: أَيّنَا أبعد مِنْهَا. [15] وَإِنَّمَا فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا بأولئك ليتسع المكال لِلْقِتَالِ، وَمَتى لم يقدر على الْعَدو إِلَّا بذلك جَازَ، وَهَذَا مَذْهَب أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ. 1146 - / 1374 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ [بعد الْمِائَة] : أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينزل فِي حجَّته تَحت سَمُرَة. [15] السمرَة: شَجَرَة الطلح. [15] والبطحاء: الْمَكَان المتسع. [15] وشفير الْوَادي: حرفه. [15] وَقد سبق معنى عرس. وَمعنى الأكمة. [15] والخليج: بعض النَّهر، كَأَنَّهُ مختلج مِنْهُ: أَي مقتطع. [15] والكثب جَمِيع كثيب: وَهُوَ مَا اجْتمع من الرمل وارتفع. [15] وَقَوله: فدحا السَّيْل فِيهِ بالبطحاء: أَي بحصا الْبَطْحَاء وترابه، الحديث: 1146 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 أَي دَفعهَا إِلَيْهِ وبسطها فِيهِ حَتَّى خَفِي. [15] وَقَوله: بشرف الروحاء. الروحاء: مَا ارْتَفع من ذَلِك الْمَكَان. [15] وحافة الطَّرِيق: جَانِبه. [15] والعرق من الأَرْض: سبخَة تنْبت الطرفاء. [15] والسرحة: شَجَرَة، وَالْجمع سرحات بِفَتْح السِّين وَالرَّاء: وَهُوَ نوع من الشّجر لَهُ ثَمَر، قَالَ الشَّاعِر: (فواعديه سرحتي مَالك ... ) [15] والرويثة: اسْم مَوضِع. [15] ووجاه الطَّرِيق: مُقَابِله. [15] والبطح: الْمَكَان الْوَاسِع. [15] والتعلة: مسيل المَاء من فَوق إِلَى أَسْفَل. [15] والهضبة: فَوق الْكَثِيب فِي الِارْتفَاع وَدون الْجَبَل. [15] والرضم بِفَتْح الرَّاء والضاء: حِجَارَة كبار، جمعهَا رضام. [15] والسلمات وَالسّلم شجر، والواحدة سَلمَة: وَهِي شَجَرَة وَرقهَا هُوَ الْقرظ الَّذِي يدبغ بِهِ الْأدم. [15] وهرشى: اسْم مَكَان. [15] وكراعها: طرفها، وكراع كل شَيْء طرفه. [15] والغلوة: قدر رمية، يُقَال: غلا الرجل بسهمه غلوا: إِذا رمى بِهِ أقْصَى الغابة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 [15] والمسيل: مجْرى المَاء فِي منحدر من الأَرْض. [15] وَمر الظهْرَان: مَوضِع، والظاء مَفْتُوحَة. [15] وَذُو طوى: اسْم مَوضِع. [15] وفرضة الْجَبَل: مدْخل الطَّرِيق إِلَيْهِ. وأصل الفرضة من الْفَرْض: وَهُوَ الْقطع غير البليغ. وَتسَمى المشرعة من النَّهر فرضة لِأَن أرْضهَا قد انحدرت عَمَّا يَليهَا حَتَّى أمكن النُّزُول فِيهَا إِلَى المَاء. 1147 - / 1376 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ [بعد الْمِائَة] : كَانَ الْمُسلمُونَ يتحينون الصَّلَوَات. [15] أَي يطْلبُونَ حينها بِالتَّحَرِّي وَالِاجْتِهَاد. 1148 - / 1375 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ [بعد الْمِائَة] : " غفار غفر الله لَهَا، وَأسلم سَالَمَهَا الله، وعصيه عَصَتْ الله وَرَسُوله ". [15] إِنَّمَا اسْتغْفر لهاتين القبيلتين لِأَنَّهُمَا أسلمتا طَوْعًا من غير حَرْب على مَا بَيناهُ فِي مُسْند أبي ذَر. [15] وَأما عصية فهم الَّذين قتلوا الْقُرَّاء ببئر مَعُونَة. [15] وَقد بَينا أَن هَذَا الحَدِيث يدل على اخْتِيَار الْكَلَام المتجانس المتناسب، إِذْ جعل الْمَغْفِرَة لغفار، وَالْمَعْصِيَة لعصية. الحديث: 1147 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 1149 - / 1378 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ [بعد الْمِائَة] : نهى عَن القزع، قَالَ: " احْلقُوا كُله أَو ذَروا كُله ". [15] قد فسر القزع فِي الحَدِيث، وَهُوَ أَن يحلق بعض الرَّأْس وَيتْرك بعضه، مَأْخُوذ من قزع السَّحَاب وَهِي قطعه. وَفِي حَدِيث أنس: وَمَا فِي السَّمَاء قزعة. [15] وَقَوله: " احْلقُوا كُله " دَلِيل على جَوَاز حلق الرَّأْس من غير كَرَاهِيَة. 1150 - / 1380 - وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين [بعد الْمِائَة] : رَأَيْت فِي يَدي قِطْعَة إستبرق. وَهُوَ ثخين الديباج، وَقد تقدم هَذَا. 1151 - / 1381 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ [بعد الْمِائَة] : أَن عمر قَالَ: أصبت أَرضًا بِخَيْبَر: وَقد ذكرنَا الحَدِيث فِي مُسْند عمر. غير أَن فِي هَذَا الحَدِيث: " غير متأثل مَالا " قَالَ أَبُو عبيد: المتأثل: الْجَامِع، وكل شَيْء لَهُ أصل قديم أَو جمع حَتَّى يصير لَهُ أصل فَهُوَ مؤثل ومتأثل، قَالَ لبيد: (لله نَافِلَة الْأَجَل الْأَفْضَل ... وَله الْعلَا وأثيث كل مؤثل) الحديث: 1149 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس: (ولكنما أسعى لمجد مؤثل ... وَقد يدْرك الْمجد المؤثل أمثالي) [15] وأثلة الشَّيْء: أَصله، قَالَ الْأَعْشَى: (أَلَسْت منتهيا عَن نحت أثلتنا ... وَلست ضائرها مَا أطت الْإِبِل) 1152 - / 1382 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: أغار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بني المصطلق وهم غَارونَ. أَي غافلون فَلم يشعروا بِهِ. 1153 - / 1384 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما رَجَعَ من الْأَحْزَاب: " لَا يصلين أحد الْعَصْر إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة " فَأدْرك بَعضهم الْعَصْر فِي الطَّرِيق، فَقَالَ بَعضهم: لَا نصلي حَتَّى نأتيها. وَقَالَ بَعضهم: نصلي، لم يرد ذَلِك منا. فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يعنف وَاحِدًا مِنْهُم. [15] لما أجلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني النَّضِير خرج نفر من أَشْرَافهم إِلَى مَكَّة فالبوا قُريْشًا على الْقِتَال، وَتجمع النَّاس، وَكَانَت غزَاة الْأَحْزَاب. وَبعث أَبُو سُفْيَان إِلَى بني قُرَيْظَة يسألهم أَن ينقضوا الْعَهْد الَّذِي بَينهم الحديث: 1152 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَجَابُوا فَلَمَّا انْقَضتْ غزَاة الخَنْدَق وَجَاء جِبْرِيل فَقَالَ: إِن الله يَأْمُرك أَن تسير إِلَى بني قُرَيْظَة فَإِنِّي عَامِد إِلَيْهِم فَمُزَلْزِل حصونهم. فَقَالَ لأَصْحَابه: " لَا يصلين أحد الْعَصْر إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة " فَأخذ بعض أَصْحَابه بِظَاهِر اللَّفْظ وَلم يصلوا إِلَّا هُنَاكَ، وَتعلق آخَرُونَ بِالْمَعْنَى فَقَالُوا: إِنَّمَا أَرَادَ الاستعجال، فصوا وَلَحِقُوا فَلم يعنف وَاحِدًا من الْفَرِيقَيْنِ، لأخذ كل بِدَلِيل. 1154 - / 1385 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ [بعد الْمِائَة] : أَن عمر ذكر لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه تصيبه الْجَنَابَة من اللَّيْل. وَقد سبق بَيَانه فِي مُسْند عمر. 1155 - / 1386 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ [بعد الْمِائَة] : استدارة أهل قبَاء إِلَى الْقبْلَة بقول وَاحِد. [15] وَهُوَ أصل فِي قبُول خبر الْوَاحِد إِذا كَانَ ثِقَة. وَقد سبق بَيَان هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند الْبَراء. 1156 - / 1387 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ [بعد الْمِائَة] : " الظُّلم ظلمات يَوْم الْقِيَامَة ". [15] اعْلَم أَن الظُّلم يشْتَمل على معصيتين عظيمتين: إِحْدَاهمَا: أَخذ الحديث: 1154 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 مَال الْغَيْر بِغَيْر حق. وَالثَّانيَِة: مبارزة الْأَمر بِالْعَدْلِ بالمخالفة، وَهَذِه الْمعْصِيَة فِيهِ أدهى؛ لِأَنَّهُ لَا يكَاد يَقع الظُّلم إِلَّا للضعيف الَّذِي لَا يقدر على الِانْتِصَار إِلَّا بِاللَّه عز وَجل. وَإِنَّمَا ينشأ الظُّلم من ظلمَة الْقلب، وَلَو استنار بِنور الْهدى لنظر فِي العواقب، فَإِذا سعى المتقون بنورهم الَّذِي اكتسبوه فِي الدُّنْيَا من التَّقْوَى ظَهرت ظلمات الظَّالِم فاكتنفته. 1157 - / 1388 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعثا وَأمر عَلَيْهِم أُسَامَة بن زيد، فطعن النَّاس فِي إمارته. [15] اعْلَم أَن النّظر إِلَى صُورَة الْأَشْيَاء غلب على أَكثر النَّاس. وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتلمح الْمعَانِي، فالقوم نظرُوا إِلَى أَن أُسَامَة حدث السن، وَأَنه ابْن مولى، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَآهُ صَالحا للإمارة خُصُوصا فِي هَذِه السّريَّة الَّتِي بَعثه فِيهَا إِلَى مَوضِع مقتل أَبِيه. وَكَذَلِكَ أَمر عَمْرو بن الْعَاصِ على جَيش فيهم أَبُو بكر وَعمر لَا لفضله عَلَيْهِم، وَلكنه كَانَ أبْصر بِالْحَرْبِ. وَهَذِه السّريَّة الَّتِي أَمر فِيهَا أُسَامَة كَانَت إِلَى أهل أبنى، فَقَالَ لَهُ: " سر إِلَى مَوضِع مقتل أَبِيك فأوطهم الْخَيل، وأغر صباحا، وَحرق عَلَيْهِم " فَانْتدبَ مَعَه وُجُوه الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَفِيهِمْ أَبُو بكر وَعمر وَسعد وَسَعِيد وَأَبُو عبيد ة، فَتكلم حِينَئِذٍ أَقوام فَقَالُوا: يسْتَعْمل هَذَا الْغُلَام على الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين. فَغَضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَضبا شَدِيدا، وَكَانَ قد ابْتَدَأَ بِهِ مَرضه، فَخرج معصوب الرَّأْس، فَصَعدَ الْمِنْبَر وَقَالَ: " إِن تطعنوا فِي إمرته فقد كُنْتُم تطعنوه فِي إمرة أَبِيه. الحديث: 1157 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 وَايْم الله، إِن كَانَ لخليقا للإمرة أَي مِمَّن يصلح لَهَا، يَعْنِي زيدا - وَإِن كَانَ لمن أحب النَّاس إِلَيّ، وَإِن هَذَا من أحب النَّاس إِلَيّ بعده ". فَلَمَّا أَمر أُسَامَة عسكره بالرحيل، جَاءَهُ رَسُول أمه أم أَيمن فَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمُوت، فَأقبل إِلَى الْمَدِينَة، فَلَمَّا مَاتَ عَلَيْهِ السَّلَام وبويع لأبي بكر أذن لَهُ فَخرج، وكلم أَبُو بكر أُسَامَة فِي عمر أَن يَأْذَن لَهُ فِي التَّخَلُّف فَفعل، فَلَمَّا ذهب إِلَى أهل أبنى شن عَلَيْهِم الْغَارة وَقتل وسبى، وَقتل قَاتل أَبِيه. فَكَأَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تلمح مِنْهُ الشجَاعَة، وَحب الْجِهَاد، وَطلب ثأر أَبِيه، فَلَمَّا رَجَعَ خرج أَبُو بكر فِي الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار يتلقونهم فَرحا بسلامتهم. 1158 - / 1389 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: ذكر رجل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه يخدع فِي الْبيُوع، فَقَالَ: " من بَايَعت فَقل: لَا خلابة ". [15] الخلابة: الخداع. [15] قَالَ أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت: هَذَا الرجل حبَان بن منقذ بن عَمْرو، أَو وَالِده منقذ. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَنه من غبن غبنا فَاحِشا فَلهُ الرَّد، وَهُوَ قَول أَحْمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَيْسَ لَهُ. وَقَالَ دَاوُد: العقد بَاطِل من أَصله. وَاعْلَم أَنه إِنَّمَا يكون هَذَا فِي الْغبن الَّذِي لَا يتَغَابَن الحديث: 1158 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 النَّاس بِمثلِهِ فِي الْعَادة. وَحده أَبُو بكر من أَصْحَابنَا بِالثُّلثِ. [15] وَرُبمَا احْتج بِهَذَا الحَدِيث من لَا يرى الْحجر على الْكَبِير، فَيَقُول: لَو كَانَ يحْجر على الْكَبِير لحجر الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام على هَذَا الرجل. وَلَا حجَّة فِي هَذَا؛ لِأَن هَذَا الرجل لم يذكر عَنهُ سفه وَلَا إِتْلَاف مَال، إِنَّمَا كَانَ يخدع فِي الْبيُوع، وَقد يكون الْإِنْسَان قَلِيل الْخِبْرَة فِي الْبيُوع. 1159 - / 1390 - وَفِي الحَدِيث الْخمسين [بعد الْمِائَة] : نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الْوَلَاء وَعَن هِبته. [15] اعْلَم أَن الْوَلَاء كالنسب، فَلَا يزَال بالإزالة. 1160 - / 1391 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْخمسين [بعد الْمِائَة] : ارتقيت فَوق بَيت حَفْصَة، فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْضِي حَاجته مُسْتَقْبل الشَّام مستدبر الْقبْلَة. [15] وَفِي لفظ ابْن عمر قَالَ: إِن نَاسا يَقُولُونَ: إِذا قعدت على حَاجَتك فَلَا تسْتَقْبل الْقبْلَة وَلَا بَيت الْمُقَدّس. لقد ارتقيت على ظهر بَيت لنا، فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسْتَقْبل بَيت الْمُقَدّس لِحَاجَتِهِ. [15] وَرُبمَا ظن ظان أَن ابْن عمر قد أجَاز بِهَذَا اسْتِقْبَال الْقبْلَة عِنْد الْحَاجة، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا أنكر قَول من يزْعم أَن استقبالها فِي الْأَبْنِيَة غير جَائِز، فَأَما فِي الصَّحَارِي فَلَا يجوز استدبار الْقبْلَة وَلَا الحديث: 1159 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 استقبالها على مَا بَينا مُسْند أبي أَيُّوب. 1161 - / 1393 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْخمسين [بعد الْمِائَة] : قَالَ ابْن عمر: وَأما عَليّ فَابْن عَم رَسُول الله، وَخَتنه. [15] الختن: زوج الْبِنْت. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: كل شَيْء من قبل الزَّوْج مثل الْأَب وَالْأَخ فهم الأحماء، واحدهم حما مثل قفا، وحمو مثل " أَبُو "، وحمؤ مَهْمُوز سَاكن الْمِيم، وحم مثل أَب. وحماة الْمَرْأَة: أم زَوجهَا، لَا لُغَة فِيهَا غير هَذِه. وكل شَيْء من قبل الْمَرْأَة فهم الْأخْتَان، والصهر يجمع ذَلِك كُله. [15] وَقَوله: وَهَذَا بَيته. يُرِيد بِهِ الْقرب إِلَى بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. 1162 - / 1395 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْخمسين [بعد الْمِائَة] : أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَاد سعد بن عبَادَة فَبكى، وَقَالَ: " إِن الله لَا يعذب بدمع الْعين وَلَا بحزن الْقلب، وَلَكِن يعذب بِهَذَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى لِسَانه أَو يرحم ". [15] إِنَّمَا لم يَقع الْعَذَاب على الْبكاء والحزن لثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهَا: أَنه لَا عيب، إِذْ لَا يخالفان الْمَشْرُوع. وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا أثر رقة الْقلب وتلهفه على فِرَاق المألوف، وَهَذَا أَمر مركوز فِي الطَّبْع. وَالثَّالِث: أَنَّهُمَا لَا يملكَانِ وَلَا يُمكن ردهما، فَلم تقع بهما مُؤَاخذَة. الحديث: 1161 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 [15] فَأَما اللِّسَان فَقل أَن يتَكَلَّم فِي المصائب بِمَا يُرْضِي الشَّرْع، ثمَّ إِنَّه يُمكن إِمْسَاكه، فَوَقع الْعَذَاب بِمَا يصدر عَنهُ مِمَّا لَا يجوز. 1163 - / 1197 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْخمسين [بعد الْمِائَة] : نهى أَن تصبر بهمية أَو غَيرهَا. للْقَتْل. [15] صَبر الْبَهَائِم: أَن تحبس للنبل، فَتبقى كالغرض، وَهُوَ الهدف الَّذِي يَرْمِي إِلَيْهِ. وَالصَّبْر فِي اللُّغَة: حبس النَّفس على مَا تنَازع، وَسمي رَمَضَان شهر الصَّبْر لذَلِك. 1164 - / 1398 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْخمسين [بعد الْمِائَة] : أكل لحم الضَّب. وَقد سبق فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1165 - / 1399 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْخمسين [بعد الْمِائَة] : نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقرن الرجل التمرتين حَتَّى يسْتَأْذن أَصْحَابه. [15] أَنبأَنَا عبد الْوَهَّاب الْحَافِظ قَالَ: أخبرنَا جَعْفَر بن أَحْمد السراج قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت قَالَ: ذكر الاسْتِئْذَان فِي الْقرَان من قَول ابْن عمر وَلَيْسَ من قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَين ذَلِك آدم بن أبي إِيَاس فِي رِوَايَته عَن شُعْبَة، وجوده شَبابَة بن سوار عَن شُعْبَة عَن جبلة بن سحيم قَالَ: قَالَ ابْن عمر: لَا تقارنوا؛ فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْقرَان. قَالَ ابْن عمر: إِلَّا أَن يسْتَأْذن الرجل مِنْكُم أَخَاهُ. الحديث: 1163 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 [15] قلت: فَأَما حكم الحَدِيث فَإِن هَذَا إِنَّمَا يكون فِي الْجَمَاعَة، وَالْعَادَة تنَاول تَمْرَة وَاحِدَة، فَإِذا قرن الْإِنْسَان زَاد على الْجَمَاعَة واستأثر عَلَيْهِم، فافتقر إِلَى الْإِذْن. 1166 - / 1400 - وَفِي الحَدِيث السِّتين [بعد الْمِائَة] : نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن النّذر وَقَالَ: " لَا يرد شَيْئا، وَإِنَّمَا يسْتَخْرج بِهِ من الْبَخِيل ". [15] النّذر: الْتِزَام مَا لَا يلْزم، فَرُبمَا ثقل على النَّفس أَدَاؤُهُ، وَرُبمَا عجزت عَنهُ، وَرُبمَا كرهت فعل ذَلِك، فَيكون فَاعله للطاعة مَعَ الْكَرَاهَة لَهَا. [15] وَقَوله: " لَا يرد شَيْئا " أَي لَا يجتلب مَا لم يقدر. وَإِنَّمَا يسْتَخْرج بِهِ من الْبَخِيل؛ لِأَنَّهُ يَقُول: إِن رد الله عَليّ مَا ضَاعَ مني تَصَدَّقت بِدِينَار، فَهُوَ لَا يتَصَدَّق لبلخه إِلَّا أَن يرد عَلَيْهِ مَا ضَاعَ مِنْهُ، فالنذر يسْتَخْرج مِنْهُ الصَّدَقَة لِأَنَّهُ يرَاهُ لَازِما. وَقد قَالَ ابْن الْمُبَارك: النّذر مَكْرُوه فِي الطَّاعَة وَفِي الْمعْصِيَة، فَإِن نذر الرجل الطَّاعَة فوفى فَلهُ أجر هـ، وَيكرهُ لَهُ النّذر. 1167 - / 1401 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتِّينَ [بعد الْمِائَة] : عرض رجل لِابْنِ عمر فَقَالَ: كَيفَ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي النَّجْوَى. [15] والنجوى: المحادثة فِي السِّرّ. وَالْمرَاد بهَا هَاهُنَا مُخَاطبَة الرب عز وَجل لعَبْدِهِ يَوْم الْقِيَامَة. الحديث: 1166 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 [15] والكنف: السّتْر. [15] الأشهاد جمع شَاهد، مثل أنصار وناصر. وللمفسرين فِي المُرَاد بهم خَمْسَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنهم الرُّسُل، قَالَه أَبُو صَالح عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: الْمَلَائِكَة، قَالَه مُجَاهِد وَقَتَادَة. وَالثَّالِث: النَّبِيُّونَ وَالْمَلَائِكَة وَأمة مُحَمَّد والجوارح، قَالَه ابْن زيد. وَالرَّابِع: النَّاس، قَالَه مقَاتل. وَالْخَامِس: الْأَنْبِيَاء والمؤمنون، قَالَه الزّجاج. 1168 - / 1402 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتِّينَ [بعد الْمِائَة] : أَن رجلا سَأَلَ ابْن عمر قَالَ: نذرت أَن أَصوم كل ثلاثاء أَو أربعاء، فَوَافَقت هَذَا الْيَوْم يَوْم النَّحْر. فَقَالَ: أَمر الله بوفاء النّذر، ونهانا أَن نَصُوم يَوْم النَّحْر. فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ مثله لَا يزِيد عَلَيْهِ. [15] اعْلَم أَن ابْن عمر لما تَعَارَضَت عِنْده الْآيَة وَالْخَبَر تورع عَن الْفتيا فَلم يجب بِشَيْء. وَالْجَوَاب: أَنه يقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ وَيكفر كَفَّارَة يَمِين. وَاخْتلف الْفُقَهَاء فِيمَا إِذا نذر يَوْم الْعِيد، فعندنا أَنه لَا يَصُوم، بل يقْضِي وَيكفر. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: إِن صَامَهُ أَجزَأَهُ، وَعنهُ: أَنه يكفر من غير قَضَاء. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يفْطر وَيَقْضِي، فَإِن صَامَ أَجزَأَهُ. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا ينْعَقد هَذَا النّذر. 1169 - / 1403 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتِّينَ [بعد الْمِائَة] : أَن ابْن عمر أَتَى على رجل قد أَنَاخَ بدنته لينحرها، فَقَالَ: ابعثها قيَاما الحديث: 1168 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 مُقَيّدَة، سنة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] السّنة نحر الْإِبِل قَائِمَة، وتعقل الْيَد الْيُسْرَى، وتضرب بالحربة فِي الوهدة الَّتِي بَين أصل الْعُنُق والصدر. فَأَما الْبَقر وَالْغنم فَالسنة ذَبحهَا. 1170 - / 1404 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسِّتِّينَ [بعد الْمِائَة] : كَانَ ابْن عمر يُصَلِّي بالمحصب الظّهْر، وَكَانَ يرى التحصيب سنة. [15] التحصيب: الْمَكَان الَّذِي فِيهِ الْحَصْبَاء: وَهِي الْحَصَى الصغار، وَهَذَا هُوَ الشّعب الَّذِي مخرجه إِلَى الأبطح الْقَرِيب من مَكَّة. والتحصيب: النُّزُول فِيهِ، وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي نزل فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقد ذكرنَا عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: لَيْسَ التحصيب بِشَيْء، إِنَّمَا كَانَ أسمح لخُرُوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] والأبطح: الْمَكَان الْوَاسِع. 1171 - / 1405 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتِّينَ [بعد الْمِائَة] : " من مقَال لِأَخِيهِ: يَا كَافِر، فقد بَاء بهَا أَحدهمَا ". [15] بَاء بِمَعْنى رَجَعَ. قَالَ أَبُو بكر الْأَثْرَم: وَجهه عندى أَنه إِذا كَانَ كَافِرًا كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِن كَانَ مُسلما فقد كفر من يعْتَقد الْمُسلم كَافِرًا. قَالَ: وَيُمكن أَن يكون الْمَعْنى: بَاء بإثمها. الحديث: 1170 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 1172 - / 1406 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتِّينَ [بعد الْمِائَة] : " إِن الْيَهُود إِذا سلمُوا إِنَّمَا يَقُول أحدهم: سَام عَلَيْك، فَقل: عَلَيْك ". [15] السام: الْمَوْت. وَسَيَأْتِي هَذَا مشروحا فِي مُسْند عَائِشَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 1173 - / 1407 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتِّينَ [بعد الْمِائَة] : كُنَّا إِذا بَايعنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على السّمع وَالطَّاعَة يَقُول: " فِيمَا اسْتَطَعْت ". [15] هَذَا التَّلْقِين للمبايع من لطف الشَّرْع ورفقه، وَفِيه دَلِيل على جَوَاز تَكْلِيف مَالا يُطَاق؛ لِأَنَّهُ لَو كَانَت الْمُبَايعَة لَا تقع إِلَّا على المستطاع كَانَ التَّلْقِين لهَذِهِ الْكَلِمَة لَغوا. 1174 - / 1408 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتِّينَ [بعد الْمِائَة] : " مَا حق امرىء مُسلم لَهُ شَيْء يُوصي فِيهِ يبيت لَيْلَتَيْنِ إِلَّا ووصيته مَكْتُوبَة عِنْده ". [15] هَذَا أَمر بالتأهب للْمَوْت والاحتراز قبل الْفَوْت. فَإِن قَالَ قَائِل: إِذا كَانَ كَذَلِك فَلم قَالَ " لَيْلَتَيْنِ " وَثَلَاث لَيَال " وهلا قَالَ لَيْلَة؟ فَالْجَوَاب: أَنه قد حكى أَبُو مَسْعُود صَاحب " التعليقة " أَن مُسلما رَوَاهُ فَقَالَ فِيهِ " لَيْلَة "، غير أَن هَذَا لم نجده فِي كتاب الحديث: 1172 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 568 مُسلم. فَتَقول: لما كَانَت الْوَصِيَّة تحْتَاج إِلَى تَأمل وتدبر، وَكَانَ السَّامع لهَذَا الحَدِيث رُبمَا لَا يَتَأَتَّى لَهُ النّظر فِيمَا يُرِيد أَن يُوصي بِهِ فِي لَيْلَة، وَأَرَادَ الشَّرْع التَّعْجِيل قَالَ لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، وَلما فهم ابْن عمر أَن المُرَاد التَّعْجِيل قَالَ: مَا مرت عَليّ لَيْلَة مُنْذُ سَمِعت هَذَا إِلَّا وَعِنْدِي وصيتي. 1175 - / 1409 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسِّتِّينَ [بعد الْمِائَة] : " إِن هَذَا الْأَمر فِي قُرَيْش " يَعْنِي الْإِمَارَة. 1176 - / 1410 - وَفِي الحَدِيث السّبْعين [بعد الْمِائَة] : نهى عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان. [15] لَا يحسن قتل النِّسَاء لمعنيين: أَحدهمَا: أَنَّهُنَّ لَا يقاتلن فِي الْأَغْلَب، وَفِي قتل من لَا يُقَاتل نوع جور. وَالثَّانِي: أَنَّهُنَّ عِنْد الْغَلَبَة يصرن غنيمَة للْمُسلمين، وَكَذَلِكَ الصّبيان، فَقَتلهُمْ تَفْرِيط فِي المَال. فَأَما إِن قَاتَلت الْمَرْأَة فَإِنَّهَا تقتل حِينَئِذٍ. [15] وَأما الشَّيْخ الفاني والراهب وَالْأَعْمَى والزمن فَإِنَّهُم لَا يقتلُون أَيْضا، إِلَّا أَن يكون لَهُم رَأْي وتدبير يخَاف مِنْهُ النكاية فِي الْمُسلمين، أَو يحاربوا، فَيجوز حِينَئِذٍ قَتلهمْ. الحديث: 1175 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 1177 - / 1411 وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: " فِيمَا سقت السَّمَاء والعيون أَو كَانَ عثريا الْعشْر ". [15] السَّمَاء هَاهُنَا: الْمَطَر. وَالْمرَاد بالعيون مَا سقِِي من غير ترقية المَاء مِنْهُ بكلفة. فَأَما العثري فَقَالَ أَبُو عبيد: هُوَ العذي، والعذي مَا شقته السَّمَاء، فَأَما مَا يشرب بعروقه من الأَرْض من غير سقِِي سَمَاء وَلَا غَيرهَا فَهُوَ بعل. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْكسَائِيّ: البعل: العذي، وَمَا سقته السَّمَاء. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: لم أرهم يَخْتَلِفُونَ أَن البعل العذي بِعَيْنِه، والعذي نَوْعَانِ: أَحدهمَا: العثري، وَهُوَ الَّذِي يُؤْتى بِمَاء الْمَطَر إِلَيْهِ حَتَّى يسْقِيه. وَإِنَّا سمي عثريا لأَنهم يجْعَلُونَ فِي مجْرى السَّيْل عاثورا، فَإِذا صدمه الماد ترَاد فَدخل فِي تِلْكَ المجاري حَتَّى يبلغ النَّحْل ويسقيه، وَلَا يخْتَلف النَّاس فِي العثري أَنه العذي. وَالنَّوْع الآخر من العذي البعل، فَمن البعل مَا يفتح إِلَيْهِ المَاء عَن مجاري السُّيُول بِغَيْر عواثير، وَمِنْه مَا لَا يبلغهُ المَاء، فالسماء تسقيه بالمطر. [15] وَقَوله: " مَا سقِِي بالنضح " أَي بِالْإِبِلِ وَالْبَقر. وأصل النَّضْح رش المَاء على الشَّيْء. وَالْمرَاد من هَذَا الحَدِيث بَيَان قدر الْحق الْوَاجِب، وَأَنه يخْتَلف بالكلف وَعدمهَا. وَقد بَين مِقْدَار مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة فِي أَحَادِيث أخر، سَيَأْتِي فِي مُسْند جَابر وَأبي سعيد وَغَيرهمَا، مثل قَوْله: " لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أَو سُقْ صَدَقَة " وَهَذَا قَول جُمْهُور الْعلمَاء. وَأما أَبُو حنيفَة الحديث: 1177 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر النّصاب فِي المعشرات أخذا بِظَاهِر هَذَا الحَدِيث. 1178 - / 1412 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " إِنَّمَا بقاؤكم فِيمَا سلف قبلكُمْ من الْأُمَم كَمَا بَين صَلَاة الْعَصْر إِلَى غرُوب الشَّمْس ". [15] قَوْله: " إِنَّمَا بقاؤكم " إِشَارَة إِلَى قرب الْقِيَامَة وَقلة مَا بَقِي من الدُّنْيَا. فَأَما " التَّوْرَاة " فَكَانَ الْفراء يَجْعَلهَا من روى الزند يري: إِذا خرجت ناره، وأوريته، يُرِيد أَنَّهَا ضِيَاء. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَفِيه لُغَة أُخْرَى: وري يري، وَيُقَال: وريت لَك زنادي. [15] قَالَ الْفراء: " وَالْإِنْجِيل " من نجلت الشَّيْء: إِذا أخرجته، وَولد الرجل نجله، كَأَنَّهُ هُوَ استخرجه. وَيُقَال: قبح الله ناجليه: أَي وَالِديهِ، وَقيل للْمَاء يظْهر من النز: نجل، يُقَال: قد استنجل الْوَادي. وإنجيل " إفعيل " من ذَلِك، كَأَن الله أظهر بِهِ عافيا من الْحق دارسا. وقرأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: الْإِنْجِيل أعجمي مُعرب، قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: إِن كَانَ عَرَبيا فاشتقاقه من النجل: وَهُوَ ظُهُور المَاء على وَجه الأَرْض واتساعه. ونجلت الشَّيْء: إِذا استخرجته وأظهرته. فالإنجيل مستخرج بِهِ عُلُوم وَحكم. قَالَ: وَقيل: هُوَ " إفعيل " من النجل، وَهُوَ الأَصْل، فالإنجيل أصل لعلوم وَحكم. [15] فَأَما " الْقُرْآن " فَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: هُوَ من قَوْلك: مَا قَرَأت النَّاقة الحديث: 1178 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 سلى قطّ: أَي مَا ضمت فِي رَحمهَا ولدا، وَأنْشد أَبُو عُبَيْدَة: ( ... ... ... هجان اللَّوْن لم تقْرَأ جَنِينا) [15] وَإِنَّمَا سمي قُرْآنًا لِأَنَّهُ جمع السُّور وَضمّهَا. [15] ومقصود الحَدِيث تَفْضِيل هَذِه الْأمة وتوفير أجرهَا مَعَ قلَّة عَملهَا، وَإِنَّمَا فضلت لقُوَّة يقينها ومراعاة اصل دينهَا، فَإِن زلت فَأكْثر زللها من الْفُرُوع جَريا بِمُقْتَضى الطباع لَا قصدا للمخالفة، ثمَّ تتداركه بالاعتراف الماحي للاقتراف. وَعُمُوم زلل من قبلهم كَانَ فِي الْأُصُول والمعاندة للشرائع، كَقَوْلِهِم: {اجْعَل لنا إِلَهًا} [الْأَعْرَاف: 138] وكامتناعهم من أَخذ الْكتاب حَتَّى نتق الْجَبَل فَوْقهم. وَلَقَد عرضت لَهُم غزَاة فِي مُدَّة دهرهم فَقَالُوا: {فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا} [الْمَائِدَة: 24] وَقد علم مَا كَانَت الصَّحَابَة تؤثره وتزدحم عَلَيْهِ من حب الشَّهَادَة. 1179 - / 1413 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى بني جذيمة فَلم يحسنوا أَن يَقُولُوا أسلمنَا، فَقَالُوا: صبأنا صبأنا، فَقَتلهُمْ وأسرهم، فَذكر ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا صنع خَالِد ". [15] صبأنا: أَي خرجنَا من ديننَا. يُقَال: صَبأ الْبَعِير: إِذا خرج. الحديث: 1179 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 وَأَرَادُوا أَنا قد خرجنَا من ديننَا إِلَى دينك، فَلم يفهم مُرَادهم، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يستثبت. 1180 - / 1414 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا رفع رَأسه من الرَّكْعَة الْآخِرَة من الْفجْر يَقُول: " اللَّهُمَّ الْعَن فلَانا وَفُلَانًا " فَأنْزل الله تَعَالَى: {لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء} [آل عمرَان: 128] . [15] معنى الْآيَة: لَيْسَ لَك من استصلاحهم وَلَا من عَذَابهمْ شَيْء، وَإِنَّمَا عَلَيْك أَن تبلغ. 1181 - / 1415 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " مَفَاتِيح الْغَيْب خمس ". [15] قَالَ ابْن جرير: المفاتيح جمع مِفْتَاح. والمفاتح جمع مفتح. [15] وَأما الْغَيْب فَهُوَ مَا غَابَ عَن الْخلق، وَلَا غيب عِنْد الله عز وَجل. [15] وَقَوله: {وَمَا تغيض الْأَرْحَام} [الرَّعْد: 8] أَي تنقص. وللمفسرين فِي معنى الْكَلَام أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: تغيض بِالْوَضْعِ لأَقل من تِسْعَة أشهر وتزداد بِالْوَضْعِ لأكْثر من تِسْعَة أشهر، رَوَاهُ الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: تغيض بِالسقطِ النَّاقِص وتزداد بِالْوَلَدِ التَّام، رَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّالِث: تغيض بإراقة الدَّم فِي الْحمل حَتَّى يتضاءل الْوَلَد، وتزداد إِذا أسكت الدَّم فيعظم الْوَلَد، قَالَه مُجَاهِد. وَالرَّابِع: تغيض من وَلدته من قبل وتزداد من تلده من بعد، قَالَه قَتَادَة. 1182 - / 1416 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: أَن ابْن عمر كَانَ يَرْمِي الحديث: 1180 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 الْجَمْرَة الدُّنْيَا بِسبع حَصَيَات، ثمَّ يتَقَدَّم فيسهل. [15] أما الْجَمْرَة الدُّنْيَا فَهِيَ الأولى، وَهِي الَّتِي تلِي مَسْجِد الْخيف، وَهِي الْأَقْرَب إِلَى عَرَفَات. وَالسّنة أَن يَجْعَلهَا عَن يسَاره وَيسْتَقْبل الْقبْلَة ويرميها، ثمَّ يتَقَدَّم عَنْهَا إِلَى مَوضِع لَا تصيبه الْحَصَى، وَيقف بِقدر قِرَاءَة سُورَة الْبَقَرَة يَدْعُو الله تَعَالَى. وَمعنى يسهل: يطْلب سهل الأَرْض، وَهُوَ المنخفض. ثمَّ يَرْمِي الْجَمْرَة الْوُسْطَى ويجعلها عَن يَمِينه، وَيسْتَقْبل الْقبْلَة، وَيفْعل فِي الْوُقُوف وَالدُّعَاء كَمَا فعل فِي الأولى، ثمَّ يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة ويجعلها عَن يَمِينه، ويستبطن الْوَادي، وَيسْتَقْبل الْقبْلَة وَلَا يقف عِنْدهَا. 1183 - / 1417 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: جَاءَ ابْن عمر يَوْم عَرَفَة حِين زَالَت الشَّمْس فصاح عِنْد سرادق الْحجَّاج فَقَالَ: الرواح إِن كنت تُرِيدُ السّنة. [15] السرادق: كل مَا أحَاط بِشَيْء نَحْو المضرب والخباء. وقرأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: السرادق فَارسي مُعرب، وَأَصله بِالْفَارِسِيَّةِ سرادار: وَهُوَ الدهليز، قَالَ الفرزدق: (تمنيتهم حَتَّى إِذا مَا لقيتهم ... تركت لَهُم قبل الضراب السرادقا) [15] وَقَوله: أقصر الْخطْبَة. من السّنة أَنه إِذا زَالَت الشَّمْس خطب الإِمَام خطْبَة يعلم النَّاس فِيهَا مناسكهم، من مَوضِع الْوُقُوف وَوَقته، وَدفعه من عَرَفَات، وَمَوْضِع صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء بِمُزْدَلِفَة، وَالْمَبِيت بهَا، والعدو الحديث: 1183 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 إِلَى منى للرمي، وَالطّواف والنحر، وَالْمَبِيت بمنى لرمي الْجمار، ثمَّ يَأْمر بِالْأَذَانِ، وَينزل فَيصَلي بِالنَّاسِ الظّهْر وَالْعصر، يجمع بَينهمَا بِإِقَامَة لكل صَلَاة. 1184 - / 1418 وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: دخلت على حَفْصَة ونوساتها تنطف، قلت: قد كَانَ من أَمر النَّاس مَا تَرين، فَلم يَجْعَل لي من الْأَمر شَيْء. فَقَالَت: الْحق فَإِنَّهُم ينتظرونك، وأخشى أَن يكون فِي احتباسك عَنْهُم فرقة. فَلم تَدعه حَتَّى ذهب. فَلَمَّا تفرق النَّاس خطب مُعَاوِيَة فَقَالَ: من كَانَ يُرِيد أَن يتَكَلَّم فِي هَذَا الْأَمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أَحَق بِهِ مِنْهُ وَمن أَبِيه. فحللت حبوتي، فهممت أَن أَقُول: أَحَق بِهَذَا الْأَمر مِنْك من قَاتلك على الْإِسْلَام. فَخَشِيت أَن أَقُول كلمة تفرق بَين الْجمع وتسفك الدَّم، فَذكرت مَا أعد الله فِي الْجنان. فَقيل لَهُ: عصمت. [15] قَوْله: ونوساتها تنطف، قد فسرناه فِي مُسْند عمر. [15] قَوْله: قد كَانَ من أَمر النَّاس مَا كَانَ، وَلم يَجْعَل لي من الْأَمر شَيْء. أَشَارَ إِلَى جعل عمر الْخلَافَة شُورَى فِي سِتَّة وَلم يَجْعَل لَهُ من الْأَمر شَيْء. فَقَالَت لَهُ: الْحق، فَإِنَّهُم ينتظرونك. هَذَا لِأَن عمر قَالَ: يشهدكم عبد الله وَلَيْسَ لَهُ من الْأَمر شَيْء. وَهَذِه حِكَايَة الْحَال الَّتِي جرت فِي زمن عمر. الحديث: 1184 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 [15] وَقَوله: فَلَمَّا تفرق النَّاس خطب مُعَاوِيَة. كَانَ هَذَا فِي زمن مُعَاوِيَة، وإرادته أَن يَجْعَل ابْنه يزِيد ولي عَهده. [15] وَقَوله: من أَرَادَ أَن يتَكَلَّم فِي هَذَا الْأَمر. يَعْنِي الْخلَافَة. فليطلع لنا قرنه: أَي فليرنا وَجهه. [15] وَقَوله: فحللت حبوتي: إِذا جمع الرجل ظَهره وساقيه سَوَاء فَهِيَ الحبوة وَقد احتبى. وَإِنَّمَا حل حبوته ليَتَكَلَّم وَيرد على مُعَاوِيَة، فخاف أَن يكون قَوْله سَببا لتفريق الْجَمَاعَة، فَذكر ثَوَاب الله تَعَالَى فَسكت. [15] وَقَوله: عصمت. يُقَال: عصم فلَان: إِذا منع بِالْقدرِ من شَيْء لَو فعله لم تحمد عاقبته. 1185 - / 1419 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: قَالَ ابْن عمر: الصّيام لمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج إِلَى يَوْم عَرَفَة، فَإِن لم يجد هَديا وَلم يصم صَامَ أَيَّام منى. [15] صفة التَّمَتُّع: أَن يحرم بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج ويفرغ مِنْهَا، ثمَّ يحرم بِالْحَجِّ من مَكَّة فِي عَامه. فَهَذَا يجب عَلَيْهِ دم، فَإِن لم يجد صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج آخرهَا يَوْم عَرَفَة. كَذَلِك قَالَ عَليّ وَالْحسن وَطَاوُس وَسَعِيد بن جُبَير. وَقَالَ عَطاء: لَا يَصُوم الثَّلَاثَة الْأَيَّام إِلَّا فِي الْعشْرَة. وَقَالَ الثَّوْريّ: إِن شَاءَ صامهن متفرقات والوصال أحب إِلَيّ. فَإِن لم يصم الثَّلَاثَة الْأَيَّام قبل يَوْم النَّحْر فَاخْتَلَفُوا فِيمَا يصنع: فقد ذكرنَا عَن ابْن عمر أَنه يَصُوم أَيَّام منى، وَنَقله الْمَيْمُونِيّ عَن أَحْمد بن الحديث: 1185 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 حَنْبَل. وَقَالَ آخَرُونَ: يَصُوم بعد أَيَّام التَّشْرِيق، قَالَه عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. وَرَوَاهُ الْمروزِي عَن أَحْمد، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. 1186 - / 1420 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: قَول جِبْرِيل: إِنَّا لَا ندخل بَيْتا فِيهِ صُورَة وَلَا كلب. قد سبق بَيَانه فِي مُسْند أبي طَلْحَة 1187 - / 1421 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: قَالَ ابْن عمر: رُبمَا ذكرت قَول الشَّاعِر وَأَنا أنظر إِلَى وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَسْقِي، وَمَا ينزل حَتَّى يَجِيش كل ميزاب: (وأبيض يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ ... ثمال الْيَتَامَى عصمَة للأرامل) [15] قَوْله: يَجِيش، من قَوْلهم: جَاشَتْ الْقدر: إِذا غلت. وَقَوله: ثمال الْيَتَامَى: أَي معتمدهم وملجأهم. وَقَوله: عصمَة للأرامل: أَي يمتنعون بِهِ من الْحَاجة والشدة. والأرامل يَقع على الرِّجَال وَالنِّسَاء، قَالَ الشَّاعِر: (هذي الأرامل قد قضيت حَاجَتهَا ... فَمن لحَاجَة هَذَا الأرمل الذّكر) 1188 - / 1422 وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: " رَأَيْت امْرَأَة ثائرة الرَّأْس خرجت من الْمَدِينَة حَتَّى نزلت مهيعة، فتأولتها: أَن وباء الْمَدِينَة الحديث: 1186 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 نقل إِلَى مهيعة " وَهِي الحجفة. [15] قَوْله: " ثائرة الرَّأْس " يَعْنِي أَن شعرهَا منتشر غير مرجل. [15] والحجفة من قَوْلك: سيل جحاف: إِذا جرف كل شَيْء. وَيُقَال: اجتحف مَا فِي الْقَصعَة: إِذا أكله، وأنشدوا: (وجحفتم جحف الخريز ونمتم ... وَبَنُو صَفِيَّة ليلهم لَا يهجع) [15] وَكَانَت الْجحْفَة حِينَئِذٍ مسكن الْيَهُود. 1189 - / 1423 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: " من أَخذ شبْرًا من الأَرْض بِغَيْر حَقه خسف بِهِ يَوْم الْقِيَامَة إِلَى سبع أَرضين " قد فسرنا هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند سعيد بن زيد. 1190 - / 1424 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقِي زيد بن عَمْرو بن نفَيْل قبل أَن ينزل الْوَحْي، فَقدم إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سفرة فِيهَا لحم، فَقَالَ زيد: إِنِّي لَا آكل مِمَّا تذبحون على أنصابكم، وَلَا آكل إِلَّا مَا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ. [15] كَانَ زيد بن عَمْرو بن نفَيْل يطْلب الدّين، وَخرج إِلَى الشَّام فِي طلبه، وَلَقي عُلَمَاء الْيَهُود وسألهم، فَدَعوهُ إِلَى دينهم فَأبى، وَقَالَ: أَنا على دين إِبْرَاهِيم، وَكَانَ إِنْكَاره على قُرَيْش مَا هم فِيهِ من قُوَّة يقظته وجودة فهمه، وَمن اسْتعْمل عقله وفهمه دله على الْخَالِق سُبْحَانَهُ، الحديث: 1189 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 وَمنعه من إِضَافَة شريك وند. [15] وَقَوله: لَا آكل مِمَّا تذبحون على أنصابكم. الأنصاب: الْأَصْنَام. وَقَالَ ابْن جريج: هِيَ حِجَارَة كَانُوا يذبحون عَلَيْهَا ويعظمونها. [15] وَرُبمَا ظن ظان أَن رَسُول الله كَانَ يَأْكُل مِمَّا يذبح على النصب، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن الله سُبْحَانَهُ عصمه عَن ذَلِك وَعَن أكل لحم الْميتَة، وَكَانَ يتبع شَرِيعَة إِبْرَاهِيم. بلَى، إِن الظَّاهِر أَنه كَانَ يَأْكُل مِمَّا يذبحونه لنفسهم، وَيرى أَن الذكاء قد وَقعت بفعلهم، وَلَا يَتَّسِع لَهُ أَن يذبح لنَفسِهِ فِي كل وَقت، وَإِنَّمَا ظن زيد فِيهِ أَنه يَأْكُل من ذَلِك. 1191 - / 1426 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: " لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا ". [15] وَقد شرحناه فِي مُسْند سعد. 1192 - / 1427 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: أَن ابْن عمر كره أَن تعلم الصُّورَة. [15] أَي أَن يَجْعَل فِيهَا عَلامَة، وَهِي السمة فِي الْوَجْه. 1193 - / 1430 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: " إِن النَّاس يصيرون جثا، كل أمة تتبع نبيها تَقول: اشفع يَا فلَان، اشفع، حَتَّى تَنْتَهِي الشَّفَاعَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذَلِك يَوْم يَبْعَثهُ الله الْمقَام الْمَحْمُود ". الحديث: 1191 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 [15] قَوْله " جثا " أَي جماعات مجتمعة، الْوَاحِدَة جثوَة بِضَم الْجِيم، وكل شَيْء مَجْمُوع فَهُوَ جثوَة. وَأما الجثى فَهُوَ جمع جاث على رُكْبَتَيْهِ. وَسمعت أَبَا مُحَمَّد بن الخشاب يَقُول: إِنَّمَا هُوَ جثى بِالتَّشْدِيدِ، وَهُوَ جمع جاث، كغاز وغزى. قَالَ: وَجَثَا مُخَفّفَة جمع جثوَة، وَلَا معنى لَهَا هَاهُنَا. [15] وَالْمقَام الْمَحْمُود: الشَّفَاعَة. 1194 - / 1432 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: " لَو يعلم النَّاس مَا فِي الْوحدَة مَا سَار رَاكب وَحده بلَيْل أبدا ". [15] قد جَاءَ فِي الحَدِيث: أَن لله تَعَالَى خلقا يبثهم بِاللَّيْلِ. وَقد أَمر بالاحتراز من أُولَئِكَ. فَأخْبرنَا ابْن الْحصين قَالَ: أخبرنَا ابْن الْمَذْهَب قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن جَعْفَر قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي عدي قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَق عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن عَطاء بن يسَار عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا سَمِعْتُمْ نباح الْكلاب ونهاق الْحمير فتعوذوا بِاللَّه، فَإِنَّهَا ترى مَالا ترَوْنَ، وأقلوا الْخُرُوج إِذا هدأت الرجل، فَإِن الله عز وَجل يبث فِي ليله من خلقه مَا شَاءَ. وأجيفوا الْأَبْوَاب، واذْكُرُوا اسْم الله عَلَيْهَا، فَإِن الشَّيْطَان لَا يفتح بَابا أجيف وَذكر اسْم الله عَلَيْهَا " وَفِي الحَدِيث تَنْبِيه على خطأ جهلة المتزهدين فِي سياحاتهم الحديث: 1194 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 بِاللَّيْلِ ومشيهم فِي الظُّلُمَات على الْوحدَة. 1195 - / 1433 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: إِن نَاسا قَالُوا لَهُ: إِنَّا ندخل على سلطاننا فَنَقُول لَهُم بِخِلَاف مَا نتكلم بِهِ إِذا خرجنَا من عِنْدهم. قَالَ: كُنَّا نعد هَذَا نفَاقًا فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] النِّفَاق: مُخَالفَة الْبَاطِن للظَّاهِر، وَمَا كَانَ هَذَا مِمَّا يحْتَاج إِلَى اسْتِعْمَاله فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا حدثت وُلَاة جورة، فَمن اضْطر إِلَى اسْتِعْمَال المعاريض فِي لقائهم لم يكن ذَلِك نفَاقًا. 1196 - / 1434 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: أَنه ذكر الحرورية، وَأَنَّهُمْ يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَام. [15] وَقد سبق فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. 1197 - / 1435 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: شَبكَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصَابِعه وَقَالَ: " كَيفَ أَنْت يَا عبد الله بن عَمْرو إِذا بقيت فِي حثالة من النَّاس ". [15] حثالة كل شَيْء: رديئه وثفله. [15] ومرجت بِكَسْر الرَّاء، وَمَعْنَاهُ اخْتلطت عهودهم وَلم يفوا بهَا. وَإِنَّمَا شَبكَ أَصَابِعه ليمثل اختلاطهم. [15] وقدوله: " تقبل على خاصتك " أَي مَا يخصك ويلزمك النّظر فِيهِ. الحديث: 1195 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 وَيحْتَمل أَن يُرِيد بالخاصة الْخَواص الَّذين يفهمون عَنهُ، وَلذَلِك قَالَ: " ودعهم وعوامهم " أَي: وَمن لَا يفهم عَنْك. 1198 - / 1437 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْعِشْرين: أَن ابْن عمر كَانَ ينَام وَهُوَ عزب فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. [15] قَالَ ابْن فَارس: العزب: الَّذِي لَا أهل لَهُ. [15] وَفِي هَذَا الحَدِيث جَوَاز بيتوتة الرجل فِي الْمَسْجِد، وَلَا يُقَال: قد اتَّخذهُ دَارا، وَلَا إِنَّه رُبمَا أجنب. 1199 - / 1439 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: إِن فرسا لعبد الله عَار. [15] أَي ند وَذهب. 1200 - / 1440 - وَفِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ: عَن ابْن عمر: {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} [الْبَقَرَة: 223] يَأْتِيهَا فِيهِ. [15] قد ظن أَقوام جَوَاز إتْيَان الْمَرْأَة فِي الدبر، وَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَة وَتَفْسِير ابْن عمر لَهَا. وَلَيْسَ فِي الْآيَة دَلِيل، وَلَا فِي تَفْسِير ابْن عمر لفظ صَرِيح. وَظَاهر قَوْله: يَأْتِيهَا فِيهِ: أَنه يَعْنِي الْحَرْث أَو الْفرج. وَفِي بعض أَلْفَاظ الصَّحِيح: يَأْتِيهَا فِي. قَالَ الرَّاوِي: يَعْنِي: فِي الْفرج. وَقد حُكيَ عَن مَالك جَوَاز ذَلِك، وَعَامة أَصْحَابه يُنكرُونَ ثُبُوته عَنهُ. الحديث: 1198 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 وَالدَّلِيل على أَنه لَا يجوز من خَمْسَة أوجه: أَحدهَا: أَنه سَيَأْتِي فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث جَابر: كَانَت الْيَهُود تَقول: إِذا جَامعهَا من وَرَائِهَا جَاءَ الْوَلَد أَحول، فَنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} فقد بَان الْمَقْصُود من (أَنى) . [15] وَالثَّانِي: أَن لَفْظَة (أَنى) يخْتَلف مَعْنَاهَا على ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن تكون بِمَعْنى كَيفَ. وَالثَّانِي: بِمَعْنى مَتى. وَالثَّالِث: بِمَعْنى من أَيْن. فَإِن قُلْنَا: هِيَ بِمَعْنى كَيفَ فسبب الْآيَة يؤكده، وَالْمعْنَى: كَيفَ شِئْتُم مقبلة أَو مُدبرَة وعَلى كل حَال، إِلَّا أَن الْإِتْيَان يكون فِي الْفرج، وَهَذَا تَفْسِير ابْن عَبَّاس وَمُجاهد فِي خلق كثير. وَإِن قُلْنَا: إِنَّهَا بِمَعْنى مَتى، فَالْمَعْنى: أَي وَقت شِئْتُم، وَهَذَا تَفْسِير ابْن الْحَنَفِيَّة وَالضَّحَّاك. وَإِن قُلْنَا: إِنَّهَا بِمَعْنى من أَيْن، فَالْمَعْنى: إِن شِئْتُم من بَين يَديهَا، وَإِن شِئْتُم من وَرَائِهَا، وَهَذَا يرجع إِلَى القَوْل الأول. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أَنى يكون بِمَعْنى كَيفَ، وَيكون بِمَعْنى من أَيْن، والمعنيان متقاربان، وَيجوز أَن يتَأَوَّل فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا الآخر، قَالَ الْكُمَيْت: (أَنى وَمن أَيْن آبك الطَّرب ... من حَيْثُ لَا صبوة وَلَا ريب) [15] وَالثَّالِث: أَن الْآيَة دلّت على مَوضِع الْإِتْيَان بقوله: {فَأتوا حَرْثكُمْ} وَمَوْضِع الزَّرْع إِنَّمَا هُوَ مَكَان الْوَلَد لِأَن الْوَلَد مشبه بالنبات، فمل يجز أَن يَقع الْوَطْء فِي مَحل لَا يكون مِنْهُ ولد. [15] وَالرَّابِع: أَنه قد رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّهْي عَن هَذَا: عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَجَابِر وَعبد الله بن عمر وَابْن عَبَّاس والبراء بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 عَازِب وَعقبَة بن عَامر وَخُزَيْمَة ابْن ثَابت وَأَبُو هُرَيْرَة، وَفِي لفظ حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " مَلْعُون من أَتَى النِّسَاء فِي أدبارهن ". وَقد ذكرت هَذِه الْأَحَادِيث بأسانيدها فِي كتاب " تَحْرِيم الْمحل الْمَكْرُوه " وَذكرت هُنَاكَ نهي جمَاعَة من الصَّحَابَة عَنهُ، مِنْهُم ابْن مَسْعُود وَأبي بن كَعْب وَأَبُو الدَّرْدَاء وَابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة، وَمن التَّابِعين الْحسن وَمُجاهد وَعِكْرِمَة، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. وَلَا يَصح عَن مَالك. وَالْخَامِس: أَن تَحْرِيم إتْيَان الْحَائِض كَانَ لعِلَّة الْأَذَى، والأذى ملازم لهَذَا الْمحل لَا يُفَارِقهُ. 1201 - / 1441 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ: عَن ابْن عمر: {فديَة طَعَام مِسْكين} [الْبَقَرَة: 184] قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَة. [15] كَانَ الْإِنْسَان يُخَيّر بَين أَن يَصُوم رَمَضَان وَبَين أَن يفتدي، فَنزل قَوْله تَعَالَى: {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} [الْبَقَرَة: 185] فنسخت تِلْكَ الْآيَة. 1202 - / 1445 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ: أَن ابْن عمر ذكر لَهُ أَن سعيد بن زيد مَرِيض، فَركب إِلَيْهِ وَترك الْجُمُعَة. [15] سعيد هُوَ ابْن ابْن عَم ابْن عمر بن الْخطاب؛ لِأَن عمر هُوَ ابْن الحديث: 1201 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 584 الْخطاب بن نفَيْل، وَسَعِيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل، وَهُوَ زوج فَاطِمَة بنت الْخطاب أُخْت عمر. [15] وَمن الْأَعْذَار الَّتِي يجوز لَهَا ترك الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة أَن يكون للْإنْسَان قرَابَة يخَاف مَوته وَيُرِيد أَن يحضرهُ. 1203 - / 1446 وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ: قَالَ ابْن عمر: إِذا مَضَت أَرْبَعَة أشهر يُوقف حَتَّى يُطلق، وَلَا يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق حَتَّى يُطلق. يَعْنِي المؤلي. [15] اخْتلف الْعلمَاء فِيمَا إِذا مَضَت على المؤلي أَرْبَعَة أشهر، فَقَالَ قوم: إِذا لم يفء قبل مضيها ثمَّ تمت أَرْبَعَة أشهر لحقت الْمَرْأَة تطليقه وَاحِدَة. ثمَّ اخْتلفُوا، فَقَالَ: بَعضهم: رَجْعِيَّة، وَقَالَ بَعضهم: بَائِنَة. وَقد رُوِيَ عَن عمر أَنه قَالَ: إِذا مَضَت أَرْبَعَة أشهر فَهِيَ تَطْلِيقَة، وَكَذَلِكَ عَن عُثْمَان وَعلي قَالَا: هِيَ تَطْلِيقَة بَائِنَة. وَعَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِذا انْقَضتْ الْأَرْبَعَة الْأَشْهر خطبهَا وَأَمْهَرهَا مهْرا جَدِيدا. وَقَالَ قوم: إِذا مَضَت الْأَرْبَعَة الْأَشْهر اسْتحق عَلَيْهِ أَن يفِيء أَو يطق. رُوِيَ عَن عمر أَيْضا وَعُثْمَان وَعلي وَسَهل بن سعد. وَقد ذَكرْنَاهُ وَعَن ابْن عمر. وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. 1204 - / 1449 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ: وَعمر يستلئم لِلْقِتَالِ. الحديث: 1203 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 [15] استلأم الرجل يستلئم: إِذا لبس اللأمة، بِالْهَمْز: وَهِي الدرْع، وَجمع لؤم على غير قِيَاس. 1205 - / 1450 - وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين: أَن الْمَسْجِد كَانَ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُبينًا بِاللَّبنِ، وسقفه بِالْجَرِيدِ. [15] الجريد: سعف النّخل، الْوَاحِدَة جَرِيدَة، وَسميت بذلك لِأَنَّهُ قد جرد عَنْهَا الخوص. [15] والعمد: مَا يكون تَحت السَّطْح يدعمه. وَالْمرَاد بخشب النّخل: الْجُذُوع. [15] والقصة: الجص. يُقَال: قصصت الْبيُوت: إِذا جصصتها. والتقصيص: التجصيص. وَقَالَ الْخطابِيّ: الْقِصَّة: شَيْء يشبه الجص وَلَيْسَ بِهِ. 1206 - / 1451 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ: كَانَ ابْن عمر إِذا سُئِلَ عَن نِكَاح النَّصْرَانِيَّة أَو الْيَهُودِيَّة قَالَ: إِن الله تَعَالَى حرم المشركات. [15] هَذَا مَذْهَب لَا يلْتَفت إِلَيْهِ؛ لِأَن الْآيَة ترده، وَهِي قَول الله عز وَجل: (وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ [الْمَائِدَة: 5] وَالْإِجْمَاع على خلَافَة. الحديث: 1205 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 1207 - / 1453 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ: كُنَّا نصيب الْعَسَل وَالْعِنَب فنأكله وَلَا نرفعه. [15] أَي لَا نرفعه إِلَى الْقَبْض المخمس. 1208 - / 1454 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: كَانَ ابْن عمر يمر بِالشعبِ الَّذِي أَخذه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيدْخل فينتفض. [15] الشّعب كالزقاق بن الجبلين، أَو كالدرب بَين الدّور، إِلَّا أَنه لَا ينفذ. [15] وَقَوله فينتفض: كنى بِهِ عَن الْحَرَكَة لقَضَاء الْحَاجة، وَالْأَصْل فِي النفض التحريك وإثارة السَّاكِن. 1209 - / 1457 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: رَأَيْت سترا موشيا. [15] الموشي: المخطط بألوان شَتَّى، وكل منسوج على لونين فَصَاعِدا موشي، تَقول: وشيت الثَّوْب أَو شيه وشيا، فَهِيَ موشي وموشى. 1210 - / 1460 وَفِي الحَدِيث الْخمسين: أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة مُؤْتَة زيد بن حَارِثَة. [15] مُؤْتَة بِالْهَمْز: أَرض تقرب من دمشق، وَبهَا كَانَت الْوَقْعَة. وموتة الحديث: 1207 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 بِغَيْر همز: شبه الْجُنُون يعتري الْإِنْسَان، وَالْمِيم مَضْمُومَة فِي الْكَلِمَتَيْنِ. وموتة بِفَتْح الْمِيم: الْوَاحِدَة من الْمَوْت. [15] وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد بعث رَسُولا إِلَى ملك بصرى بِكِتَاب، فَقتل الرَّسُول، فندب النَّاس، فَعَسْكَرَ وَخرج مشيعا، وَقَالَ: " أَمِير النَّاس زيد، فَإِن قتل فجعفر، فَإِن قتل فَابْن رَوَاحَة، فَإِن قتل فليرتص الْمُسلمُونَ بَينهم رجلا " فَلَمَّا قتل الثَّلَاثَة اصْطلحَ النَّاس على خَالِد بن الْوَلِيد. 1211 - / 1461 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْخمسين: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عسب الْفَحْل. [15] قَالَ أَبُو عبيد: العسب: الْكِرَاء الَّذِي يُؤْخَذ على ضراب الْفَحْل، يُقَال: عسبت الرجل أعسبه عسبا: إِذا أَعْطيته الْكِرَاء على ذَلِك. قَالَ: وَقيل: هُوَ الضراب، وَالْأول هُوَ الْوَجْه. [15] وَإِنَّمَا وَقع النَّهْي عَن هَذَا لشيئين: أَحدهمَا: أَنه إِنَّمَا يطْلب مِنْهُ الإلقاح وَقد لَا يلقح، فَيبقى الْمَأْخُوذ بِلَا عوض. وَالثَّانِي: أَن مثل هَذَا يَنْبَغِي للْمُسلمين أَن يتباذلوه بَينهم لِأَنَّهُ من جنس الماعون. وَعَامة الْفُقَهَاء على تَحْرِيم أَخذ الْأُجْرَة على ضراب الْفَحْل. وَقَالَ مَالك: لَا بَأْس أَن يسْتَأْجر الْفَحْل لينزيه مُدَّة مَعْلُومَة، وَإِنَّمَا يبطل إِذا اشْترط أَن ينزيه إِلَى أَن تعلق الرمكة. وَعلل أَصْحَابه بِأَنا لَو منعنَا من هَذَا لَا نقطع النَّسْل؛ لِأَن الْإِنْسَان لَا يسهل عَلَيْهِ إِيعَاب فَحله وإنفاد قواه بِغَيْر عوض، الحديث: 1211 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 وَهَذَا تَعْلِيل يُعَارض النَّص فَلَا يقبل. 1212 - / 1464 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْخمسين: " إِن من الْبَيَان سحرًا ". [15] الْبَيَان على ضَرْبَيْنِ: بَيَان للشَّيْء بِلَفْظ آخر لَا يزِيد على كشف مَعْنَاهُ، وَبَيَان لَهُ بِزِيَادَة أَلْفَاظ رائقة تستميل الْقُلُوب وتحزنها وتطربها، كَمَا أَن السحر يخرج عَن حد الِاعْتِدَال. وَهَذَا إِذا كَانَ اللَّفْظ فِيهِ صدقا وجائزا، وَالْمَقْصُود بِهِ نصر الْحق، كَانَ ممدوحا، فقد كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطيب يلقى بِهِ الوافدين، وَهُوَ ثَابت بن قيس بن شماس، وشاعر وَهُوَ حسان بن ثَابت. وَإِذا كَانَ الْبَيَان على ضد ذَلِك كَانَ الذَّم لذَلِك لَا للفظ، كالشعر فَإِنَّهُ يذم مَا يتضمنه ويمدح، لَا النّظم. 1213 - / 1468 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْخمسين: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَبِيع حَاضر لباد. [15] وَقد تقدم هَذَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1214 - / 1471 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتِّينَ: " أفرى الفرى أَن يري الرجل عَيْنَيْهِ مَا لم تريا ". [15] الفرى جمع فِرْيَة، والفرية: الْكَذِب. وَأَشد الْكَذِب إِخْبَار الرجل الحديث: 1212 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 بِأَنَّهُ رأى فِي الْمَنَام مَا لم يره. وَهَاهُنَا لم يذكر الْمَنَام، وَقد ذكر فِي مُسْند وَاثِلَة بن الْأَسْقَع. [15] وَقد رَوَاهُ أَحْمد فِي " الْمسند " مُفَسرًا، وَقد بَينا فِيمَا تقدم أَنه إِنَّمَا اشْتَدَّ الْأَمر فِي كذب من يكذب فِي مَنَامه؛ لِأَن الْمَنَام جُزْء من الْوَحْي، فَكَأَنَّهُ يخبر أَن الله تَعَالَى ألْقى إِلَيْهِ مَا لم يلقه. 1215 - / 1473 وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتِّينَ: " لن يزَال الْمَرْء فِي فسحة من دينه مَا لم يصب دَمًا حَرَامًا ". [15] الْمَعْنى أَنه فِي أَي ذَنْب وَقع كَانَ لَهُ فِي الدّين وَالشَّرْع مخرج إِلَّا الْقَتْل، فَإِن أمره صَعب، ويوضح هَذَا مَا فِي تَمام الحَدِيث عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: إِن من ورطات الْأُمُور الَّتِي لَا مخرج لمن أوقع نَفسه فِيهَا سفك الدَّم الْحَرَام بِغَيْر حلَّة. والورطات جمع ورطة: وَهِي كل بلَاء لَا يكَاد صَاحبه يتَخَلَّص مِنْهُ. يُقَال: تورط واستورط. 1216 - / 1475 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسبْعين: أصَاب ابْن عمر سِنَان الرمْح فِي أَخْمص قدمه، فلزقت بالركاب. [15] أَخْمص الْقدَم: مَا نبا عَن الأَرْض من أَسْفَلهَا. والركاب: مَا يضع الرَّاكِب فِيهِ رجله. أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْبَزَّاز قَالَ: أخبرنَا أَبُو إِسْحَق بن عمر الْبَرْمَكِي قَالَ: أخبرنَا ابْن حيويه قَالَ: الحديث: 1215 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 أخبرنَا ابْن مَعْرُوف قَالَ: حَدثنَا ابْن الْفَهم قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سعد قَالَ: أخبرنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن نَافِع عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ زج رمح رجل من أَصْحَاب الْحجَّاج قد أصَاب رجل ابْن عمر، فاندمل الْجرْح، فَلَمَّا صدر النَّاس انتفض على ابْن عمر. قَالَ ابْن سعد: وَأخْبرنَا سُلَيْمَان بن حَرْب قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب قَالَ: قلت لنافع: مَا كَانَ بَدْء موت ابْن عمر؟ قَالَ: أَصَابَته عارضة محمل بَين إِصْبَعَيْنِ من أَصَابِعه عِنْد الْجَمْرَة فِي الزحام فَمَرض. 1217 - / 1480 وَفِي الحَدِيث السّبْعين: كنت على بكر صَعب. الْبكر من الْإِبِل بِمَنْزِلَة الفتي. والجمل بِمَنْزِلَة الرجل. والصعب خلاف الذلول. 1218 - / 1481 وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسبْعين: لما أسلم عمر قَالُوا: صَبأ عمر، وَأَنا غُلَام فَوق ظهر بَيْتِي. [15] صَبأ بِمَعْنى خرج من دينه إِلَى دين آخر. [15] وَقَوله: وَأَنا غُلَام، قد كَانَ يَوْمئِذٍ ابْن ثَلَاث سِنِين أَو أَربع؛ لِأَن عمر أسلم فِي سنة خمس من النُّبُوَّة، وَقيل: سنة سِتّ، وَأقَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة من النُّبُوَّة ثَلَاث عشرَة، وَعرض عَلَيْهِ ابْن عمر فِي غزَاة أحد وَكَانَت سنة ثَلَاث وَهُوَ ابْن أَربع عشرَة سنة. [15] قَوْله: فجَاء رجل عَلَيْهِ قبَاء ديباج. قد سبق ذكر القباء والديباج. الحديث: 1217 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 [15] وتصدعوا: تفَرقُوا. وَهَذَا الرجل هُوَ أَبُو عَمْرو بن الْعَاصِ. وَقد بَين هَذَا فِي مُسْند عمر، وَأَنَّهُمْ كَانُوا حلفاء فِي الْجَاهِلِيَّة. 1219 - / 1483 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسبْعين: فأرغم الله بأنفك. أَي ألزقه بالرغام وَهُوَ التُّرَاب. [15] وَفِيه: فَإِنَّهُ كَانَت تَحْتَهُ بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعْنِي رقية. 1220 - / 1484 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسبْعين: كُنَّا نتحين أَي نطلب حِين الزَّوَال للرمي، وَهَذَا وَقت رمي الجمرات الثَّلَاث فِي أَيَّام التَّشْرِيق. 1221 - / 1485 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسبْعين: أَن الْحجَّاج بن أَيمن، ابْن أم أَيمن، كَانَ أَخا أُسَامَة لأمة، من الْأَنْصَار، رَآهُ ابْن عمر لَا يتم رُكُوعه، فَقَالَ: أعد. [15] كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد ورث من أَبِيه أم أَيمن وَاسْمهَا بركَة، فَكَانَت تحضنه وتربيه، فَأعْتقهَا حِين تزوج خَدِيجَة، فَتَزَوجهَا عبيد بن زيد من بني الْحَارِث، فَولدت لَهُ أَيمن فصحب الني صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقتل يَوْم حنين وَهَذَا الْحجَّاج الْمَذْكُور فِي الحَدِيث وَلَده. ثمَّ زوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم أَيمن بعد النُّبُوَّة زيد بن حَارِثَة فَولدت لَهُ أُسَامَة. [15] وَقَوله: من الْأَنْصَار، أَي أَن الْحجَّاج من الْأَنْصَار. الحديث: 1219 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 [15] وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على بطلَان الصَّلَاة بترك إتْمَام الرُّكُوع. 1222 - / 1487 وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسبْعين: أَن رجلا سَأَلَ ابْن عمر عَن دم البعوض. [15] الْبَعُوضَة صَغِيرَة البق. [15] وَأما الْعرَاق فقد ذَكرنَاهَا فِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ من هَذَا الْمسند. [15] وَالريحَان: الرزق، وَيُسمى الْوَلَد ريحانا. [15] وَأما قتل الْمحرم للذباب فمباح للْمحرمِ قتل كل مَا فِيهِ مضرَّة كالحية وَالْعَقْرَب والزنبور والبرغوث والبق والذباب والحشرات كلهَا، وَفِي الْقمل والصئبان رِوَايَتَانِ. 1223 - / 1489 وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسبْعين: {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ} [الْبَقَرَة: 284] قَالَ: قد نسخت. وَقد ذكرنَا هَذِه الْآيَة فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1224 - / 1490 وَفِي الحَدِيث الثَّمَانِينَ: قلت لِابْنِ عمر: تصلي الضُّحَى؟ قَالَ: لَا. قلت: فعمر؟ قَالَ: لَا. قلت: فَأَبُو بكر؟ قَالَ: لَا. قلت: فالنبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: لَا إخَاله أَي لَا أَظُنهُ وَالْألف فِي إخَاله مَكْسُورَة. الحديث: 1222 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 [15] وَقد اخْتلف النَّاس: هَل صلى الني صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الضُّحَى أم لَا؟ وَالصَّحِيح أَنه صلى، فَمن روى أَنه صلاهَا فقد رَآهُ، وَمن روى أَنه لم يصلها فَإِنَّهُ لم يره، وَالْإِثْبَات مقدم على النَّفْي. وَسَنذكر حَدِيث الضُّحَى فِي مُسْند أم هانىء؛ فَإِنَّهُ أصح الْأَحَادِيث فِيهَا. 1225 - / 1491 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي والثمانين: سَأَلَ رجل ابْن عمر عَن استلام الْحجر، فَقَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستلمه ويقبله. قَالَ: أَرَأَيْت إِن زحمت؟ أَرَأَيْت إِن غلبت؟ قَالَ: اجْعَل " أَرَأَيْت " بِالْيَمِينِ. [15] استلام الْحجر: لمسه بِالْيَدِ، وَهُوَ من مسنونات الْحَج، وَكَذَلِكَ تقبيله. [15] وَقَوله: اجْعَل " أَرَأَيْت " بِالْيمن. أَي ببلدك، وَالْمعْنَى: احرص على استعمالك السّنة وَلَا تتعلل. 1226 - / 1492 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم. " وَمَا جَاءَك من هَذَا المَال وَأَنت غير مشرف " وَقد سبق تَفْسِيره فِي مُسْند عمر. 1227 - / 1493 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: لَا يأكلن أحد مِنْكُم بِشمَالِهِ. الحديث: 1225 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 [15] لما جعلت الشمَال للاستنجاء ومباشرة الأنجاس، واليمنى لتناول الْغذَاء، لم يصلح اسْتِعْمَال أَحدهمَا فِي شغل الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ حط لرتبة ذِي الرُّتْبَة، وَرفع للمحطوط. فَمن خَالف مَا اقتضته الْحِكْمَة وَافق الشَّيْطَان. [15] وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن الشَّيْطَان يَأْكُل وَيشْرب. وَقد سبق فِي مُسْند ابْن مَسْعُود أَن الْجِنّ سَأَلُوا رَسُول الله الزَّاد فَقَالَ: " لكم كل عظم ذكر اسْم الله عَلَيْهِ يَقع فِيهِ أَيْدِيكُم أوفر مَا يكون لَحْمًا ". 1228 - / 1494 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: بَات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذِي الحليفة مبدأه. أَي: لما خرج إِلَى الْبَادِيَة لِلْحَجِّ. 1229 - / 1495 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: غدونا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من منى إِلَى عَرَفَات، فمنا الملبي، وَمنا المكبر، وَمنا المهلل. [15] الملبي: هُوَ الْقَائِل: لبيْك. والتلبية لَا تقطع إِلَّا مَعَ أول حَصَاة ترمى. والمكبر: هُوَ الْقَائِل: الله أكبر، وَيسن التَّكْبِير مَعَ كل حَصَاة. والمهلل: هُوَ الْقَائِل لَا إِلَه إِلَّا الله. وَمُرَاد الحَدِيث أَنهم انصرفوا متشاغلين بِالذكر. 1230 - / 1496 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " إِن الْإِسْلَام بَدَأَ غَرِيبا وَسَيَعُودُ غَرِيبا كَمَا بَدَأَ وَهُوَ يأرز بَين المسجدين كَمَا تأرز الْحَيَّة إِلَى جحرها ". الحديث: 1228 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 [15] الْمَعْنى: أَنه ظهر بَين جهل بِهِ واستنفار مِنْهُ، وَكَانَت الْعَادَات قد غلبت، فَإِذا رُؤِيَ مَا يُخَالِفهَا أنكر. وَهَكَذَا فِي آخر الزَّمَان، وَهَا نَحن فِي وسط الشّرْب، فَإِن الْعَادَات قد غلبت حَتَّى صَارَت الصَّلَوَات والمعاملات عادات يعْمل بمقتضاها سَوَاء وَافَقت الْمَشْرُوع أوخالفت، وَصَارَ قَول الْعلمَاء غَرِيبا، والمشروع مستنكرا، وَالله الْمُسْتَعَان. [15] وَقَوله: " يأرز " قَالَ أبوعبيد: أَي يَنْضَم ويجتمع بعضه إِلَى بعض، قَالَ رؤبة. (فَذَاك بخال أروز الْأرز ... ) [15] أَي لَا ينبسط للمعروف، وَلَكِن يَنْضَم بعضه إِلَى بعض. [15] والمسجدان مَكَّة وَالْمَدينَة. وَقد ضمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَا يدخلهما الدَّجَّال. 1231 - / 1498 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: جَاءَ ابْن عمر إِلَى عبد الله ابْن مُطِيع حِين كَانَ من أَمر الْحرَّة مَا كَانَ، فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " من خلع يدا من طَاعَة لَقِي الله يَوْم الْقِيَامَة وَلَا حجَّة لَهُ ". [15] كَانَ أهل الْمَدِينَة قد خلعوا يزِيد وَجعلُوا عبد الله بن حَنْظَلَة أَمِيرا على الْأَنْصَار، وَعبد الله بن مُطِيع أَمِيرا على قُرَيْش، وَمَعْقِل بن سِنَان أَمِيرا على الْمُهَاجِرين، فَلم ير ابْن عمر خلع يزِيد بعد أَن بُويِعَ لَهُ. الحديث: 1231 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 وَقد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند عبد الله بن زيد. [15] وَقَوله: " ميتَة جَاهِلِيَّة " قَالَ الْخطابِيّ: الْميتَة مَكْسُورَة الْمِيم يَعْنِي الْحَالة الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا، فَهِيَ كالقعدة والجلسة وَالركبَة، يُرَاد بهَا الْحَال والهيئة. وَالْميتَة بِالْفَتْح: اسْم للحيوان إِذا مَاتَ. [15] والجاهلية يعبر بهَا عَن التناهي فِي الْجَهْل. [15] وَقد سبق بَيَان مَا بعد هَذَا إِلَى: 1232 - / 1503 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: وَفِيه: " مثل الْمُنَافِق كَمثل الشَّاة العائرة بَين الْغَنَمَيْنِ ". [15] يَعْنِي الذاهبة إِلَى هَذِه مرّة وَإِلَى هَذِه مرّة، لَا تَسْتَقِر فِي إِحْدَاهمَا. وَكَذَلِكَ الْمُنَافِق يصير إِلَى الْمُسلمين بِاللَّفْظِ وَيعود إِلَى الْمُشْركين بِالْعقدِ. 1233 - / 1506 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: كَانَ ابْن عمر يستجمر بالألوة غير مطراة، وبكافور يطرحه مَعَ الألوة. [15] يستجمر " يستفعل " من المجمر. وَالْمعْنَى: يتبخر. قَالَ الْأَصْمَعِي: الألوة: الْعود الَّذِي يتبخر بِهِ. قَالَ الْأَصْمَعِي: وأظنها فارسية عربت. وَقَالَ أَبُو عبيد: هِيَ معربة، وفيهَا لُغَتَانِ: ألوة وألوة، بِفَتْح الْهمزَة وَضمّهَا. الحديث: 1232 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 [15] وَقَوله: غير مطراة: أَي غير معالجة بِنَوْع آخر من الطّيب؛ لِأَنَّهَا مستغنية بطيبها. 1234 - / 1507 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: " من صَبر على لأوائها " يَعْنِي الْمَدِينَة. [15] واللأواء: الشدَّة. [15] وَقَوله لِلْجَارِيَةِ لكاع، هَذَا يُقَال للْأُنْثَى وللرجل: يالكع. وَيُقَال: لكع الرجل: إِذا لؤم، لكاعة. وَقَالَ أَبُو عبيد: اللكع عِنْد الْعَرَب: العَبْد. وَقَالَ اللَّيْث: هُوَ وصف بالحمق. وَقَالَ غَيره: هُوَ الصَّغِير. وَفِي الحَدِيث: " أَثم لكع " يُرِيد الصَّغِير فِي السن. فَإِذا قيل للكبير أُرِيد الصَّغِير فِي الْعلم والمعرفة. 1235 - / 1509 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: " لَا يحل لمُؤْمِن أَن يهجر أَخَاهُ " قد سبق فِي مُسْند أبي أَيُّوب. 1236 - / 1510 و - فِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: " أعوذ بك من فَجْأَة نقمتك ". [15] المفاجأة: المباغتة على غَفلَة. وَيُقَال: مَاتَ فلَان فَجْأَة: أَي بَغت من غير إنذار بِمَرَض. الحديث: 1234 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 1237 - / 1511 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: قَالَت امْرَأَة جزلة: مالنا أَكثر أهل النَّار؟ [15] يُقَال: رجل جزل، وامراة جزلة: إِذا كَانَت لَهَا قُوَّة فِي الْخطاب والرأي. [15] وَقَوله: " تكثرن اللَّعْن " هَذِه عَادَة كَانَت لَهُنَّ. [15] وَقَوله: " وتكفرن العشير " مُفَسّر فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. [15] وَأما تَفْسِيره لنُقْصَان الْعقل وَالدّين فقد اعْترض عَلَيْهِ قوم فَقَالُوا: هَذَا أَمر لَيْسَ إِلَيْهَا، فَمَا وَجه ذمها بِهِ؟ فَالْجَوَاب: أَنَّهَا وضعت على صفة النَّقْص، فَهِيَ نَاقِصَة وضعا لَا من حَيْثُ الْكسْب. 1238 - / 1513 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: " كل شَيْء بِقدر حَتَّى الْعَجز والكيس ". [15] الْكيس خلاف الْحمق. يُقَال: رجل كيس، وَالْجمع أكياس. وَالْعجز إِنَّمَا يَقع من سوء التَّدْبِير وَقلة الْعقل، وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " الْكيس من دَان نَفسه وَعمل لما بعد الْمَوْت، وَالْعَاجِز من أتبع نَفسه هَواهَا، وَتمنى على الله الْأَمَانِي ". 1239 - / 1514 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: انْشِقَاق الحديث: 1237 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 الْقَمَر. وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 1240 - / 1515 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: أَن رجلا قَالَ لِابْنِ عمر: أيصلح لي أَن أَطُوف بِالْبَيْتِ قبل أَن آتِي الْموقف؟ فَقَالَ: نعم. فَقَالَ: فَإِن ابْن عَبَّاس يَقُول: لَا تطف بِالْبَيْتِ حَتَّى تَأتي الْموقف. فَقَالَ ابْن عمر: فقد حج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَطَافَ بِالْبَيْتِ قبل أَن يَأْتِي الْموقف، فبقول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحَق أَن تَأْخُذ أَو بقول ابْن عَبَّاس إِن كنت صَادِقا؟ . [15] هَذَا الْمَسْأَلَة فِيمَن أحرم بِالْحَجِّ من مَكَّة، هَل يطوف طواف الْقدوم قبل أَن يخرج؟ فَذهب أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ أَنه يطوف حِين يحرم كَمَا قَالَ ابْن عمر. والمنصور من مَذْهَب أَحْمد أَنه لَا يطوف حَتَّى يخرج إِلَى منى وعرفات ثمَّ يرجع فيطوف كَمَا قَالَ ابْن عَبَّاس. وَعَن أَحْمد رِوَايَة كمذهب ابْن عمر. [15] وَقَوله: إِن كنت صَادِقا، ورع مِنْهُ لِئَلَّا يذكر ابْن عَبَّاس بِشَيْء مَا ثَبت عَنهُ 1241 - / 1516 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: " لَا تغلبنكم الحديث: 1240 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 الْأَعْرَاب على اسْم صَلَاتكُمْ. أَلا إِنَّهَا الْعشَاء فِي كتاب الله. وهم يعتمون بحلاب الْإِبِل ". [15] الْعشَاء: أول ظلام اللَّيْل، وَذَلِكَ يكون من حِين غيبوبة الشَّفق. قَالَ الْخَلِيل: الْعَتَمَة من اللَّيْل بعد غيبوبة الشَّفق، وعتم الْقَوْم: سَارُوا فِي ذَلِك الْوَقْت. فعلى هَذَا يكون الْمَكْرُوه تَغْيِير الإسم، وَلذَلِك قَالَ: " إِنَّهَا الْعشَاء فِي كتاب الله تَعَالَى " يُشِير إِلَى قَوْله تَعَالَى: " وَمن بعد صَلَاة الْعشَاء} [النُّور: 58] وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: يعتمون. من عتم اللَّيْل وعتمته: ظلامه. يُقَال: قد عتم اللَّيْل يعتم، وأعتم النَّاس: دخلُوا فِي ظلمَة اللَّيْل، وَإِنَّمَا سميت عتمة باسم عتمة اللَّيْل وَهِي ظلامه، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا يَقع هَذَا الِاسْم على حلاب الْإِبِل لَا على الصَّلَاة. قَالَ الْأَزْهَرِي: معنى الحَدِيث لَا يَغُرنكُمْ فعلهم هَذَا عَن صَلَاتكُمْ فتؤخروها، وَلَكِن صلوها إِذا كَانَ وَقتهَا. وَقد سبق فِي مُسْند عبد الله ابْن مُغفل: " لَا يغلبنكم الْأَعْرَاب على اسْم صَلَاتكُمْ الْمغرب ". فَيجمع الحديثان الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا. 1242 - / 1517 وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: دخل ابْن عمر على ابْن عَامر يعودهُ فَقَالَ: أَلا تَدْعُو لي، فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا يقبل الله صَلَاة بِغَيْر طهُور، وَلَا صَدَقَة من غلُول " الحديث: 1242 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 وَكنت على الْبَصْرَة. [15] ابْن عَامر اسْمه عبد الله، وَهُوَ مَذْكُور فِي الصَّحَابَة، وَقد ذكر فِي الصَّحَابَة رجلَانِ اسْم كل وَاحِد مِنْهُمَا عبد الله بن عَامر، فَلَا بُد من بَيَان هَذَا من هَذَا: [15] أَحدهمَا: عبد الله بن عَامر بن ربيعَة بن مَالك الْعَدوي، ولد على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَبلغ خمس سِنِين أَو سِتّ سِنِين، وَتُوفِّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد رُوِيَ أَنه سمع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وروى عَنهُ، وَلَا يَصح. قَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم: ولد فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسمع مِنْهُ. [15] وَالثَّانِي: عبد الله بن عَامر بن كريز بن ربيعَة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد منَاف، ولد بِمَكَّة بعد الْهِجْرَة بِأَرْبَع سِنِين، فَلَمَّا قدم سَوَّلَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة فِي عمْرَة الْقَضَاء سنة سبع حمل إِلَيْهِ وَهُوَ ابْن ثَلَاث سِنِين، فحنكه، فتلمظ وتئاءب، وتفل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي فِيهِ، فَلهُ رُؤْيَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَلَمَّا ولي عُثْمَان الْخلَافَة ولاه الْبَصْرَة؛ لِأَنَّهُ كَانَ ابْن خَال عُثْمَان؛ لِأَن أم عُثْمَان أروى بنت كريز، فَكَانَ يَوْم ولاه ابْن خمس وَعشْرين سنة. ثمَّ ولاه مُعَاوِيَة بعد عُثْمَان الْبَصْرَة أَيْضا، وَهُوَ الَّذِي جرت لَهُ هَذِه الْقِصَّة مَعَ ابْن عمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 [15] وَالطهُور هُوَ الطَّاهِر فِي نَفسه المطهر لغيره، فَهُوَ من الْأَسْمَاء المتعدية كضروب وشتوم، هَذَا مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. وَقَالَ الْحَنَفِيَّة وَدَاوُد: هُوَ من الْأَسْمَاء اللَّازِمَة بِمَعْنى الطَّاهِر. [15] وأصل الْغلُول أَخذ شَيْء من الْمغنم فِي خُفْيَة، يخان فِيهِ من لَهُ فِيهِ حق. وَلما كَانَ الْوَالِي قد يستأثر بِشَيْء خَافَ أَن يكون فعل ذَلِك، فخوفه الْحَال، فَكَأَنَّهُ يَقُول لَهُ: إِن كنت ظلمت فَمَا ينفعك دعائي. 1243 - / 1518 وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْعِشْرين: فَإِن مَعَه القرين. يَعْنِي الشَّيْطَان. 1244 - / 1520 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اسْتَوَى على بعيره خَارِجا إِلَى سفر كبر ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ: " سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين ". [15] سخر بِمَعْنى ذلل لنا هَذَا المركوب نجري بِهِ حَيْثُ نشَاء. [15] والمقرن: المطيق، قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُقَال: أَنا مقرن لَك: أَي مطيق لَك. قَالَ: وَيُقَال: هُوَ من قَوْلهم: أَنا قرن لفُلَان: إِذا كنت مثله فِي الشدَّة، فَإِذا قلت: أَنا قرن لفُلَان بِفَتْح الْقَاف فَمَعْنَاه أَن يكون مثله فِي السن. الحديث: 1243 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 [15] قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مُقرنين: أَي ضابطين، يُقَال: فلَان مقرن لفُلَان: أَي ضَابِط لَهُ. [15] وَقَوله: اطو لنا الْبعيد وَذَلِكَ يكون بتقصير الْمسَافَة. [15] وَأما الوعثاء فَقَالَ أَبُو عبيد: الوعثاء: شدَّة النصب وَالْمَشَقَّة. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي المآثم. وَاصل الوعثاء من الوعث: وَهُوَ الدهس، يَعْنِي الرمل الْكثير، وَالْمَشْي يصعب فِيهِ على صَاحبه، فَصَارَ مثلا لكل مَا يشق على فَاعله. [15] وَقَوله: " كآبة المنظر " هُوَ سوء الْحَال والانكسار من الْحزن " والمنقلب ": الرُّجُوع. 1245 - / 1521 - وَفِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ: " لَك مماتها ومحياها " الْمَعْنى لَا يملك حَيَاتهَا وموتها إِلَّا أَنْت. 1246 - / 1522 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ: " من ضرب غُلَاما لَهُ حدا لم يَأْته أَو لطمه فَإِن كَفَّارَته أَن يعتقهُ ". [15] إِذا ضرب الْإِنْسَان مَمْلُوكه على هَذَا الْوَصْف كَانَ ظلما، فَلَمَّا بسط يَده إِلَيْهِ ظلما جعلت كَفَّارَة لطمه رفع يَده. 1247 - / ... وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ: " إِن الْفِتْنَة من الحديث: 1245 ¦ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 حَيْثُ يطلع قرنا الشَّيْطَان " وَقد فسرنا هَذَا فِي هَذَا الْمسند. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 (77) كشف الْمُشكل من مُسْند جَابر بن عبد الله بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ شهد الْعقبَة مَعَ السّبْعين، وَأَرَادَ شُهُود بدر فخلفه أَبوهُ على حفظ أخواته، وَكن تسعا، وَخَلفه أَيْضا يَوْم أحد، ثمَّ شهد مَا بعد ذَلِك. وَجُمْلَة مَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألف حَدِيث وخمسائة وَأَرْبَعُونَ. أخرج لَهُ مِنْهَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) مِائَتَان وَعشرَة. 1248 - / 1543 - فِي الحَدِيث الأول: ((فَجلى الله لي بَيت الْمُقَدّس)) أَي كشفه وأظهره. 1249 - / 1524 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحدث عَن فَتْرَة الْوَحْي. أصل الفترة: السّكُون. يُقَال: فتر الشَّيْء يفتر فتورا: إِذا سكنت حِدته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا. وطرف فاتر: لَيْسَ بحديد. وَكَانَ الْوَحْي قد جَاءَ ثمَّ انْقَطع. وحراء قد سبق الْكَلَام فِيهِ فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. والكرسي فِي اللُّغَة: كل شَيْء تراكب، وَمِنْه الكراسة، لتراكب الحديث: 1248 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 بعض وَرقهَا على بعض، قَالَ العجاج: (يَا صَاح هَل تعرف رسما مكرسا ... ) أَي تكارس عَلَيْهِ التُّرَاب فغطاه. فَسُمي الْكُرْسِيّ كرسيا لتركيب بعضه على بعض. وَفِيه لُغَتَانِ: ضم الْكَاف، قَالَ الْفراء: وَهِي لُغَة عَامَّة الْعَرَب. وتكسر الْكَاف، وَالرَّفْع أَجود. وَأما الْعَرْش فَهُوَ السرير. والهواء مَمْدُود، فَإِذا قصرته فَهُوَ هوى النَّفس. وَقَوله: فجئثت، الْيَاء الْمُعْجَمَة بِاثْنَتَيْنِ قبل الثَّاء، وَالْمعْنَى: فرقت. وجثثت بثاءين مثله. وَرجل مجؤوث ومجثوث ومزؤود: وَهُوَ المرعوب، وَقد جئث وجث وزئد. وَقد صحفه بَعضهم فَقَالَ: جبنت، من الْجُبْن، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه. والرعب: الْفَزع. وهويت: وَقعت. وَقَوله: ((زَمِّلُونِي)) كل ملتف بِثَوْبِهِ متزمل. والدثار: مَا يدثر بِهِ الْإِنْسَان فَوق الشعار. وأصل المدثر المتدثر، فأدغمت التَّاء فِي الدَّال فَثقلَتْ. وَقَوله: ((وَصبُّوا عَليّ مَاء)) كَأَنَّهُ خرج عَن الْبرد والقشعريرة الَّتِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 تفْتَقر إِلَى الدثار، إِلَى الْحمى الَّتِي تحْتَاج إِلَى المَاء. وَقَوله: {قُم فَأَنْذر} [المدثر: 2] الْإِنْذَار ك إِعْلَام مَعَ تخويف، وَالْمرَاد: خوف كفار مَكَّة نزُول الْعَذَاب بهم إِن لم يُؤمنُوا. وَقَوله: {وَرَبك فَكبر} [المدثر: 3] أَي عظمه عَمَّا يَقُول عَبدة الْأَوْثَان. وَقَوله: {وثيابك فطهر} [المدثر: 4] اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي المُرَاد بالثياب على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا الثِّيَاب الْحَقِيقِيَّة. ثمَّ اخْتلف هَؤُلَاءِ بتطهيرها على أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن الْمَعْنى: لَا تلبسها على مَعْصِيّة وَلَا على غدرة، قَالَ غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ: (وَإِنِّي - بِحَمْد الله - لَا ثوب فَاجر ... لبست، وَلَا من غدرة أتقنع) رَوَاهُ عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: لَا تكن ثِيَابك من كسب غير طَاهِر، رَوَاهُ عَطِيَّة عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّالِث: وثيابك فقصر وشمر، قَالَه طَاوس. وَالرَّابِع: اغسلها بِالْمَاءِ ونقها، قَالَه ابْن سِيرِين. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه كنى بالثياب عَن غَيرهَا، وَفِي المكني عَنهُ أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه النَّفس، فَالْمَعْنى: طهر نَفسك من الذَّنب، قَالَه مُجَاهِد وَقَتَادَة، وَيشْهد لَهُ قَول عنترة: (فشككت بِالرُّمْحِ الْأَصَم ثِيَابه ... لَيْسَ الْكَرِيم على القنا بِمحرم) قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَإِنَّمَا كنى بالثياب عَن الْجِسْم لِأَنَّهَا تشْتَمل عَلَيْهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 قَالَت ليلى الأخيلية: (رَمَوْهَا بأثواب خفاف فَلَا ترى ... لَهَا شبها إِلَّا النعام المنفرا) أَي رَكبُوهَا فرموها، وَالْعرب تَقول للعفاف إِزَار، لِأَن الْعَفِيف كَأَنَّهُ استتر لما عف. وَالثَّانِي: أَنه الْقلب، فَالْمَعْنى: وقلبك فطهر، قَالَه سعيد بن جُبَير، وَيشْهد لَهُ قَول امْرِئ الْقَيْس: (فَإِن تَكُ قد ساءتك مني خَلِيقَة ... فسلي ثِيَابِي من ثِيَابك تنسل) أَي قلبِي من قَلْبك. وَالثَّالِث: أَنه الْخلق، وَالْمعْنَى: وخلقك فَحسن، قَالَه الْحسن، وَالرَّابِع: أَنه الْعَمَل، فَالْمَعْنى: وعملك فَأصْلح، قَالَه الضَّحَّاك. وَفِي (الرجز) سِتَّة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه الْأَصْنَام. وَالثَّانِي: الْإِثْم، رويا عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّالِث: الشّرك، قَالَه ابْن جُبَير. وَالرَّابِع: الذَّنب، قَالَه الْحسن. وَالْخَامِس: الْعَذَاب، قَالَه ابْن السَّائِب، قَالَ الزّجاج: وَالْمعْنَى: اهجر مَا يُؤَدِّي إِلَى عَذَاب الله. وَالسَّادِس: الشَّيْطَان، قَالَه ابْن كيسَان. وَقَوله: ثمَّ حمي الْوَحْي: أَي كثر وتتابع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 وَقَول جَابر: أول مَا نزل من الْقُرْآن: {يَا أَيهَا المدثر} سَيَأْتِي فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند عَائِشَة: أَن أول مَا سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جِبْرِيل {اقْرَأ باسم رَبك} فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: ((زَمِّلُونِي)) فَيحْتَمل أَن جَابِرا لم يسمع أول الْقِصَّة. والمجاورة: الْإِقَامَة. وَقَوله: ((فَأَخَذَتْنِي رَجْفَة)) وَهِي الإضطراب، وَقد رَوَاهُ قوم: وجفة بِالْوَاو، من قَوْله تَعَالَى: {قُلُوب يَوْمئِذٍ واجفة} [النازعات: 8] فالواجف: المضطرب. غير أَن الَّذِي سمعناه بالراء. 1250 - / 1525 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نجني الكباث، فَقَالَ: ((عَلَيْكُم بالأسود مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ أطيب)) فَقلت: أَكنت ترعى الْغنم؟ قَالَ: ((نعم، وَهل من نَبِي إِلَّا رعاها)) . قَالَ الْأَصْمَعِي: البرير: ثَمَر الْأَرَاك، فالغض مِنْهُ المرد، والنضيج الكباث وأسوده أشده نضجا. وَأما رعي الْغنم فَكَأَنَّهُ تمهيد لمداراة النَّاس، فَلذَلِك قدر للأنبياء. أَو كَأَنَّهُ يُشِير بِهَذَا إِلَى أَن الْأَنْبِيَاء لم يَكُونُوا ملوكا، وَإِنَّمَا كَانَت النُّبُوَّة عِنْد المتواضعين من أَصْحَاب الْحَرْف. 1251 - / 1526 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَنه غزا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحديث: 1250 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 قبل نجد، فَلَمَّا قفل أدركتهم القائلة فِي وَاد كثير العضاه. قد سبق معنى نجد، والعضاه، وَأَنه شجر من شجر الشوك كالطلح. والسمرة: شَجَرَة الطلح. وَاخْتَرَطَ السَّيْف: استله من غمده. والصلت: الْوَاضِح. يُقَال: جبين صلت: إِذا كَانَ وَاضحا. وَذَات الرّقاع: غزَاة. وَقد بَينا سَبَب تَسْمِيَتهَا بذلك فِي مُسْند أبي مُوسَى وَغَيره. والغرة: الْغَفْلَة. وَقَوله: أتخافني؟ فَقَالَ: ((لَا)) . يُشِير بذلك إِلَى أَنِّي إِنَّمَا أَخَاف الله وَحده. وَلَو انزعج الطَّبْع كَانَ انزعاجا من قدر الله وتسليطه لَا من الشَّخْص. وَسُقُوط السَّيْف من يَده بَيَان أثر التَّوَكُّل. وَقد سمي هَذَا الرجل فِي الحَدِيث، وَهُوَ غورث بن الْحَارِث. وَقد سبق ذكر صَلَاة الْخَوْف فِي مُسْند سهل بن أبي حثْمَة. 1252 - / 1527 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: فقمنا إِلَى بطحان. قد بَينا فِيمَا تقدم أَن كل مَكَان متسع يُقَال لَهُ بطحاء وأبطح وبطحان وبطيحة. الحديث: 1252 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 1253 - / 1528 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالعمرى لمن وهبت لَهُ. الْعُمْرَى فِي العطايا: أَن يَقُول الرجل لصَاحبه: قد أَعطيتك هَذِه الدَّار عمرك أَو عمري. وعقب الرجل: وَلَده وَولد وَلَده. والبتلة: المنقطعة. يُقَال: بتلت الشَّيْء: إِذا أبنته عَن غَيره، وَمِنْه: طَلْقَة بتلة. قَالَ أَبُو عبيد: كَانَ الرجل يُرِيد أَن يتفضل على صَاحبه بالشَّيْء فيستمتع بِهِ مَا دَامَ حَيا، فَإِذا مَاتَ الْمَوْهُوب لَهُ لم يصل إِلَى ورثته مِنْهُ شَيْء، فَجَاءَت سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَقْض ذَلِك، وَحكم بِأَن من ملك شَيْئا حَيَاته فَهُوَ لوَرثَته من بعده. وَقد اخْتلف الْفُقَهَاء فِي الْعُمْرَى: فعندنا أَنَّهَا تمْلِيك للرقبة، فَإِذا قَالَ: أعمرتك دَاري هَذِه، أَو جَعلتهَا لَك عمري أَو عمرك فقد ملكهَا المعمر، فَإِذا مَاتَ انْتَقَلت إِلَى ورثته، وَسَوَاء قَالَ لَهُ: ولعقبك أَو أطلق، وَإِن لم يكن لَهُ وَارِث كَانَت لبيت المَال، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ مَالك: الْعُمْرَى تمْلِيك للمنافع، فَإِذا مَاتَ المعمر رجعت إِلَى المعمر، فَإِذا قَالَ فِيهَا: ولعقبك، فانقرض عقبه عَادَتْ إِلَى المعمر. الحديث: 1253 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 1254 - / 1530 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: أذن فِي لُحُوم الْخَيل. هَذَا صَرِيح فِي جَوَاز أكل لحومها، وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يحل، ويروى عَن مَالك كراهيته. 1255 - / 1531 - فِي الحَدِيث التَّاسِع: فَحَثَا لي حثية. الحثية: مَا أَخذ بالكف مبسوطة. 1256 - / 1532 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: كَانَ يُصَلِّي الظّهْر بالهاجرة. الهاجرة والهجير: نصف النَّهَار عِنْد اشتداد الْحر. وَقَوله: وَالشَّمْس نقية. أَي لم يتَغَيَّر لَوْنهَا، فَإِنَّهُ كلما قرب الْمسَاء ضعف نورها وَتغَير. وَوَجَبَت: سَقَطت للغروب. والغلس: ظلام آخر اللَّيْل. 1257 - / 1533 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر، فَرَأى رجلا قد اجْتمع النَّاس عَلَيْهِ وَقد ظلل عَلَيْهِ، فَقَالَ: ((مَاله؟)) قَالُوا: رجل صَائِم. فَقَالَ: ((لَيْسَ من الْبر أَن تَصُومُوا فِي السّفر)) . الحديث: 1254 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 اعْلَم أَن السّفر مَظَنَّة الْمَشَقَّة، فَإِذا ضم إِلَيْهِ الصَّوْم زَادَت الْمَشَقَّة، وَمَا زَالَ الشَّرْع يتلطف. وَمن لَقِي فِي صَوْمه فِي السّفر مَا لَقِي هَذَا الرجل فَلَيْسَ من الْبر صَوْمه. فَأَما المطيق الصَّوْم فَلَا يكره صَوْمه، وَهل فطره أفضل من الصَّوْم؟ قد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند أبي الدَّرْدَاء. 1258 - / 1534 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: ((من أكل ثوما أَو بصلا فليعتزلنا أَو ليعتزل مَسْجِدنَا)) ، وَفِي رِوَايَة: أُتِي بِقدر فِيهِ خضرات من بقول. قد سبق الْكَلَام فِي الثوم والبصل فِي مُسْند ابْن عمر وَفِي مُسْند أبي أَيُّوب. وَقَوله: أُتِي بِقدر. كَذَا وَقع فِي الحَدِيث. وَالصَّوَاب ببدر بِالْبَاء، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي ((السّنَن)) عَن أَحْمد بن صَالح عَن ابْن وهب، قَالَ ابْن وهب: وَهُوَ الطَّبَق. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: سمي الطَّبَق بَدْرًا لاستدارته وَحسن اتساقه تَشْبِيها بالقمر إِذا امْتَلَأَ نورا. وَأما تأذي الْمَلَائِكَة فَإِنَّهُ قد رُوِيَ أَنهم يَجدونَ الرّيح دون الطّعْم. وَقد روينَا عَن سلمَان الْفَارِسِي: أَنه أَمر زَوجته أَن تنضح حوله عِنْد مَوته الْمسك، وَقَالَ يأتيني زوار يَجدونَ الرّيح وَلَا يَأْكُلُون الطَّعَام. 1259 - / 1535 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: ذكر صَلَاة النَّافِلَة إِلَى الحديث: 1258 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 غير الْقبْلَة. وَقد سبق فِي مُسْند ابْن عمر. 1260 - / 1536 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: نهى عَن المخابرة والمحاقلة والمزابنة. هَذِه الْأَشْيَاء قد فسرت فِي الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو عبيد فِي المخابرة مَا كتبناه فِي مُسْند رَافع بن خديج. وَقد فسرنا المحاقلة والمزابنة فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَقَوله: عَن بيع الثَّمر حَتَّى يَبْدُو صَلَاحه. قد سبق تَفْسِيره فِي مُسْند زيد بن ثَابت. وفسرنا هُنَاكَ الْعَرَايَا. وَقَوله: حَتَّى يشْتَد ويشقح، تَفْسِيره فِي الحَدِيث: حَتَّى يحمار أَو يصفار. قَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا يُقَال يحمار ويصفار لِأَنَّهُ لم يرد بِهِ اللَّوْن الْخَالِص، وَإِنَّمَا يسْتَعْمل ذَلِك فِي اللَّوْن المتميل، يُقَال: مَا زَالَ وَجهه يحمار ويصفار: إِذا كَانَ مرّة يضْرب إِلَى حمرَة وَمرَّة يضْرب إِلَى صفرَة. فَإِذا أَرَادَ أَنه قد اسْتَقر على حَالَة قَالُوا: يحمر ويصفر. وَأما المعاومة فَهِيَ بيع السنين، وَذَلِكَ أَن يَبِيع الرجل مَا تثمره النَّخْلَة أَو النخلات سنتَيْن وَثَلَاثًا وأربعا، وَهَذَا غرر؛ لِأَنَّهُ يَبِيع شَيْئا الحديث: 1260 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 غير مَوْجُود وَلَا مَخْلُوق، فَلَا يدرى أَيكُون أم لَا؟ والثنيا: أَن يَبِيع ثَمَر بستانه ويستثني مِنْهُ جُزْءا غير مَعْلُوم، فَإِن اسْتثْنى آصعا مَعْلُومَة من ثَمَر الْبُسْتَان، وأرطالا من نَخْلَة، فَهَل يَصح؟ فِيهِ عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ. 1261 - / 1537 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: الصَّلَاة على النَّجَاشِيّ. وَقد تقدم هَذَا فِي مُسْند عمرَان بن حُصَيْن. 1262 - / 1538 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: ((من كَانَت لَهُ أَرض فليزرعها أَو ليمنحها أَخَاهُ)) . أصل المنحة الْعَطِيَّة: ثمَّ قد يكون عَطِيَّة للْأَصْل وعطية للمنفعة. وَقَوله: نهى عَن كِرَاء الأَرْض. إِنَّمَا حث بذلك على إرفاق الْقَوْم بَعضهم بِبَعْض. وَقد سبق ذكر هَذَا وَذكر المخابرة فِي مُسْند رَافع بن خديج، وَبينا هُنَاكَ أَن الحقل: المزرعة، وَالْمعْنَى: نهى عَن الحقول أَن تكرى. والقصري على وزن: ((الْفعْلِيّ)) لُغَة أهل الشَّام، وَبَعْضهمْ يَقُول: قصرى على وزن: ((فعلى)) ، وَقوم يَقُولُونَ: القصارة: وَهُوَ مَا يبْقى الحديث: 1261 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 فِي السنبل من الْحبّ بَعْدَمَا يداس. وَالْأَرْض الْبَيْضَاء: مَا لَا شجر فِيهِ وَلَا زرع. والمزابنة سبقت فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَبيع السنين فِي الحَدِيث الَّذِي قبل هَذَا. 1263 - / 1539 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: كُنَّا نعزل على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. الْعَزْل: عزل المَاء عَن الْفرج بالإنزال خَارِجا مِنْهُ عِنْد الْجِمَاع. وَهُوَ جَائِز، إِلَّا أَنه إِن كَانَت الْمَوْطُوءَة حرَّة لم يجز الْعَزْل إِلَّا بِإِذْنِهَا، وَإِن كَانَت أمة لم يجز إِلَّا بِإِذن سَيِّدهَا. والساقية: الَّتِي تَسْقِي المَاء. 1264 - / 1540 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: كُنَّا نَأْكُل من لُحُوم بدننا فَوق ثَلَاث، فأرخص لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ((كلوا وتزودوا)) . إِنَّمَا امْتَنعُوا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام نَهَاهُم عَن الإدخار مِنْهَا فَوق ثَلَاث، وَكَانَ سَبَب ذَلِك قوم من الْفُقَرَاء قدمُوا الْمَدِينَة، فأرادوا أَن يواسوهم، الحديث: 1263 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 ثمَّ أباحهم بعد ذَلِك، وَقد بَين الْعلَّة فِي الْمَنْع فِي مُسْند عَائِشَة. 1265 - / 1541 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ((إِن الله وَرَسُوله حرم بيع الْخمر وَالْميتَة وَالْخِنْزِير)) . أما بيع الْخمر فَبَاطِل بِالْإِجْمَاع، وَثمنهَا حرَام، وَكَذَلِكَ الْميتَة وَثمنهَا وَبيع جلدهَا قبل أَن يدبغ، فَأَما إِذا دبغ فَإِنَّهُ يطهر عِنْد كثير من الْعلمَاء. وَقد بَينا مَا يطهر من الْجُلُود فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَبيع الْخِنْزِير حرَام. وَأما الْأَصْنَام فَمَا دَامَت صورا فبيعها بَاطِل، فَإِذا محيت صورها وبيعت أُصُولهَا المعمولة مِنْهَا جَازَ. وَكَذَلِكَ كل الصُّور بيعهَا بَاطِل، إِلَّا أَن تكون الصُّورَة تَابِعَة لما هِيَ عَلَيْهِ كالصورة فِي الثَّوْب. قَوْله: ((فأجملوها)) قد سبق فِي مُسْند عمر أَنه يُقَال: جملت وأجملت: إِذا أذبت الشَّحْم. 1266 - / 1542 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: ((إِذا استجنح اللَّيْل - أَو كَانَ جنح اللَّيْل - فكفوا صِبْيَانكُمْ، فَإِن الشَّيَاطِين تَنْتَشِر حِينَئِذٍ)) . جنح اللَّيْل وجنحه بِالضَّمِّ وَالْكَسْر: طَائِفَة مِنْهُ، واستجنح من ذَلِك، وَالْمعْنَى: اشتدت ظلمته. وَقَوله: ((فكفوا صِبْيَانكُمْ)) وَقد جَاءَ فِي لفظ آخر: ((فاكفتوا الحديث: 1265 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 صِبْيَانكُمْ)) وَالْمعْنَى: ضموهم إِلَيْكُم فِي الْبيُوت، وَإِنَّمَا خيف على الصّبيان خَاصَّة لشيئين: أَحدهمَا: أَن النَّجَاسَة الَّتِي تلوذ بهَا الشَّيَاطِين مَوْجُودَة مَعَهم. وَالثَّانِي: أَن الذّكر الَّذِي يستعصم بِهِ مَعْدُوم عِنْدهم. وَالشَّيَاطِين عِنْد انتشارهم يتعلقون بِمَا يُمكنهُم التَّعَلُّق بِهِ، فَإِذا ذهبت سَاعَة اشْتغل كل مِنْهُم بِمَا اكْتسب، وَمضى إِلَى مَا قدر لَهُ التشاغل بِهِ. قَوْله: ((وأوك سقاءك)) الإيكاء: الشد، والوكاء: اسْم لما يشد بِهِ فَم الْقرْبَة. ((وخمر إناءك)) أَي غطه. وَإِنَّمَا أَمر بِذكر الله تَعَالَى لِأَنَّهُ كالحرز والحافظ يدْفع الشَّيْطَان عَمَّا ذكر عَلَيْهِ. وَقَوله: ((وَلَو تعرض عَلَيْهِ)) أَي: وَلَو أَن تعرض. وَتعرض بِضَم الرَّاء وَكسرهَا لُغَتَانِ، يُقَال: عرضت الشَّيْء أعرضه، بِكَسْر الرَّاء فِي قَول الْأَكْثَرين، والأصمعي يَقُوله بِالضَّمِّ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن السّكيت: عرضت الْعود على الْإِنَاء، أعرضه، وَعرضت السَّيْف على فَخذي أعرضه، كِلَاهُمَا بِضَم الرَّاء. والفويسقة: الْفَأْرَة، وَسميت بذلك إِمَّا لخروجها، أَو لفعلها فعل الْفُسَّاق من الْفساد. وَقد بَينا هَذَا فِي مُسْند ابْن عمر عِنْد قَوْله: ((خمس فواسق)) . وَقَوله: ((فَإِن الشَّيْطَان لَا يحل سقاء وَلَا يفتح وكاء)) وَهَذَا يدل على أَنه إِنَّمَا يتسلط على المفرط لَا على المتحرز، فللمفرط فِيهِ نصِيبه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 عَلَيْهِ تسلطه. وَأما الفواشي فَكل شَيْء منتشر من المَال مثل الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم السَّائِمَة، وأصل قَوْلك: فَشَا الشَّيْء: ظهر وانتشر. وَفَحْمَة الْعشَاء بِفَتْح الْحَاء وسكونها: شدَّة سَواد اللَّيْل وظلمته، وَإِنَّمَا يكون ذَلِك فِي أول اللَّيْل. والوباء: كَثْرَة الْمَوْت فِي النَّاس. يُقَال: أَرض وبئة وموبوءة. وَإِذا خالط الْهَوَاء أبخرة رَدِيئَة حدث الوباء. وَقَوله: ((أجيفوا الْأَبْوَاب)) . أَي أغلقوها. 1267 - / 1543 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين: أَن رجلا أعتق غُلَاما عَن دبر، فَاحْتَاجَ، فَأَخذه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ((من يَشْتَرِيهِ؟)) فَاشْتَرَاهُ نعيم بن عبد الله بِكَذَا وَكَذَا. أما الرجل الْمُعْتق فيكنى أَبَا مَذْكُور، والغلام يكنى أَبَا يَعْقُوب. ونعيم يُقَال لَهُ: النحام. وَمِقْدَار الثّمن الَّذِي بَاعه بِهِ كَانَ ثَمَانمِائَة دِرْهَم. وتدبير العَبْد: عتقه عَن دبر من الْمُعْتق: أَي بعد إدبار عَن الدُّنْيَا بِالْمَوْتِ. وَاخْتلفت الرِّوَايَة [عَن أَحْمد] فِي بيع الْمُدبر: فَروِيَ عَنهُ: يجوز على الْإِطْلَاق، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَعنهُ: يجوز بِشَرْط أَن يكون على السَّيِّد دين. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز بَيْعه إِذا كَانَ التَّدْبِير الحديث: 1267 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 مُطلقًا، قَالَ مَالك: لَا يجوز بَيْعه حَال الْحَيَاة وَيجوز بعد الْمَوْت إِذا كَانَ على السَّيِّد دين. وَقد تضمن الحَدِيث جَوَاز بيع مَال الْمُفلس عَلَيْهِ. 1268 - / 1544 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: نهى عَن الزَّبِيب وَالتَّمْر، والبسر وَالرّطب. وَالْمعْنَى: أَن ينبذا جَمِيعًا، وَهَذَا لِأَنَّهُمَا يتعاونان على الإشتداد. وَذَلِكَ عندنَا مَكْرُوه، فَإِن وجد الإشتداد حرم. وَقد رُوِيَ عَن عَطاء وَطَاوُس التَّحْرِيم لظَاهِر الحَدِيث وَإِن لم يُوجد شدَّة. 1269 - / 1545 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج يَوْم الْفطر، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قبل الْخطْبَة. قد ذكرنَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس سَبَب الْبِدَايَة بِالصَّلَاةِ قبل الْخطْبَة. وَذكرنَا السَّبَب فِي أَنه لَا أَذَان لَهَا وَلَا إِقَامَة. وَفِي هَذَا الحَدِيث حث على تذكير النِّسَاء. وَقَوله: من سطة النِّسَاء: أَي من وسطهن. وَقَوله: سفعاء الْخَدين. السفعاء: الَّتِي قد تغير لَوْنهَا إِلَى الكمودة والسواد من طول الأيمة، كَأَنَّهُ مَأْخُوذ من سفع النَّار، وَمِنْه الحديث: 1268 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 الحَدِيث الآخر: ((أَنا وَامْرَأَة سفعاء الْخَدين كهاتين يَوْم الْقِيَامَة)) . يَعْنِي أَن تِلْكَ الْمَرْأَة حبست نَفسهَا على أَوْلَادهَا تربيهم، وَتركت التزين والتصنع والتعرض للأزواج. والأقرطة جمع قرط، والقرط: مَا علق فِي شحمة الْأذن. 1270 - / 1546 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: كنت على جمل ثفال. الثفال: البطيء السّير والثقيل الْحَرَكَة. وَقَوله: قد خلا مِنْهَا. أَي قد مضى من عمرها. وَالْمعْنَى: قد كَبرت وَخرجت عَن حد الشَّبَاب. وَقَوله: ((فَهَلا جَارِيَة تلاعبها وتلاعبك)) أَرَادَ بالجارية الْبكر، وَقد جَاءَ فِي لفظ آخر. وَفِي الْبكر معَان: مِنْهَا: حَدَاثَة السن، وللنفس فِي ذَلِك حَظّ وافر. وَمِنْهَا: قُوَّة الْحَرَارَة الَّتِي تحرّك الْبَاءَة. وَمِنْهَا: أَن الْمَرْأَة يتَعَلَّق قَلبهَا بِأول زوج، إِذْ لم تعرف سواهُ، فَيكون ودها منصرفا إِلَيْهِ. وَمِنْهَا: أَن كثيرا من الطباع تنبو عَمَّن كَانَ لَهَا زوج. وَمِنْهَا: التهيؤ للْوَلَد. وَمِنْهَا: أَن المداعبة تلِيق بالجواري دون غَيْرهنَّ، والمداعبة تبْعَث على اجْتِمَاع المَاء وكثرته، إِلَى غير ذَلِك من الْفَوَائِد. وَقَوله: وَزَادَنِي قيراطا، هَذَا كَانَ هبة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ الحديث: 1270 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 خَارِجا عَن ععقد البيع، فَلذَلِك تبرك بِهِ. والناضج: مَا استقي عَلَيْهِ، وَالْجمع نواضح. والعروس قد بَيناهُ فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَقَوله: أَعْطَانِي ثمنه ورده عَليّ. هَذَا من أحسن الْكَرم، وَهُوَ أَن من بَاعَ شَيْئا فَالظَّاهِر أَنما يَبِيعهُ للْحَاجة إِلَى ثمنه، ولولاها مَا أخرجه عَن يَده، فَإِذا تعوض عَنهُ بِالثّمن بَقِي فِي قلبه أَسف فِرَاقه، فَإِذا جبر برد الثّمن أَتَاهُ مَا لم يكن فِي حسبانه، فَزَاد فرحه. وَقَوله: أفقرني ظَهره: أَي أعارني فقاره لأركبه. والفقار: الظّهْر وَقَوله: فَبِعْته على أَن لي ظَهره إِلَى الْمَدِينَة. فِيهِ دَلِيل على جَوَاز اشْتِرَاط مَنْفَعَة الْمَبِيع مُدَّة مَعْلُومَة. وَمثله أَن يَبِيع دَارا وَيشْتَرط سكناهَا شهرا، أَو عبدا وَيشْتَرط خدمته سنة، أَو يَشْتَرِي فلعة فَيشْتَرط على البَائِع حذوها نعلا، أَو جرزة حطب فَيشْتَرط عَلَيْهِ حملهَا. هَذَا مَذْهَبنَا خلافًا لأكثرهم فِي أَن هَذَا لَا يجوز، إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قد وَافق فِي الفلعة والجرزة، وَمَالك فِي الزَّمَان الْيَسِير دون الْكثير. وَقَوله: فَبِعْته بأوقية. وَفِي لفظ: بِخمْس أواقي. قَالَ الْخطابِيّ: الأواقي مَفْتُوحَة الْألف مُشَدّدَة الْيَاء غير مصروفة، جمع أُوقِيَّة مثل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 أضْحِية وأضاحي، وَبُخْتِيَّة وبخاتي، وَرُبمَا خفف فَقيل: أَوَاقٍ وأضاح. وَالْأُوقِية أَرْبَعُونَ درهما، والعامة تَقول: خمس آواق ممدودة الْألف بِغَيْر يَاء وَإِنَّمَا الآواق جمع أوق. قلت: والأوق: الثّقل، يُقَال: ألْقى عَلَيْهِ أوقه. وَقَوله: فزادني أُوقِيَّة. هَذَا من جنس مَا ذكرنَا من هِبته للبعير، فَإِن الْكَرِيم يُعْطي مَا يتَعَلَّق بِهِ الأمل وَيزِيد. والقطوف: البطىء الْمَشْي. وَقَوله: فَنَخَسَ بَعِيري: أَي دَفعه ضربا بِطرف العنزة: وَهِي فَوق الْعَصَا وَدون الرمْح، كالحربة. والمحجن: عَصا فِي طرفها انعقاف. وَقَوله: ((حَتَّى تمتشط الشعثة)) الشعث: تلبد الشّعْر وتوسخه لبعد الدّهن عَنهُ. قَوْله: ((وتستحد المغيبة)) الإستحداد: اسْتِعْمَال الْحَدِيد فِي الْحلق، ثمَّ اسْتعْمل فِي حلق الْعَانَة. قَالَ أَبُو عبيد: الإستحداد: استحلاق بالحديد، وَكَانُوا لَا يعْرفُونَ النورة. قلت: وَيجوز أَن يكون الْمَعْنى: تفعل مَا يفعل المستحد. والمغيبة: الَّتِي غَابَ عَنْهَا زَوجهَا. يُقَال: أغابت الْمَرْأَة فَهِيَ مغيبة: إِذا غَابَ عَنْهَا الزَّوْج. وَقَوله: ((فَلَا يطْرق أَهله لَيْلًا)) الطروق: إتْيَان الْمنَازل بِاللَّيْلِ خَاصَّة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 وَقَوله: ((لِئَلَّا يتخونهم) أَي يتتبع خيانتهم ونقصانهم. وأصل التخون التنقص، يُقَال. فلَان يتخونني حَقي: أَي ينقصني. وَقَوله: ((فَإِذا قدمت فالكيس الْكيس)) الْكيس: الْعقل، وَكَأَنَّهُ أمره بِاسْتِعْمَال الْحلم والمداراة للأهل، وَذَلِكَ مُقْتَضى الْعقل. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الْكيس: الْجِمَاع، والكيس: الْعقل. فَكَأَنَّهُ جعل طلب الْوَلَد بِالْجِمَاعِ عقلا، وكنى بِهِ عَن الْجِمَاع. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عبيد: ذهب بِهَذَا إِلَى طلب الْوَلَد وَالنِّكَاح. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: وَيحْتَمل أَن يكون أمره بالتوقي والحذر من إِصَابَة أَهله إِذا كَانَت حَائِضًا لطول غيبته. والجمل الأرمك: الَّذِي لَونه يضْرب إِلَى الكدرة. وَقَوله: لَيْسَ فِيهِ شية: أَي لَا لون فِيهِ يُخَالف كدرته، بل كُله لون وَاحِد، قَالَ الزّجاج: الوشي فِي اللُّغَة: خلط لون بلون، يُقَال: وشيت الثَّوْب أشيه شية ووشيا. والبلاط: كل شَيْء فرشت بِهِ الْمَكَان من حجر أَو غَيره، ثمَّ يُسمى الْمَكَان بلاطا لما فِيهِ من ذَلِك، على الْمجَاز، وَالْأَصْل ذَلِك. وَقَوله: ((مَالك والعذارى؟)) يَقُول: لم تركت العذارى؟ والعذارى جمع عذراء: وَهِي الْبكر لم تفتض. والعذرة: مَا يهتك بالإفتضاض. واللعاب: اللّعب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 وصرار: اسْم مَوضِع. وَقَوله: ((عَلَيْك بِذَات الدّين)) هَذِه كلمة مَعْنَاهَا الْحَث والتحريض. وَقَوله: ((تربت يداك)) يُقَال: ترب الرجل: إِذا افْتقر، وأترب: إِذا اسْتغنى. وَقد ذكر أَبُو عبيد فِي قَوْله: ((تربت يداك)) ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن تربت بِمَعْنى افْتَقَرت، وَأَنَّهَا كلمة تَقُولهَا الْعَرَب وَلَا تقصد الدُّعَاء على الشَّخْص، كَقَوْلِهِم: عقرى حلقى. وَالثَّانِي: أَن الْمَعْنى: نزل بك الْفقر عُقُوبَة أَن تعديت ذَات الدّين إِلَى ذَات الْجمال وَالْمَال، وَالثَّالِث: أَن تربت بِمَعْنى استغنت، وَمن الْغنى، وَاخْتَارَ القَوْل الأول وَخطأ الْأَخير. وَالَّذِي اخْتَارَهُ هُوَ الصَّحِيح، وَالَّذِي خطأه كَمَا قَالَ، فَإِنَّهُ لَا يعرف ترب بِمَعْنى اسْتغنى، إِنَّمَا يُقَال: أترب: إِذا اسْتغنى. 1271 - / 1547 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: ذكر التَّمَتُّع فِي الْحَج، فَقَالَ سراقَة: ألنا هَذِه خَاصَّة أم لِلْأَبَد؟ فَقَالَ: ((بل لِلْأَبَد)) . قد ذكرنَا فِيمَا تقدم الْكَلَام فِي مُتْعَة الْحَج. وَذكرنَا قَول سراقَة: ألنا خَاصَّة؟ فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَذكرنَا فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة أَيْضا. الحديث: 1271 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 وعركت بِمَعْنى: حَاضَت. وَلَيْلَة الحصبة: هِيَ اللَّيْلَة الَّتِي ينزل النَّاس المحصب عِنْد انصرافهم من منى إِلَى مَكَّة. وَقَوله: ((أبتوا نِكَاح هَذِه النِّسَاء. قد سبق فِي مُسْند عمر. وَقَول جَابر: تَمَتعنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر. تَأَوَّلَه مُسلم بن الْحجَّاج على مُتْعَة النِّسَاء وَيدل على تَأَوَّلَه حَدِيث سَيَأْتِي بعد خمس وَسِتِّينَ حَدِيثا من أَفْرَاد ((مُسلم)) فِي هَذَا الْمسند وَهَذَا مَحْمُول من فعله على أَنه من لم يبلغهُ النَّهْي عَنهُ، وَإِلَّا فَهَذَا مَنْسُوخ، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند عمر. 1272 - / 1548 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: ((إِنَّمَا الْمَدِينَة كالكير تَنْفِي خبثها وينصع طيبها)) . قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: قد قيل: إِن الْكِير: الزق الَّذِي ينْفخ فِيهِ الْحداد على الْحَدِيد. والكور مَا كَانَ مَبْنِيا من طين. وينصع: يخلص. وناصع كل شَيْء: خالصه. 1273 - / 1550 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ندب النَّاس يَوْم الخَنْدَق. وَفِي رِوَايَة: يَوْم الْأَحْزَاب. وَفِي رِوَايَة: يَوْم الحديث: 1272 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 قُرَيْظَة، فَانْتدبَ الزبير. اعْلَم أَن يَوْم الخَنْدَق هُوَ يَوْم الْأَحْزَاب، وَهُوَ يَوْم بني قُرَيْظَة. وَلَيْسَ الْإِشَارَة إِلَى يَوْم بِعَيْنِه، فَإِن ذَلِك كَانَ فِي أَيَّام، وَالْعرب تَقول: يَوْم بُعَاث، وَيَوْم كَذَا، تُشِير إِلَى أَيَّام. وَلما انقشع عَسْكَر الْمُشْركين يَوْم الخَنْدَق قَالَ: ((لأصلين الْعَصْر فِي بني قُرَيْظَة)) . وَقد بَينا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود معنى الْحوَاري. 1274 - / 1551 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: ((هَل لكم من أنماط)) . الأنماط جمع نمط: وَهُوَ ضرب من الْبسط والفرش. 1275 - / 1552 - وَفِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ: كَانَت الْيَهُود تَقول: إِذا جَامعهَا من وَرَائِهَا جَاءَ الْوَلَد أَحول، فَنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} [الْبَقَرَة: 223] . الْإِشَارَة إِلَى الرَّد على الْيَهُود. وَمعنى الْآيَة: فَأتوا حَرْثكُمْ كَيفَ شِئْتُم، من بَين يَديهَا وَمن خلفهَا - وَالْمَقْصُود أَن زعم الْيَهُود محَال، وَبِهَذَا القَوْل ينْدَفع قَول من فسر ((أَنى)) بِغَيْر هَذَا. الحديث: 1274 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 1276 - / 1553 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ: رَأَيْت عمر يحلف بِاللَّه عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ابْن صائد الدَّجَّال فَلم يُنكره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. هَذَا لِأَن عمر حلف على غَالب ظَنّه، وَلم يكن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَيَقَّن خلاف ذَلِك، فَلذَلِك سكت عَن الْإِنْكَار. 1277 - / 1554 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ: ((رَأَيْتنِي دخلت الْجنَّة فَإِذا أَنا بالرميصاء)) . الرميصاء هِيَ أم أنس بن مَالك، وَسَيَأْتِي ذكرهَا فِي مسندها إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَقَوله: ((وَسمعت خشفة)) قَالَ أَبُو عبيد: الخشفة: الصَّوْت لَيْسَ بالشديد، يُقَال خشف يخشف خشفا: إِذا سَمِعت لَهُ صَوتا وحركة. وفناء الْبَيْت: مَا امْتَدَّ مَعَ الْبَيْت من جوانبه. 1278 - / 1555 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ: جِيءَ بِأبي مسجى. المسجى: المغطى المستور. والمجدع: الْمَقْطُوع الْأنف وَالْأُذن. والتمثيل: قطع بعض الحديث: 1276 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 الْأَعْضَاء وتشويه الْخلق. 1279 - / 1556 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: ولد لرجل منا غُلَام فَسَماهُ الْقَاسِم، فَقُلْنَا: لَا نكنيك أَبَا الْقَاسِم وَلَا ننعمك عينا. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((تسموا باسمي وَلَا تكتنوا بكنيتي)) . قَوْله: لاننعمك عينا: أَي لَا نقر عَيْنك بذلك، وَلَا نساعدك عَلَيْهِ. وَقَوله: ((تسموا باسمي وَلَا تكتنوا بكنيتي)) بعض الْعلمَاء يرى أَن هَذَا كَانَ فِي زَمَانه. وَقد اخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد: فَروِيَ أَنه يكره الْجمع بَين اسْمه وكنيته، فَإِن أفرد الكنية عَن الإسم لم يكره، وَرُوِيَ عَنهُ الْكَرَاهَة للْجمع والإفراد، وَرُوِيَ عَنهُ نفي الْكَرَاهَة فِي الْجُمْلَة. 1280 - / 1557 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ: أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فدققت الْبَاب، فَقَالَ: ((من ذَا؟)) فَقلت: أَنا: فَقَالَ: ((أَنا، أَنا)) كَأَنَّهُ كرهها. اعْلَم أَن كَرَاهِيَة هَذِه الْكَلِمَة لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا لَيست بِجَوَاب قَوْله: ((من ذَا؟)) فَبَقيَ سُؤال الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام الَّذِي انْتظر جَوَابه بِلَا جَوَاب. ودق الْبَاب يَوْمًا على بعض الْعلمَاء فَقَالَ: من؟ فَقَالَ الداق: أَنا، فَقَالَ: هَذَا دق ثَان. وَالثَّانِي: أَن لَفْظَة أَنا من غير أَن يُضَاف إِلَيْهَا فلَان تَتَضَمَّن نوع كبر، كَأَنَّهُ يَقُول: أَنا الَّذِي لَا أحتاج الحديث: 1279 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 أَن أسمي نَفسِي، أَو: أتكبر على تَسْمِيَتهَا، فَيكْرَه لهَذَا أَيْضا. 1281 - / 1558 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ: لَا يَرِثنِي إِلَّا كَلَالَة، فَكيف الْمِيرَاث؟ فَنزلت آيَة الْفَرَائِض. أما الْكَلَالَة فقد ذَكرنَاهَا فِي مُسْند عمر. وَأما آيَة الْفَرَائِض فَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم} [النِّسَاء: 11] . وَقَوله: لَيْسَ بِرَاكِب بغل. يَعْنِي أَنه كَانَ مَاشِيا. والبرذون: نوع من الدَّوَابّ مَعْرُوف. 1282 - / 1559 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: ((اهتز الْعَرْش لمَوْت سعد بن معَاذ)) . المُرَاد بالعرش هَا هُنَا عرش الله عز وَجل الَّذِي قَالَ فِيهِ: {ذُو الْعَرْش} [غَافِر: 15] . وَالْعرش فِي اللُّغَة: السرير، وَقد روى إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن سعد الطَّائِي أَنه قَالَ: الْعَرْش: ياقوتة حَمْرَاء. وَفِي معنى اهتزازه قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه تحركه كاهتزاز الْفَرح، وَهَذَا الظَّاهِر. وَالثَّانِي: أَن معنى الإهتزاز: الاستبشار وَالسُّرُور، يُقَال: فلَان يَهْتَز للمعروف: أَي يستبشر وَيسر، وَإِن فلَانا لتأخذه للثناء الحديث: 1281 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 هزة: أَي ارتياح وطلاقه، قَالَه ابْن قُتَيْبَة. وَقد أنكر قوم أَن يكون المُرَاد عرش الله عز وَجل، وَقَالُوا: هُوَ السرير الَّذِي حمل عَلَيْهِ، فروى ((البُخَارِيّ)) فِي هَذَا الحَدِيث أَن رجلا قَالَ لجَابِر: إِن الْبَراء يَقُول: اهتز السرير، فَقَالَ: إِنَّه كَانَ بَين هذَيْن الْحَيَّيْنِ ضغائن، سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ((اهتز عرش الرَّحْمَن لمَوْت سعد بن معَاذ)) ويقصد بالحيين الْأَوْس والخزرج، والضغائن كَانَت بَينهم قبل الْإِسْلَام، وَكَانَ سعد من الْأَوْس والبراء من الْخَزْرَج، وكل مِنْهُم لَا يقر بِفضل صَاحبه عَلَيْهِ. والضغائن: الأحقاد والعداوة. ويروى عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: إِن الْعَرْش لَا يَهْتَز لمَوْت أحد، وَلكنه سَرِيره حمل عَلَيْهِ. فهذان الشخصان - أَعنِي الْبَراء وَابْن عمر - لاحظا تَعْظِيم الْعَرْش؛ فَإِن الله عز وَجل نسبه إِلَيْهِ نِسْبَة الصِّفَات فَقَالَ: {ذُو الْعَرْش} كَمَا قَالَ: {ذُو الرَّحْمَة} [الْأَنْعَام: 133] وَلَا شكّ فِي تَعْظِيمه، غير أَن الْمُؤمن أعظم، وَإِنَّمَا تَأَول مَا لَيْسَ بِصَرِيح، وعرش الرَّحْمَن لفظ صَرِيح لَا يحْتَمل التَّأْوِيل، وَلَو بلغهما هَذَا اللَّفْظ مَا تأولا. ثمَّ أَي فَخر فِي اهتزاز سَرِير؟ وكل سَرِير لمَيت يَهْتَز عِنْد تجاذب الرِّجَال إِيَّاه. فَإِن قيل: مَا فَائِدَة اهتزاز الْعَرْش لمثل هَذِه الْأَشْيَاء؟ فَالْجَوَاب: أَن الله سُبْحَانَهُ لما كَانَ يفعل وَلَا ينفعل، إِذْ لَيْسَ بجسم وَلَا ذِي مزاج وطبع، أَرَادَ إِعْلَام خلقه وَمَلَائِكَته مقادير عظم الْحَوَادِث عِنْده، طَاعَة كَانَت أَو مَعْصِيّة، فيسلط الإنفعال على ذَوَات من خلقه تقبل الإنفعال، كزلزلة الأَرْض ودك الْجبَال واهتزاز الْعَرْش، ليعلم الْعَالم مِقْدَار ذَلِك عِنْده، والخالق سُبْحَانَهُ أبدا يُقيم الْمَخْلُوقَات للمخلوقين معالم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 ومناسك ومرابط، كالكعبة وَالْحجر، وَإِنَّمَا منع من التوسل بالأصنام، لِأَنَّهَا من وضع الْخلق لأَنْفُسِهِمْ. 1283 - / 1560 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ: لما بنيت الْكَعْبَة ذهب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْعَبَّاس ينقلان الْحِجَارَة، فَقَالَ الْعَبَّاس للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجْعَل إزارك على رقبتك، فَخر إِلَى الأَرْض، فطمحت عَيناهُ إِلَى السَّمَاء فَقَالَ: ((أَرِنِي إزَارِي)) فَمَا رئي بعد ذَلِك عُريَانا. اعْلَم أَن الْكَعْبَة بقيت على بِنَاء الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام مُدَّة، ثمَّ انْهَدَمت فبنتها العمالقة ثمَّ مر عَلَيْهَا الدَّهْر فبنتها قُرَيْش، وَكَانَ بناؤها إِيَّاهَا وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُلَام، وَقَالَ الزُّهْرِيّ: لما بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحلم أجمرت امْرَأَة الْكَعْبَة فطارت شرارة فأحرقت ثِيَاب الْكَعْبَة، فوهى الْبَيْت، فنقضته قُرَيْش وبنته. فَلَمَّا أَرَادَ وضع الرُّكْن اخْتلفُوا فِيمَن يرفعهُ من الْقَبَائِل، فَاجْتمع رَأْيهمْ أَن يتحاكموا إِلَى أول دَاخل إِلَى الْمَسْجِد، فَدخل نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ غُلَام فحكموه، فَقَالَ: ((هاتوا ثوبا)) فَأخذ الرُّكْن فَوَضعه فِيهِ بِيَدِهِ، ثمَّ أَمر سيد كل قَبيلَة أَن يَأْخُذ بِنَاحِيَة من الثَّوْب، ثمَّ قَالَ: ((ارفعوه جَمِيعًا)) فَلَمَّا رَفَعُوهُ وَضعه بِيَدِهِ. وَقَوله: فطمحت عَيناهُ. يُقَال: طمح بَصَره: أَي علا وارتفع، وكل مُرْتَفع طامح. وَالظَّاهِر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جزع لانكشاف جسده وَلَيْسَ فِي الحَدِيث دَلِيل على أَنه انْكَشَفَ شَيْء من عَوْرَته. 1284 - / 1562 - وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين: غزونا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحديث: 1283 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 وَقد ثاب مَعَه نَاس من الْمُهَاجِرين حَتَّى كَثُرُوا، وَكَانَ من الْمُهَاجِرين رجل لعاب، فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا. هَذِه الْغُزَاة هِيَ غزَاة الْمُريْسِيع: وَهُوَ مَاء لبني المصطلق، وَإِنَّمَا خرج مَعَه المُنَافِقُونَ لِأَن السّفر كَانَ قَرِيبا، فطعموا فِي الْغَنِيمَة. وثاب بِمَعْنى رَجَعَ. وكسع بِمَعْنى ضرب دبره بِيَدِهِ أَو بِرجلِهِ. وتداعوا بِمَعْنى اسْتَغَاثُوا بالقبائل يستنصرون بهم فِي ذَلِك. وَالدَّعْوَى: الإنتماء. وَكَانَت الْجَاهِلِيَّة تنتمي فِي الإستغاثة إِلَى الْآبَاء فَتَقول: يَا آل فلَان، وَذَلِكَ من العصبية، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن تكون الإستغاثة بِالْإِسْلَامِ وَحكمه، فَإِذا وَقعت بِغَيْرِهِ فقد اعْترض عَن حكمه والإستنصار بِهِ. وَقَوله: ((فَإِنَّهَا خبيثة)) يَعْنِي دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة. وَقَوله: ((لَا يتحدث النَّاس أَنه يقتل أَصْحَابه)) سياسة عَظِيمَة وحزم وافر، لِأَن النَّاس يرَوْنَ الظَّاهِر، وَالظَّاهِر أَن عبد الله بن أبي كَانَ من الْمُسلمين وَمن أَصْحَاب الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَو عُوقِبَ من يظنّ خلاف مَا يظْهر لم يعلم النَّاس ذَلِك الْبَاطِن، فينفرون عَمَّن يفعل هَذَا بِأَصْحَابِهِ. 1285 - / 1563 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ: ((الْحَرْب خدعة)) وَقد فسرناه فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. الحديث: 1285 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 1286 - / 1563 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ: دخل رجل يَوْم الْجُمُعَة وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب، فَقَالَ: ((أصليت؟)) قَالَ: لَا: قَالَ: ((فصل رَكْعَتَيْنِ وَتجوز فيهمَا)) . هَذَا الحَدِيث يشْتَمل على حكمين: أَحدهمَا: أَن الْكَلَام فِي حَال الْخطْبَة لَا يحرم على الْخَطِيب، وَهل يحرم على المستمع؟ فِيهِ عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ. وَإِذا قُلْنَا: يحرم، فَإِنَّمَا يحرم عَلَيْهِ إِذا كَانَ بِحَيْثُ يسمع، فَأَما إِذا كَانَ بِحَيْثُ لَا يسمع لم يحرم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: الْكَلَام مَحْظُور على الْخَطِيب والمستمع، سَوَاء كَانَ بِحَيْثُ يسمع أَو لَا يسمع. وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ: أَحدهمَا مثل هَذَا، وَالثَّانِي: لَا يحرم ذَلِك. وَالْحكم الثَّانِي: اسْتِحْبَاب تَحِيَّة الْمَسْجِد وَإِن كَانَ الْخَطِيب فِي الْخطْبَة، وَهَذَا قَول أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَدَاوُد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يسْتَحبّ. وَتجوز فيهمَا: أَي خففهما وَلَا تطل. وَهَذَا الرجل اسْمه سليك الْغَطَفَانِي، وَقد سمي فِي الحَدِيث. 1287 - / 1565 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ: أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن أبي بَعْدَمَا أَدخل حفرته، فَأمر بِهِ فَأخْرج، فَوَضعه على رُكْبَتَيْهِ، وَنَفث فِيهِ من رِيقه، وَألبسهُ قَمِيصه، الحديث: 1286 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 وَكَانَ كسا عباسا قَمِيصًا. وَقد سبق فِي مُسْند ابْن عمر أَن ولد عبد الله بن أبي طلب من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَمِيصه ليكفن فِيهِ أَبَاهُ، فَيجوز أَن يكون جَابر شَاهد من ذَلِك مَا لم يُشَاهِدهُ ابْن عمر، وَيجوز أَن يكون أعطَاهُ قميصين: قَمِيصًا للكفن، ثمَّ أخرجه فألبسه آخر، وَقد بَين فِي هَذَا الحَدِيث سَبَب إِعْطَائِهِ الْقَمِيص. وَقَوله: فوجدوا قَمِيص ابْن أبي يقدر عَلَيْهِ: أَي يكون بِقَدرِهِ فِي الطول وَيصْلح للباسه، وَهَذَا لِأَن الْعَبَّاس كَانَ جسيما طَويلا، وَكَذَلِكَ ابْن أبي. 1288 - / 1566 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: بعثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأميرنا أَبُو عُبَيْدَة. فَذكر الحَدِيث الْمُتَقَدّم فِي مُسْند أبي عُبَيْدَة، إِلَّا أَن فِي هَذَا الحَدِيث كَلِمَات لم نذكرها ثمَّ، مِنْهَا: وادهنا من الودك. والودك: الدّهن الْخَارِج من الشَّحْم الْمُذَاب. وَقَوله: ثَابت أجسامنا: أَي رجعت قوتها. وَفِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث - وَلم يذكرهُ الْحميدِي: فَإِذا حوت فأكلنا مِنْهُ مَا أحببنا - بِالْبَاء. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ لنا أشياخنا. وَقَالَ اللغويون مِنْهُم: الصَّوَاب: مَا أحيينا، بياءين: أَي قوينا وَرجعت إِلَيْنَا نفوسنا. وَقَوله: وَجلسَ فِي حجاج عينه نفر. الْحجَّاج: الْعظم المشرف الحديث: 1288 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 على الْعين، وهما حجاجان، لكل عين حجاج. والقلة: الجرة، قَالَ ابْن فَارس: الْقلَّة مَا أَقَله الْإِنْسَان من جرة أَو حب، وَلَيْسَ فِي ذَلِك عِنْد أهل اللُّغَة حد مَحْدُود. وَقَوله: نحر ثَلَاث جزائر. الجزائر جمع جزور: وَهُوَ مَا قصد بِهِ الذّبْح. 1289 - / 1568 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ: مر رجل بسهام فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((أمسك بنصالها)) . نصال السهْم ونصولها: حديديها. وَفِي لفظ: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا كَانَ ينْصَرف بِالنَّبلِ. كَذَا كتب الْحميدِي بِخَطِّهِ: ينْصَرف، وَهُوَ سَهْو، وَإِنَّمَا هُوَ يتَصَدَّق بِالنَّبلِ. كَذَا ذكره أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي وَغَيره. 1290 - / 1569 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: ((يخرج من النَّار قوم كَأَنَّهُمْ الثعارير)) قيل: مَا الثعارير؟ قَالَ: ((الضغابيس)) . قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الثعارير والضغابيس: صغَار القثاء. 1291 - / 1570 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ: كَانَ معَاذ يُصَلِّي مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ يَأْتِي فيؤم قومه. الحديث: 1289 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 قد احْتج بِهَذَا الحَدِيث من يرى جَوَاز اقْتِدَاء المفترض بالمتنفل، وَمن يُصَلِّي الظّهْر بِمن يُصَلِّي الْعَصْر، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي، والمنصور من الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد أَنه لَا يجوز ذَلِك، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك، وَالْجَوَاب عَن احتجاجهم أَن حَدِيث معَاذ قَضِيَّة فِي عين، فَيحْتَمل أَن معَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نفلا ثمَّ يُصَلِّي بقَوْمه الْفَرِيضَة. فَإِن قَالُوا: فقد رُوِيَ عَن جَابر أَنه قَالَ: فَيكون لَهُ تَطَوّعا. قُلْنَا: لَا يَصح، وَلَو صَحَّ كَانَ ظنا من جَابر. وَإِن قَالُوا: فَكيف يتْرك معَاذ فَضِيلَة الْفَرِيضَة خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قُلْنَا: يحْتَمل أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره أَن يُصَلِّي بقَوْمه الْفَرَائِض فامتثل أمره. وَالرجل الَّذِي انحرف وَصلى وَحده اسْمه حرَام بن ملْحَان، خَال أنس بن مَالك. والنواضح: مَا يسْتَعْمل من الْإِبِل فِي سقِِي الزَّرْع وَالنَّخْل. وَقَوله: ((أفتان أَنْت؟)) اسْتِفْهَام إِنْكَار. وَالْمعْنَى: أَتُرِيدُ أَن تصرف النَّاس عَن صَلَاة الْجَمَاعَة؟ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: أَتُرِيدُ صرف النَّاس عَن الدّين. وجنح اللَّيْل: أظلم. 1292 - / 1571 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ: قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِينَا: {إِذْ هَمت طَائِفَتَانِ مِنْكُم أَن تَفْشَلَا} [آل عمرَان: 122] بني سَلمَة الحديث: 1292 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 وَبني حَارِثَة. الطَّائِفَة: الْجَمَاعَة. والفشل: الْجُبْن والخور. وَهَذَا كَانَ فِي غَزْوَة أحد. وَقيل: لما رَجَعَ عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه يَوْم أحد هَمت الطائفتان بذلك، فعصمهما الله عز وَجل. 1293 - / 1572 - وَفِي الحَدِيث الْخمسين: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((من لكعب بن الْأَشْرَف؟)) . كَانَ كَعْب من رُؤَسَاء الْيَهُود، وَكَانَ يهجو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه، وَبكى على قَتْلَى قُرَيْش يَوْم بدر، وحرضهم بالشعر، فَمضى إِلَيْهِ مُحَمَّد بن مسلمة وَأَبُو نائلة - واسْمه سلكان بن سَلامَة بن وقش الأشْهَلِي، وَكَانَ أَبُو نائلة أَخا كَعْب من الرضَاعَة، فَاسْتَأْذَنا، فَقَالَت امْرَأَته: أسمع صَوتا كَأَنَّهُ صَوت دم. فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّد ورضيعه أَبُو نائلة. كَذَا قَالَ الرَّاوِي: ورضيعه، إِنَّمَا قَالَ: ورضيعي، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي لفظ آخر. واللأمة: السِّلَاح. فَإِن قيل: كَيفَ أذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قتل كَعْب فتكا وَقد قَالَ: ((الْإِيمَان قيد الفتك)) فَالْجَوَاب: أَنه نقض الْعَهْد، فَجَاز قَتله على أَي صفة كَانَت، كَمَا يجوز تبييت الْكفَّار على غرَّة، وَإِنَّمَا الفتك بِمن الحديث: 1293 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 لَا يحل قَتله. قَالَ جَابر بن عبد الله: كَانَ كَعْب بن الْأَشْرَف عَاهَدَ رَسُول الله أَلا يعين عَلَيْهِ وَلَا يقاتله، وَلحق بِمَكَّة. ثمَّ قدم الْمَدِينَة مُعْلنا بمعاداة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ أبياتا يهجوه بهَا، فَعِنْدَ ذَلِك ندب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قَتله. 1294 - / 1573 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْخمسين: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن صِيَام يَوْم الْجُمُعَة وَالْمرَاد إِفْرَاده بِالصَّوْمِ، وسنشرح هَذَا فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 1295 - / 1574 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْخمسين: ((إِن كَانَ فِي شَيْء من أدويتكم شِفَاء فَفِي شرطة محجم، أَو لذعة بِنَار. وَمَا أحب أَن أكتوي)) . وَقد تكلمنا فِي الكي فِي مُسْند عمرَان بن الْحصين، وَبينا مراتبه. وَقَوله: رقي سعد فِي أكحله. الأكحل: عرق مَعْرُوف فِي ذِرَاع الْإِنْسَان. وَقَوله: فحسمه. قَالَ أَبُو عبيد: أصل الحسم الْقطع، وَإِنَّمَا أَرَادَ بالحسم أَنه قطع الدَّم عَنهُ. والمشقص: نصل السهْم إِذا كَانَ طَويلا وَلَيْسَ بالعريض، فَإِذا كَانَ الحديث: 1294 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 عريضا وَلَيْسَ بالطويل فَهُوَ معبلة. 1296 - / 1575 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْخمسين: مرت جَنَازَة فَقَامَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد بَينا أَن الْقيام للجنازة مَنْسُوخ، فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. 1297 - / 1576 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْخمسين: بَينا نَحن نصلي إِذْ أَقبلت عير تحمل طَعَاما، فالتفتوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِي مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا اثْنَا عشر رجلا، فَنزلت: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِما} [الْجُمُعَة: 11] . قَوْله: بَيْنَمَا نَحن نصلي: أَي حَضَرنَا للصَّلَاة. وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَئِذٍ يخْطب قَائِما. وَقد بَين فِي هَذَا الحَدِيث، وَكَانَ الْقَوْم قد أَصَابَهُم جوع وَغَلَاء سعر، فَقدم دحْيَة بن خَليفَة - قبل أَن يسلم - بِتِلْكَ العير - وَالْعير: الْإِبِل تحمل الْميرَة - وَضرب لَهُ طبل يُؤذن النَّاس، وَهُوَ اللَّهْو، وَهَذِه كَانَت عَادَتهم إِذا قدمت عير. وانفضوا: تفَرقُوا. فَإِن قيل: لماذا قَالَ: {إِلَيْهَا} وَلم يقل ((إِلَيْهِمَا)) ؟ فَجَوَابه من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن التِّجَارَة كَانَت أهم إِلَيْهِم فَرد الضَّمِير إِلَيْهَا، هَذَا قَول الْفراء والمبرد. وَالثَّانِي: أَن الْمَعْنى: وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة انْفَضُّوا إِلَيْهَا أَو لهوا انْفَضُّوا إِلَيْهِ، فَحذف خبر أَحدهمَا لِأَن الْخَبَر الثَّانِي يدل على الْمَحْذُوف، قَالَه الزّجاج. الحديث: 1296 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 1298 - / 1577 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْخمسين: جهش النَّاس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْحُدَيْبِيَة. أَي فزعوا إِلَيْهِ وأسرعوا نَحوه واستغاثوا بِهِ. وَيُقَال: جهش فلَان: إِذا تهَيَّأ للبكاء. قَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا سميت الْحُدَيْبِيَة لشَجَرَة كَانَت بذلك الْموضع. 1299 - / 1578 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْخمسين: ((نصرت بِالرُّعْبِ من مسيرَة شهر)) . الرعب: الْفَزع. وَالْمعْنَى أَنه يَقع فِي قُلُوب الْأَعْدَاء من مسيرَة شهر. وَقَوله: ((وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا)) قد فسرناه فِي مُسْند حُذَيْفَة. وَقَوله: ((وَأحلت لي الْغَنَائِم)) كَانَ من سلف من الْأُمَم إِذا غزوا فغنموا جَمَعُوهُ، فَأَقْبَلت نَار فأكلته، فَإِن كَانُوا قد غلوا شَيْئا من الْغَنِيمَة امْتنعت. وَكَذَلِكَ كَانُوا إِذا قربوا قربانا من ذبح وَغَيره، فَإِن نزُول النَّار كَانَ عَلامَة الْقبُول. وَقَوله: ((وَبعثت إِلَى النَّاس عَامَّة)) كَانَ النَّبِي إِذا بعث فِي الزَّمَان الأول إِلَى قوم بعث غَيره إِلَى آخَرين، وَكَانَ يجْتَمع فِي الزَّمن الْوَاحِد جمَاعَة من الرُّسُل. فَأَما نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ انْفَرد بِالْبَعْثِ فَصَارَ نذيرا للْكُلّ من غير أَن يزاحمه أحد. وقرأت بِخَط ابْن عقيل قَالَ: جَاءَت فَتْوَى من دمشق: مَا تَقولُونَ فِي هَذَا الحَدِيث: ((بعثت إِلَى الْخلق كَافَّة)) الحديث: 1298 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 وَالنَّظَر والتأمل يمْنَع صِحَة هَذَا، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ النَّبِي مَبْعُوثًا إِلَى قوم يبلغ من تعدته إِلَى غَيرهم، لِأَن صفة التخصص فِي الْإِرْسَال لَا تَقْتَضِي الْعُمُوم، كَمَا لَو قَالَ الْقَائِل لرَسُوله: اذْهَبْ إِلَى بني تَمِيم، فَإِنَّهُ إِذا تعدى إِلَى بني عدي كَانَ مُخَالفا. فَلَو كَانَ مُوسَى مَخْصُوصًا ببني إِسْرَائِيل ثمَّ جَاءَهُ غَيرهم من الْأُمَم يسألونه عَمَّا جَاءَ بِهِ لم يجز لَهُ كِتْمَانه عَنْهُم، وَلَا أَن يَقُول إِنِّي غير مَبْعُوث إِلَيْكُم، بل كَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِ إِجَابَة التّرْك وَالْفرس وَالْعرب وكل من سَأَلَهُ عَن الْأَحْكَام الَّتِي جَاءَ بهَا بِمَا بعث بِهِ إِلَى بني إِسْرَائِيل، بل كَانَ لَا يجوز لَهُ أَن يُجيب أحدا من هَؤُلَاءِ إِذا كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى بني إِسْرَائِيل خَاصَّة. قَالَ السَّائِل: وَأَيْضًا إِذا قَالَ لَهُ: مر بني إِسْرَائِيل بِالصَّلَاةِ، وَمن زنى من بني إِسْرَائِيل فعاقبه على زِنَاهُ، لم يجز أَن يُعَاقب غَيرهم على الزِّنَا، وَهَذَا كَالْحكمِ إِذا علق على غَايَة لَا يتَعَدَّى إِلَى غَيرهَا. فَإِن قُلْنَا: إِنَّه منع من إرشاد من جَاءَ إِلَيْهِ للإسترشاد من أَنْوَاع الْخلق لم يجز ذَلِك، وَإِذا بَطل هَذَانِ القسمان ثَبت أَن كل رَسُول إِنَّمَا بعث إِلَى جَمِيع الْخلق. وَلَيْسَ لقَائِل أَن يَقُول: أَنه أرسل إِلَى بني إِسْرَائِيل خَاصَّة، وَالنَّاس بِالْخِيَارِ بَين اتِّبَاعه وَتَركه. قَالَ السَّائِل: وَطَرِيقَة أُخْرَى: وَهُوَ أَن الله تَعَالَى رفع الْعَذَاب عَن الْخلق مَعَ عدم الرُّسُل بقوله: {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} [الْإِسْرَاء: 15] وَأثبت الْحجَّة على الْخلق ببعثه الرُّسُل. وَقد ثَبت أَن الله تَعَالَى أهلك جَمِيع أهل الأَرْض بالطوفان، وَمَا ذَلِك إِلَّا لمُخَالفَة نوح، فَلَو لم يكن مُرْسلا إِلَى جَمَاعَتهمْ لما أهلكهم بمخالفته ودعا عَلَيْهِم. وَلَيْسَ لقَائِل أَن يَقُول: فقد قَالَ فِي حق نوح: {إِنَّا أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه} [نوح: 1] {وَإِلَى مَدين أَخَاهُم شعيبا} [الْأَعْرَاف: 85] فقد خصص مثل ذَلِك نَبينَا بقوله: {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} [التَّوْبَة: 128] فامتن على قُرَيْش بذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 فَأجَاب حنبلي مُحَقّق فِي الْأُصُول - يَعْنِي ابْن عقيل نَفسه - فَقَالَ: إِن خصيصة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَاصِلَة من جِهَة خُفْيَة عَن كثير من الْعلمَاء؛ وَذَلِكَ أَن شَرِيعَة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَت ناسخة لكل شَرِيعَة قبلهَا، فَلم يبْق يَهُودِيَّة وَلَا نَصْرَانِيَّة وَلَا دين من سَائِر الْأَدْيَان الَّتِي جَاءَت بهَا النبوات إِلَّا أَمر بِتَرْكِهَا ودعا إِلَى شَرِيعَته، وَمعنى قَوْله: ((كل نَبِي بعث إِلَى قومه)) المُرَاد أَنه قد كَانَ يجْتَمع فِي الْعَصْر الْوَاحِد نبيان يَدْعُو كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى شَرِيعَة تختصه وَلَا يَدْعُو الْأمة الَّتِي بعث فِيهَا غَيره إِلَى دينه وَلَا يصرف عَنهُ، وَلَا ينْسَخ مَا جَاءَ بِهِ الآخر، فَهَذِهِ خصيصة لم تكن لأحد قبله، حَتَّى إِن نوحًا لم ينْقل أَنه كَانَ مَعَه نَبِي، فَدَعَا إِلَى مِلَّته مِلَّة ذَلِك النَّبِي وَلَا نسخهَا، وَهَذَا يدْفع مَا قَالُوا وقدروه من الأسئلة وعقبوه بالأجوبة، ويوضح هَذَا أَنه لما وجد ورقة من التَّوْرَاة بيد عمر قَالَ: ((ألم آتكم بهَا بيضًا نقية؟ وَالله لَو أدركني مُوسَى لما وَسعه إِلَّا اتباعي)) . لِأَنَّهُ لَا يقدر عِيسَى أَن يَقُول فِي التَّوْرَاة وَلَا فِي حق مُوسَى هَذِه الْمقَالة، فَعلم أَن هَذِه الخصيصة الَّتِي امتاز بهَا عَن جَمِيع الْأَنْبِيَاء دون مَا توهمه السَّائِل من الْبعْثَة الْعَامَّة إِلَى جَمِيع النَّاس وَدون أَرْبَاب الشَّرَائِع، وَالله أعلم. 1300 - / 1579 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْخمسين: رَأَيْت بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمصا، فَانْكَفَأت إِلَى امْرَأَتي، وَلنَا بَهِيمَة دَاجِن فذبحتها وقطعتها فِي برمتها. الخمص: الْجُوع. والمخمصة: المجاعة. الحديث: 1300 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 وانكفأت: رجعت. والداجن: مَا يحبس فِي الْبَيْت من الْغنم. والبرمة: الْقدر. وَقَوله: ((صنع لكم سورا)) هَذِه كلمة فارسية، قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: قَالَ ثَعْلَب: إِنَّمَا يُرَاد من هَذَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تكلم بِالْفَارِسِيَّةِ فَقَالَ: ((صنع لكم سورا)) أَي طَعَاما دَعَا إِلَيْهِ النَّاس. وَقَوله: ((فحي هلا بكم)) . كلمة حث واستعجال، قَالَ لبيد: ( ... . ... وَلَقَد تسمع قولي حيهل) قَوْله: فَقَالَت: بك وَبِك، وَهَذَا كِنَايَة عَن اللوم والسب. وَقَوله: فبسق: أَي بزق. يُقَال: بزق وبسق وبصق. قَالَ شَيخنَا أَبُو مَنْصُور اللّغَوِيّ: مرض النَّضر بن شُمَيْل فَدخل عَلَيْهِ النَّاس يعودونه، فَقَالَ لَهُ رجل: مسح الله مَا بك. فَقَالَ النَّضر: لَا تقل: مسح، وَقل: مصح، ألم تسمع قَول الْأَعْشَى: (وَإِذا الْخمْرَة فِيهَا أزبدت ... أفل الإزباد فِيهَا ومصح) فَقَالَ الرجل: لَا بَأْس، السِّين قد تعاقب الصَّاد فتقوم مقَامهَا. فَقَالَ النَّضر: فَيَنْبَغِي أَن تَقول لمن اسْمه سُلَيْمَان: يَا صليمان، وَتقول: قَالَ رصول الله، ثمَّ قَالَ النَّضر: لَا يكون الصَّاد مَعَ السِّين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 إِلَّا فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع: إِذا كَانَت مَعَ الطَّاء وَالْخَاء وَالْقَاف والغين، تَقول فِي الطَّاء: سطر وصطر، وَفِي الْخَاء صَخْر وسخر، وَفِي الْقَاف صقب وسقب، وَفِي الْغَيْن صدغ وسدغ. فَإِذا تقدّمت هَذِه الأحرف الْأَرْبَعَة السِّين لم يجز ذَلِك، وَلَا يجوز أَن تَقول خصر وخسر، وَلَا قصب وقسب، وَلَا طرس وطرص، وَلَا غسل وغصل. وَقَوله: ((اقدحي من برمتكم)) أَي اغرفي مَا فِيهَا، والمقدحة: المغرفة. المقدح: الحديدة الَّتِي يقْدَح بهَا النَّار، أَي يسْتَخْرج، والقداح من الإستخراج أَيْضا. وَقَوله: وَإِن برمتنا لتغط: أَي تغلي بِمَا فِيهَا. يُقَال: غطت الْقدر تغط، وغطيطها: صَوت غليانها. وَقَوله: فعرضت كدية. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الكدية قِطْعَة من الأَرْض غَلِيظَة صلبة. يُقَال: حفرت حَتَّى أكديت. وَقد رَوَاهُ بَعضهم: فعرضت كبدة. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: وَهِي الْقطعَة الصلبة، وَمثله قَوس كبداء: شَدِيدَة. وَقَوله: وبطنه معصوب: أَي مشدود بِالْعِصَابَةِ من الْجُوع. وَقَوله: فَعَاد كثيبا أهيل. الأهيل: المنهار الَّذِي لَا يتماسك. يُقَال: كثيب أهيل وأهيم: وَهُوَ الرمل الْيَابِس الَّذِي لم يمر بِهِ الْمَطَر، فَهُوَ إِلَى السيلان أسْرع. والأثافي: حِجَارَة تُوضَع تَحت الْقدر، وَيُقَال فِيهَا أفافي، كَمَا يُقَال جدث وجدف. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 وَقَوله: ((لَا تضاغطوا)) أَي لَا تزدحموا. وَقَوله: ويخمر البرمة: أَي يغطيها حَتَّى لَا يرى نقصانها وَلَا زيادتها. 1301 - / 1580 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْخمسين: ((مثلي وَمثل الْأَنْبِيَاء كَرجل بنى دَارا فأكملها وأحسنها إِلَّا مَوضِع لبنة، وَجعل النَّاس يعْجبُونَ وَيَقُولُونَ: لَوْلَا مَوضِع اللبنة)) وَفِي لفظ: ((فَأَنا مَوضِع اللبنة)) . اعْلَم أَن بَدْء الشَّرَائِع كَانَ على التَّخْفِيف، فَلَا يعرف فِي شرع نوح وَهود وَصَالح وَإِبْرَاهِيم تثقيل، ثمَّ جَاءَ مُوسَى بِالتَّشْدِيدِ والإثقال، وَجَاء عِيسَى بِنَحْوِ من ذَلِك، وَجَاءَت شَرِيعَة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنسخ تَشْدِيد أهل الْكتاب، وَلَا تطلق فِي تسهيل من كَانَ قبلهم، فَهِيَ على غَايَة من الإعتدال مَعَ مَا تحوي من محَاسِن الْآدَاب وتلقيح الْعُقُول وَتَعْلِيم الفطنة، وتدل على استنباط خَفِي الْمعَانِي، إِلَى غير ذَلِك مِمَّا لم يكن فِيمَا تقدم. 1302 - / 1581 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْخمسين: صلى جَابر فِي إِزَار وثيابه على المشجب. المشجب: أَعْوَاد متداخلة يَجْعَل عَلَيْهَا الثِّيَاب. وَقَوله: ((مَا السرى؟)) السرى: سير اللَّيْل، وَالْمعْنَى: لأي شَيْء كَانَ مسراك اللَّيْلَة؟ وَقَوله: ((مَا هَذَا الإشتمال؟)) الإشتمال: الالتفاف بِالثَّوْبِ حَتَّى يَشْمَل الملتف وَلَا يخرج يَده مِنْهُ، فَلهَذَا أنكرهُ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: ((إِن كَانَ الحديث: 1301 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 وَاسِعًا فالتحف بِهِ، وَإِن كَانَ ضيقا فاتزر بِهِ)) . وَقَوله: ((أَلا تشرع؟)) الْمَعْنى: أَلا تورد الْإِبِل المشرعة. والشريعة: مورد الْإِبِل الشاربة المَاء. قَالَ الزّجاج: يُقَال: شرعت فِي المَاء: إِذا دَخلته، وشرعت بَابا إِلَى الطَّرِيق، وشرعت فِي الدّين شَرِيعَة، وأشرعت الرمْح نَحْو الْعَدو: إِذا صوبته إِلَيْهِ وَقَالَ أَبُو عمر الزَّاهِد: أشرعت بَابا إِلَى الطَّرِيق، لَا غير. وَقَوله: متوشحا بِهِ. يُقَال: توشح الرجل بِالثَّوْبِ: إِذا تجلله وَبسطه على جسده. 1303 - / 1582 - وَفِي الحَدِيث السِّتين: بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقسم غنيمَة إِذْ قَالَ لَهُ رجل: اعْدِلْ. فَقَالَ ((لقد شقيت إِن لم أعدل)) . هَذَا الرجل يُقَال لَهُ ذُو الْخوَيْصِرَة، كَذَلِك ذكره أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ فِي مُسْنده. وَالتَّاء فِي ((شقيت)) مَفْتُوحَة، كَذَلِك سمعناها من أشياخنا، وَالْمعْنَى أَنَّك إِذا تبِعت من لَا يعدل فقد شقيت، وَقد روى بَعضهم بِضَم التَّاء، وَالْأول أصح. وَقَوله: ((معَاذ الله أَن يتحدث النَّاس أَنِّي أقتل أَصْحَابِي)) قد بَينا فِي الحَدِيث الْأَرْبَعين من هَذَا الْمسند وَجه هَذَا. وَقَوله: ((لَا يُجَاوز حَنَاجِرهمْ)) الْمَعْنى أَنهم لَا يفهمون مَا فِيهِ وَلَا الحديث: 1303 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 يعْرفُونَ مضمونه، فَإِن هَذَا الشَّخْص لَو عرف وجوب طَاعَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْقُرْآن وَأَنه على الْحق فِي جَمِيع أَحْوَاله مَا قَالَ هَذَا، وَلكنه اقْتصر على الْقِرَاءَة من غير تدبر لما يقْرَأ. وَقَوله: ((كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية)) قد سبق فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. 1304 - / 1583 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالشُّفْعَة فِي كل مَال لم يقسم، فَإِذا وَقعت الْحُدُود وصرفت الطّرق فَلَا شُفْعَة. هَذَا الحَدِيث دَلِيل على إِثْبَات الشُّفْعَة فِي الْمشَاع ونفيها عَمَّا قد قسم. وَمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل أَن الشُّفْعَة لَا تسْتَحقّ بالجوار. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تسْتَحقّ بالجوار. 1305 - / 1584 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن إهلال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذِي الحليفة حِين اسْتَوَت بِهِ رَاحِلَته قد سبق بَيَان هَذَا فِي مُسْند ابْن عمر. 1306 - / 1585 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: قَالَ جَابر: لما حضر أحد الحديث: 1304 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 دَعَاني أبي من اللَّيْل فَقَالَ: مَا أَرَانِي إِلَّا مقتولا فِي أول من يقتل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. اسْم أبي جَابر عبد الله بن عَمْرو. وَكَانَ من النُّقَبَاء الإثني عشر، وَشهد بَدْرًا. وَقَوله: مَا أَرَانِي إِلَّا مقتولا. دَلِيل على أَن الرجل علم من نَفسه قُوَّة الْجد فِي الْجِهَاد والإقدام فِي الأول، فَلذَلِك قَالَ: فِي أول من يقتل. وَكَانَ لَهُ تسع بَنَات، فَلذَلِك قَالَ: واستوص بأخواتك. قَوْله: ودفنت مَعَه آخر. وَالرجل الَّذِي دفن مَعَه عَمْرو بن الجموح، فَإِنَّهُمَا دفنا فِي قبر وَاحِد لِكَثْرَة الْقَتْلَى يَوْمئِذٍ، فَأخْرجهُ جَابر بعد سِتَّة أشهر فدفنه فِي قبر على حِدة، ثمَّ نقل عَن ذَلِك الْقَبْر بعد سِنِين لأجل إِجْرَاء عين من المَاء. أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْقَزاز قَالَ: أخبرنَا عبد الْعَزِيز بن عَليّ الْحَرْبِيّ قَالَ: أخبرنَا أَبُو طَاهِر المخلص، قَالَ: حَدثنَا الْبَغَوِيّ قَالَ: حَدثنَا عبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد قَالَ: حَدثنَا عبد الْجَبَّار بن الْورْد قَالَ: سَمِعت أَبَا الزبير قَالَ: سَمِعت جَابر بن عبد الله يَقُول: كتب مُعَاوِيَة إِلَى عَامله بِالْمَدِينَةِ أَن يجْرِي عينا إِلَى أحد، فَكتب لَهُ عَامله: إِنَّهَا لَا تجْرِي إِلَّا على قُبُور الشُّهَدَاء، فَكتب إِلَيْهِ أَن أنفذها. قَالَ فَسمِعت جَابِرا يَقُول: فرأيتهم يخرجُون على رِقَاب الرِّجَال كَأَنَّهُمْ نوم، حَتَّى أَصَابَت المسحاة قدم حَمْزَة فانبعثت دَمًا. أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْبَزَّاز قَالَ: أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْجَوْهَرِي قَالَ: أخبرنَا ابْن حيويه قَالَ: حَدثنَا ابْن الْفَهم قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سعد قَالَ: أخبرنَا عَمْرو بن الْهَيْثَم قَالَ: حَدثنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 هِشَام الدستوَائي عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ: صرخَ بِنَا إِلَى قَتْلَانَا يَوْم أحد حِين أجْرى مُعَاوِيَة الْعين فأخرجناهم بعد أَرْبَعِينَ سنة لينَة أَجْسَادهم تتثنى أَطْرَافهم. 1307 - / 1586 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: سُئِلَ عَمَّن حلف قبل أَن يذبح. وَقد سبق فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1308 - / 1587 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: ((عمْرَة فِي رَمَضَان تقضي حجَّة معي)) قد سبق فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1309 - / 1588 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: ((كل مَعْرُوف صَدَقَة)) . الْمَعْرُوف: فعل شَيْء من الْخَيْر يتَطَوَّع بِهِ الْفَاعِل، فَيجْرِي لذَلِك مجْرى الصَّدَقَة، وَقد سبق هَذَا فِي مُسْند حُذَيْفَة. 1310 - / 1589 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: ((رحم الله رجلا سَمحا)) أَي سهلا. 1311 - / 1590 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: ((من قَالَ حِين يسمع النداء: اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة التَّامَّة)) . الحديث: 1307 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 النداء يَعْنِي بِهِ الْأَذَان. وَقد سبق فِي أول الْكتاب معنى اللَّهُمَّ. والدعوة التَّامَّة: التَّوْحِيد. قَالَ عز وَجل: {لَهُ دَعْوَة الْحق} [الرَّعْد: 14] ، وَإِنَّمَا قيل لَهَا التَّامَّة لِأَنَّهُ لَا نقص فِيهَا وَلَا عيب، إِذْ لَو كَانَ للموحد شريك كَانَ ذكر التَّوْحِيد نَاقِصا. والوسيلة: الْقرْبَة. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال: توسلت إِلَيْهِ: أَي تقربت، وَأنْشد: (إِذا غفل الواشون عدنا لوصلنا ... وَعَاد التصافي بَيْننَا والوسائل) وَالْمقَام الْمَحْمُود: الَّذِي يحمده لأَجله جَمِيع أهل الْموقف، وَفِيه قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه الشَّفَاعَة للنَّاس يَوْم الْقِيَامَة، قَالَه ابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وَابْن عمر وسلمان وَجَابِر فِي خلق كثير. وَالثَّانِي: يجلسه على الْعَرْش، رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَمُجاهد. وَقَالَ عبد الله بن سَلام: يقعده على الْكُرْسِيّ. 1312 / 1591 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: كَانَ يعلمنَا الاستخارة. والاستخارة: أَن يسْأَل عز وَجل خير الْأَمريْنِ. 1313 - / 1592 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: اصطبح الْخمر يَوْم أحد نَاس، قتلوا شُهَدَاء. الحديث: 1313 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 الإصطباح: شرب أول النَّهَار. وَكَانَت يَوْمئِذٍ حَلَالا، وَإِنَّمَا حرمت بعد وقْعَة أحد. 1314 - / 1593 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: لما نزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {على أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من فَوْقكُم} [الْأَنْعَام: 65] قَالَ: ((أعوذ بِوَجْهِك)) . الْعَذَاب: الْأَلَم المستمر. والفوق من ظروف الْمَكَان، ويقابله التحت. وَفِي هَذَا الْعَذَاب قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن الَّذِي فَوْقهم مَا ينزل من السَّمَاء، كَمَا حصب قوم لوط. وَالَّذِي من تَحت أَرجُلهم: كَمَا خسف بقارون، قَالَه ابْن عَبَّاس وَالسُّديّ. وَالثَّانِي: أَن الَّذِي من فَوْقهم من قبل أمرائهم، وَالَّذِي من تَحْتهم من سفلتهم، رَوَاهُ عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: الَّذِي من فَوْقهم أَئِمَّة السوء، وَالَّذِي من تَحت أَرجُلهم عبيد السوء. وَقَوله: {أَو يلْبِسكُمْ شيعًا} قَالَ ابْن عَبَّاس: يبث فِيكُم الْأَهْوَاء الْمُخْتَلفَة فتصيرون فرقا. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يلْبِسكُمْ من الإلتباس عَلَيْهِم، فَالْمَعْنى: حَتَّى يَكُونُوا شيعًا: أَي فرقا مُخْتَلفين، ثمَّ يُذِيق بَعْضكُم بَأْس بعض بِالْقِتَالِ وَالْحَرب. وأصل الْبَأْس: الشدَّة فِي الْحَرْب. الحديث: 1314 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 1315 - / 1594 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: الَّذِي قتل خبيبا هُوَ أَبُو سروعة. وَكَانَ خبيب قد قتل يَوْم بدر الْحَارِث بن عَامر، فَلَمَّا بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبيبا فِي بعض السَّرَايَا، أَخذ فَبيع بِمَكَّة، فَاشْتَرَاهُ بَنو الْحَارِث، فَقتله مِنْهُم أَبُو سروعة بن الْحَارِث، وَسَيَأْتِي هَذَا فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة مشروحا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 1316 - / 1596 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: إِن أَبَاهُ توفّي وَترك عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ وسْقا لرجل من الْيَهُود. الوسق: سِتُّونَ صَاعا. وَقَوله: ((إِذا جددته)) جددت بِمَعْنى قطعت الثَّمر. وجداد النّخل: قطع ثَمَرهَا. والمربد: البيدر، وَهُوَ الجرين أَيْضا حَيْثُ يوضع التَّمْر قبل أَن يوضع فِي الأوعية وينقل إِلَى الْبيُوت. وَيُقَال لموقف الْإِبِل مربد أَيْضا، واشتقاقه من ربد: إِذا أَقَامَ. والمربد والجرين لأهل الْحجاز. والأندر لأهل الشَّام. والبيدر لأهل الْعرَاق، ويسميه أهل الْبَصْرَة الجوخان. والعجوة نوع من التَّمْر، وَهِي من أَجود تمور الْمَدِينَة. وعذق زند: نوع مَعْرُوف. الحديث: 1315 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 وتمزعوه: أَي اقتسموه. والناضح من الْإِبِل: مَا يسقى عَلَيْهِ المَاء. وأزحف الْبَعِير وزحف وأزحفه السّير: إِذا قَامَ من الإعياء وَلم يقدر على النهوض. 1317 - / 1597 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: نهى أَن تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا وخالتها. وَهَذَا مِمَّا ثَبت تَحْرِيمه بِالسنةِ، وعلته خوف التقاطع. 1318 - / 1598 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الظروف، فَقَالَت الْأَنْصَار: إِنَّه لَا بُد لنا مِنْهَا، قَالَ: ((فَلَا إِذن)) . كَانَ النَّهْي عَن الظروف خوف اشتداد مَا ينْبذ فِيهَا، فَلَمَّا أخبروا بحاجتهم إِلَيْهَا عِنْد نَهْيه قَالَ: ((فَلَا إِذن)) أَي: لَا أنهى عَنْهَا، وَيكون الإعتبار على هَذَا بالإشتداد، فَإِذا اشْتَدَّ أريق، أَو أَن يحترزوا من تَركه مُدَّة يشْتَد فِيهَا. 1319 - / 1599 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: كُنَّا إِذا صعدنا كبرنا، وَإِذا نزلنَا سبحنا. لما كَانَ الصعُود ارتفاعا ناسبه التَّكْبِير. أَي أَن الله سُبْحَانَهُ أكبر من كل كَبِير وَأَعْلَى من كل رفيع، وَلما كَانَ النُّزُول انهباطا ناسبه التَّنْزِيه الحديث: 1317 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 لمن لَا يُوصف بِمَا يُنَافِي الْعُلُوّ. 1320 - / 1600 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: جَاءَت مَلَائِكَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ بَعضهم: الْعين نَائِمَة وَالْقلب يقظان وَمُحَمّد فرق بَين النَّاس. كَانَ من صِفَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه. قَالَ ابْن عقيل: النّوم يتَضَمَّن أَمريْن معطلين: أَحدهمَا رَاحَة الْجَسَد، فَهَذَا أَمر يشْتَرك فِيهِ هُوَ وَأمته. وَالثَّانِي: غَفلَة الْقلب عَمَّا وضع لَهُ الْقلب من النّظر والإعتبار والتأمل والآراء الصائبة، وَزيد فِي حَقه تلقي الْوَحْي، فَكل الْقُلُوب عِنْد النّوم عاطلة عَمَّا ينْتَفع بِهِ من الآراء والفكر سوى قلبه. وَقد كَانَ إِذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي استطرح وَغشيَ عَلَيْهِ، وَمثل تِلْكَ الغشية لَو أَصَابَت بعض أمته لانتقض وضوءه، وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَال حَافظ مَحْفُوظ من غليان الطباع واسترخاء مخارج الْأَحْدَاث، لِأَنَّهُ فِي سرائر الرب؛ فَبَان من هَذَا أَن النّوم يتَضَمَّن أَمريْن: رَاحَة وغفلة، فالراحة دَاخِلَة على أدواته من تَعب الْأَعْمَال، والغفلة غير دَاخِلَة على قلبه؛ إِذْ كَانَ قلبه على صفة أَعمال أهل الْيَقَظَة من سَلامَة الأفكار، وصيانة المحفوظات عَن الذّهاب، وَقَلبه غير عاطل عَمَّا وضع لَهُ من تلقي الْوَحْي واستمداده من أوَامِر الرب ونواهيه. قَالَ فَإِن قيل: فقد نَام عَن الصَّلَاة. قيل: إِنَّمَا فعل ذَلِك ليشرع بِفِعْلِهِ مَا يتعبد بِهِ أهل النسْيَان، وللأعمال أَحْكَام أوضح من الْأَقْوَال، كَمَا أمه جِبْرِيل فِي الصَّلَوَات، وَقد كَانَ يَنْتَظِم ذَلِك القَوْل، قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون نسيانه ونومه لعوارض كشف من عُلُوم تخصه ومعارف عطلته عَن الْقيام الحديث: 1320 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 بِحُقُوق الظَّاهِر للُزُوم الْبَاطِن آدَاب التلقي، وَكَانَ كمن قَالَ من شغله ذكر محبوبه: (فوَاللَّه مَا أَدْرِي إِذا مَا ذكرتها ... أثنتين صليت الضُّحَى أم ثمانيا) وَمن هَذَا نسيانه عدد الرَّكْعَات حَتَّى قَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ، فَلَمَّا عَاد الْقلب إِلَى حكم الظَّاهِر قَالَ: ((أحقا مَا يَقُول ذُو الْيَدَيْنِ؟)) . وَقَوله: وَمُحَمّد فرق بَين النَّاس: أَي فَارق بَين الْمُؤمن وَالْكَافِر، فَمن آمن بِهِ فَهُوَ مُؤمن، وَمن كفر بِهِ فَهُوَ كَافِر. 1321 - / 1601 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجمع بَين الرجلَيْن من قَتْلَى أحد فِي ثوب وَاحِد، ثمَّ يَقُول: ((أَيهمْ اكثر أخذا لِلْقُرْآنِ؟)) فَيقدمهُ فِي اللَّحْد. إِنَّمَا كَانَ يجمع بَينهم لِكَثْرَة الْقَتْلَى وَقلة الأكفان. وَإِنَّمَا قدم أَكْثَرهم قُرْآنًا لفضله على غَيره. وَقَوله: ((أَنا شَهِيد على هَؤُلَاءِ)) أَي أشهد بإخلاصهم وَصدقهمْ. وَأما كَونهم لم يغسلوا فقد اتّفق جَمَاهِير الْعلمَاء على أَن الشَّهِيد لَا يغسل بِحَال، وَقَالَ أَحْمد: إِلَّا أَن يكون جنبا وَاخْتلفُوا: هَل يصلى عَلَيْهِ؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يصلى عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي الحديث: 1321 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 وَدَاوُد: لَا يصلى عَلَيْهِ. وَعَن أَحْمد كالمذهبين فَإِن قُلْنَا بِمذهب الشَّافِعِي فَهَذَا الحَدِيث دَلِيل عَلَيْهِ، وَإِن قُلْنَا بِمذهب أبي حنيفَة فقد رويت أَحَادِيث فِي أَنه صلى على قَتْلَى أحد، وَقَول جَابر: لم يصل، شَهَادَة على نفي، وَالْإِثْبَات مقدم. 1322 - / 1602 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: كَانَ لجَابِر أَرض فخنست، فَخَلا عَاما، فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ((أَيْن عريشك يَا جَابر؟)) . قَوْله: خنست - يَعْنِي النّخل: تَأَخَّرت عَن قبُول الإبار وَلم يُؤثر فِيهَا التَّأْثِير الْكَامِل، فَلم تستكمل حملهَا. والعريش مثل الْخَيْمَة يعْمل من خشب وحشيش وَنَحْو ذَلِك يستظل بِهِ فِي الْبُسْتَان من الشَّمْس. 1323 - / 1603 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين: لما وضع الْمِنْبَر سمعنَا للجذع مثل أصوات العشار. العشار: النوق الْحَوَامِل الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا عشرَة أشهر من يَوْم ضرب الْفَحْل لَهَا وَكَانَ فِي أصواتها نوع حنين إِلَى الْوَلَد. 1324 - / 1604 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل على رجل وَهُوَ يحول المَاء فِي حَائِط لَهُ فِي سَاعَة حارة، فَقَالَ: ((إِن كَانَ عنْدك مَاء فِي شنة وَإِلَّا كرعنا)) . الحديث: 1322 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 الْحَائِط: الْبُسْتَان. والشنة: الْقرْبَة البالية، وَهِي أَشد تبريدا للْمَاء. وَقَوله: ((كرعنا)) قَالَ ابْن فَارس: يُقَال: كرع فِي المَاء: إِذا تنَاوله بِفِيهِ من مَوْضِعه. قَوْله: ثمَّ حلب عَلَيْهِ من دَاجِن. والداجن: الشَّاة تكون فِي الْبَيْت. وَقد نبه هَذَا الحَدِيث على حفظ النَّفس وإعطائها حَقّهَا مِمَّا يصلحها؛ فَإِن المَاء الْحَار يوهن الأمعاء، ويولد رهلا، وَيفْسد الهضم ويذبل الْبدن، وَالْمَاء الْبَارِد يُقَوي الشَّهْوَة، ويشد الْمعدة، وَيحسن اللَّوْن، وَيمْنَع عفن الدَّم وصعود الأبخرة إِلَى الدِّمَاغ، ويحفظ الصِّحَّة، إِلَّا أَنه يَنْبَغِي أَن يكون معتدلا، فَإِن المثلوج والشديد الْبُرُودَة يُؤْذِي. وَفِي هَذَا رد على جهلة المتزهدين الَّذين حرمُوا أنفسهم حظوظها الْمصلحَة لَهَا، وحملوا عَلَيْهَا مَا تعجز عَنهُ، وهم إِلَى أَن يذموا بظُلْم النُّفُوس أقرب من أَن يمدحوا بترك الْمصَالح. 1325 - / 1605 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ يَوْم عيد خَالف الطَّرِيق. هَذَا يحْتَمل عشرَة أوجه: أَحدهَا: أَنه قد رُوِيَ أَن الْمَلَائِكَة تقف يَوْم الْعِيد على أَفْوَاه الطّرق، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يمر على من لم يمر عَلَيْهِ مِنْهُم. وَالثَّانِي: أَن يكون أَرَادَ بِجَوَازِهِ فِي مَكَان لم يجز فِيهِ إِظْهَار الدّين، لِأَنَّهُ أَدَاء يري ذكر الدّين. وَالثَّالِث: أَن يغِيظ الْمُنَافِقين الحديث: 1325 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 وَالْكفَّار بمشيه مَعَ أَصْحَابه. وَالرَّابِع: أَن يكون ذَلِك فِي بَدو أمره عِنْد قلَّة عدد الْمُسلمين. وَالْخَامِس: رُؤْيَة من لم يره من الْمُسلمين وَتَسْلِيم من لم يسلم عَلَيْهِ، لِأَن لقاءه أوفي البركات. وَالسَّادِس: أَن يسر بذلك من يرَاهُ من الْمُسلمين وَالْمُسلمَات. وَالسَّابِع: أَن تشهد الأَرْض بِالْمَشْيِ عَلَيْهَا فِي الْخَيْر. وَالثَّامِن: أَن يكون ذَلِك من سنَن الْعِيد، كالتكبير فِي زمَان الْمُضِيّ إِلَى الْمصلى وَفِي أَيَّام التَّشْرِيق. وَالتَّاسِع: لعلمه بحاجة النَّاس إِلَى مَسْأَلته ورؤيته. والعاشر: التفاؤل بإلقاء الذُّنُوب فِي طَرِيق الْمُضِيّ وَالرُّجُوع متنظفا. 1326 - / 1607 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الْجُمُعَة، ثمَّ نَذْهَب إِلَى جمالنا فنريحها حِين تَزُول الشَّمْس. هَذَا دَلِيل لمن يرى جَوَاز صَلَاة الْجُمُعَة قبل الزَّوَال، وَقد سبق الْكَلَام فِيهِ فِي مُسْند سهل بن سعد. 1327 - / 1608 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: ((من ترك مَالا فلأهله، وَمن ترك دينا أَو ضيَاعًا فَإِلَيَّ وَعلي)) . الضّيَاع هَاهُنَا: حَاجَة الْعِيَال بعد الْمَيِّت، وفقرهم. وَقد كَانَ الحديث: 1326 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 يشدد فِي أَمر الدّين حَتَّى إِنَّه يمْتَنع عَن الصَّلَاة على صَاحب الدّين كَمَا ذكرنَا فِي مُسْند أبي قَتَادَة وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع. وَقد بَينا هُنَاكَ أَنه مَنْسُوخ بِمَا سَيَأْتِي فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة وَهَذَا الحَدِيث. 1328 - / 1609 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج عَام الْفَتْح فِي رَمَضَان، فصَام حَتَّى بلغ كرَاع الغميم، ثمَّ دَعَا بقدح من مَاء فرفعه حَتَّى نظر النَّاس إِلَيْهِ ثمَّ شرب. قد سبق بَيَان هَذَا. وكراع الغميم مَوضِع. وَإِنَّمَا رفع الْإِنَاء ليراه النَّاس فيقتدوا بِفِعْلِهِ. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن الْفطر فِي السّفر أفضل. وَقد ذكرنَا الْخلاف فِي هَذَا فِي مُسْند أبي الدَّرْدَاء. وَلما كَانَ مَقْصُوده بإفطاره إفطار النَّاس لم يكن لأحد أَن يُخَالِفهُ، فَلَمَّا صَامَ قوم أطلق عَلَيْهِم اسْم ((العصاة)) . 1329 - / 1610 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَن أَسمَاء بنت عُمَيْس نفست بِذِي الحليفة، فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا بكر أَن تَغْتَسِل وتهل. هَذِه أَسمَاء زوج أبي بكر الصّديق، كَانَت حَامِلا: فنفست بِمُحَمد ابْن أبي بكر. وَإِنَّمَا أمرهَا أَن تَغْتَسِل - وَإِن كَانَ غسل النُّفَسَاء لَا يَصح - الحديث: 1328 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 لفائدتين: إِحْدَاهمَا: أَن تتشبه بالطاهرات، كَمَا أَمر من أكل يَوْم عَاشُورَاء بإمساك بَقِيَّة النَّهَار. وَالثَّانيَِة: التَّنْبِيه على أَن من سنة الْإِحْرَام الْغسْل. 1330 - / 1611 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: قَالَ مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن: دَخَلنَا على جَابر بن عبد الله فَقَامَ فِي نساجة ملتحفا بهَا. النساجة: ضرب من الملاحف المنسوجة. وَقد رَوَاهُ قوم: ساجة: وَهِي الطيلسان. وَقد فسرنا المشجب قبل أَحَادِيث يسيرَة، وَأَنه أَعْوَاد مركبة يوضع عَلَيْهَا الرحل وَالثيَاب. وَإِنَّمَا صلى جَابر فِي ثوب وثيابه مَوْضُوعَة ليعلمهم جَوَاز ذَلِك. وَقَوله: مكث تسع سِنِين لم يحجّ. يحْتَج بِهِ من لَا يرى وجوب الْحَج على الْفَوْر وَيَقُول: قد ثَبت وجوب الْحَج قبل حج الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسنين، ويستدلون بِحَدِيث ضمام الْوَافِد، وَأَنه قدم فِي سنة خمس، وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر لَهُ فَرَائض الْإِسْلَام وَمِنْهَا الْحَج، قَالُوا: فَإِذا كَانَ الْحَج قد فرض فِي سنة خمس ثمَّ أَخّرهُ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى سنة تسع دلّ على أَنه لَا يجب على الْفَوْر. وَالْجَوَاب: أَن قد ثَبت بالأدلة الجلية أَن الْأَمر الْمُطلق يَقْتَضِي الْفَوْر، فَمن أَدِلَّة الْقُرْآن قَوْله تَعَالَى: {مَا مَنعك أَلا تسْجد إِذْ أَمرتك} [الْأَعْرَاف: 12] وَلَو كَانَ الْأَمر على التَّرَاخِي لما حسن العتب. وَمن أَدِلَّة الحديث: 1330 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 الحَدِيث قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي سعيد بن الْمُعَلَّى حِين دَعَاهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَلم يجبهُ: ((مَا مَنعك إِذْ دعوتك أَن تُجِيبنِي. ألم يقل الله عز وَجل: {اسْتجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذا دعَاكُمْ} ؟ [الْأَنْفَال: 24] وَلم يفسح لَهُ بِالتَّأْخِيرِ إِلَى أَن تَنْقَضِي الصَّلَاة. وَمن أَدِلَّة اللُّغَة أَن الْأَلْفَاظ الْمُطلقَة يُفِيد مقتضاها عقيب وجودهَا؛ وَلِهَذَا وَقع حكم اللَّفْظ عقيب اللَّفْظ، كَالْبيع وَالطَّلَاق، وَلِهَذَا أجمع اللغويون على أَن السَّيِّد إِذا قَالَ لعَبْدِهِ: قُم، فتوقف من غير عذر أَنه يحسن لومه وعقابه. فَإِذا ثَبت هَذَا الأَصْل قُلْنَا: قد اخْتلف أَولا فِي قدوم ضمام، فَروِيَ أَنه كَانَ فِي سنة تسع، فَيكون معنى قَول جَابر: مكث تسعا لم يحجّ: أَي لم يُخَاطب بذلك. وَرُوِيَ أَنه كَانَ فِي سنة خمس، فعلى هَذَا نقُول: مَا قعد عَن الْحَج تسعا. وَإِنَّمَا هَذَا ذكر الزَّمَان الَّذِي لم يَقع فِيهِ الْحَج وَإِن سلم أَن الْحَج تقدم فَرْضه فتأخير الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ قَضِيَّة فِي عين، فَهِيَ تحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون الله عز وَجل أعلم نبيه أَنه لَا يَمُوت حَتَّى يحجّ فَأَخَّرَهُ ثِقَة بالإدراك، وَهَذَا جَوَاب أبي زيد الْحَنَفِيّ. وَالثَّانِي: أَن يكون أَخّرهُ لعذر، بِدَلِيل اتفاقنا على أَن تَقْدِيمه أفضل وَلم يكن ليترك الْأَفْضَل إِلَّا لعذر. وَقد ذكرُوا لَهُ خَمْسَة أعذار: أَحدهَا: الْفقر. وَالثَّانِي: الْخَوْف على نَفسه، وَلِهَذَا كَانَ يحرس إِلَى أَن نزل عَلَيْهِ {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} [الْمَائِدَة: 67] وَالثَّالِث: الْخَوْف على الْمَدِينَة من الْمُشْركين. وَالرَّابِع: أَن يكون رأى تَقْدِيم الْجِهَاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 وتدبير الجيوش أولى من تَقْدِيم الْحَج، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر. وَالْخَامِس: غَلَبَة الْمُشْركين على مَكَّة وَظُهُور شركهم فِي زمَان الْحَج، وَلم يُمكنهُ الْإِنْكَار، فَلَمَّا بعث أَبَا بكر ونادى أَلا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك حج لزوَال الْعذر. وَقَوله لأسماء: ((اغْتَسِلِي)) قد تكلمنا عَلَيْهِ فِي الحَدِيث الَّذِي قبله. وَقَوله: ((استثفري)) الإستثفار: شدّ الثَّوْب على مَحل الدَّم ليمنع الجريان، وَهُوَ مشبه بثفر الدَّابَّة. وَقَوله: ثمَّ ركب الْقَصْوَاء. قد بَينا فِي مُسْند عمرَان بن حُصَيْن سَبَب تَسْمِيَتهَا بذلك. وَقَوله: فَأهل بِالتَّوْحِيدِ: أَي بِالْحَجِّ وَحده. وَيحْتَمل: أهل بِهَذِهِ الْكَلِمَات الْمَذْكُورَة: ((لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك)) التَّلْبِيَة الْمُشْتَملَة على التَّوْحِيد، وَهِي الَّتِي سبقت فِي مُسْند ابْن عمر. وَأهل النَّاس بِهَذَا الَّذِي يهلون بِهِ. أَي أَنهم يزِيدُونَ فِيهَا وينقصون وَلم يُنكر عَلَيْهِم. واستلم الرُّكْن: أَي لمسه. والرمل قد فسرناه فِي مَوَاضِع. والصفا: الْحِجَارَة الصلبة. والمروة: الْحِجَارَة اللينة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 وشعائر الله: متعبداته. وَقَوله: ((أبدأ بِمَا بَدَأَ الله بِهِ)) هَذَا يدل على اعْتِبَار الْبِدَايَة فِي اللَّفْظ وَإِن كَانَ الْكَلَام مجموعا بِالْوَاو، فَإِن قَوْله تَعَالَى: {إِن الصَّفَا والمروة} [الْبَقَرَة: 158] مثل قَوْله: {فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ} [الْمَائِدَة: 6] وَفِي هَذَا دَلِيل على أبي حنيفَة فِي وجوب التَّرْتِيب فِي الْوضُوء. وَقَوله: فرقي عَلَيْهِ. الْقَاف مَكْسُورَة، وَالْمعْنَى: صعد وارتفع. فَإِذا فتحت الْقَاف كَانَ من الرّقية. وعوام الْمُحدثين يفتحونها جهلا باللغة. وَقَوله: ((لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت لم أسق الْهَدْي)) قد تقدم الْكَلَام فِي سَبَب تأسفه فِي مُسْند ابْن عَبَّاس، وَتقدم قَول سراقَة وَالْكَلَام فِيهِ هُنَالك أَيْضا. وَقَوله: ثيابًا صبيغا: أَي مصبوغة. والتحريش: وصف مَا يُوجب عتاب المغرى وتوبيخه للمحرش عَلَيْهِ. ونمرة: مَوضِع قريب من عَرَفَة. وَقَوله: ((إِن أول دم أَضَعهُ من دمائنا دم ابْن ربيعَة بن الْحَارِث)) ربيعَة هُوَ ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ ربيعَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب، وَكَانَ أسن من الْعَبَّاس بِسنتَيْنِ، وَلما خرج الْمُشْركُونَ إِلَى بدر كَانَ ربيعَة غَائِبا بِالشَّام فَلم يشهدها مَعَهم، فَلَمَّا خرج الْعَبَّاس وَنَوْفَل مُهَاجِرين إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيَّام الخَنْدَق شيعهما ربيعَة، فَلَمَّا أَرَادَ الرُّجُوع قَالَا: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 أَيْن نرْجِع وَقد عز رَسُول الله وَكثر أَصْحَابه؟ فَأقبل مَعَهم حَتَّى قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسلمين مُهَاجِرين، وَشهد ربيعَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتح مَكَّة والطائف، وَثَبت مَعَه يَوْم حنين. وَأما ابْن ربيعَة الَّذِي وضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَمه فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: إِيَاس. وَالثَّانِي: تَمام. وَالثَّالِث: آدم، ذكرهَا ابْن سعد وَقَالَ: نرى من قَالَ آدم رأى فِي الْكتاب: دم ابْن ربيعَة، فَزَاد ألفا. وَكَانَ قد استرضع لهَذَا الْوَلَد فِي هُذَيْل، فَقتله بَنو لَيْث بن بكر فِي حَرْب كَانَت بَينهم، كَانَ يحبو أَمَام الْبيُوت فَرَمَوْهُ بِحجر فرضخوا رَأسه. وَقد روى هَذَا الحَدِيث أَبُو عبيد وَقَالَ فِيهِ: ((أول دم أَضَع دم ربيعَة ابْن الْحَارِث)) . ثمَّ فسره وَقَالَ: أضَاف الدَّم إِلَى ربيعَة لِأَنَّهُ ولي الدَّم. وَقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي بعض الطّرق كَذَلِك، وَحكى أَبُو سُلَيْمَان أَن أَبَا دَاوُد رَوَاهُ دم الْحَارِث بن عبد الْمطلب، فَتكون الْإِشَارَة إِلَى الْجد. وَقد غلط بعض الْمُحدثين فَرَوَاهُ: دم أبي ربيعَة، وَلَيْسَ بِشَيْء، وَالصَّحِيح الأول. وَإِنَّمَا خص الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن عَمه بِالذكر ليعلم أَنه لَا رخصَة لأحد فِي هَذَا. وَقَوله: ((بِأَمَان الله)) الْأمان: الْعَهْد. ويروى: بأمانة الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 وَقَوله: ((بِكَلِمَة الله)) يُشِير إِلَى عقد النِّكَاح. وَقَالَ الْخطابِيّ: هِيَ قَوْله: {فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} [الْبَقَرَة: 229] . وَقَوله: ((أَن لَا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه)) هَذَا محو لعادة الْعَرَب فِي كَون الْمَرْأَة تَأذن للرِّجَال الْأَجَانِب فِي مجالستها ومحادثتها، فَمن ظن أَنه يُشِير بذلك إِلَى الزِّنَا فقد أَخطَأ. والمبرح: الشَّديد. وَقَوله: ينكبها إِلَى النَّاس: أَي يميلها إِلَيْهِم مشهدا الله عَلَيْهِم. يُقَال نكب الرجل كِنَانَته: إِذا أمالها وكبها. وَأما الْحَبل فَهُوَ مَا استطال من الرمل. وَقيل: هُوَ مَا كَانَ دون الْجبَال فِي الإرتفاع. وَقَوله: وَقد شنق للقصواء الزِّمَام. يُقَال: شنق الرجل زِمَام نَاقَته: إِذا ضمه إِلَيْهِ كفا لَهَا عَن الْإِسْرَاع. ومورك الرحل: مَا يكون بَين يَدي الرحل يضع الرَّاكِب رجله عَلَيْهِ. وَقَوله: فصلى بِأَذَان وَإِقَامَتَيْنِ. قد سبق بَيَان الْجمع بِمُزْدَلِفَة فِي مُسْند ابْن عمر. وَقَوله: وَلم يسبح بَينهمَا: أَي لم يتَنَفَّل. وَقَوله: فَدفع قبل أَن تطلع الشَّمْس. هَذَا بِخِلَاف عَادَة الْجَاهِلِيَّة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 وَقَوله: فمرت ظعن، وَهِي جمع ظَعِينَة، والظعينة: الْمَرْأَة فِي الهودج. وَقَوله: يجرين: أَي يحركن الْإِبِل للسير. وطفق: أَخذ فِي الْفِعْل. وإنكار الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتغطية وَجهه لطف فِي الْإِنْكَار وَتَعْلِيم الْخلق. وَأما نَحره ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَة، فقد قيل: إِنَّمَا نحر هَذَا الْعدَد لِأَنَّهُ كَانَ مبلغ سنه لتَكون كل بَدَنَة لعام. وَقد دلّ ذبحه بِيَدِهِ على أَن ذبح الرجل نسيكته بِيَدِهِ مُسْتَحبّ. وَقَوله: مَا غبر: أَي مَا بَقِي. والبضعة: الْقطعَة من اللَّحْم. وَإِنَّمَا أكل من الْكل وَشرب لقَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الْحَج: 28] . وَأما أَبُو سيارة فَإِنَّهُ كَانَ يدْفع بِقُرَيْش من مَكَّة وَلَا يخرج إِلَى عَرَفَات، وَكَانُوا يَقُولُونَ: نَحن أهل الْحرم فَلَا نعدوه، فَنزل قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} [الْبَقَرَة: 199] فخالفهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخرج إِلَى عَرَفَات. وَأَجَازَ بِمَعْنى قطع الْوَادي. قَالَ الزّجاج: يُقَال: جَازَ الرجل الْوَادي وَأَجَازَهُ: إِذا قطعه ونفذه. 1331 - / 1612 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِالسوقِ وَالنَّاس كنفتيه، فَمر بجدي أصك ميت. الحديث: 1331 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 قَوْله: كنفتيه: أَي عَن جانبيه. والصكك: اصطكاك الرُّكْبَتَيْنِ عِنْد الْعَدو حَتَّى تصيب إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى، كَأَنَّهُ قد نقصت ركبتاه. 1332 - / 1613 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نشترك فِي الْإِبِل وَالْبَقر، كل سَبْعَة منا فِي بَدَنَة. هَذَا حجَّة أَحْمد وَالشَّافِعِيّ فِي جَوَاز الإشتراك. وَقد شرحنا هَذَا فِي الحَدِيث التسعين من مُسْند ابْن عَبَّاس. 1333 - / 1615 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: صَلَاة الْكُسُوف، وَأَنه صلى بِالنَّاسِ سِتّ رَكْعَات بِأَرْبَع سَجدَات، وَانْصَرف وَقد آضت الشَّمْس. وَقَوله: سِتّ رَكْعَات: يَعْنِي بالركعات الرُّكُوع. وَقَوله: بِأَرْبَع سَجدَات: يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ، لِأَن فِي كل رَكْعَة سَجْدَتَيْنِ، فعلى هَذَا يكون فِي كل رَكْعَة ثَلَاث ركوعات، وَلَا أعرفهُ مذهبا لأحد. وَقد رُوِيَ بِلَفْظ آخر: أَربع رَكْعَات وَأَرْبع سَجدَات، وَهَذَا مَعْرُوف، وَقد ذكرنَا صَلَاة الْكُسُوف فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَقَوله: آضت الشَّمْس: أَي رجعت إِلَى حَالَة الإستقامة. وَقَوله: ((وَرَأَيْت صَاحب المحجن)) المحجن: الْعَصَا المعوجة العقفاء. والقصب: المعى، وَجَمعهَا أقصاب. الحديث: 1332 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 وخشاش الأَرْض: هوامها وَمَا يدب من حشراتها. والقطف: العنقود. 1334 - / 1616 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: ذكر صَلَاة الْخَوْف وَقد سبقت فِي مُسْند سهل بن أبي حثْمَة. 1335 - / 1618 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: ((إِذا وَقعت لقْمَة أحدكُم فليأخذها، فليمط مَا كَانَ بهَا من أَذَى وليأكلها وَلَا يَدعهَا للشَّيْطَان)) . الإماطة: الْإِزَالَة وَالدَّفْع. يُقَال: أماط الرجل عني الْأَذَى، وماط: إِذا نحاه عَنْك. وَفِي قَوْله: ((وَلَا تدعها للشَّيْطَان)) وَجْهَان: أَحدهمَا: لَا تتركها لَهُ فيتناولها الشَّيْطَان. وَالثَّانِي: لَا تتركها لقَوْل الشَّيْطَان. وَقَوله: ((حَتَّى يلعقها)) قد شرحناه فِي مُسْند كَعْب بن مَالك. 1336 - / 1619 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: ((الظُّلم ظلمات يَوْم الْقِيَامَة)) قد سبق فِي مُسْند ابْن عمر وَقَوله: ((وَاتَّقوا الشُّح)) قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: الشُّح أبلغ من الْبُخْل، وَإِنَّمَا الشُّح بِمَنْزِلَة الْجِنْس، وَالْبخل بِمَنْزِلَة النَّوْع. وَأكْثر مَا يُقَال فِي الْبُخْل إِنَّه من أَفْرَاد الْأُمُور وخواص الْأَشْيَاء، وَالشح عَام، الحديث: 1334 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 فَهُوَ كالوصف اللَّازِم للْإنْسَان من قبل الطَّبْع والجبلة. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: الْبُخْل: أَن يضن بِمَالِه، وَالشح: أَن يبخل بِمَالِه ومعروفه. وَقَوله: ((أهلك من كَانَ قبلكُمْ)) وَذَلِكَ لأَنهم تشاحوا على الْملك وَالْمَال والرئاسة، واقتتلوا فهلكوا. 1337 - / 1620 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: ((مَا من نفس منفوسة تبلغ مائَة سنة)) . قد يشكل هَذَا على من لَا يعلم فَيَقُول: قد عَاشَ خلق أَكثر من هَذَا قبل الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبعده، فَمَا وَجه هَذَا؟ فَالْجَوَاب: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنى بذلك الْمَوْجُودين حِينَئِذٍ من يَوْم قَوْله هَذَا، وَهَذَا قَالَه قبل أَن يَمُوت بِشَهْر كَمَا رُوِيَ فِي الحَدِيث: فَمَا بلغ أحد مِمَّن كَانَ مَوْجُودا من يَوْمئِذٍ مائَة سنة. وَهَذَا مُبين وَاضح فِي مُسْند ابْن عمر، وَقد سبق شَرحه. وَكثير من الروَاة يقتصرون على بعض الحَدِيث ويتركون المهم، وَرُبمَا عبروا بِالْمَعْنَى وَلم يفهموا الْمَقْصُود، فَيَقَع الْإِشْكَال، وَالله سُبْحَانَهُ لَا يخلي كل زمَان مِمَّن يكْشف الْإِشْكَال وَيدْفَع الشّبَه، فَمَتَى سَمِعت حَدِيثا فِيهِ نوع خلل فانسب ذَلِك إِلَى الروَاة؛ فَإِن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منزه عَن ذَلِك. 1338 - / 1621 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: عَن يزِيد الْفَقِير قَالَ: كنت قد شغفني رَأْي من رَأْي الْخَوَارِج. الحديث: 1337 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 أما تَسْمِيَته بالفقير فَإِنَّهُ لم يكن فَقِيرا، وَإِنَّمَا كَانَ يشكو فقار صلبه، فَقيل لَهُ الْفَقِير. وَمثل هَذَا فَيْرُوز الْحِمْيَرِي، فَإِنَّهُ كَانَ من الديلم لَا من حمير، وَلَكِن نزل فِي حمير فَقيل لَهُ الْحِمْيَرِي. وَكَذَلِكَ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، نزل فِي تيم فنسب إِلَيْهِم، وَإِلَّا فَهُوَ مولى بني مرّة بن عباد. وَكَذَلِكَ أَبُو سعيد المَقْبُري، نزل الْمَقَابِر فَقيل المَقْبُري. وَكَذَلِكَ إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الْمَكِّيّ، كَانَ بصريا، وَإِنَّمَا نزل مَكَّة فَقيل الْمَكِّيّ. وَكَذَلِكَ خَالِد الْحذاء، كَانَ يُجَالس الحذائين وَلم يكن حذاء. وَكَذَلِكَ إِبْرَاهِيم بن يزِيد الخوزي، نزل شعب الخوز بِمَكَّة فَقيل الخوزي. وَكَذَلِكَ سُلَيْمَان الْعَرْزَمِي، نزل جبانة عَرْزَم بِالْكُوفَةِ فنسب إِلَيْهَا. وَقَوله: شغفني: أَي أصَاب شغَاف قلبِي، وَأَرَادَ أَنِّي اعتقدت ذَلِك. وَقَوله: يخرجُون من النَّار كَأَنَّهُمْ عيدَان السماسم. يُشِير إِلَى سوادهم. وَفِي هَذَا الحَدِيث: ((إِلَّا دارات وُجُوههم)) . وَذَلِكَ لاحترام مَوضِع السُّجُود. 1339 - / 1622 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: ((مثلي ومثلكم كَمثل رجل أوقد نَارا، فَجعل الجنادب والفراش يقعن)) . الجنادب جمع جُنْدُب: وَهِي الْجَرَاد. والفراش: صغَار البق الحديث: 1339 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 والبعوض يتهافت فِي النَّار. والحجز جمع حجزة: وَهِي معقد الْإِزَار، والعامة تَقول حزة، وَهِي لُغَة لبني الْحَارِث بن كَعْب، وَأنْشد ابْن فَارس للنجاشي الْحَارِثِيّ: (يرقون فِي النّخل حَتَّى ينزلُوا أصلا ... فِي كل حزة سيح مِنْهُم بسر) أَرَادَ الْبُسْر. وَمُرَاد الحَدِيث أَنكُمْ كلما وَقَعْتُمْ فِي زلَّة خلصتكم الشَّرِيعَة ودلتكم على النجَاة. وَأَنْتُم تعودُونَ إِلَى التهافت. 1340 - / 1623 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِوَضْع الجوائح. الجوائح: الْآفَات الَّتِي تصيب الثِّمَار فتهلكها. يُقَال: جاحهم الدَّهْر واجتاحهم: إِذا أَصَابَهُم بمكروه عَظِيم. وَقد اخْتلف النَّاس فِي حكم هَذَا الحَدِيث: فعندنا أَنه على الْوُجُوب، وَأَن مَا تهلكه الجوائح من ضَمَان البَائِع، والْحَدِيث نَص فِي ذَلِك. وَفِي بعض أَلْفَاظه الصَّحِيحَة: ((إِن بِعْت من أَخِيك ثمرا فأصابته جَائِحَة فَلَا يحل أَن تَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا، بِمَ تَأْخُذ مَال أَخِيك بِغَيْر حق؟)) وَهَذَا لِأَن الثَّمَرَة فِي رُؤُوس النّخل تستوفى حَالا فحالا، فَهِيَ كالمنافع. ثمَّ إِن الْمَنَافِع إِذا تلفت كَانَت من ضَمَان الْمُؤَجّر، فالثمرة تشبهها من هَذَا الْوَجْه. وَعَن أَحْمد: إِن كَانَ مَا أهلكته الجوائح قدر الثُّلُث فَصَاعِدا كَانَ من ضَمَان البَائِع، وَإِن كَانَ دون الثُّلُث الحديث: 1340 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 فَهُوَ من ضَمَان المُشْتَرِي، وَهَذَا قَول مَالك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: جَمِيع ذَلِك من ضَمَان المُشْتَرِي، وَعِنْدَهُمَا أَن هَذَا الْأَمر أَمر ندب واستحباب، وَيرد عَلَيْهِمَا قَوْله: ((بِمَ تَأْخُذ مَال أَخِيك بِغَيْر حق؟)) . 1341 - / 1624 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: أَرَادَ بَنو سَلمَة أَن يَنْتَقِلُوا قرب الْمَسْجِد، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((دِيَاركُمْ تكْتب آثَاركُم)) . الْمَعْنى: الزموا دِيَاركُمْ. والْآثَار الخطوات. وَقد قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: ((لكم بِكُل خطْوَة دَرَجَة)) قَالَ الْحسن وَمُجاهد فِي قَوْله تَعَالَى: {ونكتب مَا قدمُوا وآثارهم} [يس: 12] خطاهم. وَقَالَ عمر ابْن عبد الْعَزِيز: لَو كَانَ الله مغفلا شَيْئا لأغفل مَا تعفي الرِّيَاح من أثر قدم ابْن آدم. 1342 - / 1625 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: قَالَ جَابر: يُوشك أهل الْعرَاق أَلا يجبى إِلَيْهِم قفيز وَلَا دِرْهَم. قُلْنَا: من أَيْن ذَاك؟ قَالَ: من قبل الْعَجم، يمْنَعُونَ ذَلِك. ثمَّ قَالَ: يُوشك أهل الشَّام أَلا يجبى إِلَيْهِم دِينَار وَلَا مدي. قُلْنَا: من أَيْن ذَلِك؟ قَالَ: من قبل الرّوم. الْإِشَارَة بِمَا ذكر جَابر إِلَى الْخراج. قَالَ الْخطابِيّ. والمدي: الحديث: 1341 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 مكيال لأهل الشَّام، يُقَال: إِنَّه يسع خَمْسَة عشر مكوكا. 1343 - / 1626 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: حَدِيث ابْن صياد. وَقد سبق فِي مُسْند ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَغَيرهمَا. 1344 - / 1629 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: نهى أَن يَأْكُل الرجل بِشمَالِهِ أَو يمشي فِي نعل وَاحِدَة. أما النَّهْي عَن الْمَشْي فِي نعل وَاحِدَة فَإِنَّهُ حث عَن إكرام الْقدَم الْأُخْرَى، وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيث آخر: ((ليحفهما جَمِيعًا أَو لينعلهما جَمِيعًا)) ثمَّ إِن الْمَشْي فِي نعل وَاحِدَة يتَضَمَّن نوع شهرة. وَفِي هَذَا الحَدِيث النَّهْي عَن اشْتِمَال الصماء. قَالَ اللغويون: هُوَ أَن تجلل جسدك كُله بِثَوْب وَلَا ترفع شَيْئا من جوانبه. وَإِنَّمَا قيل لَهَا صماء لِأَنَّهُ إِذا اشْتَمَل كَذَلِك شدّ على يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ المنافذ كلهَا كالصخرة الصماء الَّتِي لَيْسَ فِيهَا خرق وَلَا صدع، وَرُبمَا احْتَاجَ أَن يقي نَفسه الْأَذَى فَلَا يقدر، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى ذهب أَبُو عبيد وَابْن قُتَيْبَة. وَقَالَ الْفُقَهَاء: هُوَ أَن يشْتَمل بِثَوْب لَيْسَ عَلَيْهِ غَيره ثمَّ يرفعهُ من أحد جانبيه فيضعه على مَنْكِبَيْه، فيبدو مِنْهُ فرجه، فتفسير الْفُقَهَاء بخوف الحديث: 1343 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 كشف الْعَوْرَة، وَتَفْسِير اللغويين بخوف أَن يدْفع إِلَى حَالَة تفجأه فَيُؤَدِّي إِلَى أَذَى أَو هَلَاك. قَوْله: وَأَن يحتبي فِي ثوب وَاحِد كاشفا عَن فرجه. الإحتباء: لي الثَّوْب الْوَاحِد على الظّهْر والركبتين، فَإِن كشف فرجه وَاقع النَّهْي. وَأما رفع المستلقي إِحْدَى رجلَيْهِ فَلِأَن الْغَالِب على الْعَرَب أَن يكون على أحدهم الثَّوْب الْوَاحِد، فَإِذا فعل هَذَا بَدَت عَوْرَته. فَإِن أَمن هَذَا فَلَا كَرَاهِيَة. وَفِي الصَّحِيح من حَدِيث عباد بن تَمِيم عَن عَمه: أَنه رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسْتَلْقِيا، وَاضِعا إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى. 1345 - / 1630 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: ((فِيمَا سقت الْأَنْهَار والعيون العشور، وَفِيمَا سقِِي بالسانية نصف العشور)) . قد تكلمنا على هَذَا فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ من مُسْند ابْن عمر وَقد بَينا آنِفا أَن السانية: الْإِبِل الَّتِي تَسْقِي الزَّرْع. 1346 - / 1631 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: ((لَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ من الْوَرق صَدَقَة. وَلَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق من التَّمْر صَدَقَة. الْوَرق: الْفضة. وَقد تقدم الْكَلَام فِي الْأُوقِيَّة فِي هَذَا الْمسند. الحديث: 1345 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 والذود من الْإِبِل: مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة، وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَلَا تكون الذود إِلَّا إِنَاثًا، فَإِذا بلغت الثَّلَاثِينَ إِلَى الْأَرْبَعين فَهِيَ صبة، فَإِذا بلغت الْخمسين إِلَى السِّتين فَهِيَ هجمة، فَإِذا بلغت السّبْعين إِلَى الثَّمَانِينَ فَهِيَ عكرة، فَإِذا بلغت مائَة فَهِيَ هنيدة، فَإِذا بلغت ثَلَاثمِائَة فَهِيَ العرج، فَإِذا بلغت السبعمائة إِلَى الْألف فَهِيَ خطر. وَقد سبق أَن الوسق سِتُّونَ صَاعا، والصاع أَرْبَعَة أَمْدَاد، وَالْمدّ: رَطْل وَثلث. هَذَا الحَدِيث يدل على أَن النّصاب مُعْتَبر فِي المعشرات خلافًا لأبي حنيفَة وَفِيه دَلِيل على أَنه لَيْسَ فِي الخضروات صَدَقَة لِأَنَّهَا لَا توسق. 1347 - / 1632 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: ((أفضل الصَّلَاة طول الْقُنُوت)) . أصل الْقُنُوت الطَّاعَة. وَالْمرَاد بِهِ هَاهُنَا الْقيام. وَقد اخْتلف الْعلمَاء: هَل الْأَفْضَل كَثْرَة الرُّكُوع وَالسُّجُود أَو طول الْقيام؟ فَأَما الإِمَام أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ: قد رُوِيَ فِي هَذَا حديثان، وَلم يقْض فِيهِ بِشَيْء. يُشِير إِلَى حَدِيث جَابر فِي طول الْقيام، وَإِلَى مَا سَيَأْتِي من حَدِيث ربيعَة عَن كَعْب أَنه سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرافقته فِي الْجنَّة، فَقَالَ لَهُ: ((أَعنِي على الحديث: 1347 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 نَفسك بِكَثْرَة السُّجُود)) وَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه: أما بِالنَّهَارِ فكثرة الرُّكُوع وَالسُّجُود، وَأما بِاللَّيْلِ فطول الْقيام، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح؛ لِأَنَّهُ لم ينْقل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَلَاة اللَّيْل إِلَّا طول الْقيام، وَلم ينْقل عَنهُ فِي صَلَاة النَّهَار طول قيام، والسر فِي ذَلِك أَن الْقيام إِنَّمَا يُرَاد للْقِرَاءَة، وَالْقِرَاءَة ترَاد للتفكر، وَالْقلب يَخْلُو فِي اللَّيْل عَن الشواغل فَيحصل الْمَقْصُود من التِّلَاوَة بِخِلَاف النَّهَار. 1348 - / 1633 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْعِشْرين: ((الْمُسلم من سلم الْمُسلمُونَ من يَده وَلسَانه)) . وَالْمعْنَى: هَذَا هُوَ الْمُسلم الَّذِي صدق قَوْله بِفِعْلِهِ، كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم} [الْأَنْفَال: 2] . أَي هَذِه صِفَات من صدق إيمَانه وَتمّ. 1349 - / 1634 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين: ((بَين الرجل وَبَين الشّرك ترك الصَّلَاة)) . اتّفق الْعلمَاء على أَن من ترك الصَّلَاة جاحدا لوُجُوبهَا فَهُوَ كَافِر، وَاخْتلفُوا فِيمَن تَركهَا تكاسلا، فَقَالَ أَحْمد: يدعى إِلَى فعلهَا، فَإِن لم يَفْعَلهَا حَتَّى تضايق وَقت الَّذِي بعْدهَا وَجب قَتله. وَعنهُ: أَنه لَا يجب قَتله حَتَّى يتْرك ثَلَاث صلوَات ويتضايق وَقت الرَّابِعَة، فَإِذا وَجب قَتله لم الحديث: 1348 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 يقتل حَتَّى يُسْتَتَاب ثَلَاثَة أَيَّام، فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل بِالسَّيْفِ. وَهل وَجب قَتله حدا. أَو لكفره؟ على رِوَايَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا: لكفره، وَدَلِيله هَذَا الحَدِيث، وَالثَّانِي: يقتل حدا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يكفر، بل يُسْتَتَاب، فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُسْتَتَاب وَيحبس وَلَا يقتل. 1350 - / 1635 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: طَاف رَسُول الله بِالْبَيْتِ فِي حجَّة الْوَدَاع على رَاحِلَته يسْتَلم الْحجر بِمِحْجَنِهِ. الإستلام: اللَّمْس. والمحجن: قد بَيناهُ فِي الحَدِيث التَّاسِع من أَفْرَاد مُسلم. وَقد بَين فِي هَذَا الحَدِيث أَنه إِنَّمَا طَاف رَاكِبًا ليراه النَّاس وليسألوه: وَقد تكلمنا فِي طوف الرَّاكِب فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1351 - / 1638 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ: أُتِي بضب فَأبى أَن يَأْكُل مِنْهُ وَقَالَ: ((لَا أَدْرِي، لَعَلَّه من الْقُرُون الَّتِي مسخت)) . قد تكلمنا على أكل الضَّب فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. فَإِن قيل: كَيفَ الْجمع بَين هَذَا وَبَين حَدِيث أم حَبِيبَة: ((إِن الله لم يمسخ أحدا فَيجْعَل لَهُ نَسْلًا وَلَا عَاقِبَة)) ؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون وَقت قَوْله: ((لَا أَدْرِي)) لم يعلم، ثمَّ أعلم فَقَالَ مَا روته أم حَبِيبَة، وَالثَّانِي: أَن يكون الْمَعْنى: لَعَلَّه قد مسخ قوم على الحديث: 1350 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 هَيئته وَصورته، فكره أكله للمشابهة، وَتَركه استقذارا، وَهَذَا اخْتِيَار ابْن جرير. 1352 - / 1639 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ: رمى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجَمْرَة يَوْم النَّحْر ضحى، فَأَما بعد فَإِذا زَالَت الشَّمْس. أما الْجَمْرَة الَّتِي ترمى يَوْم النَّحْر فوقتها بعد طُلُوع الشَّمْس، فَإِن رمى بعد نصف اللَّيْل أَجزَأَهُ خلافًا لأبي حنيفَة وَمَالك. وَأما الْجمار الَّتِي ترمى فِي أَيَّام التَّشْرِيق فوقتها بعد الزَّوَال، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز أَن يَرْمِي فِي الْيَوْم الْأَخير قبل الزَّوَال. وَعَن أَحْمد مثله. 1353 - / 1641 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْمِي الْجَمْرَة بِمثل حَصى الْخذف. الْعَادة جَارِيَة بِأَن الْإِنْسَان لَا يخذف بالحصى الْكِبَار، وَالسّنة أَن يكون هَذَا الْحَصَى أكبر من الحمص وأصغر من البندق. 1354 - / 1642 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ: ((لكل نَبِي دَعْوَة دَعَا بهَا فِي أمته وخبأت دَعْوَتِي شَفَاعَة لأمتي يَوْم الْقِيَامَة)) . قَوْله: ((دَعَا بهَا فِي أمته)) يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: دَعَا بهَا لنَفسِهِ وَهُوَ فِي أمته. وَالثَّانِي: دَعَا بهَا فيهم: إِمَّا لصلاحهم وَإِمَّا لهلاكهم. الحديث: 1352 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 1355 - / 1643 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينْهَى أَن يُسمى بيعلى وببركة وبأفلح وبيسار وبنافع وَنَحْو ذَلِك، ثمَّ سكت وَلم يقل شَيْئا. إِنَّمَا كره ذَلِك لشيئين: أَحدهمَا: أَن هَذِه الْأَسْمَاء تَتَضَمَّن تَزْكِيَة المسمين ومدحهم. وَالثَّانِي: أَنه قد يُقَال: أَفِي الْبَيْت بركَة؟ أها هُنَا نَافِع؟ فَيُقَال: لَا فكره ذَلِك. 1356 - / 1644 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ: فِي قتل الْكلاب: ((عَلَيْكُم بالأسود البهيم ذِي الطفيتين؛ فَإِنَّهُ شَيْطَان)) . البهيم: الَّذِي لَا يخالط سوَاده لون غير السوَاد. وَقد سبق بَيَان الطفيتين فِي الْحَيَّات فِي مُسْند أبي لبَابَة، وَهُوَ فِي الْكلاب على ذَلِك الْمَعْنى. 1357 - / 1645 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ: ((طَعَام الْوَاحِد يَكْفِي الْإِثْنَيْنِ، وَطَعَام الْإِثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَة)) . وَهَذَا يتَضَمَّن الْحَث على الإيثار، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ عِنْد الْإِنْسَان مَا يَكْفِيهِ فَأكل شطره لم يُؤثر ذَلِك عِنْده فِي إِقَامَة أوده. 1358 - / 1646 - وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين: أَنه قَالَ لأسماء بنت عُمَيْس: ((مَالِي أرى أجسام بني أخي ضارعة، تصيبهم الْحَاجة؟)) الحديث: 1355 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 قَالَت: لَا، وَلَكِن الْعين تسرع إِلَيْهِم. قَالَ: ((ارقيهم)) . قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الضارع: الضاوي النحيف. وَقد تكلمنا على الرقى فِي مُسْند ابْن عَبَّاس، وَذكرنَا مَا فعل فِي إِصَابَة الْعين هُنَاكَ أَيْضا. وَالْمرَاد ببني أَخِيه أَوْلَاد جَعْفَر بن أبي طَالب، وَأَسْمَاء كَانَت زَوجته. 1359 - / 1647 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زجر أَن يقبر الرجل بِاللَّيْلِ حَتَّى يصلى عَلَيْهِ إِلَّا أَن يضْطَر إِنْسَان إِلَى ذَلِك، وَقَالَ: ((إِذا كفن أحدكُم أَخَاهُ فليحسن كَفنه)) . أما نَهْيه عَن الإقبار بِاللَّيْلِ فلتكثر الصَّلَاة على الْمَيِّت، وتحسين الْكَفَن احترام للْمَيت، وَلِأَنَّهُ قد رُوِيَ أَنهم يحشرون فِي أكفانهم. وَلَيْسَ تَحْسِين الْكَفَن كَمَا يفعل الْجُهَّال من التنوق فِي الأكفان الرفيعة. 1360 - / 1650 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: نهى عَن بيع الصُّبْرَة من التَّمْر لَا يعلم مكيلتها بالمكيل الْمُسَمّى من التَّمْر. الصُّبْرَة: الْجزَاف بِلَا كيل وَلَا وزن. وَهَذَا النَّهْي لأجل الرِّبَا. فَأَما إِذا بَاعَ صبرَة مجازفة وَانْفَرَدَ البَائِع بِمَعْرِِفَة قدرهَا: فعندنا لَا يجوز لَهُ وَالْبيع صَحِيح وَللْمُشْتَرِي الْخِيَار، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: البيع الحديث: 1359 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 لَازم وَلَا خِيَار للْمُشْتَرِي 1361 - / 1651 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ((إِذا ابتعت طَعَاما فَلَا تبعه حَتَّى تستوفيه)) . قد سبق الْكَلَام فِي هَذَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1362 - / 1652 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ: قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالشُّفْعَة فِي كل شركَة لم تقسم: ربعَة - وَفِي لفظ: ربع - أَو حَائِط، لَا يحل أَن يَبِيع حَتَّى يُؤذن شَرِيكه، فَإِن شَاءَ أَخذ وَإِن شَاءَ ترك، فَإِذا بَاعَ وَلم يُؤذنهُ فَهُوَ أَحَق بِهِ. الرّبع: الْمنزل. والحائط: الْبُسْتَان. وَقَوله: لَا يحل: نهي لمن يحتال فِي إِسْقَاط الشُّفْعَة. وَهَذِه شُفْعَة الْمشَاع، فَأَما غير الْمشَاع فقد ذَكرْنَاهُ فِي أول أَفْرَاد البُخَارِيّ من هَذَا الْمسند. 1363 - / 1653 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: أُتِي بِأبي قُحَافَة يَوْم فتح مَكَّة وَرَأسه ولحيته كالثغامة بَيَاضًا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((غيروا هَذَا بِشَيْء وَاجْتَنبُوا السوَاد)) . أَبُو قُحَافَة اسْمه عُثْمَان بن عَامر. وَالَّذِي جَاءَ بِهِ يَوْم الْفَتْح ابْنه أَبُو بكر الصّديق. أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْبَزَّاز قَالَ: أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الحديث: 1361 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 الْجَوْهَرِي قَالَ: أخبرنَا ابْن حيويه قَالَ: أخبرنَا ابْن مَعْرُوف قَالَ: حَدثنَا ابْن الْفَهم قَالَ: أخبرنَا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه عَن أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَت: لما دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة وَاطْمَأَنَّ وَجلسَ فِي الْمَسْجِد، أَتَاهُ أَبُو بكر الصّديق بِأبي قُحَافَة، فَلَمَّا رَآهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ((يَا أَبَا بكر، أَلا تركت الشَّيْخ حَتَّى أكون أَنا الَّذِي أَمْشِي إِلَيْهِ)) قَالَ: يَا رَسُول الله، هُوَ أَحَق أَن يمشي إِلَيْك من أَن تمشي إِلَيْهِ. فأجلسه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين يَدَيْهِ، وَوضع يَده على قلبه ثمَّ قَالَ: ((يَا أَبَا قُحَافَة، أسلم تسلم)) . فَأَما الثغامة فَقَالَ أَبُو عبيد: الثغام: نبت أَبيض الثَّمر أَو الزهر، فَشبه بَيَاض الشيب بِهِ، قَالَ حسان بن ثَابت: (إِمَّا تري رَأْسِي تجلل لَونه ... شُمْطًا فَأصْبح كالثغام الممحل) الممحل: الَّذِي أَصَابَهُ الْمحل: وَهِي الجدوبة. وَقَالَ الزّجاج: أثغم رَأس الرجل: إِذا صَار كالثغامة، وأثغم الْوَادي: إِذا صَار فِيهِ الثغام، وَهُوَ شجر أَبيض النُّور يشبه بِهِ الشيب. 1364 - / 1654 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ: ((غلظ الْقُلُوب والجفاء فِي الْمشرق، وَالْإِيمَان فِي الْحجاز)) . قد ذكرنَا فِي مُسْند ابْن عمر أَن الْفِتَن تَأتي من الْمشرق مثل الدَّجَّال الحديث: 1364 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 ويأجوج وَمَأْجُوج وَغير ذَلِك، والأغلب عَلَيْهِم الْأَعَاجِم، وَفِيهِمْ غلظ الْقُلُوب والجفاء. وَأما الْحجاز فمسكن الْعَرَب. قَالَ ابْن فَارس: سمي الْحجاز لِأَنَّهُ احتجز بالجبال، يُقَال: احتجزت الْمَرْأَة: إِذا شدت ثِيَابهَا على وَسطهَا واتزرت، قَالَ: وَالْأَصْل عندنَا فِي الْحجاز أَنه حاجز بَين أَرضين. 1365 - / 1656 - وَفِي الحَدِيث الْخمسين: نهى أَن يقتل شَيْء من الدَّوَابّ صبرا. أَي أَن يحبس للْقَتْل، وَقد كَانُوا يتخذونها كالغرض ويرمونها. 1366 - / 1656 - 1366 - / 1658 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْخمسين: قَالَ جَابر: نجيء نَحن يَوْم الْقِيَامَة عَن كَذَا وَكَذَا، ثمَّ يأتينا رَبنَا. قَوْله: عَن كَذَا وَكَذَا، كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى كَثْرَة الْعدَد. وَقَوله: ثمَّ يأتينا رَبنَا. قد قَالَ أَحْمد فِي قَوْله: يَأْتِيهم الله: يَأْتِي أمره. وَقَوله: فتجلى لَهُم يضْحك. قد يسْبق إِلَى الخيال والحس التَّمْثِيل بالخلق. وَفِي قَوْله: فَينْطَلق بهم فيتبعونه، أَنه يقطع مَسَافَة. وَهَذَا كُله حرَام الإعتقاد، وَالنَّاس فِي هَذَا وَأَمْثَاله رجلَانِ: أَحدهمَا سكت عَن الحديث: 1365 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 التَّفْسِير مَعَ نفي الخيال، وَهَذَا مَذْهَب جُمْهُور السّلف. وَالْآخر: حمله على سَعَة اللُّغَة. فَأَما الثَّالِث فَهُوَ الْمُشبه. وَقَوله: تذْهب حراقه: أَي أثر مَا احْتَرَقَ مِنْهُ. 1367 - / 1659 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْخمسين: قَالَ جَابر: طلقت خَالَتِي فَأَرَادَتْ أَن تَجِد نخلها، فزجرها رجل أَن تخرج، فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ((بلَى، جدي نخلك)) . جدَاد النّخل: صرامها. وَهَذَا فِي الْمُعْتَدَّة من الطَّلَاق الثَّلَاث، فَإِنَّهَا تخرج فِي النَّهَار إِلَى الْمَكَان الْقَرِيب للْحَاجة، ونخل الْأَنْصَار قريب من دُورهمْ. فَأَما الرَّجْعِيَّة فَلَا تخرج لَيْلًا وَلَا نَهَارا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تخرج المبتوتة أصلا كالرجعية. وَقَالَ الشَّافِعِي: تخرج نَهَارا لَا لَيْلًا. 1368 - / 1660 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْخمسين: نهى عَن بيع ضراب الْجمل، وَعَن بيع المَاء وَالْأَرْض لتحرث. أما ضراب الْفَحْل فَهُوَ عسب الْفَحْل، وَقد تقدم ذكره فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ من مُسْند ابْن عمر. وَأما بيع المَاء فَلِأَن النَّاس شُرَكَاء فِيهِ. 1369 - / 1661 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْخمسين: نهى عَن الوسم الحديث: 1367 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 فِي الْوَجْه. الوسم: الْعَلامَة بِنَار أَو غَيرهَا، وَهِي فِي الْوَجْه كالمثلة. 1370 - / 1662 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْخمسين: نهى أَن يجصص الْقَبْر وَأَن يقْعد عَلَيْهِ. وَفِي لفظ: أَن يُقَصَّص. التجصيص من الجص، والتقصيص من الْقِصَّة، وَهُوَ الجص أَيْضا، وَقد ذكرنَا عَن أبي سُلَيْمَان أَنه قَالَ: يشبه الجص وَلَيْسَ بِهِ. وَأما الْقعُود على الْقَبْر فَظَاهره الْجُلُوس، وَقد أَوله قوم فَقَالُوا: هُوَ الْقعُود عَلَيْهِ للتخلي وَالْحَاجة، وَالْأول اصح. 1371 - / 1663 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْخمسين: نهى عَن الشّغَار. وَقد تقدم فِي مُسْند ابْن عمر. 1372 - / 1664 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْخمسين: ((مَا من صَاحب إبل لَا يفعل فِيهَا حَقّهَا إِلَّا قعد لَهَا بقاع قرقر)) . أما القاع فَقَالَ أَبُو عبيد: هُوَ الْمَكَان المستوي لَيْسَ فِيهِ ارْتِفَاع وَلَا انخفاض، وَهُوَ القيعة أَيْضا. وَيُقَال: القيعة جمع قاع. والقرقر أَيْضا: الْمَكَان المستوي. الحديث: 1370 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 وَقَالَ: وَقد جَاءَ فِي بعض الحَدِيث: ((بقاع قرق)) وَهُوَ مثل القرقر، وَأنْشد: (كَأَن أَيْدِيهنَّ بالقاع القرق ... أَيدي جوَار يتعاطين الْوَرق) فَشبه بَيَاض أَيدي الْإِبِل ببياض أَيدي الْجَوَارِي. كَذَا قَالَ أَبُو عبيد. وَأخْبرنَا ابْن نَاصِر قَالَ: أخبرنَا أَبُو زَكَرِيَّا قَالَ: قَالَ لي أَبُو الْعَلَاء المعري: يجب أَن يكون شبه حمرَة أَيدي الْإِبِل بحمرة أَيدي الْجَوَارِي، لِأَن أخفافها قد اختضبت بِالدَّمِ، فَهِيَ كأيدي جوَار قد اختضبن، وَهن بَنَات أَغْنِيَاء يلعبن بِالدَّرَاهِمِ. وَقَوله: يستن: أَي يعدو. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: والإستنان: أَن يحضر الْفرس وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْفَارِس. يُقَال: فرس سِنِين، وَذَلِكَ من النشاط. وَأَرَادَ هَا هُنَا أَنه يمرح فِي الطول. والأخفاف جمع خف. والخف للبعير كالظفر للْإنْسَان، والظلف للبقر وَالْغنم كَذَلِك. والجماء: الَّتِي لَا قرن لَهَا. وَقَوله: ((شجاعا أَقرع)) قَالَ أَبُو عبيد: الشجاع: الْحَيَّة، وَإِنَّمَا سمي أَقرع لِأَنَّهُ يقري السم ويجمعه فِي رَأسه حَتَّى يتمعط مِنْهُ شعره، قَالَ الشَّاعِر يذكر حَيَّة ذكرا: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 (قرى السم حَتَّى انماز فَرْوَة رَأسه ... عَن الْعظم صل فاتك اللسع مارده) وَقَوله: ((فيقضمان)) القضم: العض وَالْكَسْر. وَقَالَ أَبُو عبيد: القضم بِأَدْنَى الْأَسْنَان والخضم بأقصاها. والفحل: الذّكر. وَأما قَوْله وَقد سُئِلَ عَن حق الْإِبِل فَقَالَ: ((حلبها على المَاء)) أَي عِنْد المَاء، وَذَلِكَ لأَنهم يَجْتَمعُونَ عِنْده، فَأَرَادَ سقِِي أهل المَاء. وَقَوله: ((ومنيحتها)) أَي يُعْطي النَّاقة وَالشَّاة لمن يحلبها وَيشْرب من لَبنهَا من الْفُقَرَاء وقتا مَعْلُوما. ومنحة لَبنهَا يَوْم وُرُودهَا: أَن تَسْقِي من حضر من المحتاجين، وَهَذَا - مِمَّا نرَاهُ - كَانَ لَازِما قبل الزَّكَاة، لِأَن التواعد لَا يكون إِلَّا على وَاجِب. 1373 - / 1665 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْخمسين: ((فَينزل عِيسَى فَيَقُول أَمِيرهمْ: صل لنا، فَيَقُول: لَا، إِن بَعْضكُم على بعض أُمَرَاء)) . اعْلَم أَنه لَو تقدم عِيسَى لوقع فِي النُّفُوس إِشْكَال، ولقيل: أتراه تقدم على وَجه النِّيَابَة أم ابْتَدَأَ شرعا؟ ، فَيصَلي مَأْمُوما لِئَلَّا يتدنس بغبار الشُّبْهَة، وَجه قَوْله: ((لَا نَبِي بعدِي)) . الحديث: 1373 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 1374 - / 1666 - وَفِي الحَدِيث السِّتين: كتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على كل بطن عقوله، ثمَّ كتب بِأَنَّهُ لَا يحل أَن يتوالى مولى رجل مُسلم بِغَيْر إِذْنه. الْبَطن من الْقَبِيلَة. وَيُرِيد بالعقول أَنَّهَا تعقل عَن صَاحبهَا، وَالْمرَاد أَن الدِّيَة على الْعَاقِلَة، فَكتب على كل بطن مَا يلْزمهُم من الدِّيَة، وَمنع أَن يتَوَلَّى رجل قوما بِغَيْر إِذن موَالِيه، وَهُوَ أَن ينتسب إِلَى ولايتهم ومواليه فَمَا يأذنون فِي هَذَا. 1375 - / 1667 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتِّينَ: ((إِن كَانَ فِي شَيْء فَفِي الرّبع وَالْخَادِم وَالْفرس)) يَعْنِي الشؤم وَقد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند سهل بن سعد. 1376 - / 1668 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتِّينَ: ((إِذا استجمر أحدكُم فليوتر)) . أصل الإستجمار من الْجمار: وَهِي الْحَصَا الصغار. وَيسْتَحب أَن يكون وترا. وَفِي حَدِيث آخر: ((فليذهب مَعَه بِثَلَاثَة أَحْجَار)) . 1377 - / 1669 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتِّينَ: قَالَ جَابر: مهل أهل الْمَدِينَة من ذِي الحليفة. الْمهل مضموم الْمِيم: وَهُوَ الْموضع الَّذِي يهلون مِنْهُ. والإهلال: الحديث: 1374 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ. وَقد سبق هَذَا. 1378 - / 1671 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتِّينَ: ((اركبها بِالْمَعْرُوفِ إِذا ألجئت إِلَيْهَا حَتَّى تَجِد ظهرا)) يَعْنِي الْهَدْي. الْمَعْرُوف هَا هُنَا مَا لَا يجْهد المركوب. والإلجاء: الإضطرار. وَالظّهْر: المركوب. وَعِنْدنَا أَن لصَاحب الْهَدْي أَن يركب وَأَن يشرب اللَّبن. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن اضْطر إِلَى الرّكُوب جَازَ. وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: لَا يركبهَا، وَإِن فعل ذَلِك لضَرُورَة فنقصها الرّكُوب شَيْئا ضمن مَا نَقصهَا وَتصدق بِهِ. 1379 - / 1672 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتِّينَ: كُنَّا نستمتع بالقبضة من التَّمْر والدقيق الْأَيَّام على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر حَتَّى نهى عَنهُ عمر فِي شَأْن عَمْرو بن حُرَيْث. عَمْرو بن حُرَيْث من الصَّحَابَة، وَكَانَ قد استمتع من امْرَأَة فَحملت، فَبلغ ذَلِك عمر، فحد فِي النَّهْي عَن ذَلِك. المُرَاد أَنه بَين تَحْرِيم ذَلِك الْفِعْل، وَإِنَّمَا فعل هَذَا فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ أذن فِيهِ ثمَّ إِنَّه نهى عَنهُ، فَلم يعلم بِالنَّهْي أَقوام فَفَعَلُوا ذَلِك فِي زَمَنه وَفِي زمن أبي بكر، فَلَمَّا شاع فعلهم فِي زمن عمر حد فِي تَبْيِين النَّهْي، الحديث: 1378 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 وَبَيَان هَذَا أَنه لَا يجوز أَن يكون النَّهْي بَلغهُمْ ثمَّ يَفْعَلُونَهُ، لِأَن الصَّحَابَة قد نزهوا عَن مثل هَذَا، وَلَا يجوز أَن يكون مَأْذُونا فِيهِ بِالشَّرْعِ مُطلقًا، وَقد فعل فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر ويبتدئ عمر بِالنَّهْي عَنهُ؛ إِذْ لَيْسَ إِلَيْهِ أَن يُغير شَيْئا من الشَّرِيعَة، وَإِنَّمَا الْوَجْه مَا ذكرنَا. وَقد ذكرنَا مثل هَذَا فِي أَوَائِل هَذَا الْمسند. 1380 - / 1673 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتِّينَ: ((إِذا دعِي أحدكُم إِلَى طَعَام فليجب)) . إِذا كَانَ الطَّعَام الْمَدْعُو إِلَيْهِ وَلِيمَة عرس وَجَبت الْإِجَابَة على مَا بَينا فِي مُسْند الْبَراء بن عَازِب، وَإِن لم تكن وَلِيمَة عرس اسْتحبَّ للمدعو أَن يطيب قلب الدَّاعِي بِحُضُورِهِ إِذا لم يكن فِي الْحُضُور مَا يكره. 1381 - / 1674 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتِّينَ: صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم النَّحْر بِالْمَدِينَةِ، فَتقدم رجال فنحروا وظنوا أَن رَسُول الله قد نحر، فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ نحر قبله أَن يُعِيد بنحر آخر، وَلَا ينحروا حَتَّى ينْحَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قد تكلمنا على هَذَا فِيمَا تقدم، وَبينا أَن مَذْهَبنَا يخْتَلف، فالمنصور عندنَا أَنه لَا يجوز ذبح الْأُضْحِية قبل صَلَاة الإِمَام وَيجوز بعْدهَا وَإِن لم يكن قد ذبح، وَيكون معنى قَوْله: وَلَا تنحروا حَتَّى ينْحَر، على الْغَالِب فِي حَال الإِمَام، فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي ثمَّ ينْحَر. وَقَالَ أَبُو الحديث: 1380 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 حنيفَة فِي أهل الْأَمْصَار كمذهبنا، وَفِي أهل الْقرى: يجوز أَن يذبحوا بعد طُلُوع الْفجْر من يَوْم النَّحْر. وَقَالَ مَالك: وَقت الذّبْح إِذا صلى الإِمَام وَذبح، أخذا بِظَاهِر هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ الشَّافِعِي: وَقت الذّبْح أَن يمْضِي بعد دُخُول وَقت الصَّلَاة زمَان يُمكن فِي صَلَاة رَكْعَتَيْنِ وخطبتين، وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ. 1382 - / 1675 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسِّتِّينَ: زجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تصل الْمَرْأَة برأسها شَيْئا. وَقد تكلمنا فِي حكم وصل الشّعْر فِي مُسْند ابْن عمر. وَمعنى الحَدِيث: أَن تصل بشعرها. وَقد ذكرنَا أَن الْعلمَاء أباحوا القرامل، فَيكون قَوْله: ((شَيْئا)) إِشَارَة إِلَى الشّعْر. 1383 - / 1676 - وَفِي الحَدِيث السّبْعين: إِن الْيَهُود إِذا سلمُوا قَالُوا: السام عَلَيْك. والسام: الْمَوْت، وَقد سبق هَذَا. 1384 - / 1677 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسبْعين: ((لَا عدوى وَلَا طيرة وَلَا صفر وَلَا غول)) . الحديث: 1382 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 قد تكلمنا فِي الْعَدْوى والطيرة فِي مُسْند ابْن عمر. فَأَما قَوْله: ((لَا صفر)) فَفِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا حَيَّة تكون فِي الْبَطن، وَفِي هَذَا الحَدِيث قَالَ جَابر: كَانَ يُقَال دَوَاب الْبَطن. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: سَمِعت يُونُس يسْأَل رؤبة عَن الصفر فَقَالَ: حَيَّة تكون فِي الْبَطن تصيب الْمَاشِيَة وَالنَّاس، وَهِي أعدى من الجرب عِنْد الْعَرَب، فَأبْطل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا تعدِي. وَيُقَال: إِنَّهَا تشتد على الْإِنْسَان إِذا جَاع وتؤذيه، قَالَ أعشى باهلة: (لَا يتأرى لما فِي الْقدر يرقبه ... وَلَا يعَض على شرسوفه الصفر) وَالثَّانِي: أَنه تأخيرهم الْمحرم إِلَى صفر، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة. قَالَ أَبُو عبيد: وَلم يقل هَذَا غير أبي عُبَيْدَة. وَقَوله: ((وَلَا غول)) كَانَت الْعَرَب تَقول: إِن الغيلان فِي الفلوات تتراءى للنَّاس وتتغول: أَي تتلون لَهُم فتضلهم عَن الطَّرِيق وتفزعهم وتهلكهم، فَأبْطل الشَّرْع صِحَة ذَلِك. 1385 - / 1679 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسبْعين: ((النَّاس تبع لقريش فِي الْخَيْر وَالشَّر)) . كَانَت قُرَيْش مُتَقَدّمَة على سَائِر الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة، ثمَّ تقدمتهم بالرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْإِسْلَام. الحديث: 1385 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 1386 - / 1681 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسبْعين: بَايَعْنَاهُ تَحت الشَّجَرَة غير جد بن قيس، فَإِنَّهُ اختفى تَحت بطن بعيره. هَذَا الرجل مَعْدُود فِي الْمُنَافِقين، وَهُوَ الْقَائِل: {ائْذَنْ لي وَلَا تفتني} [التَّوْبَة: 49] . 1387 - / 1682 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسبْعين: ((لَا يبع حَاضر لباد)) . البادي: الَّذِي يطْرَأ عَلَيْك، وَالَّذِي يسكن الْبَادِيَة. وَقد سبق شرح هَذَا الحَدِيث وَحكمه فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1388 - / 1683 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسبْعين: نهى أَن يبال فِي المَاء الراكد. الراكد الْمُقِيم الَّذِي لَا يجْرِي، وَلَا يَخْلُو من حَالين: إِمَّا أَن يكون قَلِيلا فينجس بالبول، أَو كثيرا لَا يُنجسهُ الْبَوْل، فاستدامة الْبَوْل فِيهِ تغير رِيحه وتقذره إِلَى المستعملين مِنْهُ. 1389 - / 1684 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسبْعين: ((فَإِذا مُوسَى ضرب من الرِّجَال كَأَنَّهُ من رجال شنُوءَة)) . الضَّرْب من الرِّجَال: الْخَفِيف، وأنشدوا: الحديث: 1386 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 (أَنا الرجل الضَّرْب الَّذِي تعرفونه ... خشَاش كرأس الْحَيَّة المتوقد) وَأما تشبيهه عِيسَى بِعُرْوَة، وَجِبْرِيل بِدِحْيَةَ، فَإِن عُرْوَة هُوَ ابْن مَسْعُود بن معتب، أَبُو يَعْفُور الثَّقَفِيّ، أسلم وَصَحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ودحية هُوَ ابْن خَليفَة بن فَرْوَة، أسلم قَدِيما، وَشهد الْمشَاهد بعد بدر. وَجَمَاعَة الْمُحدثين واللغويين يَقُولُونَ دحْيَة بِكَسْر الدَّال، وَحكى ابْن قُتَيْبَة عَن الْأَصْمَعِي فتحهَا. وَكَانَ جِبْرِيل يَأْتِي فِي صورته. قَالَ لنا شَيخنَا ابْن نَاصِر: إِنَّمَا كَانَ جِبْرِيل يتشبه بِدِحْيَةَ لِأَن دحْيَة كَانَ يدْخل على الْمُلُوك. 1390 - / 1685 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسبْعين: اشْتَكَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلينا وَرَاءه وَهُوَ قَاعد، فَالْتَفت فرآنا قيَاما، فَأَشَارَ إِلَيْنَا، فَقَعَدْنَا فصلينا بِصَلَاتِهِ قعُودا، فَلَمَّا سلم قَالَ: ((ائتموا بأئمتكم. إِن صلى قَائِما فصلوا قيَاما، وَإِن صلى قَاعِدا فصلوا قعُودا)) . مَذْهَب أَصْحَابنَا أَنه إِذا مرض إِمَام الْحَيّ مَرضا يرجي بُرْؤُهُ جَازَ أَن يُصَلِّي بهم قَاعِدا وَيصلونَ خَلفه قعُودا لهَذَا الحَدِيث، فَإِن صلوا قيَاما جَازَ خلافًا للأكثرين فِي قَوْلهم: إِنَّه مَتى قدرُوا على الْقيام فصلوا جُلُوسًا بطلت صلَاتهم وَقد حكى البُخَارِيّ عَن عبد الله بن الزبير الْحميدِي أَنه قَالَ: هَذَا مَنْسُوخ، لِأَن هَذَا كَانَ فِي مَرضه الْقَدِيم، وَقد صلى فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَالنَّاس خَلفه قيام فَلم يَأْمُرهُم بِالْجُلُوسِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذ بِالْآخرِ فالآخر من أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَسَيَأْتِي هَذَا الحَدِيث فِي الحديث: 1390 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 مُسْند أنس وَأبي هُرَيْرَة وَعَائِشَة، وَهَذَا كَلَام على الْكل. وَفِي هَذَا الحَدِيث: أَن فَارس وَالروم يقومُونَ على مُلُوكهمْ: أَي على رُؤُوس مُلُوكهمْ. 1391 - / 1686 - وَفِي الحَدِيث الثَّمَانِينَ: جَاءَ عبد فَبَايع على الْهِجْرَة وَلم يشْعر أَنه عبد، فجَاء سَيّده يُريدهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((بعنيه)) فَاشْتَرَاهُ بعبدين. لما كَانَت الْهِجْرَة وَاجِبَة على من يقدر، كَالْجُمُعَةِ مثلا، كَانَ العَبْد كالمعذور لموْضِع حبس السَّيِّد لَهُ. 1392 - / 1687 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي والثمانين: النَّهْي عَن الْأكل بالشمال وَقد سبق فِي مُسْند ابْن عمر. 1393 - / 1688 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي والثمانين: أَن أم سَلمَة اسْتَأْذَنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحجامَة، فَأمر أَبَا طيبَة أَن يحجمها، حسبت أَنه قَالَ: كَانَ أخاها من الرضَاعَة، أَو غُلَاما لم يَحْتَلِم. قلت: مَتى اضطرت الْمَرْأَة إِلَى هَذَا وَلم تَجِد محرما يحجمها وَلَا امْرَأَة، جَازَ أَن يحجمها أَجْنَبِي. 1394 - / 1689 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث والثمانين ((إِذا رأى أحدكُم الحديث: 1391 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 الرُّؤْيَا يكرهها فليبصق عَن يسَاره)) وَقد سبق فِي مُسْند أبي قَتَادَة. 1395 - / 1690 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع والثمانين: ((من رَآنِي فِي النّوم فقد رَآنِي)) . وَقد سبق فِي مُسْند أبي قَتَادَة، وتكلمنا هُنَالك عَن أَقسَام الرُّؤْيَا. وَفِي هَذَا الحَدِيث أَن رجلا قَالَ: رَأَيْت كَأَن رَأْسِي ضرب فتدحرج، واشتددت فِي إثره. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((لَا تحدث النَّاس بتلعب الشَّيْطَان بك)) وَهَذَا تَنْبِيه على أَن كل رُؤْيا كَانَت من هَذَا الْجِنْس فَلَا يَنْبَغِي أَن يتحدث بهَا، فَإِنَّهَا من الشَّيْطَان. 1396 - / 1691 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس والثمانين: أَن عبدا لحاطب قَالَ: ليدخلن حَاطِب النَّار. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((كذبت، لَا يدخلهَا، فَإِنَّهُ شهد بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة)) . هَذَا حَاطِب بن أبي بلتعة. وَفِي هَذَا الحَدِيث بِشَارَة لمن شهد بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة، وَقد قَالَ فِي أهل بدر: ((لَعَلَّ الله اطلع على أهل بدر فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم؛ فَإِنِّي قد غفرت لكم)) . وَقَالَ الله تَعَالَى فِي أهل الْحُدَيْبِيَة: {لقد رَضِي الله عَن الْمُؤمنِينَ إِذْ يُبَايعُونَك تَحت الشَّجَرَة} [الْفَتْح: 18] . الحديث: 1395 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 1397 - / 1692 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس والثمانين: ((أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله} فَذكر الحَدِيث وَقَرَأَ: {لست عَلَيْهِم بمسيطر} [الغاشية: 22] أما الحَدِيث فقد تقدم فِي مُسْند ابْن عمر. وَأما المسيطر فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ الْمُسَلط. قَالَ اللغويون: يُقَال: تسيطر وتصيطر بِالسِّين وَالصَّاد، وَالْأَصْل السِّين، وكل سين بعْدهَا طاء يجوز أَن تقلب صادا، كَمَا تَقول سطر وصطر، وسطا علينا وصطا. وَلم يَأْتِ فِي كَلَام الْعَرَب اسْم على ((مفيعل)) إِلَّا خَمْسَة أَسمَاء: مسيطر وَهُوَ الْمُسَلط، ومهيمن وَهُوَ الشَّاهِد، ومجيمر وَهُوَ اسْم جبل، ومبيطر أَي بيطار، ومبيقر وَهُوَ الَّذِي خرج من أَرض إِلَى أَرض، يُقَال: بيقر الرجل: إِذا خرج من بلد إِلَى بلد، قَالَ امْرُؤ الْقَيْس. (أَلا هَل أَتَاهَا والحوادث جمة ... بِأَن امْرأ الْقَيْس بن تملك بيقرا) . 1398 - / 1693 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع والثمانين: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحديث: 1397 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 دخل مَكَّة يَوْم فتح مَكَّة وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء. المُرَاد من هَذَا الحَدِيث أَنه دخل غير محرم. وَاعْلَم أَن من أَرَادَ دُخُول مَكَّة لَا للنسك بل لحَاجَة، فَلَا تَخْلُو هَذِه الْحَاجة من أَمريْن: إِمَّا أَن تكون متكررة كالإحتطاب والإحتشاش فَهَذَا لَا يلْزمه الْإِحْرَام. وَإِمَّا أَن تكون غير متكررة كالتجارة، فَهَل يلْزمه الْإِحْرَام أم لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد، وقولان للشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: من كَانَ من أهل الْمِيقَات إِلَى مَكَّة لَا يلْزمه، وَمن كَانَ خَارج الْمِيقَات لزمَه الْإِحْرَام. فَإِذا قُلْنَا: لَا يلْزم الدَّاخِل لحَاجَة غير متكررة الْإِحْرَام فَلَا كَلَام، وَإِن قُلْنَا: يلْزم، كَانَ دُخُول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَكَّة غير محرم خَاصّا لَهُ، بِدَلِيل قَوْله: ((وَإِنَّمَا أحلّت لي سَاعَة من نَهَار)) . 1399 - / 1695 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع والثمانين: فِيهِ شَيْء يتَعَلَّق بِالْقدرِ. وَقد سبق بَيَانه فِي مُسْند عمر وَعلي وَعمْرَان بن حُصَيْن وَغَيرهم. وَفِيه: أَرَأَيْت عُمْرَتنَا، لِعَامِنَا أم لِلْأَبَد؟ وَفِيه: ((من لم يكن مَعَه هدي فليحلل)) وَقد سبق تَفْسِير ذَلِك فِي مُسْند ابْن عَبَّاس وَغَيره. 1400 - / 1696 - وَفِي الحَدِيث التسعين: ((لَا تذبحوا إِلَّا مُسِنَّة إِلَّا أَن يعسر عَلَيْكُم فتذبحوا جَذَعَة من الضَّأْن)) . الحديث: 1399 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 المسنة: مَا لَهَا سنتَانِ وَأكْثر. والجذعة من الضَّأْن: مَا كمل لَهُ سِتَّة أشهر وَدخل فِي السَّابِع، فَأَما من الْمعز فَمَا لَهُ سنة وَقد دخل فِي الثَّانِيَة. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: ولد الضَّأْن أول سنة حمل، ثمَّ يكون جذعا فِي الثَّانِيَة، ثمَّ ثنيا، ثمَّ رباعيا. وَولد المعزى أول سنة جدي، ثمَّ تنقله فِي الْأَسْنَان مثل تنقل الْحمل. وَقَالَ ابْن فَارس: يُقَال لأَوْلَاد الْغنم سَاعَة تضعه أمه من الضَّأْن والمعز جَمِيعًا، ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى: سخلة، ثمَّ هُوَ الْبَهِيمَة. فَإِذا أَتَى عَلَيْهَا الْحول وَدخلت فِي الثَّانِيَة فَهِيَ جَذَعَة. فَإِذا أَتَت عَلَيْهَا سنتَانِ وَدخلت فِي الثَّالِثَة فَهِيَ ثنية. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: الْجذع يخْتَلف فِي أَسْنَان الْإِبِل وَالْخَيْل وَالْبَقر والشاه، وَيَنْبَغِي أَن يُفَسر قَول الْعَرَب فِيهِ تَفْسِيرا مشبعا لحَاجَة النَّاس إِلَى مَعْرفَته فِي أضاحيهم وصدقاتهم: فَأَما الْبَعِير فَإِنَّهُ يجذع لاستكماله أَرْبَعَة أَعْوَام ودخوله فِي الْخَامِسَة، وَأما الْجذع من الْخَيل فَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: إِذا استتم الْفرس سنتَيْن وَدخل فِي الثَّالِثَة فَهُوَ جذع، وَإِذا استتم الثَّالِثَة وَدخل فِي الرَّابِعَة فَهُوَ ثني. وَأما الْجذع من الْبَقر فَقَالَ الْأَصْمَعِي: إِذا طلع قرن الْعجل وَقبض عَلَيْهِ فَهُوَ عضب، ثمَّ هُوَ بعد ذَلِك جذع، وَبعده ثني. وَقَالَ عتبَة بن أبي حَكِيم: لَا يكون الْجذع من الْبَقر حَتَّى يكون لَهُ سنتَانِ وَأول يَوْم من الثَّالِثَة. وَاخْتلفُوا فِي تَفْسِير الْجذع من الضَّأْن والمعز، فَقَالَ أَبُو زيد فِي المعزى خَاصَّة: يكون جذعا فِي السّنة الثَّانِيَة، ثمَّ ثنيا فِي الثَّالِثَة، ثمَّ رباعيا فِي الرَّابِعَة، وَلم يذكر الضَّأْن. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الإجذاع وَقت وَلَيْسَ بسن. وَقَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 والعناق تجذع لسنة، وَرُبمَا أجذعت العناق قبل تَمام السّنة للخصب فتسمن فيسرع إجذاعها، فَهِيَ جَذَعَة لسنة، وثنية لتَمام سنتَيْن. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: فرق ابْن الْأَعرَابِي بَين المعزى والضأن، فَجعل الضَّأْن أسْرع إجذاعا، وَهَذَا الَّذِي قَالَ إِنَّمَا يكون مَعَ خصب السّنة وَكَثْرَة اللَّبن والعشب. وَقَالَ يحيى بن آدم: إِنَّمَا يَجْزِي الْجذع من الضَّأْن فِي الْأَضَاحِي لِأَنَّهُ ينزو ويلقح، وَإِذا كَانَ من المعزى لم يلقح حَتَّى يثني. وَقَالَ اللَّيْث: الْجذع من الدَّوَابّ والأنعام أول مَا يُسْتَطَاع ركُوبه. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْخرقِيّ: سَمِعت أبي يَقُول: سَأَلت بعض أهل الْبَادِيَة: كَيفَ تعرفُون الضَّأْن إِذا أجذع؟ فَقَالُوا: لَا تزَال الصوفة قَائِمَة على ظَهره مَا دَامَ حملا، فَإِذا نَامَتْ الصوفة على ظَهره علم أَنه قد أجذع. 1401 - / 1697 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالتسْعين: كَانَ ينْبذ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سقاء فَإِن لم يَجدوا سقاء نبذوا لَهُ فِي تور من حِجَارَة. فَقيل لأبي الزبير: من برام؟ قَالَ: من برام. السقاء: الْقرْبَة. قَالَ أَبُو زيد: يُقَال لمسك السخلة مَا دَامَت ترْضع الشكوة، فَإِذا فطم فمسكة البدرة. قَالَ فَإِذا أجذع فمسكة السقاء. الحديث: 1401 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 والتور كلمة فارسية: وَهُوَ اسْم آنِية من حِجَارَة، مَعْرُوف. قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ عَن أبي عبيد عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: وَمِمَّا دخل فِي كَلَام الْعَرَب الطست، والتور. وَهِي فارسية. قَالَ شَيخنَا: وَقَالَ ابْن دُرَيْد: فَأَما التور: الرَّسُول فعربي صَحِيح، وَأنْشد: (والتور فِيمَا بَيْننَا معمل ... يرضى بِهِ المأتي والمرسل) المأتي: الَّذِي يُؤْتى فِي الرسَالَة، من قَول: أَتَيْته. قَالَ: وَقَالَ ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي. التورة: الْجَارِيَة الَّتِي ترسل بَين العشاق. والبرام: نوع من الْحِجَارَة يعْمل مِنْهُ الْقُدُور. وَكَانَ ينْبذ لَهُ فِي تِلْكَ الْأَوَانِي مَا يطْلب نقيعه كالتمر وَالزَّبِيب وَغير ذَلِك. 1402 - / 1698 - وَقد سبق بَيَان الحَدِيث الثَّانِي وَالتسْعين: عَن مُسْند ابْن عَبَّاس، والْحَدِيث الثَّالِث وَالتسْعين فِي مُسْند النُّعْمَان بن بشير. 1403 - / 1700 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالتسْعين: ((لايموتن أحدكُم إِلَّا وَهُوَ يحسن الظَّن بِاللَّه عز وَجل)) . الحديث: 1402 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 اعْلَم أَن الْخَوْف كالسوط يَسُوق النَّفس لتسعى فِي الْعَمَل، فَإِذا نزل الْمَوْت كَانَ ككلال الْبَعِير، فَيكون الرَّجَاء أولى، لِأَن المسوق قد كل فَلَا فَائِدَة فِي ضربه بِسَوْط الْخَوْف. قَالَ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ لِابْنِهِ عِنْد الْمَوْت: اقْرَأ عَليّ أَحَادِيث الرُّخص لألقى الله وَأَنا أحسن الظَّن بِهِ. 1404 - / 1701 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالتسْعين: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى امْرَأَة، فَأتى امْرَأَته زَيْنَب وَهِي تمعس منيئة لَهَا، فَقضى حَاجته ثمَّ خرج فَقَالَ: ((إِن الْمَرْأَة تقبل فِي صُورَة شَيْطَان وتدبر فِي صُورَة شَيْطَان، فَإِذا أبْصر أحدكُم امْرَأَة فليأت أَهله، فَإِن ذَلِك يرد مَا فِي نَفسه)) . قَالَ ابْن قُتَيْبَة: تمعس: تدبغ، وأصل المعس الدَّلْك. والمنيئة: الْجلد مَا كَانَ فِي الدّباغ. وَقَوله: ((فِي صُورَة شَيْطَان)) أَي إِن الشَّيْطَان يزين أمرهَا ويحث عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يقوى ميل النَّاظر إِلَيْهَا على قدر قُوَّة شبقه، فَإِذا جَامع أَهله قل المحرك وَحصل الْبَدَل. 1405 - / 1702 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالتسْعين: أَوله قد تقدم فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَآخره فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس. 1406 - / 1703 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالتسْعين: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((من يصعد الثَّنية ثنية المرار - وَفِي لفظ - أَو المرار - فَإِنَّهُ يحط عَنهُ مَا حط عَن بني إِسْرَائِيل)) وَكَانَ أول من صعد خَيْلنَا خيل بني الحديث: 1404 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 الْخَزْرَج، ثمَّ تتام النَّاس، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((وكلكم مغْفُور لَهُ إِلَّا صَاحب الْجمل الْأَحْمَر)) فأتيناه، فَقُلْنَا: تعال يسْتَغْفر لَك رَسُول الله. فَقَالَ: وَالله لِأَن أجد ضالتي أحب إِلَيّ من أَن يسْتَغْفر لي صَاحبكُم - وَكَانَ رجلا ينشد ضَالَّة لَهُ. هَذَا كَانَ فِي غزَاة. وصعود هَذِه الثَّنية إِنَّمَا كَانَ للإقدام على الْأَعْدَاء، وَصَاحب الْجمل الْأَحْمَر كَانَ منافقا. 1407 - / 1704 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالتسْعين: أَن الطُّفَيْل بن عَمْرو الدوسي قَالَ: يَا رَسُول الله، هَل لَك فِي حصن حُصَيْن ومنعة. حصن كَانَ لدوس فِي الْجَاهِلِيَّة. فَأبى ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للَّذي ذخر الله للْأَنْصَار، فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة هَاجر إِلَيْهِ الطُّفَيْل، وَهَاجَر مَعَه رجل من قومه، فاجتووا الْمَدِينَة، فَمَرض فجزع، فَأخذ مشاقص لَهُ فَقطع بهَا براجمه، فشخبت يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ، فَرَآهُ الطُّفَيْل فِي مَنَامه وهيئته حَسَنَة، وَرَآهُ مغطيا يَدَيْهِ، فَقَالَ: مَا صنع بك رَبك؟ . قَالَ: غفر لي لهجرتي إِلَى نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقَالَ: مَا لي أَرَاك مغطيا يَديك؟ قَالَ: قيل لي: لن نصلح مِنْك مَا أفسدت. فَقَصَّهَا الطُّفَيْل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: ((اللَّهُمَّ وليديه فَاغْفِر)) . أما امْتنَاع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحصن فَإِن التحصن بالجدران فعل الجبان، وَإِنَّمَا التحصن بِالسُّيُوفِ والمبارزة فعل الشجاع. وَسمي الْحصن حصنا من الإمتناع. والمنعة: مَا تمنع. وَهَذَا إِنَّمَا عرضه الحديث: 1407 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 عَلَيْهِ لما كَانَ بِمَكَّة. واجتووا الْمَدِينَة: كرهوها وَلم توافقهم. والمشاقص جمع مشقص: وَهُوَ نصل السهْم إِذا كَانَ طَويلا وَلم يكن عريضا. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: والبراجم عِنْد الْعَرَب: الفصوص الَّتِي فِي فضول ظُهُور الْأَصَابِع تبدو إِذا جمعت، وَتغمضُ إِذا بسطت. والرواجب: مَا بَين البراجم، بَين كل برجمتين راجبة. وَقَوله: فشخبت يَدَاهُ. والشخب: مَا امْتَدَّ من اللَّبن حَتَّى يسيل. وَيُقَال: شخبت أوداج الْقَتِيل دَمًا، تَشْبِيها بذلك. وَإِنَّمَا تركت يَدَاهُ على حَالهَا وَقد كَانَ يُمكن أَن تعمها الْمَغْفِرَة فتصلح ليعلم قدر هَذَا الذَّنب، محذرا السَّامع للْحَال من مثله. 1408 - / 1705 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالتسْعين: أَنه قَالَ لامْرَأَة: ((مَالك تزفزفين؟)) قَالَت: الْحمى، لَا بَارك الله فِيهَا. تزفزفين من الزفزفة وَهِي تَحْرِيك الرِّيَاح الْحَشِيش حَتَّى يصوت، وَيُقَال للريح إِذا اشْتَدَّ هبوبها زفزافة، لصوت حركتها. وَقد رَوَاهُ بَعضهم: ((ترفرفين)) بالراء واجتح بِأَن الرفرفة تَحْرِيك الطَّائِر جناحيه، فَشبه رعدتها للحمى وانزعاجها بتحريك الطَّائِر جناحيه، وَالْأول أصح. وَقَوله: فِي الْحمى: ((إِنَّهَا تذْهب الْخَطَايَا كَمَا يذهب الْكِير الحديث: 1408 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 خبث الْحَدِيد)) قد سبق معنى الْكِير والخبث. وَإِنَّمَا فعلت الْحمى فِي الْخَطَايَا هَذَا لِأَن الإلتذاذ بِالْمَعَاصِي يكون بِالْقَلْبِ والجوارح، والحمى حرارة تنشأ من الْقلب وتعم الْجَوَارِح، فَلَا يبْقى فِي الْبدن - الَّذِي التذ - شَيْء إِلَّا تألم، فَلذَلِك تصفيه من الْخَطَايَا. 1409 - / 1706 - وَفِي الحَدِيث الْمِائَة: قد تقدم فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 1410 - / 1707 - وَفِي الحَدِيث الأول بعد الْمِائَة: دخل عمر فَوجدَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واجما. الواجم: السَّاكِت لأمر يكرههُ كالمهتم بِهِ، يُقَال: وجم يجم وجوما. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: وجم بِمَعْنى حزن. قَوْله: لأقولن شَيْئا أضْحك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. دَلِيل على جَوَاز التحديث بِحَدِيث يضْحك. قَوْله: فوجأ عُنُقهَا. يُقَال: وجأ عُنُقه يجأها: إِذا دقها. وَبَاقِي الحَدِيث قد تقدم فِي مُسْند عمر. 1411 - / 1709 - والْحَدِيث الثَّالِث بعد الْمِائَة: قد تقدم فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. الحديث: 1409 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 1412 - / 1710 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع بعد الْمِائَة: ((أَلا لَا يبيتن رجل عِنْد امْرَأَة ثيب إِلَّا أَن يكون ناكحا أَو ذَا محرم)) . إِنَّمَا خص الثّيّب بِالذكر وَإِن كَانَت الْبكر فِي حكمهَا أَيْضا؛ لِأَن الْبكر كالشيء الْمَخْتُوم عَلَيْهِ، وَلها زواجر من نَفسهَا: مِنْهَا كَونهَا لم تعرف هَذَا الْفَنّ وَلم تذق لذته، وَمِنْهَا شدَّة الْحيَاء لبعدها عَن الرِّجَال، وَمِنْهَا حذرها من الْأَلَم، وَمِنْهَا خوف الفضيحة، وكل هَذِه الْأَشْيَاء تقاوم مَا تؤثره فَتَردهُ أَو تقفه، وللرجل من جملَة زواجره خَوفه الفضيحة بافتضاضها، وَالثَّيِّب قد ارْتَفَعت هَذِه الْمَوَانِع فِي حَقّهَا، فَلذَلِك خصت بِالذكر. 1413 - / 1711 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس بعد الْمِائَة: ((فَإِن قِرَاءَة آخر اللَّيْل محضورة)) . أَي تحضرها الْمَلَائِكَة. 1414 - / 1712 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس بعد الْمِائَة: إِن من اللَّيْل سَاعَة لَا يُوَافِقهَا مُسلم يسْأَل الله خيرا إِلَّا أعطَاهُ. إِنَّمَا سترت هَذِه السَّاعَة وَلم تعين ليقوى الْحِرْص فِي طلبَهَا فيكثر التَّعَبُّد، كَمَا أخفيت سَاعَة الْجُمُعَة وَلَيْلَة الْقدر، وَلَو عينت لخصها النَّاس بِالطَّلَبِ وَترك مَا سواهَا. 1415 - / 1713 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع بعد الْمِائَة: ((الإستجمار تو)) . قد فسر هَذَا الحَدِيث، وَأَنه كالوتر، كالثلاثة والخمسة والسبعة الحديث: 1412 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 وَمَا كَانَ فَردا. 1416 - / 1714 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن بعد الْمِائَة: ((لَا يحل حمل السِّلَاح بِمَكَّة)) . الْإِشَارَة بِهَذَا إِلَى تَحْرِيم الْقِتَال بِمَكَّة. وَإِنَّمَا أحلّت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاعَة من نَهَار. 1417 - / 1715 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع بعد الْمِائَة: سَأَلت جَابِرا عَن ثمن الْكَلْب والسنور فَقَالَ: زجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك. أما الْكَلَام فِي ثمن الْكَلْب فقد سبق فِي مُسْند أبي جُحَيْفَة. وَأما بيع السنور فقد اخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد فِي جَوَاز بيع السنور. فَروِيَ عَنهُ: يجوز، وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ وَمذهب الشَّافِعِي. وَعَن أَحْمد: لَا يجوز، وَهِي اخْتِيَار أبي بكر عبد الْعَزِيز بن جَعْفَر، وَهِي أصح لهَذَا الحَدِيث، وَلِأَن السنور كالوحشي الَّذِي لَا يملك قياده، وَلَا يكَاد يَصح التَّسْلِيم فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قد يألف بعض الْأَمَاكِن مُدَّة ثمَّ ينْتَقل عَنْهَا إِلَى غَيرهَا، وَلَيْسَ كالدواب الَّتِي ترْبط وتحبس، وَلَو ربطه المُشْتَرِي وحبسه لم ينْتَفع بِهِ. وَيحْتَمل أَن يكون نهى عَن بيع هَذِه الْأَشْيَاء ليرتفق بهَا النَّاس وَلَا يَأْخُذُوا لَهَا ثمنا. 1418 - / 1716 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر بعد الْمِائَة: أَن امْرَأَة سرقت، الحديث: 1416 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((وَالله، لَو أَن فَاطِمَة سرقت لَقطعت يَدهَا)) . وَإِنَّمَا قَالَ: لَو كَانَت فَاطِمَة، لِأَن تِلْكَ الْمَرْأَة اسْمهَا فَاطِمَة، فَقَالَ: لَو كَانَت فَاطِمَة ابْنَتي. وَسَتَأْتِي قصَّة هَذَا الْمَرْأَة مشروحة فِي مُسْند عَائِشَة. 1419 - / 1719 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر بعد الْمِائَة: أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستطعمه، فأطعمه شطر وسق شعير. فَمَا زَالَ الرجل يَأْكُل مِنْهُ وضيفهما حَتَّى كاله، فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ((لَو لم تكله لأكلتم مِنْهُ ولقام لكم)) . الشّطْر: النّصْف. والوسق: سِتُّونَ صَاعا. وَقَوله: ((لقام لكم)) أَي بَقِي، وَكَانَت الْبركَة تنزل فِي ذَلِك الطَّعَام فاستطال الرجل مدَّته فكاله، ينظر مَا بَقِي، فَلَمَّا وقف مَعَ الْعَادَات وكل إِلَيْهَا كَمَا وقف المَاء حِين زمته هَاجر. 1420 - / 1720 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر بعد الْمِائَة: أَن أم مَالك كَانَت تهدي للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عكة لَهَا سمنا، فيأتيها بنوها فَيسْأَلُونَ الْأدم، فتعمد إِلَى الَّتِي كَانَت تهدي فِيهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتجد فِيهَا سمنا، فَمَا زَالَ يُقيم لَهَا أَدَم بَيتهَا حَتَّى عصرته. أم مَالك هِيَ بنت أبي بن مَالك بن عيد، من بني الْخَزْرَج، أسلمت، وبايعت. وَهَذَا الحَدِيث من جنس الحَدِيث الَّذِي قبله. الحديث: 1419 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 والعكة: كل مَا يوضع فِيهِ السّمن من ظروف الْأدم. 1421 - / 1722 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر بعد الْمِائَة: ((لَا يدْخل أحدكُم الْجنَّة عمله وَلَا يجيره من النَّار وَلَا أَنا إِلَّا برحمة الله)) وَفِي لفظ: ((قاربوا وسددوا)) وَقَالَ: ((إِلَّا أَن يتغمدني برحمة مِنْهُ)) . السداد: الإستقامة وَلُزُوم الصَّوَاب. وَقَوله: ((يتغمدني)) قَالَ أَبُو عبيد: أَي يلبسني ويغشيني. قَالَ: وَلَا أَحْسبهُ مأخوذا إِلَّا من غمد السَّيْف، لِأَنَّك إِذا أغمدته فقد ألبسته الغمد. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ قَالَ: ((لَا يدْخل أحد مِنْكُم الْجنَّة عمله)) وَقد قَالَ: {ادخُلُوا الْجنَّة بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} [النَّحْل: 32] ؟ فَالْجَوَاب: من أَرْبَعَة أوجه: أَحدهَا: أَنه لَوْلَا رَحْمَة الله السَّابِقَة الَّتِي كتب بهَا الْإِيمَان فِي الْقُلُوب ووفق للطاعات مَا نجا أحد وَلَا وَقع عمل تحصل بِهِ النجَاة، فالتوفيق للْعَمَل من رَحمته أَيْضا. وَالثَّانِي: أَن مَنَافِع العَبْد لسَيِّده، فعمله مُسْتَحقّ لمَوْلَاهُ، فَإِن أنعم عَلَيْهِ بالجزاء فَذَلِك بفضله، كَالْمكَاتبِ مَعَ الْمولى. وَالثَّالِث: أَنه قد رُوِيَ فِي بعض الْأَحَادِيث أَن نفس دُخُول الْجنَّة بِالرَّحْمَةِ، واقتسام الدَّرَجَات بِالْأَعْمَالِ. وَالرَّابِع: أَن أَعمال الطَّاعَات كَانَت فِي زمن يسير، وثوابها لَا يبيد أبدا، فالمقام الَّذِي لَا ينْفد فِي جَزَاء مَا نفد بِفضل الله لَا بِمُقَابلَة الْأَعْمَال. 1422 - / 1723 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر بعد الْمِائَة: كَانَ عبد الله ابْن أبي ابْن سلول يَقُول لجارية لَهُ: اذهبي فابغينا شَيْئا. فَأنْزل الله عز الحديث: 1421 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 وَجل: {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء} الْآيَة [النُّور: 33] . كَانَ الْقَوْم فِي الْجَاهِلِيَّة يكْرهُونَ فتياتهم على الزِّنَا وَيَأْخُذُونَ أُجُورهنَّ: فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام كَانَ ابْن أبي يكره جواريه. وَفِي هَذَا الحَدِيث اسْم جاريتين لَهُ: أُمَيْمَة ومسيكة، وأنهما شكتا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك فَنزلت الْآيَة. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: معَاذَة ومسيكه، وَأَن معَاذَة قَالَت لمسيكة: إِن هَذَا الْأَمر الَّذِي نَحن فِيهِ إِن كَانَ خيرا فقد استكثرنا مِنْهُ، وَإِن كَانَ شرا فقد آن لنا أَن ندعه، فَنزلت الْآيَة. وَزعم مقَاتل أَنَّهَا نزلت فِي سِتّ جوَار كن لعبد الله بن أبي: معَاذَة ومسيكة وَأُمَيْمَة وَقتيلَة وَعمرَة وأروى. والبغاء: الزِّنَا. والتحصن: التعفف. والإشكال فِي هَذِه الْآيَة أَن يُقَال: كَيفَ قَالَ: {إِن أردن تَحَصُّنًا} فَيجوز إكراههن إِن لم يردن التحصن. فَالْجَوَاب من أَرْبَعَة أوجه: أَحدهَا: أَن الْكَلَام ورد على السَّبَب الَّذِي ذَكرْنَاهُ، فَخرج النَّهْي على صفة السَّبَب وَإِن لم يكن شرطا فِيهِ. وَالثَّانِي: أَنه إِنَّمَا شَرط إِرَادَة التحصن لِأَن الْإِكْرَاه لَا يتَصَوَّر إِلَّا عِنْد إِرَادَة التحصن، فَأَما إِذا لم ترد الْمَرْأَة التحصن فَإِنَّهَا تبغي بالطبع. وَالثَّالِث: أَن (إِن) بِمَعْنى إِذْ، وَمثله: {وذروا مَا بَقِي من الرِّبَا إِن كُنْتُم مُؤمنين} [الْبَقَرَة: 278] . وَالرَّابِع: أَن فِي الْكَلَام تَقْدِيمًا وتأخيرا، تَقْدِيره: وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم. . إِلَى قَوْله: وَإِمَائِكُمْ إِن أردن تَحَصُّنًا، وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء لتبتغوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 عرض الْحَيَاة الدُّنْيَا، وَمن يكرههن فَإِن الله من بعد إكراههن غَفُور للمكرهات رَحِيم. 1423 - / 1724 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر بعد الْمِائَة: ((يبْعَث كل عبد على مَاتَ عَلَيْهِ)) . اعْلَم أَن الْإِنْسَان قد يبْقى زَمَانا على الْكفْر ثمَّ ينْتَقل إِلَى الْإِيمَان، أَو على الْمعاصِي ثمَّ ينْتَقل إِلَى الطَّاعَة. وَقد يكون على الْإِيمَان وَالطَّاعَة فَينْتَقل إِلَى الْكفْر والمعاصي، فالأحوال تَتَغَيَّر وتتقلب فِي الدُّنْيَا، وَالْعَمَل على الخواتيم، فَإِذا مَاتَ الْإِنْسَان على حَالَة فقد ختم لَهُ بهَا، فعلَيْهَا يبْعَث. 1424 - / 1726 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين بعد الْمِائَة: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غزَاة فَقَالَ: ((إِن بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مسيرًا وَلَا قطعْتُمْ وَاديا إِلَّا كَانُوا مَعكُمْ، حَبسهم الْمَرَض)) . هَؤُلَاءِ قوم صدقت نياتهم فِي الْخُرُوج إِلَى تِلْكَ الْغُزَاة، فحبسهم الْقدر بِالْمرضِ، فَكَانُوا كَأَنَّهُمْ غزوا، وعَلى هَذَا جَمِيع أَفعَال الْخَيْر مَتى نَوَاهَا الْإِنْسَان فَمَنعه الْقدر، كتب لَهُ ثَوَاب الْفِعْل. وَمن جنس هَذَا: {قد صدقت الرءيا} [الصافات: 105] وَرُبمَا زَادَت النِّيَّة الصادقة الحديث: 1423 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 على الْفِعْل، لِأَن الْفَاعِل قد يُلَاحظ عمله، والممنوع بالعذر لَا يرى إِلَّا عَجزه. 1425 - / 1727 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: (مثل الصَّلَوَات كَمثل نهر جَار غمر، فَمَا يبقي من الدَّرن؟)) . الْغمر: المَاء الْكثير. والدرن: الْوَسخ. 1426 - / 1728 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: ((إِن الشَّيْطَان قد يئس أَن يعبده المصلون فِي جَزِيرَة الْعَرَب، وَلَكِن فِي التحريش بنيهم)) . قد سبق اشتقاق اسْم الشَّيْطَان. وَقد ذكرنَا حد جَزِيرَة الْعَرَب فِي مُسْند عمر. والتحريش: الإغراء. وَالْمعْنَى أَنه يجْتَهد فِي إِفْسَاد مَا بَينهم من التواصل ليَقَع التباغض. 1427 - / 1729 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: ذكر التَّنَفُّل فِي الْبَيْت. وَقد سبق بَيَانه فِي مُسْند زيد بن ثَابت وَابْن عمر. وَسبق تَفْسِير مَا بعده. 1428 - / 1730 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحديث: 1425 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 قدم من سفر، فَلَمَّا كَانَ قرب الْمَدِينَة هَاجَتْ ريح تكَاد تدفن الرَّاكِب، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((بعثت هَذِه الرّيح لمَوْت مُنَافِق)) فَلَمَّا قدمُوا الْمَدِينَة إِذا مُنَافِق عَظِيم من الْمُنَافِقين قد مَاتَ. قَالَ الْوَاقِدِيّ: هَذَا القفول كَانَ فِي غَزْوَة الْمُريْسِيع، وَكَانَ بَين عُيَيْنَة ابْن حصن الْفَزارِيّ وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُدَّة، فخاف أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يكون عُيَيْنَة قد أغار على الْمَدِينَة، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((لَيْسَ عَلَيْكُم بَأْس، مَا بِالْمَدِينَةِ من نقب إِلَّا عَلَيْهِ ملك، وَمَا كَانَ ليدخلها عَدو حَتَّى تأتوها، وَلكنه مَاتَ الْيَوْم رجل من الْمُنَافِقين عَظِيم، وَلذَلِك عصفت هَذِه الرّيح)) وَهُوَ زيد بن رِفَاعَة بن التابوت. 1429 - / 1732 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيَدي إِلَى منزله، فَأخْرج إِلَيْهِ فلقا من خبز فَقَالَ: ((مَا من أَدَم؟)) فَقَالُوا: لَا، إِلَّا شَيْء من خل، قَالَ: ((فَإِن الْخلّ نعم الْأدم)) - وَفِي لفظ -: فَأتي بِثَلَاثَة قرصة فوضعن على نَبِي. الفلق: الْقطع، وَالْمرَاد بهَا الأرغفة. وَقَوله: ((نعم الإدام الْخلّ)) يشْتَمل على مَعْنيين وَحكم: فَالْمَعْنى الأول: مدح الْخلّ فِي نَفسه، وَله فَوَائِد مِنْهَا: أَنه ينفع الْمعدة، ويقمع الصَّفْرَاء، وَيقطع البلغم، ويشهي الطَّعَام، إِلَى غير ذَلِك من الْفَوَائِد. وَالثَّانِي: أَنه نبه بذلك، على مدح الإقتصاد فِي المأكل، وَمنع النَّفس من ملاذ الطَّعَام، فَكَأَنَّهُ قَالَ: ائتدموا بِمَا خفت مُؤْنَته الحديث: 1429 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 وَسَهل وجوده، فَإِن من تعود التأنف فِي الْمطعم لم يصبر عَنهُ، وَطيب الطَّعَام يحمل على الشِّبَع، وَقل أَن يسلم تَحْصِيله من شُبْهَة. وَأما الحكم فَإِنَّهُ سَمَّاهُ أدما، لِأَنَّهُ يصطبغ بِهِ، وكل شَيْء يصطبغ بِهِ يلْزمه اسْم الإدام، كَذَلِك قَالَ أهل اللُّغَة، مِنْهُم أَبُو عبيد. وَفَائِدَة هَذَا أَنه لَو حلف حَالف: لَا أكلت أدما، فَأكل الْخلّ أَو بعض مَا يصطبغ بِهِ حنث. وَقَوله: فَأتي بِثَلَاثَة قرصة. القرصة جمع قرص. وَالنَّبِيّ غير مَهْمُوز: الشَّيْء الْمُرْتَفع، مَأْخُوذ من النباوة وَهِي الإرتفاع، فَإِذا همز فَهُوَ من النبأ، وَهُوَ الْخَبَر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 (78) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي سعيد بن مَالك الْخُدْرِيّ وَإِنَّمَا قيل لَهُ الْخُدْرِيّ لِأَن فِي آبَائِهِ الأبجر بن عَوْف، وَكَانَ يُقَال للأبجر: خدرة. وَقَالَ قوم: خدرة هِيَ أم الأبجر. وَجُمْلَة مَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألف حَدِيث وَمِائَة وَسَبْعُونَ حَدِيثا. أخرج لَهُ مِنْهَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) مائَة وَأحد عشر حَدِيثا. 1430 - / 1733 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: ((فيغزو فِئَام من النَّاس)) . الفئام بِالْهَمْز. الْجَمَاعَة. والبعث: قوم يبعثون فِي الْغَزْو. 1431 - / 1734 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: ((يَأْتِي الدَّجَّال وَهُوَ محرم عَلَيْهِ أَن يدْخل نقاب الْمَدِينَة)) . النقاب جمع نقب: وَهُوَ الطَّرِيق فِي الْجَبَل. الحديث: 1430 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 المسالح: الْجراحَة فِي الجبين. والشج: الْجراحَة فِي الجبين. والميشار فِيهِ ثَلَاث لُغَات: ميشار بِإِسْكَان الْيَاء. ومئشار بِالْهَمْز. ومنشار بالنُّون. وَالْجمع مياشير، ومآشير، ومناشير. وَقد وشرت الْخَشَبَة وأشرتها ونشرتها بِمَعْنى. وَفِي هَذَا الحَدِيث أَن الدَّجَّال يقتل رجلا ثمَّ يحييه. وَقد أشكل هَذَا على قوم فَقَالُوا: قد كَانَ إحْيَاء الْمَوْتَى أكبر معجزات عِيسَى، فَكيف قدر عَلَيْهِ هَذَا الْكذَّاب؟ وَالْجَوَاب: أَن ذَلِك وَقع امتحانا ليَكُون الْعَمَل على الدَّلِيل الدَّافِع للشُّبْهَة، وَقد ثَبت أَن الدَّجَّال كَاذِب فِي دَعْوَاهُ، وَكَونه جسما يَكْفِي، ثمَّ قد شين بِالْعَيْبِ والعور، فَلَو كَانَ رَبًّا لدفع عَن نَفسه النَّقْص، فَهَذِهِ حجج تدحض شبهه، بِخِلَاف آيَات الْأَنْبِيَاء، إِذْ لَيْسَ لَهَا داحض. ثمَّ لم تتْرك هَذِه الشُّبْهَة حَتَّى دفعت فِي الْحَال؛ فَإِن فِي هَذَا الحَدِيث أَنه يهم بقتْله مرّة أُخْرَى فَلَا يقدر، وَيَأْمُر بقتْله فَلَا يَصح لَهُ، وَيَأْخُذهُ ليذبحه فَيضْرب على رقبته نُحَاس فَلَا يُمكنهُ، فَمَا نَفعه الْفِعْل الأول حِين افتضح فِي الثَّانِي، فَعلم أَن الأول كَانَ من الله عز وَجل ليقيم الشُّبْهَة بِإِزَاءِ الْحجَّة، ويفرض على الْعقل دحضها. 1432 - / 1735 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: نهى عَن اختناث الأسقية. قَالَ أَبُو عبيد: الاختناث: أَن يثني أفواهها ثمَّ يشرب مِنْهَا، وأصل الإختناث التكسر والتثني، وَمن هَذَا سمي المخنث لتكسره. الحديث: 1432 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 وَقد ذكرنَا وَجه الْحِكْمَة فِي النَّهْي عَن ذَلِك فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1433 - / 1736 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: ((يَمْرُقُونَ من الدّين مروق السهْم من الرَّمية، فَينْظر الرَّامِي إِلَى سَهْمه، إِلَى نصله، إِلَى رصافه. فيتمارى فِي الفوقة: هَل علق بهَا من الدَّم شَيْء؟)) . قَوْله: ((يَمْرُقُونَ من الدّين مروق السهْم من الرَّمية)) قد فسرناه فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: ((ينظر الرَّامِي إِلَى سَهْمه)) السهْم: هُوَ الَّذِي يرْمى بِهِ. والنصل: حَدِيدَة السهْم. قَالَ أَبُو عبيد: والرصاف: الْعقب الَّذِي فَوق الرعظ: وَهُوَ مدْخل سنخ النصل فِي السهْم. وَوَاحِد الرصاف رصفة ورصفة. والفوق والفوقة: مَوضِع الْوتر. والقدح. السهْم. وَفِي لفظ: ((ينظر إِلَى نضيه، ثمَّ ينظر إِلَى قذذه)) النضي مُخْتَلف فِيهِ: قَالَ ابْن قُتَيْبَة: قَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: هُوَ نصل السهْم. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ الْقدح قبل أَن ينحت، فَإِذا نحت فَهُوَ مخشوب، قَالَ ابْن قُتَيْبَة: والقذذ: ريش السهْم، كل وَاحِدَة مِنْهُ قُذَّة. وَقَوله: ((سبق الفرث)) وَهُوَ مَا فِي الكرش. وَالْمعْنَى: إِن هَذَا السهْم مر مرا سَرِيعا فِي الرَّمية وَخرج فَلم يعلق بِهِ من الفرث وَالدَّم شَيْء، فَشبه خُرُوجهمْ من الدّين لم يعلقوا مِنْهُ بِشَيْء بِخُرُوج ذَلِك السهْم. الحديث: 1433 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 وَأما قَول ذِي الْخوَيْصِرَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((اعْدِلْ)) فَإِن أصل هَذَا الضلال أَن يرتضي الْإِنْسَان رَأْي نَفسه، فَلَو أَن هَذَا الرجل وفْق لعلم أَنه لَا رَأْي فَوق رَأْي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلكنه وَأَصْحَابه ردوا على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعله، وحاربوا عليا عَلَيْهِ السَّلَام، يَزْعمُونَ أَنه أَخطَأ فِي تحكيمه، وَإِذا ظن الْإِنْسَان من هَؤُلَاءِ أَنه أتقى من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأعلم من عَليّ ابْن أبي طَالب لم يبْق مَعَه حَدِيث. وعَلى هَذَا كثير من الْعَوام، يَعْتَقِدُونَ الشَّيْء الْخَطَأ من الْعلم الَّذِي لم يتشاغلوا بِهِ، فَلَا يقدر الْعَالم أَن يردهم عَنهُ، وَسَببه اقتناعهم بآرائهم وإعجابهم بهَا. فَيَنْبَغِي أَلا ينزعج الْعَالم إِذا ردوا عَلَيْهِ، فقد جرى لهَذَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يسلي. وَالتَّاء فِي ((خبت وخسرت)) مَفْتُوحَة، وَبَعْضهمْ يضمها، وَقد سبق هَذَا فِي مُسْند جَابر. وَقَوله: ((إِن لَهُ أصحابا يحقر أحدكُم صلَاته مَعَ صلَاتهم)) يُمكن أَن يُقَال: إِنَّه نهى عَن قَتله لِئَلَّا يُقَال: قتل الْمُصَلِّين الْعباد. وَفِي هَذِه الْقِصَّة تَنْبِيه على شرف الْعلم؛ لِأَن هَؤُلَاءِ اشتغلوا بالتعبد عَن الْعلم، فضيعوا الْأُصُول. وَكم من متزهد شغله الصَّلَاة وَالصَّوْم وَهُوَ مفرط فِي أصُول كَثِيرَة، والشيطان يلْعَب بِهِ لقلَّة علمه، وَأَقل مَا يصنع بِهِ أَنه يرِيه أَنه خير من غَيره. وَأما الْبضْعَة فَهِيَ الْقطعَة من اللَّحْم. وَقَوله: ((تدَرْدر)) قَالَ ابْن قُتَيْبَة: تذْهب وتجىء، وَمثله تدلدل وتذبذب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 وَقَوله: ((يخرجُون على حِين فرقة من النَّاس)) وَهَذَا من إِخْبَار الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الغائبات، فَكَانَت كَمَا قَالَ؛ لِأَن الْخَوَارِج خَرجُوا على عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد افْتِرَاق من النَّاس، وَذَلِكَ بعد تحكيمه الْحكمَيْنِ وَمَا جرى لَهُ مَعَ مُعَاوِيَة. وَقَوله: ((بذهيبة)) تَصْغِير ذهب. فِي تربَتهَا. أَي قد أخرجت من الْمَعْدن وَلم تخلص من ترابها. ويجىء فِي رِوَايَة أُخْرَى: فِي أَدِيم مقروظ. أَي مدبوغ بالقرظ: وَهُوَ ورق السّلم. وَقَوله: ((غائر الْعَينَيْنِ)) يُقَال: غارت الْعين: إِذا دخلت إِلَى دَاخل الحدقة. وَقَوله: ((ناتئ الْجَبْهَة)) . يُقَال: نتأ الشَّيْء: إِذا خرج عَن مَوْضِعه وارتفع عَن مَكَانَهُ من غير أَن يبين. وَقَوله: ((كث اللِّحْيَة)) ، واللحية الكثة: المجتمعة. وَقَوله: ((مشرف)) بِالْفَاءِ يَعْنِي أَنَّهُمَا ناتئتان. وقفى بِمَعْنى ولى. والضئضىء هَا هُنَا بِمَعْنى النَّسْل والعقب. وَقَوله: ((يقتلُون أهل الْإِسْلَام وَيدعونَ أهل الْأَوْثَان)) هَذَا من تسويل الشَّيْطَان للْقَوْم وتزيينه لَهُم، فَإِنَّهُ لما أحس بقلة عُقُولهمْ ملكهَا. وَقَوله: ((لأقتلنهم قتل عَاد)) . أَي أستأصلهم، فَإِن عادا استؤصلوا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 فَإِن قيل: فقد قَالَ لَهُ عمر، وَفِي رِوَايَة: خَالِد: أقتل هَذَا؟ فَقَالَ: ((لَا)) . فَالْجَوَاب أَنه أَرَادَ إِدْرَاك خُرُوجهمْ بِالسِّلَاحِ على الْأَئِمَّة. وَحِينَئِذٍ يسْتَحقُّونَ الْقَتْل. والتسبيد مثل التحليق. يُقَال: سبد رَأسه: إِذا حلقه. وَإِنَّمَا حَلقُوا شُعُورهمْ رفضا لزينة الدُّنْيَا. وَكثير من جهال المتزهدين لَا يعْرفُونَ مَا يصلح تَركه من الدُّنْيَا وَمَا لَا يصلح. والبصيرة: الْقطعَة من الدَّم إِذا وَقعت على الأَرْض استدارت. وَقَوله: ((يقرأون كتاب الله رطبا)) فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه الحذق بالتلاوة، وَالْمعْنَى أَنهم يأْتونَ بِهِ على أحسن أَحْوَاله: وَالثَّانِي: يواظبون على التِّلَاوَة فَلَا تزَال ألسنتهم رطبَة بِهِ. وَالثَّالِث: أَن يكون من حسن الصَّوْت بِالْقِرَاءَةِ. وَقَوله: ((تقتلهم أدنى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحق)) . أَي أقربهما. وَأَرَادَ بالطائفتين هم ومخاصمهم. 1434 - / 1737 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: كُنَّا نرْزق تمر الْجمع على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ الْخَلْط من التَّمْر، فَكُنَّا نبيع صَاعَيْنِ بِصَاع، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ((لَا صَاعَيْنِ تَمرا بِصَاع، وَلَا صَاعَيْنِ حِنْطَة بِصَاع، وَلَا دِرْهَم بِدِرْهَمَيْنِ)) . أما تمر الْجمع فَهُوَ التَّمْر الْمُخْتَلط من كل جنس، وَيُقَال: مَا أَكثر الْجمع فِي أَرض فلَان، لنخل خرج من النَّوَى لَا ينْسب إِلَى شَيْء من أَصْنَاف التَّمْر الْمَعْرُوفَة. الحديث: 1434 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 وَقَوله: ((أوه، عين الرِّبَا)) أَي هَذَا عين الرِّبَا. وَذكر التأوه دَلِيل التألم من هَذَا الْفِعْل أَو من سوء الْفَهم. وَقَول بِلَال: بِعْت صَاعَيْنِ بِصَاع لمطعم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. هَذَا دَلِيل على تخير الأجود للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَمن هَذَا مَا تقدم فِي حَدِيث أبي بكر: أَنه برد اللَّبن وَطلب لَهُ الظل وَقد كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يتَخَيَّر لنَفسِهِ الأجود، كَقَوْلِه: ((إِن كَانَ عنْدكُمْ مَاء بَات فِي شن وَإِلَّا كرعنا)) وكل هَذِه الْأَشْيَاء من الرِّفْق بِالنَّفسِ لِأَن لَهَا حَقًا. وجهال المتزهدين يحملون على النُّفُوس مَا لَا تطِيق، جهلا مِنْهُم بالحكمة. وَقَوله: ((لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَب إِلَّا مثلا بِمثل)) قد ذكرنَا الْأَعْيَان السِّتَّة الَّتِي يجْرِي فِيهَا الرِّبَا فِي مُسْند عبَادَة. وَقَوله: ((لَا تشفوا بَعْضهَا على بعض)) أَي لَا تفضلوا وَلَا تَزِيدُوا. والشفوف: الزِّيَادَة، يُقَال: شف يشف: إِذا زَاد. وَقد يُقَال: شف: إِذا نقص، فَهُوَ من الأضداد. وَقَوله: ((فقد أربى)) أَي دخل فِي الرِّبَا. وَقَوله: ((وَلَا تَبِيعُوا غَائِبا مِنْهَا بناجز)) هَذَا نهي عَن رَبًّا النَّسِيئَة. وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند عمر. 1435 - / 1738 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: ((إِذا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَة فَقومُوا، الحديث: 1435 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 فَمن تبعها فَلَا يقْعد حَتَّى تُوضَع)) . أما الْقيام للجنازة فقد سبق أَنه مَنْسُوخ، فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. وَأما قَوْله: ((حَتَّى تُوضَع)) فَإنَّا كُنَّا نقُول: تُوضَع عَن أَعْنَاق الرِّجَال، حَتَّى رَأينَا فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ((حَتَّى تُوضَع فِي اللَّحْد)) . وَفِي لفظ أخرجه مُسلم: ((حَتَّى تُوضَع فِي الْقَبْر)) وَوجه ذَلِك أَن التَّابِع للشَّيْء يكون بِحكمِهِ، فَمن قعد قبل وَضعهَا فَمَا تأدب لَهَا، وَلَا كَأَنَّهُ تبعها، ووضعها على الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ فِي الْقَبْر، فَلَا اعْتِبَار بحطها عَن الرؤوس. ثمَّ رَأينَا أَبَا بكر الْأَثْرَم وَكَانَ من كبار الْعلمَاء - يَقُول: إِنَّمَا المُرَاد بِهِ: حَتَّى تُوضَع عَن مناكب الرِّجَال، وَاحْتج بِحَدِيث الْبَراء: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنَازَة، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْر وَلما يلْحد، فَجَلَسَ وَجَلَسْنَا حوله. قَالَ: وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة غلط من أبي مُعَاوِيَة، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة. وَإِنَّمَا رَوَاهُ سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ((من تبع جَنَازَة فَلَا يقْعد حَتَّى تُوضَع)) فغلط أَبُو مُعَاوِيَة فِي إِسْنَاده وَفِي كَلَامه. قلت: وَيُمكن أَن يُقَال: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا جلس هُنَاكَ لِأَنَّهُ لم يكمل حفر الْقَبْر فَرَأى الْأَمر يطول، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ محفورا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 1436 - / 1739 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: اعتكفنا الْعشْر الْأَوْسَط، فَلَمَّا كَانَ صَبِيحَة عشْرين نقلنا متاعنا، وهاجت السَّمَاء، وَكَانَ الْمَسْجِد على عَرِيش، فَرَأَيْت على أرنبته - وَفِي لفظ: رَوْثَة أَنفه - الطين وَالْمَاء. الِاعْتِكَاف: اللّّبْث بِالْمَكَانِ. وَالْمَتَاع: مَا كَانُوا يستعملونه فِي مُدَّة الإعتكاف من الْآلَات وَغَيرهَا. وهاجت السَّمَاء: أَي ثارت بالغيم وعلامات الْمَطَر. والعريش: مَا يستظل بِهِ، وَإِذا جمع قيل عرش. والأرنبة: مقدم الْأنف. والروثة: طرف الأرنبة. والقبة التركية: الَّتِي لَهَا بَاب وَاحِد. والسدة: الْبَاب. والجريد: سقف النّخل إِذا يبس وجرد مَا عَلَيْهِ من الخوص. ورطبه يُسمى الشطب، واحدتها شطبة. وَقد يُقَال لَهُ سعف، على معنى أَنه يؤول إِلَى تِلْكَ الْحَال. والقزعة وَاحِد القزع: وَهِي قطع السَّحَاب. وتقويض الْبناء: نقضه من غير هدم. وأثبتت لَهُ من الْإِثْبَات، هَكَذَا ضَبطه الْمُحَقِّقُونَ بالثاء. وَبَعض قرأة الحَدِيث يَقُول: أبينت من الْبَيَان. ويحتقان: يختصمان، أَي يَدعِي كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن الْحق مَعَه. الحديث: 1436 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 يُقَال: حاق فلَان فلَانا: إِذا خاصمه وَادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا الْحق، فَإِذا غَلبه قيل: حَقه وأحقه. 1437 - / 1741 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: نهى عَن الْمُلَامسَة، والمنابذة، واشتمال الصماء، وَأَن يحتبي الرجل بِثَوْب لَيْسَ على فرجه مِنْهُ شَيْء. قد ذكر أَبُو عبيد فِي الْمُلَامسَة قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَن يَقُول أَحدهمَا لصَاحبه: إِذا لمست ثوبي أَو لمست ثَوْبك فقد وَجب البيع بِكَذَا وَكَذَا. وَالثَّانِي: أَن يلمس الْمَتَاع من وَرَاء الثَّوْب وَلَا ينظر إِلَيْهِ، فَيَقَع البيع على ذَلِك. وَذكر فِي الْمُنَابذَة قَوْلَيْنِ أَيْضا: أَحدهمَا: أَن يَقُول لَهُ: انبذ إِلَيّ الثَّوْب، أَو أنبذه إِلَيْك وَقد وَجب البيع بِكَذَا وَكَذَا. وَالثَّانِي: أَن يَقُول إِذا نبذت الْحَصَاة فقد وَجب البيع، وَهُوَ معنى نَهْيه عَن بيع الْحَصَا. وَأما اشْتِمَال الصماء فقد فسر فِي الحَدِيث، وَقد زدناه شرحا فِي مُسْند جَابر، وَذكرنَا هُنَاكَ الإحتباء بِالثَّوْبِ لَيْسَ على الْفرج مِنْهُ شَيْء. 1438 - / 1743 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: أَن أهل قُرَيْظَة نزلُوا على حكم سعد بن معَاذ، فَلَمَّا حكم فيهم قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((لقد حكمت بِمَا حكم بِهِ الْملك)) . لما حاصر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بني قُرَيْظَة قيل لَهُم: انزلوا على حكم الحديث: 1437 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 رَسُول الله، فَأَبَوا واختاروا أَن ينزلُوا على حكم سعد بن معَاذ. وَسبب اختيارهم إِيَّاه أَنهم كَانُوا موَالِيه وحلفاءه فِي الْجَاهِلِيَّة، فَلَمَّا حضر سعد جعلُوا يَقُولُونَ لَهُ: حلفاؤك ومواليك. فَمَا حاباهم، وَلَا بالى بهم، وَحكم بِأَن تقتل مُقَاتلَتهمْ، وتسبى ذَرَارِيهمْ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((لقد حكمت بِمَا حكم بِهِ الْملك)) يَعْنِي الله عز وَجل. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: وَفِيه وَجه آخر: ((الْملك)) بِفَتْح اللَّام، وَهُوَ الَّذِي نزل بِالْوَحْي فِي أَمرهم. قلت: وَهَذَا تَأْوِيل مَرْدُود من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه مَا نقل أَن ملكا نزل فِي شَأْنهمْ بِشَيْء، وَلَو نزل بِشَيْء تبع الْوَحْي لَا اجْتِهَاد سعد. وَالثَّانِي: أَن فِي بعض أَلْفَاظ ((الصَّحِيح)) : ((قضيت بِحكم الله عز وَجل)) . 1439 - / 1744 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأعرابي: ((هَل تمنح من إبلك؟)) قَالَ: نعم. قَالَ: ((هَل تحلبها يَوْم وردهَا)) قَالَ: نعم. قَالَ: ((فاعمل من وَرَاء الْبحار، فَإِن الله لن يتْرك من عَمَلك شَيْئا)) . قد سبق بَيَان المنحة فِي مُسْند جَابر. وَبينا هُنَاكَ فَائِدَة حلبها يَوْم وردهَا. قَوْله: ((لن يتْرك)) قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أَي لن ينْقصك وَلنْ يظلمك يُقَال: وترتني حَقي: أَي بخستنيه. الحديث: 1439 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 1440 - / 1745 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: ((وَمن يستعفف يعفه الله، وَمن يسْتَغْن يغنه الله)) . الْمَعْنى أَن من يتَكَلَّف فعل مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ اجْتِهَاده ينعم الله عز وَجل عَلَيْهِ بِمَا لَا يدْخل تَحت وَسعه. وَاعْلَم أَن مُسْتَعْمل العفاف دَاخل فِي زمرة المعاملين لله عز وَجل، فَإِن التعفف يُوجب ستر الْحَال عَن الْخلق وَإِظْهَار الْغنى لَهُم، فَيصير معاملا فِي الْبَاطِن، وَيَقَع لَهُ من الرِّبْح على قدر صبره وَصدقه. وَإِنَّمَا جعل الصَّبْر خير الْعَطاء لِأَنَّهُ حبس للنَّفس عَمَّا تحب مِمَّا يؤذيها، وعَلى مَا تكره مِمَّا يقْصد بِهِ صَلَاحهَا، وَذَلِكَ خير مَا أَعْطَيْت النَّفس. 1441 - / 1746 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: ((رجل معتزل فِي شعب)) . الشّعب: مَا انخفض بَين الجبلين وَصَارَ كالدرب، وَالْمَقْصُود الإنفراد. 1442 - / 1747 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: ((إِذا سَمِعْتُمْ النداء فَقولُوا مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن)) . النداء هَا هُنَا الْأَذَان. وَإِنَّمَا تسن إِجَابَة الْمُؤَذّن بِمثل قَوْله ليعلم الْمُجيب أَنِّي مقرّ بِمَا تَدعُونِي إِلَيْهِ، مستجيب لَهُ. 1443 - / 1748 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: سَمِعت أَبَا سعيد الحديث: 1440 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 الْخُدْرِيّ يحدث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَرْبَع فأعجبنني وآنقتني. المونق: المعجب، تَقول: آنقني الشَّيْء يونقني: إِذا أعْجبك. وَالَّذِي ذكره الْحميدِي: وأينقتني. وَقَالَ لنا عبد الله بن أَحْمد النَّحْوِيّ: لَا يجوز هَذَا، وَإِنَّمَا هُوَ وآنقتني. وَقَوله: ((لَا تُسَافِر الْمَرْأَة إِلَّا وَمَعَهَا زَوجهَا)) وَأما سفر الْمَرْأَة، وَالصَّلَاة بعد الصُّبْح وَبعد الْعَصْر فقد تقدم كُله فِي مُسْند ابْن عمر. وَأما صَوْم الْعِيد فاتفق الْعلمَاء أَنه لَا يجوز لأحد أَن يتَطَوَّع بِالصَّوْمِ فِي يومي الْعِيد، وَاخْتلفُوا فِيمَن نذر صَوْم الْعِيد على مَا ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند ابْن عمر أَيْضا وَفِي مُسْند جَابر. فَأَما شدّ الرّحال إِلَى هَذِه الْمَسَاجِد فَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: هَذَا لَفظه لفظ الْخَبَر وَمَعْنَاهُ الْإِيجَاب فِيمَا ينذره الْإِنْسَان من الصَّلَاة فِي الْبِقَاع الَّتِي يتبرك بهَا، يُرِيد أَنه لَا يلْزم الْوَفَاء بِشَيْء من ذَلِك غير هَذِه الْمَسَاجِد. قلت: وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِيمَا إِذا نذر أَن يُصَلِّي فِي هَذِه الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة: فمذهب أَحْمد أَنه يلْزمه، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يلْزمه، بل يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ. وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين. 1444 - / 1750 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: ((غسل الْجُمُعَة وَاجِب الحديث: 1444 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 على كل محتلم)) قَالَ أَبُو سعيد: وَأَن يستن، وَأَن يمس طيبا إِن وجد. الْوَاجِب: اللَّازِم، فَيكون هَذَا مَنْسُوخا. وَقد ذكر الْعلمَاء أَن ناسخه حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ((من تَوَضَّأ فبها ونعمت، وَمن اغْتسل فالغسل أفضل)) وَكثير من قرأة الحَدِيث يَقُول: ونعمت، بِفَتْح النُّون وَكسر الْعين، وَالصَّوَاب كسر النُّون وَإِسْكَان الْعين. قَالَ الْأَصْمَعِي: قَوْله: ((فبها)) أَي فبالسنة أَخذ ((ونعمت)) يُرِيد بِهِ: نعمت الْخصْلَة، وَإِنَّمَا ظَهرت التَّاء الَّتِي هِيَ عَلامَة التَّأْنِيث لإضمار السّنة أَو الْخصْلَة، هَذَا اخْتِيَار الْخطابِيّ. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: ((فبها ونعمت)) بِفَتْح النُّون وَالتَّاء وتسكن الْمِيم، على معنى: ونعمك الله، وَالْوَجْه الأول. ويستن: يستاك. وَقد بَينا فِي أول مُسْند عمر أَن عُثْمَان أخبرهُ أَنه لم يغْتَسل للْجُمُعَة فَلم يُنكر عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بِمحضر من الصَّحَابَة، فَدلَّ على أَنهم علمُوا بنسخه. وَالظَّاهِر من عطف الإستنان وَالطّيب عَلَيْهِ الْوُجُوب أَيْضا، فَيكون هَذَا مَنْسُوخا، وَقد يجوز أَن يَكُونَا على سَبِيل الإستحباب وَإِن قرنا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 بِوَاجِب، كَقَوْلِه: ((حتيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه بِالْمَاءِ)) وَالْغسْل وَاجِب، والحت والقرص لَا يجب. هَذَا إِن لم يكن الرَّاوِي لذَلِك خلط كَلَام أبي سعيد بِكَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإنَّا قد ذكرنَا فِي الرِّوَايَة الأولى أَنه من كَلَام أبي سعيد، وَهُوَ فِي رِوَايَة مُسلم من كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَسَيَأْتِي فِي مُسْند عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: كَانَ النَّاس مهنة أنفسهم، فَقيل لَهُم: ((لَو اغتسلتم يَوْم الْجُمُعَة)) وَهَذَا يدل على أَنهم لم يؤمروا أَمر إِيجَاب. وعَلى هَذَا تكون لَفْظَة الْوُجُوب مُغيرَة من بعض الروَاة، وَيحْتَمل أَن تكون صَحِيحَة وَقد نسخت كَمَا بَينا، وَلم يبلغ ذَلِك عَائِشَة. وَقد حمل الْخطابِيّ الحَدِيث على معنى آخر فَقَالَ: معنى قَوْله ((وَاجِب)) أَي لَازم فِي بَاب الإستحباب، كَمَا تَقول: حَقك عَليّ وَاجِب. 1445 - / 1751 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: ((تكون الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة خبْزَة وَاحِدَة يتكفأها الْجَبَّار بِيَدِهِ كَمَا يَتَكَفَّأ أحدكُم خبزته فِي السّفر، نزلا لأهل الْجنَّة)) فَأتى رجل من الْيَهُود فَقَالَ: أَلا أخْبرك بِإِدَامِهِمْ؟ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((بلَى)) قَالَ: إدَامهمْ بَالَام وَنون. قَالُوا: وَمَا هَذَا؟ قَالَ: ثَوْر وَنون يَأْكُل من زَائِدَة كبدهما سَبْعُونَ ألفا. فَضَحِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه. الحديث: 1445 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 قَوْله: ((يتكفأها)) أَي يقلبها ويميلها، من قَوْلك: كفأت الْإِنَاء: إِذا قلبته أَو أملته. والنزل: مَا يهيأ للنزيل، والنزيل: الضَّيْف. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن اللَّام اسْم للثور. وَقَالَ الْخطابِيّ: يشبه أَن يكون الْيَهُودِيّ أَرَادَ أَن يعمي الإسم، وَإِنَّمَا هُوَ لأى على وزن لعا: أَي ثَوْر. والثور الوحشي اللأى. وَقد صحف فِيهِ الروَاة فأشكل، إِلَّا أَن يكون ذَلِك بالعبرانية. وَسَنذكر وَجه الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص أكل أهل الْجنَّة من كبد ثَوْر وحوت فِي مُسْند أنس، لِأَنَّهُ هَا هُنَا من كَلَام الْيَهُودِيّ، وَهُوَ هُنَاكَ من قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. والنواجذ مفسرة فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 1446 - / 1754 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: ((هَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الشَّمْس وَالْقَمَر)) . قد سبق فِي مُسْند جرير معنى تضَارونَ، وتضامون. قَوْله: ((وغبر أهل الْكتاب)) الغابر يكون بِمَعْنى الْبَاقِي وَبِمَعْنى الْمَاضِي، فَهُوَ من الأضداد. وَالْإِشَارَة إِلَى من لم يُبدل. الحديث: 1446 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 وعزير اسْم عبراني وَإِن وَافق لَفظه لفظ الْعَرَبيَّة. وتخيل لَهُم جَهَنَّم كالسراب فيظنونه مَاء كَمَا ظنُّوا جَوَاز وجود الْوَلَد فِي حق من لَا بعض لَهُ. وَأما الْمَسِيح عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام، فَاخْتَلَفُوا لم سمي الْمَسِيح؟ على أَقْوَال ذكرتها فِي مُسْند ابْن عمر. وَقَوله: ((فيأتيهم الله فِي أدنى صُورَة من الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا، فَيَقُولُونَ نَعُوذ بِاللَّه مِنْك)) وَقَوله بعد هَذَا: ((فيرفعون رؤوسهم وَقد تحول فِي صُورَة)) وَفِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: ((فيأتيهم فِي غير الصُّورَة الَّتِي يعْرفُونَ فَيَقُول: أَنا ربكُم، فَيَقُولُونَ: نَعُوذ بِاللَّه مِنْك، فيأتيهم فِي الصُّورَة الَّتِي يعْرفُونَ فَيَقُول: أَنا ربكُم، فَيَقُولُونَ: أَنْت رَبنَا)) وَهَذَا شَيْء قد تخبط فِيهِ جمَاعَة، فالمتقدمون من السّلف قرأوه وعبروا وَلم ينطقوا بِشَيْء، مَعَ علمهمْ واعتقادهم أَن الصُّورَة الَّتِي هِيَ تخاطيط لَا تجوز على الله عز وَجل، وَلَا التَّغَيُّر. وَهَذَا أصلان لَا بُد من اعتقادهما: التخاطيط لَا تكون إِلَّا فِي الْأَجْسَام، والتغير لَا يصلح أَن يطْرَأ على الْإِلَه، فَإِن الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَابَ النَّجْم بالأفول فَقَالَ: {لَا أحب الآفلين} [الْأَنْعَام: 76] لِأَنَّهُ علم أَن مَا يطرقه التَّغَيُّر لَا يصلح أَن يكون معبودا، فَإِذا وَقع اعْتِقَاد هذَيْن الْأَصْلَيْنِ ثمَّ سكت السَّاكِت عَن تَفْسِير هَذِه الْكَلِمَات فقد سلك مَذْهَب القدماء. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: معنى إتْيَان الله عز وَجل كشف الْحجاب لَهُم حَتَّى رَأَوْهُ فأثبتوه عيَانًا كَمَا اعْتَرَفُوا بوحدانيته فِي الدُّنْيَا اسْتِدْلَالا، فرؤيته بعد أَن لم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 يَكُونُوا رَأَوْهُ بِمَنْزِلَة إتْيَان الْآتِي لم يكن شوهد قبل. قَالَ: وَأما الصُّورَة فتتأول على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنَّهَا بِمَعْنى الصّفة، كَقَوْل الْقَائِل: صُورَة هَذَا الْأَمر كَذَا. وَالثَّانِي: أَن الْمَذْكُور من المعبودات فِي أول الحَدِيث صور، فَخرج الْكَلَام على نوع من الْمُطَابقَة. قَالَ: وَقَوله: ((فِي أدني صُورَة رَأَوْهُ فِيهَا)) دَلِيل على أَن المُرَاد بالصورة الصّفة، لأَنهم مَا رَأَوْهُ قبلهَا، فَعلمت أَن المُرَاد الصّفة الَّتِي عرفوه بهَا. وَقَالَ غَيره من الْعلمَاء: يَأْتِيهم بأهوال الْقِيَامَة وصور الْمَلَائِكَة، وَمَا لم يعهدوا مثله فِي الدُّنْيَا، فيستعيذون من تِلْكَ الْحَال وَيَقُولُونَ: إِذا جَاءَ رَبنَا - أَي إِذا أَتَانَا بِمَا نعرفه من لطفه وَهِي الصُّورَة الَّتِي يعْرفُونَ، فَيكْشف عَن سَاق: أَي عَن شدَّة، كَأَنَّهُ يرفع تِلْكَ الشدائد، فيسجدون شكرا. وَقد أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد الْحَاكِم وَيحيى بن عَليّ المدير قَالَا: أخبرنَا ابْن النقور قَالَ: أخبرنَا ابْن حبابة قَالَ: أَنبأَنَا الْبَغَوِيّ قَالَ: حَدثنَا هدبة قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد يَعْنِي ابْن سَلمَة، عَن عَليّ بن زيد عَن عمَارَة الْقرشِي عَن أبي بردة قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ((إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة مثل لكل قوم مَا كَانُوا يعْبدُونَ فِي الدُّنْيَا، وَيبقى أهل التَّوْحِيد، فَيُقَال لَهُم: مَا تنتظرون وَقد ذهب النَّاس؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 فَيَقُولُونَ: إِن لنا رَبًّا كُنَّا نعبده فِي الدُّنْيَا لم نره. قَالَ: وتعرفونه إِذا رَأَيْتُمُوهُ؟ فَيَقُولُونَ: نعم، فَيُقَال لَهُم: وَكَيف تعرفونه وَلم تروه؟ قَالُوا: إِنَّه لَا شبه لَهُ، فَيكْشف لَهُم الْحجاب، فَيَنْظُرُونَ إِلَى الله تبَارك وَتَعَالَى فَيَخِرُّونَ لَهُ سجدا، وَيبقى أَقوام فِي ظُهُورهمْ مثل صياصي الْبَقر، فيريدون السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ، فَذَلِك قَول الله عز وَجل: {يَوْم يكْشف عَن سَاق وَيدعونَ إِلَى السُّجُود فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} [الْقَلَم: 42] فَيَقُول الله عز وَجل: عبَادي، ارْفَعُوا رؤوسكم، فقد جعلت بدل كل رجل مِنْكُم رجلا من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي النَّار)) . وَكَانَ ابْن عقيل يَقُول: الصُّورَة على الْحَقِيقَة تقع على التخاطيط والأشكال، وَذَلِكَ من صِفَات الْأَجْسَام، وَالَّذِي صرفنَا عَن كَونه جسما من الْأَدِلَّة النطقية قَوْله: {لَيْسَ كمثله شَيْء} [الشورى: 11] وَمن أَدِلَّة الْعُقُول أَنه لَو كَانَ جسما لكَانَتْ صورته عرضا، وَلَو كَانَ جسما حَامِلا للأعراض لجَاز عَلَيْهِ مَا يجوز على الْأَجْسَام، وَاحْتَاجَ إِلَى مَا احْتَاجَت إِلَيْهِ من الصَّانِع وَلَو جَازَ قدمه مَعَ كَونه جسما لما امْتنع قدم أَحَدنَا، فَلَيْسَ لله سُبْحَانَهُ عِنْدهَا، وَلَا الْقَوْم الَّذِي أَنْكَرُوا فِي الْقِيَامَة صُورَة من صور الذوات يُنْكِرُونَهَا ويأنسون بِمَا سواهَا، فأحوجتنا لذَلِك الْأَدِلَّة إِلَى تَأْوِيل صُورَة تلِيق إضافتها إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَيصِح عَلَيْهَا التَّغَيُّر والتعريف والتنكير، وَمَا ذَلِك إِلَّا الْحَال الَّتِي يُوقع عَلَيْهَا أهل اللُّغَة اسْم صُورَة، فَيَقُولُونَ: كَيفَ صُورَتك مَعَ فلَان، وَفُلَان على صُورَة من الْفقر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 وَالْحَال الَّتِي أنكروها العسف، وَالَّتِي يعرفونه بهَا هِيَ اللطف وَمَا وعد بِهِ من حسن الْجَزَاء، وَلذَلِك قَالَ: ((فتجلى لَهُم كاشفا عَن سَاقه)) يَعْنِي عَن شدَّة الْقيمَة الَّتِي صدرت عَنهُ، والتغيرات أليق بِفِعْلِهِ الَّذِي هُوَ إحالات الْأَعْيَان وتغييرات الزَّمَان. وَأما ذَاته وَوَصفه فتعالى عَن ذَلِك. فَيكْشف لَهُم عَمَّا وعدهم بِهِ، فَيَخِرُّونَ سجدا لنعمته، شاكرين لَهُ على إنجاز وعده، فَيَقَع الْخَبَر مَقْبُولًا. وَلَو حمل - ونعوذ بِاللَّه - على مَا قَالَت المجسمة من صُورَة ترجع إِلَى ذَاته لَكَانَ ذَلِك تجويزا لتغيير صِفَاته وَخُرُوجه فِي صُورَة. فَإِن كَانَت حَقِيقَة فَهُوَ اسْتِحَالَة، وَإِن كَانَت تخيلا فَلَيْسَ ذَاك هُوَ، وَإِنَّمَا يُرِيهم غَيره، فَمَا أشنع مقَالَة من يصدر قَوْله عَن الْجَهَالَة، وَيتَعَلَّق بالظواهر كَمَا تعلّقت النَّصَارَى فِي الْمَسِيح وَقَالُوا: هُوَ روحه حَقِيقَة. وَقَوله: ((حَتَّى كَاد بَعضهم أَن يَنْقَلِب)) . أَي عَن اعْتِقَاده الصَّحِيح لموْضِع الامتحان الَّذِي وَقع. وَلَفْظَة ((أَن)) من زيادات بعض الروَاة، لِأَن كَاد لَا يَقع بعْدهَا ((أَن)) وَإِنَّمَا هُوَ: كَاد يَنْقَلِب. وَقَوله: ((ثمَّ يضْرب الجسر)) يَعْنِي الصِّرَاط. وَقَوله: ((دحض مزلة)) أَي زلق لَا تثبت الْأَقْدَام فِيهِ. والخطاطيف وَاحِدهَا خطَّاف: وَهِي كالمحجن متعقفة. والخطف: أَخذ الشَّيْء بِسُرْعَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 والكلاليب جمع كلاب وكلوب، وَهِي من جنس الخطاطيف. والحسك جمع حسكة: وَهِي شَوْكَة حَدِيدَة صلبة. والركاب: الْإِبِل. والمخدوش: الَّذِي يخدش جلده بِمَا لَهُ حد. وَالْمعْنَى: قد نجا بعد خدشه. وَقَوله: ((مكدوس فِي النَّار)) قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: أَي مَدْفُوع فِي جَهَنَّم، يُقَال: تكدس الْإِنْسَان على رَأسه: إِذا دفع من وَرَائه فَقَط. والتكدس فِي سير الدَّوَابّ: أَن يركب بَعْضهَا بَعْضًا. وَقَالَ غَيره: هَذَا تَصْحِيف من الروَاة، وَإِنَّمَا هُوَ مكردس، وَهُوَ الَّذِي قد جمعت يَدَاهُ وَرجلَاهُ فِي وُقُوعه. وَقَوله: ((فِي اسْتِيفَاء الْحق)) أَي فِي استضاءته واتضاحه. وَمعنى الْكَلَام: أَن الْمُؤمنِينَ يبالغون فِي سُؤال الله سُبْحَانَهُ فِي إخْوَانهمْ الْمُؤمنِينَ شَفَاعَة لَهُم. وَقد روينَاهُ من طَرِيق آخر بِلَفْظ آخر: ((فَمَا أحدهم فِي حق يعلم أَنه لَهُ بأشد مناشدة مِنْهُم فِي إخْوَانهمْ الَّذين سقطوا فِي النَّار، يَقُولُونَ: أَي رب، كُنَّا نغزو جَمِيعًا، ونحج جَمِيعًا، ونعتمر جَمِيعًا، فَبِمَ نجونا الْيَوْم وهلكوا؟ فَيَقُول الله تَعَالَى: انْظُرُوا من فِي قلبه زنة دِينَار من إِيمَان فأخرجوه)) . وَقَوله: ((مِثْقَال ذرة)) أَي وَزنه، والذرة: نملة حَمْرَاء صَغِيرَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 وَقد دلّ هَذَا على تفاضل النَّاس فِي الْإِيمَان، وَذكر المثقال تقريب إِلَى الْفَهم، لَا أَن الْخَيْر وَالْإِيمَان يحضرهما الْوَزْن، غير أَن مَا يشكل يرد إِلَى الْحس ليفهم. وَمن هَذَا قَوْله: ((من تقرب مني شبْرًا تقربت مِنْهُ ذِرَاعا)) . والحمم: الفحم. والحبة بِكَسْر الْحَاء: بزر النَّبَات. وَبِفَتْحِهَا: الْحبّ الْمَأْكُول. قَالَ النَّضر بن شُمَيْل: الْحبَّة اسْم جَامع لحبوب الْبُقُول الَّتِي تنتثر إِذا هَاجَتْ، ثمَّ إِذا مطرَت من قَابل نَبتَت. وَقَالَ الْكسَائي: الْحبَّة من حب الرياحين. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هُوَ نبت ينْبت فِي الْحَشِيش صغَار. وَقَالَ أَبُو عبيد: كل شَيْء لَهُ حب فاسم الْحبّ مِنْهُ حَبَّة. فَأَما الْحِنْطَة وَالشعِير فحبة لَا غير. وحميل السَّيْل: كل مَا حمله. وكل مَحْمُول حميل، قَالَه الْأَصْمَعِي. وَقَالَ أَبُو سعيد الضَّرِير: حميل السَّيْل: مَا جَاءَ بِهِ من طين أَو غثاء، فَإِذا اتّفق فِيهِ الْحبَّة واستقرت على شط مجْرى السَّيْل فَإِنَّهَا تنْبت فِي يَوْم وَلَيْلَة، وَهِي أسْرع شَيْء نباتا. وَإِنَّمَا المُرَاد من الحَدِيث سرعَة نجاتهم. وَقَوله: فِي رقابهم الخواتيم. وَكَأَنَّهَا بقايا من آثَار النَّار. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 وَقَوْلهمْ: أَعطيتنَا مَا لم تعط أحدا من الْعَالمين. لقَائِل أَن يَقُول: كَيفَ يَقُولُونَ هَذَا وهم يعلمُونَ أَن من لم يدْخل النَّار فقد أعطي خيرا من عطائهم؟ فقد ذكرنَا فِي هَذَا جوابين فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. وَقَوله: ((امتحشوا)) قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يَعْنِي احترقوا. والحيا: الْمَطَر. وَقَوله: فأماتتهم إماتة. رُبمَا قَالَ قَائِل: كَيفَ يموتون فِي النَّار وَقد قَالَ تَعَالَى: {لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يحيى} [الْأَعْلَى: 13] فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن هَذِه صفة الْمُوَحِّدين وَتلك صفة الْكَافرين، فَجَائِز أَن تلفح النَّار الْمُؤمن فَيَمُوت فَلَا يَدُوم عَذَابه إِلَى أَن يحيى فَيخرج. وَالثَّانِي: أَن يكون الْمَعْنى: أَنهم يغشى عَلَيْهِم ويغيب إحساسهم، فيعبر بِالْمَوْتِ عَن ذَلِك. والضبائر: جماعات فِي تَفْرِقَة. فبثوا: أَي فرقوا. والحسك قد بَيناهُ آنِفا. والمفلطحة فِيهَا سَعَة وتدوير. والعقيفة من التعقف. والمتعقف: المعوج الطّرف. 1447 - / 1755 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: ((كَمَا تتراءون الْكَوْكَب الدُّرِّي الغابر)) . الحديث: 1447 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 قد سبق تَفْسِير هَذَا فِي مُسْند سهل بن سعد والغابر: الْبَاقِي. 1448 - / 1756 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: ((إِن مِمَّا أَخَاف عَلَيْكُم بعدِي مَا يفتح عَلَيْكُم من زهرَة الدُّنْيَا)) . زهرَة الدُّنْيَا: حسنها وَنَعِيمهَا. والرحضاء: الْعرق الْكثير. يُقَال: رحضت الثَّوْب: إِذا غسلته بِالْمَاءِ. والحبط: أَن تكْثر الدَّابَّة من أكل المرعى حَتَّى ينتفخ لذَلِك بَطنهَا، وتمرض عَنهُ، فَلَا تثلط وَلَا تبول، واحتباس ذَلِك رُبمَا قَتلهَا ((أَو ألم)) بذلك أَي قَارب ذَلِك. هَذَا مثل لمن يستكثر من جمع الدُّنْيَا من غير وَجههَا، لِأَن الرّبيع ينْبت جيد المرعى، فتستطيبه الْمَاشِيَة فتستكثر مِنْهُ فتهلك، فَكَذَلِك جَامع الدُّنْيَا من غير وَجههَا يستكثر مِنْهَا محبا لذَلِك بالطبع، فَيهْلك دينه. وَقَوله: ((إِلَّا آكِلَة الْخضر)) وَالْمعْنَى أَنَّهَا تنجو إِذا قتل غَيرهَا الحبط. فَهَذَا مثل للمقتصد فِي طلب الدُّنْيَا، الَّذِي لَا يحملهُ حرصه على أَخذ مَا لَا يحل لَهُ، فَهُوَ ينجو من وبال الْحساب كَمَا نجت آكِلَة الْخضر، لِأَن الْخضر لَيْسَ من جيد الْبُقُول، بل هُوَ نوع من أدناها، يبْقى بعد يبس المرعى، فترعاه الْمَوَاشِي ضَرُورَة لعدم غَيره، فَإِذا امْتَلَأت خاصرتاها اسْتقْبلت عين الشَّمْس تستمرئ بذلك مَا أكلت، فتجتر وتثلط، فيزول عَنْهَا الحبط. وَإِنَّمَا تحبط الْمَاشِيَة إِذا لم تثلط الحديث: 1448 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 وَلم تبل. وَمعنى ثَلَطَتْ: أَلْقَت رجيعها سهلا رَقِيقا. وَذكر الثلط وَالْبَوْل للتشبيه بِمَا يُخرجهُ المقتصد فِي جمع المَال فِي الْحُقُوق. قَوْله: ((إِن هَذَا المَال خضر)) قَالَ أَبُو عبيد: الخضرة: الْحسن الغض، وكل شَيْء غض طري فَهُوَ خضر، وَأَصله من خضرَة الشّجر. وَقَوله: ((وَنعم صَاحب الْمَرْء الْمُسلم هُوَ لمن أعْطى مِنْهُ الْمِسْكِين واليتيم)) . رُبمَا رَأَيْت فِي الْأَحَادِيث ذمّ المَال ومدحه، فاسمع فصل الْخطاب: المَال لَا يُرَاد لذاته، وَإِنَّمَا هُوَ سَبَب للتوصل إِلَى الْآخِرَة، كَمَا أَن النَّاقة سَبَب للوصول إِلَى الْكَعْبَة، فَمن لم يحسن إِلَى رَاحِلَته عطبت فافتقر إِلَى النَّاس أَو تلف، وَمن تشاغل بتسمينها وتزيينها سبقه الْحَاج. فَكَذَلِك المَال إِنَّمَا يُرَاد للبلاغ إِلَى الْآخِرَة، فَإِذا تشاغل الْإِنْسَان بجمعه عَمَّا وضع لَهُ توجه الذَّم إِلَى قبح هَذَا الْفِعْل، كَمَا قَالَ الشَّاعِر: (وَمن ينْفق الْأَيَّام فِي حفظ مَاله ... مَخَافَة فقر، فَالَّذِي فعل الْفقر) وَلما قصد السّلف المَال للمعنى الممدوح جمعُوا مِنْهُ مَا يَكفهمْ عَن الطمع، وَيجمع هممهم عَن التشتت، فَكَانَ أَبُو بكر الصّديق يخرج للتِّجَارَة يقدمهَا على صُحْبَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ عمر: لِأَن أَمُوت بَين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 شُعْبَتَيْ رجْلي أطلب كفاف وَجْهي أحب إِلَى من أَن أَمُوت غازيا فِي سَبِيل الله. وَقد قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ: يَا بني، مَا افْتقر أحد إِلَّا أصَاب ثَلَاث خلال مَكْرُوهَة: آفَة فِي دينه، وضعفا فِي عقله، وَذَهَاب مروءته. وَأعظم من هَذِه الْخلال استخفاف النَّاس بِهِ. يَا بني، قد ذقت المرارة كلهَا فَلم أر شَيْئا أَمر من الْفقر. وَقَالَ قيس بن عَاصِم عِنْد الْمَوْت: يَا بني، عَلَيْكُم باصطناع المَال، فَإِنَّهُ منبهة للكريم، ويستغنى بِهِ عَن اللَّئِيم. وَكَانَ أحيحة بن الجلاح سيدا فِي قومه، وَكَانَ يصلح مَاله، وَيُقِيم بذلك مَا ينوبه من الْحق، وَيَقُول: (استغن أَو مت وَلَا يغررك ذُو نشب ... من ابْن عَم وَلَا عَم وَلَا خَال) (إِنِّي أكب على الزَّوْرَاء أعمرها ... إِن الحبيب إِلَى الإخوان ذُو المَال) وَمَا جمعه ابْن عَوْف، وَخَلفه طَلْحَة وَالزُّبَيْر من المَال مَعْلُوم. وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: لَا خير فِيمَن لَا يجمع المَال ليؤدي عَن أَمَانَته، ويكف وَجهه، ويصل رَحمَه. وَكَانَ يتجر فِي الزَّيْت وَيَقُول لأَصْحَابه: هُوَ خير من الْحَاجة إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُلُوك. وَترك عِنْد مَوته أَرْبَعمِائَة دِينَار وَقَالَ: وَالله مَا تركتهَا إِلَّا لأصون بهَا عرضي ووجهي. وَسَأَلَ رجل رجلا: من سيد الْبَصْرَة؟ فَقَالَ: الْحسن، قَالَ: وَبِمَ سادهم؟ قَالَ: اسْتغنى عَن دنياهم وافتقروا إِلَى علمه. وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: من كَانَ مَعَه شَيْء فَقدر أَن يَجعله فِي قرن ثَوْر فَلْيفْعَل، فَإِن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 هَذَا زمَان إِذا احْتَاجَ الرجل كَانَ أول مَا يبْذل دينه، وَلَوْلَا بضيعتنا تلاعب بِنَا هَؤُلَاءِ. وَقَالَ رجل للسري بن يحيى، وَكَانَ يتجر فِي الْبَحْر: تركب الْبَحْر فِي طلب الدُّنْيَا؟ قَالَ: أحب أَن أستغني عَن ضربك من النَّاس. وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء: تثمير المَال إِلَه المكارم. وَقَالَ آخر: مقاساة الْفقر الْمَوْت الْأَحْمَر، وسؤال النَّاس الْعَار الْأَكْبَر، وَكَانَ يُقَال: من حفظ مَاله فقد حفظ الأكرمين: الدّين وَالْعرض. 1449 - / 1757 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: ذكر الْعَزْل، وَقَول الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام: ((لَا عَلَيْكُم أَلا تَفعلُوا، مَا من نسمَة كائنة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا وَهِي كائنة)) . النَّسمَة: النَّفس. وَهَذَا الحَدِيث تضمن كَرَاهِيَة الْعَزْل، وَهَذَا لِأَنَّهُ إِخْرَاج للنِّكَاح عَن وَضعه الْأَصْلِيّ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا وضع للتناسل، وَالْمرَاد تَكْثِير الْخلق، وَالَّذِي يعْزل يصرفهُ إِلَى أدون الْأَمريْنِ وَهُوَ قَضَاء الشَّهْوَة، عَن أَعلَى الْحَالين وَهُوَ التناسل. وَمثل الْآدَمِيّ كَمثل عبد سلم إِلَيْهِ سَيّده بذرا وأرضا وَأمره بالزرع، ووكل بِهِ مستحثا، فبذر فِي الْبذر وَلم يزرع، فالبذر المَاء، وَالْأَرْض الْمَرْأَة، وَالْمُسْتَحب الشَّهْوَة. وَمَعَ هَذَا فقد ترك الشَّرْع مُرَاده لمراد العَبْد، فأباحه الْعَزْل، وَقد ذكرنَا حكمه فِي مُسْند جَابر. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ ردهم إِلَى الْقدر فِي هَذَا دون غَيره؟ فَإِن الحديث: 1449 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 الْمقَاتل لَا يُصِيبهُ إِلَّا مَا قدر لَهُ، وَقد أَمر بِأخذ الْعدة. وَكَذَلِكَ الرزق لَا يتَعَدَّى صَاحبه، وَقد أَمر بِالطَّلَبِ، وأبيحت لَهُ الْأَسْفَار. فَالْجَوَاب: أَنه إِنَّمَا ذكر لَهُم الْقدر لَا أَنه كرهه لَهُم. 1450 - / 1758 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: ((لَا تخيروني من بَين الْأَنْبِيَاء؛ فَإِن النَّاس يصعقون يَوْم الْقِيَامَة؛ فَأَكُون أول من يفِيق، فَإِذا أَنا بمُوسَى أَخذ بقائمة من قَوَائِم الْعَرْش؛ فَلَا أَدْرِي: أَفَاق قبلي أَو جوزي بصعقة الطّور)) . الصَّعق يكون بِمَعْنى الْمَوْت، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض} [الزمر: 68] . وَيكون بِمَعْنى الغشي، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وخر مُوسَى صعقا} [الْأَعْرَاف: 143] . والصعق فِي هَذَا الحَدِيث بِالْمَوْتِ أشبه. وَإِنَّمَا أَرَادَ تَفْضِيل مُوسَى وَذكر شرفه. وَفِي هَذَا الحَدِيث إشْكَالَانِ: الأول: أَنه قَالَ: ((لَا تخيروني)) وَقد قَالَ: ((أَنا سيد ولد آدم)) وَالثَّانِي: أَنه قَالَ: ((أكون أول من يفِيق)) ثمَّ قَالَ: ((لَا أَدْرِي أَفَاق قبلي)) . فَالْجَوَاب عَن الأول من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا أَن يكون قَالَه قبل علمه بِأَنَّهُ أفضل الْأَنْبِيَاء، فَلَمَّا أعلم قَالَ: ((أَنا سيد ولد آدم)) . وَالثَّانِي: أَن يكون نَهَاهُم عَن التَّخْيِير، لأَنهم كَانُوا يخيرون بواقعاتهم وظنونهم، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يسند التَّخْيِير إِلَى دَلِيل. وَالثَّالِث: أَن الْغَالِب فِي الْمُخَير الإزراء بالأنقص رُتْبَة، وَلَا يجوز الإستنقاص بِأحد الحديث: 1450 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 من الْأَنْبِيَاء. وَقد جَاءَ فِي بعض الْأَلْفَاظ: ((لَا تخيروني بَين الْأَنْبِيَاء)) وَقَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ ترك التَّخْيِير بَينهم على وَجه الإزراء ببعضهم، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى فَسَاد الإعتقاد فيهم، والإخلال بِوَاجِب حَقهم، وَلَيْسَ المُرَاد أَن يعْتَقد التَّسْوِيَة بَينهم، وفقد أخبرنَا الله تَعَالَى بِأَنَّهُ قد فضل بَعضهم على بعض. وَالْجَوَاب الثَّانِي: أَنه لما رأى نَفسه عَلَيْهِ السَّلَام قد أَفَاق وَبَاقِي الْخلق لم يفيقوا علم أَنه أول مُفِيق: فَلَمَّا رأى مُوسَى عَاد يشك: هَل أَفَاق قبله أَو لم يصعق؟ ، وَالْمرَاد الْقرب بَين الإفاقتين. 1451 - / 1759 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْعِشْرين: ((لَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ صَدَقَة)) . وَقد سبق هَذَا فِي مُسْند جَابر. 1452 - / 1760 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين: كنت فِي مجْلِس من مجَالِس الْأَنْصَار؛ إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مذعور، فَقَالَ: اسْتَأْذَنت على عمر ثَلَاثًا فَلم يُؤذن لي، فَرَجَعت، فَقَالَ: مَا مَنعك؟ قلت: اسْتَأْذَنت ثَلَاثًا فَلم يُؤذن لي فَرَجَعت، وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((إِذا اسْتَأْذن أحدكُم ثَلَاثًا فَلم يُؤذن لَهُ فَليرْجع)) فَقَالَ: وَالله لتقيمن عَلَيْهِ بَيِّنَة أَو لأجعلنك عظة. أمنكم أحد سَمعه من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ الحديث: 1451 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 فَقَالَ أبي بن كَعْب: فوَاللَّه لَا يقوم مَعَك إِلَّا أَصْغَر الْقَوْم، فَكنت أَصْغَر فَقُمْت مَعَه، فَقَالَ عمر: خَفِي عَليّ هَذَا من أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ألهاني عَنهُ الصفق بالأسواق. المذعور: الْخَائِف. وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَن السّنة الإستئذان ثَلَاث مَرَّات، وَلَا يُزَاد على ذَلِك، لِأَنَّهُ رُبمَا لَا يسمع صَاحب الْمنزل فِي الْمرة الأولى وَلَا فِي الثَّانِيَة، فَإِذا لم يجب فِي الثَّالِثَة فالغالب أَنه قد سمع وَلَكِن لَهُ عذره. فَإِن قيل: إِذا كَانَ عمر يخَاف من مثل أبي مُوسَى، فبمن يوثق؟ فَالْجَوَاب أَنه مَا اتهمه، وَإِنَّمَا خَافَ أَن ينْطَلق فِي التحديث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لَيْسَ من أَهله، فتوعد الثِّقَة ليحذر غَيره. وَقد قَالَ لَهُ أبي بن كَعْب: يَا ابْن الْخطاب، أَنا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ذَلِك، فَلَا تكونن عذَابا على أَصْحَاب رَسُول الله. فَقَالَ: سُبْحَانَ الله! إِنَّمَا سَمِعت شَيْئا فَأَحْبَبْت أَن أتثبت. وَأما الصفق فِي الْأَسْوَاق فيريد بِهِ عقد الصفقات، وَكَانُوا يضْربُونَ بِالْيَدِ على الْيَد عِنْد العقد عَلامَة لتَمام البيع، وَالْمعْنَى فِي ذَلِك: أَنه لما كَانَت الْأَمْلَاك مُضَافَة إِلَى الْأَيْدِي جعلُوا ضرب يَد البَائِع على يَد المُشْتَرِي أَمارَة ناقلة، كَأَنَّهُ يَقُول: قد نقلت مَا فِي يَدي إِلَى مَا فِي يدك، ثمَّ استمرت التَّسْمِيَة بالصفقة وَإِن لم يَقع صفق. 1453 - / 1761 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ((إِن الله عز وَجل خير عبدا بَين الدُّنْيَا وَبَين مَا عِنْده، فَاخْتَارَ الحديث: 1453 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 ذَلِك العَبْد مَا عِنْد الله)) فَبكى أَبُو بكر. هَذَا الحَدِيث هَذَا قد دلّ على فطنة أبي بكر، إِذْ علم أَن الْمُخَير هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَبَاقِي الحَدِيث قد بَيناهُ فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1454 - / 1762 - وَفِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ: قَالَ النِّسَاء للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: غلبنا عَلَيْك الرِّجَال، فَاجْعَلْ لنا يَوْمًا. فوعدهن يَوْمًا لقيهن فِيهِ، فوعظهن وأمرهن. كَانَ النِّسَاء فِي ذَلِك الزَّمن يطلبن الْخَيْر ويقصدن الْأجر، ويصلين مَعَ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمَاعَة، وَكَانَ مثل الرَّسُول واعظهن، فصلح أَن يَجْعَل لَهُنَّ يَوْمًا. فَأَما مَا أحدث الْقصاص من جمع النِّسَاء وَالرِّجَال فَإِنَّهُ من الْبدع الَّتِي تجْرِي فِيهَا الْعَجَائِب، من اخْتِلَاط النِّسَاء بِالرِّجَالِ، وَرفع النِّسَاء أصواتهن بالصياح والنواح إِلَى غير ذَلِك. فَأَما إِذا حضرت امْرَأَة مجْلِس خير فِي خُفْيَة، غير متزينة، وَخرجت بِإِذن زَوجهَا، وَتَبَاعَدَتْ عَن الرِّجَال، وقصدت الْعَمَل بِمَا يُقَال لَا التَّنَزُّه، كَانَ الْأَمر قَرِيبا مَعَ الْخطر، وَإِنَّمَا أجزنا مثل هَذَا لِأَن الْبعد عَن سَماع التَّذْكِير يُقَوي الْغَفْلَة، فينسي الْآخِرَة بِمرَّة. وَيَنْبَغِي للمذكر أَن يحث على الْوَاجِبَات، وَينْهى عَن الْمَحْظُورَات، وَيذكر مَا ينفع الْعَوام وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْجُهَّال فِي دينهم، وهيهات، مَا أقل هَذَا الْيَوْم، إِنَّمَا شغل الْقصاص الْيَوْم الحديث: 1454 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 ذكر إزليخا ويوسف، ومُوسَى والجبل، وإنشاد الْغَزل، فَيكون الضَّرَر بذلك أقوى من النَّفْع. وَفِي هَذَا الحَدِيث: ((مَا مِنْكُن امْرَأَة تقدم ثَلَاثَة لم يبلغُوا الْحِنْث)) يُرِيد بُلُوغ الْحلم، وَكَأَنَّهُ بلغ إِلَى زمَان إِذا حلف فِيهِ حنث. وَإِنَّمَا اشْترط الصغر لِأَن الرَّحْمَة للصغار أَكثر، والمحبة لَهُم أوفر، وشفقة الْأُم أوفى من شَفَقَة الْأَب، فَذكر للنِّسَاء مَا هُوَ أخص بِهن من فِرَاق المحبوب. 1455 - / 1763 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ: ((إِذا كَانَ أحدكُم يُصَلِّي فَلَا يدع أحدا يمر بَين يَدَيْهِ، وليدرأه مَا اسْتَطَاعَ، فَإِن أَبى فليقاتله، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان)) . الدرء: الدّفع، وَهَذَا يسْتَعْمل فِي أول الْمَنْع. فَإِن أَبى المجتاز كَانَ للْمُصَلِّي دَفعه بالعنف. وَقَوله: ((فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان)) قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: الْمَعْنى أَن الشَّيْطَان يحملهُ على ذَلِك. وَهَذَا إِذا كَانَ الْمُصَلِّي يُصَلِّي إِلَى ستْرَة. وَفِي اللَّفْظ الَّذِي أخرجه البُخَارِيّ: ((إِذا صلى أحدكُم إِلَى شَيْء يستره)) فَأَما إِذا لم يكن ستْرَة فَلَيْسَ لَهُ دفع الْجَائِز بَين يَدَيْهِ، مَعَ أَن الْجَائِز مَنْهِيّ عَن الْجَوَاز. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن الْعَمَل الْقَلِيل لَا يقطع الصَّلَاة. الحديث: 1455 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 1456 - / 1764 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ: ((إِذا أعجلت أَو قحطت فَلَا غسل عَلَيْك، عَلَيْك الْوضُوء)) وَفِي لفظ: ((إِنَّمَا المَاء من المَاء)) . أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: أَو قحطت بِفَتْح الْقَاف، وَقَالَ لنا أَبُو مُحَمَّد الخشاب: الصَّوَاب ضم الْقَاف، وَالْمعْنَى: لم ينزل. قَالَ ابْن فَارس: يُقَال: أقحط الرجل: إِذا خالط أَهله وَلم ينزل. والقحط: احتباس الْمَطَر. وَهَذَا كَانَ فِي أول الْإِسْلَام، ثمَّ نسخ على مَا بَيناهُ فِي مُسْند عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ. 1457 - / 1765 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ: ((يُؤْتى بِالْمَوْتِ كَهَيئَةِ كَبْش أَمْلَح فينادي مُنَاد: يَا أهل الْجنَّة، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيذْبَح)) . الْمَوْت حَادث تَزُول مَعَه الْحَيَاة، وَيدل على أَنه شَيْء قَوْله تَعَالَى: {الَّذِي خلق الْمَوْت والحياة} [الْملك: 2] وَذَلِكَ الْحَادِث يصور فِي هَيْئَة كَبْش، وَإِنَّمَا صور لَهُم ليعلموا عدم الْمَوْت فِيمَا بعد. وَقد فسرنا الأملح فِي مُسْند أبي بكرَة. ويشرئبون: أَي يرفعون رؤوسهم لرُؤْيَته، يُقَال: اشرأب يشرئب: إِذا ارْتَفع وَعلا. الحديث: 1456 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 1458 - / 1766 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: ((يَقُول الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة: يَا آدم، فَيَقُول: لبيْك وَسَعْديك، فينادي: إِن الله أَمرك أَن تخرج بعثا إِلَى النَّار ... فَحِينَئِذٍ تضع الْحَامِل حملهَا، ويشيب الْوَلِيد)) . قَوْله: ((لبيْك وَسَعْديك)) قد تقدم تَفْسِيره فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. والبعث: الَّذين يبعثون. وَالْحَامِل: الحبلى. وَقد فرقوا بَين حملهَا فِي الْبَطن، وَحملهَا على الرَّأْس وَالظّهْر، فَقَالُوا هَا هُنَا: حَامِل، وَهُنَاكَ: حاملة. فَإِن قيل: فَهَل يبْقى حَامِل يَوْم الْقِيَامَة؟ فَالْجَوَاب: أَنه لَو حضرت حَامِل حِينَئِذٍ لوضعت، وَلَو حضر مَوْلُود يعقل أهوال الْقِيَامَة لشاب. وَأما (يَأْجُوج وَمَأْجُوج) فهما اسمان أعجميان. وَقد قَرَأَ عَاصِم بهمزهما. قَالَ اللَّيْث: الْهَمْز لُغَة رَدِيئَة. قَالَ ابْن عَبَّاس: يَأْجُوج رجل، وَمَأْجُوج رجل، وهما ابْنا يافث بن نوح، فيأجوج وَمَأْجُوج عشرَة أَجزَاء وَولد آدم كلهم جُزْء، وهم شبر وشبران وَثَلَاثَة أشبار. وَقَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: مِنْهُم من طوله شبر، وَمِنْهُم من هُوَ مفرط فِي الطول. وَقَالَ السّديّ: التّرْك سَرِيَّة من يَأْجُوج وَمَأْجُوج، الحديث: 1458 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 خرجت تغير، فجَاء ذُو القرنين فَضرب السد فَبَقيت خَارجه. وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ((لَا يَمُوت الرجل مِنْهُم حَتَّى ينظر إِلَى ألف ذكر بَين يَدَيْهِ من صلبه، كل قد حمل السِّلَاح)) . وَقَوله: ((كرقمة فِي ذِرَاع الْحمار)) الرَّقْمَة خطوط مخططة فِي ذراعه. 1459 - / 1767 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ: ((لَا تسبوا أَصْحَابِي، فَإِن أحدكُم لَو أنْفق مثل أحد ذَهَبا مَا أدْرك مد أحدهم وَلَا نصيفه)) . الْمَدّ: ربع الصَّاع. والنصيف: نصفه. قَالَ أَبُو عبيد: وَالْعرب تسمي النّصْف النصيف كَمَا قَالُوا فِي الْعشْر عشير، وَفِي الْخمس خَمِيس، وَفِي الثّمن ثمين، وَفِي التسع تسيع. وَاخْتلفُوا فِي الرّبع وَالسُّدُس والسبع، فَمنهمْ من قَالَ: ربيع وسديس وسبيع، وَمِنْهُم من لَا يَقُول بذلك، وَلم أسمع أحدا مِنْهُم يَقُول فِي الثُّلُث شَيْئا من ذَلِك، وأنشدوا: (لم يغذها مد وَلَا نصيف ... وَلَا تُمَيْرَات وَلَا تعجيف) أَرَادَ: أَنَّهَا منعمة، لم تغذ بِمد تمر وَلَا نصيفه، لَكِن بِاللَّبنِ. الحديث: 1459 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 والنصيف فِي غير هَذَا: الْخمار، كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْحور الْعين: ((ولنصيف إِحْدَاهُنَّ على رَأسهَا خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)) . فَإِن قَالَ قَائِل: لمن خَاطب؟ إِن كَانَ خَاطب أَصْحَابه فَكيف يَقُول: ((يَا أَصْحَابِي)) ، ((وَلَا تسبوا أَصْحَابِي)) وَإِن كَانَ خَاطب التَّابِعين فَمَا وجدوا بعد. فَالْجَوَاب: أَنه يحْتَمل الْأَمريْنِ، فَإِن كَانَ خَاطب أَصْحَابه فالخطاب للمتأخرين مِنْهُم، فأعلمهم أَنهم لن يبلغُوا مرتبَة الْمُتَقَدِّمين، كَمَا قَالَ فِي حق أبي بكر: ((قُلْتُمْ: كذبت، وَقَالَ: صدقت، فَهَل أَنْتُم تاركو صَاحِبي)) . ويكشف هَذَا قَوْله تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح} [الْحَدِيد: 10] وَإِن كَانَ قَالَ لمن سَيَأْتِي فعلى معنى: بلغُوا من يَأْتِي، ويوضحه قَوْله تَعَالَى: {لأنذركم بِهِ وَمن بلغ} [الْأَنْعَام: 19] . 1460 - / 1768 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ: كُنَّا نخرج زَكَاة الْفطر صَاعا من طَعَام، أَو صَاعا من شعير، أَو صَاعا من تمر، أَو صَاعا من أقط، أَو صَاعا من زبيب، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَة وَجَاءَت السمراء قَالَ: أرى مدا من هَذَا يعدل مَدين. وَقد ذكرنَا قدر الصَّاع فِي مُسْند ابْن عمر، وَذكرنَا هُنَاكَ أَنه لَا يُجزئ أقل من صَاع من أَي الْأَجْنَاس المخرجة كَانَ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُجزئ نصف صَاع بر، وَهُوَ المُرَاد بقول أبي سعيد: فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَة وَجَاءَت السمراء، يَعْنِي الْحِنْطَة، قَالَ: أرى مدا من هَذَا - يَعْنِي الْحِنْطَة - الحديث: 1460 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 يعدل مَدين - يَعْنِي من التَّمْر. والأقط: شَيْء يعْمل من اللَّبن ويجفف، وَيجوز إِخْرَاجه على أَنه أصل. هَذَا قَول أَحْمد وَمَالك، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يخرج على وَجه الْقيمَة، وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ. 1461 - / 1769 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: ذكر خطْبَة الْعِيد بعد الصَّلَاة، قَالَ أَبُو سعيد: فَخرجت مخاصرا مَرْوَان، فَإِذا بِهِ يُرِيد أَن يَبْتَدِئ بِالْخطْبَةِ، فجبذته فَقَالَ: ذهب مَا تعلم. أما تَقْدِيم الصَّلَاة على الْخطْبَة فقد بَينا سَببه فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. والمخاصرة: أَن يَأْخُذ الرجل بيد آخر يتماشيان، فيد كل وَاحِد مِنْهُمَا عِنْد خصر صَاحبه، وأنشدوا: (ثمَّ خَاصرتهَا إِلَى الْقبَّة الخضراء ... نمشي فِي مرمر مسنون) وجبذته بِمَعْنى جذبته. وَمثله كبكبت الشَّيْء وبكبكته: إِذا طرحت بعضه على بعض، وهجهجت بالسبع وجهجهت بِهِ، وفثأت الْقدر وثفأتها: إِذا سكنت غليانها. وَقَول مَرْوَان: ذهب مَا تعلم: أَي ترك اتِّبَاع السّنة. وَقَوله: ((يكثرن اللَّعْن ويكفرن العشير)) قد سبق فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. الحديث: 1461 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 وَذكر نُقْصَان عقلهن ودينهن قد تقدم فِي مُسْند ابْن عمر. وَأما امْرَأَة ابْن مَسْعُود فاسمها زَيْنَب بنت أبي مُعَاوِيَة الثقفية. وَقد دلّ حَدِيثهَا على أَن الصَّدَقَة على الْأَقَارِب أولى من الصَّدَقَة على الْأَجَانِب. 1462 - / 1770 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ: فِي ذكر أبي طَالب: ((لَعَلَّه تَنْفَعهُ شَفَاعَتِي فَيجْعَل فِي ضحضاح من النَّار يبلغ كعبيه)) . قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: الضحضاح: الْقَلِيل من الْعَذَاب، وَالْعرب تسمى المَاء الْقَلِيل ضحضاحا. قيل لأعرابي: إِن فلَانا يَدعِي الْفضل عَلَيْك، فَقَالَ: لَو وَقع فِي ضحضاح مني لغرق: أَي فِي الْقَلِيل من مياهي. وَقَالَ غَيره: الضحضاح مَا يبلغ الْكَعْبَيْنِ، وكل مَا رق من المَاء على وَجه الأَرْض فَهُوَ ضحضاح. 1463 - / 1771 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ: ((من صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيل الله بعد الله وَجهه عَن النَّار سبعين خَرِيفًا)) . إِذا أطلق ذكر سَبِيل الله كَانَ الْمشَار بِهِ إِلَى الْجِهَاد. والخريف زمَان مَعْلُوم من السّنة تخترف فِيهِ الثِّمَار. المُرَاد بِهِ هَا هُنَا السّنة كلهَا، وَالْمعْنَى: مسيرَة سبعين سنة. 1464 - / 1772 - وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين: الْجواد الْمُضمر. وَقد الحديث: 1462 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 سبق بَيَانه فِي مُسْند سهل بن سعد. 1465 - / 1773 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ: نهى عَن المزانبة والمحاقلة وَقد فسرناه فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1466 - / 1774 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ: كُنَّا فِي مسير لنا، فنزلنا منزلا، فَجَاءَت جَارِيَة فَقَالَت: إِن سيد الْحَيّ سليم، وَإِن نفرنا غيب، فَهَل مِنْكُم راق؟ فَقَامَ مَعهَا رجل مَا كُنَّا نأبنه برقية، فرقاه. قد سبق ذكر النَّفر فِي مُسْند عمرَان بن حُصَيْن وَغَيره. والغيب: الغائبون. وَالرجل الَّذِي رقى هُوَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ رَاوِي الحَدِيث. ونأبنه بِضَم الْبَاء، كَذَلِك قَالَه لنا عبد الله بن أَحْمد النجوي، وَقَالَ: أبنت بِمَعْنى عبت، كَأَنَّهُمْ مَا علمُوا أَنه يرقى فَكَانَ يعاب بالرقية. وَقَوله: وشفوا لَهُ بِكُل شَيْء: أَي عالجوه بِكُل شَيْء طلبا للشفاء، يُقَال: شفى الطَّبِيب للْمَرِيض: إِذا عالجه بِمَا يشفيه. والجعل: مَا يعطاه الْإِنْسَان على الْأَمر يَفْعَله، وَكَذَلِكَ الْجعَالَة والجعيلة. الحديث: 1465 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 والقطيع: مَا اقتطع من الْغنم. وَقَوله: يتفل: التفل: نفخ بِلَا ريق. وَقَوله: نشط من عقال: هَكَذَا وَقع فِي الرِّوَايَة، وَأكْثر اللُّغَة على أَن نشط بِمَعْنى عقل، وَأنْشط بِمَعْنى حل، وَقد جَاءَ فِي بعض اللُّغَات: نشط بِمَعْنى حل، وَهُوَ المُرَاد بِهَذَا الحَدِيث. ويستدل بِهَذَا الحَدِيث من يرى جَوَاز الْأُجْرَة على تَعْلِيم الْقُرْآن وَجَمِيع الْقرب، وَقد بَينا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس أَن فِيهِ رِوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، واعتذرنا على الْمَنْصُور عندنَا عَن هَذَا الحَدِيث. 1467 - / 1775 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ: أَن رجلا كَانَ قبلكُمْ رغسه الله مَالا، فَقَالَ لِبَنِيهِ: إِذا مت فأحرقوني. قَوْله: رغسه الله مَالا، قَالَ أَبُو عبيد: أَكثر لَهُ مِنْهُ وَبَارك لَهُ فِيهِ. يُقَال: رغسه الله يرغسه رغسا، وَكَذَلِكَ فِي الْحبّ وَغَيره. قَالَ العجاج: (خَليفَة سَاس بِغَيْر تعس ... أَمَام رغس فِي نِصَاب رغس) الحديث: 1467 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 وَقَوله: ((فِي يَوْم عاصف)) أَي عاصف الرّيح. وَقَوله: لم يبتئر. قَالَ أَبُو عبيد: أَي لم يقدم خيرا، وَهُوَ من الشَّيْء يخبأ، كَأَنَّهُ لم يقدم لنَفسِهِ شَيْئا خبأه لَهَا، يُقَال: بأرت الشَّيْء وابتأرته: إِذا خبأته، وَمِنْه سميت الحفرة البؤرة. وَفِي الابتئار لُغَتَانِ: ابتأرت الشَّيْء وائتبرته ابتئارا وائتبارا، قَالَ الْقطَامِي: (فَإِن لم تأتبر رشدا قُرَيْش ... فَلَيْسَ لسَائِر النَّاس ائتبار) وَقَالَ آخر: (فَإنَّك إِن تبأر لنَفسك بؤرة ... تجدها إِذا مَا غَيْبَتِك الْمَقَابِر) ويخلط ابْن جني فِي ((غَرِيب الحَدِيث)) : ابتأرت الشَّيْء وابترته ابتئارا وابتيارا. وَأما امتار بِالْمِيم فَإِنَّمَا رويت لنا مَهْمُوزَة، فعلى هَذَا تكون الْمِيم نائبة عَن الْبَاء، كَقَوْلِهِم: سمد رَأسه وسبد. وَإِن كَانَت غير مَهْمُوزَة بالإمتيار طلب الْميرَة، فَيكون الْمَعْنى: مَا حصل خيرا. وَقد اعْترض على هَذَا الحَدِيث فَقيل: هَذَا رجل كَافِر، لقَوْله: إِن يقدر الله عَلَيْهِ. وَمن ظن أَن الله تَعَالَى لَا يقدر عَلَيْهِ فَهُوَ كَافِر، فَكيف يُقَال: غفر الله لَهُ، وتلقاه برحمته؟ فَالْجَوَاب من سِتَّة أوجه: أَحدهَا: أَن هَذَا الرجل مُؤمن، غير أَنه جهل صفة من صِفَات الله عز وَجل، وَقد يغلط فِي صِفَات الله قوم من الْمُسلمين وَلَا يحكم لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 بالْكفْر، قَالَه ابْن قُتَيْبَة. قَالَ ابْن عقيل: والجهالة من جِهَة الْقُصُور عذر، وَكَذَلِكَ إِذا لم يُؤْت قوم صِحَة الْعُقُول وسلامتها لم يكلفوا مَا كلفه أَصْحَاب النّظر الصَّحِيح، وَإِنَّمَا يكفر من يسْتَدلّ وَينظر دون من قصر. وَالثَّانِي: أَنه جهل صفة من صِفَات الله عز وَجل فَكفر بذلك، إِلَّا أَن الْكفْر قد كَانَ يغْفر فِي ذَلِك الزَّمَان إِلَى أَن نزل قَوْله تَعَالَى: {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ} [النِّسَاء: 48] . وَالثَّالِث: أَن هَذَا رجل غلب عَلَيْهِ الْخَوْف والجزع، فَقَالَ هَذَا الْكَلَام وَهُوَ لَا يدْرِي مَا يَقُول، كَمَا قَالَ ذَلِك الرجل: ((أَنْت عَبدِي وَأَنا رَبك)) . ذكرهمَا ابْن جرير الطَّبَرِيّ فِي كتاب ((تَهْذِيب الْآثَار)) . وَالرَّابِع: أَن يكون بِمَعْنى التَّضْيِيق، من قَوْله تَعَالَى: {وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه} [الطَّلَاق: 7] أَي ضيق، فَالْمَعْنى: أَن يضيق عَليّ ويبالغ فِي محاسبتي. وَالْخَامِس: أَن يقدر خَفِيفَة بِمَعْنى يقدر مُشَدّدَة، يُقَال: قدرت وقدرت بِمَعْنى، وَالْمرَاد: إِن قدر وَسبق قَضَاؤُهُ أَن يعذب كل ذِي جرم ليعذبني عذَابا لَا يعذبه أحدا. ذكرهَا أَبُو عمر بن عبد الْبر الْحَافِظ. وَالسَّادِس: أَن هَذَا الرجل كَانَ يثبت الصَّانِع وَلَكِن لم تخاطبه النبوات، وَمن لم تصله دَعْوَة لَا يُؤَاخذ - عِنْد أهل السّنة - بِمَا يُخَالف الْعُقُول؛ لِأَن الْمُؤَاخَذَة ببلوغ الدعْوَة فَقَط، وَمَا لم يسمع الدعْوَة فَلَا مُؤَاخذَة، وعَلى قَول من يرى أَن الْعقل مُوجب يحمل ذَلِك على أَنه كَانَ فِي مهلة النّظر لم يتكامل لَهُ النّظر، ذكره ابْن عقيل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 فَإِن قيل: وَكَيف جمعه قبل الْقِيَامَة؟ إِن قُلْتُمْ: خَاطب روحه فَلَيْسَ ذَلِك بِجمع، وَإِن قُلْتُمْ: جمع أجزاءه فَهُوَ عين الْبَعْث، ثمَّ لَو بَعثه لم يخاطبه لِأَنَّهُ لَا يكلمهُ فِي الدُّنْيَا. فَالْجَوَاب أَنه إِخْبَار عَمَّا سيجري، وَأَن الله تَعَالَى يجمعه فِي الْقِيَامَة فَيَقُول لَهُ هَذَا. 1468 - / 1776 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشد حَيَاء من الْعَذْرَاء فِي خدرها. الْحيَاء: الإنقباض والإحتشام. وَقد بَينا فضل الْحيَاء فِي مُسْند ابْن عمر عِنْد قَوْله: ((الْحيَاء من الْإِيمَان)) . الْعَذْرَاء اسْم مَأْخُوذ من الْعذرَة، وَهُوَ مَا يهتكه الإفتضاض. والخدر: مَا تستتر فِيهِ الْمَرْأَة، وَالْأَصْل فِي الخدر الإستتار، وَلذَلِك قيل: أَسد خادر، كَأَن الأجمة لَهُ خدر يسْتَتر فِيهَا. والخداري: اللَّيْل المظلم، لِأَنَّهُ يستر مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ. وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كره شَيْئا أثر فِيهِ، وَيزِيد التَّأْثِير بكتمانه إِيَّاه عَن صاحيه. 1469 - / 1777 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ: قصَّة الَّذِي قتل تِسْعَة وَتِسْعين نفسا ثمَّ طلب التَّوْبَة وَخرج فأدركه الْمَوْت، فنَاء بصدره نَحْو الْقرْيَة الصَّالِحَة. الحديث: 1468 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 نأى بِمَعْنى: مَال. وَالْمرَاد من الحَدِيث أَنه لما صدق فِي التَّوْبَة اجْتهد فِي الْقرب إِلَى أهل الْخَيْر فأعين على اجْتِهَاده بِالْوَحْي إِلَى الأَرْض الصَّالِحَة: أَن تقربي، وَإِلَى الخبيثة: أَن تباعدي، وَهَذَا من جنس قَوْله تَعَالَى: {كَذَلِك كدنا ليوسف} [يُوسُف: 76] . 1470 - / 1778 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن أخي اسْتطْلقَ بَطْنه، فَقَالَ: ((اسْقِهِ عسلا)) . قد يشكل هَذَا على قوم: فَيَقُولُونَ: كَيفَ أَمر صَاحب الإسهال بالعسل؟ وَالْجَوَاب من أَرْبَعَة أوجه: أَحدهَا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَأَول الْآيَة، وَهِي قَوْله تَعَالَى: {فِيهِ شِفَاء للنَّاس} [النَّحْل: 69] وَلم يلْتَفت إِلَى اخْتِلَاف الْأَمْرَاض. وَالثَّانِي: أَن مَا كَانَ يذكرهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الطِّبّ على مَذَاهِب الْعَرَب وعاداتهم كَمَا بَينا فِي مُسْند رَافع بن خديج فِي إبراد الْحمى بِالْمَاءِ. وَالثَّالِث: أَن الْعَسَل كَانَ يُوَافق ذَلِك الرجل، فَقَالَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: كَانَ استطلاقه من الإمتلاء وَسُوء الهضم، وَسَائِر الْأَطِبَّاء يأمرون صَاحب الهيضة بألا يمسك الطبيعة ليستفرغ الفضول. وَالرَّابِع: أَن يكون أمره بطبخ الْعَسَل قبل سقيه، والمطبوخ قد يعقل المبلغمين. الحديث: 1470 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 وَقَوله: ((صدق الله وَكذب بطن أَخِيك)) ذكر فِيهِ الْخطابِيّ احْتِمَالَيْنِ: أَحدهمَا: أَن يكون إِخْبَارًا عَن غيب أطلعه الله عَلَيْهِ، وأعلمه بِالْوَحْي أَن شِفَاء ذَلِك من الْعَسَل، فكرر عَلَيْهِ الْأَمر بسقي الْعَسَل ليظْهر مَا وعد بِهِ. وَالثَّانِي: أَن تكون الْإِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فِيهِ شِفَاء للنَّاس} وَيكون قد علم أَن ذَلِك النَّوْع من الْمَرَض يشفيه الْعَسَل. وَقَوله: عرب بَطْنه: أَي فسد. 1471 - / 1779 ، 1780 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: مشروح فِي مُسْند أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ. والْحَدِيث الثَّانِي: قد سبق مُسْند أبي ذَر. 1472 - / 1781 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: ((يَجِيء نوح وَأمته فَيُقَال: من يشْهد لَك؟ فَيَقُول: مُحَمَّد وَأمته)) . اعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث يتَضَمَّن الشَّهَادَة على الشَّهَادَة، وَهِي مَقْبُولَة عِنْد عَامَّة الْعلمَاء، وَأمة مُحَمَّد شهدُوا على شَهَادَة الله عز وَجل عِنْدهم بالتبليغ. 1473 - / 1782 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: مُبين فِي مُسْند ابْن عمر. الحديث: 1471 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 وَالسَّادِس وَالثَّامِن فِي مُسْند أبي قَتَادَة. وَالسَّابِع فِي مُسْند عبَادَة. 1474 - / 1790 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: ((لَا يسمع مدى صَوت الْمُؤَذّن جن وَلَا إنس وَلَا شَيْء إِلَّا شهد لَهُ يَوْم الْقِيَامَة)) . المدى: الْغَايَة. 1475 - / 1791 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: ((يُوشك أَن يكون خير مَال الْمُسلم غنم يتبع بهَا شعف الْجبَال)) . يُوشك: أَي يقرب ويشرع. وَقد بَينا هَذِه الْكَلِمَة فِي مُسْند كَعْب ابْن مَالك. والشعفة: رَأس الْجَبَل، وَجَمعهَا شعف وشعفات. 1476 - / 1794 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: ((وَيْح عمار)) . وَيْح كلمة رَحْمَة، قَالَ الْخَلِيل: وَلم يسمع على بنائها إِلَّا وَيس، وويه، وويك، وويب، وويل. قَالَ الْأَصْمَعِي: وَيْح ترحم، وويس تصغر ذَلِك. وَقَوله: ((تقتله الفئة الباغية)) الفئة: الْجَمَاعَة. والباغية: الحديث: 1474 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 الظالمة. وَالْبَغي: الظُّلم. وَقَوله: ((يَدعُوهُم إِلَى الْجنَّة)) أَي إِلَى مَا يحمل إِلَى الْجنَّة. 1477 - / 1797 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث من أَفْرَاد مُسلم: ((إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته، فليطرح الشَّك وليبن على مَا استيقن، ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم)) . أما سُجُود السَّهْو فَإِنَّهُ عندنَا وَاجِب، ووافقنا مَالك فِيمَا إِذا كَانَ عَن نُقْصَان. وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ مسنون. وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد فِي مَحل سُجُود السَّهْو، فَروِيَ عَنهُ إِن كَانَ من نُقْصَان فَقبل السَّلَام، وَإِن كَانَ من زِيَادَة فَبعد السَّلَام، وَهَذَا قَول مَالك. وَرُوِيَ عَنهُ أَن الْكل قبل السَّلَام، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي، وَرُوِيَ عَنهُ أَن الْكل قبل السَّلَام إِلَّا فِي موضِعين: أَحدهمَا: أَن يسلم من نُقْصَان. وَالثَّانِي: إِذا شكّ الإِمَام وَقُلْنَا يتحَرَّى على رِوَايَة فَإِنَّهُ يسْجد بعد السَّلَام اسْتِحْسَانًا لموْضِع الْأَثر، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَدَاوُد: كُله بعد السَّلَام. وَقَوله: ((كَانَت ترغيما للشَّيْطَان)) أَي دحرا لَهُ ورميا لَهُ باالرغام: وَهُوَ التُّرَاب. 1478 - / 1798 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: ((لَا تكْتبُوا عني)) . قَالَ ابْن قُتَيْبَة: إِنَّمَا نهى فِي أول الْأَمر، فَلَمَّا علم أَن السّنَن تكْثر فَيفوت الْحِفْظ أجَاز الْكِتَابَة. قَالَ: وَيجوز أَن يكون إِنَّمَا خص بِإِجَازَة الحديث: 1477 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 الْكِتَابَة عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ حِين قَالَ لَهُ: إِنِّي أسمع مِنْك أَشْيَاء، وَإِنِّي أَخَاف أَن أَنْسَاهَا، أفتأذن لي أَن أَكتبهَا؟ قَالَ: ((نعم)) لِأَن عبد الله كَانَ كَاتبا قَارِئًا للكتب الْمُتَقَدّمَة. وَكَانَ غَيره من الصَّحَابَة أُمِّيين، فخشي عَلَيْهِم فِي كتابتهم الْغَلَط، وَأمن على هَذَا لمعرفته فَأذن لَهُ. وَقَوله: ((حدثوا عَن بني إِسْرَائِيل وَلَا حرج)) فِيهِ خَمْسَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه كَانَ قد تقدم مِنْهُ مَا يشبه النَّهْي، إِذْ جَاءَ عمر بِكَلِمَات من التَّوْرَاة فَقَالَ لَهُ: ((أمطها عَنْك)) فخاف أَن يتَوَهَّم النَّهْي عَن ذكرهم جملَة فَأجَاز الحَدِيث عَنْهُم. وَالثَّانِي: أَن يكون الْمَعْنى: وَلَا يضيق صدر السَّامع من عجائب مَا يسمع عَنْهُم، فقد كَانَ فيهم أَعَاجِيب. وَالثَّالِث: أَنه لما كَانَ قَوْله: ((حدثوا)) لفظ أَمر بَين أَنه لَيْسَ على أَمر الْوُجُوب بقوله: ((وَلَا حرج)) أَي: وَلَا حرج إِن لم تحدثُوا. وَالرَّابِع: أَنه لما كَانَت أفعالهم قد يَقع فِيهَا مَا يتحرز من ذكره الْمُؤمن أَبَاحَ التحديث بذلك، كَقَوْلِه: {فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا} [الْمَائِدَة: 24] {وَاجعَل لنا إِلَهًا} [الْأَعْرَاف: 138] ((مُوسَى آدر)) . وَالْخَامِس: أَن يكون أَرَادَ ببني إِسْرَائِيل أَوْلَاد يَعْقُوب وَمَا فَعَلُوهُ بِيُوسُف. وَقَوله: ((من كذب عَليّ)) قد سبق فِي مُسْند عَليّ وَغَيره. 1479 - / 1799 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: ((لقنوا مَوْتَاكُم لَا إِلَه إِلَّا الله)) . الحديث: 1479 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 فِي تلقين الْمَيِّت هَذِه الْكَلِمَة سِتَّة أوجه: أَحدهَا: أَنَّهَا أول مَا يلْزمه النُّطْق بِهِ فِي بداية التَّكْلِيف فَأَرَادَ أَن تكون خَاتِمَة الْأَقْوَال. وَالثَّانِي: أَنه إِن كَانَ قَالَهَا فِي زمن السَّلامَة شاكا فِي صِحَّتهَا أَو غافلا عَن مضمونها، فَعِنْدَ الْمَوْت يحضر قلبه فينطق بهَا بِيَقِين. وَالثَّالِث: أَن الْأَعْمَال بطلت بِقُوَّة الْمَرَض، فَلم يبْق إِلَّا الْأَقْوَال، وَهِي أفضل الْأَقْوَال. وَالرَّابِع: أَن الْأَعْمَال بخواتيمها، وَهِي أشرف مَا ختم بِهِ. وَالْخَامِس: لِيُقِر الْمُؤمن فِي زمن الشدَّة بِمَا كَانَ مقرا بِهِ فِي زمن السَّلامَة والعافية، وَمثله ابتلاء مُنكر وَنَكِير. وَالسَّادِس: أَن هَذِه الْكَلِمَة كَانَت عَاصِمَة فِي الدُّنْيَا من عَذَابهَا، فَأمر بقولِهَا عِنْد اسْتِقْبَال الْآخِرَة لينجى من عَذَابهَا. وَيسْتَحب أَن تكون آخر كَلَام الْمَرِيض، فَإِن لقنها ثمَّ تكلم بعْدهَا أُعِيدَت عَلَيْهِ لتَكون آخر كَلَامه، وَإِن ثقل عَلَيْهِ النُّطْق فكررت عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَلم يطق النُّطْق لم تكَرر عَلَيْهِ، فَكَانَ اعْتِقَاده قَائِما مقَام النُّطْق. 1480 - / 1801 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: ((مثلي وَمثل الْأَنْبِيَاء كَمثل رجل بنى دَارا فأتمها إِلَّا لبنة)) قد تقدم بَيَانه فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. 1481 - / 1802 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: ((احتجت الْجنَّة وَالنَّار، فَقَالَت النَّار: فِي الجبارون والمتكبرون. وَقَالَت الْجنَّة: فِي ضِعَاف النَّاس ومساكينهم)) . المتكبر: الَّذِي يحتقر النَّاس ويعظم نَفسه. الحديث: 1480 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 والضعفاء جمع ضَعِيف: وَهُوَ الْقَلِيل الْحَظ من الدُّنْيَا. وَظَاهر هَذِه المحاجة الْمُخَاصمَة فِي الْفَضِيلَة: وَالْمعْنَى: أظهرتا حجج التَّفْضِيل، فَكل وَاحِدَة تَدعِي الْفضل على الْأُخْرَى. وَيحْتَمل مُرَاد النَّار بقولِهَا: ((فِي الجبارون والمتكبرون)) . وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الجبارين أَعلَى من الضُّعَفَاء. وَالثَّانِي: أَنِّي أنتقم لله عز وَجل من الجبارين الَّذين خالفوه، فحالتي عالية. وَيحْتَمل قَول الْجنَّة: ((فِي الضُّعَفَاء وَالْمَسَاكِين)) وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الضُّعَفَاء كَانُوا يَتَّقُونَ الله، فهم أفضل من المتجبرين. وَالثَّانِي: أَن الضُّعَفَاء مَوضِع الرَّحْمَة واللطف، وثواب الْمُنعم عَلَيْهِ بعد الْفقر والمسكنة أحسن من عِقَاب المتجبر. وَسَيَأْتِي هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة، وَمِنْه: (فَقَالَت الْجنَّة: فَمَالِي لَا يدخلني إِلَّا ضعفاء النَّاس وَسَقَطهمْ وغرتهم)) فَيحْتَمل قَوْلهَا هَذَا أَمريْن: أَحدهمَا: الْمَدْح لحالها، لِأَنَّهَا ذكرت قوما لَيْسَ فيهم خب وَلَا دغل، شغلتهم التَّقْوَى عَن ذَلِك. وَالثَّانِي: أَن تكون قَالَت هَذَا كالشكوى إِلَى الله عز وَجل، فَتكون كالمغلوب فِي المجادلة. 1482 - / 1803 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: أَصَابَت النَّاس مجاعَة فِي غَزْوَة تَبُوك، فَقَالُوا: لَو أَذِنت لنا فنحرنا نواضحنا؟ فَقَالَ: ((افعلوا)) فجَاء عمر فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن فعلت قل الظّهْر، وَلَكِن ادعهم بِفضل أَزْوَادهم ثمَّ ادْع الله لَهُم فِيهَا بِالْبركَةِ، فَذكر أَنهم ملأوا أوعيتهم. هَذَا الحَدِيث يدل على أَن إِنَّمَا أذن لَهُم بِرَأْيهِ لَا بِالْوَحْي، فَلَمَّا الحديث: 1482 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 أَشَارَ عمر بِمَا رَآهُ أصلح مَال إِلَيْهِ، وَفِي هَذَا فضل كثير لعمر. وَقد قَالَ قَائِل: مَا وَجه دُعَائِهِ بالزاد وَالْمَاء ثمَّ يَدْعُو بِالْبركَةِ فِيهِ، فَهَلا دَعَا ليخرج الله تَعَالَى لَهُم الزَّاد وَالْمَاء؟ فَالْجَوَاب: أَن مَا يَتَوَلَّاهُ الْخلق يَقع بالأسباب، فَلَا يخرج على يَد مَخْلُوق شَيْء لَا من شَيْء، كَمَا قَالَ عِيسَى: {أخلق لكم من الطين كَهَيئَةِ الطير} [آل عمرَان: 49] فَأَما ابتداع الْأَشْيَاء لَا من شَيْء فَذَاك مِمَّا انْفَرد الْحق عز وَجل بِهِ. فَإِن قيل: فقد ركض الأَرْض فنبع المَاء. قُلْنَا: فالأرض مَحل المَاء. 1483 - / 1804 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: ((الصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ)) . الصَّوْم فِي اللُّغَة: الْإِمْسَاك فِي الْجُمْلَة، يُقَال: صَامت الرّيح: إِذا أَمْسَكت عَن الهبوب. وَالصَّوْم فِي الشَّرِيعَة: الْإِمْسَاك عَن الطَّعَام وَالشرَاب وَالْجِمَاع مَعَ انضمام النِّيَّة إِلَيْهِ. وَلقَائِل أَن يَقُول: مَا معنى: إِضَافَة الصَّوْم إِلَيْهِ بقوله: ((الصَّوْم لي)) وَجَمِيع الْعِبَادَات لَهُ؟ فَالْجَوَاب عَنهُ من خَمْسَة أوجه: أَحدهَا: أَنه إِضَافَة تشريف كَقَوْلِه تَعَالَى: {وطهر بَيْتِي} [الْحَج: 26] وَقَوله: {نَاقَة الله} [الْأَعْرَاف: 73] . وَالثَّانِي: أَنه أَضَافَهُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ أحب الْعِبَادَات إِلَيْهِ، يدل عَلَيْهِ أَن فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: ((كل عمل ابْن آدم لَهُ إِلَّا الصَّوْم فَإِنَّهُ لي)) وَكَانَ الْمَعْنى هُوَ الْمُقدم عِنْدِي على غَيره. وَالثَّالِث: لمضاعفته جزاءه، فَالْمَعْنى: أَن جَمِيع الْأَعْمَال لَهَا جَزَاء مَعْلُوم إِلَّا الصَّوْم فَإِنِّي الحديث: 1483 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 أضاعف جزاءه إِلَى مَا لَا يُعلمهُ غَيْرِي، وَيشْهد لَهُ قَوْله: ((وَأَنا أجزي بِهِ)) وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: ((كل عمل ابْن آدم يُضَاعف الْحَسَنَة عشر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضعف، قَالَ الله تَعَالَى: إِلَّا الصَّوْم فَإِنَّهُ لي، وَأَنا أجزي بِهِ)) وَالرَّابِع: أَن جَمِيع الْعِبَادَات تظهر، وَقل أَن يسلم الظَّاهِر من شوب، وَلِهَذَا قَالَ: ((كل عمل ابْن آدم لَهُ)) وَالْمعْنَى: لنَفسِهِ فِيهِ حَظّ لظُهُوره، وَالنَّاس يثنون عَلَيْهِ بِعِبَادَتِهِ الظَّاهِرَة، وَالصَّوْم بَاطِن فَهُوَ سليم. وَالْخَامِس: أَن الْمَعْنى أَن الإستغناء عَن الْمطعم وَالْمشْرَب صِفَتي، فَكَأَن الصَّائِم تقرب إِلَى الله عز وَجل بِمَا يشبه صفته وَلَا شبه. وَقَوله: ((إِذا أفطر فَرح)) هَذَا فَرح الطَّبْع، فَأَما الْعقل فَإِنَّهُ يفرح بِتمَام صَوْمه وسلامته من الْآفَات. وَأما الخلوف فَهُوَ تغير ريح الْفَم، يُقَال: خلف فَمه يخلف خلوفا. وَكثير من أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: ولخلوف بِفَتْح الْخَاء؛ وَهُوَ غلط؛ لِأَن الخلوف هُوَ الَّذِي بعد وتخلف، قَالَ النمر بن تولب: (جزى الله عني جَمْرَة ابْنة نَوْفَل ... جَزَاء خلوف بالأمانة كَاذِب) وَذكر الْمسك تَشْبِيه لنا بِمَا نعقل، فَكَمَا أَن الْمسك طيب الرّيح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 عندنَا، فالخلوف عِنْد الله أطيب. وَاعْلَم أَن الله عز وَجل ينظر إِلَى قصد الْفَاعِل، فَإِذا كَانَ صَحِيحا أحب مَا يحدث مِنْهُ وَإِن كَانَ مَكْرُوها عِنْد الْخلق كالخلوف فِي الصَّوْم، وَالنَّوْم فِي التَّهَجُّد، وَالدَّم فِي حق الشَّهِيد. 1484 - / 1805 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: أُصِيب رجل فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ثمار ابتاعها، فَكثر دينه، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((تصدقوا عَلَيْهِ)) فَلم يبلغ ذَلِك وَفَاء دينه، فَقَالَ لغرمائه: ((خُذُوا مَا وجدْتُم، فَلَيْسَ لكم إِلَّا ذَلِك)) . رُبمَا توهم متوهم أَن معنى قَوْله: ((لَيْسَ لكم إِلَّا ذَلِك)) أَن مَا وجدوه وَإِن لم يَفِ بِأَمْوَالِهِمْ هُوَ قدر مَا يجب لَهُم، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا الْمَعْنى: لَيْسَ لكم الْآن إِلَّا مَا وجدْتُم وَيبقى من الدُّيُون فِي ذمَّته إِلَى حِين يسَاره. وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد فِي الْمُفلس إِذا بَقِي عَلَيْهِ دين وَكَانَ ذَا صناعَة، هَل يجْبرهُ الْحَاكِم على إِيجَار نَفسه؟ فَروِيَ عَنهُ: يجْبرهُ، وَرُوِيَ: لَا يجْبرهُ، كَقَوْل الْأَكْثَرين. 1485 - / 1806 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: ذكر قِرَاءَة أسيد بن حضير، ونزول الْمَلَائِكَة إِلَيْهِ وَقد سبق فِي مُسْند أسيد. والمربد: الْموضع الَّذِي يجمع فِيهِ تمر النّخل عِنْد الجداد. الحديث: 1484 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 والمربد أَيْضا: موقف الْإِبِل، وَقد سبق هَذَا. 1486 - / 1807 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: قد سبق فِي مُسْند ابْن عمر وَغَيره. 1487 - / 1808 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: ذكر آخر من يدْخل الْجنَّة. وَفِيه: ((فَأَكُون تَحت نجاف الْجنَّة)) والنجاف: أَعلَى الْبَاب. وأصل النجف الإرتفاع، والنجف شبه التل، وَجمع النجف نجاف. وَقد سبق الحَدِيث فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 1488 - / 1809 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: لقد كَانَت صَلَاة الظّهْر تُقَام فَيذْهب الذَّاهِب إِلَى البقيع فَيَقْضِي حَاجته ثمَّ يتَوَضَّأ ثمَّ يَأْتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرَّكْعَة الأولى، مِمَّا يطولها. الْحَاجة هَا هُنَا: الْغَائِط وَالْبَوْل. وَهَذَا يدل على اسْتِحْبَاب تَطْوِيل الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَة الأولى من كل صَلَاة. وَقد ذكرنَا الْخلاف فِي هَذَا فِي مُسْند أبي قَتَادَة. 1489 - / 1810 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع قَالَ: ((اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد ملْء السَّمَوَات الحديث: 1486 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 وَالْأَرْض)) . قد ذكرنَا فِيمَا تقدم أَن قَوْله: ((ملْء السَّمَاء)) يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون ذكر مَا نحس بِهِ للتقريب إِلَى الْفَهم، فَالْمَعْنى: لَك الْحَمد حمدا كثيرا. وَالثَّانِي: أَن تكون الْإِشَارَة إِلَى الصُّحُف الَّتِي تكْتب فِيهَا المحامد. وَالثنَاء: الْمَدْح وَالْمجد والشرف. وَقَوله: ((وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد)) قد فسرناه فِي مُسْند الْبَراء ابْن عَازِب. 1490 - / 1811 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: أتيت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ وَهُوَ مكثور عَلَيْهِ. أَي قد كثر النَّاس عَلَيْهِ، فَعدى الْكَثْرَة وَهِي لَازِمَة، كَمَا يُقَال: مَرْغُوب فِيهِ. وَقَوله: فَلم يعب الصَّائِم على الْمُفطر. وَقد سبق فِي مُسْند أبي الدَّرْدَاء بَيَانه، وَذكرنَا جَوَاز الصَّوْم وَالْفطر فِي السّفر، وَاخْتِلَاف النَّاس فِي الْأَفْضَل. 1491 - / 1812 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: كُنَّا نحزر قيام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الظّهْر. الحزر: تَقْدِير بِظَنّ. الحديث: 1490 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 1492 - / 1813 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: ((إِذا أَتَى أحدكُم أَهله ثمَّ أَرَادَ أَن يعود فَليَتَوَضَّأ)) . اعْلَم أَن الْوضُوء يجمع بَين تَخْفيف الْحَدث والنظافة، وَقد علم أَن الْإِنْسَان لَا يتَوَضَّأ بعد الْوَطْء حَتَّى يغسل ذكره، وَذَلِكَ يُقَوي الْعُضْو، ثمَّ إِن الْبدن يسكن من الإنزعاج بِتِلْكَ السَّاعَة فَيَعُود مستريحا. وَلَا يُمكن أَن يحمل قَوْله: ((فَليَتَوَضَّأ)) على غسل الذّكر فَحسب، لِأَن فِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث ((وضوءه للصَّلَاة)) . 1493 - / 1814 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: نهى عَن الدُّبَّاء والحنتم والنقير والمزفت. وَقد سبق فِي مُسْند ابْن عَبَّاس، وَبينا أَنه إِنَّمَا نهى عَن هَذِه الْأَشْيَاء لِأَنَّهَا تزيد المنبوذ فِيهَا شدَّة. 1494 - / 1815 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين: نَهَانَا أَن نخلط بسرا بتمرا، أَو زبيبا بِتَمْر. قد بَينا فِيمَا سبق أَن الْإِشَارَة بِهَذَا إِلَى الإنتباذ، وَأَنه إِذا اجْتمع نَوْعَانِ تعاونا على إِحْدَاث الشدَّة، فكره ذَلِك لِأَنَّهُ يقرب إِلَى الْمحرم، فَإِن حدثت شدَّة حرم. 1495 - / 1816 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: ((إِذا تثاءب أحدكُم فليمسك بِيَدِهِ على فَمه)) وَفِي لفظ ((فليكظم)) . الحديث: 1492 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 وأصل الكظم إمْسَاك على مَا فِي النَّفس، فَكَأَنَّهُ أَمر برده مهما أمكن، لِأَنَّهُ يُوجب فتح الْفَم خَارِجا عَن الْعَادة، وَرُبمَا ظهر مَعَه صَوت مستنكر، كَقَوْل المتثائب: هاه، هاه. 1496 - / 1817 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: ((إِنِّي حرمت مَا بَين لابتي الْمَدِينَة)) . وَكَانَ أَبُو سعيد يَأْخُذ أَحَدنَا فِي يَده الطَّائِر فيفكه من يَده ثمَّ يُرْسِلهُ. هَذَا يدل على أَن صيد الْمَدِينَة محرم. وَقد سبق ذكر الْخلاف فِي هَذَا فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، وَبينا معنى اللابة. 1497 - / 1818 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: ((لَا ينظر الرجل إِلَى عَورَة الرجل - وَفِي لفظ - عرية)) . الْعَوْرَة: كل شَيْء يستحيى مِنْهُ. وَهِي الْعرية أَيْضا. وحد عَورَة الرجل وَالْأمة من السُّرَّة إِلَى الرّكْبَة. وَعَن أَحْمد: أَنَّهَا الْقبل والدبر، وَبِه قَالَ دَاوُد، وركبة الرجل لَيست عَورَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ عَورَة، وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين. وعورة الْحرَّة جَمِيع بدنهَا إِلَّا الْوَجْه، وَفِي الْكَفَّيْنِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ قدمهَا وَلَا يَدهَا عَورَة. وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد فِي عَورَة أم الْوَلَد وَالْمُعتق بَعْضهَا، فَروِيَ عَنهُ أَن عورتهما كعورة الْحرَّة، وَرُوِيَ عَنهُ كعورة الْأمة. وَاعْلَم الحديث: 1496 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 أَن عَورَة الْمَرْأَة فِي حق الْمَرْأَة كعورة الرجل فِي حق الرجل. وَأما الْعَوْرَة بِالسِّنِّ فَقَالَ شَيخنَا عَليّ بن عبد الله: كل من لم يبلغ سبع سِنِين لم يثبت فِي حَقه حكم الْعَوْرَة، فعلى هَذَا يجوز أَن يغسل الرجل الصبية وَالْمَرْأَة الصَّبِي إِذا لم يبلغَا سبع سِنِين، ويؤكد هَذَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل ربيبة الْحسن. وَإِنَّمَا فعل هَذَا لارْتِفَاع حُرْمَة الْعَوْرَة فِي حق الصَّغِير. فَإِذا بلغ الصَّبِي سبعا دخل فِي حد التَّمْيِيز وَأدْخلهُ الشَّرْع فِي حيّز المتعبدين بقوله: ((مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لسبع)) . وَأما إفضاء الرجل إِلَى الرجل فِي الثَّوْب الْوَاحِد فَذَاك يُوجب التقاء البشرتين، فَإِن كَانَت الْبشرَة عَورَة فَذَاك حرَام، وَإِن لم تكن عَورَة خيف من ذَلِك أَن يكون طَرِيقا إِلَى الإستمتاع، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة مَعَ الْمَرْأَة. 1498 - / 1819 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: أول من بَدَأَ بِالْخطْبَةِ يَوْم الْعِيد قبل الصَّلَاة مَرْوَان. قد بَينا السَّبَب فِي تَقْدِيم الصَّلَاة على الْخطْبَة فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَإِنَّمَا خَافَ مَرْوَان إِن قدم الصَّلَاة أَلا يسمعوا خطبَته، فَقدم الْخطْبَة، فَقَالَ لَهُ رجل: الصَّلَاة أَولا فَقَالَ: قد ترك مَا هُنَالك. الحديث: 1498 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 يَعْنِي: تركت السّنة، فَقَالَ أَبُو سعيد: هَذَا قد قضى مَا عَلَيْهِ، يَعْنِي: فرض الْإِنْكَار. وحد الإستطاعة فِي الْإِنْكَار أَلا يخَاف الْمُنكر سَوْطًا وَلَا عَصا، فَحِينَئِذٍ يجب عَلَيْهِ التَّغْيِير بِالْيَدِ، فَإِن خَافَ السَّوْط فِي تَغْيِيره بِالْيَدِ وَلم يخفه فِي النُّطْق انْتقل الْوُجُوب إِلَى الْإِنْكَار بِاللِّسَانِ. فَإِن خَافَ انْتقل إِلَى الْإِنْكَار بِالْقَلْبِ. وَالْإِنْكَار بِالْقَلْبِ هُوَ كَرَاهِيَة ذَلِك الْفِعْل، وَتلك فَرِيضَة لَازِمَة على كل حَال. فَإِن قيل: فَمَا وَجه ضعف الْإِيمَان هَا هُنَا وَمَا تعدى الْمُنكر بِالْقَلْبِ الشَّرْع؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الْإِيمَان إِذا قوي فِي الْبَاطِن حرك الْأَعْضَاء بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ، فَإِذا ضعف اقْتصر على العقيدة وَالْبَاطِن. وَالثَّانِي: أَن الإقتصار على الْإِنْكَار بِالْقَلْبِ رخصَة، وَالْإِنْكَار بِالْيَدِ عَزِيمَة، وَالْإِيمَان مُشْتَمل على الْعَزِيمَة والرخصة، والرخص أَضْعَف الْأَمريْنِ فِيهِ. 1499 - / 1820 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: ((إِن من شَرّ النَّاس عِنْد الله منزلَة يَوْم الْقِيَامَة الرجل يُفْضِي إِلَى الْمَرْأَة وتفضي إِلَيْهِ ثمَّ ينشر سرها)) . الْإِفْضَاء: الْمُبَاشرَة. وَالْمرَاد بالسر هَا هُنَا مَا يكون من عُيُوب الْبدن الْبَاطِنَة، وَذَاكَ كالأمانة فَلَزِمَ كِتْمَانه. الحديث: 1499 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 1500 - / 1821 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْعِشْرين: ((إِن لهَذِهِ الْبيُوت عوامر، فَإِذا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئا فحرجوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا، فَإِن ذهبت وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَافِر)) . المُرَاد بالعوامر الْجِنّ. يُقَال للجن: عوامر الْبَيْت وعمار الْبَيْت. وَالْمرَاد أَنَّهُنَّ يطول لبثهن فِي الْبيُوت، وَهُوَ مَأْخُوذ من الْعُمر: وَهُوَ طول الْبَقَاء. وَقَوله: ((فحرجوا عَلَيْهَا)) أَي قُولُوا: أَنْت فِي حرج - أَي فِي ضيق - إِن عدت إِلَيْنَا، فَلَا تلومينا أَن نضيق عَلَيْك بالطرد والتتبع. وَقد شرحنا الحَدِيث فِي مُسْند أبي لبَابَة، وَذكرنَا الإستئذان هُنَاكَ. 1501 - / 1822 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين: بَيْنَمَا نَحن نسير مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالعرج إِذْ عرض شَاعِر ينشد، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((خُذُوا الشَّيْطَان)) . العرج: اسْم مَوضِع. وَقَوله: ((لِأَن يمتلئ جَوف أحدكُم قَيْحا)) قد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند سعد ابْن أبي وَقاص، وَبينا الممدوح والمذموم من الشّعْر. وَهَذَا الحَدِيث يُوهم أَن من أنْشد الشّعْر فَهُوَ شَيْطَان، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ فقد تمثل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالشعر، وسَمعه من جمَاعَة، وتمثل بِهِ الصَّحَابَة الحديث: 1500 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 وَمن بعدهمْ على مَا بَينا فِي كتَابنَا الْمُسَمّى ((الْإِشْعَار بِأَحْكَام الْأَشْعَار)) وَهَذَا الحَدِيث قَضِيَّة فِي عين، فَيحْتَمل أَن ذَاك المنشد كَانَ يطرب أَو يَقُول مَا لَا يجوز، أَو يُرِيد أَن يُقَاوم الْمُسلمين أهل الْقُرْآن بإنشاده. 1502 - / 1823 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: ذكر وَفد عبد الْقَيْس. وَقد سبق فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْغَرِيب: تقذفون فِيهِ من القطياء. فَقَالَ رجل: فَفِيمَ نشرب؟ قَالَ: ((فِي أسقية الْأدم الَّتِي يلاث على أفواهها)) وَفِي لفظ: ((عَلَيْكُم بالموكى)) فَقَالُوا: إِن أَرْضنَا كَثِيرَة الجرذان. القطياء: ضرب من التَّمْر. وَقَوله: ((تلاث على أفواهها)) أَي توكى وتشد. والموكى: المشدود. وأصل اللوث الطي والربط، يُقَال: لثت الْعِمَامَة ألوثها لوثا. والجرذان جمع جرذ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. 1503 - / 1825 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ: ((أحقهم بِالْإِمَامَةِ أقرؤهم)) . هَذَا يدل على مَذْهَبنَا. وَقد سبق بَيَان هَذَا فِي مُسْند أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ. الحديث: 1502 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 1504 - / 1828 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: ((يَا أَيهَا النَّاس، إِن الله يعرض بِالْخمرِ، وَلَعَلَّ الله سينزل فِيهَا أمرا، فَمن كَانَ عِنْده مِنْهَا شَيْء فليبعه ولينتفع بِهِ)) فَمَا لبثنا إِلَّا يَسِيرا حَتَّى قَالَ: ((إِن الله حرم الْخمر)) فَاسْتَقْبلُوا بِمَا كَانَ عِنْدهم طرق الْمَدِينَة فسفكوها. فِي هَذَا الحَدِيث بَيَان فَضِيلَة الفطنة، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لما رأى التَّعْرِيض بذمها اسْتدلَّ على قرب التَّصْرِيح. وَفِيه الْحَث على حفظ الْأَمْوَال وبدارها قبل التّلف. والسفك: الصب والإراقة، إِلَّا أَنه فِي الْأَغْلَب يسْتَعْمل فِي الدَّم. 1505 - / 1829 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ: ذكر مَاعِز. وَقد سبق فِي مُسْند جَابر بن سَمُرَة، وَبُرَيْدَة. وَفِي هَذَا الحَدِيث: فَاشْتَدَّ واشتددنا خَلفه. يَعْنِي: عدا، حَتَّى أَتَى عرض الْحرَّة: أَي جَانبهَا. فانتصب لنا: أَي وقف. فرميناه بجلاميد الْحرَّة: أَي بحجارتها، حَتَّى سكت: أَي مَاتَ. 1506 - / 1830 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ: بَينا نَحن مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر، جَاءَ رجل فَجعل يصرف بَصَره يَمِينا وَشمَالًا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((من كَانَ مَعَه فضل ظهر فليعد بِهِ على من لَا ظهر لَهُ، وَمن كَانَ مَعَه فضل زَاد فليعد بِهِ على من لَا زَاد لَهُ)) فَذكر الحديث: 1504 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 من أَصْنَاف المَال حَتَّى رَأينَا أَنه لَا حق لأحد منا فِي فضل. فِي هَذَا الحَدِيث مدح الفطنة، لِأَنَّهُ لما رأى الرجل ينظر يَمِينا وَشمَالًا علم أَنه مُحْتَاج. وَالظّهْر: مَا يركب. ورأينا: ظننا. وَإِنَّمَا ظنُّوا لأَنهم رجحوا الْوُجُوب من أمره على النّدب. 1507 - / 1831 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: ((لكل غادر لِوَاء)) . وَقد سبق فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. وَفِي تَمام هَذَا الحَدِيث: ((وَلَا غادر أعظم غدرا من أَمِير عَامَّة)) أَي من الْغدر بالأمير، وَقد بَينا هَذَا فِي مُسْند ابْن عمر. 1508 - / 1832 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ: ((إِذا بُويِعَ لخليفتين فَاقْتُلُوا الآخر مِنْهُمَا)) . إِذا اسْتَقر أَمر الْخَلِيفَة وانعقد الْإِجْمَاع عَلَيْهِ فبويع لآخر بِنَوْع تَأْوِيل كَانَ بَاغِيا، وَكَانَ أنصاره بغاة يُقَاتلُون قتال الْبُغَاة. وَقَوله: ((فَاقْتُلُوا الآخر مِنْهُمَا)) لَيْسَ المُرَاد بِهِ أَن يقدم فَيقْتل، وَإِنَّمَا المُرَاد قَاتلُوهُ، فَإِن آل الْأَمر إِلَى قَتله جَازَ. الحديث: 1507 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 1509 - / 1833 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ: أَن أَعْرَابِيًا أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي فِي غَائِط مضبة. الْغَائِط: المطمئن من الأَرْض. المضبة بِفَتْح الْمِيم: وَهِي الْكَثِيرَة الضباب، كَمَا يُقَال: أَرض مسبعَة. وَقَوله: ((إِن الله غضب على سبط بني إِسْرَائِيل)) قَالَ: الزّجاج: السبط فِي اللُّغَة: الْجَمَاعَة الَّذين يرجعُونَ إِلَى أَب وَاحِد. والسبط فِي اللُّغَة: الشّجر، فالسبط الَّذين هم من شَجَرَة وَاحِدَة. وَقَالَ غَيره: الأسباط من ولد إِسْحَاق بِمَنْزِلَة الْقَبَائِل من ولد إِسْمَاعِيل. وَإِسْرَائِيل اسْم أعجمي. قَالَ ابْن عَبَّاس: مَعْنَاهُ: عبد الله. وقرأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور قَالَ: فِي إِسْرَائِيل لُغَات، قَالُوا: إسرال كَمَا قَالُوا ميكال، وَقَالَ إِسْرَائِيل، وَقَالُوا: إسرائين بالنُّون، قَالَ أُميَّة على إسرال: (إِنَّنِي زارد الْحَدِيد على النَّاس ... دروعا سوابغ الأذيال) (لَا أرى من يُعِيننِي فِي حَياتِي ... غير نَفسِي إِلَّا بني إسرال) وَقَالَ أَعْرَابِي صَاد صيدا فجَاء بِهِ إِلَى أَهله: (يَقُول أهل السُّوق لما جينا ... هَذَا - وَرب الْبَيْت - إسرائينا) الحديث: 1509 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 وَقد بَينا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس الْعلَّة فِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عاف لحم الضَّب، وَذكرنَا اعتراضا وجوابا فِي قَوْله: ((لَعَلَّه مِمَّا مسخ)) فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. 1510 - / 1834 - وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين: النَّهْي عَن أكل لُحُوم الْأَضَاحِي فَوق ثَلَاث. وَقد بَينا فِي مُسْند جَابر أَنه نهى لسَبَب ثمَّ أذن فِي ذَلِك بعد. 1511 - / 1837 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ: ((كَانَت امْرَأَة من بني إِسْرَائِيل قَصِيرَة تمشي بَين امْرَأتَيْنِ طويلتين، فاتخذت رجلَيْنِ من خشب وخاتما من ذهب مطبق ثمَّ حشته مسكا، والمسك أطيب الطّيب)) . المُرَاد بِالرجلَيْنِ النَّعْلَانِ، فَكَأَنَّهَا اتَّخذت نَعْلَيْنِ لَهما كَثَافَة فطالت بهما. والمطبق: الَّذِي دَاخله فارغ. والمسك طيب مَعْرُوف، وَمن مَنَافِعه أَنه يذهب الْحزن، ويفرح الْقلب ويقويه، وَيُقَوِّي الدِّمَاغ وَالْعين، وينشف رطوباتها، وينفع الْأَمْرَاض الْبَارِدَة السوداوية والبلغمية، وَيزِيد فِي القوى. 1512 - / 1839 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ: قَالَ: صَحِبت ابْن صياد إِلَى مَكَّة، فَقَالَ لي: مَا لقِيت من النَّاس، يَزْعمُونَ أَنِّي الحديث: 1510 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 الدَّجَّال، أَلَسْت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ((لَا يدْخل الْمَدِينَة وَلَا مَكَّة)) ؟ قلت: بلَى. قَالَ: فقد ولدت فِي الْمَدِينَة وَهَا أَنا أُرِيد مَكَّة. ثمَّ قَالَ: إِنِّي لأعْلم مولده ومكانه وَأَيْنَ هُوَ، قَالَ: فلبسني وأخذتني مِنْهُ ذمَامَة. وَفِي لفظ: قيل لِابْنِ صياد: أَيَسُرُّك أَنَّك ذَاك الرجل؟ قَالَ: فَقَالَ: لَو عرض عَليّ مَا كرهت. من الْجَائِز أَن يكون مُرَاد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَا يُولد لَهُ، فِي حَالَة خُرُوجه، وَلَا يدْخل حِينَئِذٍ الْمَدِينَة وَلَا مَكَّة. وَمن الْجَائِز أَن يكون ذَلِك على الْإِطْلَاق، فَلهَذَا قَالَ: فلبسني: أَي الْتبس عَليّ الْأَمر بِمَا قَالَ. والذمامة: الْحيَاء. وَقد شرحنا هَذِه الْكَلِمَة فِي مُسْند أبي ابْن كَعْب. وَقَوله: لَو عرض عَليّ مَا كرهت. دَلِيل على أَنه لَيْسَ بِصَحِيح الْإِيمَان، لِأَن الْمُؤمن لَا يرضى أَن يكون فِي مقَام الدَّجَّال. 1513 - / 1840 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ: قَالَ رَسُول الله لِابْنِ صائد: ((مَا تربة الْجنَّة؟)) قَالَ: درمكة بَيْضَاء مسك خَالص. قَالَ: ((صدقت)) . قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الدَّرْمَك: الحوارى، وَيُقَال لَهُ درمق أَيْضا. وَقد سبق فِي مُسْند سهل بن سعد: ((يحْشر النَّاس على أَرض بَيْضَاء كقرصة النقي)) . الحديث: 1513 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 1514 - / 1841 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: مَذْكُور فِي مُسْند جَابر. 1515 - / 1842 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ: أَن رجلا أَتَى أَبَا سعيد فَقَالَ: أردْت أَن أنقل عيالي إِلَى بعض الرِّيف، فَقَالَ: لَا تفعل؛ خرجنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّاس: إِن عيالنا لخلوف مَا نَأْمَن عَلَيْهِم، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((إِنِّي حرمت الْمَدِينَة مَا بَين مأزميها)) . الرِّيف: الخصب. والخلوف: الْغَيْب. وَقَوله: ((مَا بَين مأزميها)) أَي مَا بَين مضيقيها. وَفِي لفظ: ((لَا يصبر أحد على لأوائها)) اللأواء: الشدَّة. وَقد بَينا حد حرم الْمَدِينَة وتحريمه فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. 1516 - / 1844 - وَفِي الحَدِيث الْخمسين: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث جَيْشًا فَأَصَابُوا سَبَايَا، فَكَأَن نَاسا تحرجوا من غشيانهن من أجل أَزوَاجهنَّ من الْمُشْركين، فَأنْزل الله عز وَجل: {وَالْمُحصنَات من النِّسَاء إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم} [النِّسَاء: 24] . المُرَاد بالمحصنات هَا هُنَا ذَوَات الْأزْوَاج. إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم من السبايا فِي الحروب، فهن حل لكم إِذا انْقَضتْ عدتهن من الحديث: 1514 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 أَزوَاجهنَّ. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن الزَّوْجَيْنِ إِذا سبيا مَعًا وَقعت الْفرْقَة بَينهمَا كَمَا لَو سبي أَحدهمَا دون الآخر، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَيدل عَلَيْهِ أَنه أَمر أَلا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع، وَلَا حَائِل حَتَّى تحيض، وَلم يسْأَل عَن ذَات زوج وَلَا غَيرهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا سبيا جَمِيعًا فهما على نِكَاحهمَا. 1517 - / 1846 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْخمسين: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زجر عَن الشّرْب قَائِما. إِن قَالَ قَائِل: فقد سبق فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه شرب قَائِما، وَقَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل كَمَا فعلت، فَكيف الْجمع بَين الْحَدِيثين؟ فَالْجَوَاب: من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: ذكره الْأَثْرَم فَقَالَ: أَحَادِيث الرُّخْصَة أثبت، قَالَ: ونرى أَنه إِن كَانَت الْكَرَاهَة بِأَصْل ثَابت أَن الرُّخْصَة جَاءَت بعْدهَا، لأَنا وجدنَا الْعلمَاء من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الرُّخْصَة: عمر وَعلي وَسعد وعامر بن ربيعَة وَابْن عمر وَأَبُو هُرَيْرَة وَعبد الله بن الزبير وَعَائِشَة، ثمَّ أجَازه التابعون: سَالم بن عبد الله وَطَاوُس وَسَعِيد بن جُبَير وَالشعْبِيّ وَإِبْرَاهِيم وَغَيرهم، وَالْوَجْه الثَّانِي: ذكره ابْن قُتَيْبَة فَقَالَ: أَرَادَ بِالْقيامِ الَّذِي نهى عَن الشّرْب فِيهِ الإستعجال وَالسَّعْي، كَمَا تَقول الْعَرَب: قُم فِي حاجتنا، وَأَرَادَ بقوله: شرب قَائِما: غير ماش وَلَا ساع، بل بطمأنينة كالقاعد. وَالْوَجْه الثَّالِث: هُوَ الَّذِي أرَاهُ: أَن النَّهْي على وَجه الْكَرَاهَة، لعدم الحديث: 1517 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 تمكن الشَّارِب، وَلِأَنَّهُ يُؤْذِي من حَيْثُ الطِّبّ، فَإِن الْمعدة تكون فِي حَال الْقيام كالمتقلص. وَمَا رُوِيَ أَنه شرب قَائِما يدل على الْجَوَاز، وَقد كَانَ لعذر. ثمَّ إِنِّي رَأَيْت أَبَا سُلَيْمَان قد ذكر نَحْو مَا وَقع لي فَقَالَ: النَّهْي عَن الشّرْب قَائِما نهي تَأْدِيب لِأَنَّهُ أرْفق بالشارب، وَذَلِكَ الطَّعَام وَالشرَاب إِذا تناولهما الشَّارِب على حَال سُكُون وطمأنينة كَانَا أنجع فِي الْبدن وأمرأ فِي الْعُرُوق، وَإِذا تناولهما على حَال حَرَكَة اضطرابا فِي الْمعدة وتخضخضا، فَكَانَ فِيهِ الْفساد وَسُوء الهضم. وَمَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه شرب قَائِما فَهُوَ متأول على الضَّرُورَة الداعية، وَإِنَّمَا فعل ذَلِك بِمَكَّة، شرب من مَاء زَمْزَم قَائِما، وَمَعْلُوم أَن الْقعُود هُنَاكَ والطمأنينة كالمتعذر لإزدحام النَّاس عَلَيْهِ ينظرُونَ إِلَيْهِ ويتقدون بِهِ فِي نسكهم، فَرخص فِي هَذَا للْعُذْر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 (79) كشف الْمُشكل فِي مُسْند أبي حَمْزَة أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ وَجُمْلَة مَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألفا حَدِيث وَمِائَتَا حَدِيث وَسِتَّة وَثَمَانُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) ثَلَاثمِائَة حَدِيث وَثَمَانِية عشر حَدِيثا. وَفِي الصَّحَابَة آخر اسْمه أنس بن مَالك، ويكنى أَبَا أُميَّة الكعبي، وَلم يسند عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سوى حَدِيث وَاحِد، وَقيل: أسْند ثَلَاثَة، وَلم يخرج لَهُ فِي الصَّحِيح شَيْء. 1518 - / 1847 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: ((من سره أَن يبسط عَلَيْهِ رزقه أَو ينسأ فِي أَثَره فَليصل رَحمَه)) . النسأ: التَّأْخِير. وَالْمرَاد طول عمره. فَإِن قيل: أَلَيْسَ قد فرغ من الرزق وَالْأَجَل؟ فَالْجَوَاب من خَمْسَة أوجه: أَحدهَا: أَن يكون المُرَاد بِالزِّيَادَةِ فِي الْعُمر توسعة الرزق وَصِحَّة الحديث: 1518 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 الْبدن، فَإِن الْغنى يُسمى حَيَاة والفقر يُسمى موتا. وَالثَّانِي: أَن يكْتب أجل العَبْد مائَة سنة، وَيجْعَل تركيبه تعمير ثَمَانِينَ، فَإِذا وصل رَحمَه زَاده الله فِي تركيبه، فَعَاشَ عشْرين سنة أُخْرَى، قالهما ابْن قُتَيْبَة. وَالثَّالِث: أَن هَذَا التَّأْخِير فِي الْأَجَل مِمَّا قد فرغ مِنْهُ، لكنه علق الإنعام بِهِ بصلَة الرَّحِم، فَكَأَنَّهُ كتب أَن فلَانا يبْقى خمسين سنة فَإِن وصل رَحمَه بَقِي سِتِّينَ. وَالرَّابِع: أَن تكون هَذِه الزِّيَادَة فِي الْمَكْتُوب، والمكتوب غير الْمَعْلُوم، فَمَا علمه الله تَعَالَى من نِهَايَة الْعُمر لَا يتَغَيَّر، وَمَا كتبه قد يمحى وَيثبت، وَقد كَانَ عمر بن الْخطاب يَقُول: إِن كنت كتبتني شقيا فامحني. وَمَا قَالَ: إِن كنت علمتني، لِأَن مَا علم وُقُوعه لَا بُد أَن يَقع. وَيبقى على هَذَا الْجَواب إِشْكَال: وَهُوَ أَن يُقَال: إِذا كَانَ المحتوم وَاقعا، فَمَا الَّذِي أفادت زِيَادَة الْمَكْتُوب ونقصانه؟ فَالْجَوَاب: أَن الْمُعَامَلَات على الظَّاهِر، والمعلوم الْبَاطِن خَفِي لَا يعلق عَلَيْهِ حكم، فَيجوز أَن يكون الْمَكْتُوب يزِيد وَينْقص ويمحى وَيثبت ليبلغ ذَلِك على لِسَان الشَّرْع إِلَى الْآدَمِيّ، فَيعلم فَضِيلَة الْبر وَسُوء العقوق. وَيجوز أَن يكون هَذَا مِمَّا يتَعَلَّق بِالْمَلَائِكَةِ، فتؤمر بالإثبات الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 والمحو، وَالْعلم الحتم لَا يطلعون عَلَيْهِ. وَمن هَذَا إرْسَال الرُّسُل إِلَى من لَا يُؤمر. وَالْخَامِس: أَن زِيَادَة الْأَجَل تكون بِالْبركَةِ فِيهِ وتوفيق صَاحبه لفعل الْخَيْر وبلوغ الْأَغْرَاض، فينال فِي قصير الْعُمر مَا يَنَالهُ غَيره فِي طويله. 1519 - / 1848 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: ((اجْعَل بِالْمَدِينَةِ ضعْفي مَا جعلت بِمَكَّة من الْبركَة)) وَقد سبق هَذَا فِي مُسْند عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ. 1520 - / 1849 - والْحَدِيث الثَّالِث: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عمر. 1521 - / 1850 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: ((لَا تباغضوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تدابروا)) . قَالَ أَبُو عبيد: التدابر: المصارمة والهجران، مَأْخُوذ من أَن يولي الرجل صَاحبه دبره ويعرض عَنهُ بِوَجْهِهِ، وَهُوَ التقاطع. الحديث: 1519 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 فَإِن قَالَ قَائِل: التباغض والتحاسد أَمر يتَعَلَّق بِالْقَلْبِ، فَكيف يُؤمر الْإِنْسَان بإزالته؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه إِنَّمَا يُؤمر بترك مَا يَأْمر بِهِ التباغض والتحاسد من الْأَفْعَال القبيحة، والذم للمبغوض والمحسود، فَإِذا كف الْأَفْعَال والأقوال لم يضرّهُ مَا فِي بَاطِن قلبه، وَصَارَ هَذَا كمن يحب الْخمر وَالزِّنَا، فَإنَّا نأمره بهجر ذَلِك، وَلَا تضره شَهْوَة الْقلب. وَالثَّانِي: أَن يكون هَذَا تَنْبِيها على رفع مَا يُوجب التباغض والتحاسد، فَكَأَنَّهُ قيل لهَذَا الْمُؤمن: أَنْت وَهَذَا الشَّخْص قد اتفقتما فِي الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَالدّين، فأنتما أَخَوان، وَلَا وَجه للتباغض والتحاسد إِلَّا إِيثَار الدُّنْيَا، فتفكر تعلم أَن الدُّنْيَا الحقيرة لَا يجوز أَن تفْسد الدّين الْعَزِيز. وَقَوله: ((لَا يحل لمُسلم أَن يهجر أَخَاهُ)) قد سبق فِي مُسْند أبي أَيُّوب. 1522 - / 1851 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَكَّة عَام الْفَتْح، وعَلى رَأسه مغفر، فَلَمَّا نَزعه جَاءَهُ رجل فَقَالَ: ابْن خطل متلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة. فَقَالَ: ((اقْتُلُوهُ)) . هَذَا يدل على أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَكَّة غير محرم. وَهَذَا يدل على ترك الْإِحْرَام للخائف على نَفسه إِذا دخل مَكَّة. وَقد تكلمنا فِي هَذَا الْمَعْنى فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. الحديث: 1522 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 وَأما ابْن خطل فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه فِي وَجه من الْوُجُوه مَعَ رجل من الْأَنْصَار، فَأمر الْأنْصَارِيّ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق وثب على الْأنْصَارِيّ فَقتله وَذهب بِمَالِه، فَأمر بقتْله لما جنى. وَقد اخْتلف الْعلمَاء: هَل يعْصم الْحرم من الْقَتْل الْوَاجِب وَإِقَامَة الْحَد على الْجَانِي؟ على مَا ذكرنَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. فَإِن قُلْنَا: لَا يعْصم فَلَا إِشْكَال، وَإِن قُلْنَا: يعْصم، كَانَ قتل ابْن خطل خَاصّا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَقَوْلِه: ((وَإِنَّمَا أحلّت لي سَاعَة من نَهَار)) . 1523 - / 1852 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَارنَا فحلبنا لَهُ من شَاة دَاجِن. الدَّاجِن: الشَّاة المقيمة فِي الدَّار. والشوب: الْخَلْط والمزج. وَقد ذكرنَا أَن السّنة إِعْطَاء الْأَيْمن، فِي مُسْند سهل بن سعد. 1524 - / 1853 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: كَانَ أمهاتي يواظبنني على خدمته، وَنزل الْحجاب فِي مبتنى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِزَيْنَب. قَوْله: يواظبنني. الْمُوَاظبَة: الْمُلَازمَة، وَالْمعْنَى: يحثثنني على مُلَازمَة خدمته. الحديث: 1523 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 والمبتنى من بِنَاء الرجل على أَهله، وَكَانُوا إِذا أَرَادوا إِدْخَال الرجل على أَهله بنوا بنيانا يجْتَمع فِيهِ الرجل وَالْمَرْأَة، فَقيل: بنى فلَان على أَهله، ثمَّ سمي الدُّخُول بِنَاء وَإِن لم يكن بِنَاء. وَقد ذكرنَا أَن الْعَرُوس يَقع على الرجل كَمَا يَقع على الْمَرْأَة، فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَفِي كَونه عَلَيْهِ السَّلَام خرج ثمَّ عَاد ثمَّ خرج مَا يصف حسن أخلاقه وَشدَّة حيائه، إِذْ صَبر على مَا يُؤْذِيه وَلم يَأْمُرهُم بِالْخرُوجِ. وَقَوله: حَتَّى تَرَكُوهُ: أَي تركُوا فَاضل الطَّعَام لكثرته. وأصل الحيس الْخَلْط، وَكَانُوا يَأْخُذُونَ السّمن وَالتَّمْر والأقط فيطبخونه. والبرمة: الْقدر. والتور: قد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. وتصدعوا: تفَرقُوا. والحجرات جمع حجرَة، مثل ظلمَة وظلمات. قَالَ الْفراء: وَجه الْكَلَام ضم الْحَاء وَالْجِيم، وَبَعض الْعَرَب يفتح الْجِيم فَيَقُول: الحجرات والركبات، وَرُبمَا خففوها، وَالتَّخْفِيف فِي تَمِيم والتثقيل فِي أهل الْحجاز. وَأما قَول نِسَائِهِ: بَارك الله لَك. فَإِنَّهُ قَول صادر عَن قُوَّة إِيمَان، وَإِن كَانَت فِي قلوبهن الْغيرَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 وأسكفة الْبَاب: عتبته، وَهُوَ مَوضِع الدُّخُول وَالْخُرُوج. وَآيَة الْحجاب: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي إِلَّا أَن يُؤذن لكم} [الْأَحْزَاب: 53] . وَقَوله: جَاءَ زيد يشكو. قَالَ مقَاتل: قَالَ زيد: يَا رَسُول الله، إِن فِيهَا كبرا، فَهِيَ تعظم عَليّ وتؤذيني بلسانها، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((أمسك عَلَيْك زَوجك وَاتَّقِ الله)) . وَأما الَّذِي أخفاه فِي نَفسه فَاخْتَلَفُوا فِيهِ على أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: حبها؛ قَالَه ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: عهد عَهده الله إِلَيْهِ أَن زَيْنَب سَتَكُون لَهُ زَوْجَة، فَلَمَّا جَاءَ زيد يشكو قَالَ لَهُ: ((اتَّقِ الله وَأمْسك عَلَيْك زَوجك وَاتَّقِ الله)) وأخفى ذَلِك الْعَهْد فِي نَفسه، قَالَه عَليّ بن الْحُسَيْن. وَالثَّالِث: إيثاره طَلاقهَا، قَالَه قَتَادَة وَابْن جريج. قَالَ ابْن عقيل: الَّذِي كتمه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّمَنِّي لفراق زيد إِيَّاهَا وإخفاؤه فِي نَفسهَا استحسانها، وتمنيه أَن يَتَزَوَّجهَا لَيْسَ بِمَعْصِيَة. وَالرَّابِع: أَن الَّذِي أخفاه: إِن طَلقهَا زيد تزَوجهَا، قَالَه ابْن زيد. فَلَمَّا طَلقهَا زيد وَانْقَضَت عدتهَا بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زيدا يخطبها لَهُ، فَقَالَت: مَا أَنا بِصَانِعَةٍ شَيْئا حَتَّى أؤامر رَبِّي - يَعْنِي أستخيره، فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدهَا، وَنزل الْقُرْآن يَعْنِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا قضى زيد مِنْهَا وطرا زَوَّجْنَاكهَا} [الْأَحْزَاب: 37] وَجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدخل عَلَيْهَا بِغَيْر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 إِذن، فَلهَذَا كَانَت تَفْخَر على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتقول: زَوجنِي الله من فَوق سبع سموات. 1525 - / 1854 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: سقط النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن فرسه فجحش شقَّه الْأَيْمن، فصلينا وَرَاءه قعُودا. وَقد أجَاز أَحْمد بن حَنْبَل أَن يُصَلِّي النَّاس خلف إِمَام الْحَيّ قعُودا إِذا مرض مَرضا يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَقد تكلمنا على هَذَا فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. 1526 - / 1855 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: قَالَ عبد الله بن حذافة: من أبي؟ وَكَانَ إِذا لاحى يدعى إِلَى غير أَبِيه، فَقَالَ: ((أَبوك حذافة)) . الملاحاة: الْمُنَازعَة والمخاصمة. والإقتراف: الإكتساب، وَالْإِشَارَة إِلَى الزِّنَا. والخنين بِالْخَاءِ كالبكاء مَعَ مُشَاركَة فِي الصَّوْت من الْأنف. وَقد صحفه بَعضهم فقرأه بِالْحَاء. وَإِنَّمَا بَكت الصَّحَابَة لأَنهم لما أحفوه فِي الْمَسْأَلَة: أَي استقصوا عَلَيْهِ وألحوا وأسرفوا صعد الْمِنْبَر فَقَالَ: ((لَا تَسْأَلُونِي عَن شَيْء إِلَّا بيّنت لكم)) وَإِنَّمَا قَالَه غَضبا، فبكوا لغضبه. 1527 - / 1856 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: كَانَت الْأَنْصَار أهل الأَرْض وَالْعَقار، وَكَانَت أم أنس قد أَعْطَتْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عذاقا لَهَا، فَأَعْطَاهَا أم أَيمن، فَلَمَّا فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قتال أهل خَيْبَر رد الحديث: 1525 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الْأَنْصَار منائحهم الَّتِي كَانُوا منحوهم من ثمارهم، فَرد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أُمِّي عذاقها، وَأعْطى أم أَيمن مكانهن من حَائِطه. الْعقار: النّخل. والعذاق بِكَسْر الْعين جمع عذق بِفَتْحِهَا: وَهِي النّخل. والمنحة: الْعَطِيَّة. وَهِي تكون على وَجْهَيْن: تمْلِيك الأَصْل، أَو منفعَته مُدَّة. وَإِنَّمَا رد الْمُهَاجِرُونَ المنائح لأَنهم لم يملكوهم الْأُصُول. 1528 - / 1857 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: ((إِنَّكُم سَتَجِدُونَ بعدِي أَثَرَة شَدِيدَة فَاصْبِرُوا)) . الأثرة: الإستئثار بالشَّيْء. وَقَوله: ((إِن قُريْشًا حدثاء عهد بجاهلية ومصيبة)) لأَنهم أصيبوا يَوْم بدر وَيَوْم فتح مَكَّة. والشعب: طَرِيق بَين جبلين، وَهُوَ أضيق من الْوَادي، فَكَأَنَّهُ يَقُول: لَو سلك النَّاس طَرِيقا فِيهِ سَعَة وسلكت الْأَنْصَار طَرِيقا ضيقا لَسَلَكْت طَرِيق الْأَنْصَار. فَأَما الطُّلَقَاء فهم من أطلق وَمن عَلَيْهِ من مسلمة الْفَتْح. 1529 - / 1860 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الْعَصْر وَالشَّمْس مُرْتَفعَة حَيَّة. الحديث: 1528 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 حَيَاة الشَّمْس أَن يكون حرهَا غير فاتر، ولونها غير مصفر. والإرتقاب: الإنتظار. وَقد سبق معنى قَوْله: ((بَين قَرْني شَيْطَان)) فِي مُسْند ابْن عمر وَغَيره. 1530 - / 1861 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1531 - / 1862 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: أَنه رأى فِي يَد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاتمًا من ورق. الْوَرق: الْفضة. والوبيص: اللمعان والبريق. وراث: أَبْطَأَ. ونظرنا: بِمَعْنى انتظرنا، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَقُولُوا انظرنا} [الْبَقَرَة: 104] . وَشطر اللَّيْل: نصفه. وَقَوله: كَأَنِّي بوميض الْخَاتم أَو بصيصه. يُقَال: أومض: إِذا أَشَارَ إِشَارَة خُفْيَة، وَمِنْه وميض الْبَرْق. والبصيص كالوميض. الحديث: 1530 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 1532 - / 1863 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: كشف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السّتْر وَكَأن وَجهه ورقة مصحف. إِنَّمَا شبهه بِوَرَقَة الْمُصحف لذهاب اللَّحْم ورقة الْجلد وصفاء الْجِسْم من الدَّم. وَمعنى نكص: رَجَعَ. 1533 - / 1864 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: ((لَو أَن لِابْنِ آدم وَاديا من ذهب أحب أَن يكون لَهُ واديان)) . قَالَ أنس عَن أبي: كُنَّا نرى هَذَا من الْقُرْآن حَتَّى نزلت: {أَلْهَاكُم التكاثر} [التكاثر: 1] يَعْنِي: بَان بنزول هَذِه الْآيَة أَن مثل هَذَا الْمَعْنى فِي كَلَام الله عز وَجل. 1534 - / 1865 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: ذكر الْحَوْض، وَقد تقدم فِي مُسْند حَارِثَة بن وهب وَغَيره. 1535 - / 1868 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: سُئِلَ عَن الْكَبَائِر. المُرَاد بالكبائر: مَا يكبر أمره ويعظم عِنْد الله. وَإِنَّمَا ذكر مَا يَقع فِي الْعَرَب كثيرا من الشّرك وَقتل النَّفس، وَإِلَّا فالزنا عَظِيم وَمَا ذكره. وَرُبمَا ظن ظان أَن شَهَادَة الزُّور أعظم من الْقَتْل لِأَنَّهُ جعلهَا أكبر الْكَبَائِر، وَلَيْسَ كَذَلِك، إِلَّا أَن يُرِيد بِشَهَادَة الزُّور ادِّعَاء شريك مَعَ الله الحديث: 1532 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 سُبْحَانَهُ، فَإِن لم يرد ذَلِك فشهادة الزُّور فِي بَاب معاملات الْخلق واقتطاع أَمْوَالهم أكبر كَبِير. 1536 - / 1869 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: أَن رجلا اطلع من بعض حجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَامَ إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمشقص - أَو قَالَ: بمشاقص - وَكَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ يخْتل الرجل ليطعنه. المشقص: سهم عريض النصل، وَجمعه مشاقص. ويختله: بِمَعْنى يترقب الفرصة مِنْهُ. وَقد سبق حكم هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند سهل بن سعد. 1537 - / 1870 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: ((إِذا سلم عَلَيْكُم أهل الْكتاب فَقولُوا: وَعَلَيْكُم)) . وَقد رُوِيَ فِي الحَدِيث: أَن أهل الْكتاب كَانُوا يَقُولُونَ: السام عَلَيْكُم، يعنون بالسام الْمَوْت، فَلم يصلح أَن يُقَال لَهُم فِي جَوَاب هَذَا: وَعَلَيْكُم السَّلَام، وَلم يحسن فِي بَاب حسن الْخلق أَن يُقَال: وَعَلَيْكُم السام، لأَنهم كَانُوا يمجمجون الْكَلَام بِهِ فَلَا يبين لكل أحد، فَلَا يصلح أَن يُقَابل الممجمج بالمصرح، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَعَلَيْكُم، أَي مَا قُلْتُمْ. وَقد جَاءَ فِي حَدِيث: ((إِنَّه يُسْتَجَاب لنا فيهم وَلَا يُسْتَجَاب لَهُم فِينَا)) . الحديث: 1536 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 1538 - / 1871 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: كَانَ يتنفس فِي الْإِنَاء ثَلَاثًا. أما التنفس ثَلَاثًا فقد بَيناهُ فِي مُسْند أبي قَتَادَة. وَأما كَونه أروى فَإِنَّهُ إِذا جرعت جرعة ثمَّ صَبر عَلَيْهَا ثمَّ جرعت الْأُخْرَى كَانَ أروى للكبد من جعل الجرعتين وَاحِدَة، لِأَنَّهَا تشرب الْقَلِيل الأول بلطف لقوتها على هضمه من أجل قلته، ثمَّ تشرب الثَّانِي كَذَلِك. وَكَونه أَبْرَأ لهَذَا الْمَعْنى أَيْضا. وَقد جَاءَ فِي حَدِيث آخر: أَن العب يُورث الكباد. أَي وجع الكبد؛ وَذَلِكَ أَن المَاء إِذا تكاثر على الكبد آذاها. وَكَونه أمرأ، فالمريء: التَّام الإنهضام الْمَحْمُود الْعَاقِبَة. 1539 - / 1872 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: أنفجنا أرنبا بمر الظهْرَان. قَوْله: أنفجنا قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أَي ذعرناها فعدت، وَهَذَا كَمَا تَقول: أعرق الْفرس: أَي أعده، لِأَنَّهُ إِذا عدا عرق، فيكتفى بِذكر الْعرق من ذكر الْعَدو، وَكَذَلِكَ الأرنب إِذا اثيرت انتفجت، فَاكْتفى بِذكر الإنتفاج من ذكر الْعَدو. الحديث: 1538 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 وَمر الظهْرَان مَوضِع، والظاء مَفْتُوحَة. وَقَوله: فلغبوا من اللغوب: وَهُوَ التَّعَب والإعياء. 1540 - / 1873 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْعِشْرين: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تصبر الْبَهَائِم. أَي أَن تحبس للرمي، وَكَانُوا يحبسونها ويرمونها بِالنَّبلِ كَمَا بَينا فِي مُسْند ابْن عمر. 1541 - / 1874 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين: أَن يَهُودِيَّة أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَاة مَسْمُومَة فَأكل مِنْهَا. هَذَا كَانَ فِي غزَاة خَيْبَر. وَاسم هَذِه الْيَهُودِيَّة زَيْنَب بنت الْحَارِث امْرَأَة سَلام بن مشْكم، قَالَ مُحَمَّد بن سعد: الثبت عندنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَتلهَا. وَقَوله: مَا زلت أعرفهَا فِي لَهَوَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. اللهوات جمع لهاة: وَهِي اللحمة المتدلية من الحنك الْأَعْلَى، فَهِيَ حَمْرَاء مُتَعَلقَة. 1542 - / 1875 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: أَن يَهُودِيّا قتل جَارِيَة على أوضاح لَهَا. وَالْمعْنَى: قَتلهَا لأجل أوضاح، والأوضاح: الْحلِيّ من الْفضة، الحديث: 1540 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 وَاحِدهَا وضح. والحلي والحلي: مَا يتحلى بِهِ: أَي يتزين. والرمق: بَاقِي النَّفس. وَقَوله: ((أَقْتلك فلَان؟)) فَأَشَارَتْ: أَن لَا. الْمَعْنى أَنه كَانَ يذكر لَهَا وَاحِد بعد وَاحِد من المتهمين إِلَى أَن ذكر الْقَاتِل فَأَشَارَتْ: أَن نعم، وإشارتها لم توجب عَلَيْهِ الْقَتْل، وَإِنَّمَا قتل لِأَنَّهُ اعْترف، وَقد ذكر فِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث: فَأقر، وَإِنَّمَا يحذف ذَلِك بعض الروَاة اختصارا واعتمادا على فهم السَّامع، لِأَنَّهُ قد ثَبت فِي أصُول الشَّرِيعَة أَنه لَا يقتل أحد بِدَعْوَى أحد. والرضخ: كسر الشَّيْء ودقه. والرض. الدق أَيْضا. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على وجوب الْقصاص فِي الْقَتْل بالمثقل خلافًا لأبي حنيفَة فِي قَوْله: لَا يجب الْقصاص إِلَّا فِيمَا لَهُ حد. 1543 - / 1876 - وَفِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ: أَن أم أنس حِين ولدت انْطَلقُوا بِالصَّبِيِّ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحنكه. التحنيك قد سبق: وَهُوَ أَن يمضغ تَمرا وَغَيره فيدلك بِهِ حنك الصَّبِي. والحنك الْأَعْلَى: سقف أَعلَى الْفَم. والمربد قد سبق فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. فَأَما وسم الْبَهَائِم فَجَائِز، وَلَيْسَ ذَلِك من الْمثلَة والتعذيب للحيوان، وَإِنَّمَا جَازَ لموْضِع الْحَاجة إِلَى معرفَة مَال الرجل من مَال الحديث: 1543 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 غَيره، وَقد نهى عَن الوسم فِي الْوَجْه. والخميصة الْجَوْنِية: كسَاء أسود معلم، فَإِذا لم يكن معلما فَلَيْسَ بخميصة. وَقَوله: يهنأ بَعِيرًا لَهُ. يُقَال: هنأت الْبَعِير أهنؤه، وَهَذِه نَاقَة مهنأة بالهناء: وَهُوَ ضرب من القطران تداوى بِهِ الْإِبِل من الجرب. وَقَوْلها: قد هدأت نَفسه. وَهَذَا لِأَن النَّفس كَانَت قلقة شَدِيدَة الإنزعاج بِالْمرضِ فسكنت بِالْمَوْتِ، فَلذَلِك قَالَت: أَرْجُو أَن يكون قد استراح، وَهَذَا من المعاريض، وَإِنَّمَا يَسْتَعْمِلهُ أَرْبَاب الذكاء والفطنة عِنْد الْحَاجة إِلَيْهِ. وَهَذَا الْمَوْلُود سَمَّاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله، وجاءه أَوْلَاد. وَقَوله: فَرَأَيْت تِسْعَة أَوْلَاد كلهم قد قَرَأَ الْقُرْآن، يَعْنِي لهَذَا الْمَوْلُود. وَاسم أَوْلَاد عبد الله: الْقَاسِم وَعُمَيْر وَزيد وَإِسْمَاعِيل وَيَعْقُوب وَإِسْحَاق وَمُحَمّد وَعبد الله وَإِبْرَاهِيم وَعمر وَمعمر وَعمارَة، وَكَانَ من هَؤُلَاءِ تِسْعَة قد قرأوا الْقُرْآن، وَكَانَ لَهُ من الْبَنَات عَبدة وكلثم ورقية وَأم أبان. والطروق: إتْيَان الْمنَازل لَيْلًا. والمخاض: تمخض الْوَلَد فِي بطن أمه: أَي تحركه لِلْخُرُوجِ. والعجوة: نوع من التَّمْر. وَقَوله: فلاكها: أَي أدارها فِي فِيهِ بالمضغ. والتلمظ: إدارة اللِّسَان فِي ذوق مَا يُؤْكَل، كالإستطابة لَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 وفغرفاه: بِمَعْنى فَتحه. يُقَال: انفغر النُّور: إِذا تفتح. والمج: صب المَاء من الْفَم بِقُوَّة. 1544 - / 1878 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ: كنت أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَة وَأَبا طَلْحَة وَأبي بن كَعْب من فضيخ زهو وتمر. الفضيخ: الْبُسْر يفضخ: أَي يشدخ وَيتْرك فِي وعَاء حَتَّى ينش. والفضخ: الْكسر. والزهو: احمرار الْبُسْر واصفراره. والمهراس كالحوض. وَقَوله: أهرقها: أَي أرقها. والقلال جمع قلَّة: وَهِي الْآنِية الَّتِي كَانُوا يشربون فِيهَا. واكفأهها: اقلبها. وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على وجوب قبُول خبر الْوَاحِد إِذا كَانَ ثِقَة. وَفِيه دَلِيل أَن الْخمر لَا يجوز استصلاحها بالعلاج لتصير خلا، إِذْ لَو جَازَ لما أضاعوها. وَفِيه دَلِيل على أَن النَّبِيذ خمر، لأَنهم أراقوا مَا لَيْسَ بِمَاء الْعِنَب. 1545 - / 1879 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ: أَن جدته مليكَة دعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لطعام، قَالَ: فَقُمْت إِلَى حَصِير لنا قد اسود من طول مَا لبس - أَي اسْتعْمل. الحديث: 1544 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 والنضح: الرش. وَقد بَين هَذَا الحَدِيث جَوَاز صَلَاة التَّطَوُّع فِي جمَاعَة. وَبَين موقف الْمَرْأَة وَأَنه خلف الرِّجَال، فَإِن صلت إِلَى جنب الرجل فقد أساءت وصلاتها وَصَلَاة من يَليهَا صَحِيحَة وَهَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تبطل صَلَاة من عَن يَمِينهَا وَعَن يسارها وَمن يحاذيها وَمن خلفهَا. وَقَالَ دَاوُد: تبطل صلَاتهَا وَلَا تبطل صَلَاة الرجل. وَقد نبه الحَدِيث على أَن إِمَامَة الْمَرْأَة للرِّجَال لَا تجوز، لِأَنَّهُ لما لم يجز أَن تساويهم فِي الصَّفّ كَانَت من أَن تتقدمهم أبعد. وَفِيه دَلِيل على أَنه يَنْبَغِي أَن يتَقَدَّم فِي الصَّفّ الأول الْأَفْضَل فَالْأَفْضَل. 1546 - / 1880 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: التمس النَّاس الْوضُوء، فَأتي بقدح رحراح. الْوضُوء بِفَتْح الْوَاو: المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ. والرحراح: الْوَاسِع. والمخضب: شبه المركن، نَحْو الإجانة. والزوراء: مَكَان قد بَين فِي الحَدِيث. وَقَوله: يَنْبع من بَين أَصَابِعه. أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: يَنْبع الحديث: 1546 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 بِضَم الْبَاء، وَقَالَ لنا عبد الله بن أَحْمد النَّحْوِيّ: إِنَّمَا هُوَ يَنْبع بِفَتْح الْبَاء. والزهاء فِي الْعدَد مَمْدُود. يُقَال: قوم ذَوُو زهاء: أَي ذَوُو عدد وَكَثْرَة. وهم زهاء مائَة: أَي قدر مائَة. 1547 - / 1881 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ: عَمَدت أم سليم إِلَى مد من شعير جشته وَجعلت مِنْهُ خطيفة. الْمَدّ: ربع الصَّاع. والجش: الدق. والخطيفة: أَن يُؤْخَذ لبن ثمَّ يذر عَلَيْهِ الدَّقِيق يطْبخ فيلعقه النَّاس ويختطفونه بِسُرْعَة. قَالَ ابْن السّكيت: الخطيفة: الدَّقِيق يذر على اللَّبن يطْبخ فيلعقه النَّاس. والوغيرة: اللَّبن الْمَحْض وَحده يسخن حَتَّى ينضج، وَرُبمَا جعل فِيهِ السّمن. والبسيسة: سويق أَو دَقِيق يثرى بِزَيْت أَو سمن. والربيكة: تمر يعجن بِسمن أَو أقط. والفريقة: التَّمْر والحلبة تجْعَل للنفساء. والخزيرة: أَن ينصب الْقدر بِلَحْم يقطع قطعا صغَار على مَاء الحديث: 1547 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 كثير، فَإِذا نضج ذَر عَلَيْهِ الدَّقِيق، فَإِن لم يكن فِيهَا لحم فَهِيَ عصيدة. واللهيدة: الرخوة من العصائد، لَيست بحساء فتحسى، وَلَا غَلِيظَة فتلقم، وَهِي الحريرة. والوكيرة: طَعَام يصنع عِنْد بِنَاء الْبَيْت. والنقعية: طَعَام القادم من سفرة. وَطَعَام الْخِتَان الْإِعْذَار. وَطَعَام النُّفَسَاء: الخرس. وَالَّذِي يتَّخذ عِنْد بِنَاء الرجل على أَهله: الْوَلِيمَة. والمأدبة تجمع هَذَا كُله. والعكة: زق اللَّبن. وَقَوله: فأدمته: أَي جعلت لَهُ أدما. وَلَا تمد قَوْله فأدمته؛ فَإِن بعض قرأة الحَدِيث يمده وَهُوَ غلط، كَذَلِك قَالَ لنا عبد الله بن أَحْمد النَّحْوِيّ. وَقَوله: هيأها: أَي سوى مَوضِع الْأَصَابِع فِيهَا. والسؤر بِالْهَمْز: الْبَقِيَّة، يُقَال: أسأر فِي الْإِنَاء: أَي أبقى. 1548 - / 1882 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ: كَانَ أَبُو طَلْحَة أحب أَمْوَاله إِلَيْهِ بيرحاء. الَّذِي سمعناه من أشياخنا بيرحى بِفَتْح الْبَاء. وَقَالَهَا بعض الْحفاظ بِالْكَسْرِ. الحديث: 1548 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 ورابح بِالْبَاء أصح من رَايِح بِالْيَاءِ. وَقد دلّ الحَدِيث على أَن الصَّدَقَة على الْأَقَارِب أولى من الْأَجَانِب. وَقَوله: بني حديلة. أَكثر الْمُحدثين يَرْوُونَهُ بِالْجِيم، وَالصَّوَاب بِالْحَاء المضمومة. وَفِي هَذَا الحَدِيث إِبَاحَة اتِّخَاذ الْبَسَاتِين، وَإِبَاحَة دُخُول الْعلمَاء والفضلاء الْبَسَاتِين طلبا للتفرج وَالنَّظَر إِلَى مَا يسلي النَّفس وَيُوجب شكر الله عز وَجل. وَفِيه إِبَاحَة استعذاب المَاء وَاخْتِيَار الأجود مِنْهُ. 1549 - / 1883 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: كنت أَمْشِي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلِيهِ برد نجراني. النجراني مَنْسُوب إِلَى نَجْرَان: وَهِي بَلْدَة بِالْيمن. وجبذ بِمَعْنى جذب، وهما لُغَتَانِ. وَفِي هَذَا الحَدِيث بَيَان حلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصفحه، وَهُوَ يعلم الْعلمَاء الصفح عَن الْجُهَّال. 1550 - / 1887 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يدْخل على أحد من النِّسَاء إِلَّا على أَزوَاجه، إِلَّا أم سليم. أم سليم هِيَ أم أنس، وَكَانَت تقرب إِلَيْهِ من النّسَب. وَسَنذكر هَذَا فِي مُسْند أم حرَام. وَسمعت بعض الْحفاظ يَقُول: كَانَت أم سليم الحديث: 1549 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 أُخْت آمِنَة من الرضَاعَة. 1551 - / 1888 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ: أَصَابَت النَّاس سنة. السّنة: الجدب. والقزعة مَفْتُوحَة الزَّاي: الْقطعَة من السَّحَاب. وَقَوله: رَأَيْت السَّحَاب يتحادر على لحيته، يَعْنِي الْمَطَر. وَهَذَا يدل على أَن السّقف وكف عَلَيْهِ. وَقَوله: مثل الجوبة. يَعْنِي الْمَدِينَة انجاب السَّحَاب عَنْهَا: أَي انْقَطع وانكشف فَبَقيت كالجوبة: وَهِي الوهدة. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: الجوبة هَاهُنَا: الترس. والجود بِفَتْح الْجِيم: الْمَطَر الْكثير. وَقَوله: أمْطرت، يُقَال: مطرَت وأمطرت. وَقَوله: ((حوالينا)) فِيهِ إِضْمَار، تَقْدِيره: أمطر حوالينا، أَو اجْعَلْهُ حوالينا. والآكام جمع أكمة: وَهِي مَا ارْتَفع من الأَرْض كَالتَّلِّ، وَجمعه أكم، ثمَّ يجمع على الإكام والآكام. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: والظراب دون الْجبَال، وَاحِدهَا ظرب. الحديث: 1551 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 وتكشطت: أَي تكشفت. والإكليل: الَّذِي يوضع على الرَّأْس، سمي إكليلا لإحاطته بِالرَّأْسِ، وكل شَيْء دَار بِشَيْء من جَمِيع جوانبه فَهُوَ إكليل لَهُ. فَكَأَن الْمَطَر لما أحَاط بجوانب الْمَدِينَة كَانَ كالإكليل لَهَا. والكراع: اسْم وَاقع على جملَة الْخَيل. والملاء جمع ملاءة: وَهِي كالرداء. وَقد جَاءَ فِي بعض الْأَلْفَاظ الصِّحَاح مِمَّا لم يذكرهُ الْحميدِي: مَا زَالَت تمطر حَتَّى كَانَت الْجُمُعَة الْأُخْرَى، فَأتى الرجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله: بشق الْمُسَافِر. قَالَ البُخَارِيّ: بشق: اشْتَدَّ أَي اشْتَدَّ السّفر عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: بشق وبشك: إِذا أسْرع. وَقَالَ الْخطابِيّ: بشق لَيْسَ بِشَيْء، وَإِنَّمَا هُوَ لثق الْمُسَافِر، من اللثق وَهُوَ الْوَصْل، يُقَال: لثق الطَّرِيق، ولثق الثَّوْب: إِذا أَصَابَهُ ندى الْمَطَر ولطخ الطين. قَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون مشق بِالْمِيم، يُرِيد أَن الطَّرِيق صَارَت مزلة زلقا. وَمِنْه: مشق الْخط. أخبرنَا أَبُو مَنْصُور الْقَزاز قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر بن ثَابت قَالَ: أخبرنَا أَبُو عمر بن مهْدي قَالَ: أخبرنَا الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل الْمحَامِلِي قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ قَالَ: حَدثنَا أَيُّوب بن سُلَيْمَان قَالَ: حَدثنِي أَبُو بكر عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 سُلَيْمَان بن بِلَال قَالَ: قَالَ يحيى بن سعيد: سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول: أَتَى أَعْرَابِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، هَلَكت الْمَاشِيَة، هَلَكت النَّاس، فَرفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو الله، فَمَا خرجنَا من الْمَسْجِد حَتَّى مُطِرْنَا، فَمَا زلنا نمطر حَتَّى كَانَت الْجُمُعَة الْأُخْرَى، فَأتى الرجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله، لثق الْمُسَافِر، وَمنع الطَّرِيق. 1552 - / 1889 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ: جَاءَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أصبت حدا، فأقمه عَليّ. وَلم يسْأَله، قَالَ: وَحَضَرت الصَّلَاة، فصلى مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة قَامَ إِلَيْهِ الرجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أصبت حدا فأقم فِي كتاب الله. قَالَ: ((أَلَيْسَ قد صليت مَعنا؟)) قَالَ: نعم. قَالَ: ((فَإِن الله قد غفر لَك ذَنْبك، أَو حدك)) . وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَن لَا يكْشف عَن الْحُدُود، بل تدرأ. وَهَذَا الرجل لم يفصح بِأَمْر يلْزمه شَيْئا فِي الحكم، وَلَعَلَّه أصَاب صَغِيرَة فظنها حدا. 1553 - / 1890 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: فِي ذكر الْمَدِينَة ((لَيْسَ نقب من أنقابها إِلَّا عَلَيْهِ مَلَائِكَة)) . النقب: الطَّرِيق فِي الْجَبَل، وَجمعه نقاب. الحديث: 1552 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 وَقَوله: ((ثمَّ ترجف الْمَدِينَة)) أَي تضطرب. والرجفة حَرَكَة كالزلزلة. والرواق كالفسطاط، على عماد وَاحِد فِي وَسطه، وَالْجمع أروقة. ورواق الْبَيْت: مَا بَين يَدَيْهِ. 1554 - / 1891 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ: رأى أَعْرَابِيًا يَبُول فِي الْمَسْجِد فَقَالَ: ((دَعوه)) . إِنَّمَا قَالَ: ((دَعوه)) لِأَنَّهُ قد فَاتَ الْأَمر، فَلَا ينفع قطع بَوْله عَلَيْهِ، إِذْ النَّجَاسَة قد حصلت، وَقطع الْبَوْل يُؤْذِيه. وتزرموه: الزَّاي مُقَدّمَة على الرَّاء، وَالْمعْنَى: لَا تقطعوا عَلَيْهِ بَوْله. قَالَ أَبُو عبيد: الإزرام: الْقطع، وأزرمه غَيره: قطعه، وزرم الْبَوْل نَفسه: إِذا انْقَطع. والذنُوب: الدَّلْو الْعَظِيمَة. وَقَوله: فشنه عَلَيْهِ: أَي فرقه. وَلَو رُوِيَ بِالسِّين كَانَ لَهُ وَجه؛ لِأَن السن الصب فِي سهولة. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن النَّجَاسَة إِذا كَانَت على الأَرْض فغمرت بِالْمَاءِ استهلكت وطهر الْمَكَان. وَلَوْلَا أَنه يطهر لم يَأْمر بذلك، لِأَنَّهُ قد تكْثر النَّجَاسَة. وَقد علم هَذَا الحَدِيث كَيْفيَّة الْإِنْكَار على الْجُهَّال، وَتَعْلِيم من لَا يعلم، والرفق بهم. الحديث: 1554 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 1555 - / 1892 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ: صليت مَعَ رَسُول الله الظّهْر بِالْمَدِينَةِ أَرْبعا، وَصليت مَه الْعَصْر بِذِي الحليفة رَكْعَتَيْنِ. معنى هَذَا الحَدِيث أَنه صلى بِالْمَدِينَةِ مُقيما، فَلَمَّا خرج إِلَى السّفر قصر. 1556 - / 1893 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: ((خير دور الْأَنْصَار بَنو النجار)) . يَعْنِي بالدور الْقَبَائِل. 1557 - / 1894 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ: مَا صليت وَرَاء إِمَام قطّ أخف صَلَاة، وَلَا أتم صَلَاة من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِن كَانَ ليسمع بكاء الصَّبِي فيخفف مَخَافَة أَن تفتتن أمه. وَفِي هَذَا الحَدِيث تَعْلِيم الْأَئِمَّة الرِّفْق بالمأمومين. وَقد سبق ذكر هَذَا الْمَعْنى فِي مُسْند أبي مَسْعُود وَجَابِر بن عبد الله. 1558 - / 1895 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ: فِي ذكر الْمِعْرَاج. قَالَ أنس: جَاءَهُ ثَلَاثَة نفر قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، ثمَّ أَتَوْهُ لَيْلَة أُخْرَى فِيمَا يرى قلبه وتنام عَيناهُ، فَلم يكلموه الحديث: 1555 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 حَتَّى احتملوه فوضعوه عِنْد بِئْر زَمْزَم، فتولاه مِنْهُم جِبْرِيل، فشق مَا بَين نَحره إِلَى لبته. النَّحْر: أول الصَّدْر، وَهُوَ مَوضِع القلادة. وَقد ذكرنَا اللبة فِي مُسْند مَالك بن صعصعة، وَذكرنَا الطست فِي مُسْند أبي ذَر، وَذكرنَا هُنَالك معنى حَشْو صَدره إِيمَانًا وَحِكْمَة. وَأما اللغاديد فَهِيَ لحمات فِي اللهوات، وَاحِدهَا لغدود. وَقد ذكرنَا اللهوات فِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين من هَذَا الْمسند. وَقَوله: عنصرهما: أَي أَصلهمَا. وَقَول الرَّاوِي: فأوعيت مِنْهُم: أَي هَذَا الَّذِي جعلته فِي وعائي الَّذِي كتبته عَن أنس. يُقَال: وعيت الْعلم، وأوعيت الشَّيْء فِي الْوِعَاء. والأذفر: الْحَدِيد الرَّائِحَة. يُقَال: مسك أذفر: أَي حَدِيد الرَّائِحَة. والذفر: حِدة الرَّائِحَة الطّيبَة والخبيثة. قَوْله: فَدَنَا الْجَبَّار: أَي قرب. فَتَدَلَّى: أَي زَاد فِي الْقرب. وَقَوله: داورت: أَي درت مَعَهم متلطفا بهم. وَقَوله: راودت: أَي طلبت مِنْهُم مَا أريده. وَقَوله: ((ثمَّ استيقظت)) دَلِيل على أَنه كَانَ ذَلِك فِي الْمَنَام. وَلَا يَخْلُو هَذَا الحَدِيث من شَيْئَيْنِ: إِمَّا أَن يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد رأى فِي الْمَنَام مَا جرى لَهُ مثله فِي الْيَقَظَة بعد سِنِين؛ فَإِن الْمِعْرَاج كَانَ بعد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 اثْنَتَيْ عشرَة سنة من النُّبُوَّة. أَو أَن يكون فِي الحَدِيث تَخْلِيط من الروَاة. وَقد انزعج لهَذَا الحَدِيث أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ وَقَالَ: هَذَا الحَدِيث مَنَام، ثمَّ هُوَ حِكَايَة يحكيها أنس ويخبر بهَا من تِلْقَاء نَفسه، لم يعزها إِلَى رَسُول الله وَلم يروها عَنهُ، وَمَا ذكر فِيهِ من التدلي إِمَّا رَأْي أنس، وَإِمَّا من شريك بن عبد الله بن أبي نمر، فَإِنَّهُ كثير التفرد بمناكير الْأَلْفَاظ. قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن أنس من غير طَرِيق شريك؛ فَلم يذكر فِيهِ هَذِه الْأَلْفَاظ الشنيعة، فَكَانَ ذَلِك مِمَّا يُقَوي الظَّن أَنَّهَا صادرة من شريك. قَالَ: وَفِي هَذَا الحَدِيث لَفْظَة أُخْرَى تفرد بهَا شريك وَلم يذكرهَا غَيره، وَهِي قَوْله: فَقَالَ وَهُوَ مَكَانَهُ، وَالْمَكَان لَا يُضَاف إِلَى الله تَعَالَى، وَإِنَّمَا هُوَ مَكَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَكَذَلِكَ قَالَ القَاضِي أَبُو يعلى فِي ((الْمُعْتَمد)) : إِن الله لَا يُوصف بِالْمَكَانِ. وَقد قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم الأندلسي: فِي هَذَا الحَدِيث أَلْفَاظ مقحمة، والآفة فِيهَا من شريك، مِنْهَا قَوْله: قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ، فَإِن الْمِعْرَاج كَانَ بعد الْوَحْي بِنَحْوِ اثْنَتَيْ عشرَة سنة. وَمِنْهَا قَوْله: دنا الْجَبَّار. وَعَائِشَة تروي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الَّذِي دنا فَتَدَلَّى جِبْرِيل. قلت: وَمَتى قُلْنَا إِن هَكَذَا كَانَ مناما فَحكم الْمَنَام غير حكم الْيَقَظَة، فَلَا يُنكر مَا يذكر فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 وَقَوله: ((اخْتَرْت الْفطْرَة)) مَذْكُور فِي مُسْند مَالك بن صعصعة. وَقَوله فِي يُوسُف: ((قد أعطي شطر الْحسن)) . قَالَ ابْن قُتَيْبَة: معنى كَونه أعطي شطر الْحسن أَن الله تَعَالَى جعل لِلْحسنِ غَايَة وَاحِدًا، وَجعله لمن شَاءَ من خلقه، إِمَّا للْمَلَائكَة أَو للحور، فَجعل ليوسف نصف ذَلِك الْحسن، فَكَأَنَّهُ كَانَ حسنا مقاربا للوجوه الْحَسَنَة، وَلَيْسَ كَمَا يزْعم النَّاس من أَنه أعطي نصف الْحسن وَأعْطِي النَّاس كلهم نصف الْحسن. والفيلة: جمع فيل. والقلال: الجرار. 1559 - / 1896 - وَفِي الحَدِيث الْخمسين: ((فضل عَائِشَة)) وَقد سبق فِي مُسْند أبي مُوسَى. 1560 - / 1897 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْخمسين: ركبت دابتها فوقصت بهَا، فَسَقَطت عَنْهَا فَمَاتَتْ. معنى فوقصت بهَا: دقَّتْ عُنُقهَا. وَقد رَوَاهُ قوم: فرقصت بهَا، يُقَال: رقصت النَّاقة: إِذا خبت: وَهُوَ فَوق الْمَشْي. وَحجَّة من روى هَذَا قَوْله: فَسَقَطت عَنْهَا فَمَاتَتْ، فَدلَّ على أَن الرقص قبل السُّقُوط. الحديث: 1559 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 1561 - / 1899 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْخمسين: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربعَة من الْقَوْم. الربعة: بَين الطَّوِيل والقصير. وَقَوله: أَزْهَر اللَّوْن: أَي بَين اللَّوْن. وَفِي رِوَايَة: لَيْسَ بالأبيض الأمهق. والأمهق: الَّذِي يَحْكِي لَونه لون الجص. وَقيل: بل الَّذِي يضْرب بياضه إِلَى الزرقة. والآدم: الأسمر. والجعودة فِي الشّعْر: انثناؤه وانقباضه. والقطط: الَّذِي قد زَادَت جعودته. والسبط ضد الْجَعْد: وَهُوَ السهل المسترسل. وَالرجل مُفَسّر فِي مُسْند ابْن عمر. وَقَوله: فَلبث بِمَكَّة عشر سِنِين ينزل عَلَيْهِ. أما لبثه بِمَكَّة بعد النُّبُوَّة فَثَلَاث عشرَة سنة بِلَا خلاف. وَإِنَّمَا بَقِي مِنْهَا ثَلَاث سِنِين مستترا بأَمْره، ثمَّ حمي الْوَحْي بعد ذَلِك وتتابع، فَإلَى هَذَا يُشِير أنس. وَأما قَوْله: توفاه الله على رَأس سِتِّينَ. قد بَينا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس أَنه توفّي ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ، وَأَن من قَالَ سِتِّينَ قصد أعشار السِّتين، كَمَا يَقُول الرجل: سني أَرْبَعُونَ، وَرُبمَا يكون قد زَاد عَلَيْهَا، إِلَّا أَن الزِّيَادَة لم تبلغ عشرا. الحديث: 1561 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 وَأما قَول ربيعَة: رَأَيْت شعره أَحْمَر، فَقيل لي: احمر من الطّيب. فِي هَذَا القَوْل بعد؛ وَالظَّاهِر أَنه احمر من الخضاب؛ لِأَنَّهُ قد رُوِيَ عَنهُ أَنه كَانَ يخضب شيبته بِالْحِنَّاءِ على مَا سَيَأْتِي ذكره بعد أَحَادِيث. وَقَوله: كَانَ ضخم الرَّأْس: أَي كَبِير الرَّأْس. وَقَوله: سبط الْكَفَّيْنِ: أَي سهل الْكَفَّيْنِ. والشثن: الغليظ الْأَصَابِع، وَذَلِكَ أَشد للقبض، وأصبر عِنْد المراس. والشثونة تعيب النِّسَاء وَلَا تعيب الرِّجَال. والديباج قد تقدم ذكره فِي مُسْند حُذَيْفَة. وَالْعرْف: الطّيب. والعبير مُخْتَلف فِيهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ الزَّعْفَرَان وَحده. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العبير: أخلاط تجمع بالزعفران. 1562 - / 1900 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْخمسين: كنت أخدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكنت أسمعهُ يكثر أَن يَقُول: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْهم والحزن)) . الحديث: 1562 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 الْهم لما يتَوَقَّع، والحزن لما قد وَقع. وَالْعجز: أَن لَا يُمكنهُ الْفِعْل. والكسل: أَن يقدر عَلَيْهِ ويتوانى عَنهُ. وَالْبخل ضد الْكَرم، والجبن ضد الشجَاعَة. وضلع الدّين: ثقله. وأرذل الْعُمر: أردؤه، وَهُوَ آخِره. وَقَوله: وَأَقْبل بصفية يحوي لَهَا بعباءة. أَي يُدِير الكساء وَرَاءه. وَقَوله: فاصطفاها: أَي أَخذهَا صفيا، والصفي: سهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمغنم، كَانَ إِذا غنم الْجَيْش غنيمَة أَخذ لَهُ من رَأس المَال - قبل أَن يقسم - مَا يختاره من دَابَّة أَو جَارِيَة أَو غير ذَلِك، فيسمى ذَلِك الصفي. ويردفها: يركبهَا خَلفه. والحيس: أخلاط من تمر وأقط وَسمن. وَقد سبق معنى الْبناء بِالْمَرْأَةِ فِي قصَّة زَيْنَب من هَذَا الْمسند. وَقَوله فِي أحد: ((يحبنا ونحبه)) يَعْنِي أهل الْجَبَل، وهم أهل الْمَدِينَة. وَقَوله: ((أحرم مَا بَين جبليها)) قد ذكرنَا تَحْرِيم الْمَدِينَة فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، وَذكرنَا هُنَاكَ معنى الصّرْف وَالْعدْل. وَذكرنَا الْمَدّ والصاع فِي مُسْند عبد الله بن زيد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 وَقَوله: ((من أحدث فِيهَا حَدثا)) قد سبق تَفْسِيره فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. وَقَوله: وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا. هَذَا نَص على جَوَاز أَن يكون عتق الْأمة صَدَاقهَا وَلَا يجب لَهَا مهر غَيره، وَهُوَ مَذْهَب الْحسن وَابْن الْمسيب وَأحمد بن حَنْبَل فِي جمَاعَة. وَقَالَ مَالك وَأهل الرَّأْي: هَذَا لَا يصلح، والْحَدِيث يرد قَوْلهم. فَإِن قيل: مَعْلُوم ثَوَاب الْعتْق، فَكيف أفات نَفسه ثَوَابه، وَجعله فِي مُقَابلَة النِّكَاح الَّذِي يُمكن أَن يكون فِي مُقَابِله دِينَار وَاحِد؟ فَالْجَوَاب: أَن صَفِيَّة كَانَت بنت مَالك، وَمثلهَا لَا يقنع فِي الْمهْر إِلَّا بالكبير، وَلم يكن بيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يرضيها، فَلم ير أَن يقصر بهَا فَجعل صَدَاقهَا نَفسهَا، وَذَلِكَ عِنْدهَا أشرف من الْأَمْوَال الْكَثِيرَة. والعنوة: الْقَهْر. والإغارة: الْإِسْرَاع بِالْخَيْلِ إِلَى الْعَدو على غَفلَة، وَأَصلهَا الْإِسْرَاع، قَالَ الْكسَائي: أغار: أسْرع. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أغار الرجل: إِذا عدا. والمسحاة: حَدِيدَة يعْمل بهَا فِي الصَّحرَاء. والمكتل: الزبيل. وَالْخَمِيس: الْجَيْش. وَفِي تَسْمِيَته بذلك قَولَانِ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 أَحدهمَا: لِأَنَّهُ مقسوم على خَمْسَة: الْمُقدمَة والساقة والميمنة والميسرة وَالْقلب. وَالثَّانِي: لِأَن الْغَنَائِم فِيهِ تخمس. والرجس: المستقذر، وَالْمرَاد هَا هُنَا الْمحرم، وَهَذَا يدل على تَحْرِيم لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة. وأكفئت: قلبت وصب مَا فِيهَا. وبزغت: طلعت. وَقَوله: رفع صَفِيَّة إِلَى أم سليم تصنعها وتهيئها، وَذَلِكَ بِغسْل جَسدهَا، وتسريح شعرهَا، وَإِصْلَاح أحوالها. وَقَوله: وَتعْتَد فِي بَيتهَا: أَي تنْتَظر الْحيض. وفحصت الأَرْض: حفرت حفرا لَيْسَ ببالغ. والأقط: شَيْء يعْمل من اللَّبن. ودفعنا: سرنا. ورفعنا: أَسْرَعنَا. وندر: وَقع. وَإِنَّمَا قُلْنَ: أبعد الله الْيَهُودِيَّة، لِأَنَّهُنَّ مَا علِمْنَ بإسلامها، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا جواري أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. والشمات: الْفَرح ببلية الْعَدو. وقصة وَلِيمَة زَيْنَب قد تقدّمت فِي هَذَا الْمسند. وصرعا: وَقعا. واقتحم: دخل فِي الْأَمر بِشدَّة. وَكَانَ الْحيَاء وَالْخَوْف من النّظر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 إِلَى الْمَرْأَة قد منعا أَبَا طَلْحَة من الْإِقْدَام، فاقتحم الْمَانِع لضَرُورَة دفع الضَّرَر، وَلذَلِك غطى وَجهه عِنْد قربه من الْمَرْأَة. 1563 - / 1901 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْخمسين: سَأَلت أنس بن مَالك وَنحن غاديان من منى إِلَى عَرَفَات عَن التَّلْبِيَة: كَيفَ كُنْتُم تَصْنَعُونَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: كَانَ يُلَبِّي الملبي فَلَا يُنكر عَلَيْهِ، وَيكبر المكبر فَلَا يُنكر عَلَيْهِ. اعْلَم أَن السّنة فِي هَذَا الْمقَام إِنَّمَا هِيَ التَّلْبِيَة وَألا تقطع حَتَّى ترمى أول حَصَاة من جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر. وَقَول أنس يحْتَمل أَن من كبر كَانَ يدْخل التَّكْبِير من خلال التَّلْبِيَة. 1564 - / 1902 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْخمسين: دَخَلنَا على الْحسن وَهُوَ مستخف فِي دَار أبي خَليفَة، فَقَالَ: حَدثنَا أنس وَهُوَ جَمِيع ... . قَوْله: وَهُوَ مستخف. كَانَ الْحجَّاج قد طلب الْحسن لِأَنَّهُ كَانَ يُنكر عَلَيْهِ فاختفى. وَقَوله: وَهُوَ جَمِيع: أَي مُجْتَمع الذِّهْن وَالْحِفْظ. وَقَوله: يهتمون بذلك: أَي يَأْخُذهُمْ الْهم لما هم فِيهِ. وَقد رُوِيَ: فيلهمون ذَلِك: أَي يُلْهمُون طلب الشَّفَاعَة. الحديث: 1563 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 وَقَوله: ((يخرج من النَّار من فِي قلبه من الْخَيْر مَا يزن ذرة)) الذّرة: النملة الصَّغِيرَة. وَقَالَ شُعْبَة: ذرة بتَخْفِيف الرَّاء، وَهُوَ تَصْحِيف لَيْسَ بِشَيْء. وَقَوله: فِي دَاره: أَي فِي الدَّار الَّتِي دورها لأوليائه وبناها لَهُم، وَهِي الْجنَّة، وأضافها إِلَيْهِ للتشريف كإضافة الْبَيْت، وَلَيْسَ كَمَا يتصوره الْحس من سُكْنى الدَّار، فَإِن ذَلِك يَسْتَحِيل فِي حَقه سُبْحَانَهُ، لِأَنَّهُ لَا يُوصف بِالْمَكَانِ. وَقد ذكرنَا هَذَا آنِفا فِي حَدِيث الْمِعْرَاج. 1565 - / 1903 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْخمسين: ((من كَانَ ذبح قبل الصَّلَاة فليعد)) فَقَامَ رجل فَذكر هنة من جِيرَانه - يَعْنِي فقرا وحاجة، وَأَنه ذبح قبل الصَّلَاة، وَقَالَ: عِنْدِي جَذَعَة. قد ذكرنَا الْجَذعَة وَالْخلاف فِي وَقت الذّبْح فِي مُسْند الْبَراء بن عَازِب. وَهَذَا الرجل الَّذِي سَأَلَ هُوَ أَبُو بردة بن نيار، وَأَنه ذبح قبل الصَّلَاة، فَرخص لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذِه الرُّخْصَة كَانَت لَهُ خَاصَّة لِأَنَّهُ لَا يعلم. قَوْله: وانكفأ: أَي رَجَعَ. وَقد ذكرنَا الأملح فِي مُسْند أبي بكرَة. والأقرن: الوافي الْقرن. الحديث: 1565 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 قَوْله: فذبحهما بِيَدِهِ. قد ذكرنَا أَنه يسْتَحبّ للْإنْسَان أَن يتَوَلَّى ذبح أضحيته بِيَدِهِ. والصفحة: جَانب الْعُنُق، وهما صفحتان، وهما اللديدان والسالفتان. وتوزعوها: اقتسموها. وتجزعوها كَذَلِك. يُقَال: جزعت الْوَادي: إِذا قطعته. 1566 - / 1904 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ: قد سبق فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1567 - / 1905 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْخمسين: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما حلق شعره فرقه بَين النَّاس. هَذَا دَلِيل على أَن بَين الشّعْر لَا حَيَاة فِيهِ فَلَا ينجس بِالْمَوْتِ، لِأَن مَا أبين من حَيّ فَهُوَ ميت، فَلَو مَاتَ فِيهِ حَيَاة كَانَ ينجس بالإبانة. 1568 - / 1906 - وَفِي الحَدِيث السِّتين: سَأَلت أنسا: أخضب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ: لم يبلغ من الشيب إِلَّا قَلِيلا. وَفِي رِوَايَة: لم يختضب. أما شيب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ كَانَ قَلِيلا، فَفِي رِوَايَة عَن أنس أَنه قَالَ: مَا عددت فِي رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولحيته إِلَّا أَربع عشرَة شَعْرَة بَيْضَاء. وَفِي رِوَايَة عَن أنس لم ير من الشيب إِلَّا نَحوا من سبع الحديث: 1566 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 عشرَة أَو عشْرين شَعْرَة فِي مقدم لحيته. وَفِي رِوَايَة عَن أنس: مَا كَانَ فِي رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولحيته يَوْم مَاتَ ثَلَاثُونَ شَعْرَة بَيْضَاء. وَعَن ابْن عمر: كَانَ شيب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحوا من عشْرين شَعْرَة. فَأَما قَوْله: لم يخضب، فقد اخْتلف عَن أنس، فَروِيَ عَنهُ: لم يخضب، وَرُوِيَ عَنهُ أَنه سُئِلَ: هَل خضب رَسُول الله؟ فَقَالَ: مَا أرى. وروى التِّرْمِذِيّ أَن أنسا قَالَ: رَأَيْت شعر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مخضوبا. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى عَنهُ أَنه قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمس شعره بصفرة. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: قد ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الخضاب، فَقيل لَهُ: فَقَوْل أنس؟ قَالَ: غَيره يَقُول: قد خضب، فَهَذِهِ شَهَادَة على الخضاب. وَالَّذِي شهد على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بِمَنْزِلَة من لم يشْهد. وَأخْبرنَا ابْن الْحصين قَالَ: أخبرنَا ابْن الْمَذْهَب قَالَ: أَنبأَنَا أَحْمد بن جَعْفَر قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي قَالَ: حَدثنَا سَلام بن أبي مُطِيع عَن عُثْمَان بن عبد الله بن موهب قَالَ: دَخَلنَا على أم سَلمَة، فأخرجت إِلَيْنَا شعرًا من شعر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مخضوبا بِالْحِنَّاءِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 والكتم. قَالَ عبد الله بن أَحْمد: وَحدثنَا مُحَمَّد بن حسان الْأَزْرَق قَالَ: حَدثنَا أَبُو سُفْيَان الْحِمْيَرِي قَالَ: حَدثنَا الضَّحَّاك بن حمرَة عَن غيلَان بن جَامع عَن إياد بن لَقِيط عَن أبي رمثة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخضب بِالْحِنَّاءِ والكتم. وَقد روى عبد الله بن زيد صَاحب الْأَذَان أَنه قَالَ: إِن شعر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عندنَا مخضوب بِالْحِنَّاءِ والكتم. وَقَالَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد ابْن عَليّ بن الْحُسَيْن: شمط عَارض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فخضبه بحناء وكتم. وَقَالَ عِكْرِمَة: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخضب بِالْحِنَّاءِ والكتم. وَقد أخبرنَا عَليّ بن عبيد الله قَالَ: أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الصريفيني قَالَ: أخبرتنا أمة السَّلَام بنت أَحْمد بن كَامِل قَالَت: أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البندار قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن عبد الله بن عَليّ بن سُوَيْد بن منجوف قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن إياد بن لَقِيط عَن أبي رمثة قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورأيته قد لطخ لحيته بِالْحِنَّاءِ. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى عَن أبي رمثة قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَأَيْت الشيب أَحْمَر. وَسُئِلَ أَبُو هُرَيْرَة: هَل خضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: نعم. وَقد ذكرنَا فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث ابْن عمر أَنه كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 يصْبغ بالصفرة. قَالَ: وَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصْبغ بهَا، وَأَنا أحب أَن أصبغ بهَا. وَفِي رِوَايَة عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يصفر لحيته وَيَقُول: إِنِّي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصفر لحيته. وَأما الكتم فنبات يسود الشّعْر. قَالَ الْخطابِيّ: إِن الكتم الوسمة. وَيُقَال بل نبت آخر. وَقَوله: مَا شانه الله ببيضاء: أَي مَا كثر الْبيَاض فيشان بِهِ. 1569 - / 1907 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتِّينَ: التَّنَفُّل على الرَّاحِلَة إِلَى غير الْقبْلَة. وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند ابْن عمر. 1570 - / 1911 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتِّينَ: أَمر بِلَال أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة، إِلَّا الْإِقَامَة. أَي إِلَّا قَوْله: قد قَامَت الصَّلَاة. وَهَذَا دَلِيل على أَن الْأَفْضَل فِي الْإِقَامَة الْإِفْرَاد، وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: السّنة التَّثْنِيَة، وَاحْتج أَصْحَابه بِأَحَادِيث واهية، ثمَّ زعم بعض المتفقهة من الَّذين جهلوا النَّقْل أَن الْآمِر لِبلَال بذلك أَبُو بكر الصّديق، وَهَذَا بَاطِل من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه لم ينْقل، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرّد زعم. وَالثَّانِي: أَن بِلَالًا لم يُؤذن بعد دفن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ خرج إِلَى الحديث: 1569 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 الشَّام، واستخلف على الْأَذَان سعد الْقرظ وَقَالَ بعض الْجُهَّال بِالنَّقْلِ والأثر: إِنَّمَا كَانَ الْآمِر لِبلَال بعض أُمَرَاء بني أُميَّة، وَهَذَا بَاطِل من سِتَّة أوجه: أَحدهَا: أَنه إِذا قَالَ الرَّاوِي: أَمر فلَان، أَو أمرنَا فقد صرح بِذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ لَا أَمر لغيره فِي زَمَانه، وَصَارَ كَمَا يُقَال: تقدم إِلَى النَّاس بِكَذَا: أَي تقدم من لَهُ التَّقَدُّم، وَنَظِير هَذَا قَوْله تَعَالَى: {أذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا} [الْحَج: 39] . وَالثَّانِي: أَن هَذَا الحَدِيث يتَضَمَّن شرح ابْتِدَاء الْأَذَان وَالْإِقَامَة، لِأَنَّهُ قَالَ: ذكرُوا أَن ينوروا نَارا، أَو يضْربُوا ناقوسا، فَأمر بِلَال، وَالْأَمر فِي الإبتداء لَا يكون إِلَّا للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالثَّالِث: أَن بِلَالًا لم يدْرك خلَافَة بني أُميَّة وَلم يُؤذن لأحد بعده، وَإِنَّمَا أذن بعد وَفَاته قبل أَن يقبر، فانتحب النَّاس وَبكوا عِنْد قَوْله: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، فَلَمَّا دفن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ أَبُو بكر: أذن، فَقَالَ: إِن كنت أعتقتني لأَكُون مَعَك فسبيل ذَلِك، وَإِن كنت أعتقتني لله فخلني وَمن أعتقتني لَهُ. فَقَالَ: مَا أَعتَقتك إِلَّا لله، قَالَ: فَإِنِّي لَا أؤذن لأحد بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَذَاك إِلَيْك. فَأَقَامَ بِلَال حَتَّى خرجت بعوث الشَّام، فَسَار مَعَهم حَتَّى انْتهى إِلَيْهَا، فَتوفي بِدِمَشْق سنة عشْرين، كَذَلِك ذكره مُحَمَّد بن سعد. وَقَالَ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ وَقد قيل: سنة ثَمَانِي عشرَة. وَالرَّابِع: لَو قَدرنَا أَنه أَمر بذلك فَكيف يظنّ بِهِ أَن يتْرك مَا يُعلمهُ من سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقَوْل مُبْتَدع من بني أُميَّة؟ كَيفَ وَقد ألف ركون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 الْعَزْم من يَوْم قَوْله: أحد أحد. وَالْخَامِس: أَنه لَو فعل ذَلِك لما أقرته الصَّحَابَة على تَغْيِير مَا كَانَ علما فِي زمَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالسَّادِس: أَن الدَّارَقُطْنِيّ روى هَذَا الحَدِيث فِي ((سنَنه)) من حَدِيث أبي قلَابَة عَن أنس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِلَالًا أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة. فقد زَالَ بِهَذَا التَّصْرِيح كل إِشْكَال. وَاعْلَم أَن الْأَذَان وَالْإِقَامَة من أَعْلَام الدّين، فَيَنْبَغِي أَن يتبع فِي ذَلِك مَا صَحَّ من النَّقْل وَاجْتمعَ عَلَيْهِ الْجُمْهُور. وأحاديثنا أصح بِلَا خلاف، وَالْجُمْهُور مَعنا. قَالَ بكير بن عبد الله الْأَشَج: أدْركْت أهل الْمَدِينَة فِي الْأَذَان مثنى مثنى، وَفِي الْإِقَامَة مرّة مرّة. وَبُكَيْر هَذَا من كبار التَّابِعين، وَهُوَ يخبر بِهَذَا عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِي دَار الْهِجْرَة. ثمَّ مَذْهَبنَا مَرْوِيّ عَن الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي، كَانَ يُقَام لَهُم مرّة، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَأنس وفقهاء الْمَدِينَة السَّبْعَة: سعيد بن الْمسيب وَأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن وَسليمَان ابْن يسَار وَعُرْوَة وَعبيد الله بن عبد الله وَالقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن وخارجة بن زيد، وَهُوَ مَذْهَب الْحسن وَسَالم وَأبي قلَابَة وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَالزهْرِيّ والقرظي وَالْأَوْزَاعِيّ فِي خلق كثير، وَمَا ذهب إِلَيْهِ الْخصم لم ينْقل إِلَّا عَن الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك، وَفِي الحَدِيث: ((عَلَيْكُم بِالسَّوَادِ الْأَعْظَم)) . وَهُوَ مَعنا بِحَمْد الله وَمِنْه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 1571 - / 1912 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتِّينَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره، وَغُلَام أسود يُقَال لَهُ أَنْجَشَة يَحْدُو، وَكَانَ حسن الصَّوْت، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((وَيحك يَا أَنْجَشَة، رويدك سوقك بِالْقَوَارِيرِ)) قَالَ أَبُو قلَابَة: يَعْنِي النِّسَاء. فِي تَفْسِير هَذَا الحَدِيث قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن الْإِبِل: كَانَت كلما سَمِعت الحداء أسرعت، وإسراع السّير يشق على الرَّاكِب خُصُوصا النِّسَاء، فشبههن بِالْقَوَارِيرِ لضعف بنيتهن. وَالثَّانِي: أَن أَنْجَشَة كَانَ حسن الصَّوْت، وَحسن الصَّوْت بالحداء يشبه الْغناء المحرك للطبع إِلَى الْهوى، وتأثير ذَلِك فِي النِّسَاء أسْرع من تَأْثِيره فِي الرِّجَال، وَهَذَا القَوْل قد ذكره جمَاعَة من الْعلمَاء مِنْهُم ابْن قُتَيْبَة والخطابي، وَكَانَ شَيخنَا أَبُو الْفضل بن نَاصِر يُنكره وَيَقُول: أَو يُقَال هَذَا فِي حق أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فأجبته أَنا فَقلت: هَذَا الَّذِي يُنكره لَيْسَ بمنكر، لِأَنَّك تتوهم أَن الَّذِي فسر بِهَذَا إِنَّمَا أَرَادَ ذكر الْفَاحِشَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا أَرَادَ ميل الطباع إِلَى تذكر الْهوى وَإِن كَانَ مُبَاحا، فَإِن الْغناء يحث على حب الدُّنْيَا، وَيذكر الشَّهَوَات، ويشغل الْقلب عَن وظائفه من الْفِكر وَالذكر، وَأَزْوَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسن بمعصومات من وساوس الشَّيْطَان وحثه على حب الدُّنْيَا. الحديث: 1571 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 1572 - / 1913 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتِّينَ: قَالَ أنس: من السّنة إِذا تزوج الْبكر على الثّيّب أَقَامَ عِنْدهَا سبعا وَقسم، وَإِذا تزوج الثّيّب أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا ثمَّ قسم. إِنَّمَا كَانَ هَذَا سنة لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما تزوج أم سَلمَة أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا، وَقَالَ: ((إِن شِئْت سبعت لَك، وَإِن سبعت لَك سبعت لنسائي)) وَفِي لفظ أَنه قَالَ: ((للبكر سبع وللثيب ثَلَاث)) وَسَيَأْتِي ذكر هَذَا الحَدِيث وتعليله فِي مُسْند أم سَلمَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا فضل قضى. 1573 - / 1914 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتِّينَ: أَن أَبَا قلَابَة أنكر أَن يُقَاد بالقسامة. أما حَدِيث الْقسَامَة فقد بَيناهُ وَذكرنَا الْخلاف فِيهِ فِي مُسْند سهل بن أبي حثْمَة. وَالظَّاهِر من حَدِيث أبي قلَابَة فِي هَذَا الْمَقْتُول من الْأَنْصَار أَنه عبد الله بن سهل الْمَذْكُور فِي مُسْند ابْن أبي حثْمَة، وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن يكون غَيره، إِلَّا أَن فِي مُسْند ابْن أبي حثْمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الحديث: 1572 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 ((يقسم خَمْسُونَ مِنْكُم على رجل مِنْهُم فَيدْفَع برمتِهِ)) وَهَذَا دَلِيل على الْقصاص بالقسامة. وَقَوله: يَتَشَحَّط فِي دَمه: أَي يضطرب فِيهِ. وَقَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((من ترَوْنَ - أَو من تظنون؟)) دَلِيل على اعْتِبَار اللوث كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند ابْن أبي حثْمَة. وَالنَّفْل هُنَا الْأَيْمَان بِالْبَرَاءَةِ من الْقَتْل: يُقَال: انتفل فلَان من كَذَا: أَي تَبرأ مِنْهُ، وَسميت نفلا لِأَن الْقصاص ينفى بهَا. وَقَوله: خلعوا خليعا لَهُم: أَي انتفوا مِنْهُ. فطرق أهل بَيت: أَي جَاءَهُم لَيْلًا. وخذفه بِالسَّيْفِ: رَمَاه بِهِ. واستوخموا الْمَدِينَة: أَي لم توافقهم: وَيَجِيء فِي بعض الْأَلْفَاظ: اجتووا. قَالَ أَبُو عبيد يُقَال: اجتويت الْبِلَاد: إِذا كرهتها وَإِن كَانَت مُوَافقَة لَك فِي بدنك، واستوبلتها: إِذا لم توافقك فِي بدنك وَإِن كنت محبا لَهَا. واللقاح: الْإِبِل ذَوَات الدّرّ. وَأمره بِشرب أبوالها دَلِيل على طَهَارَة بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه. وَقَوله: وأطردوا الْإِبِل: الطَّرْد: الْإِخْرَاج والإزعاج، يُقَال: طرده السُّلْطَان وأطرده: إِذا أخرجه عَن مستقره. والذود من الْإِبِل: من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 والقائف: الَّذِي يتبع الْآثَار ويعرفها. وَقَوله: وَسمر أَعينهم فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يكون من المسمار، يُرِيد أَنهم كحلوا بأميال قد أحميت بالنَّار. وَالثَّانِي: أَن يكون السمر لُغَة فِي السمل، فَيكون سمر بِمَعْنى سمل، لِأَن الرَّاء وَاللَّام قريبتا الْمخْرج، ذكرهمَا أَبُو سُلَيْمَان. وَقَالَ أَبُو عبيد: السمل: أَن تفقأ الْعين بحديدة محماة أَو بِغَيْر ذَلِك، وَقد يكون السمل بالشوك، قَالَ أَبُو ذُؤَيْب يرثي بَنِينَ لَهُ: (فالعين بعدهمْ كَأَن حداقها ... سملت بشوك فَهِيَ عور تَدْمَع) والكدم: العض بِأَدْنَى الْفَم. فَأَما اسْم الرَّاعِي الَّذِي قَتَلُوهُ فيسار. وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي وَجه هَذَا الْفِعْل بهؤلاء على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه اقْتصّ مِنْهُم على مِثَال فعلهم، فَقَالَ أنس: إِنَّمَا سمل أَعينهم لأَنهم سملوا أعين الرعاء. قَالَ ابْن جرير: وَقد ذهب بعض الْعلمَاء إِلَى أَن هَذَا الحكم ثَابت فِي نظرائهم لَهُ ينْسَخ. وَالثَّانِي: أَن هَذَا الْفِعْل كَانَ قبل أَن تنزل الْحُدُود. قَالَ أَبُو الزِّنَاد: لما فعل هَذَا وعظه الله عز وَجل ونها عَن الْمثلَة وَأنزل الْحُدُود. وَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 ابْن سِيرِين: هَذَا قبل أَن تنزل الْحُدُود. وَقَالَ قَتَادَة: بلغنَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى بعد ذَلِك عَن الْمثلَة. وَقَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ: قد ذهب بَعضهم إِلَى أَن هَذَا الحكم مَنْسُوخ بِالنَّهْي عَن الْمثلَة. قَالَ: وَقَالُوا: إِنَّمَا نزل قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} [الْمَائِدَة: 33] فِيمَا فعل بالعرنيين. وَأما البرسام فَهُوَ مرض مَعْرُوف يخْتَص بالصدر. والسرسام يتَعَلَّق بِالرَّأْسِ. 1574 - / 1915 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسِّتِّينَ: ((لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من وَالِده وَولده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ)) . اعْلَم أَن المُرَاد بِهَذِهِ الْمحبَّة الْمحبَّة الشَّرْعِيَّة، فَإِنَّهُ يجب على الْمُسلمين أَن يقوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَنْفسِهِم وَأَوْلَادهمْ. وَلَيْسَ المُرَاد بِهَذَا الْمحبَّة الطبيعية، فَإِنَّهُم قد فروا عَنهُ فِي الْقِتَال وتركوه، وكل ذَلِك لإيثار حب النَّفس. 1575 - / 1916 - وَفِي الحَدِيث السّبْعين: ((لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى يحب لِأَخِيهِ مَا يحب لنَفسِهِ)) . إِن قيل: كَيفَ يتَصَوَّر هَذَا وكل أحد يقدم نَفسه فِيمَا يختاره لَهَا، الحديث: 1574 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 وَيُحب أَن يسْبق غَيره فِي الْفَضَائِل، وَقد سَابق عمر أَبَا بكر؟ فَالْجَوَاب: أَن المُرَاد حُصُول الْخَيْر فِي الْجُمْلَة. واندفاع الشَّرّ فِي الْجُمْلَة، فَيَنْبَغِي للْإنْسَان أَن يحب ذَلِك لِأَخِيهِ كَمَا يُحِبهُ لنَفسِهِ، فَأَما مَا هُوَ من زَوَائِد الْفَضَائِل وعلو المناقب فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن يوثر سبق نَفسه لغيره فِي ذَلِك. 1576 - / 1917 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسبْعين: ((إِن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يرفع الْعلم، وَيظْهر الْجَهْل)) . قَالَ أَبُو عبيد: الأشراط: العلامات، وَمِنْه اشْتِرَاط النَّاس بَعضهم على بعض، إِنَّمَا هِيَ عَلامَة يجعلونها بَينهم، وَلِهَذَا سميت الشَّرْط لأَنهم جعلُوا لأَنْفُسِهِمْ عَلامَة يعْرفُونَ بهَا. وَأما رفع الْعلم فَيكون بشيئين: أَحدهمَا: بِمَوْت الْعلمَاء كَمَا قَالَ فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو: ((وَلَكِن يقبضهُ بِقَبض الْعلمَاء)) . وَالثَّانِي: بخساسة الهمم واقتناعها باليسير مِنْهُ، فَإِنَّهَا إِذا دنت قصرت، وكشف هَذَا أَنَّك إِذا تَأَمَّلت من سبق من الْعلمَاء رَأَيْت كل وَاحِد مِنْهُم يفتن فِي الْعُلُوم ويرتقي فِي كل فن إِلَى أقصاه، حَتَّى روينَا عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ: مَا أروي أقل من الشّعْر، وَلَو شِئْت لأنشدتكم شهرا لَا أُعِيد. أخبرنَا الْقَزاز قَالَ: أَنبأَنَا أَحْمد بن عَليّ الْحَافِظ قَالَ: الحديث: 1576 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 حَدثنَا الصُّورِي قَالَ: سَمِعت رَجَاء بن مُحَمَّد بن عِيسَى الْمعدل يَقُول: سَأَلت الدَّارَقُطْنِيّ فَقلت لَهُ: رأى الشَّيْخ مثل نَفسه؟ فَقَالَ: إِن كَانَ فِي فن وَاحِد فقد رَأَيْت من هُوَ أفضل مني، وَأما من اجْتمع فِيهِ مَا اجْتمع فِي فَلَا. ثمَّ إِن الرغبات فترت فِي الْعلم، فَصَارَ صَاحب الحَدِيث يقْتَصر على مَا علا إِسْنَاده ويعرض عَن الْفِقْه، فَلَو وَقعت مَسْأَلَة فِي الطَّهَارَة لم يهتد لجوابها، وَصَارَ الْفَقِيه يقْتَصر على مَا كتب فِي التعليقة وَلَا يدْرِي هَل الحَدِيث الَّذِي بنى عَلَيْهِ الحكم صَحِيح أم لَا، وَصَارَ اللّغَوِيّ يشْتَغل بِحِفْظ أَلْفَاظ الْعَرَب وَلَا يلْتَفت إِلَى الْفِقْه، فَهَذَا رفع الْعلم. ثمَّ لَهُ رفع من حَيْثُ الْمَعْنى: وَهُوَ أَنا إِذا وجدنَا الْعَالم المتقن قد مَال إِلَى الدُّنْيَا وتشاغل بِخِدْمَة السلاطين، والتردد إِلَيْهِم غير آمُر بِالْمَعْرُوفِ وَلَا ناه لَهُم عَن مُنكر، وانعكف على اللَّذَّات، وَرُبمَا مزجها بِحرَام كلبس الْحَرِير، لم يبْق لعلمه نور عِنْد المقتبس، فَصَارَ كالطبيب المخلط، لَا يكَاد يقبل قَوْله فِي الحمية، فَمَاتَ الْعلم عِنْده وَهُوَ مَوْجُود، نسْأَل الله عز وَجل عزما مجدا لَا فتور فِيهِ، وَعَملا خَالِصا لَا رِيَاء مَعَه. 1577 - / 1918 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسبْعين: ((إِن أحدكُم إِذا قَامَ فِي صلَاته فَإِنَّمَا يُنَاجِي ربه)) . الْمُنَاجَاة: المحادثة، وَأَصله من النجوة: وَهُوَ مَا ارْتَفع من الأَرْض، فَكَأَن المناجي يرْتَفع هُوَ والمناجي منفردين عَن غَيرهمَا. وَاعْلَم أَن وقُوف الْآدَمِيّ فِي الْعِبَادَة على نَحْو وقُوف الْخَادِم بَين الحديث: 1577 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 يَدي مَالِكه، فَيَنْبَغِي لَهُ أَن يسْتَعْمل الْأَدَب. وَقد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند أبي سعيد، وَلِهَذَا أَمر بتسوية الصُّفُوف. وَالْمرَاد بقوله: ((لَا يتفلن)) لَا يبصقن. وَقَوله: ((لَا يبسط ذِرَاعَيْهِ)) أَي فِي السُّجُود، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يسْجد على كفيه وتنبو ذراعاه عَن الأَرْض. 1578 - / 1921 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسبْعين: ((أقِيمُوا صفوفكم؛ فَإِنِّي أَرَاكُم من وَرَاء ظَهْري)) . إِن قَالَ قَائِل: إِذا كَانَ يرى من وَرَاء ظَهره فَمَا الْفَائِدَة فِي أَنه أَجْلِس الشَّاب من وَفد عبد الْقَيْس وَرَاء ظَهره؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه سنّ للنَّاس، وَالسّنة إِنَّمَا هِيَ فعل ظَاهر. وَالثَّانِي: أَن رُؤْيَته من بَين يَدَيْهِ أَمر طبعي يزاحم فِيهِ الْهوى، وَمن وَرَاء ظَهره مَحْض إنعام قد زوي فِيهِ عَن تصرفه بِمُقْتَضى الْهوى. 1579 - / 1922 - وَقد سبق بَيَان الحَدِيث السَّادِس [وَالسبْعين] قبل حديثين. 1580 - / 1923 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسبْعين: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعَلِيهِ وضر من صفرَة فَقَالَ: ((مَهيم؟)) . الوضر: اللطخ من خلوق أَو طيب لَهُ لون، وَكَانَ ذَلِك من فعل الحديث: 1578 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 الْعَرُوس إِذا بنى بأَهْله، وَيكون الوضر من الصُّفْرَة والحمرة وَالطّيب والزهومة، وأنشدوا: ( ... ... ... أَبَارِيق لم يعلق بهَا وضر الزّبد) وَأخْبرنَا مُحَمَّد بن نَاصِر قَالَ: أخبرنَا أَبُو زَكَرِيَّا اللّغَوِيّ قَالَ: قَالَ لي أَبُو الْعَلَاء المعري: أصل الوضر الْوَسخ، وَأكْثر مَا يسْتَعْمل ذَلِك فِي اللَّبن وَمَا يحدث مِنْهُ، وَسمي أثر الصُّفْرَة وضرا لِأَنَّهُ يُغير لون الثَّوْب والجسد. وَقَوله: ((مَهيم؟)) قَالَ أَبُو عبيد: هِيَ كلمة يَمَانِية مَعْنَاهَا: مَا أَمرك؟ وَمَا هَذَا الَّذِي أرى بك؟ وَقد سبق هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند عبد الرَّحْمَن، لَكنا ذَكرْنَاهُ لهَذِهِ الْأَلْفَاظ الزَّائِدَة. 1581 - / 1924 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسبْعين: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رخص لعبد الرَّحْمَن وَالزُّبَيْر فِي لبس الْحَرِير لحكة بهما. وَفِي رِوَايَة: شكوا إِلَيْهِ الْقمل فَرخص لَهما فِي قمص الْحَرِير فِي غزَاة لَهما. اخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد: هَل يجوز لبس الْحَرِير لأجل الْمَرَض والحكة أم لَا؟ على رِوَايَتَيْنِ، فَإِن قُلْنَا بِالْجَوَازِ فَلَا كَلَام، وَإِن قُلْنَا: الحديث: 1581 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 لَا يجوز، كَانَ مَا رخص لعبد الرَّحْمَن، وَالزُّبَيْر خَاصّا لَهما. 1582 - / 1926 - وَفِي الحَدِيث الثَّمَانِينَ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر وَعمر كَانُوا يفتتحون الصَّلَاة ب {الْحَمد لله رب الْعَالمين} وَفِي رِوَايَة: صليت مَعَ أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَلم أسمع أحدا مِنْهُم يقْرَأ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} . فِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَنه لَا يسن الْجَهْر بالبسملة، وَهُوَ مَذْهَب أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَابْن مَسْعُود وعمار وَعبد الله بن مُغفل وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَأنس، وَقَالَ بِهِ من فُقَهَاء التَّابِعين وَمن بعدهمْ الْحسن وَسَعِيد بن جُبَير وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَقَتَادَة وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَأَبُو إِسْحَاق السبيعِي والفزاري وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر وَالْأَعْمَش وَحَمَّاد وَلَيْث بن أبي سليم وَابْن أبي ليلى وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد بن حَنْبَل وَأَبُو عبيد وَابْن رَاهَوَيْه فِي خلق يطول إحصاؤهم، وَزَاد مَالك: لَا يسن قرَاءَتهَا فِي ابْتِدَاء الْفَاتِحَة أصلا. وَذهب قوم مِنْهُم مُعَاوِيَة وَعَطَاء وَطَاوُس وَمُجاهد وَالشَّافِعِيّ إِلَى أَن الْجَهْر بهَا مسنون. قَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِي: وَقَول أنس: كَانُوا يفتتحون الصَّلَاة ب {الْحَمد} أَي بِهَذِهِ السُّورَة، قَالُوا: وَقَوله: لم أسمع، شَهَادَة على نفي، فَيحْتَمل أَنه لم يسمع لبعده عَن الإِمَام، وَهَذَا الظَّاهِر لِأَن أنسا كَانَ صَبيا حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا كَانَ يتَقَدَّم الْكَبِير لقَوْله: ((ليلني أولو الأحلام والنهى)) قَالُوا: ثمَّ يحْتَمل أَنهم مَا كَانُوا يجهرون بهَا كجهرهم الحديث: 1582 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 بِبَقِيَّة السُّورَة، وَهَذَا ظَاهر؛ لِأَن الْقَارئ يَبْتَدِئ الْقِرَاءَة ضَعِيف الصَّوْت. قَالُوا: وَيدل على هَذَا قَوْله: لم أسمع أحدا مِنْهُم يجْهر بهَا، وَهَذَا دَلِيل على أَنه سَمعهَا مِنْهُم. فَالْجَوَاب: أَنه لَو قصد تَعْرِيفهَا لذكرها بِأحد الْأَسْمَاء الْمَوْضُوعَة لَهَا، كالفاتحة وَأم الْقُرْآن. ثمَّ قَوْله: لَا يذكرُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم} يَكْفِي فِي رد هَذَا التَّأْوِيل، وَفِي رد قَوْلهم: مَا كَانُوا يجهرون بهَا كجهرهم بِبَقِيَّة السُّورَة. وَقَوْلهمْ: شَهَادَة على نفي. قُلْنَا: هِيَ فِي معنى الْإِثْبَات؛ لِأَن أنسا قد صلى خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشر سِنِين، وَمَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن عشْرين سنة، وَكَانَ يَصْحَبهُ صُحْبَة الخدم الْخَواص سفرا وحضرا، فَلَو سَمعه يَوْمًا يجْهر لم يَصح لَهُ أَن يُطلق الْإِخْبَار بِنَفْي الْجَهْر. ثمَّ قدرُوا توهم هَذَا فِي حق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكيف وَهُوَ رجل فِي زمن أبي بكر وَعمر، وكهل فِي زمن عُثْمَان. وَقد احْتَجُّوا لنصرة الْجَهْر بِأَحَادِيث دخلت فِيهَا العصبية من رواتها ومصنفيها، حَتَّى احْتَجُّوا بِمَا يعلمُونَ أَنه لَا يَصح الإحتجاج بِهِ. وَقد كشف عوار أَحَادِيثهم فِي كتاب ((التَّحْقِيق فِي أَحَادِيث التَّعْلِيق)) . 1583 - / 1927 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي والثمانين: أَنه ركب فرسا يقطف أَو كَانَ فِيهِ قطاف، فَقَالَ: ((قد وجدنَا فرسكم هَذَا بحرا)) . الحديث: 1583 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 القطاف فِي الْفرس: البطء، يُقَال: فرس قطوف: أَي بطىء. وَالْبَحْر وصف للْفرس بِسُرْعَة الجري. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: وَفِي هَذَا الحَدِيث إِبَاحَة التَّوَسُّع فِي الْكَلَام من تَشْبِيه الشَّيْء بالشَّيْء الَّذِي لَهُ تعلق بِبَعْض مَعَانِيه وَإِن لم يسْتَوْف أَوْصَافه كلهَا. 1584 - / 1929 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث والثمانين: ((أوصيكم بالأنصار، فَإِنَّهُم كرشي وعيبتي)) . الكرش: الْجَمَاعَة. يُقَال: على فلَان كرش من النَّاس: أَي جمَاعَة. فَكَأَنَّهُ قَالَ: هم جماعتي وصحابتي الَّذين أَثِق بهم وأعتمد عَلَيْهِم فِي أموري. وَقَوله: ((وعيبتي)) أَي مَوضِع سري الَّذِي أَثِق بِهِ فِي حفظه وكتمانه، وَهَذَا لِأَن الْإِنْسَان يضع فِي عيبته جيد ثِيَابه وَمَا يُرِيد أَن يحوطه بحفظه. 1585 - / 1930 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع والثمانين: ينقلون التُّرَاب على متونهم. الْمَتْن من الظّهْر: مَا اكتنف على الصلب من العصب وَاللَّحم، وهما متنان. وَقَالَ بَعضهم: الْمَتْن: وسط الظّهْر، يُقَال: هَذَا متن السهْم: أَي وَسطه. وَقَالَ أَبُو عبيد: والإهالة: كل شَيْء من الأدهان مِمَّا يؤتدم بِهِ خَاصَّة، مثل الزَّيْت ودهن السمسم، والألية المذابة والشحم الْمُذَاب الحديث: 1584 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 إهالة أَيْضا. وَأما السنخة فَهِيَ المتغيرة. والبشع: الكريه الطّعْم والرائحة. 1586 - / 1931 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس والثمانين: جمع الْقُرْآن على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة: أبي ومعاذ وَأَبُو زيد وَزيد بن ثَابت. وَفِي لفظ انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ: أَبُو الدَّرْدَاء مَكَان أبي. أبي هُوَ ابْن كَعْب. ومعاذ هُوَ ابْن جبل. وَأَبُو زيد اسْمه سعد بن عُمَيْر، وَقيل: ابْن عبيد. وَقد جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات أَن فِي الْقَوْم عُثْمَان ابْن عَفَّان وتميما الدَّارِيّ وَعبادَة بن الصَّامِت وَأَبا أَيُّوب الْأنْصَارِيّ. 1587 - / 1932 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس والثمانين: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي: ((إِن الله عز وَجل أَمرنِي أَن أقرا عَلَيْك: {لم يكن الَّذين كفرُوا} [الْبَيِّنَة] )) . وَفِي لفظ: ((أَمرنِي أَن أقرئك الْقُرْآن)) قَالَ: وسماني؟ قَالَ: ((نعم)) فذرفت عَيناهُ. أما قِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أبي فلتعليم أبي، وَخَصه بذلك تَشْرِيفًا لَهُ. وَتَخْصِيص هَذِه السُّورَة يُمكن أَن يكون لِأَنَّهَا تحتوي على التَّوْحِيد والرسالة وَالْقُرْآن وَالصَّلَاة. وذرفت: سَالَتْ 1588 - / 1933 - وَقد سبق الحَدِيث السَّابِع [وَالثَّمَانُونَ] فِي الحديث: 1586 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 مُسْند ابْن مَسْعُود. 1589 - / 1934 - وَالثَّامِن [وَالثَّمَانُونَ] : فِي مُسْند ابْن عمر. 1590 - / 1935 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع والثمانين: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا لأنس فَقَالَ: ((اللَّهُمَّ أَكثر مَاله وَولده)) . وَفِي رِوَايَة: قَالَت أم سليم: إِن لي خويصة - أَي حَاجَة تخصني بهَا. وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن كَثْرَة المَال لَا تكره، لِأَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا بذلك لأنس، وَهَذَا خلاف مَا يَظُنّهُ جهال المتزهدين. 1591 - / 1936 - والْحَدِيث التِّسْعُونَ قد تقدم فِي مُسْند سهل بن سعد. 1592 - / 1937 - وَالْحَادِي وَالتِّسْعُونَ: فِي مُسْند عُثْمَان بن عَفَّان. 1593 - / 1938 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالتسْعين: ((يهرم ابْن آدم ويشب مَعَه اثْنَتَانِ: الْحِرْص على المَال، والحرص على الْعُمر)) . الحديث: 1589 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 لما كَانَ أحب الْأَشْيَاء إِلَى ابْن آدم نَفسه أحب بقاءها، فَأحب الْعُمر، وَأحب سَبَب بَقَائِهَا وَهُوَ المَال. والهرم إِنَّمَا يعْمل فِي بدنه لَا غير، فَإِذا أحس بِقرب التّلف عِنْد الْهَرم قوي حبه للبقاء لعلمه بِقرب الرحيل وكراهيته لَهُ. 1594 - / 1939 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالتسْعين: فِي ذكر الدَّجَّال وَأَنه أَعور، وَقد تكلمنا على ذَلِك فِي مُسْند ابْن عمر. 1595 - / 1941 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالتسْعين: كَانَ أحب الثِّيَاب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يلبسهَا الْحبرَة. الْحبرَة: مَا كَانَ من البرود موشيا مخططا. وَلما رأى أنس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكثر لبسهَا ظن أَنه يُحِبهَا، وَلم يرو عَنهُ لفظ يدل على محبتها، لكنه أخبر عَن ظَنّه. وَقد روى ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ((البسوا الثِّيَاب الْبيض؛ فَإِنَّهَا أطهر وَأطيب، وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم)) قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث ابْن عَبَّاس وَسمرَة صَحِيحَانِ. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي يستحبه أهل الْعلم. قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق: أحب الثِّيَاب إِلَيْنَا أَن نكفن فِيهَا الْبيَاض. الحديث: 1594 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 1596 - / 1942 - والْحَدِيث السَّادِس وَالتِّسْعُونَ قد سبق فِي مُسْند معَاذ. 1597 - / 1944 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالتسْعين: ((إِن العَبْد إِذا وضع فِي قَبره وَتَوَلَّى عَنهُ أَصْحَابه حَتَّى إِنَّه ليسمع قرع نعَالهمْ)) . أما قرع النِّعَال وخفقها فَهُوَ ضربهَا للْأَرْض وصوتها فِي الْمَشْي. قَالَ الْخطابِيّ: وَهَذَا يدل على جَوَاز لبس النَّعْل لزائر الْقُبُور الْمَاشِي بَين ظهرانيها. فَأَما مَا رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ ((يَا صَاحب السبتيتين، ألق سبتيتيك)) فَقَالَ الْأَصْمَعِي: السبتية من النِّعَال مَا كَانَ مدبوغا بالقرظ فَيُشبه أَن يكون إِنَّمَا حرم ذَلِك لما فِيهَا من الْخُيَلَاء؛ لِأَن السبت من لِبَاس أهل الترف والتنعم، فَأحب أَن يكون دُخُوله الْمَقَابِر على زِيّ التَّوَاضُع ولباس أهل الْخُشُوع. قلت: وَهَذَا تكلّف من الْخطابِيّ، لِأَنَّهُ قد سبق فِي مُسْند ابْن عمر أَنه كَانَ يلبس النِّعَال السبتية ويتوخى التَّشَبُّه برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نعاله، إِمَّا لِأَن نعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت سبتية أَو لِأَن السبتية تشبهها، وَمَا كَانَ ابْن عمر يقْصد التنعم بل السّنة. وَلَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيث سوى الْحِكَايَة عَمَّن يدْخل الْمَقَابِر بالنعل، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي إِبَاحَة وَلَا تَحْرِيمًا، وَيدل على أَنه أمره بخلعهما الحديث: 1596 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 احتراما للقبور أَنه نهى عَن الإستناد إِلَى الْقَبْر وَالْقعُود عَلَيْهِ. وَقَوله: ((كنت أَقُول مَا يَقُول النَّاس، فَيُقَال لَهُ: لَا دَريت)) فِيهِ دَلِيل على تَحْرِيم التَّقْلِيد فِي أصُول الدّين، وَأَنه يَنْبَغِي للعاقل أَن يكون عَارِفًا بِمَا يَعْتَقِدهُ، على يَقِين من ذَلِك لَا يُقَلّد فِيهِ أحدا؛ فَإِن الْمُقَلّد كالأعمى يتبع الْقَائِد. وَقَوله: ((وَلَا تليت)) كَذَا رُوِيَ كَذَا رُوِيَ لنا فِي الحَدِيث: قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَهُوَ غلط، قَالَ: وَفِيه قَولَانِ: بَلغنِي عَن يُونُس الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ: هُوَ: لَا دَريت [وَلَا] أتليت سَاكِنة التَّاء، يَدْعُو عَلَيْهِ بِأَن لَا تتلى إبِله: أَي لَا يكون لَهَا أَوْلَاد تتلوها: أَي تتبعها، يُقَال للناقة: قد أتلت فَهِيَ متلية، وتلاها وَلَدهَا: إِذا تبعها. قَالَ: وَقَالَ غَيره: لَا دَريت وَلَا ائتليت، على وزن: وَلَا اعتليت، إِذا وصلته، فَإِذا قطعت قلت: ائتليت، على تَقْدِير افتعلت، من قَوْلك: مَا ألوت هَذَا وَلَا استطعته. وَيُقَال: لَا آلو كَذَا: أَي لَا أستطيعه، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا دَريت وَلَا اسْتَطَعْت، وَهَذَا أشبه بِالْمَعْنَى، وَلَفظه أشبه بِاللَّفْظِ فِي الحَدِيث، أَلا ترى أَنَّك إِذا خففت الْهمزَة وأدرجت الْكَلَام وَافَقت اللَّفْظَة لَفْظَة الْمُحدث. وَقد قَالَ ابْن السّكيت: بَعضهم يَقُول: وَلَا تليت، تزويجا للْكَلَام. وَأما الثَّقَلَان فهما الْإِنْس وَالْجِنّ، سميا بالثقلين لِأَنَّهُمَا ثقل الأَرْض تحملهم أَحيَاء وأمواتا. وَالْخضر: كل شَيْء ناعم غض طري. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 1598 - / 1945 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالتسْعين: ((لَا تزَال جَهَنَّم يلقى فِيهَا وَتقول: هَل من مزِيد حَتَّى يضع رب الْعِزَّة فِيهَا قدمه)) . كَانَ من تقدم من السّلف يسكتون عِنْد سَماع هَذِه الْأَشْيَاء وَلَا يفسرونها مَعَ علمهمْ أَن ذَات الله تَعَالَى لَا تتبعض، وَلَا يحويها مَكَان، وَلَا تُوصَف بالتغير وَلَا بالإنتفال. وَمن صرف عَن نَفسه مَا يُوجب التَّشْبِيه وَسكت عَن تَفْسِير مَا يُضَاف إِلَى الله عز وَجل من هَذِه الْأَشْيَاء فقد سلك طَرِيق السّلف الصَّالح وَسلم، فَأَما من ادّعى سلوك طَرِيق السّلف ثمَّ فهم من هَذَا الحَدِيث أَن الْقدَم صفة ذاتية وَأَنَّهَا تُوضَع فِي جَهَنَّم، فَمَا عرف مَا يجب لله وَلَا مَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ، وَلَا سلك منهاج السّلف فِي السُّكُوت، وَلَا مَذْهَب المتأولين، وأخسس بِهِ من مَذْهَب ثَالِث ابتدعه من غضب من الْبدع. قَالَ أَبُو الْوَفَاء بن عقيل: تَعَالَى الله أَن يكون لَهُ صفة تشغل الْأَمْكِنَة، هَذَا عين التجسيم، ثمَّ إِنَّه لَا يعْمل فِي النَّار أمره وتكوينه حَتَّى يَسْتَعِين بِشَيْء من ذَاته، وَهُوَ الْقَائِل للنار {كوني بردا وَسلَامًا} [الْأَنْبِيَاء: 69] فَمن أَمر نَارا - أججها غَيره - بانقلاب طبعها عَن الإحراق، لَا يضع فِي نَار أججها بِأَن يأمرها بالإنزواء حَتَّى يعالجها بِصفة من صِفَاته، مَا أسخف هَذَا الإعتقاد وأبعده عَن المكون للأفلاك والأملاك، وَقد نطق الْقُرْآن بتكذيبهم، فَقَالَ تَعَالَى: {لَو كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَة مَا وردوها} [الْأَنْبِيَاء: 99] فَكيف يظنّ بِاللَّه تَعَالَى أَنه وردهَا، الحديث: 1598 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 تَعَالَى الله عَن تخاييل المتوهمة المجسمة. وَقد حكى أَبُو عبيد الْهَرَوِيّ عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ: الْقدَم: قوم يقدمهم من شرار خلقه. فَإِن قيل: كَأَن من قبل هَؤُلَاءِ مَا كَانُوا شرارا. فَالْجَوَاب: أَن الَّذِي يَقع فِي هَذَا أَنه إِذا رمي فِيهَا الْكفَّار أَولا بادرت إِلَى إحراقهم عَاجلا، وَسَأَلت الْمَزِيد، فيلقي فِيهَا قوما من الْمُؤمنِينَ المذنبين، فتحس بِمَا مَعَهم من الْإِيمَان فتتوقف عَن إحراقهم وَتقول: قطّ قطّ، أَي حسبي. وَقد ورد فِي ((الصَّحِيح)) أَنَّهَا تحرق الْمُؤمنِينَ إِلَّا دارات وُجُوههم لأجل السُّجُود. فَإِن قيل: كَيفَ يَصح هَذَا التَّأْوِيل وَسَيَأْتِي فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: ((يضع فِيهَا رجله؟)) فَالْجَوَاب: أَن هَذَا من تَحْرِيف بعض الروَاة، لِأَنَّهُ ظن أَن الْقدَم هِيَ الرجل، فروى بِالْمَعْنَى الَّذِي يَظُنّهُ، وَيُمكن أَن يرجع هَذَا إِلَى مَا ذكرنَا وَهُوَ أَن الرجل جمَاعَة، كَمَا يُقَال: رجل من جَراد. قَوْله: ينزوي: أَي ينقبض، وَمِنْه: ((زويت لي الأَرْض)) . وَلَا يكون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 الإنزواء إِلَّا بانحراف مَعَ تقبض، قَالَ الْأَعْشَى: (يزِيد، يغض الطّرف عني كَأَنَّمَا ... زوى بَين عَيْنَيْهِ عَليّ المحاجم) (فَلَا ينبسط من بَين عَيْنَيْك مَا انزوى ... وَلَا تلقني إِلَّا وأنفك راغم) وَأما قَوْله: ((قطّ قطّ)) فالطاء خَفِيفَة مَكْسُورَة، وَهِي بِمَعْنى حسب. والحسب الْكِفَايَة، وَقد رُوِيَ: ((قطني)) وَالْمرَاد حسبي، وأنشدوا: (امْتَلَأَ الْحَوْض وَقَالَ قطني ... مهلا رويدا قد مَلَأت بَطْني) وَقد رُوِيَ: قدني، وَهِي بِمَعْنى حسبي. وَقَوله: ((فينشئ للجنة خلقا)) إِن قيل: هَؤُلَاءِ الَّذين ينشئهم للجنة، كَيفَ أثيبوا بِلَا عمل؟ فَالْجَوَاب: أَن هَؤُلَاءِ إِنَّمَا يسكنون فِي فضول الْجنَّة كالحراس والخدم لأربابها، إِلَّا أَنهم يضاهون أهل الْجنَّة، بل هم أَتبَاع. 1599 - / 1946 - وَفِي الحَدِيث الْمِائَة: ((من نسي صَلَاة أَو نَام عَنْهَا فكفارتها أَن يُصليهَا إِذا ذكرهَا)) . قد سبق فِي مُسْند أبي قَتَادَة أَنه قَالَ: ((لَيْسَ فِي النّوم تَفْرِيط)) فَلم ذكر هَا هُنَا كَفَّارَة؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الْإِنْسَان قد يُخطئ فَتجب الْكَفَّارَة مثل الْقَاتِل خطأ. الحديث: 1599 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 وَالثَّانِي: أَنه لما توهموا فِي هَذَا الْفِعْل كَفَّارَة بَين لَهُم أَنه لَا كَفَّارَة، وَإِنَّمَا يجب الْقَضَاء فَقَط. 1600 - / 1947 - وَفِي الحَدِيث الأول بعد الْمِائَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتَمر أَربع عمر كلهَا فِي ذِي الْقعدَة إِلَّا الَّتِي مَعَ حجَّته: عمْرَة من الْحُدَيْبِيَة - أَو زمن الْحُدَيْبِيَة، وَعمرَة من الْعَام الْمقبل فِي ذِي الْقعدَة، وَعمرَة من جعرانة، وَعمرَة فِي حجَّته. وَحج حجَّة وَاحِدَة. وَقد رُوِيَ مثل هَذَا عَن ابْن عَبَّاس، وَرُوِيَ عَن عَائِشَة قَالَت: اعْتَمر ثَلَاثًا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح؛ لِأَن أنسا وَابْن عَبَّاس حسبا عمرته الَّتِي خرج لأَجلهَا ثمَّ حصر وَلم يصل إِلَى الْكَعْبَة، فَلذَلِك صَارَت أَرْبعا. وَأما حجَّته فَإِنَّهُ مَا حج بعد الْهِجْرَة سوى حجَّة الْوَدَاع. 1601 - / 1948 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي بعد الْمِائَة: كَانَ يضْرب شعره مَنْكِبَيْه. الْمنْكب: فرع الْكَتف. وَقد سبق بَيَان هَذَا الحَدِيث فِي مَوَاضِع. 1602 - / 1949 - والْحَدِيث الثَّالِث بعد الْمِائَة: قد تقدم فِي مُسْند ابْن مَسْعُود وَغَيره. الحديث: 1600 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 1603 - / 1951 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس بعد الْمِائَة: أهْدى أكيدر دومة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جُبَّة سندس. قد سبق فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام ذكر أكيدر دومة، وهدايا الْكفَّار. وَأما السندس فَقَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: السندس: رَقِيق الديباج، لم يخْتَلف فِيهِ الْمُفَسِّرُونَ، وَلم يخْتَلف أهل اللُّغَة فِي أَنه مُعرب، قَالَ الراجز: (وَلَيْلَة من اللَّيَالِي حندس ... لون حواشيها كلون السندس) وَقَوله: ((لمناديل سعد بن معَاذ)) قد تقدم فِي مُسْند الْبَراء. 1604 - / 1952 ، 1953 - والْحَدِيث السَّادِس بعد الْمِائَة تقدم فِي مُسْند جَابر بن عبد الله، وَكَذَلِكَ السَّابِع. 1605 / 1954 - والْحَدِيث الثَّامِن بعد الْمِائَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى شَيخا يهادى بَين ابنيه فَقَالَ: ((مَا بَال هَذَا؟)) قَالُوا: نذر أَن يمشي. الحديث: 1603 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 قَالَ: ((إِن الله عَن تَعْذِيب هَذَا نَفسه لَغَنِيّ)) وَأمره أَن يركب. يهادى بَين ابنيه: أَي يمشي بَينهمَا مُعْتَمدًا عَلَيْهِمَا لضَعْفه، وَمن فعل ذَلِك بشخص فَهُوَ يهاديه، فَإِذا فعل ذَلِك الْإِنْسَان نَفسه قيل: تهادى، قَالَ الْأَعْشَى: (إِذا مَا تأتى يُرِيد الْقيام ... تهادى كَمَا قد رَأَيْت البهيرا) وَهَذَا الرجل كَأَنَّهُ نذر الْمَشْي إِلَى الْكَعْبَة فعجز، وَمن نذر طَاعَة فعجز عَنْهَا كفر كَفَّارَة يَمِين. 1606 - / 1955 - والْحَدِيث التَّاسِع [بعد الْمِائَة] قد سبق فِي مُسْند ابْن عمر. وَفِي هَذَا الحَدِيث: ((لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم)) التعمق: طلب عمق الشَّيْء، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ تكلّف مَا لَا يلْزم. 1607 - / 1957 - والْحَدِيث الْحَادِي عشر [بعد الْمِائَة] قد سبق فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 1608 - / 1958 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر بعد الْمِائَة: ((إِنَّمَا الصَّبْر عِنْد الصدمة الأولى)) . الحديث: 1606 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 الصدمة الأولى: فَجْأَة الْمُصِيبَة. والصدم: ضرب الشَّيْء الشَّديد بِمثلِهِ. وتصادم الرّجلَانِ: تدافعا بعنف. وَمعنى الحَدِيث: أَن الصَّبْر الَّذِي هُوَ صَبر حَقِيقَة الَّذِي بِهِ يعظم الْأجر عِنْد الصدمة الأولى. وَلَفْظَة ((إِنَّمَا)) قد شرحناها فِي مُسْند عمر عِنْد قَوْله: ((إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ)) . وَهَذَا لِأَن مُرُور الزَّمَان يهون المصائب، لِأَن النسْيَان يطْرَأ، وَعمل الْقُوَّة الفكرية ينْصَرف عَمَّا تقادم عَهده إِلَى غَيره فَيَقَع الصَّبْر من غير تكلّف، وَإِنَّمَا الْقُوَّة فِي مُقَابلَة الْبلَاء عِنْد مبدأه، وَلَا يقدر على الصَّبْر حِينَئِذٍ إِلَّا أحد رجلَيْنِ: مُؤمن بِالْأَجْرِ فَهُوَ يصبر لنيل مَا يرجوه، أَو نَاظر بِعَين الْعقل إِلَى أَن الْجزع لَا فَائِدَة فِيهِ، قَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام للأشعث بن قيس: إِنَّك إِن صبرت إِيمَانًا واحتسابا، وَإِلَّا سلوت كَمَا تسلو الْبَهَائِم. وأنشدوا: (يمثل ذُو اللب فِي نَفسه ... مصائبه قبل أَن تنزلا) (فَإِن نزلت بَغْتَة لم ترعه ... لما كَانَ فِي نَفسه مثلا) (رأى الْأَمر يُفْضِي إِلَى آخر ... فصير آخِره أَولا) (وَذُو الْجَهْل يَأْمَن أَيَّامه ... وينسى مصَارِع من قد خلا) (وَإِن بدهته صروف الزَّمَان ... بِبَعْض مصائبه أعولا) (وَلَو قدم الحزم فِي أمره ... لعلمه الصَّبْر حسن البلا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 وَقَالَ آخر: (إِذا طالعك الكره ... فَكُن بِالصبرِ لِوَاذًا) (وَإِلَّا ذهب الْأجر ... فَلَا هَذَا وَلَا هَذَا) 1609 - / 1959 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر بعد الْمِائَة: إِنِّي لَا آلو أَن أُصَلِّي بكم كَمَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِنَا. قَالَ ثَابت: فَكَانَ إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع انتصب قَائِما. اعْلَم أَن الإعتدال من الرُّكُوع ركن من أَرْكَان الصَّلَاة عندنَا، وَكَذَلِكَ الطُّمَأْنِينَة فِي الْقعُود بَين السَّجْدَتَيْنِ واللبث بِمِقْدَار مَا يَقُول المنتصب من الرُّكُوع: سمع الله لمن حَمده، رَبنَا وَلَك الْحَمد، وَكَذَلِكَ اللّّبْث عِنْد الرّفْع من السُّجُود بِمِقْدَار مَا يَقُول: رب اغْفِر لي، وَقَول ذَلِك وَاجِب أَيْضا، وَمَا زَاد على ذَلِك كَقَوْلِه بعد رَبنَا وَلَك الْحَمد: ملْء السَّمَوَات وَالْأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد. وتكرار قَوْله: رب اغْفِر لي، من المسنونات فِي الصَّلَاة. 1610 - / 1960 - والْحَدِيث الرَّابِع عشر بعد الْمِائَة: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عمر. 1611 - / 1961 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر بعد مائَة: بَيْنَمَا أَنا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خارجان من الْمَسْجِد لَقينَا رجل عِنْد سدة الْمَسْجِد الحديث: 1609 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 فَقَالَ: يَا رَسُول الله، مَتى السَّاعَة؟ قَالَ: ((مَا أَعدَدْت لَهَا؟)) فَكَأَن الرجل قد استكان. سدة الْمَسْجِد: ظلاله الَّتِي حوله، وفناؤه. واستكان: بِمَعْنى خضع. وَأما قصد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله: ((مَا أَعدَدْت لَهَا؟)) فَيحْتَمل شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: أَن ينظر: هَل سُؤَاله سُؤال مكذب بهَا، أَو خَائِف لَهَا، أَو راج لخيرها؟ وَالثَّانِي: أَن المُرَاد تهويل أمرهَا، فَكَأَنَّهُ يَقُول: شَأْنهَا شَدِيد، فَبِمَ تلقاها؟ فَلَمَّا تكلم بِمَا يَقْتَضِي الْإِيمَان ألحقهُ بِمن يُحِبهُ لحسن نِيَّته وقصده. وَقَول أنس: كَانَ من أقراني: أَي فِي السن، وَكَذَلِكَ: من أترابي، والأتراب: المتساوون فِي السن، واحدهم ترب. وَقَوله: ((إِن أخر هَذَا لم يُدْرِكهُ الْهَرم حَتَّى تقوم السَّاعَة)) اعْلَم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتَكَلَّم بأَشْيَاء على سَبِيل الظَّن وَالْقِيَاس، وَالظَّن وَالْقِيَاس دَلِيل مَعْمُول عَلَيْهِ، وَلَا ينْسب إِلَى الْخَطَأ من عمل على دَلِيل، فَلَمَّا قربت لَهُ السَّاعَة، وَقيل لَهُ: {أَتَى أَمر الله} [النَّحْل: 1] كَانَ يَظُنهَا بِتِلْكَ الأمارات قريبَة جدا، وَلِهَذَا قَالَ فِي الدَّجَّال: ((إِن يخرج وَأَنا فِيكُم فَأَنا حجيجه)) وَقد سبق فِي مُسْند طَلْحَة أَنه قَالَ فِي تلقيح النّخل: ((مَا أَظن ذَاك يُغني شَيْئا)) ثمَّ قَالَ: ((إِنَّمَا ظَنَنْت، فَلَا تؤاخذوني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 بِالظَّنِّ)) وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث أنس أَنه قَالَ فِي تلقيح النّخل: ((لَو لم تَفعلُوا لصلح)) فَخرج شيصا، فَهَذَا يدل على أَنه قَالَه بِالظَّنِّ، وَلذَلِك اعتذر فِي حَدِيث طَلْحَة، فَكَانَ هَذَا مِمَّا ظن بدلائل الأمارات لَا مِمَّا أُوحِي إِلَيْهِ بالتصريح. وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ بالساعة موت الكائنين فِي ذَلِك الزَّمَان كَمَا سبق فِي مُسْند ابْن عمر: أَنه خرج عَلَيْهِم لَيْلَة فَقَالَ: ((أَرَأَيْتُم ليلتكم هَذِه، فَإِن رَأس مائَة سنة مِنْهَا لَا يبْقى مِمَّن هُوَ على ظهر أحد)) وَسَيَأْتِي فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند عَائِشَة: أَن قوما سَأَلُوهُ عَن السَّاعَة، فَنظر إِلَى أَصْغَرهم فَقَالَ: ((إِن يَعش هَذَا لَا يُدْرِكهُ الْهَرم حَتَّى تقوم عَلَيْكُم سَاعَتكُمْ)) قَالَ هِشَام بن عُرْوَة: يَعْنِي مَوْتهمْ. 1612 - / 1962 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر بعد الْمِائَة: خدمت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشر سِنِين، وَالله مَا قَالَ لي أُفٍّ قطّ. فِي ((أُفٍّ)) عشر لُغَات: إِحْدَاهَا: أُفٍّ بِالْكَسْرِ من غير تَنْوِين، وَبهَا قَرَأَ أَبُو عَمْرو. الحديث: 1612 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 وَالثَّانيَِة: أُفٍّ بِالْفَتْح من غير تَنْوِين، وَبهَا قَرَأَ ابْن كثير. وَالثَّالِثَة: أُفٍّ بِالْكَسْرِ والتنوين، وَبهَا قَرَأَ نَافِع. وَالرَّابِعَة: أُفٍّ بِالرَّفْع والتنوين، وَبهَا قَرَأَ ابْن يعمر. وَالْخَامِسَة: أُفٍّ بِالرَّفْع من غير تَنْوِين مَعَ تَشْدِيد الْفَاء، وَبهَا قَرَأَ أَبُو عمرَان الْجُوَيْنِيّ. وَالسَّادِسَة: أفا مثل تعسا، وَبهَا قَرَأَ عَاصِم الجحدري. وَالسَّابِعَة: أُفٍّ بِإِسْكَان الْفَاء وتخفيفها، وَبهَا قَرَأَ عِكْرِمَة. وَالثَّامِنَة: أَفِي بتَشْديد الْفَاء وَكسرهَا وياء، وَبهَا قرا أَبُو الْعَالِيَة. والتاسعة: إف بِكَسْر الْألف وَالْفَاء. والعاشرة: أفة. وَفِي معنى أُفٍّ خَمْسَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه وسخ الظفر، قَالَه الْخَلِيل. وَالثَّانِي: وسخ الْأذن، قَالَه الْأَصْمَعِي. وَالثَّالِث: قلامة الظفر، قَالَه ثَعْلَب. وَالرَّابِع: أَن الأف الإحتقار والإستصغار من الأفف، والأفف عِنْد الْعَرَب الْقلَّة، ذكره ابْن الْأَنْبَارِي. وَالْخَامِس: أَن الأف مَا رفعته من الأَرْض من عود أَو قَصَبَة، حَكَاهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 ابْن فَارس وقرأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور قَالَ: معنى أُفٍّ: النتن والتضجر، وَأَصلهَا نفخك الشَّيْء يسْقط عَلَيْك من تُرَاب ورماد، وللمكان يُرِيد إمَاطَة الْأَذَى عَنهُ، فَقيل لكل مستثقل. وَقَوله: مَا قَالَ لي: لم فعلت. اعْلَم أَنه اتّفق فِي هَذَا ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهَا: كَون أنس صَبيا، وَالصَّبِيّ يصفح عَن خطئه. وَالثَّانِي: أَنه كَانَ عَاقِلا، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو طَلْحَة: إِن أنسا غُلَام كيس: أَي عَاقل. وَلَقَد قَالَت لَهُ أمه: أَيْن تذْهب يَا أنس؟ قَالَ: فِي حَاجَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَت: مَا هِيَ؟ قَالَ: إِنَّهَا سر، وَلم يخبرها، وَمَتى كَانَ الْخَادِم عَاقِلا لم يلم، وَقد أنشدوا: (إِذا كنت فِي حَاجَة مُرْسلا ... فَأرْسل حكيما وَلَا توصه) وَالثَّالِث: حلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعفوه. فلهذه الْأَشْيَاء امْتنع لوم أنس. 1613 - / 1963 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر بعد الْمِائَة: حجمه أَبُو طيبَة. وَقد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. الحديث: 1613 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 وَفِيه: ((إِن أمثل مَا تداويتم بِهِ الْحجامَة والقسط البحري)) . وَقَالَ: ((لَا تعذبوا صِبْيَانكُمْ بالغمز من الْعذرَة)) . الْعذرَة: وجع الْحلق، يُقَال: عذرت الْمَرْأَة الصَّبِي؛ إِذا كَانَت بِهِ الْعذرَة: وَهِي وجع الْحلق، فغمزته. وَسَيَأْتِي هَذَا مشروحا فِي مُسْند أم قيس. 1614 - / 1964 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر بعد الْمِائَة: نهى عَن بيع الثَّمر حَتَّى يزهو. فَقُلْنَا لأنس: مَا زهوها؟ قَالَ: تحمر وَتَصْفَر، قَالَ: ((أَرَأَيْت إِن منع الله الثَّمَرَة، بِمَ تستحل مَال أَخِيك؟)) وَفِي لفظ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ((إِن لم يثمرها الله، فَبِمَ تستحل مَال أَخِيك؟)) . وَقد سبق هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند ابْن عمر. وَقَوله: أَرَأَيْت إِن من الله الثَّمَرَة، بِمَ تستحل مَال أَخِيك؟)) ظَاهره أَنه من كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَذَلِك رَوَاهُ مَالك، وَخَالفهُ الْأَكْثَرُونَ فجعلوه من كَلَام أنس. أَنبأَنَا عبد الْوَهَّاب الْحَافِظ قَالَ: أخبرنَا جَعْفَر ابْن أَحْمد قَالَ: أَنبأَنَا أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت قَالَ: روى مَالك بن أنس هَذَا الحَدِيث عَن حميد عَن أنس فرفعه، وَفِيه: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((أَرَأَيْت إِذا منع الله الثَّمَرَة، فَبِمَ يَأْخُذ أحدكُم مَال أَخِيه؟)) وَهَكَذَا رَوَاهُ عَن مَالك أَصْحَابه لم يَخْتَلِفُوا فِيهِ. وَوهم مَالك فِي هَذَا؛ لِأَن قَوْله: أَفَرَأَيْت إِن منع الله الثَّمَرَة ... إِلَى آخر الْمَتْن كَلَام أنس، وَقد بَين ذَلِك يزِيد بن هَارُون وَعبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي وَأَبُو خَالِد الْأَحْمَر وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر، كلهم فِي روايتهم هَذَا الحَدِيث عَن الحديث: 1614 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 حميد، وفصلوا كَلَام أنس من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَوله: ((بِمَ تستحل مَال أَخِيك؟)) دَلِيل على أَن حكم الثِّمَار - إِذا لم يشْتَرط فِيهَا الْقطع - التبقية، وَأَن الْعرف فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة الشَّرْط. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن مَا تهلكه الجوائح من ضَمَان البَائِع، وَقد بَينا هَذَا فِي مُسْند جَابر. 1615 - / 1965 - والْحَدِيث التَّاسِع عشر بعد الْمِائَة: قد سبق فِي مُسْند أبي سعيد الْخُدْرِيّ. 1616 - / 1966 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين بعد الْمِائَة: ((تسموا باسمي وَلَا تكتنوا بكنيتي)) قد سبق الْكَلَام فِي هَذَا فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. 1617 - / 1967 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ركب حمارا وَانْطَلق إِلَى عبد الله بن أبي فَقَالَ: إِلَيْك عني، وَالله لقد آذَانِي حِمَارك. كَانَ ابْن أبي يظْهر الْإِسْلَام ثمَّ تظهر مِنْهُ فلتات تدل على نفَاقه، ثمَّ يتَأَوَّل لما قَالَ مرّة، وينكر أُخْرَى، فَحَمله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على علاته. الحديث: 1615 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 1618 - / 1968 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: انْطلق ابْن مَسْعُود فَوجدَ أَبَا جهل قد ضربه ابْنا عفراء حَتَّى برد، فَأخذ بلحيته فَقَالَ: أَنْت أَبُو جهل؟ وَفِي لفظ: أَنْت أَبَا جهل؟ وَقَالَ: لَو غير أكار قتلني. كَذَا رُوِيَ فِي هَذَا الحَدِيث ((ابْنا عفراء)) وَقد ذكرنَا فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن أَبَا جهل قَتله معَاذ بن عَمْرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء، وَابْن الجموح لَيْسَ من أَوْلَاد عفراء. وَقد ذكرنَا أولاء عفراء الَّذين شهدُوا بَدْرًا وهم سَبْعَة، وَذكرنَا نَسَبهَا أَيْضا فِي مُسْند ابْن عَوْف. ومعاذ بن عفراء مِمَّن بَاشر قتل أبي جهل، فَلَعَلَّ بعض إخْوَته أَعَانَهُ أَو حَضَره، أَو أَن يكون الحَدِيث ((ابْن عفراء)) فغلط الرَّاوِي فَقَالَ: ((ابْنا عفراء)) وَالله أعلم. وَبرد بِمَعْنى ثَبت، أَي أثبتته الْجراحَة فَلم تمكنه أَن يبرح. وَفِي بعض الْأَحَادِيث: برك. وَإِنَّمَا ذكر ابْن مَسْعُود كنيته استهزاء. فَقَالَ: أَنْت أَبُو جهل؟ كَقَوْلِه: {أَنْت الْعَزِيز الْكَرِيم} [الدُّخان: 49] . فَأَما من روى: أَنْت أَبَا جهل؟ أَرَادَ: أَنْت هَذَا يَا أَبَا جهل. والأكار: الزراع، سمي بذلك لحفره الأَرْض فِي الزِّرَاعَة. والأكرة: الحفرة، وَجَمعهَا أكر. 1619 - / 1970 - والْحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة: قد سبق فِي الحديث: 1618 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 مُسْند أبي مُوسَى. 1620 - / 1971 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: أَنا أول شَفِيع فِي الْجنَّة. أَي فِي دُخُول الْجنَّة. 1621 - / 1973 - والْحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة: قد سبق الْكَلَام عَلَيْهِ فِي مُسْند عَليّ. 1622 - / 1975 - وَالتَّاسِع وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة: قد سبق فِي مُسْند عمر بن الْخطاب. 1623 - / 1976 - وَفِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: انهزم النَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد وَأَبُو طَلْحَة بَين يَدَيْهِ مجوب عَلَيْهِ بحجفة. أَي سَاتِر للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَاطع بَينه وَبَين الْعَدو بحجفة: وَهِي ترس صَغِير. والنزع: مد الْقوس. والجعبة: خريطة النشاب من جُلُود. والخدم جمع خدمَة: وَهِي الخلخال، وَقد تسمى الساقان خدمتين لِأَنَّهُمَا مَوضِع الخدمتين. والمتون جمع متن، وَقد بَيناهُ فِي الحَدِيث الرَّابِع والثمانين من هَذَا الْمسند. الحديث: 1620 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 وَأما وُقُوع السَّيْف فلأجل مَا ألقِي عَلَيْهِم يَوْم أحد من النّوم الَّذِي أُشير إِلَيْهِ بقوله تَعَالَى: {إِذْ يغشيكم النعاس أَمَنَة مِنْهُ} [الْأَنْفَال: 11] . وَقد وَقعت كَلِمَات مصحفة فِي هَذَا الحَدِيث من كتاب البُخَارِيّ إِلَّا أَنه لم يذكرهَا الْحميدِي، وَذكرهَا أَبُو سُلَيْمَان، مِنْهَا: وَكَانَ راميا شَدِيد الْقد، بِالْقَافِ، وَقَالَ: أرَاهُ الْمَدّ. قَالَ: وَيحْتَمل: شَدِيد الْقد بِكَسْر الْقَاف، يُرِيد بِهِ وتر الْقوس. وَمِنْهَا تنقزان الْقرب. وَإِنَّمَا هُوَ تزفران. 1624 - / 1977 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: ((ليردن عَليّ الْحَوْض رجال مِمَّن صاحبني، إِذا رَأَيْتهمْ وَرفعُوا لي اختلجوا دوني)) قد سبق هَذَا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود وَغَيره. 1625 - / 1980 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: ((يَا بني النجار، ثامنوني بحائطكم هَذَا)) . قَوْله: ((ثامنوني)) أَي قدرُوا ثمنه لأشتريه مِنْكُم. قَوْله: وَكَانَ فِيهِ نخل وَخرب. الرِّوَايَة الْمَعْرُوفَة خرب بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة وَالرَّاء الْمَكْسُورَة، جمع خربة، كَمَا يُقَال: كلم وَكلمَة. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: حدّثنَاهُ الْخيام بِكَسْر الْخَاء وَفتح الرَّاء، وَهُوَ جمع الخراب. وَقَالَ اللَّيْث: لُغَة تَمِيم خرب، والواحدة الحديث: 1624 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 خربة، إِلَّا أَن قَوْله: فَأمر بالخرب فسويت يدل على أَن الصَّوَاب فِيهِ إِمَّا الخرب بِضَم الْخَاء جمع خربة: وَهِي الخروق الَّتِي فِي الأَرْض، إِلَّا أَنهم يخصون بِهَذَا الإسم كل ثقبة مستديرة من جلد كَانَت أَو فِي أَرض أَو جِدَار. وَإِمَّا أَن تكون الرِّوَايَة الجرف وَجمع الجرفة، وَهِي جمع الجرف، كَمَا قيل: خرج وخرجة، وترس وترسة، وَأبين مِنْهَا فِي الصَّوَاب إِن ساعدته الرِّوَايَة: حدب: وَهُوَ جمع الحدبة، وَهُوَ الَّذِي يَلِيق بقوله: فسويت، وَإِنَّمَا يسوى الْمَكَان المحدودب، أَو مَوضِع من الأَرْض فِيهِ خروق، فَأَما الخرب فَإِنَّهُ تعمر وَلَا تسوى. 1626 - / 1981 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: ((أَبَا عُمَيْر، مَا فعل النغير؟)) . قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: النغير: طَائِر صَغِير، وَيجمع على النغران. وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَن صيد الْمَدِينَة مُبَاح، وَفِيه: إِبَاحَة السجع فِي الْكَلَام. وَفِيه: جَوَاز الدعابة مَا لم يكن إِثْمًا. وَفِيه: إِبَاحَة تَصْغِير الْأَسْمَاء. وَفِيه: أَنه كناه وَلم يكن لَهُ ولد، فَلم يدْخل ذَلِك فِي بَاب الْكَذِب. 1627 - / 1982 - والْحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَة: فِي مُسْند الحديث: 1626 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 عُرْوَة الْبَارِقي. 1628 - / 1983 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: أَقَمْنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرا - يَعْنِي بِمَكَّة - نقصر الصَّلَاة. عندنَا أَنه إِذا نوى الْمُسَافِر إِقَامَة بِبَلَد يزِيد على أَرْبَعَة أَيَّام أتم، وَعَن أَحْمد: إِذا نوى إِقَامَة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين صَلَاة أتم. وَلَا تخْتَلف الرِّوَايَة أَنه يحْتَسب يَوْم الدُّخُول وَيَوْم الْخُرُوج. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: إِذا نوى إِقَامَة أَرْبَعَة أَيَّام غير الدُّخُول وَالْخُرُوج، فنحمل نَحن هَذَا الحَدِيث على أَنه لم ينْو إِقَامَة هَذِه الْمدَّة، بل كَانَ يَقُول: الْيَوْم أخرج، وَغدا أخرج. وَمَتى أَقَامَ لقَضَاء حَاجَة وَلم ينْو الْإِقَامَة قصر أبدا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا نوى خَمْسَة عشر يَوْمًا أتم. 1629 - / 1984 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: قيل لأنس: أَكُنْتُم تَكْرَهُونَ السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة؟ قَالَ: نعم، لِأَنَّهَا كَانَت من شَعَائِر الْجَاهِلِيَّة، حَتَّى أنزل الله عز وَجل: {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} [الْبَقَرَة: 158] . قَالَ الشّعبِيّ: كَانَ على الصَّفَا وثن يدعى إساف، وعَلى الْمَرْوَة وثن يدعى نائلة، فَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يسعون بَينهمَا ويمسحونهما، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام كفوا عَن السَّعْي بَينهمَا، فَنزلت هَذِه الْآيَة. قَالَ الحديث: 1628 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 الزّجاج: الصَّفَا فِي اللُّغَة الْحِجَارَة الصلبة الصلدة الَّتِي لَا تنْبت شَيْئا، وَهُوَ جمع واحده صفاة وَصفا، مثل حَصَاة وحصا. والمروة: الْحِجَارَة اللينة. وَهَذَانِ الموضعان من شَعَائِر الله: أَي من أَعْلَام متعبداته، وَوَاحِد الشعائر شعيرَة. والشعائر كل مَا كَانَ من موقف أَو مسعى أَو ذبح. وَالْحج: الْقَصْد، وكل قَاصد شَيْئا فقد [حجه، وَكَذَلِكَ كل قَاصد شَيْئا فقد] اعْتَمر. والجناح: الْإِثْم، أَخذ من جنح: إِذا مَال وَعدل، وَأَصله من جنَاح الطَّائِر. وَإِنَّمَا اجْتنب الْمُسلمُونَ الطّواف بَينهمَا لمَكَان الْأَوْثَان، فَقيل لَهُم: إِن نصب الْأَوْثَان بَينهمَا قبل الْإِسْلَام لَا يُوجب اجتنابهما. 1630 - / 1985 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: قلت لأنس: أبلغك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ((لَا حلف فِي الْإِسْلَام؟)) قَالَ: قد حَالف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين قُرَيْش وَالْأَنْصَار فِي دَاري. الْحلف: العقد والعهد، وَكَانُوا يتحالفون فِي الْجَاهِلِيَّة على نصر بَعضهم الْبَعْض فِي كل مَا يَفْعَلُونَهُ، فهدم الْإِسْلَام ذَلِك. وَالْمرَاد بقوله: حَالف بَين قُرَيْش وَالْأَنْصَار، المؤاخاة، للإئتلاف على الْإِسْلَام، وَإِنَّمَا سَمَّاهَا أنس محالفة لِأَن مَعْنَاهَا معنى المحالفة. وَقد أَشَرنَا إِلَى المؤاخاة فِي مُسْند عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. الحديث: 1630 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 1631 - / 1986 - وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين بعد الْمِائَة: قدم عَليّ من الْيمن، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((بِمَ أَهلَلْت؟)) قَالَ: بإهلال [أَو] كإهلال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: ((لَوْلَا أَن معي الْهَدْي لأحللت)) . لما خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه يقصدون الْحَج، ثمَّ أَمر أَصْحَابه أَن يفسخوه إِلَى الْعمرَة - كَمَا ذكرنَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس - لم يُمكنهُ الْفَسْخ لِأَنَّهُ سَاق الْهَدْي. وَهَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه فِي مُسْند جَابر بن عبد الله، وَقد بَيناهُ ثمَّ. 1632 - / 1988 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خرج لِحَاجَتِهِ تَبعته أَنا وَغُلَام منا، مَعنا إداوة من مَاء يستنجي بِهِ. الْإِدَاوَة: إِنَاء من جُلُود كالركوة. وَأما الإستنجاء فَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: هُوَ التمسح بالأحجار، وَأَصله من النجوة: وَهِي الإرتفاع من الأَرْض، وَكَانَ الرجل إِذا أَرَادَ قَضَاء الْحَاجة تستر بنجوة من الأَرْض فَقَالُوا: ذهب ينجو، كَمَا قَالُوا: ذهب يتغوط، إِذا أَتَى الْغَائِط: وَهُوَ المطمئن من الأَرْض لقَضَاء الْحَاجة، ثمَّ سمي الْحَدث نَجوا، واشتق مِنْهُ: قد استنجى: إِذا مسح مَوْضِعه أَو غسله. الحديث: 1631 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 1633 - / 1989 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: قَالَ أَبُو جهل: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء أَو ائتنا بِعَذَاب أَلِيم، فَنزلت: {وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت فيهم} إِلَى آخر الْآيَتَيْنِ [الْأَنْفَال: 33، 34] . أَكثر الْمُفَسّرين على أَن الْقَائِل لهَذَا النَّضر بن الْحَارِث، غير أَن هَذِه الطَّرِيق إِلَى أنس أثبت. وَفِي الْمشَار إِلَيْهِ بقوله: ((هَذَا)) ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه الْقُرْآن. وَالثَّانِي: كل مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالثَّالِث: إكرام مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالنُّبُوَّةِ. وَالْكِنَايَة فِي قَوْله: {ليعذبهم} عَائِدَة إِلَى أهل مَكَّة. وَفِي معنى {وَأَنت فيهم} قَولَانِ: أَحدهمَا: وَأَنت مُقيم بَين أظهرهم، قَالَ ابْن عَبَّاس: لم تعذب قَرْيَة حَتَّى يخرج نبيها والمؤمنون مَعَه. وَالثَّانِي: وَأَنت حَيّ. وَفِي قَوْله: {وَمَا كَانَ الله معذبهم وهم يَسْتَغْفِرُونَ} أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: مَا كَانَ معذب الْمُشْركين وَفِيهِمْ من قد سبق لَهُ يُؤمن، قَالَه الحديث: 1633 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: وَمَا كَانَ الله معذب الْمُشْركين وهم - يَعْنِي الْمُؤمنِينَ الَّذين بَينهم - يَسْتَغْفِرُونَ، قَالَه الضَّحَّاك. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وصفوا بِصفة بَعضهم لبَعض، لِأَن الْمُؤمنِينَ بَين أظهرهم، فأوقع الْعُمُوم على الْخُصُوص، كَمَا يُقَال: قتل أهل الْمَسْجِد رجلا، وَلَعَلَّه لم يفعل ذَلِك إِلَّا رجل مِنْهُم. وَالثَّالِث: وَمَا كَانَ الله معذبهم وَفِي أصلابهم من يسْتَغْفر، قَالَه مُجَاهِد: قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: فَمَعْنَى تعذيبهم إهلاكهم، فوصفهم بِصفة ذَرَارِيهمْ كَمَا فِي الْجَواب الَّذِي قبله. وَالرَّابِع: أَن الْمَعْنى: لَو اسْتَغْفرُوا لما عذبهم وَلَكنهُمْ لم يَسْتَغْفِرُوا فاستحقوا الْعَذَاب، وَهَذَا كَمَا تَقول الْعَرَب: مَا كنت لأهينك وَأَنت تكرمني، يُرِيدُونَ: مَا كنت لأهينك لَو أكرمتني، فَأَما إِذْ لست تكرمني فَأَنت مُسْتَحقّ لإهانتي، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى ذهب قَتَادَة وَالسُّديّ، وَهُوَ اخْتِيَار اللغويين. وَقَوله: {وَمَا لَهُم أَلا يعذبهم} هَذِه الْآيَة أجازت تعذيبهم، وَالْأولَى نفت ذَلِك، وَهل المُرَاد بِهَذَا الْعَذَاب الأول أم لَا؟ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهَا: أَن الأول امْتنع لشيئين: أَحدهمَا كَون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيهم. وَالثَّانِي: كَون الْمُؤمنِينَ المستغفرين بَينهم، فَلَمَّا وَقع التَّمْيِيز بِالْهِجْرَةِ وَقع الْعَذَاب بالباقين يَوْم بدر، وَقيل: بِفَتْح مَكَّة. وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ، ثمَّ فِي ذَلِك قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 الْعَذَاب الثَّانِي قتل بَعضهم يَوْم بدر، وَالْأول استئصال الْكل، فَلم يَقع الأول لما قد علم من إِيمَان بَعضهم وَإِسْلَام بعض ذَرَارِيهمْ، وَوَقع الثَّانِي. وَالثَّانِي: أَن الْعَذَاب الأول عَذَاب الدُّنْيَا، وَالثَّانِي عَذَاب الْآخِرَة. 1634 - / 1990 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجد تَمْرَة فَقَالَ: ((لَوْلَا أَن تكون - وَفِي لفظ: لَوْلَا أَنِّي أَخَاف أَن تكون - من الصَّدَقَة لأكلتها)) . اللَّفْظ الثَّانِي فسر الأول، وَهُوَ أصل فِي الْوَرع، وَهُوَ أَيْضا يدل على أَن مَا لَا تتبعه النَّفس لَا يعرف وَيجوز تنَاوله، وَلَا يجب التَّصَدُّق بِهِ. 1635 - / 1993 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يغْتَسل بِخمْس مكاكيك، وَيتَوَضَّأ بمكوك. المكوك: إِنَاء يسع نَحْو الْمَدّ، مَعْرُوف عِنْدهم. 1636 - / 1995 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: كَانَ أَكثر دُعَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((اللَّهُمَّ آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة، وقنا عَذَاب النَّار)) . الْحَسَنَة: الشَّيْء الْحسن، وَقد اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي حَسَنَة الدُّنْيَا الحديث: 1634 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 على سَبْعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنَّهَا الْمَرْأَة الصَّالِحَة، قَالَه عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. وَالثَّانِي: الْعِبَادَة: رَوَاهُ سُفْيَان بن حُسَيْن عَن الْحسن. وَالثَّالِث: الْعلم وَالْعِبَادَة، رَوَاهُ هِشَام عَن الْحسن. وَالرَّابِع: المَال، قَالَه أَبُو وَائِل. وَالْخَامِس: الْعَافِيَة، قَالَه قَتَادَة. وَالسَّادِس: الرزق الْوَاسِع، قَالَه مقَاتل. وَالسَّابِع: النِّعْمَة، قَالَه ابْن قُتَيْبَة. وَفِي حَسَنَة الْآخِرَة ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: الْحور الْعين، قَالَه عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. وَالثَّانِي: الْجنَّة، قَالَه الْحسن. وَالثَّالِث: الْعَفو وَالْمَغْفِرَة، قَالَه الثَّوْريّ. 1637 - / 1996 - وَفِي الحَدِيث الْخمسين بعد الْمِائَة: ((لن يبرح النَّاس يسْأَلُون حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا الله خَالق كل شَيْء، فَمن خلق الله؟)) . اعْلَم أَن الباحث عَن هَذَا إِنَّمَا هُوَ الْحس، لِأَن الْحس لم يعرف وجود شَيْء إِلَّا بِشَيْء، وَمن شَيْء، فَأَما الْعقل الَّذِي هُوَ الْحَاكِم الْمَقْطُوع بِحكمِهِ، فقد علم أَنه لابد من خَالق غير مَخْلُوق، إِذْ لَو كَانَ مخلوقا لاحتاج إِلَى خَالق، ثمَّ بتسلسل إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ، والمتسلسل بَاطِل، وَإِنَّمَا أثبت الْعقل صانعا، لِأَنَّهُ رأى المحدثات مفتقرة إِلَى مُحدث، فَلَو افْتقر الْمُحدث إِلَى مُحدث كل مُحدثا. 1638 - / 1997 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْخمسين بعد الْمِائَة: رأى الحديث: 1637 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 رجلا يَسُوق بَدَنَة، فَقَالَ: ((اركبها)) ، وَقد تكلمنا على هَذَا فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. 1639 - / 1999 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْخمسين بعد الْمِائَة: إِن الرّبيع كسرت ثنية جَارِيَة. الرّبيع من الصحابيات أَربع: الرّبيع بنت حَارِثَة، وَالربيع بنت الطُّفَيْل، وَالربيع بنت معوذ، وَالربيع بنت النَّضر عمَّة أنس، وَهِي صَاحِبَة هَذِه الْقِصَّة، وكلهن بايعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يرو عَنهُ مِنْهُنَّ غير بنت معوذ، وَقد أخرج لَهَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) على مَا سَيَأْتِي ذكرهَا فِي مسندها إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: لَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ، لَا تكسر سنّهَا. كَأَنَّهُ حلف: لَا يجْرِي الْقدر بِهَذَا، طَمَعا فِي فضل الله تَعَالَى أَن يصرف عَنْهَا ذَلِك، فأبره: أَعَانَهُ على الْبر وَلم يحنثه. 1640 - / 2002 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْخمسين بعد الْمِائَة: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفْطر من الشَّهْر حَتَّى نظن أَنه لَا يَصُوم مِنْهُ، ويصوم حَتَّى نظن أَلا يفْطر مِنْهُ شَيْئا. ظَاهر هَذَا الحَدِيث أَنه كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يَصُوم عدد مَا يفْطر، وَيفْطر عدد مَا يَصُوم، فَيصير مثل من يَصُوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا. وَإِنَّمَا كَانَ يجمع أَيَّام الْفطر وَأَيَّام الصَّوْم، وَقد كَانَ ينَام بِقدر مَا يقوم، الحديث: 1639 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 وَيقوم بِقدر مَا ينَام. 1641 - / 2003 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْخمسين بعد الْمِائَة: ((تسحرُوا؛ فَإِن فِي السّحُور بركَة)) . السّحُور بِفَتْح السِّين: اسْم مَا يُؤْكَل فِي ذَلِك الْوَقْت، وَكَذَلِكَ الفطور والبخور والسفوف واللبوس والسنون والسعوط وَالْوُضُوء. 1642 - / 2004 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْخمسين بعد الْمِائَة: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل الْخَلَاء وَفِي لفظ: الكنيف - قَالَ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْخبث والخبائث)) . الْخَلَاء: الْمَكَان الْخَالِي، وَهُوَ هَاهُنَا كِنَايَة، عَن مَوضِع الْحَدث. والكنيف: أَصله السَّاتِر - قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَمِنْه قيل للترس كنيف: أَي سَاتِر. وَكَانُوا قبل أَن يحدث الكنيف يقضون حوائجهم فِي البراحات والصحاري، فَلَمَّا حفروا فِي الأَرْض آبارا تسترا للْحَدَث سميت كنفا. وَالْبَاء فِي الْخبث سَاكِنة، كَذَلِك ضبطناه عَن أشياخنا فِي كتاب أبي عبيد وَغَيره. ثمَّ فِي مَعْنَاهُ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه الشَّرّ، قَالَه أَبُو عبيد. وَالثَّانِي: الْكفْر، قَالَه ابْن الْأَنْبَارِي. وَزعم أَبُو سُلَيْمَان الحديث: 1641 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 الْخطابِيّ أَن تسكين الْبَاء غلط، وَأَن الصَّوَاب ضمهَا، قَالَ: وَهِي جمع الْخَبيث، والخبائث جمع الخبيثة، وَالْمرَاد: ذكران الشَّيَاطِين وإناثهم. وَلَا أَدْرِي من أَيْن لَهُ هَذَا التحكم وَهُوَ يروي أَن ابْن الْأَعرَابِي كَانَ يَقُول: أصل الْخبث فِي كَلَام الْعَرَب الْمَكْرُوه، فَإِن كَانَ من الْكَلَام فَهُوَ الشتم، وَإِن كَانَ من الْملَل فَهُوَ الْكفْر، وَإِن كَانَ من الطَّعَام فَهُوَ الْحَرَام، وَإِن كَانَ من الشَّرَاب فَهُوَ الضار. فَإِن صَحَّ التَّعَوُّذ من الْمَكْرُوه فَمَا وَجه الْإِنْكَار؟ بل مَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَة أولى؛ لِأَنَّهُ يحصل فائدتين: التَّعَوُّذ من الْمَكْرُوه فَيدْخل فِي ذَلِك كل شَرّ، والتعوذ من الشَّيَاطِين وَهُوَ اسْم يعم ذكورها وإناثها، كَذَلِك قَالَ أَبُو عبيد: الْخَبَائِث: الشَّيَاطِين، وَلم يَجعله اسْما للإناث دون الذُّكُور. 1643 - / 2005 - والْحَدِيث التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة: قد سبق فِي مُسْند عمر. 1644 - / 2007 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: نهى أَن يتزعفر الرجل. التزعفر: التضمخ بالزعفران واستعماله فِيمَا يظْهر على الرِّجَال. وَقد جَاءَ فِي حَدِيث آخر: ((طيب الرِّجَال مَا خَفِي لَونه وَظهر رِيحه، الحديث: 1643 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 وَطيب النِّسَاء مَا ظهر لَونه وخفي رِيحه)) . 1645 - / 2008 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: أَنهم كَانُوا يصلونَ رَكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب. وَوجه هَذَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: ((بَين كل أذانين صَلَاة لمن شَاءَ)) . وَإِذا غربت الشَّمْس حل التَّنَفُّل. 1646 - / 2009 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} [الْفَتْح: 1] قَالَ: الْحُدَيْبِيَة. وَقد ذكرنَا وَجه كَونه فتحا فِي مُسْند الْبَراء بن عَازِب. 1647 - / 2011 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: أَن أم سليم كَانَت تبسط لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نطعا فيقيل عِنْدهَا، فَإِذا قَامَ أخذت من عرقه وشعره فجمعته فِي قَارُورَة ثمَّ جعلته فِي سك. السك: نوع من الطّيب. وَقد ذكرنَا فِيمَا تقدم أَنه كَانَ ينبسط فِي بَيت أم سليم لِأَنَّهَا كَانَت ذَات قرَابَة مِنْهُ. والعتيدة: شَيْء تخفظ فِيهِ حوائجها كالزنفليجة. والعتيد: الشَّيْء الْمعد. الحديث: 1645 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 والسلت: جرف الْمَائِع بِالْيَدِ باستقصاء. 1648 - / 2012 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: دَخَلنَا على أبي سيف الْقَيْن وَكَانَ ظِئْرًا لإِبْرَاهِيم. الْقَيْن: الْحداد، وَجمعه قيون. والظئر: الْمُرضعَة، وَإِنَّمَا كَانَت زَوجته ترْضع، إِلَّا أَنه لما كَانَ بلبنه سمي ظِئْرًا. 1649 - / 2013 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: ((من رَآنِي فِي الْمَنَام فقد رَآنِي، فَإِن الشَّيْطَان لَا يتخيل بِي: ورؤيا الْمُؤمن جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة)) . أما أول الحَدِيث فقد سبق فِي مُسْند أبي قَتَادَة وَجَابِر، وَأما آخِره فَفِي مُسْند عبَادَة بن الصَّامِت. 1650 - / 2014 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: دخل رجل فَقَالَ: أَيّكُم مُحَمَّد؟ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متكئ بَين ظهرانيهم، فَقُلْنَا: هَذَا الْأَبْيَض المتكئ. فَقَالَ لَهُ: ابْن عبد الْمطلب. فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((قد أَجَبْتُك)) . الظَّاهِر من الإتكاء الإعتماد على إِحْدَى الْمرْفقين. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: الْعَامَّة لَا تعرف المتكئ إِلَّا من مَال فِي قعوده مُعْتَمدًا على أحد جَنْبَيْهِ، الحديث: 1648 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 وكل من اسْتَوَى قَاعِدا على وطاء فَهُوَ متكئ. وَقَوله: ابْن عبد الْمطلب: أَي: يَا ابْن عبد الْمطلب، فَرد عَلَيْهِ من جنس كَلَامه فَقَالَ: ((قد أَجَبْتُك)) . وَأما قَوْله: أَسأَلك بِاللَّه. إِن قَالَ قَائِل: يَنْبَغِي أَن يتبعهُ بِالدَّلِيلِ لَا بِالْيَمِينِ. فَالْجَوَاب أَنه عرف الدَّلِيل ثمَّ أكد ذَلِك بِأَن أحلفه. قَالَ ابْن عقيل: كَانَ الْأَعرَابِي حسن الثِّقَة بِهِ لِأَنَّهُ لم يجرب عَلَيْهِ إِلَّا الصدْق فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْت عِنْدِي الصَّادِق فأكد صدقك بِالْيَمِينِ. وَقَوله: نهينَا فِي الْقُرْآن أَن نسْأَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن شَيْء. كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى قَوْله تَعَالَى: {لَا تسألوا عَن أَشْيَاء إِن تبد لكم تَسُؤْكُمْ} [الْمَائِدَة: 101] . وَقَوله: لَا أَزِيد عَلَيْهِنَّ. رُبمَا ظن ظان أَنه يَعْنِي لَا أتنفل، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا الْمَعْنى: لَا أَزِيد على المفترض وَلَا أنقص مِنْهُ كَمَا فعلت الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي فرائضهم. 1651 - / 2015 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: قَالَ الزُّهْرِيّ: دخلت على أنس بِدِمَشْق وَهُوَ يبكي، فَقلت لَهُ: مَا يبكيك؟ فَقَالَ: لَا أعرف شَيْئا مِمَّا أدْركْت إِلَّا هَذِه الصَّلَاة، وَهَذِه الحديث: 1651 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 الصَّلَاة قد ضيعت. الظَّاهِر من أنس أَنه يُشِير إِلَى مَا يصنع الْحجَّاج، فَإِنَّهُ كَانَ يُؤَخر الصَّلَاة جدا يَوْم الْجُمُعَة، متشاغلا بمدح عبد الْملك وَمَا يتَعَلَّق بِهِ. 1652 - / 2016 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: لم يكن أحد أشبه بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحسن بن عَليّ. وَفِي رِوَايَة عَن ابْن سِيرِين قَالَ: أُتِي عبيد الله بن زِيَاد بِرَأْس الْحُسَيْن، فَجعل فِي طست، فَجعل ينكت وَقَالَ فِي حسنه شَيْئا، فَقَالَ أنس: كَانَ أشبههم برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ مخضوبا بالوسمة. وَقد رُوِيَ فِي الحَدِيث أَن الْحسن كَانَ يشبه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الرَّأْس إِلَى الصَّدْر، وَكَانَ الْحُسَيْن يُشبههُ فِيمَا دون ذَلِك. وَقد ذكرنَا الطست فِي مُسْند أبي ذَر. وَقَوله: ينكت: أَي يقرعه بِشَيْء يُؤثر فِيهِ. وَقَالَ فِي حسنه شَيْئا: أَي فِي وَصفه بالْحسنِ. والوسمة: خضاب يسود الشّعْر، قيل: إِنَّه ورق النّيل. وَيُقَال: وسمة بِإِسْكَان السِّين ووسمة بِكَسْرِهَا. وَأول من خضب بالوسمة من الحديث: 1652 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 أهل مَكَّة عبد الْمطلب. أخبرنَا سلمَان بن مَسْعُود قَالَ: أخبرنَا الْمُبَارك ابْن عبد الْجَبَّار قَالَ: أَنبأَنَا مُحَمَّد بن عَليّ الْبَيْضَاوِيّ قَالَ أَبُو عمر بن حيويه قَالَ: حَدثنَا عمر بن سعد قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي الدُّنْيَا قَالَ: حَدثنَا الْعَبَّاس بن هِشَام بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده: أَن عبد الْمطلب أول من خضب بالوسمة من أهل مَكَّة، وَذَلِكَ أَنه قدم الْيمن فَنظر إِلَيْهِ بعض مُلُوكهَا فَقَالَ: يَا عبد الْمطلب هَل لَك أَن تغير هَذَا الْبيَاض فتعود شَابًّا؟ قَالَ: ذَاك إِلَيْك، فخضبه بِالْحِنَّاءِ، ثمَّ علاهُ بالوسمة، فَلَمَّا أَرَادَ الإنصراف زوده مِنْهُ شَيْئا كثيرا، وَأَقْبل عبد الْمطلب، فَلَمَّا دنا من مَكَّة اختضب ثمَّ دخل مَكَّة كَأَن رَأسه ولحيته حنك الْغُرَاب، فَقَالَت لَهُ نتيلة أم الْعَبَّاس: يَا شيبَة الْحَمد، مَا أحسن هَذَا الخضاب لَو دَامَ، فَقَالَ: (لَو دَامَ لي هَذَا السوَاد حمدته ... وَكَانَ بديلا من شباب قد انصرم) (تمتعت مِنْهُ والحياة قَصِيرَة ... وَلَا بُد من موت - نتيلة - أَو هرم) (وماذا الَّذِي يجدي على الْمَرْء خفضه ... وَنعمته يَوْمًا إِذا عَرْشه انْهَدم) قَالَ: فَخَضَّبَ بعده أهل مَكَّة. وَكَانَ الْحسن وَالْحُسَيْن جَمِيعًا يخضبان بالوسمة. وَكَانَ عُثْمَان ابْن عَفَّان يخضب بِالسَّوَادِ فِيمَا رَوَاهُ ابْن أبي مليكَة. وَكَذَلِكَ عبد الله ابْن جَعْفَر بن أبي طَالب وَسعد بن أبي وَقاص وَعقبَة بن عَامر والمغيرة ابْن شُعْبَة وَجَرِير بن عبد الله وَعَمْرو بن الْعَاصِ، وَهَؤُلَاء كلهم صحابة. وَمن التَّابِعين وَمن بعدهمْ عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان ومُوسَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 ابْن طَلْحَة وَعلي بن عبد الله بن عَبَّاس السَّجَّاد أَبُو الْخُلَفَاء أَبُو سَلمَة ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعبد الرَّحْمَن بن الْأسود وَإِسْمَاعِيل بن معد يكرب وَالزهْرِيّ وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ ومحارب بن دثار وَيزِيد الرشك وَالْحجاج بن أَرْطَأَة وَابْن أبي ليلى وَابْن جريج وَمُحَمّد بن إِسْحَاق وغيلان بن جَامع القَاضِي وَنَافِع بن جُبَير وَهِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان وَأَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور وَعبد الله بن المعتز وَعمر بن عَليّ بن الْمقدمِي وَأَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَرَفَة الْمَعْرُوف بنفطويه، فِي آخَرين كلهم كَانُوا يخضون بِالسَّوَادِ، وَقد ذكرت أَخْبَار هَؤُلَاءِ بِالْأَسَانِيدِ فِي كتاب ((الشيب والخضاب)) . 1653 - / 2017 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: أَن رجَالًا من الْأَنْصَار اسْتَأْذنُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: ائْذَنْ لنا فلنترك لِابْنِ أُخْتنَا عَبَّاس فداءه، فَقَالَ: ((لَا تدعون مِنْهُ درهما)) . الْإِشَارَة إِلَى الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، فَإِنَّهُ خرج يَوْم بدر مَعَ الْمُشْركين مكْرها، فَأسرهُ أَبُو الْيُسْر كَعْب بن عَمْرو، فَقَالَت الْأَنْصَار هَذَا، وَأَرَادُوا بذلك أَمريْن: أَحدهمَا: إكرام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالثَّانِي: لقرابة الْعَبَّاس مِنْهُم؛ فَإِن هاشما كَانَ قد تزوج امْرَأَة من بني النجار فَولدت لَهُ عبد الْمطلب، فَلذَلِك قَالُوا: ابْن أُخْتنَا، وَإِنَّمَا قَالُوا: ابْن أُخْتنَا لتَكون الْمِنَّة عَلَيْهِم فِي إِطْلَاقه، وَلَو قَالُوا: عمك، لَكَانَ منَّة عَلَيْهِ، وَهَذَا من قُوَّة الذكاء وَحسن الْأَدَب فِي الْخطاب. وَقد صحفه بعض قرأة الحَدِيث لجهله بِالنّسَبِ فَقَالَ: ابْن أخينا. الحديث: 1653 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 فَلم يَأْذَن لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِئَلَّا يكون فِي الدّين نوع مُحَابَاة، فَأخذ الْفِدَاء من الْعَبَّاس، وكلفه أَن يفْدي ابْني أَخِيه عقيل بن أبي طَالب وَنَوْفَل بن الْحَارِث. وَكَانَ الْعَبَّاس يَئِن لَيْلَة قيد، فَبَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ساهرا، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: مَالك لَا تنام؟ فَقَالَ: ((سمت أَنِين الْعَبَّاس فِي وثَاقه)) فَقَامَ رجل مِنْهُم إِلَى الْعَبَّاس فَأرْخى من وثَاقه، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((مَالِي لَا أسمع أَنِين الْعَبَّاس؟)) فَقَالَ رجل من الْقَوْم: إِنِّي أرخيت من وثَاقه، قَالَ: ((فافعل ذَلِك بالأساري كلهم)) . 1654 - / 2018 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَن أنسا رأى على أم كُلْثُوم بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم برد حَرِير سيراء. قد تقدم تَفْسِير هَذَا فِي مُسْند عمر. 1655 - / 2019 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: ((انصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما)) وَفسّر نَصره ظَالِما بِأَن تَمنعهُ من الظُّلم. اعْلَم أَن من منع شخصا من الظُّلم فقد نَصره على هَوَاهُ ونفعه بِالْمَنْعِ كَمَا يَنْفَعهُ بالنصر. 1656 - / 2020 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا الحديث: 1654 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 يَغْدُو يَوْم الْفطر حَتَّى يَأْكُل تمرات، ويأكلهن وترا. وَأما التبكير بِالْأَكْلِ فللمبادرة إِلَى امْتِثَال أَمر الله تَعَالَى فِي الْإِفْطَار، كَمَا امتثل أمره فِي الصَّوْم. وَأما الْوتر فَإِنَّهُ كَانَ يحب الإيتار فِي كثير من الْأَشْيَاء. 1657 - / 2021 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: كَانَ رَسُول الله إِذا تكلم بِكَلِمَة أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تفهم عَنهُ، وَإِذا أَتَى على قوم فَسلم عَلَيْهِم سلم عَلَيْهِم ثَلَاثًا. أما إِعَادَة الْكَلِمَة لتفهم فَلَا تعدو ثَلَاثَة أَشْيَاء: إِمَّا ليفهم معنى اللَّفْظ بإعادته. أَو ليتضح اللَّفْظ فَيَنْقَطِع عَنهُ المحتملات، أَو لتحفظ فَيكون المُرَاد بالفهم الْحِفْظ. وَأما إِعَادَة السَّلَام فَالْمُرَاد بِهِ الإستئذان إِذا لم يسمع السَّلَام الأول وَلم يجب، فَأَما إِذا مر على مجْلِس فعمهم بِالسَّلَامِ، أَو أَتَى دَارا فَسلم فَأَجَابُوا فَلَا وَجه للإعادة. 1658 - / 2023 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حج على رَحل وَكَانَ زاملته. الرحل للبعير كالسرج للْفرس. وَأما الزاملة فَقَالَ ابْن فَارس: الزاملة: بعير يستظهر بِهِ الرجل يحمل عَلَيْهِ مَتَاعه. وَالْمرَاد أَنه لم يكن فِي هودج كَمَا يصنع المترفون، وَلَا كَانَ مَعَه غير ذَلِك الْبَعِير. الحديث: 1657 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 1659 - / 2030 - وَمَا بعد هَذَا قد تقدم تَفْسِيره إِلَى الحَدِيث السَّادِس عشر: وَفِيه: نهى عَن المحاقلة والمخاضرة وَالْمُلَامَسَة والمنابذة. قد سبقت هَذِه الْأَشْيَاء، إِلَّا أَنا نشِير إِلَيْهَا فَنَقُول: المحاقلة: بيع الزَّرْع قبل إِدْرَاكه. والمخاضرة: اشْتِرَاء الثِّمَار وَهِي مخضرة وَلم يبد صَلَاحهَا. وَالْمُلَامَسَة: أَن يَقُول: إِذا لمست ثوبي أَو لمست ثَوْبك فقد وَجب البيع. والمنابذة: أَن يَقُول: إِذا نبذت إِلَيّ الثَّوْب أَو نَبَذته إِلَيْك فقد وَجب البيع. 1660 - / 2036 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: إِبَاحَة الكي. وَقد سبق فِي مُسْند عمرَان بن حُصَيْن. 1661 - / 2039 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: ((إِذا تقرب العَبْد إِلَيّ شبْرًا تقربت إِلَيْهِ ذِرَاعا)) . المُرَاد بتقرب العَبْد: تقربه بِالطَّاعَةِ، وبتقرب الرب تقربه بالمغفرة. والهرولة: شدَّة السَّعْي، وَهَذَا ضرب مثل. قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ: ويروى عَن الْأَعْمَش فِي تَفْسِير هَذَا الحَدِيث: ((تقربت مِنْهُ ذِرَاعا)) قَالَ: يَعْنِي بالمغفرة وَالرَّحْمَة، قَالَ: وَهَكَذَا فسر بعض أهل الْعلم هَذَا الحَدِيث. قَالُوا: مَعْنَاهُ: إِذا تقرب إِلَيّ بطاعتي سارعت إِلَيْهِ بمغفرتي ورحمتي. الحديث: 1659 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 1662 - / 2040 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدُور على نِسَائِهِ فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة من النَّهَار، وَهن إِحْدَى عشرَة. اعْلَم أَن الْعَرَب كَانَت تعد الْقُوَّة على النِّكَاح من كَمَال الْخلقَة وَقُوَّة البنية، كَمَا تعد الشجَاعَة مِنْهَا، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتم النَّاس خلقَة، ثمَّ أعطي قُوَّة ثَلَاثِينَ، ثمَّ كَانَ فِي فعله ذَلِك رد على النَّصَارَى فِي التبتل طلبا للنسل. 1663 - / 2042 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين: مشيت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخبْز شعير وإهالة سنخة، وسمعته يَقُول: ((مَا أصبح لآل مُحَمَّد إِلَّا صَاع وَلَا أَمْسَى وَإِنَّهُم لتسعة أَبْيَات)) . الإهالة: الودك، وَهُوَ الشَّحْم الْمُذَاب. واستأهل الرجل: أكلهَا: والسنخة المتغيرة، يُقَال: سنخ الدّهن: إِذْ تغير. والصاع: خَمْسَة أَرْطَال وَثلث بالعراقي. والأبيات التِّسْعَة هِيَ أَبْيَات أَزوَاجه اللواتي توفّي عَنْهُن، وَهن عَائِشَة وَحَفْصَة وَسَوْدَة وَأم حَبِيبَة وَأم سَلمَة ومَيْمُونَة وَزَيْنَب بنت جحش وَجُوَيْرِية وَصفِيَّة. وَقَوله: مَا أصبح لآل مُحَمَّد إِلَّا صَاع، شرح للْحَال لَا شكوى، وَفَائِدَة ذَلِك من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: تَعْلِيم الْخلق الصَّبْر، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنا أكْرم الْخلق على الله تَعَالَى وَهَذِه حَالي، فَإِذا ابتليتم فَاصْبِرُوا. وَالثَّانِي: إِعْلَام النَّاس بِأَن الْبلَاء يلصق بالأخيار ليفرح الْمُبْتَلى. الحديث: 1662 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 1664 - / 2043 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: ((ليصيبن أَقْوَامًا سفع من النَّار)) أَي أثر من لهيبها وعذابها. 1664 - / 2050 - وَقد سبق مَا بعد هَذَا إِلَى الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ: وَفِيه: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَأْكُل على خوان حَتَّى مَاتَ، وَمَا أكل خبْزًا مرققا، وَلَا رأى شَاة سميطا، وَمَا علمت أَنه أكل على سكرجة. الخوان: شَيْء ينصب كالمائدة وَيتْرك عَلَيْهِ الطَّعَام، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَالْخبْز المرقق: الْخَفِيف، وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذ من المرقاق: وَهِي الْخَشَبَة الَّتِي يرقق بهَا. والسميط: المسموط الَّذِي جلده عَلَيْهِ، وَهُوَ مآكل المترفين، وَإِنَّمَا كَانُوا يَأْخُذُونَ جلد الشَّاة يَنْتَفِعُونَ بِهِ ثمَّ يشوونها. وَأما السكرجة، فَقَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: هِيَ السكرجة بِضَم السِّين وَالْكَاف وَفتح الرَّاء وتشديدها، قَالَ: وَكَانَ بعض أهل اللُّغَة يَقُول: الصَّوَاب أسكرجة بِالْألف وَفتح الرَّاء. وَهِي فارسية معربة، وترجمتها: مقرب الْخلّ، وَقد تَكَلَّمت بهَا الْعَرَب، قَالَ أَبُو عَليّ: فَإِن حقرت حذفت الْجِيم وَالرَّاء فَقلت: أسيكره، وَإِن عوضت عَن الحديث: 1664 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 الْمَحْذُوف قلت: أسيكيرة، وَقِيَاس مَا رَوَاهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بريهم سكيرجة. 1665 - / 2052 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ: أَن نعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَهَا قبالان. القبالان: زِمَام النَّعْل. والجرداوان: لَا شعر عَلَيْهَا. 1666 - / 2055 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ: أَن أم حَارِثَة بن سراقَة أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا نَبِي الله، أَلا تُحَدِّثنِي عَن حَارِثَة - وَقد قتل يَوْم بدر، أَصَابَهُ سهم غرب. فَقَالَ: ((إِن ابْنك أصَاب الفردوس الْأَعْلَى)) . كَذَا رُوِيَ لنا فِي الحَدِيث: سهم بِالتَّنْوِينِ، غرب بتسكين الرَّاء مَعَ الرّفْع والتنوين. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْعَامَّة تَقول هَكَذَا، والأجود سهم غرب بِفَتْح الرَّاء وَإِضَافَة الغرب إِلَى السهْم. وَقَالَ يَعْقُوب بن السكت: يُقَال: أَصَابَهُ سهم غرب: إِذا لم يدر من أَي جِهَة رمي بِهِ، قَالَ أَبُو دؤاد: (فألحقه وَهُوَ ساط بهَا ... كَمَا يلْحق الْقوس سهم الغرب) يصف فرسا يعدو خلف عانة من حمير الْوَحْش ألحقهُ فارسه الْعَانَة الحديث: 1665 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 وَالْفرس ساط بهَا: أَي غَالب. وَقد رُوِيَ عَن أبي زيد أَنه قَالَ: إِذا جَاءَ من حَيْثُ لَا يعرف فَهُوَ سهم غرب بِسُكُون الرَّاء، فَإِن رمي بِهِ إِنْسَان بِعَيْنِه فَأصَاب غَيره فَهُوَ سهم غرب بِفَتْح الرَّاء: وَقَالَ الْأَزْهَرِي: بِفَتْح الرَّاء لَا غير. وَأما الفردوس فَقَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ عَن الزّجاج قَالَ: الفردوس: أَصله رومي أعرب: وَهُوَ الْبُسْتَان، قَالَ: وَقد قيل: الفردوس مُذَكّر، وَإِنَّمَا أنث فِي قَوْله تَعَالَى: {يَرِثُونَ الفردوس هم فِيهَا خَالدُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 11] لِأَنَّهُ عَنى بِهِ الْجنَّة، قَالَ: وَقَالَ الزّجاج: وَقيل: الفردوس: الأودية الَّتِي تنْبت ضروبا من النبت. وَقيل: هُوَ بالرومية، مَنْقُول إِلَى لفظ الْعَرَبيَّة. قَالَ: والفردوس أَيْضا بالسُّرْيَانيَّة كَذَا لَفظه فردوس، قَالَ: وَلم نجده فِي أشعار الْعَرَب إِلَّا فِي شعر حسان، وَحَقِيقَته أَنه الْبُسْتَان الَّذِي يجمع كل مَا يكون فِي الْبَسَاتِين، لِأَنَّهُ عِنْد أهل اللُّغَة كَذَلِك، وَبَيت حسان: (وَإِن ثَوَاب الله كل موحد ... جنان من الفردوس فِيهَا يخلد) قَالَ: وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ بِإِسْنَادِهِ: الفردوس: الْبُسْتَان بلغَة الرّوم. وَقَالَ فردوسا. وَقَالَ السّديّ: الفردوس أَصله بالنبطية فرداسا. وَقَالَ عبد الله بن الْحَارِث: الفردوس: الأعناب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 1667 - / 2059 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ: كَانَ غُلَام يَهُودِيّ يخْدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمَرض فَأَتَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعودهُ، فَقعدَ عِنْد رَأسه فَقَالَ لَهُ: ((أسلم)) فَنظر إِلَى أَبِيه، فَقَالَ: أطع أَبَا الْقَاسِم، فَأسلم. فِي هَذَا الحَدِيث جَوَاز اسْتِخْدَام الْيَهُودِيّ، وَجَوَاز عيادته، وتواضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومبالغته فِي النصح. 1668 - / 2062 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ: (( (إِن أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ مَا سلكنا شعبًا إِلَّا وهم مَعنا)) قد تقدم فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. 1669 - / 2063 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ: كَانَت العضباء لَا تسبق، فجَاء أَعْرَابِي على قعُود لَهُ فسبقها، فشق ذَلِك على الْمُسلمين، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((حق على الله أَلا يرْتَفع شَيْء فِي الدُّنْيَا إِلَّا وَضعه)) . العضب: شقّ الْأذن، وَقد ذكرنَا هَذِه النَّاقة فِيمَا تقدم فِي مَوَاضِع، وحكينا أَن بَعضهم يَقُول: هُوَ لقب لَهَا لَا أَنَّهَا كَانَت مشقوقة الْأذن. وَالْقعُود من الْإِبِل: مَا أعد للرُّكُوب خَاصَّة. وَأما وضع كل مُرْتَفع من الدُّنْيَا فَلِأَنَّهَا لَيست بدار بُلُوغ الْأَغْرَاض، الحديث: 1667 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 وَإِنَّمَا هِيَ مَحل الْبلَاء والنغص. 1670 - / 2064 - وَفِي الحَدِيث الْخمسين: كَانَ إِذا قدم من سفر فَنظر إِلَى جدرات الْمَدِينَة أوضع رَاحِلَته. الْمَعْنى: سَار سيرا سهلا سَرِيعا. وَوضع الْبَعِير يضع فِي سيره وضعا، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {ولأوضعوا خلالكم} [التَّوْبَة: 47] وَقيل: الإيضاع سير مثل الخبب. 1671 - / 2065 - والْحَدِيث الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: قد تقدم فِي مَوَاضِع. 1672 - / 2068 - وَمَا بعده قد تقدم إِلَى الحَدِيث الرَّابِع وَالْخمسين: وَفِيه: كَانَت الرّيح إِذا هبت عرف ذَلِك فِي وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقد بَين سَبَب هَذَا فِي مُسْند عَائِشَة، وَأَنه كَانَ يخَاف أَن يكون عذَابا. 1673 - / 2069 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْخمسين: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد بعض نِسَائِهِ، فَأرْسلت إِحْدَى أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ بصحفة فِيهَا طَعَام، فَضربت الَّتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيتهَا يَد الْخَادِم فَسَقَطت الصحفة فانفلقت، فَجمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلق الصحفة ثمَّ جعل يجمع فِيهَا الطَّعَام الَّذِي كَانَ فِي الصحفة وَيَقُول: ((غارت أمكُم)) ثمَّ حبس الْخَادِم حَتَّى الحديث: 1670 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 أَتَى بصحفة من عِنْد الَّتِي هُوَ فِي بَيتهَا، فَدفع الصحفة الصَّحِيحَة إِلَى الَّتِي كسرت صحفتها، وَأمْسك الْمَكْسُورَة فِي بَيت الَّتِي كسرت. الصحفة: الْقَصعَة. فَإِن قيل: الصحفة من ذَوَات الْقيم، فَكيف غرمها بِمِثْلِهَا؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: - أَحدهَا: أَن الظَّاهِر فِيمَا يحويه بَيته أَنه ملكه، فَنقل من ملكه إِلَى ملكه لَا على وَجه الغرامة بِالْقيمَةِ. وَالثَّانِي: أَنه أَخذ الْقَصعَة من بَيت الكاسرة عُقُوبَة لَهَا، والعقوبة بالأموال مَشْرُوعَة، من ذَلِك تغريم قيمَة مثلي الثَّمر الْمُعَلق على سارقه. وَأخذ الزَّكَاة وَشطر مَال الْمُمْتَنع، وتحريق رَحل الغال، وَعتق العَبْد الممثل بِهِ، وكل ذَلِك حكم بَاقٍ عندنَا، ذكره ابْن عقيل. 1674 - / 2070 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْخمسين: بلغ عبد الله ابْن سَلام مقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وَهُوَ فِي أَرض يخْتَرف، فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَن مسَائِل، فَقَالَ: ((خبرني بِهن جِبْرِيل آنِفا)) . يخْتَرف بِمَعْنى يجتني الثَّمَرَة. وآنفا بِمَعْنى السَّاعَة. وَقَوْلهمْ عَن جِبْرِيل: ذَلِك عَدو الْيَهُود. رُبمَا قَالَ قَائِل: مَا وَجه عداوتهم لملك؟ فَالْجَوَاب أَنهم كَانُوا يتعللون للتقاعد عَن الْإِيمَان بِهَذِهِ الْأَشْيَاء، كَمَا قَالُوا: {قُلُوبنَا غلف} [الْبَقَرَة: 88] على أَنهم قد ذكرُوا وَجه المعاداة بِمَا يبين جهلهم، فَقَالُوا: إِنَّه ينزل بِالْحَرْبِ والشدة. أفتراهم الحديث: 1674 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 لم يعلمُوا أَنه مَأْمُور؟ وَمَا ذَنْب الْمَأْمُور؟ فالمعاداة للْآمِر. وَينْزع: يمِيل وَيرجع. وَقَوله: ((نَار تحْشر النَّاس)) هَذَا هُوَ الْحَشْر الأول قبل قيام السَّاعَة، تسلط النَّار على النَّاس فيهربون مِنْهَا، وَذَلِكَ من عَلَامَات الْقِيَامَة، ثمَّ يموتون، ثمَّ يحشرون إِلَى الْقِيَامَة. وَأما أكلهم زِيَادَة كبد الْحُوت فَفِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه حوت من الْجنَّة وثور من الْجنَّة، يتحفون بهما على معنى إتحاف الضَّيْف بِمَا يصنع لَهُ. وَسَيَأْتِي من مُسْند ثَوْبَان: أَن يَهُودِيّا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا تحفتهم حِين يدْخلُونَ الْجنَّة؟ قَالَ: ((زِيَادَة كبد الْحُوت)) قَالَ: فَمَا غذاؤهم فِي أَثَرهَا؟ قَالَ: ((ينْحَر لَهُم ثَوْر الْجنَّة الَّذِي يَأْكُل من أطرافها)) وَقَالَ كَعْب: يَقُول الله عز وَجل لأهل الْجنَّة: ((ادخلوها فَإِن لكل ضيف جزورا، وَإِنِّي أجزركم الْيَوْم، فَيُؤتى بثور وحوت يجزر لأهل الْجنَّة)) . وَالثَّانِي: أَن الْحُوت الَّذِي عَلَيْهِ الأَرْض، فكأنهم أعلمُوا بِأَكْلِهِ أَن الدُّنْيَا ذهبت وَذهب مَا كَانَ يحملهَا فَلَا رُجُوع إِلَيْهَا، بل هَذِه الدَّار هِيَ منزل الْإِقَامَة. أَنبأَنَا أَبُو غَالب بن الْبناء قَالَ: أخبرنَا جَابر بن ياسين قَالَ: أخبرنَا الْحسن بن عُثْمَان قَالَ: أَنبأَنَا أَبُو بكر النجاد قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن عَليّ الْقطَّان قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عِيسَى قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق بن بشر قَالَ: حَدثنَا جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 إِذا اجْتمع أهل الْجنَّة تَحت شَجَرَة ((طُوبَى)) أرسل الله عز وَجل إِلَيْهِم الْحُوت الَّتِي قَرَار الأَرْض عَلَيْهَا والثور الَّذِي تَحت الْأَرْضين، قَالَ: فينطح الثور الْحُوت بقرنيه فيذكيه لأهل الْجنَّة فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ، فيجدون فِيهِ ريح كل طيب وَطعم كل ثَمَرَة، ثمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى مَنَازِلهمْ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن الْقَاسِم الْفَارِسِي: الَّذِي يقرب إِلَيْهِم رَأس الثور الَّذِي كَانَت الأَرْض على قرنه وكبد الْحُوت الَّتِي كَانَت الأَرْض على ظَهره. وَقَوله: إِن الْيَهُود قوم بهت. الْهَاء مَضْمُومَة، وَالْمعْنَى: أَنهم يبهتون بِالْكَذِبِ، فَإِن علمُوا بِإِسْلَامِي بَهَتُونِي عنْدك: أَي كذبُوا عَليّ مَعَ حضوري. والبهتان: الْكَذِب الَّذِي تتحير من بُطْلَانه وتعجب من إفراطه. وَقَوله: حاشا لله. كلمة مُشْتَقَّة من قَوْلك: كنت فِي حَشا فلَان: أَي فِي ناحيته، وأنشدوا: ( ... ... ... بِأَيّ الحشا أَمْسَى الخليط المباين) أَي: بِأَيّ النواحي. فَالْمَعْنى: فِي حَشا من ذَلِك، يعنون أَنه لَا يسلم. والمسلحة: الحارس بِالسِّلَاحِ. والمسالح: قوم يَحْرُسُونَ مَكَان الْخَوْف. 1675 - / 2072 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْخمسين: ((أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، فَإِذا شهدُوا، الحديث: 1675 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا، وصلوا صَلَاتنَا، حرمت علينا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا)) . وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن معاملات النَّاس إِنَّمَا تحمل على الظَّوَاهِر. 1676 - / 2073 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْخمسين: عَن أنس قَالَ: لم يبْق مِمَّن صلى الْقبْلَتَيْنِ غَيْرِي. يَعْنِي قبْلَة بَيت الْمُقَدّس والكعبة. وَأنس هُوَ آخر من مَاتَ من الصَّحَابَة بِالْبَصْرَةِ، وَآخر من رأى الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موتا أَبُو الطُّفَيْل، وَسَيَأْتِي ذكره فِي مُسْنده إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 1677 - / 2074 - وَفِي الحَدِيث السِّتين: رَأَيْت على أنس برنسا أصفر من خَز. الْبُرْنُس: كسَاء. 1678 - / 2075 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتِّينَ: كَانَ قرام لعَائِشَة سترت بِهِ جَانب بَيتهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((أميطي عني، فَلَا تزَال تصاويره تعرض لي فِي صَلَاتي)) . القرام: السّتْر الرَّقِيق. الحديث: 1676 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 والإماطة: الْإِزَالَة. وَمعنى ((يعرض لي فِي صَلَاتي)) : أَي لما رَأَيْتهَا صَارَت عِنْد غيبتها تمثل لي. 1679 - / 2076 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتِّينَ: ((مَذْهَب الباس، شِفَاء لَا يُغَادر سقما)) . الباس: الشدَّة. ويغادر بِمَعْنى: يتْرك. 1680 - / 2078 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسِّتِّينَ: ((مَا من مُسلم يَمُوت لَهُ ثَلَاثَة من الْوَلَد لم يبلغُوا الْحِنْث إِلَّا أدخلهُ الْجنَّة بِفضل رَحمته إيَّاهُم)) . الْحِنْث: الْإِثْم. وَالْمرَاد أَن يبلغ إِلَى الْحَد الَّذِي يجْرِي عَلَيْهِ فِيهِ الْقَلَم بالسيئات والحسنات، وَإِنَّمَا اشْترط الصغر لِأَنَّهُ أَشد لمحبة الْآبَاء وشفقتهم. وَقد سبق هَذَا فِي مُسْند أبي سعيد الْخُدْرِيّ. 1681 - / 2079 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتِّينَ: أَنه أُتِي بِمَال من الْبَحْرين، فَقَالَ: ((انثروه فِي الْمَسْجِد)) فجَاء الْعَبَّاس فَقَالَ: أَعْطِنِي، فَقَالَ: ((خُذ)) فَحَثَا فِي ثَوْبه ثمَّ ذهب يقلهُ فَلم يسْتَطع، فَقَالَ: مر بَعضهم: يرفعهُ إِلَيّ، قَالَ: ((لَا)) . قَالَ: فارفعه أَنْت عَليّ، قَالَ: ((لَا)) . الحديث: 1679 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 أما كَونه لم يلْتَفت إِلَيْهِ عِنْد خُرُوجه إِلَى الصَّلَاة فصيانة لتوجهه إِلَى الْعِبَادَة من شوب الْتِفَات إِلَى الدُّنْيَا. ويقل بِمَعْنى يحمل. وَإِنَّمَا لم يَأْمر أحدا بإعانة الْعَبَّاس عَلَيْهِ، وَلم يعنه لينبه على أَنه هُوَ الْمَسْئُول عَنهُ، وَلَا أحد يحمل عَنهُ ثقل السُّؤَال. والكاهل: مَا بَين الْكَتِفَيْنِ. 1682 - / 2080 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتِّينَ: ((اسمعوا وَأَطيعُوا وَإِن اسْتعْمل عَلَيْكُم عبد حبشِي كَأَن رَأسه زبيبة)) . اعْلَم أَن هَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْعمَّال والأمراء دون الْأَئِمَّة وَالْخُلَفَاء، فَإِن الْخلَافَة لقريش لَا مدْخل فِيهَا للحبشة، لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: ((لَا يزَال هَذَا الْأَمر فِي قُرَيْش)) وَإِنَّمَا للأئمة تَوْلِيَة من يرَوْنَ، فَتجب طَاعَة ولاتهم. وَصغر الرَّأْس مَعْرُوف فِي الْحَبَشَة، فَلذَلِك قَالَ: ((كَأَن رَأسه زبيبة)) . 1683 - / 2081 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتِّينَ: كَانَ قدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد أنس قد انصدع، فسلسله بِفِضَّة، وَهُوَ قدح عريض من نضار. انصدع بِمَعْنى انْشَقَّ. وسلسله بِمَعْنى ضببه. وَاعْلَم أَن التضبيب إِذا كَانَ بِالذَّهَب فَحَرَام، سَوَاء كَانَ كَانَ كثيرا أَو الحديث: 1682 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 قَلِيلا، وَقد ذكر أَبُو بكر عبد الْعَزِيز من أَصْحَابنَا أَنه يُبَاح يسير الذَّهَب. وَأما المضبب بِالْفِضَّةِ فَلَا يَخْلُو من أَمريْن: إِمَّا أَن يكون كثيرا فَهُوَ حرَام، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ يَسِيرا لغير حَاجَة كالحلقة فِي الْإِنَاء. وَأما إِذا كَانَ الْيَسِير لحَاجَة كتشعيب قدح وقبيعة سيف وشعيرة سكين فَإِن ذَلِك مُبَاح، لَكِن تكره مُبَاشرَة مَوضِع الْفضة بالإستعمال، وَقد رُوِيَ عَن أَحْمد أَن الْيَسِير مُبَاح. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَدَاوُد: لَا يكره المضبب بِحَال. وَأما النضار فَقيل: هُوَ شَجَرَة الأثل. وَقيل: النضار: أقداح حمر شبهت بِالذَّهَب. وَقيل: هُوَ النبع، وَهُوَ شجر مَعْرُوف. والنضار: الْخَالِص من كل شَيْء. 1684 - / 2083 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسِّتِّينَ: نظر أنس إِلَى النَّاس يَوْم الْجُمُعَة فَرَأى طيالسة فَقَالَ: كَأَنَّهُمْ يهود خَيْبَر. قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: الطيلسان أعجمي مُعرب، بِفَتْح اللَّام، وَالْجمع طيالسة بِالْهَاءِ، وَقد تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب، وَأنْشد ثَعْلَب: (كلهم مبتكر لشانه ... كاعم لحييْهِ بطيلسانه) الحديث: 1684 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 (وَآخر يزف فِي أعوانه ... مثل زفيف الهيق فِي حفانه) (فَإِن تلقاك بقيراونه ... أَو خفت بعض الْجور من سُلْطَانه) (فاسجد لقرد السوء فِي زَمَانه ... ) يزف من الزفيف، من قَوْله: {يزفون} [الصافات: 94] أَي يسرعون. والهيق: ذكر النعام. وَفِي حفانه قَولَانِ: أَحدهمَا: فِي صغاره، قَالَه ابْن الْأَعرَابِي. وَالثَّانِي: إناثه، قَالَه الْأَصْمَعِي. والقيروان: الْجَمَاعَة. وَهَذِه الطيالسة الَّتِي أنكرها أنس لبسة مَا كَانَ يعهدها. 1685 - / 2085 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسبْعين: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ لكل صَلَاة. وَإِنَّمَا كَانَ يفعل ذَلِك لموْضِع الْفَضِيلَة. وَصلى يَوْم الْفَتْح صلوَات بِوضُوء وَاحِد، وَقَالَ: ((عمدا فعلته)) ليعلم أَن الْوضُوء إِنَّمَا يجب لأجل الْحَدث، وَأَن الْوضُوء من غير حدث فَضِيلَة. 1686 - / 2086 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسبْعين: أَتَيْنَا أنس بن مَالك نشكو إِلَيْهِ مَا نلقى من الْحجَّاج، فَقَالَ: ((اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُم زمَان إِلَّا الَّذِي بعده شَرّ مِنْهُ حَتَّى تلقوا ربكُم)) ، سمعته من نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. الحديث: 1685 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 إِن قَالَ قَائِل: مَا وَجه هَذَا وَنحن نعلم أَنه جَاءَ بعد الْحجَّاج عمر ابْن عبد الْعَزِيز، فَبسط الْعدْل وَصلح الزَّمَان؟ فَالْجَوَاب: أَن الْكَلَام خرج على الْغَالِب، فَكل عَام تَمُوت سنة وتحيا بِدعَة، ويقل الْعلم، وَيكثر الْجُهَّال، ويضعف الْيَقِين، وَمَا يَأْتِي من الزَّمَان الممدوح نَادِر قَلِيل. 1687 - / 2088 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسبْعين: شَهِدنَا بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي تدفن فَقَالَ: ((هَل فِيكُم من أحد لم يقارف اللَّيْلَة؟)) فَقَالَ أَبُو طَلْحَة: أَنا، فَأنْزل فِي قبرها. هَذِه الْبِنْت هِيَ رقية، وَقد أفْصح بذلك أنس فِيمَا رُوِيَ عَنهُ، وَقد غلط الْخطابِيّ فَقَالَ: يشبه أَن تكون هَذِه الْميتَة لبَعض بَنَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنسبت إِلَيْهِ. وَفِي هَذَا الحَدِيث تَفْسِير يقارف عَن بضع الروَاة، وَهُوَ فليح، فَإِنَّهُ قَالَ: أرَاهُ يَعْنِي الذَّنب، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَنه قد رُوِيَ مَا يمْنَع هَذَا، فَأخْبرنَا ابْن الْحصين قَالَ: أَنبأَنَا ابْن الْمَذْهَب قَالَ: أَنبأَنَا أَحْمد بن جَعْفَر قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا عَفَّان قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد قَالَ: حَدثنَا ثَابت عَن أنس: أَن رقية لما مَاتَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((لَا يدْخل الْقَبْر رجل قارف أَهله اللَّيْلَة)) . وَأخْبرنَا إِسْمَاعِيل بن أَحْمد السَّمرقَنْدِي الحديث: 1687 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن هبة الله الطَّبَرِيّ قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن الْحسن ابْن الْفضل قَالَ: أخبرنَا عبد الله بن جَعْفَر بن درسْتوَيْه قَالَ: حَدثنَا يَعْقُوب بن سُفْيَان قَالَ: حَدثنِي مَحْفُوظ بن أبي تَوْبَة قَالَ: حَدثنَا عَفَّان قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس قَالَ: لما مَاتَت رقية بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((لَا يدخلن الْقَبْر أحد قارف أَهله البارحة)) قَالَ: فَتنحّى عُثْمَان بن عَفَّان. وَالثَّانِي: أَنه لَو أَرَادَ الذَّنب كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكبار الْمُهَاجِرين أَحَق بذلك. وَالثَّالِث: أَن يكون أَبُو طَلْحَة قد مدح نَفسه بِهَذَا وَلم يكن ذَلِك من خصالهم، وَإِنَّمَا المُرَاد الْوَطْء، يُقَال: قارف الرجل امْرَأَته: إِذا جَامعهَا. والقريب الْعَهْد بالشَّيْء يتذكره، فَلهَذَا طلب من لم يقرب عَهده بذلك. 1688 - / 2089 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسبْعين: كَانَ يَقُول عِنْد المعتبة: ((مَاله، تربت يَمِينه)) . المعتبة: العتاب. وتربت: افْتَقَرت. قَالَ أَبُو عبيد: نرى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتَعَمَّد الدُّعَاء بالفقر على من خاطبه، وَلكنهَا كلمة جَارِيَة على أَلْسِنَة الْعَرَب يَقُولُونَهَا، وهم لَا يُرِيدُونَ وُقُوع الْأَمر. وَقَالَ ابْن عَرَفَة: تربت يَمِينه الحديث: 1688 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 إِن لم يفعل مَا أَمر بِهِ. وَقد سبق هَذَا فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. 1689 - / 2093 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسبْعين: إِنَّكُم لتعملون أعمالا هِيَ أدق فِي أعينكُم من الشّعْر، كُنَّا نعدها على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الموبقات. الْمَعْنى: تَعْمَلُونَ أعمالا لَيْسَ لَهَا عنْدكُمْ كثير وَقع احتقارا لَهَا، وَهِي من الموبقات أَي المهلكات، وَهَذِه الْأَعْمَال مثل قَول الرجل للرجل: قلبِي إِلَيْك، وَكنت على نِيَّة قصدك، وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يكذب فِيهِ، أَو مدح الرجل الرجل بالشَّيْء الَّذِي لَيْسَ فِيهِ، وَرُبمَا كَانَ ذَلِك لسلطان جَائِر، وَقد يكون ذَلِك فِي الْمُعَامَلَات بالربا وعقوق الْوَالِدين، وَقذف المحصنة، وعيبة الْمُسلم، وَأَشْيَاء يحتقرها الْإِنْسَان وَيجْرِي فِيهَا مَعَ الْعَادَات وَهِي مهلكة. 1690 - / 2095 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي والثمانين: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اشْتَدَّ الْبرد بكر بِالصَّلَاةِ، وَإِذا اشْتَدَّ الْحر أبرد بِالصَّلَاةِ. بكر بِمَعْنى قدم. وَقد ذكرنَا معنى الْإِبْرَاد فِي مُسْند أبي ذَر. 1691 - / 2096 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي والثمانين: قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ فِي أَصْحَابه أشمط غير أبي بكر، فغلفها بِالْحِنَّاءِ والكتم. الحديث: 1689 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 قَوْله قدم: يَعْنِي الْمَدِينَة حِين هَاجر إِلَيْهَا. والشمط: اخْتِلَاط الشيب بسواد الشّعْر، وَيُسمى الصَّباح أول مَا يَبْدُو شميطا لإختلاطه بباقي ظلمَة اللَّيْل. وَقَوله: فغلفها - يَعْنِي لحيته، أَي عَمها بذلك. وَمِنْه غلاف الشَّيْء: وَهُوَ مَا أحَاط بِهِ وغطاه. والكتم: نَبَات يسود الشّعْر، فَإِذا خلط مَعَ الْحِنَّاء صَار الشّعْر بَين الْحمرَة والسواد. وَيَجِيء فِي بعض أَلْفَاظ الصَّحِيح: فغلفها بِالْحِنَّاءِ والكتم حَتَّى قنأ لَوْنهَا. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: القاني من الألوان: الشَّدِيدَة الْحمرَة الَّتِي يضْرب إِلَى السوَاد. وَقد كَانَ يخضب بِالْحِنَّاءِ والكتم خلق كثير من الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ. وَقد ذكرتهم فِي كتاب: ((الشيب والخضاب)) . فَإِن قَالَ قَائِل: فَمَا فَائِدَة خضاب الشيب؟ قيل لَهُ: فِيهِ ثَلَاث فَوَائِد: إِحْدَاهَا: امْتِثَال أَمر الشَّارِع، فَإِنَّهُ قَالَ: ((غيروا الشيب وَلَا تشبهوا باليهود)) أخبرنَا عَليّ بن مُحَمَّد بن أبي عمر قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن الْحُسَيْن بن أَيُّوب قَالَ: أَنبأَنَا عبد الْملك بن مُحَمَّد بن بَشرَان قَالَ: أخبرنَا حَمْزَة بن مُحَمَّد بن الْفضل قَالَ: أَنبأَنَا عَبَّاس بن مُحَمَّد الدوري قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْقَاسِم الْأَسدي قَالَ: حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ عَن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ((إِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَا يخضبون فخالفوهم)) . وَقد روينَا من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ((اختضبوا، فَإِن الْمَلَائِكَة يستبشرون بخضاب الْمُؤمن)) . قَالَ صَالح بن أَحْمد بن حَنْبَل: لما مرض أبي دخل عَلَيْهِ رجل من جيراننا قد خضب فَقَالَ: إِنِّي لأرى الرجل يحيي شَيْئا من السّنة فَأَفْرَح بِهِ. وَقَالَ الْمروزِي: دخل على أبي عبد الله شيخ مخضوب فَقَالَ: إِنِّي لأسر أَن أرى الشَّيْخ قد خضب. فَهَذِهِ فَائِدَة من جِهَة مُوَافقَة الشَّرْع. والفائدة الثَّانِيَة: تخْتَص الْمَرْأَة، وَالنِّسَاء يُكْرهن الشيب جدا، فَإِذا غير كَانَ أقرب حَالا عِنْدهن وَأصْلح لمعاشرتهن. والفائدة الثَّالِثَة: تخْتَص بِالرجلِ وَهُوَ أَن الشيب يُؤثر فِيهِ صُورَة وَمعنى، فَأَما الصُّورَة فيشينه، وَلِهَذَا قَالَ أنس فِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا شانه الله ببيضاء. فَقيل لَهُ: أَو شين هُوَ؟ فَقَالَ: كلكُمْ يكرههُ. وَأما فِي الْمَعْنى فَإِنَّهُ يضعف الأمل، وَيقطع الْقلب، لعلم الْإِنْسَان بِقرب الْأَجَل. وَرُبمَا قَالَ قَائِل: فَنحْن إِنَّمَا ندور على مَا يقصر الأمل وَيذكر بِالآخِرَة، فَكيف نشرع فِيمَا ينسينا؟ فَالْجَوَاب: أَن النَّاس فِي هَذَا يَخْتَلِفُونَ، فَمنهمْ الشَّديد الْغَفْلَة عَن الْآخِرَة فَيحْتَاج إِلَى الموقظات، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 وَمِنْهُم الشَّديد الْيَقَظَة فَيحْتَاج إِلَى التَّعْدِيل بالمباحات. وَمَتى نصب الْإِنْسَان ذكر الْمَوْت بَين عَيْنَيْهِ وَلم يغالط نَفسه وتبسط لَهَا فِي أملهَا لم يقدر على نشر علم، وَلم ينْتَفع بعيش، وَهَذَا لَا يفهمهُ إِلَّا الْعلمَاء. فَإِن قَالَ قَائِل: فَمَا الَّذِي ينفع الْعَالم الْعَاقِل من تَغْطِيَة شَيْء يعلم بَاطِنه؟ فَالْجَوَاب: أَن النَّفس تقنع بستر الْأَحْوَال، فطبع البشرية يتشاغل بالظواهر، فَإِن الْإِنْسَان لَو تصور فِي حَال مضغ الطَّعَام كَيفَ هُوَ وَقد اخْتَلَط بريقه مَا أمكنه بلعه، وَلِهَذَا لَو أخرج اللُّقْمَة اللذيذة ثمَّ أَرَادَ إِعَادَتهَا لم يُمكن، وَلَو تصور نَفسه وَمَا بِهِ من الدِّمَاء والأنجاس مَا طَابَ عيشه، أَو لَو تصور ذَلِك فِي جَسَد امْرَأَته لم يقدره على التَّمَتُّع، فتغطية الْحَال مصلحَة العَبْد، وَالنَّفس تقنع بذلك، وَلِهَذَا اقْتَضَت الْحِكْمَة تَغْطِيَة أجل الْإِنْسَان عَنهُ لينْتَفع بعيشه، وَفهم هَذِه الْأَشْيَاء لَا تحصل إِلَّا لذِي لب. 1592 - / 2099 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث من أَفْرَاد مُسلم: خرجت تلوث خمارها: أَي تلويه على رَأسهَا. 1693 - / 2101 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أم سليم خنجرا، فَقَالَت: إِن دنا مني أحد من الْمُشْركين بقرت بَطْنه. أَي: شققته وفتحته. وَقَوْلها: اقْتُل من بَعدنَا من الطُّلَقَاء. والطلقاء: من أطلق وَمن الحديث: 1693 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 عَلَيْهِ من مسلمة الْفَتْح. وَقَوْلها: انْهَزمُوا بك: أَي انْهَزمُوا من بَين يَديك يَوْم هوَازن، تَعْنِي يَوْم حنين. فَقَالَ: ((إِن الله كفى)) لِأَن تِلْكَ الْهَزِيمَة تعقبها النَّصْر وَالْغنيمَة. 1694 - / 2104 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن فِي ((الْمُلَاعنَة)) : ((إِن جَاءَت بِهِ سبطا قضيء الْعَينَيْنِ فَهُوَ لهِلَال)) . السبط: السهل الشّعْر، وَهُوَ ضد الْجَعْد. وقضيء الْعين: فاسدهما، وَهُوَ مَقْصُور، يُقَال: فِي عين فلَان قضأة: أَي فَسَاد. وَقَوله: ((أكحل)) الْكحل: سَواد الْعين خلقَة. وَقَوله: ((حمش السَّاقَيْن)) أَي: دقيقهما. يُقَال: رجل حمش السَّاقَيْن، وَامْرَأَة حمشاء السَّاقَيْن. وَالْمرَاد بذلك الدقة. 1695 - / 2107 - وَقد تكلمنا على الحَدِيث الْحَادِي عشر فِي مُسْند أبي سعيد. 1696 - / 2108 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: أَنه كتب إِلَى النَّجَاشِيّ، وَلَيْسَ بالنجاشي الَّذِي صلى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. اعْلَم أَن الْحَبَشَة كَانَ يسمون كل من يملكهم النَّجَاشِيّ، كَمَا أَن فَارس يسمون ملكهم كسْرَى. الحديث: 1694 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 1697 - / 2109 - والْحَدِيث الثَّالِث عشر: قد تقدم فِي مُسْند جَابر. 1698 - / 2110 - والْحَدِيث الرَّابِع عشر: فِيهِ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَاد رجلا قد خفت: أَي: ذهبت قوته. 1699 - / 2113 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى على قبر. هَذَا يدل على جَوَاز الصَّلَاة على الْقَبْر على الْإِطْلَاق. وَقد قَالَ أَكثر أَصْحَابنَا: يُصَلِّي عَلَيْهِ إِلَى شهر. قَالَ ابْن عقيل: وَالصَّحِيح عِنْدِي أَنه يصلى عَلَيْهِ بعد شهر. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا دفن قبل أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ الْوَلِيّ صلي عَلَيْهِ إِلَى ثَلَاث. 1700 - / 2114 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: شقّ صدر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ لأمه. أَي جمع طرفِي الشق. قَوْله: وَهُوَ منتفع اللَّوْن: أَي متغير - اللَّوْن. والمخيط: الإبرة الَّتِي يخاط بهَا. وَمِنْه ((أدو الْخياط والمخيط)) . فالخياط: الْخَيط، والمخيط: الإبرة. فَإِن قيل: قد خلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مختونا مَسْرُورا، فَهَلا ولد مطهر الحديث: 1697 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 الْقلب من حَظّ الشَّيْطَان. فَالْجَوَاب: أَن هَذِه الْأُمُور جعلت لامتحان الْعُقُول، كَمَا خلق القلفة وَأمر بقطعها، وحول من قبْلَة إِلَى قبْلَة. فَمن اعْترض على تصاريف من تصرف اللَّيْل وَالنَّهَار فَهُوَ سَفِيه، وَإِنَّمَا يَقع الإعتراض لأَنهم يحملون أمره على الْمشَاهد، وَإِن من بنى ثمَّ هدم ثمَّ عَاد فَبنى كَانَ مستدركا أمرا لم يكن عمله، فَمَتَى لم يكن مستدركا كَانَ بالهدم عابثا، والأمران لَا يجوزان على الله تَعَالَى، وَأما الْمُحَقِّقُونَ فَإِنَّهُم يسلمُونَ. ثمَّ قد بَان وَجه الْحِكْمَة فِي هَذَا: أَن وِلَادَته مختونا مَسْرُورا تبين لِلْخلقِ إنعام الْحق فِي حَقه، وَلَو خلق سليم الْقلب مِمَّا أخرج فِي بَاطِنه لم يعلم بذلك، فالإعلام بِإِخْرَاج شَيْء كَانَ بَقَاؤُهُ يُؤْذِي إنعام آخر، على أَنه خلق طَاهِرا، لكنه زيد تنظيف طَرِيق الْوَحْي وتأكيد أَمر الْعِصْمَة. 1701 - / 2116 - وَفِي والْحَدِيث الْعشْرين: فَلَمَّا قفى: أَي ولى وَذهب. 1702 - / 2119 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: {فلنولينك قبْلَة ترضاها} [الْبَقَرَة: 144] أَي: تحبها. (والشطر) : النَّحْو. 1703 - / 2120 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: جَاءَ رجل وَقد حفزه النَّفس. أَي: جهده من شدَّة السَّعْي. وأصل الحفز الدّفع العنيف. الحديث: 1701 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 وأرم الْقَوْم: سكتوا. 1704 - / 2121 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: كَانَ يَقُول يَوْم أحد: ((اللَّهُمَّ إِن تشأ لَا تعبد فِي الأَرْض)) . وَهَذَا غلط؛ إِنَّمَا هُوَ يَوْم بدر. وَقد تقدم الْكَلَام على هَذَا فِي مُسْند عمر. 1705 - / 2122 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: وَردت عَلَيْهِم روايا قُرَيْش، فَقَالَ: ((هَذَا مصرع فلَان)) فَمَا مَاطَ أحد عَن مَوضِع يَد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. الروايا: الْحَوَامِل للْمَاء، والواحدة راوية. وماط بِمَعْنى زَالَ، وَمِنْه إمَاطَة الْأَذَى: وَهِي إِزَالَته. 1706 - / 2123 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْعِشْرين: أَن قُريْشًا صَالحُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي: ((اكْتُبْ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)) فَقَالَ سُهَيْل: مَا نَدْرِي مَا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، اكْتُبْ: بِاسْمِك اللَّهُمَّ. كَانَ الْقَوْم يَقُولُونَ: لَا نَعْرِف الرَّحْمَن إِلَّا رحمان الْيَمَامَة، يعنون مُسَيْلمَة، فَلَمَّا ردوا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم عَلَيْهِ، لم ينفذها إِلَيْهِم الحديث: 1704 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 حِين أنفذ ((بَرَاءَة)) . وَقد ذكرنَا هَذَا الصُّلْح وشرحناه فِي مُسْند سهل بن حنيف والبراء بن عَازِب. 1707 - / 2124 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفرد يَوْم أحد فِي سَبْعَة من الْأَنْصَار وَرجلَيْنِ من قُرَيْش، فَلَمَّا رهقوه قَالَ: ((من يردهم عَنَّا وَله الْجنَّة)) . رهقوه: قربوا مِنْهُ، وَمِنْه الْمُرَاهق: وَهُوَ المقارب للحلم. وَقد اخْتلفت الرِّوَايَات فِي عدد من ثَبت مَعَه يَوْم أحد؛ فَفِي هَذِه الرِّوَايَة تِسْعَة. وَقَالَ ابْن سعد: أَرْبَعَة عشر فيهم أَبُو بكر. وَقد ذكر فِيمَن ثَبت مَعَه طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن وَأَبُو عُبَيْدَة، وَكَأَنَّهَا حالات: يبعد عَنهُ فِيهَا قوم ويرجعون إِلَيْهِ. فَأَما عدد من قتل يَوْم أحد فَقَالَ ابْن إِسْحَاق: اسْتشْهد من الْمُسلمين يَوْم أحد خَمْسَة وَسِتُّونَ رجلا. وَقَوله: ((مَا أنصفنا أَصْحَابنَا)) فَرُبمَا أشكل هَذَا على بعض النَّاس فَقَالَ: كَيفَ يَأْمُرهُم بِالْقِتَالِ ثمَّ يَقُول: ((مَا أنصفنا أَصْحَابنَا)) ، وَهل عِنْده غير الْإِنْصَاف؟ ! فَالْجَوَاب: أَنه يجب على النَّاس أَن يقوا رَسُول الله بِأَنْفسِهِم، فَلَمَّا قَالَ: ((من يردهم عَنَّا)) كَانَ يَنْبَغِي للْكُلّ أَن يُبَادر، فَتَأَخر بَعضهم لَيْسَ بإنصاف. وَيحْتَمل أَن يكون إِشَارَته بذلك إِلَى القرشيين، لِأَنَّهُمَا تركا الْأَنْصَار ينفردون بذلك. الحديث: 1707 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 1708 - / 2125 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: أَنه كسر رباعيته يَوْم أحد وشج فِي وَجهه، فَجعل يَسْلت الدَّم عَنهُ. الرباعيات: الْأَسْنَان الَّتِي بعد الثنايا، وهما رباعيتان من فَوق ورباعيتان من أَسْفَل. والشج: الْجراحَة فِي الْوَجْه وَالرَّأْس. والسلت: الْمسْح والإزالة. 1709 - / 2127 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ: ((من طلب الشَّهَادَة صَادِقا أعطيها وَلَو لم تصبه)) . وَهَذَا لِأَن صدق الطّلب للشَّهَادَة يدل على تَسْلِيم النَّفس لَهَا ورضى الْقلب بهَا، فَكَأَنَّهَا وَقعت فَحصل أجرهَا، كَقَوْلِه تَعَالَى: {قد صدقت الرءيا} [الصافات: 105] فَإِذا لم يجر الْقدر بالمطلوب فَذَاك لَيْسَ إِلَى الطَّالِب، فَيعْطى بِطَلَبِهِ مَا طلب. 1710 - / 2128 - والْحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: سبق فِي مُسْند جَابر. 1711 - / 2130 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مَعَ إِحْدَى نِسَائِهِ، فَمر بِهِ رجل، فَدَعَاهُ فجَاء، فَقَالَ: ((يَا فلَان، هَذِه زَوْجَتي)) . الحديث: 1708 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 هَذِه الْمَرْأَة صَفِيَّة بنت حييّ. وَسَيَأْتِي هَذَا الحَدِيث فِي مسندها إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 1712 - / 2131 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ: ((رَأَيْت ذَات لَيْلَة كأنا فِي دَار عقبَة بن رَافع، فأتينا برطب من رطب ابْن طَابَ، فأولت الرّفْعَة لنا فِي الدُّنْيَا، وَالْعَاقبَة فِي الْأُخْرَى، وَأَن ديننَا قد طَابَ)) . هَذَا الحَدِيث أصل فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا على الْأَسْمَاء وَالْأَحْوَال. 1713 - / 2133 - والْحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: قد تقدم فِي مُسْند طَلْحَة. وَفِيه: فَخرج شيصا: وَهُوَ أردأ التَّمْر. 1714 - / 2135 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ: ((دخلت الْجنَّة فَسمِعت خشفة، قلت: من هَذَا؟ قَالُوا: هَذِه الغميصاء بنت ملْحَان)) . الخشفة: الصَّوْت وَالْحَرَكَة. وَهَذِه الغميصاء هِيَ أم سليم. وَسَيَأْتِي الْخلاف فِي اسْمهَا فِي مسندها إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 1715 - / 2136 - وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين: فأحجم الْقَوْم أَي توقفوا. الحديث: 1712 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 1716 - / 2138 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ: ((جعل إِبْلِيس يطِيف بِآدَم لما خلق، فَلَمَّا رَآهُ أجوف عرف أَنه خلق لَا يَتَمَالَك)) . الأجوف: ضَعِيف الصَّبْر من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه لَا يثبت ثُبُوت مَا لَيْسَ بأجوف. وَالثَّانِي: أَنه مفتقر إِلَى الْغذَاء لَا يصبر عَنهُ، فيطمع فِيهِ إِبْلِيس من الْوَجْهَيْنِ. 1717 - / 2139 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ: فَأَخذهُم سلما فاستحياهم. الْمَعْنى: أَخذهم بِلَا قتال مستسلمين. واستحياهم: استبقاهم. 1718 - / 2140 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: وآوانا: أَي صير لنا مأوى نأوي إِلَيْهِ. والمأوى: مَوضِع السُّكْنَى وَالْإِقَامَة. 1719 - / 2141 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ: أَن رجلا كَانَ يتهم بِأم ولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي: ((اذْهَبْ فَاضْرب عُنُقه)) . أم ولد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِيَ مَارِيَة أم إِبْرَاهِيم، أهداها إِلَيْهِ الْمُقَوْقس صَاحب الْإسْكَنْدَريَّة فِي سنة سبع من الْهِجْرَة وَمَعَهَا أُخْتهَا سِيرِين، وَبعث مَعَهُمَا ألف دِينَار وَعشْرين ثوبا، وَبغلته الدلْدل، وَحِمَاره يَعْفُور، وَخَصِيًّا يُقَال لَهُ مَأْبُور كَانَ أَخا مَارِيَة، بعث ذَلِك مَعَ حَاطِب الحديث: 1716 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 ابْن أبي بلتعة، فَعرض حَاطِب الْإِسْلَام على مَارِيَة فَأسْلمت هِيَ وَأُخْتهَا، وَأقَام الْخصي على دينه حَتَّى أسلم بِالْمَدِينَةِ بعد ذَلِك على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَنزلت فِي عالية الْمَدِينَة، وَكَانَ رجل من القبط يَأْتِيهَا بِالْمَاءِ والحطب ويتردد إِلَيْهَا، فَقَالَ النَّاس: علج يدْخل على علجة، فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا بقتْله، فَأَتَاهُ وَهُوَ فِي ركي - وَهِي الْبِئْر الَّتِي لم تطو، فَخرج فَإِذا هُوَ مجبوب، وَقيل: بل وجده على نَخْلَة، فَلَمَّا رأى السَّيْف وَقع فِي نَفسه مَا جَاءَ لأَجله فَألْقى كساءه، وَتكشف، فَإِذا هُوَ مجبوب: وَهُوَ الْمَقْطُوع الذّكر. وعَلى هَذَا الحَدِيث اعْتِرَاض: وَهُوَ أَن يُقَال: كَيفَ أَمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتل رجل بالتهمة؟ فقد أجَاب عَنهُ ابْن جرير فَقَالَ: جَائِز أَن يكون قد كَانَ من أهل الْعَهْد، وَقد تقدم إِلَيْهِ بِالنَّهْي عَن الدُّخُول على مَارِيَة فَعَاد، فَأمر بقتْله لنقض الْعَهْد. 1720 - / 2142 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ: ((يُؤْتى بأنعم أهل الدُّنْيَا من أهل النَّار، فيصبغ فِي النَّار صبغة، ثمَّ يُقَال لَهُ: هَل رَأَيْت خيرا قطّ؟ هَل مر بك نعيم قطّ؟ فَيَقُول: لَا وَالله. وَيُؤْتى بأشد النَّاس بؤسا فِي الدُّنْيَا من أهل الْجنَّة فَيُقَال لَهُ: هَل رَأَيْت بؤسا قطّ؟ فَيَقُول: لَا وَالله يَا رب)) . هَذَا الحَدِيث يحث على مُرَاعَاة العواقب، فَإِن التَّعَب إِذا أعقب الرَّاحَة هان، والراحة إِذا أثمرت النصب فَلَيْسَتْ رَاحَة، فالعاقل من الحديث: 1720 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 نظر فِي الْمَآل لَا فِي عَاجل الْحَال، وَقد كشف هَذَا الْمَعْنى الحَدِيث الَّذِي بعده: ((حفت الْجنَّة بالمكاره، وحفت النَّار بالشهوات)) وَقد قَالَت الْحُكَمَاء: لَا تنَال الرَّاحَة بالراحة، وَقل أَن يلمع برق لَذَّة إِلَّا وَتَقَع صَاعِقَة نَدم. 1721 - / 2145 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ: ((من يدْخل الْجنَّة ينعم، لَا يبأس)) . الْبُؤْس: الشَّقَاء وَسُوء الْعَيْش. 1722 - / 2146 - والْحَدِيث الْخَمْسُونَ: فِي مُسْند عمر. 1723 - / 2148 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: أَن عَائِشَة وَزَيْنَب تقاولتا حَتَّى استحثتا أَي: رمت كل وَاحِدَة صاحبتها بِالتُّرَابِ. يُقَال: حثا التُّرَاب يحثوه. وَقد رَوَاهُ قوم: حَتَّى استخبثتا: أَي: قَالَت كل وَاحِدَة لصاحبتها الهجر والخبيث من القَوْل. وَرَوَاهُ آخَرُونَ: حَتَّى استخبتا: أَي اصطخبتا. والصخب: رفع الصَّوْت فِي الْخُصُومَة، وَالسِّين وَالصَّاد يتعاقبان، وَاللَّفْظ الأول هُوَ الْمَحْفُوظ. 1724 - / 2149 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْخمسين: بعث رَسُول الله الحديث: 1721 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسيسة عينا. يُقَال فِي هَذَا: بسيسة وبسبس أَيْضا، وَهُوَ ابْن عَمْرو بن ثَعْلَبَة الْأنْصَارِيّ. وَقَوله: ((قومُوا إِلَى جنَّة عرضهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض)) أَي: كعرض السَّمَوَات وَالْأَرْض. قَالَ ابْن قُتَيْبَة. لم يرد الْعرض الَّذِي هُوَ خلاف الطول، وَإِنَّمَا أَرَادَ سعتها، وَالْعرب تَقول: بِلَاد عريضة: أَي وَاسِعَة. فَإِن قَالَ قَائِل: أَنْتُم تروون أَن أقل أهل الْجنَّة لَهُ بِقدر الدُّنْيَا عشر مَرَّات، فَكيف تكون الْجنَّة كلهَا بِعرْض السَّمَاء وَالْأَرْض؟ فَجَوَابه من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الدُّنْيَا بِالْإِضَافَة إِلَى السَّمَوَات كالذرة، وكل سَمَاء هِيَ أعظم من الَّتِي تَلِيهَا، فَإِذا أضيفت السَّمَوَات كلهَا كَانَت الدُّنْيَا عِنْدهَا كنطفة. وَالثَّانِي: أَن يكون المُرَاد بذلك صفة الْبُسْتَان الَّذِي يخْتَص بِكُل مُؤمن لَا صفة جَمِيع الْجنَّة. وَقَوله: بخ بخ. هِيَ كلمة تقال عِنْد الْمَدْح: قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: مَعْنَاهَا تَعْظِيم الْأَمر وتفخيمه، وسكنت الْخَاء كَمَا سكنت اللَّام من هَل وبل، وَأَصله التَّشْدِيد فَخفف وَيُقَال: بخ بخ منونا تَشْبِيها بالأصوات كصه ومه. وَقَالَ ابْن السّكيت: بخ بخ وَبِه بِهِ بِمَعْنى وَاحِد. وَقَالَ الآخر: فِي بخ أَربع لُغَات: الْجَزْم والخفض وَالتَّشْدِيد وَالتَّخْفِيف، وَأنْشد: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 (روافده أكْرم الرافدات ... بخ لَك بخ لبحر خضم) وَقَالَ آخر: ( ... . . ... بخ بخ لوالده وللمولود) واخترج بِمَعْنى أخرج. والقرن بِفَتْح الرَّاء: جعبة صَغِيرَة تضم إِلَى الجعبة الْكَبِيرَة. 1725 - / 2150 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْخمسين: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى الْغَدَاة جَاءَ خدم الْمَدِينَة بآنيتهم فِيهَا المَاء، فَمَا يأْتونَ بِإِنَاء إِلَّا غمس يَده فِيهِ. إِنَّمَا كَانُوا يطْلبُونَ بِهَذَا بركته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَيَنْبَغِي للْعَالم إِذا طلب الْعَوام التَّبَرُّك بِهِ فِي مثل هَذَا أَلا يخيب ظنونهم، وَأَن يحملهم على مَا هم عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ فِي هَذَا نوع مخاطرة لَهُ؛ إِلَّا أَن الْعَالم يعتصم من الْخطر بِعِلْمِهِ، وَيعرف نَفسه وَلَا يُؤثر فِيهِ فعل غَيره، وَإِنَّمَا يَقع الْخطر بالمتزهد الْقَلِيل الْعلم، فَرُبمَا أفْسدهُ مثل هَذَا، كَمَا قَالَ: مَا أبقى خَفق النِّعَال وَرَاء الحمقى من عُقُولهمْ شَيْئا. الحديث: 1725 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 1726 - / 2152 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْخمسين: انْطلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أم أَيمن وَانْطَلَقت مَعَه، فناولته إِنَاء فِيهِ شراب، قَالَ: فَلَا أَدْرِي أصادقته صَائِما أَو لم يردهُ، فَجعلت تصخب عَلَيْهِ وتذمر عَلَيْهِ. الصخب: الصَّوْت والجلبة. وَمَاء صخب الموج والجريان: إِذا كَانَ لَهُ صَوت. وَمعنى تصخب: تصيح. وتذمر: تغْضب. وَإِنَّمَا انبسطت عَلَيْهِ لِأَنَّهَا كَانَت حاضنته ومربيته. 1727 - / 2153 - والْحَدِيث السَّابِع وَالْخَمْسُونَ: فِي مُسْند عَليّ. 1728 - / 2154 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْخمسين: وَقت لنا فِي قصّ الشَّارِب وتقليم الْأَظْفَار ونتف الْإِبِط وَحلق الْعَانَة أَن لَا نَتْرُك أَكثر من أَرْبَعِينَ لَيْلَة. اعْلَم أَنه مَتى زَاد الزَّمَان على هَذَا الْمِقْدَار كثرت الأوساخ، وَرُبمَا حصل تَحت الظفر مَا يمْنَع وُصُول المَاء إِلَيْهِ. ثمَّ إِنَّهَا تعدم الزِّينَة الَّتِي خصت بالأظفار والشارب. 1729 - / 2157 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتِّينَ: ((وَيُقَال لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي)) . الحديث: 1726 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 الْأَركان: الْأَعْضَاء. وَقَوله: ((عنكن كنت أُنَاضِل)) المناضلة: الرَّمْي بِالسِّهَامِ، وَالْمرَاد بهَا هَا هُنَا المدافعة عَنْهَا والإعتذار. 1730 - / 2158 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتِّينَ: سُئِلَ عَن الْخمر، أتتخذ خلا؟ قَالَ: ((لَا)) . هَذَا الحَدِيث دَلِيل على صِحَة مَذْهَبنَا؛ فَإِنَّهُ عندنَا لَا يجوز تَخْلِيل الْخمر، وَلَا تطهر إِذا خللت. وَعَن أَحْمد: أَن تخليلها يكره وتطهر. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز وتطهر. وَعَن مَالك كالروايتين. 1731 - / 2161 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتِّينَ: جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله فَقَالَ: يَا خير الْبَريَّة. قَالَ: ((ذَاك إِبْرَاهِيم)) . قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْبَريَّة: الْخلق، وَأكْثر الْعَرَب والقراء على ترك الْهمزَة لِكَثْرَة مَا جرت على الْأَلْسِنَة، وَهِي ((فعيلة)) بِمَعْنى ((مفعولة)) . وَمن النَّاس من يزْعم أَنَّهَا مَأْخُوذَة من بريت الْعود، وَمِنْهُم من يزْعم أَنَّهَا من البرا: وَهُوَ التُّرَاب: أَي خلق من التُّرَاب، وَقَالُوا: لذَلِك لَا يهمز. وَقَالَ الزّجاج: لَو كَانَت من البرا وَهُوَ التُّرَاب لما قُرِئت بِالْهَمْز، وَإِنَّمَا اشتقاقها من: برأَ الله الْخلق. فَإِن قيل: كَيفَ شهد لإِبْرَاهِيم أَنه خير الْبَريَّة وَهُوَ يَقُول: ((أَنا سيد الحديث: 1730 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 ولد آدم)) فَالْجَوَاب: أَن هَذَا مَحْمُول على مَا قَالَه قبل أَن يعلم أَنه خير الْخلق، فَلَمَّا عرف ذَلِك قَالَ: ((أَنا سيد ولد آدم)) . 1732 - / 2163 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتِّينَ: أُتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِتَمْر، فَجعل يقسمهُ وَهُوَ محتفز، يَأْكُل مِنْهُ أكلا ذريعا. وَفِي لفظ: رَأَيْته مقعيا يَأْكُل تَمرا. المحتفز: المستعجل الَّذِي لَيْسَ يتَمَكَّن. والذريع: السَّرِيع الحثيث. قَالَ النَّضر بن شُمَيْل: والإقعاء: أَن يجلس على وركيه، وَهُوَ الإحتفاز. وَقَالَ أَبُو عبيد: هُوَ أَن يلصق أليتيه بِالْأَرْضِ وَينصب سَاقيه وَيَضَع يَده بِالْأَرْضِ. 1733 - / 2164 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتِّينَ: رخص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرّقية من الْعين والحمة والنملة. أما الرّقية من الْعين فقد ذكرنَا الْعين وَمَا يتَعَلَّق بهَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَأما الْحمة فَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْحمة: الْحَيَّات والعقارب وأشباهها من ذَوَات السمُوم. والنملة: قُرُوح فِي الْجنب. وَقَالَ الحديث: 1732 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 أَبُو عبيد: هِيَ قُرُوح تخرج بالجنب وَغَيره. قَالَ: ويحكى عَن عمر بن عبد الْعَزِيز فِي رقية النملة: الْعَرُوس تحتفل وتقنأ وتكتحل، وكل شَيْء تفتعل، غير أَن لَا تَعْصِي الرجل. تقنأ: تتزين. فَأَما النملة بِضَم النُّون فَهِيَ النميمة. يُقَال: رجل نمل: إِذا كَانَ نماما. 1734 - / 2165 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسِّتِّينَ: ((إِن لَهُ لظئرين)) . الظِّئْر: الْمُرضعَة، وَأَصله من الْعَطف، وَقد تقدم هَذَا الحَدِيث. 1735 - / 2166 - وَفِي الحَدِيث السّبْعين: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خرج مسيرَة ثَلَاثَة أَمْيَال أَو ثَلَاثَة فراسخ صلى رَكْعَتَيْنِ. هَذَا شَيْء لَا يَقُول بِهِ أحد من أَرْبَاب الْمذَاهب الظَّاهِرَة، وَإِن كَانَ هَذَا الحَدِيث مذهبا لجَماعَة من السّلف، فقد كَانَ أنس يقصر فِيمَا بَينه وَبَين خَمْسَة فراسخ، وَقَالَ ابْن عمر: إِنِّي لأسافر السَّاعَة من النَّهَار فأقصر. وَإِنَّمَا يحمل هَذَا الحَدِيث على أحد شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: أَن يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج بنية السّفر الطَّوِيل فَلَمَّا سَار ثَلَاثَة أَمْيَال الحديث: 1734 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 قصر، ثمَّ عَاد من سَفَره، فَحكى أنس مَا رأى. وَالثَّانِي: أَن يكون مَنْسُوخا. 1736 - / 2167 - والْحَدِيث الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ: قد تقدم فِي مُسْند عمر وَغَيره. الحديث: 1736 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 (80) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي هُرَيْرَة الدوسي وَاخْتلفُوا فِي اسْمه وَاسم أَبِيه على ثَمَانِيَة عشر قولا قد ذكرتها فِي كتاب ((التلقيح)) ، وأشهرها عبد شمس. وَكَانَت لَهُ فِي قديم أمره هرة صَغِيرَة فكني بهَا. وَقدم الْمَدِينَة سنة سبع وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَيْبَر، فَسَار إِلَى خَيْبَر حَتَّى قدم مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة، وَمَا حفظ لأحد من الصَّحَابَة أَكثر من حَدِيثه؛ فَإِنَّهُ روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة آلَاف حَدِيث وثلثمائة وَأَرْبَعَة وَسبعين، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) سِتّمائَة وَتِسْعَة أَحَادِيث. 1737 - / 2168 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: قَالَ ابْن عَبَّاس: مَا رَأَيْت شَيْئا أشبه باللمم مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ((إِن الله كتب على ابْن آدم حَظه من الزِّنَا أدْرك ذَلِك لَا محَالة)) . الحديث: 1737 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 اللمم: مقاربة الْمعْصِيَة من غير مواقعة لَهَا. وَالْمرَاد بِالْحَدِيثِ أَن النّظر والنطق وشهوة النَّفس تقَارب الزِّنَا. وَقَوله: ((أدْرك ذَلِك)) أَي قضي عَلَيْهِ، فَلَا بُد من إِصَابَة شَيْء من ذَلِك. وَالزِّنَا مَقْصُور وَقد يمد. وَإِنَّمَا سمي النّظر زنا لِأَنَّهُ مُقَدّمَة ذَلِك. وَقَوله: ((والفرج يصدق ذَلِك)) دَلِيل على أَن المتلوط زَان، وَأَنه يحد حد الزَّانِي. 1738 - / 2169 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: قَالَ ابْن عَبَّاس: قدم مُسَيْلمَة الْمَدِينَة، فَجعل يَقُول: إِن جعل لي مُحَمَّد الْأَمر من بعده تَبعته. أما مُسَيْلمَة فاسمه ثُمَامَة بن قيس، وَكَانُوا يَقُولُونَ لَهُ رحمان، يسمونه باسمه الَّذِي يَدعِي أَنه يَأْتِيهِ. وَكَانَ مُسَيْلمَة قد خاصمه قومه لما ادّعى النُّبُوَّة، فَقَالَ: أَنا أُؤْمِن بِمُحَمد وَلَكِنِّي قد أشركت مَعَه فِي النُّبُوَّة، فكاتبه بَنو حنيفَة وأنزلوه حجرا، فَكتب ثُمَامَة بن أَثَال يخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مُسَيْلمَة قد دَعَا إِلَى أمره، وَغلب على حجر، وَشهد لَهُ الرِّجَال بِأَنَّهُ قد أشرك فِي النُّبُوَّة، فأضل عَامَّة من كَانَ معي. ثمَّ قدم كتاب مُسَيْلمَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ رجلَيْنِ يُقَال لَهما: عبد الله بن النواح وَعبد الله بن حُجَيْر، وَكَانَ فِي كِتَابه: أَن الأَرْض نصفهَا لنا وَنِصْفهَا لقريش، وَلَكِن قُريْشًا قوم لَا يعدلُونَ، ويدعوه فِي كِتَابه إِلَى الْمُقَاسَمَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((لَوْلَا أَن الرُّسُل لَا تقتل لقتلتكما)) ثمَّ أجَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((من مُحَمَّد إِلَى مُسَيْلمَة الْكذَّاب، أما بعد فَإِن الأَرْض لله الحديث: 1738 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 يُورثهَا من يَشَاء من عباده وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين. وَقد أهلكت أهل حجر، أقادك الله وَمن صوب مَعَك)) وَقدم مُسَيْلمَة الْمَدِينَة وَجرى لَهُ مَا ذكر فِي هَذَا الحَدِيث، ثمَّ توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتغوفل عَنهُ، فاستفحل أمره إِلَى أَن قَتله الله عز وَجل بيد وَحشِي الَّذِي قتل حَمْزَة. وَكَانَ من قرآنه الَّذِي يَدعِي أَنه يُوحى إِلَيْهِ: ((وَاللَّيْل الأطخم. وَالذِّئْب الأدلم. والجزع الأزلم، مَا انتهكت أسيد من محرم)) ((وَاللَّيْل الدامس. وَالذِّئْب الهامس. مَا قطت أسيد من رطب وَلَا يَابِس)) ((وَالشَّاء وألوانها. وأعجبها السود وَأَلْبَانهَا. وَالشَّاة السَّوْدَاء. وَاللَّبن الْأَبْيَض، إِنَّه لعجب مَحْض. وَقد حرم المذق فَمَا لكم لَا تمجعون)) ((ضفدع بنت ضفدعين. نقي مَا تنقين. أعلاك فِي المَاء وأسفلك فِي الطين. لَا الشَّارِب تمنعين وَلَا المَاء تكدرين)) . ((والمندبات زرعا. والحاصدات حصدا. والذاريات قمحا. والطاحنات طحنا. والخابزات خبْزًا. والثاردات ثردا. واللاقمات لقما. إهالة وَسمنًا. لقد فضلْتُمْ على أهل الْوَبر. وَمَا سبقكم أهل الْمدر)) ، ((الْفِيل وَمَا أَدْرَاك مَا الْفِيل. لَهُ ذَنْب وثيل. وخرطوم طَوِيل)) . وتمضمض يَوْمًا مُسَيْلمَة ورماه فِي بِئْر فغارت، وَمسح على رَأس صبي فقرع، ودعا لآخر فَعميَ، ودعا لآخر فَمَاتَ من يَوْمه، وَمسح الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 ضرع نَاقَة لتدر فيبست أخلافها وَانْقطع درها. وَأما الجريد فَهُوَ سعف النّخل، الْوَاحِدَة جَرِيدَة، وَسميت بذلك لِأَنَّهُ قد جرد مِنْهَا الخوص. وَقَوله: ((ليَعْقِرنك)) أَي ليهلكنك. وَقَوله: ((وَهَذَا ثَابت يجيبك عني)) كَانَ ثَابت بن قيس بن شماس خطيب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَكَلَّم عَنهُ، وَهَذَا لِأَن الْقَوْم ألفوا تشقيق الْكَلَام وإنشاد الشّعْر، وَكَانَ ثَابت للخطب، وَحسان للشعر. وَفِي هَذَا تَنْبِيه على جَوَاز تشقيق الْكَلَام إِذا كَانَ صدقا وصحيحا. وَأما الْعَنسِي فَهُوَ الْأسود، واسْمه عبهلة بن كَعْب، وَكَانَ يُقَال لَهُ ذُو الْخمار، يزْعم أَن الَّذِي يَأْتِيهِ ذُو خمار. وَأول ردة كَانَت فِي الْإِسْلَام بِالْيمن، على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على يَدي الْأسود الْعَنسِي، وَكَانَ الْأسود كَاهِنًا ومشعبذا، وَكَانَ يُرِيهم الْأَعَاجِيب، وَيَسْبِي الْقُلُوب بمنطقه، فكاتبته مذْحج، وواعدوه نَجْرَان، فَوَثَبُوا بهَا فأخرجوا عَمْرو بن حزم وخَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ، وأنزلوه منزلهما، وَصفا لَهُ ملك الْيمن، وَلم يقر برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا طَالبه أَتْبَاعه بِهَذَا، وَلم يكْتب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَوَثَبَ عَلَيْهِ فَيْرُوز الديلمي فَقتله، فَأُوحي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك، فَقَالَ: ((قتل الْأسود البارحة، قَتله رجل مبارك من أهل بَيت مباركين)) قيل: وَمن؟ قَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 ((فَيْرُوز، فَازَ فَيْرُوز)) . وَكَانَ قد ادّعى النُّبُوَّة أَيْضا طليحة بن خويلد فِي بني أَسد، وَكَانَ يُقَال لَهُ ذُو النُّون، بِأَن الَّذِي يَأْتِيهِ ذُو النُّون، وَاجْتمعت عَلَيْهِ الْعَرَب، وَأَرْسلُوا وفودا فعرضوا أَن يقيموا الصَّلَاة ويعفوا عَن الزَّكَاة، فَصَعدَ أَبُو بكر الْمِنْبَر، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ: إِن الله توكل بِهَذَا الْأَمر، فَهُوَ نَاصِر من لزمَه، وخاذل من تَركه، وَإنَّهُ بَلغنِي أَن وفودا من وُفُود الْعَرَب قدمُوا يعرضون الصَّلَاة ويأبون الزَّكَاة. أَلا وَإِنَّهُم لَو مَنَعُونِي عقَالًا مِمَّا أَعْطوهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ فرائضهم مَا قبلته مِنْهُم. أَلا بَرِئت الذِّمَّة من رجل من هَؤُلَاءِ الْوُفُود أَخذ بعد يَوْمه وَلَيْلَته بِالْمَدِينَةِ. فتواثبوا يتخطون رِقَاب النَّاس حَتَّى مَا بَقِي فِي الْمَسْجِد مِنْهُم أحد. ثمَّ دَعَا نَفرا فَأَمرهمْ بأَمْره، فَأمر عليا بِالْقيامِ على نقب من أنقاب الْمَدِينَة، وَأمر الزبير بِالْقيامِ على نقب آخر، وَأمر طَلْحَة بِالْقيامِ على نقب آخر، وَأمر عبد الله بن مَسْعُود بعسس مَا وَرَاء ذَلِك بِاللَّيْلِ والإرتباء نَهَارا. وجد فِي أمره، وَقَامَ على سَاق، وَخرج أَبُو بكر حَتَّى انْتهى إِلَى الربذَة، فلقي بني عبس وذبيان فَقَاتلهُمْ، فَهَزَمَهُمْ الله وفلهم، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة فَقطع فِيهَا الْجنُود، وَعقد أحد عشر لِوَاء، [لِوَاء] مِنْهَا لخَالِد ابْن الْوَلِيد، وَأمره بطليحة بن خويلد فَإِذا فرغ مِنْهُ سَار إِلَى مَالك بن نُوَيْرَة، ولعكرمة وَأمره بمسيلمة، وللمهاجر بن أبي أُميَّة فَأمره بِجُنُود الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 الْعَنسِي، ولخالد بن سعيد بن العَاصِي إِلَى مَشَارِق الشَّام، فَأَما طليحة فَإِنَّهُ عَاد إِلَى الْإِسْلَام، وَأما مُسَيْلمَة فَأَقَامَ على حَاله فَقتله الله تَعَالَى. 1739 - / 2170 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: ((أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي)) . اعْلَم أَن صدق رَجَاء الْمُؤمن لفضل الله عز وَجل وجوده يُوجب حسن الظَّن بِهِ، وَلَيْسَ حسن الظَّن بِهِ مَا يَعْتَقِدهُ الْجُهَّال من الرَّجَاء مَعَ الْإِصْرَار على الْمعاصِي، وَإِنَّمَا مثلهم فِي ذَلِك كَمثل من رجا حصادا وَمَا زرع، أَو ولدا وَمَا نكح. وَإِنَّمَا الْعَارِف بِاللَّه عز وَجل يَتُوب ويرجو الْقبُول، ويطيع ويرجو الثَّوَاب. أخبرنَا مُحَمَّد بن نَاصِر قَالَ: أخبرنَا الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار قَالَ: أَنبأَنَا عبد الْعَزِيز بن عَليّ قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن أَحْمد الْمُفِيد يَقُول: حَدثنَا الْحسن بن إِسْمَاعِيل قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الفِهري عَن أَبِيه عَن الْحسن قَالَ: إِن قوما ألهتهم أماني الْمَغْفِرَة حَتَّى خَرجُوا من الدُّنْيَا وَلَيْسَت لَهُم حَسَنَة، يَقُول: إِنِّي لحسن الظَّن بربي، وَكذب، لَو أحسن الظَّن بربه لأحسن الْعَمَل. ((وَأَنا مَعَه حِين يذكرنِي)) أَي بِالْحِفْظِ والحراسة وَحسن الْجَزَاء. وَقَوله: ((ذكرته فِي ملإ خير مِنْهُم)) الْمَلأ: الْأَشْرَاف، وَالْمرَاد بهم الْمَلَائِكَة. وَبَاقِي الحَدِيث قد سبق فِي مُسْند أنس بن مَالك. الحديث: 1739 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 1740 - / 2171 - والْحَدِيث الرَّابِع: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عمر. 1741 - / 2172 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: ((لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تضطرب أليات نسَاء دوس على ذِي الخلصة)) . الأليات جمع ألية: وَهِي الْعَجز. وَذُو الخلصة: بَيت كَانَ فِيهِ صنم يُقَال لَهُ الخلصة، وَكَانَ لدوس وخثعم، وَكَانَ يُسمى الْكَعْبَة اليمانية، فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جرير بن عبد الله لهدمه، وَعقد لَهُ لِوَاء، فهدمه، فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن النَّاس يعودون فِي آخر الزَّمَان إِلَى عبَادَة الْأَوْثَان. وَإِنَّمَا ذكر اضْطِرَاب الأليات ليصف قُوَّة الْحِرْص على السَّعْي حول ذَلِك الصَّنَم الَّذِي كَانَ يعبد حَتَّى حرص النِّسَاء إِلَى أَن تضطرب أعضاؤهن لشدَّة الْحَرَكَة. 1742 - / 2174 - والْحَدِيث السَّابِع: قد تقدم فِي مُسْند جَابر بن سَمُرَة. 1743 - / 2715 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: ((مَا من مَوْلُود يُولد إِلَّا نخسه الشَّيْطَان، فَيَسْتَهِل صَارِخًا)) . الإستهلال: رفع الصَّوْت. الحديث: 1740 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 والنخس بالشَّيْء المحدد كرؤوس الْأَصَابِع. والحجاب هَاهُنَا المشيمة. وَقَوله: ((نزغة من الشَّيْطَان)) أَي قصد للْفَسَاد. 1744 - / 2176 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: ((ليوشكن أَن ينزل ابْن مَرْيَم حكما مقسطا، فيكسر الصَّلِيب، وَيقتل الْخِنْزِير، وَيَضَع الْجِزْيَة)) . الوشيك: الْقَرِيب. وَأَرَادَ قرب ذَلِك الْأَمر. وَالْحكم: الْحَاكِم. والمقسط: الْعَادِل. يُقَال: أقسط فَهُوَ مقسط: إِذا عدل، وقسط فَهُوَ قاسط: إِذا جَار. وَفِي قَوْله: ((وَيَضَع الْجِزْيَة)) قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه يحمل النَّاس على دين الْإِسْلَام، وَلَا يبْقى أحد تجْرِي عَلَيْهِ الْجِزْيَة. وَالثَّانِي: أَنه لَا يبْقى فِي النَّاس فَقير يحْتَاج إِلَى المَال، وَإِنَّمَا تُؤْخَذ الْجِزْيَة فتصرف فِي الْمصَالح، فَإِذا لم يبْق للدّين خصم عدمت الْوُجُوه الَّتِي تصرف فِيهَا الْجِزْيَة فَسَقَطت. ذكر الْقَوْلَيْنِ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ. وَيحْتَمل وَجها ثَالِثا: وَهُوَ أَنه يضْرب الْجِزْيَة على من يدين بدين النَّصَارَى كَمَا هِيَ الْيَوْم، وَذَلِكَ لِأَن شَرعه نسخ، فَلَمَّا نزل اسْتعْمل شرعنا، وَمن شرعنا ضرب الْجِزْيَة وَقتل الْخِنْزِير. وَقَوله: ((حَتَّى تكون السَّجْدَة الْوَاحِدَة خيرا من الدُّنْيَا)) كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى الحديث: 1744 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 صَلَاح النَّاس، وَإِيمَانهمْ، وإقبالهم على الْخَيْر، فهم لذَلِك يؤثرون الرَّكْعَة على الدُّنْيَا، وَلذَلِك قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: اقْرَءُوا إِن شِئْتُم: {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته وَيَوْم الْقِيَامَة يكون عَلَيْهِم شَهِيدا} [النِّسَاء: 159] وَيدل على صَلَاح النَّاس عِنْد نزُول عِيسَى قَوْله: ((وَتذهب الشحناء والتباغض)) . وَأما قَوْله: ((وإمامكم مِنْكُم)) فقد سبق فِي مُسْند جَابر بن عبد الله أَنه: ((إِذا نزل عِيسَى قَالَ أَمِير النَّاس: صل لنا، فَيَقُول: لَا، إِن بَعْضكُم على بعض أُمَرَاء)) . وَهَذَا معنى قَوْله: ((فأمكم مِنْكُم)) أَي وَاحِد مِنْكُم. وَفِي هَذَا الحَدِيث عَن ابْن أبي ذِئْب تَفْسِير آخر، فَإِنَّهُ قَالَ: مَعْنَاهُ: أمكُم بِكِتَاب الله وَسنة نبيه. وَمَا ذكرنَا فِي حَدِيث جَابر يبطل هَذَا التَّأْوِيل. والقلاص جمع قلُوص: وَهِي الْأُنْثَى من الْإِبِل، وَقيل: القلوص: الْبَاقِيَة على السّير من النوق. وَقَوله: ((لَا يسْعَى عَلَيْهَا)) يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: يسْتَغْنى عَن رعيها لِكَثْرَة المَال. وَالثَّانِي: لَا يسْعَى عَلَيْهَا إِلَى جِهَاد لإسلام النَّاس. 1745 - / 2187 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: ((يتقارب الزَّمَان، وَينْقص الْعلم)) . فِي معنى تقَارب الزَّمَان أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه قرب الْقِيَامَة، الحديث: 1745 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 وَالْمعْنَى: إِذا قربت الْقِيَامَة كَانَ من أشراطها الشُّح والهرج. وَالثَّانِي: قصر مُدَّة الْأَزْمِنَة كَمَا جرت بِهِ الْعَادة، وَلِهَذَا قَالَ فِي حَدِيث آخر: ((يتقارب الزَّمَان حَتَّى تكون السّنة كالشهر، والشهر كَالْجُمُعَةِ، وَالْجُمُعَة كَالْيَوْمِ)) . وَالثَّالِث: أَنه قصر الْأَعْمَار. وَالرَّابِع: أَنه تقَارب أَحْوَال النَّاس فِي غَلَبَة الْفساد عَلَيْهِم، فَيكون الْمَعْنى: يتقارب أهل الزَّمَان: أَي تتقارب صفاتهم فِي القبائح، وَلِهَذَا ذكر على إثره: الْهَرج وَالشح. وَأما نقص الْعلم وَقَبضه فقد سبق بَيَانه فِي مُسْند أنس. وَقَوله: ((يلقى الشُّح)) على وَجْهَيْن: أَحدهمَا يلقى من الْقُلُوب، يدل عَلَيْهِ قَوْله: ((وَيفِيض المَال)) . وَالثَّانِي: يلقى فِي الْقُلُوب فَيُوضَع فِي قلب من لَا شح عِنْده، وَيزِيد فِي قلب الشحيح. وَوجه هَذَا أَن الحَدِيث خَارج مخرج الذَّم، فوقوع الشُّح فِي الْقُلُوب مَعَ كَثْرَة المَال أبلغ فِي الذَّم. قَالَ أَبُو عبد الله الْحميدِي: وَقد رَأَيْت من يمِيل إِلَى أَن لفظ الحَدِيث يلقى بتَشْديد الْقَاف، وَالْمعْنَى: يتلَقَّى ويتعلم ويتواصى بِهِ. وَقد سبق تَفْسِير الشُّح فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. والهرج: الْقَتْل. والدجال: الْكذَّاب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 وفيض المَال: كثرته. والأرب: الْحَاجة. والمروج جمع مرج. قَالَ ابْن فَارس: المرج: أَرض ذَات نَبَات تمرج فِيهَا الدَّوَابّ. 1746 - / 2178 - والْحَدِيث الْحَادِي عشر: قد سبق فِي مُسْند ابْن عمر. 1747 - / 2179 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: ((لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تقاتلوا قوما نعَالهمْ الشّعْر)) . هَذَا شعار للترك، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْن بن الْمُنَادِي: هم البربر. وَأما المجان فَجمع مجن: وَهُوَ الترس. قَالَ أَبُو عبيد: والمطرقة: الَّتِي أطرقت بالجلود والعقب: أَي ألبست، وَكَذَلِكَ النَّعْل المطرقة: هِيَ الَّتِي قد أطبقت عَلَيْهَا أُخْرَى. شبه عرض وُجُوههم ونتو جباههم بِظُهُور الترسة الَّتِي قد ألبست الأطرقة. وَقَوله: ((ذلف الأنوف)) : الذلف: قصر الْأنف وانبطاحه. وَقَالَ الزّجاج: قصر الْأنف وصغره. يُقَال: امْرَأَة ذلفاء: إِذا كَانَت كَذَلِك. والفطس انفراش الْأنف وطمأنينة وَسطه. الحديث: 1746 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 والبارز: مَوضِع. وَقَوله: ((تَجِدُونَ خير النَّاس أَشَّدهم كَرَاهِيَة لهَذَا الْأَمر)) كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى الولايات. وَقَوله: ((النَّاس معادن)) الْإِشَارَة إِلَى أصل الْموضع، فمعدن الذَّهَب ينْبت الذَّهَب، ومعدن القار والنفط لَا يَجِيء مِنْهُ إِلَّا ذَلِك، ويوضح هَذَا قَوْله: ((خيارهم فِي الْجَاهِلِيَّة خيارهم فِي الْإِسْلَام)) الْمَعْنى أَن الأَصْل الْجيد فِي الْجَاهِلِيَّة يزِيدهُ الْإِسْلَام جودة. وَقَوله: ((وليأتين على أحدكُم زمَان لِأَن يراني)) يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون خطابا للصحابة، يتمنون بعد عَدمه رُؤْيَته، إِمَّا للشوق إِلَيْهِ، أَو لظُهُور الْفِتَن، وَالثَّانِي: أَن يكون للتابعين وَمن بعدهمْ، فَيكون قَوْله: ((أحدكُم)) أَي أحد أمتِي. وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ: ((من أَشد أمتِي حبا لي نَاس يكونُونَ بعدِي، يود أحدهم لَو رَآنِي بأَهْله وَمَاله)) . 1748 - / 2180 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: ((لَا يلْدغ الْمُؤمن من جُحر مرَّتَيْنِ)) . يرْوى بِضَم الْغَيْن على معنى الْخَبَر، وبكسرها على معنى الْأَمر. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: هُوَ لفظ خبر وَمَعْنَاهُ الْأَمر، يَقُول: ليكن الْمُؤمن الحديث: 1748 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 حازما حذرا، لَا يُؤْتى من نَاحيَة الْغَفْلَة فِي الدّين وَالدُّنْيَا. 1749 - / 2181 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: ((أَيّمَا مُؤمن سببته أَو جلدته فَاجْعَلْ ذَلِك لَهُ قربَة إِلَيْك يَوْم الْقِيَامَة)) . فَإِن قيل: جَمِيع أَفعَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغَضَب وَالرِّضَا حق وصواب، فَلم اعتذر عَن مثل هَذِه الْأَشْيَاء؟ فَالْجَوَاب: أَن هَذَا الإعتذار من فعل شَيْء غَيره أولى مِنْهُ، فَإِن الْعَفو فِي الْغَالِب أولى من الْعقُوبَة. 1750 - / 2182 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: فَقَامَ عكاشة يجر نمرة. النمرة: كسَاء ملون. والْحَدِيث قد تقدم فِي مُسْند عمرَان بن حُصَيْن. 1751 - / 2183 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: ((إِن لله مائَة رَحْمَة، أنزل مِنْهَا رَحْمَة وَاحِدَة بَين الْجِنّ وَالْإِنْس والبهائم والهوام، فبها يتعطافون، وَبهَا يتراحمون، وَبهَا تعطف الْوَحْش على أَوْلَادهَا، وَأخر تسعا وَتِسْعين رَحْمَة يرحم بهَا عباده يَوْم الْقِيَامَة)) . اعْلَم أَن رَحْمَة الله عز وَجل صفة من صِفَات ذَاته وَلَيْسَت على معنى الحديث: 1749 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 الرقة كَمَا فِي صِفَات بني آدم، وَإِنَّمَا ضرب مثلا بِمَا يعقل من ذكر الْأَجْزَاء أَو رَحْمَة المخلوقين، وَالْمرَاد أَنه أرْحم الرَّاحِمِينَ. 1752 - / 2184 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: قَالَ ابْن الْمسيب: الْبحيرَة الَّتِي يمْنَع درها للطواغيت فَلَا يحلبها أحد من النَّاس. والسائبة: مَا يسيبونها لآلهتهم لَا يحمل عَلَيْهَا شَيْء. قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((رَأَيْت عَمْرو بن عَامر الْخُزَاعِيّ يجر قصبه فِي النَّار، كَانَ أول من سيب السوائب)) . الْبحيرَة: هِيَ الْأُنْثَى تلدها النَّاقة بعد أَرْبَعَة أبطن. وَقيل: بعد عشرَة أبطن، كَانُوا يشقون أذنها وتخلى. وَاخْتلفُوا فِي السائبة، فَقيل: هِيَ النَّاقة، كَانَت إِذا نتجت عشرَة أبطن كُلهنَّ إناث سيبت فَلم تركب وَلم يجز لَهَا وبر، وَلم يشرب لَبنهَا إِلَّا ضيف. وَقيل: السائبة مَا كَانُوا يخرجونه من أَمْوَالهم فَيَأْتُونَ بِهِ خَزَنَة الْآلهَة فيطعمون ابْن السَّبِيل من ألبانه ولحومه. عَمْرو وَهَذَا هُوَ أَبُو خُزَاعَة وَفِي بعض أَلْفَاظ الصَّحِيح: ((رَأَيْت عَمْرو بن لحي بن قمعة بن خندف أَخا بني كَعْب وَهُوَ يجر قصبه فِي النَّار)) وَقد روينَا أَنه عَمْرو بن عَامر، فأظن لحيا لقب لعامر. وقمعة الحديث: 1752 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 بِفَتْح الْقَاف وَالْمِيم، كَذَلِك ضبط فِي نسب الزبير بن بكار. والقصب: المعى. وَقَوله: ((كَانَ أول من سيب السوائب)) أَي أول من ابتدع هَذَا وَجعله دينا. 1753 - / 2185 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: ((قلب الشَّيْخ شَاب على حب اثْنَتَيْنِ: طول الْحَيَاة وَحب المَال)) . قد سبق بَيَان هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند أنس، وَقُلْنَا: إِن أحب الْأَشْيَاء إِلَى الْإِنْسَان نَفسه، فَمَا تزَال محبته لَهَا تقوى، خُصُوصا إِذا أَيقَن بِقرب الرحيل، ثمَّ إِنَّه يحب مَا هُوَ سَبَب قوامها وَهُوَ المَال، لموْضِع محبته إِيَّاهَا. 1754 - / 2186 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: شَهِدنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَر، فَقَالَ لرجل مِمَّن يَدعِي الْإِسْلَام: ((هَذَا من أهل النَّار)) فَذكر مثل حَدِيث سهل بن سعد الْمُتَقَدّم فِي مُسْنده، وَقَالَ فِيهِ: ((إِن الله يُؤَيّد هَذَا الدّين بِالرجلِ الْفَاجِر)) . قد ذكرنَا خبر ذَلِك الرجل فِي مُسْند سهل، وَبينا أَن اسْم الرجل قزمان، وَأَن ذَلِك كَانَ يَوْم أحد. وَيُمكن أَن يكون قد جرى مثل هَذَا لآخر يَوْم خَيْبَر، وَالله أعلم. الحديث: 1753 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 1755 - / 2187 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: ((نعما للمملوك يحسن عبَادَة ربه وصحابة سَيّده)) . فِي نعم أَربع لُغَات: نعم بِفَتْح النُّون وَكسر الْعين مثل علم. وَنعم بكسرهما. وَنعم بِفَتْح النُّون وتسكين الْعين. وَنعم بِكَسْر النُّون وتسكين الْعين. قَالَ الزّجاج: و ((مَا)) فِي تَأْوِيل الشَّيْء، وَالْمعْنَى: نعم الشَّيْء. 1756 - / 2188 - وَقد سبق الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ. 1757 - / 2189 - وَالثَّانِي وَالْعشْرُونَ، وَفِيه فِي صفة مُوسَى: أَنه مُضْطَرب، رجل الرَّأْس. وَقد ذكرنَا فِي مُسْند جَابر بن عبد الله فِي صفة مُوسَى أَنه ضرب من الرِّجَال: وَهُوَ الْخَفِيف الْجِسْم، وَكَأن هَذَا إِشَارَة إِلَى ذَاك. وَأما الرجل فَهُوَ الَّذِي فِي شعره سهولة. وَفِي صفة عِيسَى: كَأَنَّمَا خرج من ديماس. وَقد فسر فِي الحَدِيث أَنه الْحمام. وَقَالَ الْخطابِيّ: الديماس: السرب. يُقَال: دمست الحديث: 1755 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 الرجل: إِذا قبرته، وَأَرَادَ أَنه من نَضرة وَجهه وَحسنه كَأَنَّهُ خرج من كن. 1758 - / 2190 - والْحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ قد سبق فِي مُسْند عمر. 1759 - / 2191 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: ((قَاتل الله الْيَهُود، اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد)) . قَاتل بِمَعْنى لعن، قَالَه ابْن عَبَّاس. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قَتلهمْ الله. وَهَذَا قَالَه قبل مَوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِئَلَّا يتَّخذ قَبره مَسْجِدا. وَقد تقدم بَيَان مثل هَذَا، وَأَن الْقُبُور لَا يَنْبَغِي أَن تعظم، إِنَّمَا تحترم بكف الْأَذَى عَنْهَا. والعوام الْيَوْم مغرون بتعظيمها وَالصَّلَاة عِنْدهَا. 1760 - / 2192 - والْحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ: فِيهِ ذكر ذِي السويقتين. وَقد سبق هَذَا، وَبينا أَنه إِنَّمَا صغرهما لدقتهما، وَفِي سوق الْحَبَشَة دقة. 1761 - / 2193 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْعِشْرين: ((الْحلف منفقة الحديث: 1758 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 للسلعة، ممحقة للكسب)) . المُرَاد بِالْحلف هَا هُنَا الْيَمين الْفَاجِرَة، فَإِن السّلْعَة تنْفق بهَا: أَي تخرج. وَالْكَسْب لموْضِع الْغرُور وَالْكذب يمحق. 1762 - / 2194 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْعِشْرين: ((إِنَّمَا يُسَافر إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد: الْكَعْبَة، ومسجدي، وَمَسْجِد إيلياء)) . وَقد تقدم هَذَا فِي مُسْند أبي سعيد. وقرأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ: إيلياء: بَيت الْمُقَدّس، وَهُوَ مُعرب، قَالَ الفرزدق: (وبيتان بَيت الله نَحن ولاته ... وَبَيت بِأَعْلَى إيلياء مشرف) 1763 - / 2195 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين: ((كل عمل ابْن آدم لَهُ إِلَّا الصَّوْم)) . وَقد شرحناه فِي مُسْند أبي سعيد. إِلَّا أَن فِي هَذَا الحَدِيث: ((الصَّوْم جنَّة)) وَفِيه وَجْهَان: أَحدهمَا: جنَّة من الْمعاصِي. وَالثَّانِي: من النَّار. وَقَوله: ((فَلَا يرْفث)) الرَّفَث: الْكَلَام الْقَبِيح، والصخب، وَرفع الصَّوْت عِنْد الْغَضَب بالْكلَام السيء. الحديث: 1762 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 وَفِي قَوْله: ((فَلْيقل إِنِّي صَائِم)) وَجْهَان: أَحدهمَا: فَلْيقل لِسَانه ليمتنع الشاتم من شَتمه إِذا علم أَنه معتصم بِالصَّوْمِ. وَالثَّانِي: فَلْيقل لنَفسِهِ أَنا صَائِم فَكيف أُجِيب من يجهل؟ 1764 - / 2196 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: ((لَيْسَ الشَّديد بالصرعة)) . الصرعة بِفَتْح الرَّاء: الَّذِي يصرع الرِّجَال. وبسكونها: الَّذِي يصرعونه، قَالَه أَبُو عبيد. فَأخْبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَيْسَ الْعجب فِي قُوَّة الْبدن، إِنَّمَا الْعجب فِي قُوَّة النَّفس، فَاعْتبر قُوَّة الْمَعْنى دون الصُّورَة، وأنشدوا فِي هَذَا الْمَعْنى: (لَيْسَ الشجاع الَّذِي يحمي كتيبته ... يَوْم النزال ونار الْحَرْب تشتعل) (لَكِن فَتى غض طرفا أَو ثنى بصرا ... عَن الْحَرَام، فَذَاك الْفَارِس البطل) 1765 - / 2197 - وَفِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ: أَن عمر قَالَ: صلى رجل فِي تبان وقباء، فِي تبان ورداء. التبَّان: سَرَاوِيل إِلَى نصف الْفَخْذ يلبسهَا الفرسان والمصارعون. والقباء مَمْدُود: وَهُوَ ثوب مفرج يجمع فرجه بخيط. وَقد تقدم ذكره فِي مُسْند ابْن عمر. والرداء مَعْرُوف. الحديث: 1764 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 1766 - / 2198 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عمر. 1767 - / 2200 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ: ((إِذا اقْترب الزَّمَان لم تكد رُؤْيا الْمُؤمن تكذب)) . فِي اقتراب الزَّمَان ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه قرب الْقِيَامَة. وَالثَّانِي: أَنه تقَارب زمَان اللَّيْل وَالنَّهَار وَقت استوائهما أَيَّام الرّبيع أَو الخريف، وَذَلِكَ وَقت تعتدل فِيهِ الأمزجة، فَحِينَئِذٍ تكون الرُّؤْيَا سليمَة فِي الْغَالِب من الأخلاط. وَالثَّالِث: أَنه زمَان التكهل؛ لِأَن الكهل قد بعد عَنهُ تخايل الظنون الْفَاسِدَة، وركدت عِنْده نوازع الشَّهَوَات، فَكَانَت نَفسه أقبل لمشاهدة الْغَيْب، وَمن هَذَا الْبَاب قَوْله: ((أصدقكم رُؤْيا أصدقكم حَدِيثا)) . وَقَوله: ((جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا)) قد تقدم فِي مُسْند عبَادَة بن الصَّامِت. قَوْله: ((حَدِيث النَّفس)) مَعْنَاهُ أَن الْإِنْسَان يكثر حَدِيث نَفسه بِشَيْء فيراه فِي الْمَنَام، وَقد يرِيه الشَّيْطَان مَا يحزنهُ كَمَا ذكرنَا أَن رجلا رأى الحديث: 1766 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 كَأَن رَأسه ضرب فَوَقع، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((لَا يحدثن أحدكُم بتلاعب الشَّيْطَان بِهِ)) وَمثل هَذَا لَا يَنْبَغِي أَن يقصه على أحد. وَقَوله فِي هَذَا الحَدِيث: وَكَانَ يكره الغل فِي النّوم، وَيُعْجِبهُ الْقَيْد، هَذَا من كَلَام أبي هُرَيْرَة أدرج فِي الحَدِيث فيتوهم أَنه مَرْفُوع، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَقد بَينه معمر بن رَاشد فِي رِوَايَته عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين. وَبَعْضهمْ ينْسبهُ إِلَى ابْن سِيرِين. 1768 - / 2201 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: ((لَا فرع وَلَا عتيرة)) وَقد فسر فِي الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو عبيد: الْفَرْع والفرعة: أول ولد تلده النَّاقة، وَكَانُوا يذبحونه لآلهتهم فنهوا عَنهُ. وَأما العتيرة: فَإِنَّهَا الرجبية: وَهِي ذَبِيحَة كَانَت تذبح فِي رَجَب يتَقرَّب بهَا أهل الْجَاهِلِيَّة، ثمَّ جَاءَ الْإِسْلَام، وَكَانَ على ذَلِك حَتَّى نسخ بعد. وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: ((إِن على كل مُسلم فِي كل عَام أضحاة وعتيرة)) . يُقَال مِنْهُ: عترت أعتر عترا. الحديث: 1768 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: سميت عتيرة لِأَنَّهَا تعتر: أَي تذبح. وَأما الطواغيت فَجمع طاغوت، والطاغوت اسْم مَأْخُوذ من الطغيان، والطغيان مجاوز الْحَد، وَالْمرَاد بِالطَّوَاغِيتِ: آلِهَتهم. 1769 - / 2202 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ: ((يتركون الْمَدِينَة على خير مَا كَانَت، لَا يَغْشَاهَا إِلَّا العوافي)) وَفِي لفظ: ((ليتركنها مذللة للعوافي)) . العوافي: عوافي الوحوش وَالطير وَالسِّبَاع، اجْتمع فِيهَا شَيْئَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا طالبة لأقواتها، من قَوْلك: عَفَوْت فلَانا أعفوه فَأَنا عاف، وَالْجمع عفاة: إِذا أَتَوْهُ يطْلبُونَ معروفه. وَالثَّانِي: طلبَهَا للعفاء: وَهُوَ الْموضع الْخَالِي الَّذِي لَا أنيس بِهِ وَلَا ملك عَلَيْهِ. وَقَوله: ((مذللة)) : أَي مُمكنَة للعوافي غير ممتنعة عَلَيْهَا لخلو الْمَكَان وَذَهَاب أَهله عَنهُ. وَقَوله: ((راعيان ينعقان)) النعيق: زجر الْغنم، يُقَال: نعق بغنمه ينعق نعيقا ونعاقا ونعقا ونعقانا، وَكسر الْعين من ينعق مسموع من أَكثر الْعَرَب، وَمِنْهُم من يفتحها وَهُوَ كثير فِي كَلَامهم؛ لأَنهم يَقُولُونَ يَجْعَل ويرغب. وَقَوله: ((فيجدانها وحوشا)) الْوَاو مَفْتُوحَة، وَالْمعْنَى أَنَّهَا خَالِيَة. الحديث: 1769 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 1770 - / 2203 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ: ((لَو رَأَيْت الظباء بِالْمَدِينَةِ ترتع مَا ذعرتها)) . الذعر: الْفَزع. وَقد سبق هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. 1771 - / 2204 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: اقْتتلَتْ امْرَأَتَانِ من هُذَيْل، فرمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر فقتلتها وَمَا فِي بَطنهَا، فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن دِيَة جَنِينهَا غرَّة: عبد أَو وليدة، وَقضى بدية الْمَرْأَة على عاقلتها. فَقَالَ حمل بن النَّابِغَة: يَا رَسُول الله، كَيفَ أغرم من لَا شرب وَلَا أكل، وَلَا نطق وَلَا اسْتهلّ، فَمثل ذَلِك يطلّ؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((إِنَّمَا هَذَا من إخْوَان الْكُهَّان)) من أجل سجعه الَّذِي سجع. قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ اسْم إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ مليكَة وَالْأُخْرَى عطيف. وَقَالَ أَبُو عبيد: الْغرَّة: عبد أَو أمة، قَالَ مهلهل: (كل قَتِيل فِي كُلَيْب غره ... حَتَّى ينَال الْقَتْل آل مره) أَي كلهم لَيْسَ بكفؤ لكليب، إِنَّمَا هم بِمَنْزِلَة العبيد وَالْإِمَاء إِن الحديث: 1770 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 قَتلتهمْ حَتَّى أقتل آل مرّة فَإِنَّهُم الْأَكفاء. وَاعْلَم أَنه عَنى بالغرة الْجِسْم كُله، كَمَا يُقَال رَقَبَة. وَقد أَنبأَنَا إِسْمَاعِيل بن أَحْمد السَّمرقَنْدِي قَالَ: أخبرنَا ابْن النقور قَالَ: أَنبأَنَا المخلص قَالَ: أَنبأَنَا أَبُو مُحَمَّد السكرِي قَالَ: حَدثنَا أَبُو يعلى الْمنْقري قَالَ: حَدثنَا الْأَصْمَعِي قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء فِي قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((فِي الْجَنِين غرَّة عبد أَو أمة)) لَوْلَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ بالغرة معنى لقَالَ: فِي الْجَنِين عبد أَو أمة، وَلكنه عَنى الْبيَاض، فَلَا يقبل فِي الدِّيَة إِلَّا غُلَام أَبيض. قلت: وَهَذَا الَّذِي ذهب إِلَيْهِ لَا أعرفهُ مذهبا لأحد من الْفُقَهَاء، وَإِنَّمَا قَالَ بَعضهم: هَذَا مُسْتَحبّ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: فسر الْفُقَهَاء الْغرَّة بالنسمة من الرَّقِيق عبد أَو أمة، فقوموها نصف عشر دِيَة الْجَنِين. وَمعنى الإستهلال: رفع الصَّوْت. ويطل: يهدر، من قَوْلك طل دم الرجل يطلّ طلا. وَقد رَوَوْهُ: بَطل بِالْبَاء، وَالْأولَى أولى. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: وَلم يعبه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله لأجل السجع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 نَفسه، فقد يُوجد فِي تضاعيف كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لَا يخفى، كَقَوْلِه للْأَنْصَار: ((إِنَّكُم تقلون عِنْد الطمع، وتكثرون عِنْد الْفَزع)) وَقَوله: ((خير المَال سكَّة مأبورة ومهرة مأمورة)) . وَقَوله: ((يَا أَبَا عُمَيْر، مَا فعل النغير)) وَقَوله: ((أعوذ بك من علم لَا ينفع، وَقَول لَا يسمع، وقلب لَا يخشع، وَنَفس لَا تشبع، أعوذ بك من هَؤُلَاءِ الْأَرْبَع)) وَلكنه إِنَّمَا عَابَ مِنْهُ رده الحكم وترتيبه القَوْل فِيهِ بالسجع على مَذْهَب الْكُهَّان، فِي ترويج أباطيلهم بالأساجيع الَّتِي يولعون بهَا، فيوهمون النَّاس أَن تحتهَا طائلا. 1772 - / 2205 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ: ((إِذا قلت لصاحبك: أنصت، يَوْم الْجُمُعَة وَالْإِمَام يخْطب فقد لغوت)) . اخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد: هَل يحرم الْكَلَام حَال سَماع الْخطْبَة على رِوَايَتَيْنِ، وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، فَإِن قُلْنَا: يحرم، فلظاهر هَذَا الحَدِيث، وَإِن قُلْنَا: لَا يحرم حمل هَذَا على الْأَدَب. واللغو: مَا الحديث: 1772 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 لَا فَائِدَة فِيهِ. 1773 - / 2206 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ: ((حج مبرور)) وَقد جَاءَ فِي حَدِيث آخر أَنه قَالَ: ((الْحَج المبرور لَيْسَ لَهُ ثَوَاب دون الْجنَّة)) قيل: مَا بره؟ فَقَالَ: ((العج والثج)) والعج: رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ. والثج: نحر الْإِبِل وَغَيرهَا، وَأَن يثج دَمهَا: وَهُوَ سيلان الدَّم، فعلى هَذَا يكون معنى المبرور الَّذِي قد أُقِيمَت فروضه وسننه. وَفِي حَدِيث جَابر: قيل: يَا رَسُول الله، مَا بر الْحَج؟ قَالَ: ((إطْعَام الطَّعَام، وإفشاء السَّلَام)) فَيكون المُرَاد على هَذَا فعل الْبر فِي الْحَج. وَقيل: المبرور: المقبول. 1774 - / 2207 - وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين: ((لَا يَمُوت لأحد من الْمُسلمين ثَلَاثَة من الْوَلَد فَتَمَسهُ النَّار إِلَّا تَحِلَّة الْقسم)) . تَحِلَّة الْقسم إِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها} [مَرْيَم: 71] . وَقَوله: ((فتحتسبه)) أَي يكون هَذَا فِي حِسَابهَا الَّذِي ترجوه فِي الحديث: 1773 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 ثَوَابهَا، وَهَذَا لَا يكون إِلَّا من مُؤمن بالجزاء. والحنث: الْحلم. وَقد سبق هَذَا فِي مُسْند أنس. والإحتظار: الإمتناع. والحظار: مَا منع من وُصُول مَكْرُوه إِلَى من فِيهِ، وَأَصله الحظيرة الَّتِي يحظر بهَا على الْغنم وَغَيرهَا. والدعاميص جمع دعموص: وَهُوَ دويبة من دَوَاب المَاء صَغِيرَة تضرب إِلَى السوَاد، كَأَنَّهُ شبههم بهَا فِي الصغر وَسُرْعَة الْحَرَكَة. وَقَالَ المرزباني: الدعموص: دويدة صَغِيرَة تكون فِي المَاء، وَأنْشد: (إِذا التقى البحران عَم الدعموص ... فعي أَن يسبح أَو يغوص) وصنفة الثَّوْب: حَاشِيَته الَّتِي فِيهَا الهدب. 1775 - / 2208 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ: ((هَل فِي إبلك أَوْرَق؟)) . الأورق: المغبر الَّذِي لَيْسَ بناصع الْبيَاض كلون الرماد، وَسميت الْحَمَامَة وَرْقَاء لذَلِك. وَقَوله: ((عَسى أَن يكون نَزعه عرق)) يُقَال: نزع إِلَيْهِ فِي الشّبَه: إِذا أشبهه. والعرق: الأَصْل، كَأَنَّهُ نزع فِي الشّبَه إِلَى أجداده من جِهَة الْأَب أَو الْأُم. وَفِي هَذَا الحَدِيث حكم الْفراش على اعْتِبَار الشّبَه. وَفِيه زجر عَن تَحْقِيق ظن السوء. 1776 - / 2209 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ: ((لَا تسموا الْعِنَب الحديث: 1775 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 الْكَرم؛ فَإِن الْكَرم الْمُسلم)) . قد علم اشتهار الْعِنَب عِنْد الْعَرَب بِهَذَا الإسم، وَقد أكثرت شعراؤهم فِي هَذَا، فَقَالَ بَعضهم: (إِذا مت فادفني إِلَى جنب كرمة ... تروي عِظَامِي بعد موتِي عروقها) وَإِنَّمَا كَانُوا يسمونها كرما لما يدعونَ من إحداثها فِي قُلُوب شاربيها من الْكَرم، فَنهى عَلَيْهِ السَّلَام عَن تَسْمِيَتهَا بِهَذَا الإسم الَّذِي يشيرون إِلَى فَضلهَا، تَأْكِيدًا لتحريمها، وَقَالَ: ((إِنَّمَا الْكَرم قلب الْمُؤمن)) يُشِير بذلك إِلَى مَا فِيهِ من نور الْإِيمَان وبركات التقى. 1777 - / 2210 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ: مر عمر فِي الْمَسْجِد وَحسان ينشد، فلحظ إِلَيْهِ: أَي نظر إِلَيْهِ نظر الْمُنكر عَلَيْهِ. وروح الْقُدس: جِبْرِيل. وَفِي الْقُدس ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه الله عز وَجل، قَالَه كَعْب وَالربيع وَابْن زيد والمفضل بن سَلمَة، فَيكون الْمَعْنى: أَن جِبْرِيل روح الله، كَمَا سمي بذلك عِيسَى. وَالثَّانِي: أَن الْقُدس الْبركَة، قَالَه السّديّ. وَالثَّالِث: أَن الْقُدس الطَّهَارَة، فَكَأَنَّهُ روح الطَّهَارَة وخالصها، فشرف بِهَذَا الإسم وَإِن كَانَ جَمِيع الْمَلَائِكَة الحديث: 1777 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 روحانيين. وَقيل: إِنَّمَا سمي روحا لِأَنَّهُ يَأْتِي بِالْبَيَانِ عَن الله عز وَجل فتحيا بِهِ الْأَرْوَاح. وَقد ذكرنَا حكم الشّعْر فِي مُسْند سعد بن أبي وَقاص وَابْن عمر وَغَيرهمَا. 1778 - / 2211 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: بَينا الْحَبَشَة يَلْعَبُونَ عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحِرَابِهِمْ دخل عمر فَأَهوى إِلَى الْحَصْبَاء، فحصبهم بهَا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((دعهم يَا عمر)) وَإِنَّمَا حصبهم عمر لِأَنَّهُ رأى ذَلِك عَبَثا. وَإِنَّمَا نَهَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن كل شَيْء يحْتَاج إِلَى المناضلة بِهِ فِي الْحَرْب يجوز اللّعب بِهِ فِي غير الْحَرْب ليتمرن عَلَيْهِ ويتدرج إِلَى تعلمه لأجل الْحَرْب، كالرمي بِالسِّهَامِ والحراب والمسابقة بِالْخَيْلِ. 1779 - / 2212 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ: ((قَالَ الله تَعَالَى: يُؤْذِينِي ابْن آدم، يسب الدَّهْر وَأَنا الدَّهْر)) . كَانَت الْعَرَب إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة يسبون الدَّهْر، وَيَقُولُونَ عِنْد ذكر موتاهم. أبادهم الدَّهْر، ينسبون ذَلِك إِلَيْهِ، ويرونه الْفَاعِل لهَذِهِ الْأَشْيَاء، وَلَا يرونها من قَضَاء الله عز وَجل، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُم: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا نموت ونحيا وَمَا يُهْلِكنَا إِلَّا الدَّهْر} [الجاثية: 24] . وَقَالَ عَمْرو بن قميئة: الحديث: 1778 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 (رمتني بَنَات الدَّهْر من حَيْثُ لَا أرى ... فَكيف بِمن يَرْمِي وَلَيْسَ برامي) (فَلَو أَنَّهَا نبل إِذن لاتقيتها ... ولكنما أرمى بِغَيْر سِهَام) (على الراحتين مرّة وعَلى الْعَصَا ... أنوء ثَلَاثًا بعدهن قيامي) وَقَالَ آخر: (واستأثر الدَّهْر الْغَدَاة بهم ... والدهر يرميني وَمَا أرمي) (يَا دهر قد أكثرت فجعتنا ... بسراتنا ووقرت فِي الْعظم) (وسلبتنا مَا لست تعقبنا ... يَا دهر مَا أنصفت فِي الحكم) فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((لَا تسبوا الدَّهْر؛ فَإِن الله هُوَ الدَّهْر)) أَي هُوَ الَّذِي يُصِيبكُم بِهَذِهِ المصائب، فَإِذا سببتم فاعلها فكأنكم قصدتم الْخَالِق، وَكَانَ أَبُو بكر بن دَاوُد الْأَصْبَهَانِيّ يروي هَذَا الحَدِيث: ((وَأَنا الدَّهْر)) مَفْتُوحَة الرَّاء مَنْصُوبَة على الظَّرْفِيَّة: أَي أَنا طول الدَّهْر بيَدي الْأَمر، وَكَانَ يَقُول: لَو كَانَ مضموما لصار اسْما من أَسمَاء الله عز وَجل. وَهَذَا الَّذِي ذهب إِلَيْهِ بَاطِل من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَنه خلاف أهل النَّقْل، فَإِن الْمُحدثين الْمُحَقِّقين لم يضبطوا هَذِه اللَّفْظَة إِلَّا بِضَم الرَّاء، وَلم يكن ابْن دَاوُد من الْحفاظ وَلَا من عُلَمَاء النقلَة. وَالثَّانِي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 أَن هَذَا الحَدِيث قد ورد بِأَلْفَاظ صِحَاح يبطل تَأْوِيله، فَمن ذَلِك مَا أخرجه البُخَارِيّ من طَرِيق أبي سَلمَة، وَأخرجه مُسلم من طَرِيق أبي الزِّنَاد، كِلَاهُمَا عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ((لَا تَقولُوا يَا خيبة الدَّهْر؛ فَإِن الله هُوَ الدَّهْر)) . وَأخرج مُسلم من طَرِيق ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((لَا تسبوا الدَّهْر، فَإِن الله هُوَ الدَّهْر)) وَالثَّالِث: أَن تَأْوِيله يَقْتَضِي أَن تكون عِلّة النَّهْي لم تذكر؛ لِأَنَّهُ إِذا قَالَ: ((لَا تسبوا الدَّهْر؛ فَأَنا الدَّهْر أقلب اللَّيْل وَالنَّهَار)) فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تسبوا الدَّهْر فَأَنا أقلبه. وَمَعْلُوم أَنه يقلب كل خير وَشر، وتقليبه للأشياء لَا يمْنَع من ذمها، وَإِنَّمَا يتَوَجَّه الْأَذَى فِي قَوْله: ((يُؤْذِينِي ابْن آدم)) على مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ. 1780 - / 2214 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: ((الْفطْرَة خمس: الْخِتَان والإستحداد وقص الشَّارِب وتقليم الْأَظْفَار ونتف الْإِبِط)) . قد ذكرنَا معنى الْفطْرَة فِي مُسْند ابْن عمر. فَأَما الْخِتَان فعندنا أَنه وَاجِب على الرجل، وَلنَا فِي الْمَرْأَة رِوَايَتَانِ. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجب على الْكل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَيْسَ بِوَاجِب. وَكَانَ بعض الْعلمَاء يحْتَج على وُجُوبه بِأَن كشف الْعَوْرَة الحديث: 1780 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 محرم بِالْإِجْمَاع، فلولا أَنه وَاجِب لم يجز هتك الْعَوْرَة الْمحرم لفعل سنة. وَأما الإستحداد فَهُوَ حلق الْعَانَة بالحديدة. والإستحداد: الإستحلاق بالحديدة. وقص الشَّارِب قد سبق فِي مُسْند ابْن عمر. وتقليم الْأَظْفَار: قصها. والقلم: الْقطع. والآباط جمع إبط: وَهُوَ مَا تَحت الْيَد. قَالَ شَيخنَا أَبُو مَنْصُور اللّغَوِيّ: وَبَعض المتحذلقين يَقُول الْإِبِط بِكَسْر الْبَاء، وَالصَّوَاب سكونها، وَلم يَأْتِ فِي الْكَلَام شَيْء على ((فعل)) إِلَّا إبل وإطل وَحبر: وَهِي صفرَة الْأَسْنَان. وَفِي الصِّفَات: امْرَأَة بلز: وَهِي السمينة. وأتان إبد: تَلد كل عَام، وَقيل: هِيَ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا الدَّهْر. وَأما الإطل فَهِيَ الخاصرة. 1781 - / 2215 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ: بعثت بجوامع الْكَلم، ونصرت بِالرُّعْبِ)) . أما جَوَامِع الْكَلم فَهُوَ جمع الْمعَانِي الْكَثِيرَة فِي الْأَلْفَاظ الْيَسِيرَة. وَفِي هَذَا حث على التفهم والإستنباط. والرعب: الْخَوْف والفزع كَانَ يَقع فِي قُلُوب أعدائه وَبَينه وَبينهمْ الحديث: 1781 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 مسيرَة شهر على مَا سبق فِي مُسْند جَابر بن عبد الله، وَذكرنَا هُنَالك إحلال الْمَغَانِم، وَجعل الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا، وإرساله إِلَى الْخلق كَافَّة. وَفِي مَفَاتِيح الخزائن قَولَانِ: أَحدهمَا: مَا يفتح لأمته من الْبِلَاد والممالك. وَالثَّانِي: مَا يحصل بِملكه الأَرْض من الْمَعَادِن. وتنتثلونها بِمَعْنى تثيرونها من موَاضعهَا وتستخرجونها، يُقَال: نثلت الْبِئْر وانتثلتها: إِذا استخرجت ترابها. وتنتقلونها: من نقل الشَّيْء. وَقد جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات: ((وَأَنْتُم ترغثونها)) أَي تستخرجون درها وترتضعونها، يُقَال: نَاقَة رغوث وشَاة رغوث: أَي كَثِيرَة اللَّبن. 1782 - / 2216 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ: ((أحناه على طِفْل، وأرعاه على زوج)) . أحناه من الحنو: وَهُوَ الْعَطف والشفقة. وأرعاه من الإرعاء: وَهُوَ الْإِبْقَاء. 1783 - / 2217 - وَفِي الحَدِيث الْخمسين: نهى أَن يَبِيع حَاضر لباد. قد سبق هَذَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَكَذَلِكَ التلقي. وَسبق النجش فِي مُسْند ابْن عمر. الحديث: 1782 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 وَقَوله: ((لَا يبع الرجل على بيع أَخِيه)) هَذَا النَّهْي يتَعَلَّق بالحالة الَّتِي يعلم فِيهَا سُكُون البَائِع إِلَى المُشْتَرِي، وَذَلِكَ يكون قبيل التواجب، فَأَما فِي حَالَة السّوم قبل ظُهُور مُوجب الرِّضَا فَجَائِز. وَكَذَلِكَ قَوْله: ((أَن يستام الرجل على سوم أَخِيه)) يَعْنِي بِهِ: إِذا سكن البَائِع إِلَى المُشْتَرِي. وَكَذَلِكَ الْخطْبَة إِنَّمَا ينْهَى عَنْهَا عِنْد سُكُون الْمَرْأَة إِلَى الْخَاطِب. وَقَوله: ((لَا تسْأَل الْمَرْأَة طَلَاق أُخْتهَا)) قَالَ أَبُو عبيد: تَعْنِي بأختها ضَرَّتهَا. وَقَوله: ((لتكفأ)) مَأْخُوذ من كفأت الْقدر وَغَيرهَا: إِذا كببتها ففرغت مَا فِيهَا. وَفِي لفظ: ((لتكتفىء)) تفتعل من ذَلِك. وَقَوله: ((فَإِذا أَتَى سَيّده)) أَي رب الْمَتَاع السُّوق فَهُوَ بِالْخِيَارِ. وَسَيَأْتِي ذكر التصرية فِي هَذَا الْمسند إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 1784 - / 2218 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْخمسين: نعي النَّجَاشِيّ، وَالصَّلَاة عَلَيْهِ. وَقد سبق فِي مُسْند عمرَان بن حُصَيْن. 1785 - / 2219 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْخمسين: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رفع رَأسه من الرَّكْعَة الثَّانِيَة قَالَ: ((اللَّهُمَّ أَنْج الْوَلِيد بن الْوَلِيد وَسَلَمَة بن هِشَام وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة وَالْمُسْتَضْعَفِينَ من الْمُؤمنِينَ بِمَكَّة. اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر. اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِين كَسِنِي يُوسُف)) . الحديث: 1784 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 أما الْوَلِيد فَهُوَ الْوَلِيد بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة بن عبد الله، كَانَ على دين قومه، وَخرج مَعَهم إِلَى بدر، فَأسرهُ يَوْمئِذٍ عبد الله بن جحش، وَيُقَال: سليط بن قيس، وَقدم فِي فدائه أَخَوَاهُ خَالِد وَهِشَام، فافتكاه بأَرْبعَة آلَاف، فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بلغ ذَا الحليفة، فَأَفلَت فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسلم، فَقَالَ لَهُ خَالِد: هلا كَانَ هَذَا قبل أَن تفتدى؟ فَقَالَ: مَا كنت لأسلم حَتَّى أفتدى بِمثل مَا افتدي بِهِ قومِي، وَلَا تَقول قُرَيْش: إِنَّمَا تبع مُحَمَّدًا فِرَارًا من الْفِدَاء، ثمَّ خرجا بِهِ إِلَى مَكَّة وَقد أمنهما، فحبساه بهَا مَعَ سَلمَة بن هِشَام وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة، وَكَانَ سَلمَة قد أسلم بِمَكَّة قَدِيما وَهَاجَر إِلَى أَرض الْحَبَشَة ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة، فَأَخذه أَبُو جهل فحبسه وضربه وأجاعه، فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقنت فِي صَلَاة الْفجْر وَيَدْعُو لَهُم. وَالْوَطْأَةُ: الْبَأْس والعقوبة، وَهِي مَا أَصَابَهُم من الْجُوع والشدة. وَالْمرَاد بسني يُوسُف سنو المجاعة. وَقَوله: ((على مُضر)) إِشَارَة إِلَى قُرَيْش لأَنهم من أَوْلَاد مُضر. وَسَيَأْتِي بعد أَحَادِيث: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: وَأهل الْمشرق يَوْمئِذٍ من مُضر مخالفون لَهُ. 1786 - / 2220 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْخمسين: ((إِذا أَمن الإِمَام فَأمنُوا، فَإِنَّهُ من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه)) . قَوْله: (فَأمنُوا)) دَلِيل على أَنه سنة. الحديث: 1786 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 وَفِي الحَدِيث إِضْمَار: وَهُوَ الْخَبَر عَن تَأْمِين الْمَلَائِكَة، كَأَنَّهُ قَالَ: إِذا قَالَ الإِمَام: آمين، فَقولُوا: آمين كَمَا تَقول الْمَلَائِكَة، فَمن وَافق ... وَلَوْلَا ذَلِك لم يَصح تعقيبه بِالْفَاءِ. وَقد ذكرنَا معنى آمين وَمَا يتَعَلَّق بهَا فِي مُسْند أبي مُوسَى. 1787 - / 2221 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْخمسين: ((إِذا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَة فامشوا إِلَى الصَّلَاة وَعَلَيْكُم السكينَة وَالْوَقار)) . قد سبق هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند أبي قَتَادَة، وَبينا أَن المُرَاد بالتثبت حسن الْأَدَب، وَذكرنَا هُنَاكَ الْخلاف فِيمَا يُدْرِكهُ الْمَأْمُوم. هَل هُوَ آخر صلَاته أَو أَولهَا؟ فَأَما قَوْله: ((إِذا ثوب بِالصَّلَاةِ. .)) فَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: المُرَاد بِهِ هَا هُنَا الْإِقَامَة، وأصل التثويب رفع الصَّوْت بالإعلام، وأصل هَذَا أَن يلوح الرجل بِثَوْبِهِ عِنْد الْفَزع يعلم بذلك أَصْحَابه، فَسُمي رفع الصَّوْت هَا هُنَا تثويبا. قَالَ: وَقيل: التثويب مَأْخُوذ من ثاب الرجل بِمَعْنى عَاد إِلَى الشَّيْء بعد ذَهَابه، فَقيل للمؤذن إِذا قَالَ: الصَّلَاة خير من النّوم ثمَّ عَاد إِلَيْهِ مرّة أُخْرَى فَقَالَهَا: قد ثوب: أَي ردد القَوْل مرّة أُخْرَى، وَكَذَلِكَ قَوْله: قد قَامَت الصَّلَاة مرَّتَيْنِ. 1788 - / 2222 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْخمسين: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أنزل الله: {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} [الشُّعَرَاء: 214] فَقَالَ: ((يَا الحديث: 1787 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 معشر قُرَيْش، اشْتَروا أَنفسكُم، لَا أُغني عَنْكُم من الله شَيْئا)) . الْعَشِيرَة: الرَّهْط الأدنون. وَقد سبق هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند ابْن عَبَّاس، وَهُوَ ينْهَى عَن اغترار الْقَرِيب بقرابته من أهل الصّلاح، فَإِنَّهُ إِنَّمَا فضل الصَّالح بصلاحه. وَإِنَّمَا قَالَ: ((سلاني من مَالِي)) لِأَنَّهُ يملك مَاله، وَلَو ملك نجاة شخص لأنجى أمه وأباه وَعَمه. وَقَوله: ((سَأَبلُّهَا بِبلَالِهَا)) قَالَ أَبُو عبيد: يُقَال: بللت رحمي أبلها بِلَا وبلالا: إِذا وصلتها ونديتها بالصلة. وَإِنَّمَا شبهت قطيعة الرَّحِم بالحرارة تطفأ بالبرد كَمَا قَالُوا: سقيته شربة بردت بهَا عطشه، قَالَ الْأَعْشَى: (أما لطَالب نعْمَة تممتها ... ووصال رحم قد بردت بلالها) قلت: هَكَذَا ضبطناه عَن أشياخنا فِي كتاب أبي عبيد: ((بِبلَالِهَا)) بِكَسْر الْبَاء، وَقَالَ الْخطابِيّ: الْبَاء مَفْتُوحَة، من بله يبله، كالملال من مله يمله. 1789 - / 2223 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْخمسين: ((تفضل صَلَاة الْجَمِيع صَلَاة الرجل وَحده بِخمْس وَعشْرين جُزْءا)) . قد سبق فِي مُسْند ابْن عمر بِسبع وَعشْرين وَلَعَلَّ هَذَا التَّفَاوُت الحديث: 1789 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 يرجع إِلَى أَحْوَال الْمُصَلِّين. وَقَوله: ((تَجْتَمِع مَلَائِكَة اللَّيْل وملائكة النَّهَار فِي صَلَاة الْفجْر)) وَذَلِكَ لِأَن الْفجْر تصلى عِنْد انْفِصَال اللَّيْل، فَتكون مَلَائِكَة اللَّيْل قد هَمت بالرحيل وملائكة النَّهَار قد نزلت فَيَشْهَدُونَ صَلَاة الْفجْر، وَذَلِكَ معنى قَوْله: {كَانَ مشهودا} [الْإِسْرَاء: 78] وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْمسند بعد السّبْعين وَمِائَة أَنهم يَجْتَمعُونَ فِي صَلَاة الْعَصْر أيضاُ. 1790 - / 2224 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْخمسين: ((العجماء جرحها جَبَّار)) . قَالَ أَبُو عبيد: العجماء: الْبَهِيمَة، وَإِنَّمَا سميت عجماء لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّم، وكل من لَا يقدر على الْكَلَام فَهُوَ أعجم ومستعجم. والجبار الهدر. وَإِنَّمَا يَجْعَل جرح العجماء هدرا إِذا كَانَت منفلتة لَيْسَ لَهَا قَائِد وَلَا سائق وَلَا رَاكب، فَإِذا كَانَ مَعهَا أحد هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة فَهُوَ ضَامِن لِأَن الْجِنَايَة حِينَئِذٍ لَيست للعجماء إِنَّمَا هِيَ جِنَايَة صَاحبهَا. وَقَوله: ((الْبِئْر جَبَّار)) هِيَ الْبِئْر يسْتَأْجر عَلَيْهَا صَاحبهَا رجلا يحفرها فِي ملكه فتنهار على الْحَافِر، فَلَيْسَ على صَاحبهَا ضَمَان، وَكَذَلِكَ الْبِئْر تكون فِي ملك الرجل فَيسْقط فِيهَا إِنْسَان أَو دَابَّة فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْبِئْر العادية الْقَدِيمَة الَّتِي لَا يعلم لَهَا حافر يَقع فِيهَا الْإِنْسَان أَو الدَّابَّة. الحديث: 1790 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 قَوْله: ((والمعدن جَبَّار)) الْمَعْدن اسْم لكل مَا فِيهِ شَيْء من الخصائص المنتفع بهَا كالذهب وَالْفِضَّة والياقوت والزبرجد والصفر والزجاج والزئبق والكحل والقار والنفط وَمَا أشبه ذَلِك، فيستأجر قوما لحفره فينهار عَلَيْهِم، فدماؤهم هدر. وَقَوله: ((فِي الرِّكَاز الْخمس)) الرِّكَاز مَا وجد من دفن الْجَاهِلِيَّة، وَيعرف ذَلِك بِأَن ترى عَلَيْهِ عَلَامَات الْجَاهِلِيَّة، وَسَوَاء كَانَ فِي موَات أَو فِي مَكَان مَمْلُوك لكنه لَا يعرف مَالِكه، فَهَذَا يجب فِيهِ الْخمس فِي الْحَال، أَي نوع كَانَ من المَال، خلافًا لأحد قولي مَالك وَللشَّافِعِيّ فِي أَنه لَا يجب الْخمس إِلَّا فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة. وَعِنْدنَا أَنه لَا يعْتَبر فِيهِ النّصاب، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك خلافًا لأحد قولي الشَّافِعِي. وَفِي مصرف هَذَا الْخمس رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد: أَنه مصرف خمس الْفَيْء، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. وَالثَّانيَِة: مصرف الزَّكَاة، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَأما إِذا كَانَ الْمَكَان يعرف مَالِكه فَإنَّك تنظر: فَإِن كَانَ الْمَالِك مُسلما أَو ذِمِّيا فَهُوَ للْمَالِك، وَإِن كَانَ حَرْبِيّا نظرت: فَإِن كَانَ الْوَاجِد لَهُ قد قدر عَلَيْهِ بِنَفسِهِ فَهُوَ ركاز، وَإِن لم يقدر عَلَيْهِ إِلَّا بِجَمَاعَة الْمُسلمين فَهُوَ غنيمَة. وَإِن لم يكن على الرِّكَاز عَلامَة الْإِسْلَام أَو لم يكن عَلامَة فَهُوَ لقطَة. وَأما حكم الْمَعْدن فَإِنَّهُ من استخرج من مَعْدن مَا يبلغ نِصَابا أَو قيمَة نِصَاب تعلق بِهِ الْحق، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يتَعَلَّق الْحق إِلَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 بِالذَّهَب وَالْفِضَّة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يتَعَلَّق بِكُل مَا ينطبع، ثمَّ اخْتلفُوا فِي مِقْدَار الْحق الْمُتَعَلّق بِهِ على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه ربع الْعشْر، وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد، وَالثَّانِي: الْخمس، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، وَعَن الشَّافِعِي كالقولين، وَله قَول ثَالِث: إِن أَصَابَهُ مُتَفَرقًا بتعب فربع الْعشْر وَإِلَّا فالخمس. واتفقت الْجَمَاعَة على أَن ذَلِك الْحق يجب فِي الْحَال كَمَا يجب فِي الرِّكَاز إِلَّا دَاوُد، فَإِنَّهُ يعْتَبر الْحول. وَأما مصرف ذَلِك الْحق فعندنا أَنه مصرف الزَّكَاة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: مصرف الْفَيْء. فَإِن وجد الْإِنْسَان فِي دَاره معدنا أَو ركازا فَإِنَّهُ يجب فِيهِ عندنَا مَا يجب فِي الْموَات. وَأما مَا يُصِيبهُ الْإِنْسَان من الْبَحْر كَاللُّؤْلُؤِ والمرجان والعنبر والسمك وَغير ذَلِك فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد: إِحْدَاهمَا: أَنه تجب الزَّكَاة إِذا بلغت قِيمَته مِائَتي دِرْهَم أَو عشْرين دِينَارا. وَالثَّانيَِة: لَا شَيْء فِي ذَلِك، وَهِي قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: فِي اللُّؤْلُؤ والعنبر الْخمس، وَلَا شَيْء فِي الْمسك والسمك. 1791 - / 2225 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْخمسين: ((نَحن أَحَق بِالشَّكِّ من إِبْرَاهِيم إِذْ قَالَ {رب أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى} [الْبَقَرَة: 260] وَيرْحَم الله لوطا، لقد كَانَ يأوي إِلَى ركن شَدِيد. وَلَو لَبِثت فِي السجْن الحديث: 1791 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 مَا لبث يُوسُف لَأَجَبْت الدَّاعِي)) . مخرج هَذَا الحَدِيث مخرج التَّوَاضُع وَكسر النَّفس، وَلَيْسَ فِي قَوْله: ((نَحن أَحَق بِالشَّكِّ)) إِثْبَات شكّ لَهُ وَلَا لإِبْرَاهِيم، وَإِنَّمَا يتَضَمَّن نفي الشَّك عَنْهُمَا، لِأَن قوما ظنُّوا فِي قَوْله ( {أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى} أَنه شكّ، فنفى ذَلِك عَنهُ، وَإِنَّمَا الْمَعْنى: إِذا لم أَشك أَنا فِي قدرَة الله تَعَالَى على إحْيَاء الْمَوْتَى فإبراهيم أولى أَلا يشك، فَكَأَنَّهُ رَفعه على نَفسه. وَدلّ بِهَذَا على أَن إِبْرَاهِيم مَا سَأَلَ لأجل الشَّك وَلَكِن لزِيَادَة الْيَقِين؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ الْمُشَاهدَة الَّتِي لَا يبْقى مَعهَا وسواس. وَقد ذكر ابْن الْأَنْبَارِي وَجها آخر فَقَالَ: لما أنكر قوم الْخَلِيل إحْيَاء الْمَوْتَى سَأَلَ ربه أَن يرِيه مَا أَيقَن بِهِ عقله من قدرَة ربه على إحْيَاء الْمَوْتَى، وَأَرَادَ أَن يعلم مَنْزِلَته عِنْد ربه بإجابة دَعوته، وَشك: هَل تقع الْإِجَابَة أم لَا؛ لِأَنَّهُ قد يكون من الْمصلحَة أَلا يُجَاب الْمُؤمن إِلَى مَا يسْأَل، فَلَمَّا شكّ إِبْرَاهِيم على هَذَا التَّأْوِيل الْحسن لَا على الْمَعْنى المذموم - قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((أَنا أولى بِالشَّكِّ من إِبْرَاهِيم)) أَي أَنا أولى أَن أسأَل مثل هَذَا الْأَمر الْعَظِيم الَّذِي يشك السَّائِل فِي إِجَابَة ربه فِيهِ، وَإِنَّمَا صَار أَحَق لما عانى من تَكْذِيب قومه لَهُ، وردهم عَلَيْهِ، وتعجبهم من ذكر الْبَعْث، فَقَالَ: أَنا أَحَق أَن أسأَل مَا سَأَلَ إِبْرَاهِيم لعَظيم مَا جرى عَليّ من قومِي، ولمعرفتي بتفضيل الله عز وَجل إيَّايَ على الْأَنْبِيَاء، وَلَكِنِّي لَا أسأَل. فَأَما قصَّة لوط فَإِن لوطا لم يغْفل عَن الله عز وَجل، وَلم يتْرك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 التَّوَكُّل عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذكر السَّبَب، وَذكره للسبب وَحده يتخايل مِنْهُ السَّامع نسيانه لله، فَأَرَادَ مِنْهُ نَبينَا عَلَيْهِ السَّلَام أَلا نقُول مَا يُوهم هَذَا. وَأما مدحه يُوسُف فَبَالغ؛ لِأَن يُوسُف أَرَادَ أَن يخرج خُرُوج من لَهُ الْحجَّة لَا خُرُوج من قد عُفيَ عَنهُ. 1792 - / 2226 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْخمسين: إِن إخوتي من الْمُهَاجِرين كَانَ يشغلهم الصفق بالأسواق، وَكنت من أهل الصّفة. وَأما الصفق بالأسواق فقد بَيناهُ من الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين من مُسْند أبي سعيد. وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ أَرْبَاب تِجَارَات، وَالْأَنْصَار أَرْبَاب نخل وَزرع، فَكَانُوا يغيبون أَكثر النَّهَار، فَلذَلِك حفظ أَبُو هُرَيْرَة مَا لم يحفظوا. وَالصّفة مَكَان مُرْتَفع من الْمَسْجِد، كَانَ يأوي إِلَيْهِ الْمَسَاكِين. والنمرة: شملة مخططة من مآزر الْعَرَب. وَجَاء فِي بعض الْأَلْفَاظ عَنهُ: كنت ألزم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين لَا آكل الْخَبِير، وَلَا ألبس الحبير. والخبير: الْخبز المأدوم. والحبير: الثِّيَاب المحبرة كالبرود اليمانية. 1793 - / 2227 - وَفِي الحَدِيث السِّتين: هَل نرى رَبنَا يَوْم الْقِيَامَة؟ قَالَ: ((هَل تمارون فِي رُؤْيَة الْقَمَر؟ هَل تمارون فِي الشَّمْس؟)) فَذكر نَحْو الحديث: 1792 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 حَدِيث أبي سعيد الثَّانِي وَالْعِشْرين من مُسْنده، وَقد فسرناه هُنَاكَ. وَفِي هَذَا الحَدِيث: ((فينصب الصِّرَاط بَين ظهراني جَهَنَّم)) أَي على وَسطهَا. يُقَال: نزلت بَين ظهريهم وظهرانيهم بِفَتْح النُّون: أَي فِي وَسطهمْ مُتَمَكنًا بَينهم لَا فِي أَطْرَافهم. وَفِيه: ((وَمِنْهُم من يوبق، وَمِنْهُم من يخردل)) والموبق: المهلك، يُقَال: أوبقته ذنُوبه: أَي أهلكته، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {أَو يوبقهن بِمَا كسبوا} ) [الشورى: 34] والمخردل: المقطع، يُقَال: خَرْدَل الشَّاة: إِذا قطعهَا. وَفِيه: ((قد قشبني رِيحهَا، وأحرقني ذكاؤها)) قشبني من القشب، والقشب: السم، كَأَنَّهُ قَالَ: قد سمني رِيحهَا، وَيُقَال لكل مَسْمُوم قشيب ومقشب. وذكاء النَّار: اشتعالها، يُقَال: ذكت النَّار تذكو. وَفِيه: ((فَإِذا رأى بهجتها وَمَا فِيهَا من النضرة انفهقت لَهُ الْجنَّة)) الْبَهْجَة: الْحسن. والنضرة: الرونق. وانفهقت: انفتحت واتسعت. وَمِنْه قيل: صحراء فيهق: أَي وَاسِعَة. 1794 - / 2228 - والْحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: قد تقدم فِي مُسْند أبي سعيد. الحديث: 1794 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 وَفِيه: ((وَلَا أَقُول: إِن أحدا أفضل من يُونُس بن مَتى)) وَقد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 1795 - / 2229 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتِّينَ: أَتَى رجل من أسلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن الْأُخَر قد زنى - يَعْنِي نَفسه، فَأَعْرض عَنهُ. هَذَا الرجل الْأَسْلَمِيّ هُوَ مَاعِز بن مَالك. والشق: الْجَانِب. وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَنه لَا يجْرِي فِي الْإِقْرَار إِلَّا أَربع مَرَّات. وَقد ذكرنَا هَذَا وَالْخلاف فِيهِ فِي مُسْند جَابر بن سَمُرَة، وَبينا هُنَاكَ معنى الْأُخَر. وأذلقته الْحِجَارَة: أَي بلغت مِنْهُ فقلق وَلم يصبر. وجمز: وثب هَارِبا. والحرة: مَوضِع فِيهِ حِجَارَة سود. 1796 - / 2230 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتِّينَ: ((سَتَكُون فتن الْقَاعِد فِيهَا خير من الْقَائِم)) قد تقدم هَذَا فِي مُسْند أبي بكرَة. وَقَوله: ((من تشرف لَهَا)) أَي تطلع إِلَيْهَا، تطلعت إِلَيْهِ. يُقَال: استشرفت الشَّيْء: إِذا رفعت بَصرك لتنظر إِلَيْهِ. والمعاذ: الملجأ. يَقُول: من قدر أَن يبعد عَنْهَا ويلجأ مِنْهَا إِلَى مَا يخلصه فَلْيفْعَل. الحديث: 1795 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 وَقَوله: ((من الصَّلَاة صَلَاة من فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وتر أَهله)) يَعْنِي الْعَصْر، وَقد ذَكرنَاهَا فِي مُسْند ابْن عمر. 1797 - / 2231 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسِّتِّينَ: ((لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن)) . قَالَ الْعلمَاء: الْمَعْنى: وَهُوَ كَامِل الْإِيمَان. كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام: ((مَا آمن من لم يَأْمَن جَاره بوائقه)) أَي مَا اسْتكْمل الْإِيمَان. وَيحْتَمل وَجها آخر: وَهُوَ أَن الْهوى يُغطي الْإِيمَان، فَصَاحب الْهوى لَا يرى إِلَّا هَوَاهُ وَلَا ينظر إِلَى إيمَانه الناهي لَهُ، فَكَأَن الْإِيمَان قد عدم. وَقَوله: ((وَلَا ينتهب نهبة ذَات شرف)) أَي ذَات قدر. والغلول: أَخذ شَيْء من الْمغنم فِي خُفْيَة. قَالَ ابْن عَرَفَة: سمي الْغلُول غلولا لِأَن الْأَيْدِي مغلولة عَنهُ: أَي مَمْنُوعَة. 1798 - / 2232 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتِّينَ: ((بَيْنَمَا رَاع فِي غنمه عدا الذِّئْب فَأخذ مِنْهَا شَاة، فطلبها حَتَّى استنقذها مِنْهُ، فَقَالَ الذِّئْب: من لَهَا يَوْم السَّبع، يَوْم لَا راعي لَهَا غَيْرِي؟)) فَقَالَ النَّاس: سُبْحَانَ الله! فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((فَإِنِّي أُؤْمِن بِهَذَا وَأَبُو بكر وَعمر)) وَمَا هما ثمَّ. الحديث: 1797 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 فَأَما يَوْم السَّبع فَأكْثر الْمُحدثين يرونه بِضَم الْبَاء، وعَلى هَذَا يكون الْمَعْنى: إِذا أَخذهَا السَّبع لم تقدر على استخلاصها، فَلَا يرعاها حِينَئِذٍ غَيْرِي. أَي إِنَّك تهرب وأكون أَنا قَرِيبا مِنْهَا أنظر مَا يفضل لي مِنْهَا. وَقد ذكر الْأَزْهَرِي فِي كتاب ((تَهْذِيب اللُّغَة)) عَن ابْن الْأَعرَابِي أَن السَّبع بتسكين الْبَاء: وَهُوَ الْموضع الَّذِي يكون فِيهِ الْمَحْشَر، فَكَأَنَّهُ قَالَ: من لَهَا يَوْم الْقِيَامَة؟ . وَأما إخْبَاره بِإِيمَان أبي بكر وَعمر فَلِأَنَّهُ علم أَنَّهُمَا يؤمنان بِمَا آمن بِهِ، فَكَذَلِك عَامَّة أَصْحَابه، غير أَنه خصهما لِشَرَفِهِمَا. 1799 - / 2233 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتِّينَ: ((قرصت نملة نَبيا من الْأَنْبِيَاء، فَأمر بقرية النَّمْل فأحرقت)) . قَرْيَة النَّمْل: مَوضِع اجتماعهن، وَالْعرب تفرق فِي الأوطان بَين الْأَسْمَاء. فَيَقُولُونَ: قطن الْإِنْسَان، وعطن الْإِبِل، وعرين الْأسد، وكناس الظبي، ووجار الذِّئْب والضبع، وعش الطَّائِر، وكور الزنابير، ونافقاء اليربوع، وقرية النَّمْل. وَهَذَا النَّبِي لما آذته استجاز قتل مَا يُؤْذِي، فَأُرِيد مِنْهُ صُورَة الْعدْل فِي قتل المؤذي فَحسب، فَقيل لَهُ: ((فَهَلا نملة وَاحِدَة)) . 1800 - / 2234 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتِّينَ: ((فِي الْحبَّة السَّوْدَاء شِفَاء من كل دَاء إِلَّا السام)) وَقد فسر فِي الحَدِيث، فَقَالَ الزُّهْرِيّ: السام: الْمَوْت. والحبة السَّوْدَاء: الشونيز. الحديث: 1799 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 وَظَاهر قَوْله: ((من كل دَاء)) عُمُوم الأدواء كلهَا. وَقَالَ بعض الْعلمَاء: لَفْظَة كل هَا هُنَا لَفْظَة عُمُوم وَالْمرَاد بهَا الْخُصُوص كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَأُوتِيت من كل شَيْء} [النَّمْل: 23] ، وَقَوله: {تدمر كل شَيْء} [الْأَحْقَاف: 25] وَقَوله: {وَأَنِّي فضلتكم على الْعَالمين} [الْبَقَرَة: 47] وَالْمرَاد بهَا شِفَاء من أدواء الرُّطُوبَة والبلغم من جِهَة أَن الشونيز حَار يَابِس، فَهُوَ يقطع البلغم، وينقي، وينفع الزُّكَام، وَيقتل الديدان، ويدر الطمث. ويسقى بِالْمَاءِ الْحَار وَالْعَسَل للحصاة فِي المثانة والكلية، وَيحل الحميات البلغمية والسوداوية، ودخانه يهرب مِنْهُ الْهَوَام، إِلَى غير ذَلِك من الْمَنَافِع. فَلَمَّا عَمت منفعَته أطلقت عَلَيْهِ لَفْظَة ((كل)) . 1801 - / 2235 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتِّينَ: ((لَا تمنعوا فضل المَاء لتمنعوا بِهِ الْكلأ)) . قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: هَذَا فِي الرجل يحْفر الْبِئْر فِي الأَرْض الْموَات فيملكها بِالْإِحْيَاءِ، وحول الْبِئْر أَو بقربها موَات فِيهِ كلأ، وَلَا يُمكن النَّاس أَن يرعوه إِلَّا بِأَن يبْذل لَهُم مَاءَهُ، فَأمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا يمنعهُم مَاءَهُ؛ لِأَنَّهُ إِذا فعل ذَلِك فقد مَنعهم الْكلأ. وَاخْتلف الْعلمَاء: هَل هَذَا على وَجه التَّحْرِيم أَو على وَجه الْكَرَاهَة. الحديث: 1801 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 1802 - / 2236 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسِّتِّينَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتعْمل رجلا على خَيْبَر، فجَاء بِتَمْر جنيب، فَقَالَ: ((أكل تمر خَيْبَر هَكَذَا؟)) قَالَ: إِنَّا لنأخذ الصَّاع بالصاعين، والصاعين بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((لَا تفعل، بِعْ الْجمع بِدَرَاهِم ثمَّ ابتع بِالدَّرَاهِمِ جنيبا)) وَقَالَ فِي الْمِيزَان مثل ذَلِك. الجنيب من جيد التَّمْر. وَالْجمع من النّخل: كل لون لَا يعرف اسْمه، فَيكون تمره من أردأ التَّمْر، فَنَهَاهُ عَن المفاضلة فِي مَال الرِّبَا. وَقَالَ فِي الْمِيزَان - أَي فِيمَا يُوزن - مثل ذَلِك، وَهَذَا لِأَن التَّمْر أَصله الْكَيْل لَا الْوَزْن. 1803 - / 2238 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسبْعين: ((إِذا أدْرك أحدكُم سَجْدَة من صَلَاة الْعَصْر قبل أَن تغرب الشَّمْس فليتم صلَاته)) . المُرَاد بِالسَّجْدَةِ: الرَّكْعَة بركوعها وسجودها. وَسَيَأْتِي هَذَا الحَدِيث بعد الثَّالِث وَالسِّتِّينَ وَالْمِائَة من هَذَا الْمسند، وَلَفظه: ((من أدْرك من الصُّبْح رَكْعَة قبل أَن تطلع الشَّمْس فقد أدْرك الصُّبْح، وَمن أدْرك من الْعَصْر رَكْعَة قبل أَن تغرب الشَّمْس فقد أدْرك)) وَهَذَا يدل الحديث: 1802 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 على أَن من طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس وَقد صلى رَكْعَة من الْفجْر، أَو غربت وَقد صلى رَكْعَة من الْعَصْر، أَنه يتم الصَّلَاة، وَأَنَّهَا صَحِيحَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تبطل صلَاته. 1804 - / 2239 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسبْعين: ((لكل نَبِي دَعْوَة مستجابة، فتعجل كل نَبِي دَعوته، وَإِنِّي اخْتَبَأْت دَعْوَتِي شَفَاعَة لأمتي)) . هَذَا من حسن ظن نظره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين اخْتَار أَن تكون دَعوته فِيمَا يبْقى. فَإِن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: {هَب لي ملكا} [ص: 35] وَاخْتِيَار الْبَاقِي أحزم. وَمن فضل كرمه أَنه جعلهَا لأمته، وَجعلهَا شَفَاعَة للمذنبين، فَكَأَنَّهُ هيأ النجَاة للمنقطعين ليلحقهم بالسابقين. وَقد تقدم هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند جَابر وَأنس. 1805 - / 2240 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسبْعين: النَّهْي عَن الْوِصَال فِي الصَّوْم. وَقد سبق فِي مُسْند ابْن عمر. وَفِي هَذَا الحَدِيث: ((فاكلفوا من الْعَمَل مَا تطيقون)) اللَّام فِي اكلفوا مَفْتُوحَة وَالْمعْنَى: تكلفوا طاقتكم. وَقد سبق بَيَان هَذَا. الحديث: 1804 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 1806 - / 2241 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسبْعين: التَّكْبِير فِي كل خفض وَرفع، وَقد سبق فِي مُسْند ابْن عَبَّاس وَغَيره. وَفِيه: ((سمع الله لمن حَمده)) أَي: قبل. وَفِيه: ((اشْدُد وطأتك على مُضر)) وَقد تقدم آنِفا. 1807 - / 2242 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسبْعين: ((مَا أذن الله لشَيْء مَا أذن لنَبِيّ أَن يتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ)) وَفِي لفظ: ((مَا أذن الله لشَيْء كَإِذْنِهِ لنَبِيّ يتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ، يجْهر بِهِ)) وَفِي لفظ: ((لَيْسَ منا من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ)) . أما اللَّفْظ الأول فَهَكَذَا ورد: ((أَن يتَغَنَّى)) وَالَّذِي أرَاهُ أَن لَفْظَة ((أَن)) من زِيَادَة بعض الروَاة؛ لأَنهم يروون بِالْمَعْنَى فَيَقَع الْخَطَأ فِي كثير من الرِّوَايَات، وَإِذا ثبتَتْ ((أَن)) كَانَ من الْإِذْن: بِمَعْنى الْإِطْلَاق فِي الشَّيْء، وَلَيْسَ هُوَ المُرَاد بِالْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا أذن هَا هُنَا بِمَعْنى اسْتمع، يُقَال: أَذِنت للشَّيْء: أذنا: إِذا استمعت لَهُ، قَالَ عدي: (فِي سَماع يَأْذَن الشَّيْخ لَهُ ... وَحَدِيث مثل ماذي مشار) وَاخْتلف الْعلمَاء فِي معنى ((يتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ)) على أَرْبَعَة أَقْوَال: الحديث: 1806 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 أَحدهَا: أَنه تَحْسِين الصَّوْت بِهِ، روى أَبُو دَاوُد فِي ((سنَنه)) عَن ابْن أبي مليكَة أَنه سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث، فَقيل لَهُ: أَرَأَيْت إِن لم يكن حسن الصَّوْت؟ فَقَالَ: ((يُحسنهُ مَا اسْتَطَاعَ)) وَالثَّانِي: أَن الْمَعْنى: يَسْتَغْنِي بِهِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن وَكِيع وَابْن عُيَيْنَة، وَقد روى أَنهم دخلُوا على سعد وَعِنْده مَتَاع رث، فَقَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((لَيْسَ منا من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ)) فَهَذَا دَلِيل على أَنه الإستغناء. وَقَالَ ابْن مَسْعُود: من قَرَأَ آل عمرَان فَهُوَ غَنِي. قَالَ أَبُو عبيد: وَلَو كَانَ المُرَاد بِهِ تَرْجِيع الْقِرَاءَة لَكَانَ من لم يفعل ذَلِك فَلَيْسَ من النَّبِي، قَالَ: وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهُ جَائِز فِي كَلَام الْعَرَب أَن يَقُولُوا: تَغَنَّيْت تغَنِّيا، وَتَغَانَيْت تَغَانِيًا: بِمَعْنى اسْتَغْنَيْت، قَالَ الْأَعْشَى: (وَكنت امْرأ زَمنا بالعراق ... عفيف المناخ طَوِيل التغن) يُرِيد الإستغناء. وَقَالَ الْمُغيرَة بن حبناء يُعَاتب أَخَاهُ: (كِلَانَا غَنِي عَن أَخِيه حَيَاته ... وَنحن إِذا متْنا أَشد تَغَانِيًا) فعلى هَذَا يكون الْمَعْنى: من لم يسْتَغْن بِالْقُرْآنِ عَن الْإِكْثَار من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ ينبهه على ترك الفضول ويحثه على طلب الْآخِرَة. وَالثَّالِث: أَن الْمَعْنى يتحزن بِهِ ويترنم، قَالَه الشَّافِعِي، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ عندنَا تحزين الْقِرَاءَة. وَالرَّابِع: أَنه التشاغل بِهِ عَن مَكَان التَّغَنِّي، قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: كَانَت الْعَرَب تتغنى بالركبان إِذا ركبت الْإِبِل، وَإِذا جَلَست فِي الأفنية، وعَلى أَكثر أحوالها، فَلَمَّا نزل الْقُرْآن أحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يكون الْقُرْآن هجيراهم مَكَان التَّغَنِّي بالركبان. ويوضح هَذَا الْوَجْه مَا أَنبأَنَا بِهِ عَليّ بن أبي عمر قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن الْحُسَيْن بن أَيُّوب قَالَ: أَنبأَنَا أَبُو عَليّ بن شَاذان قَالَ: أخبرنَا أَبُو سهل أَحْمد بن مُحَمَّد الْقطَّان قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد البرتي قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن الْمليكِي عَن ابْن أبي مليكَة عَن عبد الله بن السَّائِب عَن سعد هُوَ ابْن أبي وَقاص قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ((غنوا بِالْقُرْآنِ، لَيْسَ من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ)) يَعْنِي منا. 1808 - / 2243 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسبْعين: ((ننزل غَدا إِن شَاءَ الله بخيف بني كنَانَة حَيْثُ تقاسموا على الْكفْر)) يُرِيد المحصب. قَالَ ابْن فَارس الْخيف: مَا ارْتَفع عَن الْوَادي وَانْحَدَرَ عَن الْجَبَل. وتقاسموا بِمَعْنى تحالفوا، وَقد ذكر تَفْسِير هَذَا فِي الحَدِيث: وَهُوَ الحديث: 1808 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 أَن قُريْشًا وكنانة حصروا بني هَاشم وَبني الْمطلب فِي الشّعب. وَقَالَ بعض الروَاة: أَو بني عبد الْمطلب، وَهُوَ غلط، وَإِنَّمَا هُوَ: وَبني الْمطلب - وتحالفوا أَلا يناكحوهم وَلَا يبايعوهم وَلَا يؤوهم حَتَّى يسلمُوا إِلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكتب الْقَوْم بذلك كتابا وتركوه فِي الْكَعْبَة، فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عَمه أبي طَالب فَأخْبرهُ أَن الأرضة قد لحست مَا فِي كِتَابهمْ من جور وظلم وأبقت مَا فِيهِ من ذكر الله عز وَجل، فَخرج أَبُو طَالب إِلَيْهِم فَأخْبرهُم بذلك، وَقَالَ: إِن كَانَ ابْن أخي صَادِقا فانزعوا عَمَّا أَنْتُم عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ كَاذِبًا أسلمته إِلَيْكُم. فَقَالُوا: قد أنصفت، ففتحوا الْكتاب فوجدوه كَمَا قَالَ، فنكسوا على رؤوسهم وسكتوا، فَلَمَّا خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى مَكَّة فِي حجَّته، قَالَ: ((منزلنا إِن شَاءَ الله بخيف بني كنَانَة)) فآثر النُّزُول بذلك الْمَكَان شكرا لنعمة الله سُبْحَانَهُ فِي التَّمْكِين لَهُ، ونقضا لعهدهم. 1809 - / 2244 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسبْعين: ((اشتكت النَّار إِلَى رَبهَا، فَأذن لَهَا بنفسين: نفس فِي الشتَاء وَنَفس فِي الصَّيف، فَهُوَ أَشد مَا تَجِدُونَ من الْحر وَمن الزَّمْهَرِير)) . تَشْبِيه الْحر وَالْبرد فِي ابْتِدَائه وامتداده وقوته وَضَعفه بِالنَّفسِ من أحسن التَّشْبِيه. والزمهرير: شدَّة الْبرد. وَبَاقِي الحَدِيث قد تقدم فِي مُسْند أبي ذَر. 1810 - / 2245 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسبْعين: ((الْفَخر وَالْخُيَلَاء - الحديث: 1809 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 وَفِي لفظ: والرياء - فِي الْفَدادِين. .)) وَفِي رِوَايَة: ((أَتَاكُم أهل الْيمن، هم أَلين قلوبا وأرق أَفْئِدَة)) . الْخُيَلَاء: التكبر والإعجاب بِالنَّفسِ. وَمن يقْصد الترفع عَن النَّاس يحب أَن يرى مَاله الْكثير. والفدادون مُفَسّر فِي مُسْند أبي مَسْعُود البدري، وَكَذَلِكَ قَوْله: ((الْإِيمَان يمَان)) هُنَالك أَيْضا. وَقد بَينا ثمَّ أَنه أَشَارَ بذلك إِلَى مَكَّة وَالْمَدينَة، وَإِنَّمَا أثنى على أهل الْيمن لمبادرتهم إِلَى الْإِيمَان، وَإِذا رقت الأفئدة ولانت الْقُلُوب وصلت إِلَيْهَا المواعظ وأثرت فِيهَا. وَالْحكمَة: الْفِقْه. والسكينة: السّكُون. وَفِي هَذَا الحَدِيث ثَنَاء على الْأَنْصَار. وَقَوله: ((وَرَأس الْكفْر قبل الْمشرق)) وَذَاكَ لِأَن الدَّجَّال يخرج مِنْهُ ويأجوج وَمَأْجُوج، وتغلب العجمة على ساكنيه وَقلة الْفَهم، وَلذَلِك أضَاف طُلُوع قرن الشَّيْطَان إِلَيْهِ، وَيُرِيد بِطُلُوع قرن الشَّيْطَان ظُهُور إِبْلِيس بالفتن هُنَالك. 1811 - / 2246 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسبْعين: ((التَّسْبِيح للرِّجَال والتصفيق للنِّسَاء)) وَقد تقدم هَذَا فِي مُسْند سهل بن سعد. 1812 - / 2250 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث والثمانين: ((إِذا نُودي بِالصَّلَاةِ الحديث: 1811 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 أدبر الشَّيْطَان، فَإِذا قضى التثويب أقبل)) . قد ذكرنَا التثويب آنِفا فِي هَذَا الْمسند. وَالْمرَاد بِهِ هَا هُنَا الْإِقَامَة، فَإِنَّهَا إِعْلَام بِقِيَام الصَّلَاة. وَالْأَذَان إِعْلَام بِوَقْت الصَّلَاة. والحصاص يكون بمعنيين: الحصاص: الْعَدو. والحصاص: الضراط. وَقَالَ عَاصِم بن أبي النجُود: إِذا صر أُذُنَيْهِ ومصع بِذَنبِهِ: أَي حركه يَمِينا وَشمَالًا وَعدا، فَذَلِك الحصاص. فَإِن قيل: كَيفَ يهرب من الْأَذَان وَيَدْنُو من الصَّلَاة، وَفِي الصَّلَاة الْقُرْآن ومناجاة الْحق عز وَجل؟ فَالْجَوَاب: أَنه يبعد عَن الْأَذَان لغيظه من ظُهُور الدّين وَغَلَبَة الْحق، وعَلى الْأَذَان هَيْبَة يشْتَد انزعاجه لَهَا، وَلَا يكَاد يَقع فِي الْأَذَان رِيَاء وَلَا غَفلَة عِنْد النُّطْق بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تحضر النَّفس، فَأَما الصَّلَاة فَإِن النَّفس تحضر فِيهَا عَن إِطْلَاقهَا قبلهَا، فَيفتح لَهَا الشَّيْطَان أَبْوَاب الوساوس فترتع فِيهَا بِالْقَلْبِ. 1813 - / 2251 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع والثمانين: ((مَا من مَوْلُود إِلَّا يُولد على الْفطْرَة)) . الحديث: 1813 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 الْفطْرَة تقال على وُجُوه، قد ذَكرنَاهَا فِي مُسْند الْبَراء بن عَازِب، فَأَما المُرَاد بهَا هَا هُنَا: فَاعْلَم أَن معرفَة الْحق عز وَجل مركوزة فِي النُّفُوس، ثمَّ قد نصبت لَهَا عَلَيْهَا أَدِلَّة، فَإِذا سلمت فطرتها من صَاد عَن الْهدى بَان لَهَا الْحق بدليله، يدل على هَذَا من حَيْثُ الْمَعْنى وَمن حَيْثُ الْوُقُوع: أما من حَيْثُ الْمَعْنى فَإِن الْأَدِلَّة إِنَّمَا ترد النَّفس إِلَى معلومها الأول الَّذِي قد ثَبت عِنْدهَا، فَأَنا إِذا قلت: لَا بُد من صانع، فَهَذَا مركوز فِي النُّفُوس، وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى إِقَامَة الدَّلِيل الَّذِي يَنْفِي الشوائب عَنهُ. وَأما من حَيْثُ الْوُقُوع فقد اسْتدلَّ جمَاعَة على الوحدانية كقس بن سَاعِدَة، فَإِذا وَقع الصَّاد غير الْفطْرَة ووقفت ظلمته فِي وُجُوه نورها، فَاشْتَبَهَ على النَّفس الْأَمر، فاحتاجت إِلَى قُوَّة معالجة من الدَّلِيل. وَقد ذكر ابْن قُتَيْبَة عَن حَمَّاد بن سَلمَة أَنه قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: هَذَا حِين أَخذ الله عز وَجل الْعَهْد على الْخلق فِي أصلاب آبَائِهِم {وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} [الْأَعْرَاف: 172] فلست واجدا أحدا إِلَّا وَهُوَ مقرّ بِأَن لَهُ صانعا ومدبرا وَإِن سَمَّاهُ بِغَيْر اسْمه، وَعبد شَيْئا دونه. قَالَ تَعَالَى: {وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلقهمْ ليَقُولن الله} [الزخرف: 87] فَالْمَعْنى: كل مَوْلُود فِي الْعَالم على ذَلِك الْعَهْد وَالْإِقْرَار الأول وَهُوَ الْفطْرَة، وَمعنى الْفطْرَة: ابْتِدَاء الْخلقَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} [الْأَنْعَام: 14] أَي مبتدئها، وَهِي الحنيفية الَّتِي وَقعت لأوّل الْخلق وَجَرت فِي فطر الْعُقُول، ثمَّ يهود الْيَهُود أَبْنَاءَهُم، ويمجس الْمَجُوس أَبْنَاءَهُم: أَي يعلمونهم ذَلِك، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 وَلَيْسَ الْإِقْرَار الأول مِمَّا يَقع بِهِ حكم أَو عَلَيْهِ ثَوَاب، أَلا ترى أَن الطِّفْل من أَطْفَال الْمُشْركين مَحْكُوم عَلَيْهِ بدين أَبَوَيْهِ، فَإِن خرج عَنْهُمَا إِلَى مُسلم حكم عَلَيْهِ بدين مَالِكه، وَمن وَرَاء ذَلِك علم الله فِيهِ. فَفرق مَا بَيْننَا وَبَين الْقَدَرِيَّة فِي هَذَا الحَدِيث أَن الْفطْرَة عِنْدهم الْإِسْلَام، وَعِنْدنَا الْإِقْرَار بِاللَّه والمعرفة بِهِ. وَقَوله: ((كَمَا تنْتج الْبَهِيمَة بَهِيمَة جَمْعَاء)) تنْتج: مَضْمُومَة التَّاء الأولى مَفْتُوحَة الثَّانِيَة، قَالَ ابْن قُتَيْبَة: هِيَ السليمة، سميت بذلك لإجتماع السَّلامَة فِي أعضائها. والجدعاء: المقطوعة الْأنف وَالْأُذن. واللكز: الطعْن بِجَمِيعِ الْكَفّ. والحضنان: الجنبان، وهما مَا دون الْإِبِط إِلَى الخصر. وَقَوله: ((الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين)) قد سبق بَيَانه فِي مُسْند ابْن عَبَّاس، وَذكرنَا هُنَاكَ خلاف النَّاس فيهم. 1814 - / 2252 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس والثمانين: ((من ترك كلا فإلينا)) . الْكل: الْعِيَال والثقل. ((فعلي قَضَاؤُهُ)) هَذَا فِيمَن ترك دينا لَا وَفَاء لَهُ فَإِنَّهُ يقْضى من الْفَيْء. الحديث: 1814 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 والضياع بِفَتْح الضَّاد وَهُوَ مصدر ضَاعَ يضيع، وَالْمعْنَى: من ترك شَيْئا ضائعا كالأطفال فَليَأْتِنِي ذَلِك الضائع ((فَأَنا مَوْلَاهُ)) أَي وليه. وَرَوَاهُ بَعضهم ((ضيَاعًا)) بِكَسْر الضَّاد، وَهُوَ جمع ضائع، كَمَا تَقول: جَائِع وجياع، وَالْأول أصح. وَفِي لفظ: ((فَأَيكُمْ ترك مَالا فَإلَى الْعصبَة)) قَالَ ابْن فَارس: يُقَال: عصب الْقَوْم بفلان: أحاطوا بِهِ، وَسميت الْعصبَة وهم قرَابَة الرجل لِأَبِيهِ. وعصبت الْإِبِل بِالْمَاءِ: إِذا دارت بِهِ. 1815 - / 2253 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس والثمانين: ((أَنا أولى النَّاس بِابْن مَرْيَم، الْأَنْبِيَاء أَوْلَاد علات)) . أَوْلَاد العلات: الْإِخْوَة من أَب وَاحِد وأمهاتهم شَتَّى. وَأَوْلَاد الْأَعْيَان: الْإِخْوَة من أَب وَاحِد وَأم وَاحِدَة. وَالَّذِي أَرَادَ أَن أصل دين الْأَنْبِيَاء وَاحِد وَإِن كَانَت شرائعهم مُخْتَلفَة، كَمَا أَن أَوْلَاد العلات أبوهم وَاحِد وَإِن كَانَت أمهاتهم شَتَّى. أما قَوْله: ((لَيْسَ بَيْننَا نَبِي)) فَإِن قيل: فقد ذكر أَن بعد عِيسَى أَنْبيَاء. فَالْجَوَاب: أَن هَذَا الحَدِيث أصح، والاعتماد عَلَيْهِ وَإِن جَوَّزنَا وجود نَبِي ذُو شرع متجدد. 1816 - / 2254 - ((من رَآنِي فِي الْمَنَام فقد رَآنِي)) . الحديث: 1815 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 وَهَذَا قد تقدم فِي مُسْند أبي قَتَادَة وَغَيره. وَفِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث: ((من رَآنِي فِي الْمَنَام فسيراني فِي الْيَقَظَة)) وَهَذَا كالبشارة لمن يرَاهُ بِأَنَّهُ يلقاه يَوْم الْقِيَامَة. 1817 - / 2255 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن والثمانين: ((من قَامَ رَمَضَان إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه. .)) وَفِي وَرَايَة: ((من صَامَ. .)) . وَقَوله: ((إِيمَانًا واحتسابا)) أَي تَصْدِيقًا بالمعبود الْآمِر لَهُ، وعلما بفضيلة الْقيام وَوُجُوب الصّيام، وخوفا من عِقَاب تَركه، ومحتسبا جزيل أجره، وَهَذِه صفة الْمُؤمن. وَقَوله: ((فيوافقها)) يَعْنِي لَيْلَة الْقدر. وَهَذَا دَلِيل على زِيَادَة أجر الْمُجْتَهد إِذا أصَاب. والأوزاع: جماعات من النَّاس. والرهط دون الْعشْرَة. وَيُقَال: إِلَى الْأَرْبَعين. 1818 - / 2256 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع والثمانين: ((لَا عدوى وَلَا صفر وَلَا هَامة)) فَقَالَ أَعْرَابِي: يَا رَسُول الله، فَمَا بَال إبل تكون فِي الرمل كَأَنَّهَا الظباء فَيَأْتِي الْبَعِير الأجرب فَيدْخل فِيهَا فيجربها؟ قَالَ: ((فَمن أعدى الأول؟)) . قد تكلمنا فِي الْعَدْوى والطيرة. وَفِي قَوْله: ((لَا يُورد ممرض على مصح)) وَفِي قَوْله: ((فر من المجذوم)) فِي مُسْند ابْن عمر، وَبينا أَنه الحديث: 1817 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 إِنَّمَا نهى عَن التَّعَرُّض بِالْمرضِ لِئَلَّا يظنّ الصَّحِيح إِذا مرض عِنْد المقاربة للْمَرِيض أَن ذَلِك من بَاب الْعَدْوى. والممرض: الَّذِي إبِله مراض، وضده المصح. وفسرنا قَوْله: ((لَا صفر)) فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. وَقَوله: ((وَخَيرهَا الفأل)) قَالَ ابْن عون: هَذَا مثل أَن يكون مَرِيضا فَيسمع: يَا سَالم، وباغيا فَيسمع: يَا وَاجِد. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: الفأل فِيمَا يحسن ظَاهره ويرجى وُقُوعه بِالْخَيرِ. والطيرة لَا تكون إِلَّا فِيمَا يسوء. وَاعْلَم أَنه إِنَّمَا صَار الفأل خير أَنْوَاع هَذَا الْبَاب لِأَنَّهُ يصدر عَن نطق وَبَيَان، فَكَأَنَّهُ خير جَاءَ من غيب. فَأَما سنوح الطير وبروحها فتكلف من المتطير مَا لَا أصل لَهُ فِي الْبَيَان، إِذْ لَيْسَ هُنَاكَ نطق فيستدل بِهِ على معنى فِيهِ. وَقَوله: ((لَا هَامة)) قَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي: كَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة تزْعم أَن عِظَام الْمَيِّت تَجْتَمِع فَتَصِير هَامة فتطير، وَكَانُوا يسمون الطَّائِر الَّذِي يخرج مِنْهَا الصدى. وَقَالَ غَيره: كَانُوا يسمون الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 الْأُنْثَى من هَذِه الطير: هَامة، وَالذكر: الصدى، فَإِذا قتل الْإِنْسَان قَالَ هَذَا الطَّائِر: اسقوني، حَتَّى يقتل قَاتله فيهدأ، قَالَ الشَّاعِر: (وَلَو أَن ليلى الأخيلية سلمت ... عَليّ، ودوني تربة وصفائح) (لسلمت تَسْلِيم البشاشة أَو زقا ... إِلَيْهَا صدى من جَانب الْقَبْر صائح) فَأبْطل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا. وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد: الهامة مُشَدّدَة الْمِيم، يذهب إِلَى وَاحِد الْهَوَام: وَهِي دَوَاب الأَرْض. قَالَ: وَلَا أرى أَبَا زيد حفظ هَذَا. وَأما نِسْيَان أبي هُرَيْرَة الحَدِيث فقد جرى هَذَا لجَماعَة كَثِيرَة حدثوا بأَشْيَاء ثمَّ نسوا، وَفِيهِمْ من كَانَ يخبر بِمَا أخبر بِهِ فَيَقُول: حَدثنِي فلَان عني. وَقَوله: فرطن بالحبشية: أَي تكلم بهَا، وكل كَلَام لَا تفهمه الْعَرَب من كَلَام الْعَجم تسميه رطانة. والمماراة: الْمُرَاجَعَة على وَجه الْمُخَالفَة. والنوء: من أنواء الْمَطَر، وَقد سبق بَيَانه فِي مُسْند زيد بن خَالِد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 1819 - / 2257 - وَفِي الحَدِيث التسعين: ((ينزل رَبنَا كل لَيْلَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا حِين يبْقى ثلث اللَّيْل الآخر)) وَفِي رِوَايَة: ((إِذا ذهب ثلث اللَّيْل الأول)) . أصح الرِّوَايَات عَن أبي هُرَيْرَة: ((إِذا بَقِي ثلث اللَّيْل الآخر)) كَذَلِك قَالَ التِّرْمِذِيّ. وَحَدِيث النُّزُول قد رَوَاهُ جمَاعَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنْهُم أَبُو بكر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَأَبُو الدَّرْدَاء وَابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَجبير بن مطعم وَرِفَاعَة الْجُهَنِيّ والنواس بن سمْعَان وَأَبُو ثَعْلَبَة الْخُشَنِي وَعُثْمَان بن أبي الْعَاصِ وَعَائِشَة فِي آخَرين. وَقد ذكرت فِيمَا تقدم من مُسْند ابْن عمر وَأنس وَغَيرهمَا فِي مثل هَذِه الْأَشْيَاء أَنه يجب علينا أَن نَعْرِف مَا يجوز على الله سُبْحَانَهُ وَمَا يَسْتَحِيل. وَمن المستحيل عَلَيْهِ الْحَرَكَة والنقلة والتغير، فَيبقى مَا ورد فِي هَذَا فَالنَّاس فِيهِ قائلان: أَحدهمَا: السَّاكِت عَن الْكَلَام فِيهِ، وَقد حكى أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ عَن مَالك بن أنس وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الله بن الْمُبَارك أَنهم قَالُوا فِي هَذِه الْأَحَادِيث: أمروها بِلَا كَيفَ، فَهَذِهِ كَانَت طَريقَة عَامَّة السّلف. وَالثَّانِي: المتأول، فَهُوَ يحملهَا على مَا توجبه سَعَة اللُّغَة، لعلمه بِأَن مَا يتضمنه النُّزُول من الْحَرَكَة مُسْتَحِيل على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد: {وَجَاء رَبك} [الْفجْر: 22] أَي جَاءَ أمره. الحديث: 1819 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 وَقَوله: ((من يقْرض غير عديم)) أصل الْقَرْض الْقطع، وَكَأَنَّهُ يَقُول: من يقطع قِطْعَة من مَاله أَو عمله فيجعلها لله. والعديم بِمَعْنى العادم. 1820 - / 2258 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالتسْعين: ((إِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَا يصبغون فخالفوهم)) . المُرَاد بِالْحَدِيثِ تَغْيِير الشيب. وَقد كَانَ السّلف يغيرونه بأنواع من الخضاب وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي كتاب ((الشيب والخضاب)) . 1821 - / 2259 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالتسْعين: ((مثل المهجر كَمثل الَّذِي يهدي بَدَنَة)) . روى النَّضر بن شُمَيْل عَن الْخَلِيل قَالَ: التهجير إِلَى الْجُمُعَة: التبكير إِلَيْهَا، فَقَوله: ((مثل المهجر)) أَرَادَ المبكر، وَهِي لُغَة حجازية. وَقَوله: ((من رَاح)) قَالَ أَبُو عبيد الْهَرَوِيّ: مَعْنَاهُ: من خف إِلَى الْجُمُعَة، وَلم يرد رواح آخر النَّهَار. وَيُقَال: رَاح الْقَوْم: إِذا سَارُوا فِي أَي وَقت كَانَ. وَقَوله: ((فِي السَّاعَة الأولى)) قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: لم يرد تَحْدِيد الحديث: 1820 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 السَّاعَات، لكنه تجوز فِي الْكَلَام، كَمَا تَقول: قعدت عِنْد فلَان سَاعَة. وَأما طي الْمَلَائِكَة الصُّحُف فَالْمُرَاد بِهِ صحف الْفضل لَا صحف الْفَرْض، لِأَن الْفَرْض يسْقط بالإتيان بعد ذَلِك، وَإِنَّمَا المُرَاد أَنه قد ذهب وَقت الْفَضِيلَة وَلزِمَ السَّعْي. 1822 - / 2261 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالتسْعين: ((لقد كَانَ فِيمَا قبلكُمْ من الْأُمَم محدثون، فَإِن يَك فِي أمتِي أحد فَإِنَّهُ عمر)) قَالَ ابْن وهب: محدثون: ملهمون. وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة: مفهمون. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُرِيد قوما يصيبون إِذا ظنُّوا وحدسوا، فكأنهم حدثوا بِشَيْء فقالوه، قَالَ أَوْس: (الألمعي الَّذِي يظنّ لَك الظَّن كَأَن قد رأى وَقد سمعا ... ) وَيُقَال فِي بعض الْأَمْثَال: ((من لم ينفعك ظَنّه لم ينفعك يقينه)) . 1823 - / 2262 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالتسْعين: ((تحاج آدم ومُوسَى)) . الإحتجاج: انتزاع الْحجَّة لغَلَبَة الْخصم. وَاعْلَم أَن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد الحديث: 1822 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 حكم بِالْحجَّةِ لآدَم، وَذَاكَ فِي معنى خَاص، لِأَنَّهُ لَو كَانَت لَهُ الْحجَّة عَلَيْهِ لما ليم بقوله تَعَالَى: {ألم أنهكما} [الْأَعْرَاف: 22] وَلما عُوقِبَ بقوله: {اهبطا} [طه: 123] فَلَمَّا أَخذ مُوسَى فِي لومه وتوبيخه بقوله: ((أَنْت الَّذِي اصطفاك الله ... وَأَنت ... وَأَنت)) أَخذ آدم يُعَارضهُ بِذكر الْقدر وَيَقُول: " أَنْت اصطفاك الله برسالته وبكلامه)) وَالْمعْنَى: كَيفَ تكون بِهَذِهِ الْمنزلَة وَيخْفى عَنْك أَنه لَا محيص من الْقدر؟ وَكِلَاهُمَا حق لَا يبطل صَاحبه. وَمَتى قضي للقدر على الْكسْب أخرج إِلَى مَذْهَب الْقَدَرِيَّة أَو للكسب على الْقدر أخرج إِلَى مَذْهَب الجبرية. وَرُبمَا وَقعت الْغَلَبَة لآدَم لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه لَيْسَ لمخلوق أَن يلوم مخلوقا فِيمَا قضي عَلَيْهِ، إِلَّا أَن يَأْذَن الشَّرْع بلومه، فَيكون هُوَ اللائم، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: ((إِذا زنت أمة أحدكُم فليجلدها الْحَد وَلَا يثرب)) فَلَمَّا أَخذ مُوسَى يلومه وَلم يُؤذن لَهُ عَارضه بِالْقدرِ فَسكت. وَالثَّانِي: أَن الْمعْصِيَة قد اجْتمع فِيهَا الْقدر وَالْكَسْب، فالتوبة تمحو أثر الْكسْب، وَقد تَابَ الله عَلَيْهِ فَلم يبْق إِلَّا الْقدر، وَالْقدر لَا يتَوَجَّه إِلَيْهِ لوم. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ اجْتمعَا وَمَتى اجْتمعَا؟ فَالْجَوَاب: أَنه يجب الْإِيمَان بِكُل مَا نخبر بِهِ عَن الصَّادِق المصدوق وَإِن لم نطلع على كيفيته، فَمن الْجَائِز اجْتِمَاع الْأَرْوَاح، وَمن الْجَائِز خصومتهما فِي الْقِيَامَة بعد الْحَشْر، وَمن الْجَائِز أَن يكون المُرَاد شرح حَال بِضَرْب مثل: أَي لَو اجْتمعَا قَالَا، وَيكون تَخْصِيص مُوسَى بِالذكر دون غَيره من الْأَنْبِيَاء لِأَنَّهُ أول نَبِي جَاءَ بالتكاليف الشَّدِيدَة. وَهَذَا وَإِن احْتمل فَالْأول الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 أولى لكَونه حَقِيقَة، وَالله وَرَسُوله أعلم بالمراد. وَلَيْسَ هَذَا بِأول خبر يجب علينا الْإِيمَان بِهِ وَإِن جهلنا مَعْنَاهُ، فَإِن عَذَاب الْقَبْر ونعيمه. وسؤال مُنكر وَنَكِير فِيهِ حق، وَلَا يطلع على حَقِيقَة ذَلِك، وَمَتى ضَاقَتْ الْحِيَل فِي كشف المشكلات للإحساس لم يبْق إِلَّا فرض التَّسْلِيم. فَإِن قيل: مَا معنى تَحْدِيد أَرْبَعِينَ سنة فِي الْمَكْتُوب؛ وَفِي الحَدِيث: ((إِن الله قدر الْمَقَادِير قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرضين بِخَمْسِينَ ألف سنة)) . فَالْجَوَاب: أَن المعلومات كلهَا قد أحَاط بهَا الْعلم الْقَدِيم قبل وجود مَخْلُوق، وَلكنه كتبهَا فِي زمَان، فَجَائِز أَن يكون كتب خَطِيئَة آدم قبل أَن يخلقه بِأَرْبَعِينَ عَاما، وَجَائِز أَن تكون الْإِشَارَة إِلَى مُدَّة لبثه طينا، فَإِنَّهُ بَقِي أَرْبَعِينَ سنة طينا، فَكَأَنَّهُ يَقُول: كتب عَليّ قبل أَن أعصي مُنْذُ سواني طينا قبل أَن ينْفخ فِي الرّوح. 1824 - / 2263 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالتسْعين: ((إِن الله حبس عَن مَكَّة الْفِيل، وسلط عَلَيْهَا رَسُوله وَالْمُسْلِمين، وَإِنَّهَا لَا تحل لأحد قبلي، وَإِنَّمَا أحلّت لي سَاعَة من نَهَار)) . كَانَ أَبْرَهَة بن الأشرم قد بنى بيعَة وَقَالَ: لأضيفن إِلَيْهَا حج الْعَرَب، فَسمع بذلك رجل من بني كنَانَة فَدَخلَهَا لَيْلًا فأحدث فِيهَا، فَبلغ ذَلِك أَبْرَهَة، فَحلف ليسيرن إِلَى الْكَعْبَة وليهدمنها، فَسَار بجُنُوده الحديث: 1824 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 واستصحب الْفِيل، فَلَمَّا دنا من مَكَّة أَمر أَصْحَابه بالغارة على نعم النَّاس، فَأَصَابُوا إبِلا لعبد الْمطلب، وَبعث أَبْرَهَة بعض جُنُوده فَقَالَ: سل عَن شرِيف مَكَّة وَأخْبرهُ أَنِّي لم آتٍ لقِتَال إِنَّمَا جِئْت لأهدم هَذَا الْبَيْت. فَانْطَلق فلقي عبد الْمطلب، فَقَالَ: إِن الْملك أَرْسلنِي إِلَيْك لأخبرك أَنه لم يَأْتِ لقِتَال إِلَّا أَن تقاتلوه، إِنَّمَا جَاءَ لهدم هَذَا الْبَيْت ثمَّ ينْصَرف عَنْكُم، فَقَالَ عبد الْمطلب: مَاله عندنَا قتال، وَمَا لنا بِهِ يدان، سنخلي بَينه وَبَين مَا جَاءَ لَهُ، فَإِن هَذَا بَيت الله الْحَرَام وَبَيت خَلِيله إِبْرَاهِيم، فَإِن يمنعهُ فَهُوَ بَيته، وَإِن يخل بَينه وَبَين ذَلِك فوَاللَّه مَا لنا بِهِ قُوَّة. قَالَ: فَانْطَلق معي إِلَى الْملك، فَانْطَلق، فَلَمَّا دخل على أَبْرَهَة أكْرمه وأجله، وَقَالَ لِترْجُمَانِهِ: قل: مَا حَاجَتك؟ فَقَالَ لَهُ الترجمان، فَقَالَ: حَاجَتي أَن يرد عَليّ مِائَتي بعير أَصَابَهَا. فَقَالَ أَبْرَهَة لِترْجُمَانِهِ: قل لَهُ، لقد كنت أعجبتني حِين رَأَيْتُك، وَلَقَد زهدت الْآن فِيك؛ جِئْت إِلَى بَيت هُوَ دينك وَدين آبَائِك لأهدمه فَلم تكلمني فِيهِ وكلمتني فِي إبل أصبتها. فَقَالَ عبد الْمطلب: أَنا رب هَذِه الْإِبِل، وَلِهَذَا الْبَيْت رب سيمنعه. فَأمر بإبله فَردَّتْ عَلَيْهِ، فَخرج فَأخْبر قُريْشًا، وَأمرهمْ أَن يتفرقوا فِي الشعاب ورؤوس الْجبَال تخوفا عَلَيْهِم من معرة الْجَيْش إِذا دخل، فَفَعَلُوا، وأتى عبد الْمطلب الْكَعْبَة فَأخذ بِحَلقَة الْبَاب وَجعل يَقُول: (يَا رب لَا أَرْجُو لَهُم سواكا ... يَا رب فامنع مِنْهُم حماكا) (إِن عَدو الْبَيْت من عاداكا ... امنعهم أَن يخربوا قراكا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 وَقَالَ أَيْضا: (لَا هم إِن الْمَرْء يمْنَع ... رَحْله فامنع حلالك) (لَا يغلبن صليبهم ... ومحالهم غدوا محالك) (جروا جموع بِلَادهمْ ... والفيل كي يسبوا عِيَالك) (عَمدُوا حماك بكيدهم ... جهلا وَمَا رقبوا جلالك) (إِن كنت تاركهم وكعبتنا ... - فَأمر مَا بدا لَك) ثمَّ إِن أَبْرَهَة أصبح متهيأ للدخول، فبرك الْفِيل فبعثوه فَأبى، فضربوه فَأبى، فوجهوه إِلَى الْيمن رَاجعا فهرول، ووجهوه إِلَى الشَّام فهرول، وَإِلَى الْمشرق فَكَذَلِك، فوجهوه إِلَى الْحرم فَأبى، وَأرْسل الله تَعَالَى عَلَيْهِم طيرا من الْبَحْر، وَاخْتلفُوا فِي صفتهَا: فَقَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَت لَهَا خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكف الْكلاب. وَقَالَ عِكْرِمَة: كَانَت لَهَا رُؤُوس كرؤوس السبَاع. وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: كَانَت كالخطاطيف. وَاخْتلفُوا فِي ألوانها على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنَّهَا كَانَت خضرًا، قَالَه عِكْرِمَة. وَالثَّانِي: سُودًا، قَالَه عبيد بن عُمَيْر: وَالثَّالِث: بيضًا، قَالَه قَتَادَة. قَالَ: وَكَانَ مَعَ كل طَائِر ثَلَاثَة أَحْجَار: حجران فِي رجلَيْهِ وَحجر فِي منقاره. وَاخْتلفُوا فِي صفة الْحِجَارَة: فَقَالَ بَعضهم: كَانَت كأمثال الحمص والعدس، وَقَالَ عبيد بن عُمَيْر: بل كَانَ الْحجر كرأس الرجل وكالجمل، فَلَمَّا غشيت الْقَوْم أرسلها عَلَيْهِم، فَكَانَ الْحجر يَقع على رَأس الرجل فَيخرج من دبره، وَبعث الله على أَبْرَهَة دَاء فِي جسده، فتساقطت أنامله وانصدع صَدره قطعتين عَن قلبه فَهَلَك، وَرَأى أهل مَكَّة الطير قد أَقبلت من نَاحيَة الْبَحْر فَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 عبد الْمطلب: إِن هَذِه الطير غَرِيبَة، ثمَّ بعث ابْنه عبد الله على فرس لينْظر، فَرجع يرْكض وَيَقُول: هلك الْقَوْم جَمِيعًا، فَخرج عبد الْمطلب وَأَصْحَابه فغنموا أَمْوَالهم، وَقيل: لم ينج مِنْهُم إِلَّا أَبُو يكسوم، فَسَار وطائر يطير من فَوْقه وَلَا يشْعر بِهِ حَتَّى دخل على النَّجَاشِيّ فَأخْبرهُ بِمَا أصَاب الْقَوْم، فَلَمَّا أتم كَلَامه رَمَاه الطير فَمَاتَ. وَقد اعْترض بعض الْمُلْحِدِينَ فَقَالَ: لم حبس الْفِيل فِي زمَان الْجَاهِلِيَّة عَن الْكَعْبَة، وَلم يمْنَع الْحجَّاج وَقد نصب المنجنيق على الْكَعْبَة وَقتل ابْن الزبير وَسَفك بهَا الدَّم الْحَرَام، وَلم يحبس عَنْهَا القرامطة وَقد سلبوا الْكَعْبَة ومرقوا حطيمها وقلعوا الْحجر وَقتلُوا الْحَاج عِنْد الْكَعْبَة؟ فَأجَاب بعض الْعلمَاء بِأَن حبس الْفِيل كَانَ علما لنبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ كَانَ آباؤه عمارها، فَكَانَ ذَلِك حجَّة عَلَيْهِم فِي إِثْبَات نبوته، فَأَما إِذْ أقرّ الله الدّين وأعز أنصاره، فَلم يكن مَا جرى عَلَيْهَا مضرا بِالدّينِ وَلَا قادحا فِي بصائر الْمُؤمنِينَ. وَقَوله: ((وسلط عَلَيْهَا رَسُوله وَالْمُؤمنِينَ)) دَلِيل على أَنَّهَا فتحت عنْوَة. وَقَوله: ((وَمن قتل لَهُ قَتِيل فَهُوَ بِخَير النظرين: إِمَّا أَن يفدى، أَو يقتل)) فِيهِ بَيَان أَن ولي الْقَتِيل بِالْخِيَارِ بَين أحد أَمريْن أَيهمَا شَاءَ أعْطِيه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 وَإِلَى هَذَا ذهب فُقَهَاء الْحجاز، وَقَالَ أهل الْعرَاق: لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْقصاص، فَإِن ترك حَقه مِنْهُ لم يكن لَهُ أَن يَأْخُذ الدِّيَة. وَأما أَبُو شاه فَإِنَّهُ رجل من الْيمن، وَأَرَادَ: اكتبوا لي هَذِه الْخطْبَة، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((اكتبوا لأبي شاه)) وَفِي هَذَا دَلِيل على جَوَاز كِتَابَة الْعلم، وَأَن النَّهْي عَن كِتَابَة غير الْقُرْآن مَنْسُوخ. وَقد سبق بَيَان بَاقِي الحَدِيث فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1825 - / 2264 - وَقد سبق الْكَلَام فِي الحَدِيث السَّابِع وَالتسْعين: فِي مُسْند ابْن عمر. 1826 - / 2265 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالتسْعين: ((من كَانَت لَهُ أَرض فليزرعها أَو ليمنحها أَخَاهُ)) قد بَينا هَذَا فِيمَا تقدم. وَذكرنَا فِي مُسْند رَافع بن خديج أَنهم كَانُوا يكرون الأَرْض بِمَا يخرج من بَعْضهَا، فنهوا عَن ذَلِك. 1827 - / 2266 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالتسْعين: ((لَا تنْكح الأيم حَتَّى تستأمر، وَلَا تنْكح الْبكر حَتَّى تستأذن)) قَالُوا: كَيفَ إِذْنهَا؟ قَالَ ((أَن تسكت)) . الحديث: 1825 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 الأيم هَا هُنَا هِيَ الْمَرْأَة الَّتِي يطلقهَا زَوجهَا أَو يَمُوت عَنْهَا. فَإِن قيل: مَا الْفرق بَين الإستئمار والإستئذان؟ فقد فرق الْخطابِيّ فَقَالَ: الإستئمار: طلب الْأَمر من قبلهَا، وأمرها لَا يكون إِلَّا بنطق. فَأَما الإستئذان فَهُوَ طلب الْإِذْن، وإذنها قد يعلم بسكوتها، لِأَنَّهَا إِذا سكتت اسْتدلَّ بِهِ على رِضَاهَا. وَقد اتّفق الْعلمَاء على أَن الثّيّب الْبَالِغ لَا يجوز لأَبِيهَا إجبارها على النِّكَاح، لِأَنَّهَا قد عرفت وجربت. وَاخْتلفُوا فِي الثّيّب الصَّغِيرَة: فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يجوز لَهُ إجبارها، وَلنَا وَجْهَان. وَلَا فرق عندنَا بَين حُصُول الثيوبة بِوَطْء مُبَاح أَو محرم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: إِذا حصلت الثيوبة بِوَطْء محرم كَانَ حكمهَا حكم الْبكر. فَأَما الْبكر فَإِن كَانَت بَالغا فَهَل يملك الْأَب إجبارها على النِّكَاح؟ فِيهِ عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: يملك، وَحمل الحَدِيث على غير الْأَب. وَالثَّانيَِة: لَا يملك، كَقَوْل أبي حنيفَة. وَإِن لم تكن بَالغا فَلَا يَخْلُو من أَمريْن: إِمَّا أَن تكون قد بلغت تسع سِنِين فَلَا إِذن لَهَا، وَلَا يجوز لغير الْأَب - عندنَا - تَزْوِيجهَا، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز لكل وَارِث. وَعَن أبي حنيفَة أَيْضا: يجوز لكل عصبَة، وَيكون لَهَا الْخِيَار بعد الْبلُوغ، وَعند أَحْمد مثله. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز للْجدّ. وَأما إِذن الثّيّب فَهُوَ النُّطْق، وَإِذن الْبكر الصمات. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 1828 - / 2267 - وَفِي الحَدِيث الْمِائَة: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من فتْنَة الْمحيا وَالْمَمَات)) . أما فتن الْمحيا فَأكْثر من أَن تحصر. وَأما فتْنَة الْمَمَات فتحتمل شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: حَالَة الْمَوْت؛ فَإِن الشَّيْطَان يفتن الْآدَمِيّ حِينَئِذٍ، تَارَة بتشكيكه فِي خالقه وَفِي معاده، وَتارَة بالتسخط على الأقدار، وَتارَة بإعراضه عَن التهيؤ للقدوم إِلَى ربه بتوبة من زلَّة، واستدراك لهفوة، إِلَى غير ذَلِك. وَالثَّانِي: أَنَّهَا فتْنَة الْقَبْر بعد الْمَوْت. أما الْمَسِيح الدَّجَّال فقد سبق ذكره فِي مُسْند ابْن عمر. 1829 - / 2268 - وَفِي الحَدِيث الأول بعد الْمِائَة: ((إِن الله يغار)) وَقد سبق فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 1830 - / 2269 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي بعد الْمِائَة: سجد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي: {إِذا السَّمَاء انشقت} و {اقْرَأ باسم رَبك} . هَذَا دَلِيل على صِحَة مَذْهَبنَا، خلافًا لإحدى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك فِي قَوْله: لَا سُجُود فِي الْمفصل. 1830 - / 2270 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث بعد الْمِائَة: ((لَا يتقدمن أحدكُم رَمَضَان بِصَوْم يَوْم أَو يَوْمَيْنِ إِلَّا أَن يكون رجل كَانَ يَصُوم صوما فليصمه)) . الحديث: 1828 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 فِي هَذَا إِشَارَة إِلَى مَا فعل النَّصَارَى فِي صومهم، فَإِنَّهُم زادوا فِيهِ، وتحذير من مثل ذَلِك، وَأمر بِالْوُقُوفِ على حُدُود الشَّرْع، وإفراد الْفَرْض من غَيره ليتميز التَّطَوُّع من الْفَرْض. 1831 - / 2271 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع بعد الْمِائَة: ((من أنْفق زَوْجَيْنِ فِي سَبِيل الله دَعَاهُ خَزَنَة الْجنَّة: أَي فل، هَلُمَّ)) . الزَّوْج فِي اللُّغَة: كل شَيْء كَانَ لَهُ قرين من جنسه، فَهُوَ اسْم يَقع على كل وَاحِد من المقترنين، يُقَال: لفُلَان زوجان من حمام، أَي ذكر وَأُنْثَى، وَقد جَاءَ فِي حَدِيث أبي ذَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ((من أنْفق زَوْجَيْنِ من مَاله ابتدرته حجبة الْجنَّة)) فَقيل: مَا هَذَانِ الزَّوْجَانِ؟ قَالَ: ((إِن كَانَ خيلا ففرسان، وَإِن كَانَت إبِلا فبعيران)) حَتَّى عد أَصْنَاف المَال كُله. وَقَوله: ((أَي فل)) ترخيم فلَان. وَقَوله: ((هَلُمَّ)) قَالَ سِيبَوَيْهٍ: هَلُمَّ ((هَا)) ضمت إِلَيْهَا لم وجعلتا كالكلمة الْوَاحِدَة. وَأكْثر اللُّغَات أَن يُقَال: هَلُمَّ للْوَاحِد والاثنين وَالْجَمَاعَة، بذلك جَاءَ الْقُرْآن. وَمن الْعَرَب من يثني وَيجمع وَيُؤَنث، فَيَقُول للذّكر: هَلُمَّ، وللمرأة: هَلُمِّي، وللإثنين: هلما، وللجماعة: هلموا، وللنسوة: هلممن. وَقَالَ الْخَلِيل: أَصْلهَا لم الحديث: 1831 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 وزيدت الْهَاء فِي أَولهَا. وَقَالَ الْفراء: بل أَصْلهَا: هَل، ضمت إِلَيْهَا أم، والرفعة الَّتِي فِي اللَّام من همزَة أم لما تركت انْتَقَلت إِلَى مَا قبلهَا. وَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي: معنى هَلُمَّ: أقبل، وَأَصله أم يَا رجل: أَي اقصد، فضموا هَل إِلَى أم وجعلوها حرفا وَاحِدًا، وأزالوا أم عَن التَّصَرُّف، وحولوا ضمة همزَة أم إِلَى اللَّام، وأسقطوا الْهمزَة فاتصلت الْمِيم بِاللَّامِ. وَإِذا قَالَ الرجل للرجل: هَلُمَّ، فَأَرَادَ أَن يَقُول لَا أفعل، قَالَ: لَا أهلم. والتوى مَقْصُور: وَهُوَ الْهَلَاك. يُقَال: توى مَاله توى شَدِيدا، قَالَه الْأَصْمَعِي: فَإِن قيل: إِذا كَانَت الْمنَازل تَتَفَاوَت، فَكيف يَقُول كل خَازِن من خَزَنَة الْجنَّة عَن بَابه: هَذَا خير؟ فَالْجَوَاب: أَنه لاطلاعه على مَا هُوَ خازنه وَنَظره فِي عجائبه يظنّ أَنه لَا يكون شَيْء خيرا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لم يطلع على غَيره. وَأما تَسْمِيَته بَاب الصَّوْم بِبَاب الريان فَإِنَّهُ لَائِق بِالْحَال؛ لِأَن جَزَاء الصَّائِم والعطشان أَن يرْوى، فَسُمي باسم الْجَزَاء، وَلم يحسن أَن يُقَال: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 بَاب الصَّوْم، لما يتضمنه من الْمَشَقَّة. 1832 - / 2275 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن بعد الْمِائَة: جَاءَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، هَلَكت. قَالَ: ((مَالك؟)) قَالَ: وَقعت على امْرَأَتي وَأَنا صَائِم ... فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: فَأتي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعرق فِيهِ تمر، قَالَ: ((خُذ هَذَا فَتصدق بِهِ)) فَقَالَ الرجل: أَعلَى أفقر مني؟ فوَاللَّه مَا بَين لابتيها أهل بَيت أفقر مني. وَفِي رِوَايَة: أَن رجلا أفطر فِي رَمَضَان، فَأمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يكفر بِعِتْق رَقَبَة. أما الْعرق فَفِي الحَدِيث أَنه المكتل الضخم. وَقَالَ أَبُو عبيد: الْعرق: السفيفة المنسوجة وَمن الخوص قبل أَن يَجْعَل مِنْهَا زبيل، فَسُمي الزبيل عرقا لذَلِك، وَيُقَال: العرقة أَيْضا، وكل شَيْء مصطف مثل الطير إِذا صفت فِي السَّمَاء فَهِيَ عرقة، قَالَ أَبُو كَبِير: (نغدو فنترك فِي المزاحف من ثوى ... ونمر فِي العرقات من لم يقتل) والعرقات: النسوع، وَالْمعْنَى نأسرهم ونشدهم. واللابة: الْحِجَارَة السود. وَقد سبقت فِي مَوَاضِع. وأصل ذَلِك فِي أطناب الْبيُوت، فَشبه الْمَدِينَة ببساط، واللابتين بطنبين. وَاعْلَم أَن هَذِه الْكَفَّارَة إِنَّمَا تجب بِالْوَطْءِ فَحسب، وَهَذَا مَذْهَب أَحْمد وَالشَّافِعِيّ، إِلَّا أَن بعض الروَاة روى هَذَا الحَدِيث بِالْمَعْنَى فَقَالَ: إِن رجلا أفطر فِي رَمَضَان فَأمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعِتْق رَقَبَة، فَبنى عَلَيْهِ الحديث: 1832 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 قوم من الْفُقَهَاء، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا أفطر بِالْأَكْلِ وَالشرب وَجَبت الْكَفَّارَة، إِلَّا أَن يفْطر ببلع الْحَصَاة وَمَا فِي مَعْنَاهَا وبالقيء وبالسعوط. وَقَالَ مَالك: تجب الْكَفَّارَة بِجَمِيعِ ذَلِك. فَإِن قَالَ الْخصم: فقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بلفظين آخَرين: أَحدهَا: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر الَّذِي أفطر يَوْمًا من رَمَضَان بكفارة الظِّهَار. وَالثَّانِي: أَن رجلا أكل فِي رَمَضَان، فَأمره بِالْكَفَّارَةِ. وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص قَالَ: جَاءَ رجل فَقَالَ: أفطرت يَوْمًا من رَمَضَان مُتَعَمدا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((أعتق رَقَبَة)) وروت عَائِشَة أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، احترقت، أفطرت فِي رَمَضَان، فَأمره بالتكفير. وَالْجَوَاب: أَن هَذِه الْأَحَادِيث كلهَا هِيَ حَدِيث الْأَعرَابِي الَّذِي وَقع على أَهله وَإِنَّمَا عبر بعض الروَاة عَن الْجِمَاع بِالْفطرِ، والْحَدِيث مُبين فِي الصِّحَاح وَالْمَسَانِيد. قَالَ الدراقطني: أَكثر الروَاة بينوا أَن إفطار ذَلِك الرجل بِالْجِمَاعِ، وَأما اللَّفْظ الَّذِي فِيهِ أَنه أمره بكفارة الظِّهَار فيرويه يحيى الْحمانِي، وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: كَانَ يكذب جهارا، وَقَالَ الدراقطني: إِنَّه مُرْسل. وَأما اللَّفْظ الَّذِي فِيهِ أَن رجلا أكل فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 رَمَضَان، فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يرويهِ أَبُو معشر نجيح، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ يحيى بن معِين: يبْقى من حَدِيثه الْمسند. وَقَالَ مرّة: لَيْسَ بِشَيْء. وأصل هَذَا الحَدِيث أَن رجلا أفطر، كَذَلِك رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، فَعدل بِهِ الرَّاوِي إِلَى: أكل، لِأَن المجامع مفطر. وَلَفظ حَدِيث عَائِشَة الَّذِي فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) : احترقت، أصبت أَهلِي فِي رَمَضَان. وَقَوله فَضَحِك حَتَّى بَدَت أنيابه. قد بَينا الأنياب والنواجذ فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. وَقَوله: ((أطْعمهُ أهلك)) اعْلَم أَن كَفَّارَة الْجِمَاع على رِوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد: إِحْدَاهمَا: أَنَّهَا على التَّخْيِير بَين الْعتْق وَالصِّيَام وَالْإِطْعَام، فبأيها كفر أَجزَأَهُ. وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: على التَّرْتِيب، فقد كَانَ يجب على هَذَا الرجل عتق رَقَبَة، فَإِن لم يجد وَجب عَلَيْهِ صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين، فَإِن لم يسْتَطع وَجب عَلَيْهِ إطْعَام سِتِّينَ مِسْكينا، فَإِن لم يجد سَقَطت. فَأعْطَاهُ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أعطَاهُ وَقَالَ: ((تصدق بِهِ)) ظنا مِنْهُ أَنه يُعينهُ على الْكَفَّارَة، وَأَنه قد يجد بَعْضهَا، فَلَمَّا أخبرهُ بِشدَّة فقره أسقط الْوُجُوب عَنهُ، وَقَالَ: ((أطْعمهُ أهلك)) . وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا خَاص لذَلِك الرجل. قَالَ: وَقَالَ قوم: هَذَا مَنْسُوخ وَلم يذكر مَا نسخه. قَالَ: وَأحسن مَا سَمِعت فِيهِ قَول الْبُوَيْطِيّ: إِنَّه لما أخبرهُ بحاجته لم ير أَن يتَصَدَّق على غَيره، وَأمره بِأَكْلِهِ، وَبقيت الْكَفَّارَة فِي ذمَّته إِلَى أَن يجد وَفَاء. قلت: فدعوى الْخُصُوص والنسخ وَبَقَاء الْكَفَّارَة فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 ذمَّته لَا دَلِيل على شَيْء مِنْهُ، وَالَّذِي ذَهَبْنَا إِلَيْهِ أصح. 1833 - / 2276 - والْحَدِيث التَّاسِع بعد الْمِائَة: حَدِيث الَّذِي قَالَ لِبَنِيهِ: إِذا مت فأحرقوني. وَقد سبق فِي مُسْند أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَحُذَيْفَة. 1834 - / 2277 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر بعد الْمِائَة: ((من حلف مِنْكُم فَقَالَ فِي حلفه: وَاللات والعزى، فَلْيقل: لَا إِلَه إِلَّا الله. وَمن قَالَ لصَاحبه: تعال أقامرك، فليتصدق)) . قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: إِنَّمَا أوجب قَول لَا إِلَه إِلَّا الله على من حلف بِاللات شَفَقَة عَلَيْهِ من الْكفْر أَن يكون قد لزمَه، لِأَن الْيَمين إِنَّمَا تكون بالمعبود الْمُعظم، فَإِذا حلف فقد ضاهى الْكفَّار فِي ذَلِك، فَأمر أَن يتداركه بِكَلِمَة التَّوْحِيد المبرئة من الشّرك. قلت: وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد: من سبق لِسَانه إِلَى الْحلف بِاللات لموْضِع الْعَادة قبل الْإِسْلَام فَلْيقل لَا إِلَه إِلَّا الله مستدركا بهَا ذَلِك الْغَلَط. وَهَذَا أبين من قَول الْخطابِيّ، لِأَن الْمُسلم لَا يقْصد الْيَمين بِاللات. وَكَذَلِكَ قَوْله: تعال أقامرك، جري على الْعَادة قبل الْإِسْلَام. وَفِي قَوْله: ((فليتصدق)) قَولَانِ: أَحدهمَا: فليتصدق بِالْمَالِ الَّذِي يُرِيد أَن يقامر عَلَيْهِ، قَالَه الْأَوْزَاعِيّ. وَالثَّانِي: فليتصدق بِصَدقَة تكون الحديث: 1833 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 كَفَّارَة لما جرى على لِسَانه من ذَلِك. 1835 - / 2278 - والْحَدِيث الْحَادِي عشر بعد الْمِائَة: قد سبق فِي مُسْند أبي سعيد الْخُدْرِيّ، إِلَّا أَن فِي هَذَا: ((إِذا تنخع أحدكُم)) والنخامة والنخاعة والبصاق بِمَعْنى وَاحِد، إِلَّا أَن البصاق من أدنى الْفَم، والنخاعة من أقْصَى الْفَم، كَأَنَّهُ مَأْخُوذ من النخاع: وَهُوَ الْخَيط الْأَبْيَض المستبطن فقار الْعُنُق الْمُتَّصِل بالدماغ. 1836 - / 2279 - والْحَدِيث الثَّانِي عشر بعد الْمِائَة: فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 1837 - / 2280 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر بعد الْمِائَة: ((يَأْتِي الشَّيْطَان أحدكُم فَيَقُول: من خلق كَذَا؟ حَتَّى يَقُول: من خلق رَبك؟ فَإِذا بلغه فليستعذ بِاللَّه ولينته)) . الْمَعْنى: فليعرض عَن مساكنة الْفِكر بعد هَذَا؛ فَإِن كل خصم رُبمَا انْتهى جدله، ووسوسة الشَّيْطَان لَا تَنْتَهِي، فَلَيْسَ إِلَّا التَّعَوُّذ وَقطع المساكنة لَهَا، وَإِنَّمَا يَسْتَعِين إِبْلِيس على هَذِه الوسوسة بالحس لَا بِالْعقلِ، والحس لم يعرف وجود شَيْء إِلَّا من شَيْء وبشيء، فَأَما الْعقل فَيقطع على وجود خَالق لَيْسَ بمخلوق، على مَا بَينا فِي مُسْند أنس بن مَالك، فَإِن هَذَا الحَدِيث هُنَاكَ. الحديث: 1835 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 1838 - / 2282 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر بعد الْمِائَة: ((من أدْرك مَاله بِعَيْنِه عِنْد رجل قد أفلس فَهُوَ أَحَق بِهِ من غَيره)) . أصل أفلس أَنه بِمَعْنى صَار ذَا فلوس بعد أَن كَانَ ذَا دَرَاهِم. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي هَذِه الْمَسْأَلَة: فَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: إِذا أفلس المُشْتَرِي بِالثّمن فَوجدَ البَائِع عين مَاله عِنْده والمفلس حَيّ وَلم يقبض البَائِع من ثمنه شَيْئا فَهُوَ أَحَق بِهِ من سَائِر الْغُرَمَاء، فَإِن قبض من الثّمن شَيْئا كَانَ أُسْوَة الْغُرَمَاء. وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ أَحَق بِهِ فِي الْمَوْت والحياة، فَإِن قبض مِنْهُ شَيْئا كَانَ أَحَق بِمَا بَقِي. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ أُسْوَة الْغُرَمَاء بِكُل حَال. 1839 - / 2283 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر بعد الْمِائَة: ((كل أمتِي معافى إِلَّا المجاهرين، وَمن المجاهرة أَن يعْمل الرجل بِاللَّيْلِ عملا ثمَّ يصبح وَقد ستره الله عَلَيْهِ فَيَقُول: يَا فلَان، عملت البارحة كَذَا وَكَذَا، وَقد بَات يستره ربه)) . المجاهرون: الَّذين يجاهرون بالفواحش وَيَتَحَدَّثُونَ بِمَا قد فَعَلُوهُ مِنْهَا سرا، وَالنَّاس فِي عَافِيَة من جِهَة الْهم مستورون، وَهَؤُلَاء مفتضحون. 1840 - / 2284 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر بعد الْمِائَة: ((مَا بَين بَيْتِي الحديث: 1838 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة، ومنبري على حَوْضِي)) . قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: معنى الحَدِيث تَفْضِيل الْمَدِينَة وخصوصا الْبقْعَة الَّتِي بَين الْبَيْت والمنبر، يَقُول: من لزم طَاعَة الله فِي هَذِه الْبقْعَة آلت بِهِ الطَّاعَة إِلَى رَوْضَة من رياض الْجنَّة، وَمن لزم عبَادَة الله عِنْد الْمِنْبَر سقِِي فِي الْقِيَامَة من الْحَوْض. 1841 - / 2285 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر بعد الْمِائَة: ((سَبْعَة يظلهم الله فِي ظله)) فَذكر فيهم: رجلا قد تصدق بِصَدقَة فأخفاها حَتَّى لَا تعلم شِمَاله مَا تنْفق يَمِينه. قد ذكر النَّاس فِي هَذَا أقوالا: فَقَالَ بَعضهم: لَا يعلم جليسه عَن شِمَاله. وَقَالَ قوم: لَا يرائي بِنَفَقَتِهِ فَلَا يَكْتُبهَا صَاحب الشمَال. وَالصَّوَاب أَنه للْمُبَالَغَة، وَأَنه بَالغ فِي الكتم، فَلَو تصور أَن لَا تعلم شِمَاله مَا علمت. 1842 - / 2286 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر بعد الْمِائَة: ((إِن الْإِيمَان ليأرز إِلَى الْمَدِينَة)) أَي يجْتَمع إِلَيْهَا بِهِجْرَة الْمُهَاجِرين. 1843 - / 2287 - والْحَدِيث الْعشْرُونَ بعد الْمِائَة: قد سبق فِي مُسْند أبي سعيد وَغَيره. الحديث: 1841 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 1844 - / 2288 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: ((يُوشك الْفُرَات أَن يحسر عَن كنز من ذهب)) وَفِي رِوَايَة ((عَن جبل)) . يُوشك: أَي يقرب، يُقَال: أوشك الشَّيْء، وَأمر وشيك: أَي قريب. ويحسر: يكْشف. 1845 - / 2289 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: ((إِن العَبْد ليَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ مَا يتَبَيَّن فِيهَا، يزل بهَا فِي النَّار أبعد من الْمشرق وَالْمغْرب)) . يتَبَيَّن من الْبَيَان: أَي إِنَّه مَا بَينهَا بِعِبَارَة تَامَّة. والبال: الْقلب. ويلقي بِالْقَافِ من الْإِلْقَاء، كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَو ألْقى السّمع} [ق: 37] أَي أحضرهُ. وَالْمعْنَى: لَا يحضر لَهَا قلبه كل الْحُضُور. وَمن قَرَأَهُ بِالْفَاءِ فغلط؛ لِأَنَّهُ لَا معنى لَهُ هَا هُنَا. وَهَذِه الْكَلِمَات لَيست مِمَّا تعلم عَنهُ، بل لَو قَالَ للوالي الجائر: النَّاس فِي زَمَانك فِي عَيْش. أَو قَالَ عِنْد غيبَة الْمُسلم: يسْأَل الله الْعَافِيَة، خفت أَن تكون هَذِه من كَلِمَات الشَّرّ الَّتِي تووعد عَلَيْهَا. وَلَو قَالَ للجائر: إِنَّك مسئول عَن رعيتك، رَجَوْت أَن تكون من الْكَلِمَات الَّتِي يرفع بهَا. الحديث: 1844 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 1846 - / 2290 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: ((إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من مَنَامه فليستنثر ثَلَاث مَرَّات، فَإِن الشَّيْطَان يبيت على خياشيمه)) . النثرة: الْأنف. والخياشيم: الأنوف. فَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ الإستنشاق، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ الإمتخاط. 1847 - / 2291 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: نهى أَن تنْكح الْمَرْأَة على عَمَّتهَا، وَالْمَرْأَة على خَالَتهَا. إِنَّمَا نهى عَن الْجمع بَين هَاتين لِأَن التنافس يَقع بَين الضرائر فَيحصل بَين هَاتين التقاطع. وَقَوله: ((طَلَاق أُخْتهَا)) ينْهَى ضَرَّتهَا، فَهِيَ أُخْتهَا فِي الْإِسْلَام ومماثلتها فِي الزَّوْج. وتكتفىء ((تفتعل)) : من كفأت الْقدر: إِذا كببتها لتفرغ مَا فِيهَا. والصحفة: الْقَصعَة. وَقد بَينا فِي الحَدِيث الْخمسين من هَذَا الْمسند أَن النَّهْي عَن خطْبَة الرجل على خطْبَة أَخِيه إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا كَانَت الْمَرْأَة قد سكنت إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فِي السّوم. 1848 - / 2292 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: ((يُسْتَجَاب لأحدكم مَا لم يعجل، يَقُول: قد دَعَوْت فَلم يستجب لي، الحديث: 1846 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 فيستحسر عِنْد ذَلِك ويدع الدُّعَاء)) . اعْلَم أَن الله عز وَجل لَا يرد دُعَاء الْمُؤمن، غير أَنه قد تكون الْمصلحَة فِي تَأْخِير الْإِجَابَة، وَقد لَا يكون مَا سَأَلَهُ مصلحَة فِي الْجُمْلَة فيعوضه عَنهُ مَا يصلحه. وَرُبمَا أخر تعويضه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. فَيَنْبَغِي لِلْمُؤمنِ أَلا يقطع الْمَسْأَلَة لِامْتِنَاع الْإِجَابَة؛ فَإِنَّهُ بِالدُّعَاءِ متعبد، وبالتسليم إِلَى مَا يرَاهُ الْحق لَهُ مصلحَة مفوض. ويستحسر بِمَعْنى يَنْقَطِع، من قَوْله عز وَجل: {وَلَا يستحسرون} [الْأَنْبِيَاء: 19] . 1849 - / 2293 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: ((لِأَن يحتطب أحدكُم حزمة على ظَهره خير من أَن يسْأَل)) وَهَذَا سبق فِي مُسْند الزبير. وَفِيه ((ذَلِك بِأَن الْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى)) وَهَذَا قد تقدم فِي مُسْند ابْن عمر. 1850 - / 2294 - والْحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَة: قد تقدم فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. الحديث: 1849 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 1851 - / 2295 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: ((من قذف مَمْلُوكه وَهُوَ بَرِيء مِمَّا قَالَ جلد يَوْم الْقِيَامَة)) . اعْلَم أَن الْمَمْلُوك عبد لله كَمَا أَن الْمَالِك عبد لَهُ، وَالْحق عز وَجل عَادل، فَإِذا لم يجلد لموْضِع قذفه لَهُ فِي الدُّنْيَا من جِهَة استعلائه عَلَيْهِ بالملكة جلد لَهُ فِي الْقِيَامَة. أخبرنَا الْمُبَارك بن أَحْمد الْأنْصَارِيّ قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن بن عبد الْجَبَّار قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن عَليّ ابْن الْفَتْح قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن الْحُسَيْن بن سكينَة قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد ابْن الْقَاسِم بن مهْدي قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن أَحْمد بن أبي قيس قَالَ: أَنبأَنَا أَبُو بكر الْقرشِي قَالَ: حَدثنِي هَارُون بن سُفْيَان قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن عمر عَن إِسْمَاعِيل بن أبي سعيد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من النَّاس من يقتل يَوْم الْقِيَامَة وَيقطع، يقْتَصّ مِنْهُ. وَعَن إِسْمَاعِيل بن أبي سعيد عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: إِن من النَّاس من يقتل يَوْم الْقِيَامَة ألف قتلة، يَعْنِي: يقْتَصّ مِنْهُ. 1852 - / 2296 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: ((من غَدا إِلَى الْمَسْجِد أَو رَاح أعد الله لَهُ نزلا)) . النزل: مَا يهيأ للنزيل، والنزيل: الضَّيْف. 1853 - / 2297 - وَفِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: ((لَيْسَ الْمِسْكِين بِالَّذِي ترده التمرة وَالتَّمْرَتَانِ، إِنَّمَا الْمِسْكِين الَّذِي يتعفف)) . الحديث: 1851 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 الْمِسْكِين اسْم مَأْخُوذ من المسكنة، والمسكنة ((مفعلة)) من السّكُون، كَأَن الْحَاجة أسكنته ومنعته التَّصَرُّف. وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي صفة الْفَقِير والمسكين على سِتَّة أَقْوَال قد ذَكرنَاهَا فِي التَّفْسِير. والمنصور مِنْهَا عندنَا أَن الْمِسْكِين أحسن حَالا من الْفَقِير؛ لِأَن الْفَقِير أَصله فِي اللُّغَة المفقور الَّذِي نزعت فقرة من فقر ظَهره، فَكَأَنَّهُ انْقَطع ظَهره من شدَّة الْفقر، فصرف عَن مفقور إِلَى فَقير، كَمَا قيل: جريح وطريح وطبيخ، حَكَاهُ ابْن الْأَنْبَارِي وَغَيره. إِلَّا أَن هَذَا الحَدِيث قد جعل من لَا يسْأَل لسكوته أعظم حَاجَة من السَّائِل، وَقد نبه على تحري المتعففين بِالصَّدَقَةِ دون الملحفين؛ فَإِن الْمُلْحِف غَنِي بسؤاله، والإلحاف كَثْرَة السُّؤَال. 1854 - / 2298 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: ((مَا يُصِيب الْمُؤمن من وصب وَلَا نصب حَتَّى الْهم إِلَّا كفر بِهِ من سيئاته)) . الوصب: الْمَرَض والألم. وَالنّصب: الإعياء والتعب. والهم: مرض يخْتَص بِهِ الْبَاطِن، فَلذَلِك يكفر بِهِ عَن السَّيِّئَات. 1855 - / 2299 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: ((أمرت بقرية تَأْكُل الْقرى يَقُولُونَ يثرب، وَهِي الْمَدِينَة)) . الْقرْيَة: اسْم لما يجمع جمَاعَة من النَّاس، وَهُوَ مَأْخُوذ من الْجمع، وَمِنْه: قريت المَاء فِي الْحَوْض. الحديث: 1854 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 وَفِي معنى تَأْكُل الْقرى قَولَانِ: أَحدهمَا: يَأْكُل أَهلهَا الْقرى: أَي يفتحون الْقرى فيأكلونها. أخبرنَا عبد الْحق بن عبد الْخَالِق قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد لن مَرْزُوق قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن أَحْمد بن عمر الْمُقْرِئ قَالَ: أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن عَليّ الخطبي قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: سَمِعت أبي يَقُول فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((أمرت بقرية تَأْكُل الْقرى)) قَالَ: تَفْسِيره - وَالله أعلم - تفتح الْقرى، فتحت مَكَّة بِالْمَدِينَةِ، وَمَا حول الْمَدِينَة بهَا. وَالثَّانِي: تفرغ الْقرى بِوُجُوب الْهِجْرَة إِلَيْهَا، فَكَأَنَّهَا أكلتها. وَأما يثرب فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يثرب اسْم أَرض، ومدينة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نَاحيَة مِنْهَا. وَالْمَدينَة إِذا أطلقت أُرِيد بهَا دَار الْهِجْرَة الَّتِي فِيهَا بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومنبره وقبره. وَقد سبق بَيَان اشتقاق الْمَدِينَة فِي أول الْكتاب. وَقَوله: ((تَنْفِي النَّاس)) أَي تخرج من لَا يصلح ((كَمَا يَنْفِي الْكِير)) وَهُوَ الْمَبْنِيّ للنار الَّتِي يدْخل فِيهَا الْحَدِيد. وخبث الْحَدِيد: رَدِيئَة. 1856 - / 2300 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: ((إِن الرَّحِم شجنة من الرَّحْمَن)) . الحديث: 1856 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 أَي وَصله. وأصل ذَلِك الْغُصْن من أَغْصَان الشّجر إِذا التف بِالْآخرِ، قَالَ أَبُو عبيد: شجنة: أَي قرَابَة مشتبكة كاشتباك الْعُرُوق، وَكَأن قَوْلهم: ((الحَدِيث ذُو شجون)) مِنْهُ، إِنَّمَا هُوَ تمسك بعضه بِبَعْض وَقَالَ: هَذَا شجر متشجن: إِذا التف بعضه بِبَعْض. والشجنة والشجنة كالغصن يكون من الشّجر. وَهَذَا الحَدِيث لَا يَخْلُو مَعْنَاهُ من أحد شَيْئَيْنِ: إِمَّا أَن يُرَاد أَن الْحق عز وَجل يُرَاعِي الرَّحِم بوصل من وَصلهَا وَقطع من قطعهَا وَالْأَخْذ لَهَا بِحَقِّهَا، كَمَا يُرَاعِي الْقَرِيب قرَابَته، فَإِنَّهُ يزِيدهُ فِي المراعاة على الْأَجَانِب. أَو أَن يُرَاد أَن الرَّحِم بعض حُرُوف الرَّحْمَن، فَكَأَنَّهُ عظم قدره بِهَذَا الِاسْم. 1857 - / 2302 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: ((مَا تصدق أحد بِصَدقَة من طيب - وَلَا يتَقَبَّل الله إِلَّا الطّيب - إِلَّا أَخذهَا الرَّحْمَن بِيَمِينِهِ)) . الطّيب: الْحَلَال. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: وَإِنَّمَا جرى ذكر الْيَمين ليدل بِهِ على حسن الْقبُول، لِأَن فِي عرف النَّاس أَن أَيْمَانهم مرصدة لما عز من الْأُمُور. وَمعنى التربية المضاعفة. الحديث: 1857 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 وَأما الفلو فَهُوَ المفطوم، يُقَال: فلوته عَن أمه: أَي فَطَمته، وَهُوَ حِينَئِذٍ مُحْتَاج إِلَى تربية غير الْأُم. والفصيل: ولد النَّاقة إِذا فصل عَن أمه، وَأَصله من الْقطع، يُقَال: فصلت الشَّيْء من الشَّيْء. والقلوص: الصَّغِير من الْإِبِل، وَقد ذكرنَا فِيمَا تقدم أَن القلوص النَّاقة القوية على السّير من الْإِبِل، فَيكون الْمَعْنى: كَمَا تربى هَذِه النَّاقة إِلَى أَن تصير قلوصا. 1858 - / 2303 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: ((أَيّمَا رجل أعتق امْرأ مُسلما استنقذ الله بِكُل عُضْو مِنْهُ عضوا مِنْهُ حَتَّى فرجه بفرجه)) . الإستنقاذ: الإستخلاص. والإرب: الْعُضْو. وَفِي هَذَا تَنْبِيه على فضل عتق الذّكر على الْأُنْثَى. 1859 - / 2304 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: ((أذْنب عبد فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي)) فَذكر الحَدِيث، وَأَنه عاود مرَارًا، فَقَالَ الله: ((قد غفرت لعبدي، فَلْيفْعَل مَا شَاءَ)) . وَجه هَذَا الحَدِيث أَن التَّوْبَة لَا تعجز عَن أحد وَإِن عاود الذُّنُوب، الحديث: 1858 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 فَمن صدق فِي تَوْبَته ثمَّ قدر لَهُ أَن يعود من غير عزم عِنْد التَّوْبَة على الْعود، فتوبته مَقْبُولَة. 1860 - / 2305 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: حَدِيث الأبرص والأقرع وَالْأَعْمَى، وَأَن أحدهم أعطي نَاقَة عشراء. العشراء: وَاحِدَة العشار: وَهِي النوق الْحَوَامِل الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا عشرَة أشهر. قَوْله: ((فأنتج هَذَانِ)) الناتج للنوق كالقابلة للنِّسَاء، وَالْمعْنَى: افْتقدَ مَا تَلد عِنْد وِلَادَته. ((وَولد هَذَا)) أَي فعل كَفعل الناتج. والمولدة: الْقَابِلَة. والحبال: العهود والوسائل وكل مَا يُرْجَى بِهِ الْفرج، فَكَأَنَّهُ قَالَ: قد انْقَطَعت بِي الْأَسْبَاب الَّتِي كنت أَرْجُو التَّوَصُّل فِي سَفَرِي. فَلَا بَلَاغ. الْبَلَاغ وَالْبُلُوغ: الْوُصُول إِلَى الْغَرَض الْمَقْصُود. وَقَوله: ((ورثته كَابِرًا عَن كَابر)) أَي كَبِيرا عَن كَبِير فِي الشّرف والعز. وَقَوله: ((لَا أجهدك)) أَي لَا أشق عَلَيْك بِالرَّدِّ والإمتنان. وَقد جَاءَ فِي بعض أَلْفَاظ الصَّحِيح وَلم يذكرهُ الْحميدِي: ((أَن ثَلَاثَة بَدَأَ الله أَن يبتليهم)) كَذَلِك رَوَاهُ الْخطابِيّ وَقَالَ: مَعْنَاهُ: قضى الله، وَهُوَ معنى البدء، لِأَن الْقَضَاء سَابق. قَالَ: وَقد رَوَاهُ بَعضهم: ((بدا لله أَن يبتليهم)) وَهُوَ غلط؛ لِأَن البداء على الله غير جَائِز. الحديث: 1860 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 1861 - / 2306 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: ((آيَة الْمُنَافِق ثَلَاث: إِذا حدث كذب، وَإِذا وعد أخلف، وَإِذا اؤتمن خَان)) . الْآيَة: الْعَلامَة. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: النِّفَاق لفظ إسلامي لم تكن الْعَرَب تعرفه قبل الْإِسْلَام، وَهُوَ مَأْخُوذ من نافقاء اليربوع: وَهُوَ جُحر من جحرته يخرج مِنْهُ إِذا أَخذ عَلَيْهِ الْجُحر الَّذِي دخل فِيهِ، قَالَ: وَقَالَ الزيَادي عَن الْأَصْمَعِي: ولليربوع أَرْبَعَة حجرَة: النافقاء وَهُوَ الَّذِي يخرج مِنْهُ كثيرا وَيدخل مِنْهُ كثيرا. والقاصعاء سمي بذلك لِأَنَّهُ يخرج تُرَاب الْجُحر ثمَّ يقصع بِبَعْضِه، كَأَنَّهُ يسد بِهِ فَم الْجُحر، وَمِنْه يُقَال: جرح فلَان قد قصع بِالدَّمِ: إِذا امْتَلَأَ وَلم يسل. والداماء سمي بذلك لِأَنَّهُ يخرج التُّرَاب من فَم الْجُحر، كَأَنَّهُ يطليه بِهِ، وَمِنْه يُقَال: ادمم قدرك بشحم: أَي اطلها بِهِ. والراهطاء، وَلم يذكر اشتقاقه. وَإِنَّمَا يتَّخذ هَذِه الْحُجْرَة عددا لَهُ، فَإِذا أَخذ عَلَيْهِ بَعْضهَا خرج من بعض. قلت: فَيخرج من هَذَا فِي تَسْمِيَة الْمُنَافِق منافقا ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه يدْخل فِي الْإِسْلَام بِاللَّفْظِ وَيخرج مِنْهُ بِالْعقدِ، كَمَا يدْخل اليربوع من بَاب وَيخرج من بَاب، قَالَه أَبُو زيد النَّحْوِيّ. وَالثَّانِي: أَنه يستر كفره كَمَا يسْتَتر اليربوع. وَالثَّالِث: أَنه يظْهر غير مَا يضمر، كَمَا أَن ظَاهر جُحر الحديث: 1861 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 اليربوع تُرَاب كالأرض وَمَا تَحْتَهُ حفر. وَقَوله: ((وَإِذا وعد أخلف)) خلف الْوَعْد: الرُّجُوع عَنهُ، وَهَذَا مَحْمُول على من وعد وَهُوَ على عزم الْخلف، أَو ترك الْوَفَاء من غير عذر، فَأَما من عزم على الْوَفَاء فَعرض لَهُ عذر مَنعه من الْوَفَاء فَلَيْسَ بمنافق، إِلَّا أَنه يَنْبَغِي أَن يحتزر من صُورَة النِّفَاق كَمَا يحْتَرز من حَقِيقَته. وأصل الْخِيَانَة النَّقْص، يُقَال: فلَان يتخونني حَقي: أَي يتنقصني. 1862 - / 2307 - وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين بعد الْمِائَة: ((إِذا دخل رَمَضَان سلسلت الشَّيَاطِين)) . أَي: جعلت فِي السلَاسِل. فَإِن قيل: إِذا سلسلت الشَّيَاطِين فَكيف تقع الْمعاصِي؟ فَالْجَوَاب: أَن الْمعاصِي تقع بميل الطَّبْع إِلَى الشَّهَوَات الْمُحرمَة، وَلَيْسَ للشَّيْطَان إِلَّا التزيين والتحريض، وَإِذا بعد المحرض عَن الْمِقْدَام لم يبطل إقدامه. 1863 - / 2308 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: انطلقنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ عبد لَهُ، فَجَاءَهُ سهم عائر. العائر من السِّهَام وَالْحِجَارَة: الَّذِي لَا يدرى من أَيْن أَتَى. وَهَذَا العَبْد اسْمه مدعم، وَقد ذكر فِي الحَدِيث. وَكَانَ لرَسُول الله الحديث: 1862 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكثر من أَرْبَعِينَ مولى قد حصرت أَسْمَاءَهُم فِي كتاب ((التلقيح)) . 1864 - / 2310 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: ((اجتنبوا السَّبع الموبقات)) يَعْنِي المهلكات. 1865 - / 2311 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: ((لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يقوم رجل من قحطان يَسُوق النَّاس بعصاه)) . إِنَّمَا ضرب الْعَصَا مثلا، وَالْمعْنَى أَن النَّاس ينقادون وَله ويطيعونه كَمَا ينقاد المسوق بالعصا، وَمثل هَذَا: وَلَا ترفع عصاك عَن أهلك. أَي: لَا تتْرك حملهمْ على الإنقياد والتزام الطَّاعَة، وَلم يرد الْعَصَا الَّتِي يضْرب بهَا. 1866 - / 2312 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: ((يعرق النَّاس حَتَّى يذهب عرقهم فِي الأَرْض سبعين باعا)) . الباع والبوع: مَا بَين طرفِي الذراعين إِذا مدتا يَمِينا وَشمَالًا. وَذكر الإلجام اسْتِعَارَة، وَالْمعْنَى أَنه يبلغ إِلَى آذانهم، وَهُوَ مَوضِع اللجام من الدَّابَّة. 1867 - / 2313 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: {وَآخَرين مِنْهُم لما يلْحقُوا بهم} [الْجُمُعَة: 3] . فَوضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده الحديث: 1864 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 على سلمَان ثمَّ قَالَ: ((لَو كَانَ الْإِيمَان عِنْد الثريا لَنَالَهُ رجال من هَؤُلَاءِ)) أَو قَالَ: ((من أَبنَاء فَارس)) . قَوْله: (وَآخَرين) مَعْطُوف على مَا قبله. وَالْمعْنَى: هُوَ الَّذِي بعث فِي الْأُمِّيين - وهم الْعَرَب. وَسموا أُمِّيين لأَنهم لَا يَكْتُبُونَ وَلَا يقرأون، نِسْبَة إِلَى الْأُمَّهَات، إِذْ الْخط فِي الرِّجَال لَا فِي النِّسَاء غَالِبا. (رَسُولا) يَعْنِي مُحَمَّدًا. (مِنْهُم) أَي من جنسهم ونسبهم ليكونوا أفهم عَنهُ من غَيره. (وَآخَرين) أَي وَبعث مُحَمَّدًا فِي آخَرين: وَفِيهِمْ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنهم الْعَجم، قَالَه ابْن عمر وَسَعِيد بن جُبَير، فعلى هَذَا إِنَّمَا قَالَ: (مِنْهُم) لأَنهم إِذا أَسْلمُوا صَارُوا مِنْهُم، إِذْ الْمُسلمُونَ يَد وَاحِدَة. وَالثَّانِي: أَنهم التابعون، قَالَه مُجَاهِد. وَالثَّالِث: جَمِيع من دخل فِي الْإِسْلَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، قَالَه مُجَاهِد. وَقَوله: {لما يلْحقُوا بهم} أَي لم يلْحقُوا بهم. فَأَما فَارس فَهُوَ ابْن سَام بن نوح. وقرأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور قَالَ: فَارس اسْم أبي هَذَا الجيل من النَّاس، أعجمي مُعرب. 1868 - / 2314 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: ((لَا تحقرن جَارة لجارتها وَلَو فرسن شَاة)) . الحديث: 1868 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 قَالَ ابْن دُرَيْد: الفرسن: ظَاهر الْخُف، وَالْجمع فراسن. 1869 - / 2315 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: ((مَا من الْأَنْبِيَاء نَبِي إِلَّا أعطي من الْآيَات مَا مثله آمن عَلَيْهِ الْبشر، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتيت وَحيا أوحاه الله إِلَيّ)) . الْإِشَارَة بِالْآيَاتِ إِلَى الحسيات كناقة صَالح وعصا مُوسَى وإحياء الْمَوْتَى، فَهَذِهِ معجزات ترى بِعَين الْحس، ومعجزة نَبينَا الْكُبْرَى هِيَ الْقُرْآن الفصيح، فَهِيَ تشاهد بِعَين الْعقل. وَقد كَانَ فِي جُمْهُور الْأُمَم الْمُتَقَدّمَة بلادة حَتَّى قَالَ قَائِلهمْ: {اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة} والبليد لَا يصلح إِلَّا بآيَات الْحس. وَالَّذين بعث إِلَيْهِم نَبينَا كَانُوا أَرْبَاب ذكاء وفطنة فكفاهم الْقُرْآن معْجزَة؛ غير أَن الْقَضَاء قضى على قوم من أذكيائهم بالشقاء مَعَ وجود الْفَهم، كَمَا قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ: تِلْكَ عقول كادها بارئها فأنفوا لكبرهم من ذل الإتباع، وغاروا على سلفهم من تخطئتهم فِي عبَادَة الْأَصْنَام، وحسدوا الرَّسُول لما ميز عَنْهُم، {إِن فِي صُدُورهمْ إِلَّا كبر مَا هم ببالغيه} [غَافِر: 56] على أَنه لم يكن للأنبياء معْجزَة إِلَّا ولنبينا من جِنْسهَا، فَإِن الرعب الَّذِي أيد بِهِ كَانَ يُوقع فِي قُلُوب أعدائه مَا لم توقعه عَصا مُوسَى فِي قلب فِرْعَوْن، ونبع المَاء من بَين أَصَابِعه أحسن من ظُهُوره من حجر مُوسَى، إِذْ الْعَادة قد جرت الحديث: 1869 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 بجريانه من حجر، وخطاب الذِّرَاع المسموم لَهُ أعجب من تكليم الْمَوْتَى لعيسى. 1870 - / 2317 - والْحَدِيث الْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَأبي سعيد. 1871 - / 2319 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْخمسين بعد الْمِائَة: قيل: يَا رَسُول الله، من أكْرم النَّاس؟ قَالَ: ((أَتْقَاهُم)) . هَذَا مَأْخُوذ من قَوْله تَعَالَى: {إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} [الحجرات: 13] وَالْكَرم بِمَعْنى الشّرف. وَمن اتَّقى الله عز وَجل عز وَشرف؛ لِأَن التَّقْوَى تحمله على أَسبَاب الْعِزّ؛ فَإِنَّهَا تبعده عَن الطمع فِي كثير من الْمُبَاح فضلا عَن المأثم. وَمَا ذل إِلَّا من أسره هَوَاهُ. وَأما ذكره ليوسف فَيحْتَمل أَمريْن: أَحدهمَا: أَن يكون خصّه بِالذكر لِاجْتِمَاع شرف نبوته مَعَ شرف آبَائِهِ. وَالثَّانِي: لِصَبْرِهِ عَن الْهوى؛ فَإِنَّهُ شرف الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. ومعادن الْعَرَب: أصولهم الَّتِي ينتسبون إِلَيْهَا ويتفاخرون بهَا، والمعدن مَرْكَز كل شَيْء وَأَصله الَّذِي يعرف بِهِ وَيُؤْخَذ مِنْهُ، فَإِذا ركز الشّرف فِي الطَّبْع فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ جَاءَ الْإِسْلَام صَارَت المآثر دينية، فَأَما من هُوَ خسيس الهمة فِي كفره، فَقل أَن تعلو همته؛ لِأَن الطَّبْع غَالب. الحديث: 1870 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 1872 - / 2320 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْخمسين بعد الْمِائَة: ((فاظفر بِذَات الدّين تربت يداك)) . قد شرحناه فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. 1873 - / 2321 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْخمسين بعد الْمِائَة: دخل رجل فصلى وَسلم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرد فَقَالَ: ((ارْجع فصل، فَإنَّك لم تصل)) ثمَّ علمه الصَّلَاة، وَذكر لَهُ الطُّمَأْنِينَة. وَهَذَا يدل على وجوب الطُّمَأْنِينَة فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالرَّفْع مِنْهُمَا، وَتلك أَرْكَان عندنَا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَدَاوُد خلافًا لأبي حنيفَة وَمَالك. وَفِي هَذَا الحَدِيث: ((ثمَّ اقْرَأ مَا تيَسّر)) وَقد احْتج بِهِ الحنفيون وَقَالُوا: هَذَا يدل على أَنه لَا يتَعَيَّن الْفَاتِحَة. وجوابهم أَنه يحْتَمل أَن يكون ذَلِك قبل نزُول الْفَاتِحَة وتعيينها، وَأَن يكون وَقت الصَّلَاة قد ضَاقَ وَهُوَ يحفظ غَيرهَا، فَيجوز لَهُ قِرَاءَة مَا يحفظ، وَأَن يكون المُرَاد بِمَا تيَسّر مَا بعد الْفَاتِحَة، وَلم يذكرهَا اتكالا على الْعلم بِوُجُوبِهَا. وَإِذا جَازَت على الحَدِيث هَذِه المحتملات لم يجز ترك الصَّرِيح، وَهُوَ قَوْله: ((لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب)) . الحديث: 1872 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 فَإِن قيل: كَيفَ جَازَ للرسول عَلَيْهِ السَّلَام أَن يُؤَخر الْبَيَان وَقت الْحَاجة ويردد هَذَا الرجل إِلَى صَلَاة لَيست صَحِيحَة؟ فَالْجَوَاب: من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون ترديده لتفخيم الْأَمر وتعظيمه عِنْده، وَرَأى أَن الْوَقْت لم يفت، فَأَرَادَ بالترداد إيقاظ الفطنة للمتروك. وَالثَّانِي: أَن يكون الرجل قد أدّى قدر الْوَاجِب فَأَرَادَ مِنْهُ فعل الْمسنون وَالْمُسْتَحب، فَيكون قَوْله: ((لم تصل)) يَعْنِي بِهِ الصَّلَاة الْكَامِلَة. 1874 - / 2322 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ بعد الْمِائَة: ((إِذا زنت الْأمة فليجلدها الْحَد وَلَا يثرب عَلَيْهَا)) . أَي لَا يعيرها بعد إِقَامَة الْحَد عَلَيْهَا، وَذَلِكَ لسِتَّة أَشْيَاء: أَحدهَا: لِأَن الْمَقْدُور كَائِن. وَالثَّانِي: لِأَن الْهوى غَالب. وَالثَّالِث: لِأَن الْحَد حد عقوبتها الشَّرْعِيَّة، فَلَا يُزَاد عَلَيْهَا مَا لم يشرع. وَالرَّابِع: أَنَّهَا رُبمَا تكون قد نَدِمت وتابت. وَالْخَامِس: أَنه رُبمَا سمع تعييره لَهَا من لم يكن يعلم حَالهَا. وَالسَّادِس: أَنه من يَأْمَن الْمُعير أَن يبتلى. 1875 - / 2323 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْخمسين بعد الْمِائَة: ((إِذا أَوَى أحدكُم إِلَى فرَاشه فلينفضه بداخلة إزَاره، فَإِنَّهُ لَا يدْرِي مَا خلف عَلَيْهِ)) . أَوَى مَقْصُور، يُقَال: أَوَى يأوي أويا: أَي صَار إِلَى مَأْوَاه، الحديث: 1874 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 والمأوى: الْمَكَان الَّذِي يؤوى إِلَيْهِ. وداخلة الْإِزَار: طرفه الَّذِي يَلِي الْجَسَد. وَقَوله: ((لَا يدْرِي مَا خلف عَلَيْهِ)) أَي مَا صَار بعده خلفا وبدلا مِنْهُ إِذا غَابَ عَنهُ من الْهَوَام وَغَيرهَا. وَأما الإضطجاع على الشق الْأَيْمن فقد ذكرنَا فَائِدَته فِي مُسْند الْبَراء ابْن عَازِب. 1876 - / 2324 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْخمسين بعد الْمِائَة: حَدِيث ثُمَامَة بن أَثَال، وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أسره ربطه بِسَارِيَة، فَذكر الحَدِيث وَفِيه: ((أطْلقُوا ثُمَامَة)) فَانْطَلق إِلَى نخل قريب من الْمَسْجِد فاغتسل. فِي هَذَا الحَدِيث أَن هَذَا الرجل لم يسلم من تَحت الْأسر لعزة نَفسه، وَكَأن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحس مِنْهُ بذلك فَقَالَ: ((أَطْلقُوهُ)) فَلَمَّا أطلق أسلم. وَقَوله: انْطلق إِلَى نخل. هَكَذَا ضبطناه عَن أشياخنا نخل بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة من فَوْقهَا، وَذَلِكَ أَن المَاء يكون فِي الْبَسَاتِين عِنْد النّخل. وَقد ذهب بعض الْمُحدثين إِلَى أَنه نجل بِالْجِيم الْمُعْجَمَة من تحتهَا وَقَالَ: النجل: النز. وَوجه هَذَا حَدِيث عَائِشَة الَّذِي يَأْتِي فِي مسندها: كَانَ بطحان - وَهُوَ وَاد بِالْمَدِينَةِ - يجْرِي نجلا - أَي نزا - الحديث: 1876 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 فَيمكن أَن يكون مضى إِلَى ذَلِك الْمَكَان، وَالْأول أظهر لما أخبرنَا بِهِ عَليّ بن عبد الله الزَّاغُونِيّ قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن النقور قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن مردك قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن حَمَّاد الطهراني قَالَ: أخبرنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ: أخبرنَا عبيد الله وَعبد الله ابْنا عمر عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة: أَن ثُمَامَة الْحَنَفِيّ أسر فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَغْدُو إِلَيْهِ فَيَقُول: ((مَا عنْدك يَا ثُمَامَة؟)) فَيَقُول: إِن تقتل تقتل ذَا ذَنْب، وَإِن تمن تمن على شَاكر، وَإِن ترد المَال تعط مِنْهُ مَا شِئْت. وَكَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحبونَ الْفِدَاء وَيَقُولُونَ: مَا نصْنَع بقتل هَذَا؟ فَمن عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا، فَأسلم، فَحله وَبعث بِهِ إِلَى حَائِط أبي طَلْحَة، فَأمره أَن يغْتَسل، فاغتسل وَصلى رَكْعَتَيْنِ. 1877 - / 2325 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْخمسين بعد الْمِائَة: ((لَا يمْنَع جَار جَاره أَن يغرز خَشَبَة فِي جِدَاره)) . عندنَا أَنه يجوز للْجَار أَن يضع خَشَبَة فِي جِدَار جَاره عِنْد الْحَاجة إِلَى ذَلِك بِشَرْط أَلا يضير بِالْحَائِطِ، فَإِن امْتنع الْجَار أجْبرهُ الْحَاكِم على ذَلِك، وَهَذَا قَول الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم، إِلَّا أَنه قَالَ: لَا يحكم عَلَيْهِ الْحَاكِم بذلك. وَقَالَ أَكثر الْعلمَاء: لَا يجوز إِلَّا بِإِذن الْمَالِك. وَفِي الحَدِيث حجَّة لنا. الحديث: 1877 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 وَأما النَّهْي عَن الشّرْب من السقاء فقد سبق فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 1878 - / 2326 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْخمسين بعد الْمِائَة: ((شَرّ الطَّعَام طَعَام الْوَلِيمَة)) . الْوَلِيمَة: طَعَام الْعرس، قَالَ أَبُو عبيد: الطَّعَام الَّذِي يصنع عِنْد الْعرس الْوَلِيمَة، وَالَّذِي عِنْد الإملاك النقيعة، وَطَعَام الْبناء الوكيرة، وَمَا يصنع عِنْد الْولادَة فَهُوَ الخرس، وَمَا يصنع عِنْد الْخِتَان فَهُوَ الْإِعْذَار. وكل طَعَام صنع بعد الدعْوَة فَهُوَ مأدبة ومأدبة. والنقيعة: مَا صنعه الرجل عِنْد قدومه من سَفَره. فَإِن قيل: فَلم قَالَ: ((شَرّ الطَّعَام)) ؟ فَالْجَوَاب: أَنه إِنَّمَا ذكر حَالهَا على الْأَغْلَب، والأغلب منع الْفُقَرَاء المحتاجين وَجمع الْأَغْنِيَاء عَلَيْهَا. والإجابة إِلَيْهِ وَاجِبَة على مَا ذكرنَا فِي مُسْند الْبَراء بن عَازِب. 1879 - / 2327 - وَفِي الحَدِيث السِّتين بعد الْمِائَة: ((من شهد الْجِنَازَة حَتَّى يصلى عَلَيْهَا فَلهُ قِيرَاط)) . ذكر القيراط تَمْثِيل وتقريب إِلَى الْفَهم، وَلما كَانَ الْإِنْسَان يعرف القيراط ويرغب فِيهِ وَيعْمل الْعَمَل فِي مُقَابلَته وعد من جنس مَا يعرف، الحديث: 1878 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 وَضرب لَهُ الْمثل بِمَا يعلم. وَكَانَ ابْن عقيل يَقُول: القيراط نصف سدس أَو نصف عشر دِينَار. وَالْإِشَارَة بِهَذَا الْمِقْدَار إِلَى الْأجر الْمُتَعَلّق بِالْمَيتِ، من تَجْهِيزه وغسله وَدَفنه والتعزية بِهِ، وَحمل الطَّعَام إِلَى أَهله وتسليتهم، وَالصَّبْر على الْمُصَاب فِيهِ، فَكَانَ للْمُصَلِّي عَلَيْهِ قِيرَاط، وللذي يُصَلِّي ويلبث حَتَّى يدْفن قيراطان. وَأما قَوْله: ((حَتَّى يوضع فِي اللَّحْد)) فقد سبق الْكَلَام عَلَيْهِ فِي مُسْند أبي سعيد. 1880 - / 2329 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: ((قُرَيْش وَالْأَنْصَار وجهينة وَمُزَيْنَة وَأسلم وَأَشْجَع وغفار موَالِي، لَيْسَ لَهُم مولى دون الله وَرَسُوله)) . الْمولى بِمَعْنى الْوَلِيّ. وَهَؤُلَاء أَسْلمُوا، فَلهَذَا تولاهم، وَقَالَ فِي بعض الحَدِيث: ((هَؤُلَاءِ خير عِنْد الله من أَسد وطي وغَطَفَان)) لِأَن أُولَئِكَ كَانُوا على العناد. 1881 - / 2330 - والْحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة: قد تقدم عِنْد الحَدِيث الْحَادِي وَالسبْعين من هَذَا الْمسند. 1882 - / 2331 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: ((إِذا الحديث: 1880 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 سَمِعْتُمْ نهاق الْحمير فتعوذوا بِاللَّه من الشَّيْطَان)) . نهاق الْحمير: صَوتهَا عِنْد الصياح. وَالْعرب تَقول: نهق الْحمار وشهق، وزقا الديك وسقع: إِذا صاحا. والديكة بِكَسْر الدَّال وَفتح الْيَاء جمع ديك. وَالْملك فِي الْأَغْلَب لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَير، فَلذَلِك قَالَ: ((وسلوا الله من فَضله)) . 1883 - / 2332 - وَفِي اللحديث الْخَامِس وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: ". . إِنَّهَا بَدَنَة، قَالَ: " اركبها، وَيلك " الْبَدنَة: هِيَ الَّتِي تهدى إِلَى بَيت الله عز وَجل، سميت بَدَنَة لأَنهم يستسمنونها. يُقَال: رجل بادن وبدين: إِذا عظم جِسْمه، وبدن: إِذا سمن، فَأَما بدن بتَشْديد الدَّال فمعناها: أسن. وَالْوَيْل كلمة تقال لمن وَقع فِي هلكة، ويقولها هُوَ أَيْضا لنَفسِهِ. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وَيُقَال: أَصله وي لفُلَان: أَي حزن لفُلَان، فَكثر الإستعمال للحرفين فوصلت اللَّام بوي وَجعلت حرفا وَاحِدًا، ثمَّ جبر عَن ويل بلام أُخْرَى. وَقد ذكرنَا ركُوب الْبَدنَة فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. الحديث: 1883 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 1884 - / 2233 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: ((لَا يمش أحدكُم فِي نعل وَاحِدَة)) . وَقد تكلمنا على هَذَا فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. وَأما الْبِدَايَة فِي اللّبْس بِالْيَمِينِ فلشرفها وتقديمها على الْيُسْرَى. والبداية بِالْخلْعِ بالشمال ليزِيد مكث الْيُمْنَى إِكْرَاما لَهَا. 1885 - / 2334 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: ((لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يمر الرجل بِقَبْر الرجل فَيَقُول: يَا لَيْتَني مَكَانَهُ)) . هَذَا إِنَّمَا يكون لظُهُور الْفِتَن وَتغَير الْأَدْيَان، فيخاف الْمُؤمن على نَفسه فيتمنى الْمَوْت. 1886 - / 2335 - والْحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتُّونَ بعد الْمِائَة: قد سبق فِي مُسْند عبد الله بن مُغفل. 1887 - / 2336 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: ((لَا تتلقى الركْبَان للْبيع)) . وَأما تلقي الركْبَان وَالنَّهْي عَن أَن يَبِيع حَاضر لباد فقد سبقا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. الحديث: 1884 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 وَأما قَوْله: ((لَا يبع بَعْضكُم على بيع بعض)) وَالنَّهْي عَن النجش، فقد سبقا فِي مُسْند ابْن عمر. وَأما التصرية فأصلها الْحَبْس والإمساك. والمصراة: النَّاقة أَو الْبَقَرَة أَو الشَّاة الَّتِي قد صري اللَّبن فِي ضرْعهَا: أَي حقن، وَيُقَال: صريت المَاء وصريته، وَهَذَا مَاء صرى مَقْصُور، وَمِنْه سميت الصراة، كَأَنَّهَا مياه اجْتمعت. فالمصراة لَا تحلب أَيَّامًا ليعظم ضرْعهَا فيظن المُشْتَرِي أَن ذَلِك مِنْهَا كل يَوْم فيغتر بذلك فيشتري. وَهَذَا سَبَب لإِثْبَات خِيَار الرَّد، وَهَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل خلافًا لأبي حنيفَة، والْحَدِيث نَص لَا يُمكنهُم تَأْوِيله، غير أَن الْقَوْم تحيروا فِيهِ فَفرُّوا من الزَّحْف لَا إِلَى فِئَة. ثمَّ انقسموا: فَمنهمْ من اجترأ فَقَالَ: هَذَا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَزعم أَن السّلف توقفوا فِي قبُول حَدِيثه، وَهَذَا كَلَام لَا يحل سَمَاعه إِلَّا لمنكر؛ لِأَنَّهُ مُخَالف للْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع: أما الْكتاب فَإِن الله تَعَالَى أثنى على جَمِيع الصَّحَابَة، فَقَالَ تَعَالَى: {مُحَمَّد رَسُول الله وَالَّذين مَعَه أشداء على الْكفَّار} [الْفَتْح: 29] وَقَالَ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} [الْبَقَرَة: 143] وَأما السّنة فَقَوله: ((إِن الله اختارني وَاخْتَارَ لي أصحابا)) . وَأما الْإِجْمَاع فمنعقد على عَدَالَة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 أبي هُرَيْرَة، وَقد روى عَنهُ طَلْحَة بن عبيد الله وَأَبُو أَيُّوب وَابْن عَبَّاس وَجَابِر وَأنس وَغَيرهم من الصَّحَابَة، وَقَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب: كَانَ فِي الصَّحَابَة من يخْتَار التحديث بِمَا سَمعه من أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على التحديث بِمَا سَمعه هُوَ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لجودة حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَضَبطه. وَقَالَ البُخَارِيّ: روى عَن أبي هُرَيْرَة من أَبنَاء الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار سَبْعمِائة، وَمَا شكّ فِيهِ أحد قطّ. فَلَمَّا عجبوا من إكثاره قَالَ: كنت أحضر إِذا غَابُوا. وَقد ذكرنَا أَنه أَكثر الصَّحَابَة حَدِيثا، وَأَنه أخرج لَهُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) مَا لم يخرج لغيره، ومعظم الشَّرْع يَدُور على حَدِيثه، قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه: حصرنا أَخْبَار الْأَحْكَام فَكَانَت ثَلَاثَة آلَاف، روى مِنْهَا أَبُو هُرَيْرَة ألفا وَسَبْعمائة. وَقد روى بعض الْخُصُوم عَن هَذَا فَقَالَ: هَذَا الحَدِيث يُخَالف الْأُصُول، وَلَا يقبل مَا يُخَالف الْأُصُول إِلَّا إِذا كَانَ رَاوِيه فَقِيها، وَلم يكن أَبُو هُرَيْرَة فَقِيها. فَالْجَوَاب: من أَرْبَعَة أوجه: أَحدهَا: أَن الحَدِيث أصل فِي نَفسه، لِأَن الْأُصُول هِيَ الْقُرْآن وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس. فَإِن تعلقتم بِأَنَّهُ يُخَالف الْقيَاس فَالْقِيَاس فرع، فَكيف يقْدَح فِي الأَصْل. ويوضح هَذَا أَن الْقيَاس مستنبط يجوز عَلَيْهِ الْخَطَأ، والْحَدِيث الصَّحِيح قَول مَعْصُوم، فَوَجَبَ تَقْدِيمه. ثمَّ قد بَان لنا وَجه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 الْحِكْمَة فِي ذكر الصَّاع، فصلح الْأَمر بِمَا بَان لنا أَن يكون مُوَافقا لِلْأُصُولِ لَا مُخَالفا لَهَا، وَذَلِكَ أَن اللَّبن لَا يدّخر فَيرد، وَلَا يعلم مِقْدَاره، والنزاع يَقع فِي إِيجَاب مثله أَو قِيمَته، وَهُوَ من أَمْوَال الرِّبَا، فَرُبمَا أَخذ فِي مُقَابلَته أَكثر مِنْهُ، فَجعل الشَّرْع مِقْدَارًا من غير الْجِنْس يقطع بِهِ التشاجر. وَالثَّانِي: أَن أَبَا حنيفَة قد ارْتكب مثل هَذَا، فَأجَاز الْوضُوء بالنبيد بِحَدِيث ضَعِيف يُخَالف الْقيَاس. وَالثَّالِث: أَن أَبَا حنيفَة يقدم قَول الصَّحَابِيّ على الْقيَاس، فَكيف لَا يقدم قَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالرَّابِع: أَنا لَو رددنا من قضايا الشَّرْع مَا يُخَالف المطرد مِنْهَا لردت قضايا كَثِيرَة؛ فَإِن الشَّرْع قد قوم النَّفس بِمِائَة من الْإِبِل، ثمَّ جعل الْغرَّة فِي مُقَابلَة الْجَنِين، وَسوى فِي الدِّيَة بَين دِيَة اللِّسَان والعينين وَالْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ، وَأوجب أهل الرَّأْي فِي الحاجبين وأهداب الْعَينَيْنِ وَفِي اللِّحْيَة الدِّيَة كَامِلَة، وَأَيْنَ مَنَافِع الحاجبين من اللِّسَان وَالْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ؟ ثمَّ قد رَأينَا أَن الشَّرْع جبر نقص السن فِي الزَّكَاة بشاتين أَو عشْرين درهما، وَقد لَا يعتدل هَذَا فِي كل زمَان، فَوَجَبَ علينا أَن نعطي كل دَلِيل حكمه. وَأما قَوْلهم: لَا يقبل إِلَّا إِذا كَانَ رَاوِيه فَقِيها. فَالْجَوَاب: أَن اشْتِرَاط الْفِقْه فِي الرَّاوِي تحكم لَا وَجه لَهُ، وَإِنَّمَا الْمَأْخُوذ عَلَيْهِ الْعَدَالَة والضبط، وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: ((رب حَامِل فقه غير فَقِيه)) ثمَّ إِن الشَّهَادَة أَكثر شُرُوطًا. وَأما قَوْلهم: لم يكن أَبُو هُرَيْرَة فَقِيها. فَجَوَابه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَنه كَانَ من سَادَات الْفُقَهَاء الْمُفْتِينَ مَعَ كبار الصَّحَابَة، وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد مِنْهُم. وَالثَّانِي: أَن أَبَا حنيفَة قد قبل خَبره فِيمَن أكل نَاسِيا لصومه، وَفِي غير ذَلِك مِمَّا يُخَالف الْقيَاس. وَالثَّالِث: أَنه لم يفرق أحد من الصَّحَابَة وَغَيرهم فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة بَين مَا يُوَافق الْقيَاس وَمَا يُخَالِفهُ، وَلَا يلْتَفت إِلَى رَأْيكُمْ. وَقَوله: لَا سمراء. أَي لَا حِنْطَة. وَفِي لفظ: ورد مَعهَا صَاعا من طَعَام لَا سمراء. وَيَعْنِي بِالطَّعَامِ هَا هُنَا التَّمْر، فَعبر عَنهُ الرَّاوِي؛ لِأَن الْحِنْطَة لَا تجوز فِي مُقَابلَة هَذَا. وَأما مَا روى أَبُو دَاوُد: ((وَمَعَهَا صَاع من قَمح)) فيرويه جَمِيع بن عُمَيْر التَّمِيمِي، قَالَ ابْن نمير: هُوَ من أكذب النَّاس. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يضع الحَدِيث. والقمح: الْبر. وَحَدِيث الْمُصراة أصل فِي كل من بَاعَ سلْعَة وَقد زينها بِالْبَاطِلِ، فَإِذا رأى المُشْتَرِي الْغِشّ كَانَ لَهُ الرَّد. 1888 - / 2337 - وَفِي الحَدِيث السّبْعين بعد الْمِائَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر يَوْم الْجُمُعَة فَقَالَ: ((فِيهِ سَاعَة لَا يُوَافِقهَا عبد مُسلم وَهُوَ قَائِم الحديث: 1888 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 يُصَلِّي يسْأَل الله شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاه)) - وَأَشَارَ بِيَدِهِ يقللها - يزهدها. أما هَذِه السَّاعَة فقد اخْتلفت فِيهَا الْأَحَادِيث، وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي مُسْند أبي مُوسَى. والإشكال فِي هَذَا الحَدِيث أَن يُقَال: كَيفَ يسْأَل وَهُوَ يُصَلِّي؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون السُّؤَال فِي الصَّلَاة، وَذَلِكَ على ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن يكون فِي التِّلَاوَة، فَإِنَّهُ إِذا قَرَأَ: {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا} ) [الْبَقَرَة: 286] فقد سَأَلَ. وَالثَّانِي: أَن يسْأَل بعد الْقِرَاءَة، كَمَا سبق فِي مُسْند حُذَيْفَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه كَانَ إِذا مر بِآيَة رَحْمَة سَأَلَ، وَإِذا مر بِآيَة عَذَاب استعاذ. وَقد تكلمنا هُنَاكَ على هَذَا الحَدِيث، وَبينا هَل يجوز هَذَا فِي الْفَرْض أَو فِي النَّفْل. وَالثَّالِث: أَن يسْأَل عِنْد انْقِضَاء التَّشَهُّد، فَإِنَّهُ يسن عندنَا أَن يَدْعُو عقب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِمَّا بآيَات من الْقُرْآن، أَو بِمَا صَحَّ فِي الحَدِيث، وَعند الشَّافِعِي: يَدْعُو بِمَا شَاءَ. وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن يسلم وَيسْأل والساعة لم تنقض، فَيكون معنى سُؤَاله فِي الصَّلَاة: عِنْد فراغها. ويزهدها فِي معنى يقللها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 1889 - / 2338 - والْحَدِيث الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَة: قد سبق فِي مُسْند أنس بن مَالك. 1890 - / 2339 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسبْعين بعد الْمِائَة: ((يتعاقبون فِيكُم مَلَائِكَة بِاللَّيْلِ وملائكة بِالنَّهَارِ)) . يتعاقبون: يَأْتِي بَعضهم فِي عقب بعض. قَوْله: ((ويجتمعون فِي صَلَاة الْعَصْر وَصَلَاة الْفجْر)) وَذَاكَ أَن مَلَائِكَة اللَّيْل تهبط عِنْد صَلَاة الْعَصْر، وملائكة النَّهَار تهبط قبل صَلَاة الْفجْر. وَإِنَّمَا فعل الْحق سُبْحَانَهُ ذَلِك ليظْهر للْمَلَائكَة فَضِيلَة هَذِه الْأمة، وَلِهَذَا فِي تَمام الحَدِيث: ((فَيَقُول لَهُم: كَيفَ تركْتُم عبَادي؟ فَيَقُولُونَ: تركناهم وهم يصلونَ، وأتيناهم وَهُوَ يصلونَ)) . 1891 - / 2340 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسبْعين بعد الْمِائَة: ((مطل الْغَنِيّ ظلم)) . قَالَ ابْن فَارس: يُقَال: مطلت الحديدة أمطلها مطلا: إِذا مددتها لتطول، واشتقاق المطل فِي الْحَاجة مِنْهُ. وَدَلِيل قَوْله: ((مطل الْغَنِيّ ظلم)) أَنه إِذا لم يقدر على الْأَدَاء لم يكن بالمطل ظَالِما. وَقَوله: ((وَإِن أتبع أحدكُم على مَلِيء فَليتبعْ)) قَالَ الْخطابِيّ: الحديث: 1889 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: إِذا اتبع بتَشْديد التَّاء، وَهُوَ غلط، وَالصَّوَاب اتبع على وزن أفعل، وَالْمعْنَى: إِذا أُحِيل على مَلِيء فَليَحْتَلْ. وَفِي هَذَا الحَدِيث إِثْبَات الْحِوَالَة، وَأَن الْحق يتَحَوَّل بهَا إِلَى الْمحَال عَلَيْهِ وَيسْقط عَن الْمُحِيل، فَلَو توى المَال على الْمحَال عَلَيْهِ لم يرجع الْمحَال على الْمُحِيل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يرجع فِي موضِعين أَحدهمَا: أَن يجْحَد الْمحَال عَلَيْهِ الدّين وَيحلف عَلَيْهِ وَيَمُوت مُفلسًا، فَأَما إِن أفلس وَهُوَ حَيّ لم يرجع عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالك: إِن أَحَالهُ على مُفلس والمحتال لَا يعلم فَلهُ الرُّجُوع. وَاخْتلف الْعلمَاء: هَل يعْتَبر رضى الْمُحْتَال؟ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: يعْتَبر، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد، وَفِي الْأُخْرَى: لَا يعْتَبر، فعلى هَذِه الرِّوَايَة يكون قَوْله ((فَليتبعْ)) على الْوُجُوب وعَلى غَيرهَا يكون ندبا. وَاخْتلفُوا فِي رضى الْمحَال عَلَيْهِ، فعندنا لَا يعْتَبر، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يعْتَبر. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ بَينهمَا عَدَاوَة اعْتبر رِضَاهُ، وَإِلَّا لزمَه. 1892 - / 2341 - والْحَدِيث الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَة قد سبق فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. الحديث: 1892 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 1893 - / 2342 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسبْعين بعد الْمِائَة: ((لَا يقتسم ورثتي دِينَارا)) وَهَذَا الحَدِيث قد تقدم فِي مُسْند أبي بكر. 1894 - / 2343 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسبْعين بعد الْمِائَة: ((اختتن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بالقدوم)) . قَالَ أَبُو الزِّنَاد: الْقدوم مُخَفّفَة، وَهُوَ اسْم مَوضِع. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: وَكَذَلِكَ الْقدوم الَّذِي يعتمل بِهِ، خَفِيف أَيْضا. 1895 - / 2344 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسبْعين بعد الْمِائَة: ((لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاء الْعَدو، فَإِذا لقيتموهم فَاصْبِرُوا)) . اعْلَم أَن تمني لِقَاء الْعَدو يتَضَمَّن أَمريْن: أَحدهمَا: استدعاء الْبلَاء. وَالثَّانِي: ادِّعَاء الصَّبْر، وَمَا يدْرِي الْإِنْسَان كَيفَ يكون صبره على الْبلَاء. وَالْمُدَّعِي متوكل على قوته، معرض بِدَعْوَاهُ عَن مُلَاحظَة الأقدار وتصرفها، وَمن كَانَ كَذَلِك وكل إِلَى دَعْوَاهُ، كَمَا تمنى الَّذِي فَاتَتْهُمْ غزَاة بدر فَلم يثبتوا يَوْم أحد، وكما أعجبتهم كثرتهم يَوْم حنين فهزموا. وَقد نبه هَذَا الحَدِيث على أَنه لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يتَمَنَّى الْبلَاء بِحَال، وَقد قَالَ بعض السّلف: كنت أسأَل الله الْغَزْو، فَهَتَفَ بِي هَاتِف: إِنَّك الحديث: 1893 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 إِن غزوت أسرت، وَإِن أسرت تنصرت. 1896 - / 2345 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسبْعين بعد الْمِائَة: ((إِنَّه ليَأْتِي الرجل الْعَظِيم السمين يَوْم الْقِيَامَة لَا يزن عِنْد الله جنَاح بعوضة)) . الْبَعُوضَة: صَغِيرَة البق. وَالْإِشَارَة بِهَذَا إِلَى أَن الْقدر إِنَّمَا يكون بِالْإِيمَان وَالتَّقوى، وَكم من عَظِيم الجثة لَا وَقع لَهُ، لِأَن الوقع إِنَّمَا يكون بالمعاني لَا بالصور. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَا نُقِيم لَهُم يَوْم الْقِيَامَة وزنا} [الْكَهْف: 105] مَا لفُلَان عندنَا وزن: أَي قدر، لخسته. وَالْمعْنَى: لَا يعْتد بهم وَلَا يكون لَهُم عِنْد الله قدر وَلَا منزلَة. 1897 - / 2346 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسبْعين بعد الْمِائَة: ((لما خلق الله الْخلق كتب فِي كِتَابه، فَهُوَ عِنْده فَوق الْعَرْش: إِن رَحْمَتي تغلب غَضَبي)) وَفِي لفظ: ((سبقت غَضَبي)) . رُبمَا وَقع فِي وهم الْقَلِيل الْعلم أَن بعض صِفَاته قد سبق بَعْضًا، أَو غلب، أَو أَن ((عِنْده)) تَقْتَضِي مَكَانا يُوجب الْقرب إِلَى الذَّات وَلَيْسَ كَمَا يَقع لَهُ، وَإِنَّمَا هَذَا الْخطاب على سَبِيل التَّقْرِيب إِلَى الأفهام مَا تعرفه من سبق الشَّيْء وغلبته، فَإِنَّهُ لما بَدَأَ سُبْحَانَهُ بالإنذار قبل التعذيب الحديث: 1896 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 وَحكم وأمهل وَعَفا، كَانَ معنى هَذَا سبق رَحمته وغلبتها، وَتَحْلِيل العندية على مَا نفهمه محَال فِي حَقه، وَقد قَالَ فِي حِجَارَة قوم لوط: {مسومة عِنْد رَبك} [هود: 83] أَي فِي قَبضته وَقدرته. 1898 - / 2347 - وَفِي الحَدِيث الثَّمَانِينَ بعد الْمِائَة: ((النَّاس تبع لقريش فِي هَذَا الشَّأْن، مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم)) . وَفِي هَذَا الحَدِيث تَفْضِيل قُرَيْش على سَائِر الْعَرَب، وتقديمهم فِي الْإِمَامَة والإمارة. وَقَوله: ((فِي هَذَا الشَّأْن)) يَعْنِي الْإِمَارَة. وَقَوله: ((مسلمهم تبع لمسلمهم)) هَذَا أَمر للْمُسلمِ بطاعتهم ومتابعتهم. وَقَوله: ((وكافرهم تبع لكافرهم)) حِكَايَة للْحَال الَّتِي كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة، وَالْمعْنَى: أَنهم مَا زَالُوا متبوعين، وَقد خصوا بالسدانة والسقاية إِلَى غير ذَلِك. وَقَوله: ((النَّاس معادن)) قد سبق فِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْخمسين من هَذَا الْمسند. وَقَوله: ((تَجِدُونَ من خير النَّاس أَشَّدهم كَرَاهِيَة لهَذَا الشَّأْن حَتَّى يَقع فِيهِ)) يَعْنِي الْإِمَارَة، فَإِن المتقي لله عز وَجل يكرهها من حَيْثُ الحذر على دينه، فَإِذا وَقع فِيهَا لم يشته الْعَزْل كَذَلِك، قَالَ بعض الصَّحَابَة لعمر وَقد عَزله: مَا سرتني الْولَايَة، وَلَا سَاءَنِي الْعَزْل. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: معنى الْكَلَام: إِذا وَقَعُوا فِيهَا لم يجز أَن يكرهوها لأَنهم إِن كَانَ قيامهم بهَا عَن كره ضيعوا حُقُوقهَا، فليقبلوا عَلَيْهَا الحديث: 1898 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 وليجتهدوا فِيهَا. وَقَوله: ((تَجِدُونَ شَرّ النَّاس ذَا الْوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْه وَهَؤُلَاء بِوَجْه)) وَهَذَا مثل أَن يمدح رجلا فِي وَجهه ثمَّ يَأْتِي إِلَى عدوه. 1899 - / 2348 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي والثمانين بعد الْمِائَة: ((لَو أَن رجلا اطلع عَلَيْك بِغَيْر إِذن فخذفته بعصاة ففقأت عينه مَا كَانَ عَلَيْك جنَاح)) قد سبق هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند سهل بن سعد. 1900 - / 2349 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي والثمانين بعد الْمِائَة: ((إِن أخنع الْأَسْمَاء عِنْد الله رجل تسمى ملك الْأَمْلَاك)) قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: سَأَلت أَبَا عَمْرو عَن أخنع فَقَالَ: أوضع. وَقَالَ أَبُو عبيد: الْمَعْنى: أَشد الْأَسْمَاء ذلا وأوضعها. والخانع: الذَّلِيل الخاضع. وَكَانَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة يَقُول: هُوَ مثل شاهان شاه. قَالَ: وَقَالَ غَيره: هُوَ أَن يتسمى الْإِنْسَان بأسماء الله تَعَالَى مثل الْعَزِيز والجبار. وَقد روى فِي بعض الْأَلْفَاظ: أنخع، ذكره أَبُو عبيد وَقَالَ: الْمَعْنى أقتل الْأَسْمَاء وأهلكها. والنخع هُوَ الْقَتْل الشَّديد، وَمِنْه النخع فِي الذَّبِيحَة: وَهُوَ أَن يجوز بِالذبْحِ إِلَى النخاع. الحديث: 1899 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 وَأما أخنى فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن يكون من الْخَنَا فِي الْكَلَام: وَهُوَ الْفَاحِش، فَيكون الْمَعْنى: أفحش الْأَسْمَاء وأقبحها. وَالثَّانِي: بِمَعْنى الْهَلَاك، يُقَال: أخنى عَلَيْهِم الدَّهْر، وَالثَّالِث: أَنه بِمَعْنى الْفساد، يُقَال: أخنيت عَلَيْهِ: أَي أفسدت. 1901 - / 2350 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث والثمانين بعد الْمِائَة: ((قَالَ الله عز وَجل: ((أَعدَدْت لعبادي الصَّالِحين مَا لَا عين رَأَتْ، وَلَا أذن سَمِعت)) . اعْلَم أَن الله عز وَجل وعد الصَّالِحين من جنس مَا يعرفونه من مطعم ومشرب وملبس ومنكح وَغير ذَلِك، ثمَّ زادهم من فَضله مَا لَا يعرفونه فَقَالَ: ((مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت)) وَلَا يخْطر على الْقلب تَصْوِير مَا لم ير وَلم يسمع، فَقَالَ: ((وَلَا خطر على قلب بشر)) . وَقَوله: ((بله مَا أطْلعكُم عَلَيْهِ)) أَي سوى مَا أطْلعكُم. وَقَالَ أَبُو عبيد: دع مَا أطلعهم عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو زبيد الطَّائِي: (حمال أثقال أهل الود آونة ... أعطيهم الْجهد مني بله مَا أسع)) فَإِن قيل: مَا معنى: دع مَا أطلعهم عَلَيْهِ؟ فَالْجَوَاب: أَن الْمَعْنى: إِن مَا أطلعهم عَلَيْهِ محتقر بِالْإِضَافَة إِلَى مَا لم يطلعوا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذكر مَا يعرفونه أَولا لسببين: أَحدهمَا: لأنسهم بِمَا يعْرفُونَ. وَالثَّانِي: أَنه لَو وعدهم بِمَا لَا يعْرفُونَ لم يشتاقوا إِلَى مَا لم يعرفوا، ولطلبوا مَا الحديث: 1901 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 يعْرفُونَ، فَوَعَدَهُمْ مَا يعْرفُونَ وَزَادَهُمْ مَا لم يعرفوا. 1902 - / 2351 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع والثمانين بعد الْمِائَة: ((إِن لله تِسْعَة وَتسْعُونَ اسْما، من حفظهَا دخل الْجنَّة)) وَفِي لفظ: ((من أحصاها)) . قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: فِي هَذَا الحَدِيث إِثْبَات هَذِه الْأَسْمَاء، وَلَيْسَ فِيهِ نفي مَا عَداهَا من الزِّيَادَة عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا وَقع التَّخْصِيص لهَذِهِ الْأَسْمَاء لِأَنَّهَا أشهر الْأَسْمَاء وأبينها مَعَاني، فجملة هَذَا الحَدِيث قَضِيَّة وَاحِدَة لَا قضيتان. فتمام الْفَائِدَة فِي خبر ((إِن)) فِي قَوْله: ((من أحصاها دخل الْجنَّة)) لَا فِي قَوْله: ((إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما)) . وَهَذَا بِمَنْزِلَة قَوْلك: إِن لزيد مائَة دِرْهَم أعدهَا للصدقة، فَلَا يدل ذَلِك على أَنه لَيْسَ عِنْده من الدَّرَاهِم أَكثر من ذَلِك، وَإِنَّمَا يدل على أَن الَّذِي أعده للصدقة هَذَا. وَيدل على هَذَا التَّأْوِيل حَدِيث ابْن مَسْعُود: ((أَسأَلك بِكُل اسْم هُوَ لَك، سميت بِهِ نَفسك، أَو أنزلته فِي كتابك، أَو عَلمته أحدا من خلقك، أَو استأثرت بِهِ فِي علم الْغَيْب عنْدك)) فَهَذَا يدل على أَن لله الحديث: 1902 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 أَسمَاء لم ينزلها فِي كِتَابه حجبها عَن خلقه. وَفِي قَوْله: ((إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما)) دَلِيل على أَن أشهر الاسماء وأعلاها فِي الذّكر ((الله)) وَلذَلِك أضيفت الْأَسْمَاء إِلَيْهِ. فَأَما قَوْله: ((من أحصاها)) فَفِي مَعْنَاهُ أَرْبَعَة أوجه: أَحدهَا: أَن معنى الإحصاء الْعد، يُرِيد أَنه يعدها ليستوفيها حفظا، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله: ((من حفظهَا)) . وَالثَّانِي: أَن يكون الإحصاء بِمَعْنى الطَّاقَة، كَقَوْلِه تَعَالَى: {علم أَن لن تحصوه} [المزمل: 20] أَي لن تُطِيقُوا قيام اللَّيْل، فَمَعْنَاه: من أطَاق الْعَمَل بهَا. وَبَيَان الْعَمَل بهَا أَن من أَسْمَائِهِ الْحَكِيم، فَالْعَمَل بذلك التَّحْكِيم لحكمته حَتَّى لَا يُوجد من العَبْد اعْتِرَاض على أَفعاله. وَمِنْهَا السَّمِيع، فَالْعَمَل بذلك الْحيَاء مِنْهُ وكف اللِّسَان عَن الْقَبِيح لِأَنَّهُ يسمع، وعَلى هَذَا سَائِر الْأَسْمَاء. وَهَذَا الْوَجْه اخْتِيَار ابْن عقيل. وَالثَّالِث: أَن يكون الإحصاء بِمَعْنى الْعقل والمعرفة، فَيكون مَعْنَاهُ: من عرفهَا وعقل مَعْنَاهَا وآمن بهَا دخل الْجنَّة، مَأْخُوذ من الْحَصَاة وَهُوَ الْعقل، قَالَ طرفَة: (وَإِن لِسَان الْمَرْء مَا لم يكن لَهُ ... حَصَاة على عوراته لدَلِيل) وَالْعرب تَقول: فلَان ذُو حَصَاة: أَي عقل. قَالَ الْخطابِيّ: وَالرَّابِع: أَن يكون المُرَاد بِالْحَدِيثِ: من قَرَأَ الْقُرْآن حَتَّى يختمه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 فيستوفي هَذِه الْأَسْمَاء فِي الْقُرْآن، حَكَاهُ أَبُو سُلَيْمَان عَن أبي عبد الله الزبيرِي. فَلَمَّا رَأينَا فِي بعض طرق الصَّحِيح أَن معنى الإحصاء الْحِفْظ اخترنا ذَلِك الْوَجْه وَآثرنَا ذكر هَذِه الْأَسْمَاء لتحفظ. وَقد اخْتلفت أَلْفَاظ الروَاة فِي عدهَا، وَهَذَا سِيَاق مَا ذكره مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة من طَرِيق أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة: الله، الرَّحْمَن، الرَّحِيم، الْملك، القدوس، السَّلَام، الْمُؤمن، الْمُهَيْمِن، الْعَزِيز، الْجَبَّار، المتكبر، الْخَالِق، البارئ، المصور، الْغفار، القهار، الْوَهَّاب، الرَّزَّاق، الفتاح، الْعَلِيم، الْقَابِض، الباسط، الْخَافِض، الرافع، الْمعز، المذل، السَّمِيع، الْبَصِير، الحكم، الْعدْل، اللَّطِيف، الْخَبِير، الْحَلِيم، الْعَظِيم، الغفور، الشكُور، الْعلي، الْكَبِير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الْجَلِيل، الْكَرِيم، الرَّقِيب، الْمُجيب، الْوَاسِع، الْحَكِيم، الْوَدُود، الْمجِيد، الْبَاعِث، الشَّهِيد، الْحق، الْوَكِيل، الْقوي، المتين، الْوَلِيّ، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الْحَيّ، القيوم، الْوَاجِد، الْمَاجِد، الْوَاحِد، الْأَحَد، الصَّمد، الْقَادِر، المقتدر، الْمُقدم، الْمُؤخر، الأول، الآخر، الظَّاهِر، الْبَاطِن، الْوَالِي، المتعالي، الْبر، التواب، المنتقم، الْعَفو، الرءوف، مَالك الْملك، ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام، المقسط، الْجَامِع، الْغَنِيّ، الْمُغنِي، الْمَانِع، الضار، النافع، النُّور، الْهَادِي، البديع، الْبَاقِي، الْوَارِث، الرشيد، الصبور. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 وَقد رُوِيَ عَن عبد الْعَزِيز بن الْحصين عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما)) فَذكرهَا، وعد مِنْهَا: الرب، المنان، الْكَافِي، البادئ، الدَّائِم، الْمولى، النصير، الْجَمِيل، الصَّادِق، الْمُحِيط، الْمُبين، الْقَرِيب، الفاطر، العلام، المليك، الأكرم، الْمُدبر، الْوتر، ذُو المعارج، ذُو الطول، ذُو الْفضل. غير أَن عبد الْعَزِيز هَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي النَّقْل. فصل: ونشير إِلَى تَفْسِير الْمُشكل من هَذِه الْأَسْمَاء: فَأَما الله فَروِيَ عَن الْخَلِيل رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: أَنه لَيْسَ بمشتق، وَالثَّانيَِة: أَنه مُشْتَقّ. وَقَالَ بعض من رَآهُ مشتقا: إِنَّه من الوله؛ لِأَن الْقُلُوب توله نَحوه. وَقَالَ قوم: أَله يأله بِمَعْنى عبد يعبد. والقدوس: الطَّاهِر من الْعُيُوب. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 وَالسَّلَام: الَّذِي سلم من كل عيب وَنقص. وَالْمُؤمن: الَّذِي آمن الْمُؤمنِينَ من عَذَابه. والمهيمن: الشَّهِيد. والفتاح: الْحَاكِم. وَالْحكم: الْحَاكِم أَيْضا. وَالْعدْل: الَّذِي لَا يجور. واللطيف: الْبر بعباده الَّذِي يلطف بهم من حَيْثُ لَا يعلمُونَ، ويسبب لَهُم مصالحهم. والشكور: الَّذِي يشْكر الْيَسِير من الطَّاعَة فيثيب عَلَيْهِ. والحفيظ: الْحَافِظ. والمقيت: المقتدر. والحسيب: الْكَافِي. والجليل: الْعَظِيم. والرقيب: الْحَافِظ. وَفِي الْوَدُود وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يكون ((فعولًا)) فِي مَحل ((مفعول)) ، كَمَا يُقَال هيوب بِمَعْنى مهيب، فَهُوَ سُبْحَانَهُ مودود فِي قُلُوب أوليائه. وَالثَّانِي: أَن يكون بِمَعْنى الواد، أَي أَنه يود عباده الصَّالِحين، بِمَعْنى أَنه يُحِبهُمْ ويرضى عَنْهُم. والمجيد: الْوَاسِع الْكَرم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 قَالَ الْفراء: وَالْوَكِيل: الْكَافِي. والمتين: الشَّديد الْقُوَّة. وَالْوَلِيّ: النَّاصِر. والحميد: الْمَحْمُود. والقيوم: الْقَائِم الدَّائِم بِلَا زَوَال. والواجد: الْغَنِيّ. والماجد بِمَعْنى الْمجِيد. والأحد: الْمُنْفَرد بالمعني الَّذِي لَا يُشَارِكهُ فِيهِ أحد. وَالْوَاحد: الْمُنْفَرد بِالذَّاتِ. والصمد: السَّيِّد. وَالظَّاهِر: بالحجج. وَالْبَاطِن: المحتجب عَن الْأَبْصَار. والوالي: الْمُتَوَلِي للأشياء. والرءوف: الرَّحِيم. وَمعنى ((ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام)) أَنه أهل أَن يجل وَيكرم. والمقسط: الْعَادِل. وَالْمَانِع: النَّاصِر. وَمعنى النُّور: أَنه بنوره يبصر ذُو العماية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 والبديع: المبتدع. وَالْوَارِث: الْبَاقِي بعد فنَاء الْخلق. والرشيد: ((فعيل)) بِمَعْنى ((مفعل)) فَمَعْنَاه الَّذِي أرشد الْخلق إِلَى مصالحهم. والصبور: الَّذِي لَا يعاجل العصاة. والمنان: الْكثير الْعَطاء. والبادئ بِمَعْنى المبدئ. والجميل: الْمُجْمل. والمبين: الْبَين أمره فِي الوحدانية. والأكرم: الَّذِي لَا يوازيه كريم، وَقد يكون بِمَعْنى الْكَرِيم، كالأعز بِمَعْنى الْعَزِيز. والمعارج: الدرج، فَهُوَ الَّذِي يصعد إِلَيْهِ بأعمال الْعباد. والطول: الْفضل. وَفِي بعض الرِّوَايَات: الْوَاسِع: وَهُوَ الْغَنِيّ. 1903 - / 2352 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس والثمانين بعد الْمِائَة: جلس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِفنَاء بَيت فَاطِمَة فَقَالَ: ((أَثم لكع؟)) . الفناء: مَا حول الدَّار. الحديث: 1903 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 واللكع: الصَّغِير، إِمَّا فِي السن أَو فِي الْعلم أَو فِي الْقدر أَو فِي الْعقل. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: هَذَا يُقَال على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: الإستصغار. وَالثَّانِي: الذَّم. وَالَّذِي أَرَادَهُ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الإستصغار. وَأما الَّذِي طلبه فَهُوَ الْحسن بن عَليّ. والسخاب: القلادة. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: هُوَ خيط ينظم فِيهِ خرز ويلبسه الصّبيان والجواري، وَالْجمع سخب. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: هُوَ قلادة يتَّخذ خرزها من الطّيب من غير ذهب وَلَا فضَّة. وَقَوله: فجَاء يشْتَد: أَي يعدو. 1904 - / 2353 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس والثمانين بعد الْمِائَة: ((نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ يَوْم الْقِيَامَة)) . الْمَعْنى: نَحن الْآخرُونَ فِي الزَّمَان، السَّابِقُونَ فِي دُخُول الْجنَّة. وَقيل: إِنَّه لما تخيرت الْيَهُود السبت وَالنَّصَارَى الْأَحَد، وهدانا الله ليَوْم الْجُمُعَة - وَهِي سَابِقَة لليومين، سبقناهم فِي الدُّنْيَا ونسبقهم فِي الْآخِرَة. وَقد سبق هَذَا الحَدِيث وَالْكَلَام عَلَيْهِ فِي مُسْند حُذَيْفَة، وَبينا معنى قَوْله: ((هَذَا يومهم الَّذِي فرض عَلَيْهِم)) وَأَنَّهُمْ أمروا بِالْجمعَةِ فَاخْتَارُوا السبت. فَأَما قَوْله: ((بيد أَنهم)) فَقَالَ أَبُو عبيد: غير أَنهم، وعَلى أَنهم. الحديث: 1904 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 قَالَ: وَيُقَال: ميد بِالْمِيم. وَالْمِيم تدخل على الْبَاء نَحْو أغبطت عَلَيْهِ الْحمى وأغمطت. وسبد رَأسه وسمده. وَقَوله: ((حق على كل مُسلم أَن يغْتَسل)) ظَاهره الْوُجُوب، فَيكون مَنْسُوخا، وَيحْتَمل أَن يكون الْحق بِمَعْنى اللَّازِم فِي بَاب الإستحباب. وَقد شرحناه هَذَا فِي مُسْند أبي سعيد الْخُدْرِيّ. 1905 - / 2354 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع والثمانين بعد الْمِائَة: ضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل الْبَخِيل والمتصدق كَمثل رجلَيْنِ عَلَيْهِمَا جنتان من حَدِيد. الْجنَّة: مَا استتر بِهِ من سلَاح أَو غَيره. وَالْجنَّة: الترس، وَفِي رِوَايَة: ((جبتان)) بِالْبَاء، والتراقي جمع ترقوة، وللإنسان ترقوتان: وهما العظمان المشرفان فِي أَعلَى الصَّدْر، وَهَذَا مثل ضربه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للبخيل والجواد، فشبههما برجلَيْن أَرَادَ كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يلبس درعا يستجن بهَا، فصبها على رَأسه ليلبسها. والدروع: أول مَا يَقع على الصَّدْر والثديين إِلَى أَن يدْخل اللابس يَدَيْهِ فِي كميها. فَجعل مثل الْمُنفق مثل من لبس درعا سابغة فاسترسلت عَلَيْهِ حَتَّى سترت جَمِيع بدنه، وَهُوَ معنى قَوْله: ((حَتَّى يعْفُو أَثَره)) أَي يستر جَمِيع بدنه. وَجعل الْبَخِيل كَرجل قد غلت يَدَاهُ إِلَى عُنُقه، فَكلما أَرَادَ لبسهَا اجْتمعت فِي عُنُقه فلزمت ترقوته، وَهُوَ معنى: قلصت: أَي تضامت وَاجْتمعت. وَالْمرَاد أَن الْجواد إِذا هم بِالصَّدَقَةِ، الحديث: 1905 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 اِنْفَسَحَ بهَا صَدره، والبخيل، إِذا حدث نَفسه بِالصَّدَقَةِ ضَاقَ صَدره وانقبضت يَده. 1906 - / 2355 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن والثمانين بعد الْمِائَة: ((يحْشر النَّاس على ثَلَاثَة طرائق: راغبين، وراهبين، وَاثْنَانِ على بعير وَثَلَاثَة على بعير وَأَرْبَعَة على بعير)) . قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: هَذَا الْحَشْر إِنَّمَا يكون قبل قيام السَّاعَة، يحْشر النَّاس أَحيَاء إِلَى الشَّام. فَأَما الْحَشْر الَّذِي يكون بعد الْبَعْث من الْقُبُور فَإِنَّهُ على خلاف هَذِه الصُّورَة من ركُوب الْإِبِل والمعاقبة عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ على مَا ورد فِي الْخَبَر أَنهم يبعثون حُفَاة عُرَاة غرلًا. 1907 - / 2356 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع والثمانين بعد الْمِائَة: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: أرسل ملك الْمَوْت إِلَى مُوسَى، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكه ففقأ عينه. الصَّك: ضرب الْوَجْه برؤوس الْأَصَابِع. وفقأ عينه: قلعهَا. والكثيب من الرمل: مَا اجْتمع مِنْهُ وارتفع. وَقد اعْترض بعض الْمُلْحِدِينَ على هَذَا الحَدِيث بأَرْبعَة أَشْيَاء: الحديث: 1906 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 أَحدهَا: كَيفَ يقدر الْآدَمِيّ أَن يفقأ عين ملك الْمَوْت، فَلَيْسَ الْملك بجسم كثيف؟ وَالثَّانِي: كَيفَ جَازَ لمُوسَى أَن يفعل ذَلِك برَسُول ربه وَفِي طي هَذَا مراغمة الْمُرْسل؟ وَالثَّالِث: أَيْن شوق مُوسَى إِلَى لِقَاء الله تَعَالَى؟ وَالرَّابِع: كَيفَ خَالف الْملك مرسله فَعَاد وَلم يقبض نَفسه؟ فَالْجَوَاب: لما أكْرم الله عز وَجل مُوسَى بِكَلَامِهِ ومحبته إِيَّاه بعث إِلَيْهِ الْملك فِي صُورَة رجل ليتلطف فِي قبض روحه، فصادفه بشرا يكره الْمَوْت طبعا لما يعلم من ملاقاة مشاقه، فَدفعهُ عَن نَفسه وَهُوَ لَا يعلم أَنه ملك الْمَوْت، وَقد يخفى الْملك على النَّبِي إِذا جَاءَ فِي صُورَة الْبشر كَمَا خفيت الْمَلَائِكَة على إِبْرَاهِيم وَلُوط، وخفي جِبْرِيل على نَبينَا لما جَاءَهُ فِي صُورَة رجل فَسَأَلَهُ عَن الْإِسْلَام وَالْإِيمَان. فروى الحَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ من وُجُوه، فَفِي بَعْضهَا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ((مَا خَفِي عَليّ جِبْرِيل قطّ مثل الْيَوْم)) وَفِي لفظ: ((مَا عَرفته حَتَّى ولى)) وَفِي لفظ: ((مَا أَتَانِي قطّ فَلم أعرفهُ قبل مرتي هَذِه)) وَفِي لفظ: ((مَا أَتَانِي فِي صُورَة قطّ إِلَّا عَرفته غير هَذِه الصُّورَة)) . فعلى هَذَا نقُول: دَفعه مُوسَى وَلم يعرفهُ، فصادفت تِلْكَ الدفعة عينة المركبة فِي الصُّورَة البشرية لَا الْعين الملكية، فَلَمَّا ذهب ملك الْمَوْت عَاد وَقد ردَّتْ عينه، فَتبين مُوسَى أَنه الْملك فاستسلم لقَضَاء الله سُبْحَانَهُ. وَقَالَ ابْن عقيل: يجوز أَن يكون مُوسَى قد أذن لَهُ فِي ذَلِك الْفِعْل بِملك الْمَوْت وابتلي ملك الْمَوْت بِالصبرِ عَلَيْهِ، كقصة الْخضر مَعَ مُوسَى. فَأَما الشوق إِلَى لِقَاء الله سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ لَا يُنَاقض كَرَاهِيَة الْمَوْت على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 مَا سَيَأْتِي فِي مُسْند عَائِشَة عِنْد قَوْله: ((من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه)) . وَأما عود الْملك فَإِنَّهُ أَمر بالتلطف فِي الْقَبْض، وَلم يجْزم لَهُ الْأَمر بِالْقَبْضِ فِي وَقت مَعْرُوف. وَأما سُؤال مُوسَى أَن يدنى من الأَرْض المقدسة فَلِأَنَّهُ مَاتَ فِي أَرض التيه. 1908 - / 2357 - وَفِي الحَدِيث التسعين بعد الْمِائَة: ((قَالَ سُلَيْمَان: لأطوفن اللَّيْلَة بِمِائَة امْرَأَة تَلد كل امْرَأَة مِنْهُنَّ غُلَاما يُقَاتل فِي سَبِيل الله عز وَجل)) . فِي عدد النِّسَاء أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: مائَة. وَالثَّانِي: تسعون. وَالثَّالِث: سَبْعُونَ. وَالرَّابِع: سِتُّونَ. وَكلهَا فِي الصَّحِيح. وَالْمرَاد بالإستثناء قَول: إِن شَاءَ الله. وَتَعْلِيق الْأَمر بِالْمَشِيئَةِ تَسْلِيم للقدر. وَإِنَّمَا ترك سُلَيْمَان الإستثناء نِسْيَانا فَلم يسامح بِتَرْكِهِ وَهُوَ نَبِي كريم، حَتَّى أثر التّرْك فقد الْغَرَض ونفع قَول إِن شَاءَ الله قوما كَافِرين، فَإِنَّهُ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: إِن يَأْجُوج وَمَأْجُوج يحفرون السد كل يَوْم وَيَقُولُونَ: غَدا نتمه، فيجيئون وَقد عَاد كَمَا كَانَ، فَإِذا أذن فِي خُرُوجهمْ قَالَ قَائِلهمْ: إِن شَاءَ الله، فيجيئون وَهُوَ على حَاله الحديث: 1908 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 فيفتحونه. فَبَان لهَذَا مرتبَة الْمَشِيئَة وأدب نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا يتَعَلَّق بهَا، فَقيل لَهُ: {وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا (23) إِلَّا أَن يَشَاء الله} [الْكَهْف: 23، 24] أَي: إِلَّا أَن تَقول: إِن شَاءَ الله، فَكَانَ يَقُولهَا فِي الْمُتَيَقن كَمَا يَقُولهَا فِي المظنون، فَإِذا مر على الْقُبُور قَالَ: ((وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون)) . فَإِن قَالَ قَائِل: من أَيْن لِسُلَيْمَان أَن يخلق من مَائه فِي تِلْكَ اللَّيْلَة مائَة غُلَام، لَا يجوز أَن يكون بِوَحْي لِأَنَّهُ مَا وَقع، وَلَا يجوز أَن يكون الْأَمر فِي ذَلِك إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا مَا يُريدهُ الله؟ فَالْجَوَاب: إِنَّه من جنس التَّمَنِّي على الله، وَالسُّؤَال لَهُ أَن يفعل، وَالْقسم عَلَيْهِ، كَقَوْل أنس بن النَّضر: وَالله لَا تكسر سنّ الرّبيع. غير أَنه لما خلا لَفظه من اسْتثِْنَاء لم يسامح مثله بِتَرْكِهِ، ذَلِك لِأَنَّهُ نَبِي يقْتَدى بِهِ. 1909 - / 2358 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالتسْعين بعد الْمِائَة: ((يفتح الْيَوْم من ردم يَأْجُوج وَمَأْجُوج مثل هَذِه)) وَعقد تسعين. الرَّدْم: الْحَائِط الْمَبْنِيّ فِي وُجُوههم. وَقد سبق ذكر يَأْجُوج وَمَأْجُوج فِي مُسْند أبي سعيد الْخُدْرِيّ. 1910 - / 2359 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالتسْعين بعد الْمِائَة: ((إِن أمتِي الحديث: 1909 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 يدعونَ يَوْم الْقِيَامَة غرا محجلين من آثَار الْوضُوء)) . الْغرَّة: بَيَاض فِي الْوَجْه وغرة كل شَيْء أكْرمه. والتحجيل: بَيَاض فِي الرجلَيْن. وَقَوله: ((أَسْبغ الْوضُوء)) أَي أتمه. وأشرع فِي الْعَضُد: بِمَعْنى أدخلهُ فِي الْغسْل، وَمِنْه إشراع الْبَاب والجناح. وَقَالَ الزّجاج: يُقَال: أشرعت الرمْح نَحْو الْعَدو: إِذا صوبته إِلَيْهِ وحددته نَحوه. والعضد: مَا بَين الْمرْفق إِلَى الْكَتف. والمنكب: مُجْتَمع رَأس الْعَضُد فِي الْكَتف. والإبط: مَا تَحت الْيَد. وَقد تقدما. والحلية المُرَاد بهَا النُّور الَّذِي يزين بِهِ الْمُتَوَضِّئ. وَبَاقِي الحَدِيث مِمَّا يتَعَلَّق بالحوض قد سبق فِي مُسْند سهل بن سعد وَغَيره. وَقَوله: ((السَّلَام عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين)) قد سبق فِي مُسْند بُرَيْدَة. فَإِن قيل: كَيفَ سمى من لم يره إخْوَانًا واشتاق إِلَيْهِم والإخوان أفضل من الْأَصْحَاب، وَقد ثَبت فضل أَصْحَابه على غَيرهم؟ فَالْجَوَاب: أَن الْأُخوة تَقْتَضِي المشابهة والمشاكلة، كَمَا يُقَال: هَذِه الْحبَّة من اللُّؤْلُؤ أُخْت هَذِه، قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا نريهم من آيَة إِلَّا هِيَ أكبر من أُخْتهَا} [الزخرف: 48] وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((شيبتني هود وَأَخَوَاتهَا)) . يُرِيد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 أشكالها من السُّور المتضمنة قصَص الْأُمَم السالفة. وَكَانَ يَقُول: ((رحم الله أخي مُوسَى)) ، ((رحم الله أخي عِيسَى)) وَذَلِكَ لموْضِع الْمُشَاركَة لَهُ فِي الدعاية، فَأَرَادَ بإخوانه فِي آخر الزَّمَان: القائمين بشرعه عِنْد فَسَاد الْأمة، فقد شابهوه فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهَا: أَنه جَاءَ على فَتْرَة من الرُّسُل وَقد تشبث حب الْأَصْنَام بالقلوب، وَخيَار أمته يظْهر كل مِنْهُم فِي زمن قد يتشبث الْهوى فِيهِ بالنفوس فيسلكون سنَن الإستقامة وَيدعونَ النَّاس إِلَى الصّلاح. وَالثَّانِي: أَنه ظهر غَرِيبا وَأظْهر دينه، فَكَانَ غَرِيبا، وَكَذَلِكَ صالحو الْمُتَأَخِّرين يكونُونَ غرباء ويظهرون مَا قد صَار غَرِيبا، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: ((بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ، فطوبى للغرباء)) قيل: من الغرباء؟ قَالَ: ((الَّذين يصلحون إِذا فسد النَّاس)) وَالثَّالِث: أَنهم يظهرون فِي زمَان خَال عَن نَذِير، فينفرد الْوَاحِد مِنْهُم عَن معِين، كَمَا ظهر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ هَذَا حَال صحابته مَعَ وجوده، فَإِن النَّاس استغنوا بِهِ عَنْهُم، فَلم يصلحوا إخْوَانًا لهَذَا الْمَعْنى وَإِن كَانَت مرتبتهم لَا توازى. فَإِن قيل: فَهَلا كَانَت هَذِه مرتبَة الصَّحَابَة بعد مَوته؟ قُلْنَا: لَا يَصح؛ لِأَن الْعَهْد قريب، والبدع نادرة، والمدافع عَن الشَّرّ من أهل الْعلم كثير. وَإِنَّمَا اشْتَدَّ شوقه إِلَيْهِم لمَكَان اجتهادهم فِي إِثْبَات الدَّلِيل على نبوته، فَإِن الصَّحَابَة رَأَوْا مِنْهُ مَا لم ير هَؤُلَاءِ من الْآيَات الخارقة والمعجزات العجيبة، كنبع المَاء من بَين أَصَابِعه، وحنين الْجذع إِلَيْهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 وإخباره بالغائبات، فَكَانَت كَمَا قَالَ؛ والمتأخرون لم يشاهدوا مثل هَذَا، وَإِنَّمَا نقل إِلَيْهِم. والدهم: السود: والبهم: من قَوْلك: أسود بهيم، وَهُوَ الَّذِي لَا يخالط لَونه لون سواهُ. 1911 - / 2360 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالتسْعين بعد الْمِائَة: ((على أنقاب الْمَدِينَة مَلَائِكَة، لَا يدخلهَا الطَّاعُون وَلَا الدَّجَّال)) . الأنقاب جمع نقب: وَهُوَ الطَّرِيق بَين الجبلين. وَقد ذكرنَا الدَّجَّال وتسميته بالمسيح فِي مُسْند ابْن عمر. ودبر أحد: ظهر الْجَبَل. 1912 - / 2361 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالتسْعين بعد الْمِائَة: ((من تَوَضَّأ فليستنثر، وَمن استجمر فليوتر)) . الإستنثار: نفض مَا فِي الْأنف بعد استنشاق المَاء. وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى: من تَوَضَّأ فليستنشق؛ لِأَن النثرة الْأنف. والإستجمار: الإستنجاء بِالْحِجَارَةِ. وَقَوله: ((فليوتر)) دَلِيل على وجوب اسْتِيفَاء عدد الثَّلَاث فِي الإستنجاء؛ إِذا كَانَ معقولا أَنه لم يرد بِهِ الْوتر الَّذِي هُوَ الْوَاحِد، لِأَنَّهُ الحديث: 1911 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 زِيَادَة وصف على اسْم، والإسم لَا يحصل بِأَقَلّ من وَاحِد، فَعلم أَنه قصد بِهِ مَا زَاد على الْوَاحِد، وَأَدْنَاهُ الثَّلَاث. وَمن أنقى وَأحب الزِّيَادَة اسْتحبَّ لَهُ أَن تكون زِيَادَته وترا لهَذَا الحَدِيث. وَقَوله: ((وَإِذا اسْتَيْقَظَ فليغسل يَده)) أما غسل الْيَد عِنْد الانتباه من نوم اللَّيْل فَإِن بعض أَصْحَاب أبي هُرَيْرَة ذكر غسل الْيَد مُطلقًا، وَبَعْضهمْ ذكر الْغسْل ثَلَاثًا، فَمن الَّذين ضبطوا الثَّلَاث جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة، وَعبد الله بن شَقِيق وَأَبُو رزين وَأَبُو صَالح كلهم عَن أبي هُرَيْرَة بِذكر الثَّلَاث. وَمذهب أَحْمد أَن ذَلِك على الْوُجُوب خلافًا للأكثرين. 1913 - / 2362 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالتسْعين بعد الْمِائَة: ((لَيْسَ على الْمُسلم صَدَقَة فِي عَبده وَلَا فرسه)) . وَالصَّدَََقَة هَا هُنَا الزَّكَاة، وَالْمرَاد العَبْد وَالْفرس اللَّذَان للْخدمَة دون مَا يتَّخذ من ذَلِك للتِّجَارَة. 1914 - / 2363 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالتسْعين بعد الْمِائَة: ((من رغب عَن أَبِيه فَهُوَ كفر)) . الْكفْر أَصله التغطية. وَهَذَا يحْتَمل مَعْنيين: أَحدهمَا: أَنه تَغْطِيَة الحديث: 1913 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 للصحيح. وَالثَّانِي: أَنه فعل الْكفَّار لَا فعل الْمُسلمين. 1915 - / 2364 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالتسْعين بعد الْمِائَة: رخص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بيع الْعَرَايَا بِخرْصِهَا من التَّمْر، مَا دون خَمْسَة أوسق أَو فِي خَمْسَة أوسق. شكّ الرَّاوِي. قد سبق الْكَلَام فِي الْعَرَايَا أَنه إِنَّمَا جَازَ لأجل الْحَاجة، فِي مُسْند زيد بن ثَابت، وَلَا يجوز إِلَّا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق، لِأَن الرَّاوِي شكّ فأسقطنا الْمَشْكُوك فِيهِ. 1916 - / 2365 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالتسْعين بعد الْمِائَة: ((يسلم الرَّاكِب على الْمَاشِي)) . الرَّاكِب بِالْإِضَافَة إِلَى الْمَاشِي كَأَنَّهُ مار على قَاعد لمَكَان إسراعه، وَكَذَلِكَ الْمَاشِي مَعَ الْقَاعِد. وَالْمرَاد من السَّلَام الْأمان. والماشي يخَاف الرَّاكِب، والقاعد يخَاف الْمَاشِي، فَأمر بِالسَّلَامِ ليَقَع الْأَمْن. فَأَما الْعدَد الْكثير فَلهُ زِيَادَة مرتبَة بِالْكَثْرَةِ، فشرع تَسْلِيم النَّاقِص على الْكَامِل، وَكَذَلِكَ الصَّغِير على الْكَبِير. 1917 - / 2366 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالتسْعين بعد الْمِائَة: ((لَا يزَال أحدكُم فِي صَلَاة مَا دَامَت الصَّلَاة تحبسه)) . إِذا قعد الْمُتَوَضِّئ ينْتَظر الصَّلَاة أعطي حكم الْمُصَلِّي، فَإِذا أحدث الحديث: 1915 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 خرج عَن تِلْكَ الْحَالة. 1918 - / 2367 - وَفِي الحَدِيث الْمِائَتَيْنِ: ((لعن الله السَّارِق يسرق الْبَيْضَة فتقطع يَده، وَيسْرق الْحَبل فتقطع يَده)) . فِي هَذَا الحَدِيث ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَنه عَنى بالبيضة بيض الْحَدِيد، وبالحبل: الْعَظِيم من حَبل السفن، وكل من هذَيْن يبلغ دَرَاهِم كَثِيرَة، وَهَذَا مَذْكُور فِي الحَدِيث عَن الْأَعْمَش يحكيه عَن الْعلمَاء. وَكَانَ يحيى بن أَكْثَم يذهب إِلَى هَذَا التَّفْسِير ويعجب بِهِ. وَالثَّانِي: أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما نزل عَلَيْهِ: {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} [الْمَائِدَة: 38] قَالَ هَذَا الحَدِيث أخذا بِظَاهِر الْآيَة، ثمَّ أعلم بِالْوَحْي بعد أَن الْقطع لَا يكون إِلَّا فِي ربع دِينَار فَمَا فَوْقه: وَهَذَا اخْتِيَار ابْن قُتَيْبَة، وَأنكر القَوْل الأول وَقَالَ: لَا يَقُوله إِلَّا من لَا معرفَة لَهُ باللغة ومخارج الْكَلَام، فَإِن هَذَا لَيْسَ بِموضع تَكْثِير لما يَأْخُذهُ السَّارِق، وَلَيْسَ من عَادَة النَّاس أَن يَقُولُوا: قبح الله فلَانا، عرض نَفسه للضرب فِي عقد جَوْهَر وجراب مسك، وَإِنَّمَا الْعَادة أَن يُقَال: تعرض لقطع الْيَد فِي حَبل رث، وَكلما كَانَ أَحْقَر كَانَ أبلغ. وَالثَّالِث: أَن المُرَاد أَنه يقطع فِي السّرقَة حَتَّى فِي الشَّيْء المحتقر إِذا بلغ نِصَابا، فَذكر الْبَيْضَة وَالْحَبل لبَيَان جنس المحتقرات، لِئَلَّا يظنّ أَن الْقطع يخْتَص بنفائس الْأَمْوَال. 1919 - / 2368 - وَفِي الحَدِيث الأول بعد الْمِائَة: ((من تردى من الحديث: 1918 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 جبل فَقتل نَفسه فَهُوَ فِي نَار جَهَنَّم يتردى فِيهَا خَالِدا مخلدا فِيهَا أبدا)) . تردى بِمَعْنى سقط. ويتوجأ بهَا: أَي يضْرب بهَا. فَإِن قيل: غَايَة هَذِه الْأَشْيَاء أَنَّهَا مَعْصِيّة لَا كفر فِيهَا، فَمَا وَجه الخلود؟ فَالْجَوَاب: أَن ذكر الخلود إِنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، وَقد رَوَاهُ سعيد المَقْبُري والأعرج عَن أبي هُرَيْرَة وَلم يذكرَا فِيهِ ((خَالِدا مخلدا أبدا)) قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَهَذَا أصح. وَقَالَ القَاضِي أَبُو يعلى: هَذَا مَحْمُول على من فعل ذَلِك مستحلا لقَتله ومكذبا بِتَحْرِيم ذَلِك، بِدَلِيل الْأَحَادِيث المروية فِي أَن الْمُسلمين لَا يخلدُونَ. 1920 - / 2369 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي بعد الْمِائَتَيْنِ: ((ثَلَاثَة لَا يكلمهم الله: رجل على فضل مَاء بالفلاة يمنعهُ من ابْن السَّبِيل، فَيَقُول الله لَهُ يَوْم الْقِيَامَة: الْيَوْم أمنعك كَمَا منعت فضل مَا لم تعْمل يداك)) . يُرِيد بِهَذَا أَن الله تَعَالَى هُوَ الَّذِي خلق المَاء وأنزله من السَّمَاء وأجراه من الْعُيُون، وَأما تَخْصِيص مَا بعد الْعَصْر بِالْحِنْثِ فَلِأَنَّهُ وَقت يعظمه أهل الْأَدْيَان، وَهُوَ وَقت اجْتِمَاع النَّاس فِيهِ. وَقَوله فِي الْمُبَايعَة للْإِمَام: ((إِن أعطَاهُ وفى)) أعلم أَن الْمُبَايعَة يَنْبَغِي الحديث: 1920 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 أَن تكون للدّين لَا للدنيا، فَإِذا عكس الْأَمر وَقعت الْعقُوبَة. 1921 - / 2370 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث بعد الْمِائَتَيْنِ: ((مَا بَين النفختين أَرْبَعُونَ)) . النفخة الأولى فِي الصُّور هِيَ الَّتِي تَمُوت الْخَلَائق عِنْدهَا. والنفخة الثَّانِيَة هِيَ الَّتِي يحيون عِنْدهَا. وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: أَبيت، لِأَنَّهُ إِنَّمَا سمع ((أَرْبَعِينَ)) وَلم يعين لَهُ. قَوْله: ((ويبلى كل شَيْء من الْإِنْسَان إِلَّا عجب الذَّنب)) وَهُوَ العصعص، وَهُوَ الْعظم الَّذِي يجد اللامس مَسّه فِي وسط الْوَرِكَيْنِ. فَإِن قَالَ قَائِل: فَمَا فَائِدَة إبْقَاء هَذَا الْعظم دون سَائِر الْجَسَد؟ فقد أجَاب ابْن عقيل فَقَالَ: لله سُبْحَانَهُ فِي هَذَا سر لَا نعلمهُ، لِأَن من ينحت الْوُجُود من الْعَدَم لَا يحْتَاج أَن يكون لفعله شَيْء يبْنى عَلَيْهِ، فَإِن علل هَذَا، فَيجوز أَن يكون الْبَارِي سُبْحَانَهُ جعل ذَلِك للْمَلَائكَة عَلامَة على أَنه يحيي كل إِنْسَان بجواهره بِأَعْيَانِهَا، وَلَا يحصل الْعلم للْمَلَائكَة بذلك إِلَّا بإبقاء عظم من كل شخص ليعلم أَنه إِنَّمَا أَرَادَ بذلك إِعَادَة الْأَرْوَاح إِلَى تِلْكَ الْأَعْيَان الَّتِي هَذَا جُزْء مِنْهَا، كَمَا أَنه لما أمات عُزَيْرًا وَحِمَاره، أبقى عِظَام الْحمار وَكَسَاهَا ليعلم أَن هَذَا المنشأ ذَلِك الْحمار لَا غَيره، وَلَوْلَا إبْقَاء شَيْء لجوزت الْمَلَائِكَة أَن تكون الْإِعَادَة للأرواح إِلَى أَمْثَال الأجساد لَا إِلَى أعيانها. الحديث: 1921 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 1922 - / 2371 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع بعد الْمِائَتَيْنِ: ((أثقل صَلَاة على الْمُنَافِقين صَلَاة الْعشَاء وَصَلَاة الْفجْر)) . إِنَّمَا ثقلت هَاتَانِ الصَّلَاتَان على الْمُنَافِقين لإيثارهم النّوم وكراهتهم التعسف فِي الْخُرُوج وَالْمَشْي فِي الظلمَة. والحبو: زحف الصَّغِير. والعرق: الْعظم الَّذِي تقشر عَنهُ مُعظم اللحوم وَبقيت عَلَيْهِ مِنْهُ بَقِيَّة. والمرماة يُقَال بِفَتْح الْمِيم وَكسرهَا، قَالَ أَبُو عبيد: وَهِي مَا بَين ظلفي الشَّاة. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: وَقَالَ غير أبي عبيد: المرماة: سهم يتَعَلَّم عَلَيْهِ الرَّمْي. وَقَالَ الْحميدِي: هِيَ السهْم الَّذِي يرْمى بِهِ. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على وجوب صَلَاة الْجَمَاعَة. 1923 - / 2372 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس بعد الْمِائَتَيْنِ: ((لَا يصومن أحدكُم يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا أَن يَصُوم قبله أَو بعده)) . إِفْرَاد يَوْم الْجُمُعَة بالصيام مَكْرُوه عِنْد أَحْمد وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يكره، والْحَدِيث نَص. وَأما تَخْصِيص لَيْلَة الحديث: 1922 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 الْجُمُعَة بِالْقيامِ فمكروه؛ لِأَن السهر يُؤثر فِي وظائف يَوْم الْجُمُعَة وَيمْنَع النشاط لَهَا. 1924 - / 2373 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس بعد الْمِائَتَيْنِ: ((لِأَن يمتلئ جَوف أحدكُم قَيْحا يرِيه خير من أَن يمتلئ شعرًا)) . قد سبق الْكَلَام فِيهِ فِي مُسْند سعد بن أبي وَقاص، إِلَّا أَن حَدِيث سعد فِيهِ: ((حَتَّى يرِيه)) وَلَيْسَ هَا هُنَا ((حَتَّى)) فنرى جمَاعَة من المبتدئين ينصبون ((يرِيه)) هَا هُنَا جَريا على الْعَادة فِي قِرَاءَة الحَدِيث الَّذِي فِيهِ ((حَتَّى)) ، وَلَيْسَ هَا هُنَا مَا ينصب، سمعته من عبد الله بن أَحْمد النَّحْوِيّ. 1925 - / 2374 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع بعد الْمِائَتَيْنِ: ((الْإِيمَان بضع وَسِتُّونَ شُعْبَة)) . الْبضْع من الشَّيْء: الْقطعَة مِنْهُ، وَيُقَال: هُوَ من الْوَاحِد إِلَى الْعشْرَة، وَقيل: مَا بَين الثَّلَاث إِلَى التسع. والشعبة: قِطْعَة من الشَّيْء، وَالْمرَاد بِهَذِهِ الْخِصَال أصُول الْخَيْر من الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال. وَالْإِيمَان إِنَّمَا هُوَ تَصْدِيق الْقلب، وَهَذِه الْخِصَال تنبعث عَنهُ فسميت إِيمَانًا. وَقد سبق فِي مُسْند ابْن عمر تَفْسِير قَوْله: ((الْحيَاء شُعْبَة من الْإِيمَان)) . الحديث: 1924 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 1926 - / 2375 - والْحَدِيث الثَّامِن بعد الْمِائَتَيْنِ: قد تقدم فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. 1927 - / 2376 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع بعد الْمِائَتَيْنِ: ((السّفر قِطْعَة من الْعَذَاب)) . السّفر مُشْتَقّ من السّفر وَهُوَ الْكَشْف، يُقَال: سفرت الْمَرْأَة عَن وَجههَا، وأسفر الصُّبْح: إِذا أَضَاء، فَسُمي الْخُرُوج إِلَى الْموضع الْبعيد سفرا لِأَنَّهُ يكْشف عَن أَخْلَاق الْمُسَافِر وأحواله. وَالْعَذَاب: الْأَلَم المستمر. وَالْمُسَافر يتَأَذَّى بِالْمَشْيِ وَالرُّكُوب والسهر وَغير ذَلِك. والنهمة: الْحَاجة والإرادة من الشَّيْء، وَالْمرَاد بِالْوَجْهِ الْمَقْصد الَّذِي قَصده فِي السّفر. 1928 - / 2377 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر بعد الْمِائَتَيْنِ: ((تعوذوا بِاللَّه من جهد الْبلَاء)) . تعوذوا: بِمَعْنى الجأوا إِلَيْهِ ولوذوا بِهِ. والجهد: الْمَشَقَّة. والدرك: الْإِدْرَاك. الحديث: 1926 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 والشقاء: الْهَلَاك. وَقد يذكر وَيُرَاد بِهِ الْأَسْبَاب الَّتِي تُؤدِّي إِلَى الْهَلَاك، كالنصب وَغَيره. والشماتة: الْفَرح ببلية الْعَدو. وَفِي هَذَا الحَدِيث أَن الْكَلَام المسجوع إِذا لم يكن عَن تكلّف لم يكره. فَإِن قيل: هَل تَنْفَع الإستعاذة مِمَّا قضي؟ فَالْجَوَاب: أَنَّهَا مِمَّا قضي أَيْضا، فقد يقْضى على الْإِنْسَان بلَاء ويسبق فِي الْقَضَاء أَنه يَدْعُو فَيدْفَع عَنهُ، فَيكون فِي الْقَضَاء الدَّافِع والمدفوع. وَفَائِدَة الدُّعَاء التَّعَبُّد بِهِ وَإِظْهَار الْفَاقَة من العَبْد. 1929 - / 2378 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر بعد الْمِائَتَيْنِ: ((الْعمرَة إِلَى الْعمرَة كَفَّارَة لما بَينهمَا)) . الْعمرَة مَعْرُوفَة، وَأَصلهَا فِي اللُّغَة الزِّيَارَة. وَالْحج: الْقَصْد. والمبرور: المقبول، وَقَالَ بعض الْعلمَاء: المبرور: الَّذِي لَا يخالطه شَيْء من المآثم، وَكَذَلِكَ البيع المبرور: الَّذِي لَا شُبْهَة فِيهِ وَلَا خِيَانَة، وَقد سبق بَيَان هَذَا. وَقَوله: ((من حج لله)) إِشَارَة إِلَى الْإِخْلَاص. والرفث: الْكَلَام المستقبح. وَالْفِسْق: الْخُرُوج عَن طَاعَة الله عز وَجل. وَقَوله: ((كَيَوْم وَلدته أمه)) أَي رَجَعَ بِغَيْر ذَنْب. الحديث: 1929 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 1930 - / 2379 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر بعد الْمِائَتَيْنِ: ((بَيْنَمَا رجل يمشي فَإِذا كلب يَلْهَث يَأْكُل الثرى من الْعَطش)) . اللهث: صَوت النَّفس من شدَّة الإعياء. وَالثَّرَى هَا هُنَا الأَرْض. ورقي بِكَسْر الْقَاف: أَي صعد. وَالْبَغي: الْفَاجِرَة. ويطيف: يَدُور حولهَا. وأدلع: أخرج لِسَانه من الْعَطش. والموق: الْخُف، قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الموق: الْخُف، فَارسي مُعرب. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: الموق: نوع من الْخفاف مَعْرُوف وَسَاقه إِلَى الْقصر. وقرأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: الموق فَارسي مُعرب، وَيجمع على الأمواق. وَفِي حَدِيث عمر أَنه لما قدم الشَّام عرضت لَهُ مخاضة فَنزل عَن بعيره وَنزع موقيه. وَقَالَ النمر بن تولب: (فترى النعاج بِهِ تمشي خلفة ... مشي العباديين فِي الأمواق) العباديون: قوم تزهدوا وَقَالُوا: نَحن عباد الله. الحديث: 1930 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 1931 - / 2380 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر بعد الْمِائَتَيْنِ: ((لَو يعلم النَّاس مَا فِي النداء والصف الأول ثمَّ لم يَجدوا إِلَّا أَن يستهموا عَلَيْهِ لاستهموا)) . النداء: الْأَذَان. والاستهام: الْقرعَة. وَإِنَّمَا قيل فِي الإقراع استهام لِأَنَّهَا سِهَام يكْتب عَلَيْهَا الْأَسْمَاء، فَمن وَقع لَهُ مِنْهَا سهم حَاز الْحَظ الموسوم. والتهجير: التبكير بِصَلَاة الظّهْر. والهاجرة: نصف النَّهَار. وَالشُّهَدَاء جمع شَهِيد. وَفِي تَسْمِيَة الشَّهِيد شَهِيدا سَبْعَة أَقْوَال قد ذَكرنَاهَا فِي مُسْند عمر بن الْخطاب. وَأما المطعون فَهُوَ صَاحب الطَّاعُون، وَهُوَ مرض مَعْرُوف. والمبطون: صَاحب الْبَطن، وَهُوَ ذُو الإسهال. وَالْهدم بِفَتْح الدَّال: هُوَ اسْم مَا يَقع، قَالَه لنا ابْن الخشاب. وَأما بتسكينها فَهُوَ الْفِعْل. وَالَّذِي يَقع هُوَ الَّذِي يقتل، وَيجوز أَن ينْسب الْقَتْل إِلَى الْفِعْل، إِلَّا أَن الأول أظهر. وَقَوله: ((خير صُفُوف الرِّجَال أَولهَا)) لأَنهم قد أمروا بالتقدم، فَخَيرهمْ من بَادر الْفَضِيلَة، على عكس حَال النِّسَاء فَإِنَّهُنَّ قد أمرن بالتأخر خوف الإفتتان بِهن. الحديث: 1931 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 1932 - / 2383 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر بعد الْمِائَتَيْنِ: ((ذهب أهل الدُّثُور بِالْأُجُورِ)) وَقد سبق فِي مُسْند أبي ذَر. 1933 - / 2384 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر بعد الْمِائَتَيْنِ ((لَا أجد حمولة)) . الحمولة: مَا يحمل الزَّاد وَالْمَتَاع من الْإِبِل. وَقَوله: ((انتدب الله)) أَي أَجَابَهُ إِلَى غفرانه، يُقَال: ندبته للْجِهَاد فَانْتدبَ، أَي أجَاب. وَقَوله: ((قتلت ثمَّ أَحييت)) دَلِيل على فضل الشَّهَادَة، وحث على مبادرة الْفَضَائِل وَحمل المشاق فِي تكلفها نظرا إِلَى مآلها. 1934 - / 2385 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر بعد الْمِائَتَيْنِ: فِي ذكر الْخَيل: ((رجل ربطها فَأطَال لَهَا فِي مرج أَو رَوْضَة)) . قَوْله: ((أَطَالَ لَهَا)) أَي أرْخى لَهَا الْحَبل. والطول: الْحَبل الَّذِي يشد بِهِ الدَّابَّة، قَالَ طرفَة: (لعمرك إِن الْمَوْت مَا أَخطَأ الْفَتى ... لكالطول المرخى وثنياه بِالْيَدِ) والطيل لُغَة فِي الطول. والمرج: أَرض ذَات نَبَات تمرج فِيهَا الدَّوَابّ: أَي ترسل للرعي. وَالرَّوْضَة: الْمَكَان المخضر. الحديث: 1932 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 والإستنان: الْعَدو، وَقد شرحناه فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. والشرق: الْموضع الْمشرق: ومشارق الأَرْض: أعاليها. والتغني: الإستغناء. وَقَوله: ((ثمَّ لم ينس حق الله فِي رقابها وظهورها)) عِنْد أبي حنيفَة أَن الزَّكَاة وَاجِبَة فِي الْخَيل، وَعِنْدنَا لَا تجب، وَلنَا فِي هَذَا الحَدِيث وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يدعى نسخه بِمَا قد سبق قبل أوراق من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ((لَيْسَ على الْمُسلم صَدَقَة فِي فرسه وَعَبده)) وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام: ((عَفَوْت لكم عَن صَدَقَة الْخَيل وَالرَّقِيق)) وَفِي حَدِيث آخر: ((لَيْسَ فِي الْجَبْهَة وَلَا النخة صَدَقَة)) . قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الْجَبْهَة: الْخَيل. والنخة الرَّقِيق. وَالثَّانِي: أَن يكون الْحق بِمَعْنى الْمَعْرُوف، كَمَا سبق فِي حَدِيث جَابر أَنه سُئِلَ عَن حق الْإِبِل فَقَالَ: حلبها على المَاء، ومنيحتها وإعارة دلوها. وَمَعْلُوم أَنه لم يجب فِيهَا سوى الزَّكَاة، وَأَن الْحَلب على المَاء والمنحة مَنْدُوب إِلَيْهِمَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 وَأما قَوْله: ((فخرا ورياء)) أَي يفاخر بهَا ويري النَّاس كَثْرَة مَاله. وَقيل: بل يُرِيهم أَنه يُرِيد الْجِهَاد ويضمر غير ذَلِك. وَقَوله: ((ونواء لأهل الْإِسْلَام)) أَي معاداة لَهُم، يُقَال: ناوأت الرجل نواء ومناوأة: إِذا عاديته، وَأَصله من ناء إِلَيْك ونؤت إِلَيْهِ: أَي نهضت إِلَيْهِ نهوض المغالبة. والأشر: التكبر والمرح وَالْعجب. والبطر: الطغيان فِي النِّعْمَة. وَقَالَ الزّجاج: البطر. أَن يطغى فيتكبر عِنْد الْحق فَلَا يقبله. يَعْنِي المفردة الَّتِي جمعت على انفرادها حكم الْحَسَنَات والسيئات، وَهِي وَقَوله: ((هَذِه الْآيَة الجامعة الفاذة)) يَعْنِي المفردة الَّتِي جمعت على انفرادها حكم الْحَسَنَات والسيئات، وَهِي قَوْله تَعَالَى: {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره} [الزلزلة: 7] ومثقال الشَّيْء: زنته. والذرة: أَصْغَر النَّمْل. والصفائح وَاحِدهَا صفيحة. وَالْإِشَارَة بذلك إِلَى اتساع صفائحها وانبساط أقطارها. فأحمي عَلَيْهَا: أَي أوقد عَلَيْهَا حَتَّى تحمى. والجبين: مَا عَن يَمِين الْجَبْهَة وشمالها، وهما جبينان. والجبهة: مَوضِع السُّجُود. وَقَوله: ((وَمن حَقّهَا حلبها يَوْم وردهَا)) قد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند جَابر، وَبينا أَنه إِنَّمَا يكون قد كَانَ وَاجِبا قبل الزَّكَاة أَو أَن يشار بِالْحَقِّ إِلَى فعل الْمَعْرُوف، وفسرنا هُنَاكَ القاع والقرقر والأخفاف. والشجاع: الْحَيَّة. والأقرع: الَّذِي لِكَثْرَة مَا فِي رَأسه من السم كَأَنَّهُ قد قرع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 والعقصاء: الملتوية القرنين. والجلحاء: هِيَ الْجَمَّاء الَّتِي لَا قرن لَهَا، والعضباء: الْمَكْسُورَة الْقرن. والعضب فِي الْأذن: قطعهَا. والأظلاف قد ذَكرنَاهَا فِي مُسْند أبي ذَر. واليعار: صَوت الشَّاء. والرغاء: صَوت الْبَعِير. وَقَوله: ((لَهُ زَبِيبَتَانِ)) قَالَ أَبُو عبيد: هما النكتتان السوداوان فَوق عَيْنَيْهِ، وَهُوَ أوحش مَا يكون من الْحَيَّات وأخبثه. قَالَ: وَيُقَال فِي الزبيبتين إنَّهُمَا الزبدتان اللَّتَان تَكُونَانِ فِي الشدقين إِذا غضب الْإِنْسَان أَو أَكثر الْكَلَام حَتَّى يُزْبِد، قَالَت أم غيلَان بنت جرير الخطفي: رُبمَا أنشدت أبي حَتَّى يتزبب شدقاي. قَالَ الراجز: (إِنِّي إِذا مَا زبب الأشداق ... وَكثر الضجاج واللقلاق) (ثَبت الْجنان مرجم وداق ... ) اللقلاق: الصَّوْت. والمرجم: الَّذِي يرْجم الْكَلَام. وَقَوله: ((بِلِهْزِمَتَيْهِ)) يَعْنِي شدقيه. واللهزمتان: الشدقان. وَقَوله: ((الْخَيل مَعْقُود فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر)) قد سبق فِي مُسْند عُرْوَة الْبَارِقي. 1935 - / 2386 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر بعد الْمِائَتَيْنِ: ((تسموا الحديث: 1935 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 باسمي)) قد سبق فِي مُسْند جَابر، وَبينا حكمه. وَقَوله: ((من رَآنِي فِي الْمَنَام)) قد سبق فِي مُسْند أبي قَتَادَة. وَقَوله: ((من كذب عَليّ)) قد تقدم فِي مُسْند عَليّ. 1936 - / 2387 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِبلَال: ((سَمِعت اللَّيْلَة خشف نعليك)) وَفِي رِوَايَة: ((دف نعليك فِي الْجنَّة)) . الخشف: الْحَرَكَة وَالصَّوْت الَّذِي لَيْسَ بِالْقَوِيّ. والدف: الْحَرَكَة الْخَفِيفَة أَيْضا. وَقد حث هَذَا الحَدِيث على إتباع الْوضُوء بِالصَّلَاةِ لِئَلَّا يبْقى الْوضُوء خَالِيا عَن مَقْصُوده. 1937 - / 2388 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دَعْوَة، فَرفع إِلَيْهِ الذِّرَاع وَكَانَت تعجبه، فنهس مِنْهَا نهسة. قَالَ ابْن فَارس: الدعْوَة إِلَى الطَّعَام بِالْفَتْح. والدعوة فِي النّسَب بِالْكَسْرِ. وَحكي عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ: هَذَا أَكثر كَلَام الْعَرَب إِلَّا الحديث: 1936 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 عدي الربَاب، فَإِنَّهُم ينصبون الدَّال فِي النّسَب ويكسرونها فِي الطَّعَام. وَأما الذِّرَاع فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: هِيَ مُؤَنّثَة، وَجَمعهَا أَذْرع لَا غير. وَقَالَ ابْن قتبية: الذِّرَاع تذكر وتؤنث، وَمثلهَا الموس والسكين والسبيل وَالطَّرِيق والسوق والدلو وَاللِّسَان، من ذكره قَالَ أَلْسِنَة، وَمن أنثه قَالَ: ألسن، والعنق والعاتق والمتن وَالسِّلَاح والكراع والصاع وَالْحَال والفهر وَالْخمر وَالْعَسَل وَالسُّلْطَان وَالسّلم - وَهُوَ الصُّلْح - والقليب. وَمِمَّا يكون للذكور وَالْإِنَاث وَفِيه عَلامَة التَّأْنِيث: السخلة تكون للذّكر وَالْأُنْثَى، والبهمة كَذَلِك، والرشأ: ولد الغزال، والعسبارة: ولد الضبع من الذِّئْب، والحية وَالشَّاة، وبطة وحمامة ونعامة، لَا تَقول هَذِه نعَامَة ذكر حَتَّى تَقول: ظليم. وكل هَذِه تجمع بطرح الْهَاء إِلَّا حَيَّة فَإِنَّهُ لَا يُقَال فِي جمعهَا حَيّ. وَمن الْأَسْمَاء المؤنثة الَّتِي لَا أَعْلَام فِيهَا للتأنيث: السَّمَاء وَالشَّمْس والنعل والعصى والرحى وَالدَّار وَالضُّحَى وَدرع الْحَدِيد، وَأما درع الْمَرْأَة وَهُوَ قميصها فمذكر. والنهس: أَخذ مَا على الْعظم بأطراف الْأَسْنَان. وَقَوله: ((أَنا سيد ولد آدم)) أَي: أَنا الْمُقدم عَلَيْهِم. إِن قيل: كَيفَ الْجمع بَين هَذَا وَبَين ((لَا تفضلُونِي على يُونُس)) ؟ فَالْجَوَاب من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن يكون نَهْيه عَن تفضيله قبل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 إِعْلَامه بِأَنَّهُ سيد ولد آدم. وَالثَّانِي: أَن يكون علم، غير أَنه نهى عَن تفضيله على يُونُس لثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهَا: أَن فِي تَفْضِيل شخص على شخص نوع نقص للْآخر، وَالْمعْنَى: قُولُوا مَا قيل لكم وَلَا تخَيرُوا برأيكم، وَلَيْسَ المُرَاد أَن لَا تعتقدوا تَفْضِيل قوم على قوم، فقد قَالَ الله تَعَالَى: {تِلْكَ الرُّسُل فضلنَا بَعضهم على بعض} [الْبَقَرَة: 253] وَالثَّانِي: أَن يفضل عَلَيْهِ فِي صبره ومعاناة قومه، فَإِن نَبينَا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم يفضل الْأَنْبِيَاء بمعاناة قومه بل بموهبة الله عز وَجل لَهُ الْفضل. وَالثَّالِث: أَن يكون دلّ النَّاس على التَّوَاضُع، لِأَنَّهُ إِذا تواضع هُوَ مَعَ شرفه فَغَيره أولى بذلك. وَالْوَجْه الثَّالِث من الْجَواب: أَن السِّيَادَة التَّقَدُّم، فَأَشَارَ بتقدمه فِي الْقِيَامَة فِي الشَّفَاعَة على الْخلق وَلم يتَعَرَّض بِذكر فضل. وَأما الصَّعِيد فالأرض المستوية. وَأما قَول إِبْرَاهِيم: إِنِّي كذب، فَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي: مَعْنَاهُ قلت قولا يشبه الْكَذِب فِي ظَاهر القَوْل وَهُوَ صدق عِنْد الْبَحْث والتفتيش. وسنوضح هَذَا بعد سَبْعَة وَعشْرين حَدِيثا. والمصراع: أحد شقي الْبَاب. والصرعان فِي اللُّغَة: المثلان، يُقَال: هَذَا صرع هَذَا: أَي مثله، وَيُشبه أَن يكون اشتقاق المصراعين من هَذَا. وأعضاد كل شَيْء: مَا يشد حوله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 وَأما مَكَّة فَقَالَ ابْن فَارس: قَالَ قوم: سميت مَكَّة لِأَنَّهَا مثابة يؤمها النَّاس من كل فج، وَكَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تجذبهم إِلَيْهَا، من قَول الْعَرَب: امتك الفصيل مَا فِي ضرع النَّاقة: إِذا استقصى. وَقَالَ آخَرُونَ: سميت مَكَّة من قَوْلك: مككت الرجل: إِذا رددت نخوته، قَالَ الشَّاعِر: (يَا مَكَّة الْفَاجِر مكي مكا ... وَلَا تمكي مذحجا وعكا) قَالَ: وَيُقَال: سميت مَكَّة لجهد أَهلهَا. وَأما مَا بَينهَا وَبَين هجر فمسافة بعيدَة تقطع فِي نَحْو عشْرين يَوْمًا. وتزلف: تقرب. وَقَوله: ((وَترسل الْأَمَانَة وَالرحم فتقومان جنبتي الصِّرَاط)) المُرَاد: أَنه من أدّى الْأَمَانَة وَوصل الرَّحِم نجا، وَمن لم يفعل لم يسلم. والمكردس: الَّذِي جمعت يَدَاهُ وَرجلَاهُ فِي وُقُوعه. والخريف يُرَاد بِهِ هَا هُنَا السّنة. 1938 - / 2389 - والْحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: قد تقدم فِي مُسْند عمر. 1939 - / 2390 - وَسبق الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: الحديث: 1938 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 فِي مُسْند طَلْحَة. 1940 - / 2391 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ: قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الْغلُول. الْغلُول: أَخذ الشَّيْء من الْمغنم فِي سر قبل أَن يقسم. وَقَوله: ((لَا أَلفَيْنِ)) أَي: لَا أجدن، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {ألفينا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [الْبَقَرَة: 170] . والرغاء: صَوت الْبَعِير. والثغاء: صَوت الشَّاة. أخبرنَا مُحَمَّد ابْن أبي مَنْصُور قَالَ: أخبرنَا ثَابت بن بنْدَار قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن رزمة قَالَ: أخبرنَا أَبُو سعيد السيرافي قَالَ: حَدثنِي ابْن أبي الْأَزْهَر النَّحْوِيّ قَالَ: قَالَ لنا الزبير بن بكار: سَمِعت الْعَرَب تَقول فِي مثل صَوت الْإِنْسَان من ذِي الْحَافِر صَهل الْفرس يصهل صهيلا، وحمحم حَمْحَمَة، وشهق الْحمار، ونهق ينهق نهيقا، وشحج الْبَغْل يشحج ويشحج شحيجا وشحاجا، ورغا الْبَعِير يرغو رُغَاء، وجرجر وهدر وقبقب، وثغت الشَّاة تغثو ثُغَاء، ويعرت تَيْعر يعارا، وثأجت النعجة تثأج، وبغم الظبي يبغم بغاما، ونزب ينزب، وزأر الْأسد يزأر زئيرا، ونأم نئيما، ونهت ونأت، ووعوع الذِّئْب وعوعة، ونهم الْفِيل ينهم نهما، ورقح القرد يرقح رقحا، وضبح الثَّعْلَب يضبح ضباحا، وعوى الْكَلْب يعوي عواء، ونبح أَيْضا، ومأت السنور تموء، وصأت الحديث: 1940 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 الْفَأْرَة تصئوا صئيا. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَيُقَال فِي الْحمار يسحل ويسحل، والجمل يرغو ويهدر، والناقة تئط وتحن، واليعار للمعز، والثؤاج للضأن، والتيس ينب ويهب: إِذا أَرَادَ السفاد، وَالذِّئْب يعوي ويتضور: إِذا جَاع، والأفعى تفح بفيها، وتكش بجلدها، قَالَ الشَّاعِر: (كشيش أَفْعَى أَجمعت لعض ... فَهِيَ تحك بَعْضهَا بِبَعْض) والحية تنضنض، وَيُقَال: النضنضة: تحريكها لسانها. وَابْن آوى يعوي. والغراب ينغق بالغين مُعْجمَة، وينعب، والديك يزقو ويسقع، والدجاجة تنق وتنقض: إِذا أَرَادَت الْبيض، والنسر يصفر، وَالْحمام يهدر ويهدل، والمكاء يزقو ويغرد، والقرد يضْحك، والنعام يعار عرارا، يُقَال ذَلِك فِي الظليم، وَالْأُنْثَى تزمر زمارا، وَالْخِنْزِير يقبع، والأرنب تضغب، وَالْعَقْرَب تنق وتصأى، وَيُقَال: صأى الفرخ وَالْخِنْزِير والفيل والفأرة واليربوع يصأى صئيا وصئيا، والضفادع تنقض وتنق، وَكَذَلِكَ الفراريج، وَالْجِنّ تعزف. والشخير من الْفَم، والنخير من المنخرين، والكرير من الصَّدْر، والخرير صَوت المَاء، والغرغرة صَوت الْقدر، والوسواس صَوت الْحلِيّ، والجرس الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 والجرس صَوت حَرَكَة الْإِنْسَان، والركز الصَّوْت الْخَفي، وَكَذَلِكَ الهمس. وَيُقَال: هجهجت بالسبع: إِذا صحت بِهِ، وَلَا يُقَال ذَلِك لغير السَّبع. وشايعت بِالْإِبِلِ، ونعقت بالغنم، ودجدجت بالدجاجة، وسأسأت بالحمار، وجأجأت بِالْإِبِلِ: دعوتها للشُّرْب، وهأهأت بهَا للعلف. وأشليت الْكَلْب: دَعوته. وَقَوله: ((نفس لَهَا صياح)) وَهِي الَّتِي تغل من الْمغنم. وَقَوله: ((رقاع تخفق)) وَهُوَ مَا يغل من الثِّيَاب. وَقَالَ أَبُو عبد الله الْحميدِي: المُرَاد بالرقاع مَا عَلَيْهِم من الْحُقُوق الْمَكْتُوبَة فِي الرّقاع. قلت: وَفِي هَذَا بعد، لِأَن الحَدِيث سيق لذكر الْغلُول. وَأما الصَّامِت فَهُوَ الذَّهَب وَالْفِضَّة. 1941 - / 2392 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((هَلَاك أمتِي على يَد أغيلمة من قُرَيْش)) . الأغيامة جمع غُلَام. وَقد بَينا معنى الْغُلَام فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَقَوله: ((لَو أَن النَّاس اعتزلوهم)) قد أَمر أَحْمد بن حَنْبَل بترك هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ الْخلال: قَالَ عبد الله: قَالَ أبي فِي مَرضه: اضْرِب الحديث: 1941 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 على هَذَا الحَدِيث، فَإِنَّهُ خلاف الْأَحَادِيث. قَالَ الْخلال: وَحدثنَا الْمَرْوذِيّ قَالَ: بَلغنِي أَن أَبَا عبد الله قَالَ فِي مَرضه: اضربوا من حَدِيثي على حَدِيث أبي هُرَيْرَة: ((لَو أَن النَّاس اعتزلوهم)) . قَالَ الْمَرْوذِيّ: كنت أسمعهُ يَقُول: هُوَ حَدِيث رَدِيء يحْتَج بِهِ فِي ترك الْجُمُعَة. قَالَ الْخلال: وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمد فِي حَدِيث ثَوْبَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ((اسْتَقِيمُوا لقريش مَا استقاموا لكم، فَإِن لم يستقيموا لكم فاحملوا سُيُوفكُمْ على أَعْنَاقكُم فأبيدوا خضراءهم)) قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: الْأَحَادِيث خلاف هَذَا، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: ((اسْمَع وأطع)) قلت: فَهَذَا دَلِيل على أَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة لم يثبت عِنْد أَحْمد وَإِن كَانَ قد أخرج فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) ، فَيحمل على أَنه وهم من الروَاة. وَيحْتَمل أَن يكون معنى قَوْله: ((لَو أَن النَّاس اعتزلوهم)) أَي تركُوا الْإِنْكَار عَلَيْهِم ظَاهرا وصبروا على أفعالهم لِئَلَّا تقع فتْنَة، فَهَذَا تَأْوِيل حسن. 1942 - / 2393 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((أول زمرة يدْخلُونَ الْجنَّة على صُورَة الْقَمَر)) . الزمرة: الْجَمَاعَة. وَالْإِشَارَة إِلَى نور الْقَمَر لَا إِلَى صورته، الحديث: 1942 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 ويوضح هَذَا مَا بعده. وَقد ذكرنَا معنى لَيْلَة الْبَدْر فِي مُسْند سهل بن سعد. وَقَوله: ((لَا يَتَغَوَّطُونَ)) أَي لَا يأْتونَ الْغَائِط: وَهُوَ الْمَكَان المطمئن من الأَرْض لقَضَاء الْحَاجة. وَقَوله: ((لَا يَتْفلُونَ)) أَي لَا يبصقون. وَقد سبق أَن التفل لَا يكون إِلَّا وَمَعَهُ شَيْء من الرِّيق. وَقَوله: ((مجامرهم الألوة)) قَالَ أَبُو عبيد: الألوة: الْعود الَّذِي يتبخر بِهِ، فارسية معربة، وَفِيه لُغَتَانِ: ألوة وألوة. فَأَما الألنجوج فَقَالَ ابْن السّكيت: اليلنجوج: الْعود، وَيُقَال ألنجوج وألنجج وأنجوج. وَأما الْحور فَقَالَ مُجَاهِد: هن النقيات الْبيَاض. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الْحور: الشَّدِيدَة بَيَاض الْعين، الشَّدِيدَة سَواد سوادها. قَالَ الزّجاج: وَالْعين: كبار الْعُيُون حسانها، واحدتهن عيناء. وَقَوله: ((على خلق رجل)) أَرَادَ بِهِ الطول فِي الْبدن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 1943 - / 2395 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((انتدب الله لمن خرج فِي سَبيله)) . قد تقدم آنِفا معنى انتدب، وَأَنه بِمَعْنى أجَاب وَضمن. وَقد جَاءَ بِأَلْفَاظ مِنْهَا: تكفل، وتوكل، وتضمن. وَقَوله: ((فَهُوَ عَليّ ضَامِن)) أَي مَضْمُون. 1944 - / 2396 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((مَا من مكلوم يكلم فِي سَبِيل الله)) . الكلوم وَالْكَلَام: الْجِرَاحَات، وَاحِدهَا كلم. وَقَوله: ((فِي سَبِيل الله)) إِشَارَة إِلَى الْإِخْلَاص وَصِحَّة الْقَصْد، وَإِنَّمَا تَأتي الْجِرَاحَات على حَالهَا ليبين بهَا فضل الشَّهِيد وفخره، فليجتهد الْمُجَاهِد أَن تكون الكلوم فِيمَا أقبل مِنْهُ لَا فِيمَا أدبر، لِأَنَّهَا إِذا كَانَت فِيمَا أدبر مِنْهُ دلّت على الْهَزِيمَة، فَهُوَ يفتخر بِتِلْكَ ويستحيي من هَذِه، كَمَا قَالَ الْقَائِل: (ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... وَلَكِن على أقدامنا تقطر الدما) 1945 - / 2398 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: أَي الصَّدَقَة أعظم أجرا؟ قَالَ: ((أَن تصدق وَأَنت صَحِيح شحيح)) . الحديث: 1943 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 اعْلَم أَن الْمُتَصَدّق مخرج لمحبوبه عَن يَده، وَهَذَا المحبوب معد للإنفاق فِي الْأَغْرَاض، ومعظم الْأَغْرَاض تكون فِي الصِّحَّة، فَإِذا كَانَ أخرجه فِي الْمَرَض فقد بَدَت أَمَارَات الإستغناء عَن المَال فَلَا يلْحق بِدَرَجَة الْمُعْطِي فِي الصِّحَّة. أخبرنَا مُحَمَّد بن عمر الأرموي قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن عَليّ الْمهْدي قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد بن الصَّباح قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن معن قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَيَّان قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي حَبِيبَة الطَّائِي عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((مثل الَّذِي يعْتق عِنْد الْمَوْت كَمثل الَّذِي يهدي إِذا شبع)) . 1946 - / 2399 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: ((اللَّهُمَّ اغْفِر للمحلقين)) فَقَالُوا: وللمقصرين. فَقَالَ: ((اللَّهُمَّ اغْفِر للمحلقين)) حَتَّى أَعَادَهَا ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ: (وللمقصرين)) . وَهَذَا لِأَنَّهُ حلق رَأسه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكرر الدُّعَاء لمن وَافقه فِي فعله وَقصر بِمن قصر، وَقد ذكرنَا فِي مُسْند ابْن عمر سَبَب توقفهم عَن الحلاق. 1947 - / 2401 - والْحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: قد تقدم فِي مُسْند عبد الله بن أبي أوفى. الحديث: 1946 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 1948 - / 2402 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: ((لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا)) . طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا آيَة تعم الْكل، وتدل على الصَّانِع المقلب للأشياء، وَقد سبق الْوَعْد بذلك فِي الْقُرْآن، فَإِذا اضطرهم ذَلِك إِلَى التَّصْدِيق لم يقبل إِيمَان من يُؤمن حِينَئِذٍ، وَلَقَد زعم الْمُلْحِدُونَ وَأهل النُّجُوم أَن ذَلِك لَا يكون، فيبين كذبهمْ، وَيظْهر الْقُدْرَة على مَا طلبه الْخَلِيل من نمْرُود بقوله: {فأت بهَا من الْمغرب} [الْبَقَرَة: 258] والدجال قد سبقت الْأَخْبَار عَنهُ. وَالدُّخَان مَذْكُور فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. وَالدَّابَّة هِيَ الْمَذْكُورَة فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا وَقع القَوْل عَلَيْهِم أخرجنَا لَهُم دَابَّة من الأَرْض تكلمهم} [النَّمْل: 82] وَهِي دَابَّة تخرج فِي آخر الزَّمَان تكلم الْإِنْس وتنكت فِي وَجه الْكَافِر نُكْتَة سَوْدَاء فيسود وَجهه، وتنكت فِي وَجه الْمُؤمن نُكْتَة بَيْضَاء فيبيض وَجهه، فَيعرف الْمُؤمن من الْكَافِر. وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي صفتهَا وَمَكَان خُرُوجهَا على مَا ذَكرْنَاهُ فِي ((التَّفْسِير)) ، وَإِنَّمَا تخرج هَذِه الدَّابَّة لعقوبة الْكفَّار وفضيحتهم؛ فَإِنَّهُم رَأَوْا من الْآيَات مَا يشفي وَيَكْفِي فَلم ينتفعوا بِمَا رَأَوْا، فَخَرجُوا بالأغراض عَن فهم الدَّلِيل عَن حيّز الْآدَمِيَّة إِلَى حيّز الْحَيَوَان البهيم، فأخرجت لعقوبتهم دَابَّة. الحديث: 1948 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 وَقَوله: ((أَو خَاصَّة أحدكُم)) أَي مَا يَخُصُّهُ من الْمَوْت الَّذِي يمنعهُ من الْعَمَل. ((أَو أَمر الْعَامَّة)) يَعْنِي الْقِيَامَة، لِأَنَّهَا تعم النَّاس جَمِيعًا بِالْمَوْتِ، يَقُول: فبادروا الْمَوْت وَالْقِيَامَة بِالْأَعْمَالِ. 1949 - / 2404 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: ((سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ)) . الْوَاو عاطفة لكَلَام مُقَدّر تَقْدِيره: وَبِحَمْدِهِ سبحته. 1950 - / 2405 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: ((اللَّهُمَّ اجْعَل رزق آل مُحَمَّد قوتا)) . الْقُوت: مَا مَا يمسك الرمق. يُقَال: مَا عِنْده قوت لَيْلَة وقيت لَيْلَة، فَكَأَنَّهُ طلب مِقْدَار الْكِفَايَة من الرزق؛ لِأَن فضول الدُّنْيَا تشغل الْقلب وَتخرج إِلَى حب الدُّنْيَا. 1951 - / 2407 - وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((اسْتَوْصُوا بِالنسَاء)) . يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أوصوهن، وَقد جَاءَ استفعل بِمَعْنى أفعل، كَقَوْلِه تَعَالَى: {فليستجيبوا لي} [الْبَقَرَة: 186] وَقَوله: {ويستجيب الَّذين آمنُوا} [الشورى: 26] وَكَذَلِكَ قَول الشَّاعِر: ( ... ... ... فَلم يستجبه عِنْد ذَاك مُجيب) وَالثَّانِي: أَن يكون استفعل على أَصله وَهُوَ طلب الْفِعْل، فَيكون الحديث: 1949 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 مَعْنَاهُ: اطْلُبُوا الْوَصِيَّة. وَإِنَّمَا خص النِّسَاء بِالذكر لضعفهن واحتياجهن إِلَى من يقوم بأمورهن. وَقَوله: ((فَإِن الْمَرْأَة خلقت من ضلع)) فروى السّديّ عَن أشياخه: أَن آدم نَام نومَة فِي الْجنَّة فَاسْتَيْقَظَ فَإِذا عِنْد رَأسه امْرَأَة قَاعِدَة خلقهَا الله تَعَالَى من ضلعه، فَسَأَلَهَا: من أَنْت؟ قَالَت: امْرَأَة. قَالَ: وَلم خلقت. قَالَت: تسكن إِلَيّ. وَقَالَ عبد الله بن عمر: خلقت حَوَّاء من ضلع آدم الْأَيْسَر. وَقَوله: ((وفيهَا عوج)) قَالَ ثَعْلَب: العوج عِنْد الْعَرَب بِكَسْر الْعين فِي كل مَا لَا يحاط بِهِ. والعوج بِفَتْح الْعين فِي كل مَا يتَحَصَّل، فَيُقَال: فِي الأَرْض عوج وَفِي الدّين عوج؛ لِأَن هذَيْن يتسعان وَلَا يدركان. وَفِي الْعَصَا عوج وَفِي السن عوج؛ لِأَنَّهُمَا يحاط بهما ويبلغ كنههما. 1952 - / 2409 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: ((لقد عجب الله من صنيعكما)) . قَالَ ابْن عقيل: الْعجب فِي الأَصْل استغراب الشَّيْء، والإستغراب حَقِيقَة علم مَا لم يعلم، وَإِلَّا فَكل شَيْء أنس بِهِ لَا يتَصَوَّر الْعجب مِنْهُ، كَمَا لَو رأى إِنْسَان حجر المغناطيس يجذب الْحَدِيد وَلم يكن رَآهُ قبلهَا فَإِنَّهُ يعجب، أَو رأى النعام تزدرد الْجَمْر. وَإِذا كَانَ البارئ سُبْحَانَهُ لَا يعزب عَن علمه شَيْء، وَلَا يصدر شَيْء إِلَّا عَن فعله وخلقه، فَأَيْنَ الحديث: 1952 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 الْعجب مِنْهُ؟ فَلم يبْق للْحَدِيث معنى إِلَّا أَن يكون فعل فِي حق هَذَا من الثَّوَاب وَالْجَزَاء فعل من أعجبه فعله. وَكَذَلِكَ قَوْله: ((ضحك الله)) لِأَن الضحك لَا يصدر إِلَّا عَن رَاض غير ساخط، فَيكون الْمَعْنى: يصدر عَنهُ فعل الراضي الضاحك وإثابته. 1953 - / 2410 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: مَا عَابَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعَاما قطّ. اعْلَم أَنه قد يكره الْإِنْسَان شَيْئا وَلَا يكرههُ غَيره، فَإِذا عابه نفر عَنهُ من لم يكرههُ، فَيتْرك فيضيع. 1954 - / 2412 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْصَرف من اثْنَتَيْنِ وَخرج سرعَان النَّاس. السِّين وَالرَّاء مفتوحتان، وَهَكَذَا ضبطناه عَن أشياخنا فِي كتاب ابْن قُتَيْبَة وَغَيره. وَقَالَهُ أَبُو عمر الزَّاهِد بتسكين الرَّاء. قَالَ الْخطابِيّ: الصَّوَاب فتحهما. فَأَما قَوْلهم: سرعَان مَا فعلت، فَفِيهِ ثَلَاث لُغَات: سرعَان وسرعان وسرعان، وَالرَّاء فِيهِ سَاكِنة وَالنُّون نصب أبدا. وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَن من تكلم فِي الصَّلَاة نَاسِيا أَو جَاهِلا بِتَحْرِيم الْكَلَام لم تبطل صلَاته، وَقد ذكرنَا هَذَا وَبينا الْخلاف فِيهِ فِي مُسْند عمرَان بن حُصَيْن. وَقد اعْترض الْخصم علينا بسؤالين: الحديث: 1953 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 أَحدهمَا: الطعْن، وَذَلِكَ من جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا: أَن رَاوِيه أَبُو هُرَيْرَة، وَإِنَّمَا أسلم فِي سنة سبع، قَالُوا: وَذُو الْيَدَيْنِ قتل ببدر، فَكيف يَحْكِي أَبُو هُرَيْرَة حَالَة مَا شَاهدهَا؟ قَالُوا: وَكَذَلِكَ عمرَان بن حُصَيْن هجرته مُتَأَخِّرَة. وَالثَّانِي: أَن أَلْفَاظه تخْتَلف، وَذَلِكَ يدل على وهاه. فَتَارَة يرْوى: فَسلم من رَكْعَتَيْنِ، وَتارَة: من ثَلَاث. وَالسُّؤَال الثَّانِي: أَنهم قَالُوا: هَذَا كَانَ فِي حَال كَون الْكَلَام مُبَاحا فِي الصَّلَاة، وَلِهَذَا تكلم أَبُو بكر وَعمر عَامِدين. فَالْجَوَاب: أما الطعْن فَلَا وَجه لَهُ؛ لِاتِّفَاق الْأَئِمَّة على الصِّحَّة. وَأما ذُو الْيَدَيْنِ فاسمه الْخِرْبَاق كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند عمرَان بن حُصَيْن، وعاش الْخِرْبَاق بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا الْمَقْتُول يَوْم بدر ذُو الشمالين، واسْمه عُمَيْر. وَإِنَّمَا أَخذ الْخصم فِي هَذَا الحَدِيث الزُّهْرِيّ، وَالزهْرِيّ يَقُول فِي هَذِه الْقِصَّة: فَقَامَ ذُو الشمالين. قَالَ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي: وهم فِي هَذَا الزُّهْرِيّ لِأَنَّهُ ظن أَن ذَا الشمالين وَذَا الْيَدَيْنِ وَاحِد. وَأما عمرَان فَقَالَ مُحَمَّد بن سعد: أسلم قَدِيما، وغزا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غزوات. وَأما اخْتِلَاف الْأَلْفَاظ فَإِنَّمَا يروي الثَّلَاث عمرَان بن حُصَيْن لَا أَبُو هُرَيْرَة. ثمَّ الشَّك فِي الْعدَد لَا يقْدَح فِي حفظ أصل الحَدِيث وَثُبُوت الْكَلَام نَاسِيا، وَلَعَلَّه من الروَاة لَا من الصَّحَابَة. ثمَّ حَدِيث أبي هُرَيْرَة أقوى للإتفاق عَلَيْهِ، وَحَدِيث عمرَان انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ مُسلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 وَأما تَحْرِيم الْكَلَام فِي الصَّلَاة فقد بَيناهُ فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. وَأما كَلَام أبي بكر وَعمر وَالنَّاس فِي ذَلِك الْيَوْم فقد تكلمنا عَلَيْهِ فِي مُسْند عمرَان. فَإِن قيل: لما قضى مَا فَاتَهُ وَقد خرج سرعَان النَّاس، لم لم يقل: يَا بِلَال، نَاد فِي النَّاس ليتموا صلَاتهم؟ فقد أجَاب عَنهُ ابْن عقيل بجوابين، أَحدهمَا: أَنه لم يتَعَرَّض لأمر لَا يلْزمهُم، بل تَركهم كَمَا ترك السَّائِلين عَن مَاء الغدير. وَالثَّانِي: أَن يكون وكل ذَلِك إِلَى عَادَة النَّاس فِي تَبْلِيغ ذَلِك بَعضهم إِلَى بعض، وَلَوْلَا ذَلِك لطال عَلَيْهِ تلبيغ كل مَا يحدث بِهِ. 1955 - / 2413 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: نهى أَن يُصَلِّي الرجل مُخْتَصرا. وَهُوَ وضع الْيَد على الخصر، وَهَذَا يُنَافِي الْخُشُوع والتعبد. قَالَ أَبُو عبيد: وَجَاء فِي حَدِيث: إِنَّه رَاحَة أهل النَّار. 1956 - / 2414 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: ((أسلم سَالَمَهَا الله)) وَفِي سبق فِي مُسْند أبي ذَر. 1957 - / 2414 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: ((لم الحديث: 1955 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 يكذب إِبْرَاهِيم قطّ إِلَّا ثَلَاث كذبات: قَوْله إِنِّي سقيم، وَقَوله: بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا. وَقَوله عَن سارة: أُخْتِي)) . اعْلَم أَن الْكَذِب لَا يجوز على الْأَنْبِيَاء بِحَال، فَهَذَا أصل يَنْبَغِي أَن يعْتَقد وَلَا يُنَاقض بأخبار الْآحَاد، فَإِنَّهُ ثَابت بِدَلِيل أقوى مِنْهَا، وَإِنَّمَا الْمَعْنى: أَن إِبْرَاهِيم قَالَ قولا يشبه الْكَذِب. قَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي: كَلَام إِبْرَاهِيم كَانَ صدقا عِنْد الْبَحْث، وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ قولا يشبه الْكَذِب فِي الظَّاهِر وَلَيْسَ بكذب. قَالَ ابْن عقيل: دلَالَة الْعقل تصرف ظَاهر هَذَا اللَّفْظ، وَذَاكَ أَن الْعقل قطع بِأَن الرَّسُول يَنْبَغِي أَن يكون موثوقا بِهِ ليعلم صدق مَا جَاءَ بِهِ عَن الله، وَلَا ثِقَة مَعَ تَجْوِيز الْكَذِب عَلَيْهِ، فَكيف مَعَ وجود الْكَذِب مِنْهُ، وَإِنَّمَا استعير ذكر الْكَذِب لِأَنَّهُ بِصُورَة الْكَذِب فَسَماهُ كذبا مجَازًا، وَلَا يجوز سوى هَذَا. قلت: وَاعْلَم أَن تِلْكَ الْكَلِمَات إِنَّمَا كَانَت من إِبْرَاهِيم على جِهَة المعاريض، غير أَن الْأَنْبِيَاء يحذرون من كلمة تشبه الْكَذِب، وَلذَلِك يَقُول الْخَلِيل إِذا قيل لَهُ فِي الْقِيَامَة: اشفع لنا: إِنِّي كذبت. وَبَيَان أَنَّهَا كَانَت من جِهَة المعاريض أَنه رُوِيَ عَن الْكسَائي أَنه كَانَ يقف عِنْد قَوْله: {بل فعله} [الْأَنْبِيَاء: 63] وَيَقُول: فعله من فعله وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: مَعْنَاهُ: إِن كَانُوا ينطقون فقد فعله كَبِيرهمْ هَذَا. وَكَذَلِكَ: {إِنِّي سقيم} [الصافات: 89] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 أَي سأسقم، فَهُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنَّك ميت} [الزمر: 30] أَي سَتَمُوتُ. وَقَوله: {لَا تؤاخذني بِمَا نسيت} [الْكَهْف: 73] قَالَ ابْن عَبَّاس: لم ينس، وَلكنه من معاريض الْكَلَام. وَكَذَلِكَ قَوْله هِيَ أُخْتِي: فقد بَين أَنه أَرَادَ أخوة الْإِسْلَام. وعَلى هَذَا إِشْكَال مَا زَالَ يختلج فِي نَفسِي وَهُوَ أَن يُقَال: مَا معنى توريته عَن الزَّوْجَة بالأخت؟ وَمَعْلُوم أَن ذكرهَا بِالزَّوْجِيَّةِ أسلم لَهَا؛ لِأَنَّهُ إِذا قَالَ: هَذِه أُخْتِي، قَالَ: زوجنيها. وَإِذا قَالَ: امْرَأَتي، سكت، هَذَا إِذا كَانَ الْملك يعْمل بِالشَّرْعِ، فَأَما إِذا كَانَ كَمَا وصف من جوره وَمد يَده إِلَيْهَا ظلما، فَمَا يُبَالِي أَكَانَت زَوْجَة أَو أُخْتا. وَمَا زلت أبحث عَن هَذَا وأسأل فَلم أجد أحدا يشفي بِجَوَاب، إِلَى أَن وَقع لي أَن الْقَوْم كَانُوا على دين الْمَجُوس، وَفِي دينهم أَن الْأُخْت إِذا كَانَت زَوْجَة كَانَ أَخُوهَا الَّذِي هُوَ زَوجهَا أَحَق بهَا من غَيره، فَكَأَن الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَرَادَ أَن يستعصم من الْجَبَّار بِذكر الشَّرْع الَّذِي يَسْتَعْمِلهُ الْجَبَّار، فَإِذا الْجَبَّار لَا يُرَاعِي جَانب دين، فَنظر الله عز وَجل إِلَى خَلِيله بِلُطْفِهِ وكف كف الْفَاجِر. وَقد اعْترض على هَذَا فَقيل: إِنَّمَا جَاءَ بِمذهب الْمَجُوس زاردشت وَهُوَ مُتَأَخّر عَن زمَان الْخَلِيل. وَالْجَوَاب: أَن لمَذْهَب الْقَوْم أصلا قَدِيما فَادَّعَاهُ زرادشت وَزَاد عَلَيْهِ، وَقد كَانَ نِكَاح الْأَخَوَات جَائِزا فِي زمن آدم، وَقيل: إِنَّمَا حرمه مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَيدل على أَن دين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 الْمَجُوس لَهُ أصل مَا روى أَبُو دَاوُد فِي ((سنَنه)) أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ الْجِزْيَة من مجوس هجر. وَمَعْلُوم أَن الْجِزْيَة لَا تُؤْخَذ إِلَّا مِمَّن لَهُ كتاب أَو شبه كتاب. ثمَّ سَأَلت عَن هَذَا بعض عُلَمَاء أهل الْكتاب فَقَالَ: كَانَ من مَذْهَب الْقَوْم أَنه من كَانَ لَهُ زَوْجَة لَا يجوز أَن يتَزَوَّج بهَا إِلَّا أَن يقتل الزَّوْج، فَعلم إِبْرَاهِيم هَذَا فَقَالَ عَن سارة: أُخْتِي، وَكَأَنَّهُ يَقُول: إِن كَانَ الْملك عادلا فَخَطَبَهَا مني أمكن مَنعه، وَإِن كَانَ ظَالِما فَأَخذهَا تخلصت من الْقَتْل. وَقَوله: مَهيم؟ سُؤال عَن الْحَال والقصة، وَقد سبق هَذَا فِي مُسْند أنس. وَقَول أبي هُرَيْرَة: فَتلك أمكُم يَا بني مَاء السَّمَاء. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: يَعْنِي الْعَرَب، وَذَلِكَ أَنهم يعيشون بِمَاء السَّمَاء ويتبعون مَوَاضِع الْقطر فِي بواديهم. قَالَ: وَيُقَال: إِنَّمَا أَرَادَ زَمْزَم أنبطها لهاجر فعاشوا بهَا فصاروا كَأَنَّهُمْ أَوْلَادهَا. وَقَوله: ((كبت الْفَاجِر)) : أَي صرفه وأذله. 1959 - / 2416 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: حَدِيث جريج، وَفِيه أَنه قَالَ: ((أُمِّي وصلاتي)) . اعْلَم أَن قلَّة الْعلم أوقع جريجا فِيمَا أوقعه فِيهِ، فَإِن طَاعَة الوالدة الحديث: 1959 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 وإجابتها لَازِمَة وَصلَاته كَانَت تَطَوّعا، فَلَمَّا قل علمه قدم التَّطَوُّع على الْوَاجِب. والمومسة: الْفَاجِرَة، وَجَمعهَا مومسات وميامس. وَأَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ مياميس بِزِيَادَة يَاء، قَالَ لنا ابْن الخشاب: لَيْسَ قَوْلهم صَحِيحا. وَقَوله: يَا بابوس. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البابوس: الصَّبِي الرَّضِيع، قَالَ ابْن أَحْمَر: (حنت قلوصي إِلَى بابوسها جزعا ... وَمَا حنينك أم مَا أَنْت وَالذكر) وَلما ترك جريج مَا يجب عَلَيْهِ من إِجَابَة أمه سمع دعاؤها فِيهِ لِأَنَّهَا مظلومة بِمَنْع حَقّهَا، وَلما كَانَ أصل إيثاره لطاعة الله عز وَجل نظر إِلَى ذَلِك فأنطق الطِّفْل. وَالدَّابَّة الفارهة: النشيطة. والشارة الْحَسَنَة: الْجمال الظَّاهِر فِي الْهَيْئَة واللباس. وَأما حِكَايَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارتضاع الصَّبِي فلزيادة التفهيم للقصة. 1960 - / 2417 - وَفِي الحَدِيث الْخمسين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((من نسي وَهُوَ صَائِم فَأكل وَشرب فليتم صَوْمه؛ فَإِنَّمَا أطْعمهُ الله وسقاه)) . هَذَا صَرِيح فِي الرَّد على مَالك فَإِنَّهُ يَقُول: إِن النَّاسِي إِذا أكل بَطل صَوْمه. الحديث: 1960 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 1961 - / 2418 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْخمسين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((فقدت أمة من بني إِسْرَائِيل لَا يدرى مَا فعلت، وَإِنِّي لَا أَرَاهَا إِلَّا الفأر)) . أَي لَا أظنها، وَالظَّاهِر أَنه قَالَ هَذَا بظنه ثمَّ أعلم بعد ذَلِك فَقَالَ مَا سبق فِي مُسْند ابْن مَسْعُود: ((إِن الله لم يمسخ مسخا فَيجْعَل لَهُ نَسْلًا وَلَا عَاقِبَة)) . 1962 - / 2419 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْخمسين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((لَو آمن بِي عشرَة من الْيَهُود لم يبْق على ظهرهَا يَهُودِيّ إِلَّا أسلم)) . كَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَشَارَ إِلَى أَن الْقَوْم يقلدون أَحْبَارهم لَا بِالدَّلِيلِ، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمِنْهُم أُمِّيُّونَ لَا يعلمُونَ الْكتاب إِلَّا أماني} [الْبَقَرَة: 78] فَإِن قيل: فقد أسلم أَكثر من عشرَة. فَالْجَوَاب: أَن بعض الْعلمَاء يَقُول: مَا أسلم مِنْهُم عشرَة، بل أقل، فَإِن كَانَ كَذَلِك فَلَا إِشْكَال، وَإِلَّا فَالْحَدِيث على أَمريْن: أَحدهمَا: أَن تكون الْإِشَارَة إِلَى الرؤساء الْكِبَار. وَالثَّانِي: إِلَى اجْتِمَاع عشرَة فِي الْإِسْلَام فِي وَقت وَاحِد. 1963 - / 2421 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْخمسين بعد الْمِائَتَيْنِ: أَن امْرَأَة كَانَت تقم الْمَسْجِد فَمَاتَتْ، فَقَالَ: ((دلوني على قبرها)) الحديث: 1961 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 فصلى عَلَيْهَا. تقم: أَي تكنسه وتنظفه. وَالْقُمَامَة: الكناسة. وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على جَوَاز الصَّلَاة على الْقَبْر وإعادتها فِي حق من لم يصل. 1964 - / 2423 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْخمسين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((إِذا جلس بَين شعبها الْأَرْبَع ثمَّ جهدها فقد وَجب الْغسْل)) . فِي الشّعب الْأَرْبَع قَولَانِ: أَحدهمَا: اليدان وَالرجلَانِ. وَالثَّانِي: الفخذان والاسكتان: وهما حرفا الْفرج. وَقَوله جهدها: أَي اجْتهد فِي الْوُصُول إِلَيْهَا، وَالْإِشَارَة إِلَى التقاء الختانين، فَإِنَّهُ مُبين فِي حَدِيث آخر. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن قَوْله: ((المَاء من المَاء)) مَنْسُوخ. 1965 - / 2425 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْخمسين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((من أعتق شقيصا من مَمْلُوك فَعَلَيهِ خلاصه من مَاله)) . الشّقص والشقيص: الشّرك والنصيب، وَالْأَصْل فِي الشقيص الطَّائِفَة فِي الشَّيْء، وَأهل الْحجاز يَقُولُونَ: هُوَ شقيصي: أَي شَرِيكي. وَقَوله: ((فَإِن لم يكن لَهُ مَال فقوم الْمَمْلُوك ثمَّ استسعى)) الْمَعْنى: الحديث: 1964 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 إِذا أعتق الْمُعسر نصِيبه سعى العَبْد فِي فكاك مَا قد بَقِي مِنْهُ رَقِيقا حَتَّى يُؤَدِّي إِلَى الَّذِي لم يعْتق قيمَة نصِيبه، فَسُمي تَكْلِيفه للإكتساب استسعاء، وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة، وَعَن أَحْمد نَحوه، وَقد أوضحنا هَذَا فِي مُسْند ابْن عمر. 1966 - / 2426 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْخمسين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((الْعُمْرَى مِيرَاث لأَهْلهَا)) وَقد شرحناه فِي مُسْند جَابر. 1967 - / 2428 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: ((إِن الله عز وَجل تجَاوز لأمتي عَمَّا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم تعْمل أَو تكلم)) . تحديث النَّفس بالشَّيْء والوسواس بِهِ حَرَكَة فِي الْبَاطِن بتخييله وتمثيله، وَالنَّظَر فِي تَحْصِيله، وَمنع ذَلِك من جولانه فِي الْبَاطِن لَا يدْخل تَحت طوق العَبْد، وَإِنَّمَا غَايَة قدرته أَن يعرض عَن مساكنة ذَلِك، وَلَو أَنه حدث نَفسه بِمَعْصِيَة لم يُؤَاخذ، فَأَما إِذا عزم على الْمعْصِيَة فَإِنَّهُ يخرج عَن تحديث النَّفس وَيصير من أَعمال الْقلب، فَإِن عقد النِّيَّة على الْفِعْل من عمل الْقلب، فَحِينَئِذٍ يَأْثَم بنية السِّرّ. وَبَيَان الْفرق بَين الهمة والعزم أَنه لَو حدث نَفسه وَهُوَ فِي الصَّلَاة بقطعها لم تَنْقَطِع، فَإِذا عزم حكمنَا بقطعها، وَكَذَلِكَ إِذا نوى الْإِفْطَار فقد أفطر. وَقد سُئِلَ سُفْيَان الثَّوْريّ: أيؤاخذ العَبْد بالهمة؟ فَقَالَ: إِذا كَانَت عزما. أخبرنَا مُحَمَّد ابْن أبي الْقَاسِم قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن أَحْمد قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن الحديث: 1966 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 عبد الله الْحَافِظ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْفضل قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْخَالِق قَالَ: حَدثنَا أَبُو همام قَالَ: حَدثنَا مطرف بن مَازِن قَالَ: سَمِعت سُفْيَان الثَّوْريّ يَقُول: الْملكَانِ يجدان ريح الْحَسَنَات والسيئات إِذا عقد الْقلب. 1968 - / 2429 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: ((إِن عفريتا من الْجِنّ تفلت عَليّ)) . العفريت: المارد الْخَبيث من الْجِنّ. يُقَال: عفريت نفريت وعفر: إِذا كَانَ قَوِيا خبيثا مُنْكرا. وَقَوله: ((تفلت عَليّ)) أَي تعرض لي فلتة: أَي فَجْأَة ليغلبني على صَلَاتي. وَقَوله: ((فَذكرت دَعْوَة أخي)) وَالْمعْنَى أَن سُلَيْمَان أعطي ملكة الْجِنّ فَلم أرد أَن أزاحمه فِيمَا أعطي. وَقَوله: ((فرددته خاسئا)) الخاسئ. المبعد الصاغر، يُقَال: خسأته فخسأ وخسئ وانخسأ: أَي أبعدته فَبعد. 1969 - / 2430 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: ((أما يخْشَى أحدكُم إِذا رفع رَأسه قبل الإِمَام أَن يحول الله رَأسه رَأس حمَار، أَو يَجْعَل صورته صُورَة حمَار)) . هَذِه اللَّفْظَة الْأَخِيرَة تَأْوِيل من قَالَ: رَأس حمَار فِي البلادة، الحديث: 1968 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 وَإِنَّمَا الْمَعْنى أَنه لَو عقل أمره لعرف عَظمَة المعبود، فَأوجب التَّعَبُّد عَلَيْهِ الْخُشُوع، فَإِذا لم يعرف كَانَ كالبهيمة، فَلم يَأْمَن أَن يمسخ بَهِيمَة. 1970 - / 2431 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: أَسْبغُوا الْوضُوء؛ فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ((ويل لِلْعَرَاقِيبِ من النَّار)) . إسباغ الْوضُوء: إِتْمَامه، يُقَال: ثوب سابغ، وَدرع سابغ. والعراقيب جمع عرقوب، قَالَ الزّجاج: العرقوب: هُوَ الْعصبَة الْوَاصِلَة بَين السَّاق والعقب من وَرَاء الْقدَم، والأعقاب جمع عقب: وَهُوَ مَا أصَاب الأَرْض من مُؤخر الرجل إِلَى مَوضِع الشرَاك، وَالْمعْنَى: ويل لَهَا إِذا عوقبت بالنَّار يَوْم الْقِيَامَة. 1971 - / 2432 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: أَخذ الْحسن تَمْرَة من تمر الصَّدَقَة، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((كخ كخ)) . هَذَا زجر للصَّبِيّ وردع لَهُ؛ لِأَن الصَّدَقَة لم تكن تحل لَهُ. 1972 - / 2433 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس بعد الْمِائَتَيْنِ: ((صُومُوا لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته، فَإِن غمي عَلَيْكُم فأكملوا عدَّة شعْبَان ثَلَاثِينَ)) كَذَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ عَن آدم. وَفِي لفظ لمُسلم: ((فعدوا ثَلَاثِينَ)) وَفِي لفظ لَهُ: ((فصوموا ثَلَاثِينَ)) . الحديث: 1970 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 الأول حجَّة لمن لم ير صَوْم يَوْم الْغَيْم، وهم يدعونَ أَنه حجَّة قَاطِعَة، وَإِذا شِئْنَا أَن نتكلم عَلَيْهِ نصرا لرِوَايَة وجوب الصَّوْم إِذا غم الْهلَال قُلْنَا: هَذَا اللَّفْظ إِنَّمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن آدم عَن شُعْبَة. وَقد رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي ذكره البُخَارِيّ وَقَالَ فِيهِ: ((فَإِن غم عَلَيْكُم الشَّهْر فعدوا ثَلَاثِينَ)) قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: وَقد روينَا هَذَا الحَدِيث عَن غنْدر وَابْن مهْدي وَابْن علية وَعِيسَى بن يُونُس وشبابة وَعَاصِم بن عَليّ وَالنضْر بن شُمَيْل وَيزِيد بن هَارُون وَأَبُو دَاوُد كلهم عَن شُعْبَة وَلم يذكر أحد مِنْهُم: ((فأكملوا عدَّة شعْبَان ثَلَاثِينَ)) فَيجوز أَن يكون آدم قَالَ ذَلِك من عِنْده على وَجه التَّفْسِير للْخَبَر، وَإِلَّا فَلَيْسَ لانفراد البُخَارِيّ عَنهُ بِهَذَا من بَين من رَوَاهُ عَنهُ وَجه. وَقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ فِيهِ: ((فعدوا ثَلَاثِينَ)) يَعْنِي عدوا شعْبَان ثَلَاثِينَ. وَقَالَ: أخرجه البُخَارِيّ عَن آدم فَقَالَ فِيهِ: ((فعدوا شعْبَان)) وَلم يقل: يَعْنِي. وَهَذَا يدل على أَن قَوْله يَعْنِي من بعض الروَاة، وَالظَّاهِر أَنه آدم وَأَنه قَوْله. وَقد روى هَذَا الحَدِيث ابْن عَبَّاس مثل حَدِيث أبي هُرَيْرَة. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَلم يقل فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: ((فأكملوا عدَّة شعْبَان)) غير آدم أَيْضا، وَهَذَا يدل على أَن الْكل تَفْسِير مِنْهُ. وَمَا ذكرنَا من اللَّفْظ الْأَخير، وَهُوَ قَوْله: ((فصوموا ثَلَاثِينَ)) يدل على أَن المُرَاد بقوله: ((فعدوا)) عد رَمَضَان لَا شعْبَان، وَقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ((صُومُوا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 لرُؤْيَته وأفطروا لرُؤْيَته، فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ، ثمَّ أفطروا)) وَكَذَلِكَ رُوِيَ من حَدِيث رَافع بن خديج. وعَلى هَذَا لَا يبْقى لَهُم حجَّة فِي الحَدِيث. 1973 - / 2434 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: ((لأذودن رجَالًا عَن حَوْضِي)) . أَي لأطردن، يُقَال: ذدته أذوده ذودا: إِذا طردته، وَإِذا وَردت الْإِبِل المَاء فَدخلت فِيهَا غَرِيبَة من غَيرهَا طردت وَضربت حَتَّى تخرج. وَقَوله: ((فيحلئون عَنهُ)) أَي يمْنَعُونَ، يُقَال: حلأت الرجل عَن المَاء: إِذا منعته أَن يرد، قَالَ الشَّاعِر: ( ... . . ... محلأ عَن سَبِيل الود مصدود) وَمن روى ((يجلون)) بِالْجِيم أَرَادَ يطردون، يُقَال: جلا الْقَوْم عَن مَنَازِلهمْ وأجليتهم أَنا: إِذا أخرجتهم. والقهقرى: الرُّجُوع إِلَى الْخلف. الحديث: 1973 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 والهمل: الْمُهْملَة الَّتِي لَيْسَ مَعهَا رَاع وَلَا حَافظ وَلَا يكَاد يسلم مِنْهَا من السبَاع وَغَيرهَا إِلَّا الْقَلِيل. وَقيل: الهمل: مَا يهمل فَلَا يرْعَى وَلَا يسْتَعْمل، بل يتْرك مهملا فيضيع وَيهْلك. 1974 - / 2435 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: ((بَينا رجل يتبختر)) . التَّبَخْتُر: مشْيَة فِيهَا تمايل. والحلة: ثَوْبَان من جنس وَاحِد، وَقد ذَكرنَاهَا فِي مُسْند عمر. والجمة من الْإِنْسَان: مجمع شعر ناصيته، وَهِي جمة إِذا بلغت الْمَنْكِبَيْنِ، فَإِذا كَانَت إِلَى شحمة الْأُذُنَيْنِ فَهِيَ وفرة. والخسف: غموض ظَاهر الأَرْض وسؤوخها بِمَا عَلَيْهَا. وَقَوله: ((فَهُوَ يتجلجل فِيهَا)) الجلجلة: الْحَرَكَة المزعجة، وكل شَيْء حرك وخلط بعضه بِبَعْض فقد جلجل. وَالْمعْنَى أَنه يهوى بِهِ ويزعج فِي الْخَسْف بالحركة العنيفة. 1975 - / 2437 - والْحَدِيث السبعون بعد الْمِائَتَيْنِ: قد تقدم فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، وَفِيه: ((هلك كسْرَى ثمَّ لَا يكون كسْرَى بعده، وَقَيْصَر ليهلكن ثمَّ لَا يكون قَيْصر بعده)) وَقد سبق الْكَلَام فِي اسْم كسْرَى فِي مُسْند عدي بن حَاتِم، وَفِي اسْم قَيْصر فِي مُسْند جَابر بن سَمُرَة، الحديث: 1974 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 وفسرنا معنى الحَدِيث هُنَالك. 1976 - / 2438 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسبْعين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((غزا نَبِي فَقَالَ: لَا يَتبعني رجل ملك بضع امْرَأَة وَهُوَ يُرِيد أَن يَبْنِي بهَا وَلم يبن)) . الْبضْع: الْفرج، والمباضعة: المجامعة. وَالْبناء بِالْمَرْأَةِ: الدُّخُول بهَا، وأصل ذَلِك أَنهم كَانُوا يبنون بِنَاء لمن أَرَادَ أَن يدْخل بِزَوْجَتِهِ. والخلفات جمع خلفة: وَهِي النَّاقة الْحَامِل، وَأَرَادَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة جمع الْهم، فَإِن الْهم إِذا تفرق ضعف فعل الْجَوَارِح، وَإِذا اجْتمع قوي، وَكَانَ من عَادَة الْأُمَم الْمُتَقَدّمَة أَنهم إِذا غزوا فغنموا نزلت نَار فَأكلت الْغَنَائِم، وَكَأَنَّهُم كَانُوا يحملون بِهَذَا على خلوص النِّيَّة فِي الْغَزَوَات لِئَلَّا يَقع قِتَالهمْ لأجل الْغَنِيمَة، فأبيحت الْغَنَائِم لهَذِهِ الْأمة لطفا بهَا، وَكَأَنَّهَا لما غلب الْإِخْلَاص عَلَيْهَا لم تحتج إِلَى باعث عَلَيْهِ، فَكَانَ الْإِخْلَاص فِي الْجِهَاد أصل قَصدهَا، فَصَارَت الْغَنِيمَة تبعا. 1977 - / 2439 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسبْعين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((قيل لبني إِسْرَائِيل: ادخُلُوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة، فبدلوا فَدَخَلُوا يزحفون على أستاههم، وَقَالُوا: حَبَّة فِي شَعْرَة)) . الحديث: 1976 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 من تَأمل هَذَا الحَدِيث علم فرق مَا بَين أمتنَا وَبني إِسْرَائِيل، فَإِن أُولَئِكَ لما أذنبوا دلوا على طَرِيق التَّوْبَة وأتوها متلاعبين بِالدّينِ، وَهَذَا يدل على أَن الذُّنُوب مَا آلمتهم، وَلَا دخل خوف الْجَزَاء عَلَيْهَا فِي قُلُوبهم، وَلَا اكترثوا بالتحذير من عواقبها، وَلَا سروا بِالدّلَالَةِ على طَرِيق النجَاة من شَرها. وَمن كَانَ تلاعبه فِي أصل دينه وَمَعَ نبيه وَفِي بَاب تَوْبَته فَهُوَ فِي غَايَة الْبعد. وَهَذِه الْأمة إِذا أذْنب مذنبهم انْكَسَرَ وَبكى وَاعْتذر، ثمَّ لَا يزَال ينصب ذَنبه بَين عَيْنَيْهِ وَيَوَد أَن لَو مُحي بِكُل مَا يقدر عَلَيْهِ، فَالْحَمْد لله الَّذِي جعلنَا من هَذِه الْأمة. 1978 - / 2440 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسبْعين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((كَانَ مُوسَى يغْتَسل وَحده، فَقَالُوا: مَا يمنعهُ أَن يغْتَسل مَعنا إِلَّا أَنه آدر)) . قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الآدر: عَظِيم الخصيتين، يُقَال: رجل آدر بَين الأدرة والأدرة. والشرج: أَن تعظم وَاحِدَة وتصغر الْأُخْرَى. والمويه تَصْغِير المَاء. وجمح: أسْرع إسراعا لَا يردهُ شَيْء. وَالْمَلَأ: الْأَشْرَاف. وطفق: أَخذ فِي الْفِعْل. الحديث: 1978 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 وَالنَّدْب: الْأَثر، قَالَ ذُو الرمة: ( ... ... ... ملساء، لَيْسَ بِهِ خَال وَلَا ندب) فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ جَازَ لمُوسَى أَن يمشي بَين بني إِسْرَائِيل مَكْشُوف الْعَوْرَة؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن مُوسَى كَانَ فِي خلْوَة كَمَا بَين فِي الحَدِيث، فَلَمَّا تبع الْحجر لم يكن عِنْده أحد، فاتفق أَنه جَازَ على قوم فرأوه، وجوانب الْأَنْهَار وَإِن خلت لَا يُؤمن وجود قريب مِنْهَا، فَبنى مُوسَى الْأَمر وَأَنه لَا يرَاهُ أحد على مَا رَآهُ من خلاء الْمَكَان، فاتفق من رَآهُ. وَالثَّانِي: أَن مُوسَى إِنَّمَا نزل إِلَى المَاء مؤتزرا، فَلَمَّا خرج يتبع الْحجر وَهُوَ مبتل بِالْمَاءِ تبين أَنه لَيْسَ بآدر، لِأَن الأدرة تبين تَحت الثَّوْب المبتل بِالْمَاءِ، سمعته من الْحسن عَن أبي بكر النَّيْسَابُورِي الْفَقِيه. وَقَوله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِين آذوا مُوسَى} [الْأَحْزَاب: 69] أَي لَا تُؤْذُوا مُحَمَّد كَمَا آذَى بَنو إِسْرَائِيل مُوسَى. وَقد اخْتلف الْعلمَاء بِمَاذَا آذوا مُوسَى على أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنهم قَالُوا: آدر، كَمَا ذكرنَا. وَالثَّانِي: أَنه صعد الْجَبَل وَمَعَهُ هَارُون فَمَاتَ هَارُون فَقَالُوا: أَنْت قتلته، قَالَه عَليّ بن أبي طَالب. وَالثَّالِث: أَن قَارون اسْتَأْجر بغية لتقذف مُوسَى بِنَفسِهَا على مَلأ من بني إِسْرَائِيل فعصمها الله وبرأ مُوسَى من ذَلِك، قَالَه أَبُو الْعَالِيَة. وَالرَّابِع: أَنهم رَمَوْهُ بِالسحرِ وَالْجُنُون، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ. وَقَوله: {وَكَانَ عِنْد الله وجيها} قَالَ ابْن عَبَّاس: حظيا، لَا يسْأَله شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ. 1979 - / 2441 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسبْعين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((إِنَّمَا جعل الإِمَام ليؤتم بِهِ)) وَسبق بَيَان الحَدِيث فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. 1980 - / 2442 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسبْعين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((إِذا أنفقت الْمَرْأَة من كسب زَوجهَا من غير أمره فَلهُ نصف أجره)) . وَأما إنفاقها من كَسبه عَن غير أمره فَالْمُرَاد بِهِ مَا جعله بحكمها كالملك لَهَا وَلم يأمرها بالتصدق مِنْهُ، فلهَا أجر الصَّدَقَة وَله أجر الْكسْب. وَالْمرَاد بِالصَّوْمِ النَّافِلَة، فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ، لِأَنَّهُ رُبمَا أرادها. وَلَا يجوز لَهَا أَن تَأذن فِي بَيته إِلَّا بِإِذْنِهِ. 1981 - / 2443 - والْحَدِيث السَّادِس وَالسَّبْعُونَ بعد الْمِائَتَيْنِ: قد تقدم فِي مُسْند أبي ذَر. 1982 - / 2444 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسبْعين بعد الْمِائَتَيْنِ: الحديث: 1979 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 ((خلق الله آدم وَطوله سِتُّونَ ذِرَاعا)) وَفِي بعض الرِّوَايَات: ((خلق الله آدم على صورته، ثمَّ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَسلم على أُولَئِكَ الْمَلَائِكَة فاستمع مَا يحيونك بِهِ. فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم، فَقَالُوا: السَّلَام عَلَيْك وَرَحْمَة الله، فزادوه: وَرَحْمَة الله)) . أما قَوْله: ((خلق الله آدم على صورته)) فللناس فِيهِ ثَلَاثَة مَذَاهِب: أَحدهَا: مَذْهَب جُمْهُور السّلف وَهُوَ السُّكُوت عَن تَفْسِير هَذَا وَأَمْثَاله. وَالثَّانِي: أَن الْهَاء رَاجِعَة إِلَى آدم، فَيكون الْمَعْنى: أَنه خلقه على تِلْكَ الْحَال وَلم يَنْقُلهُ من نُطْفَة إِلَى علقَة، وَهَذَا مَذْهَب أبي سُلَيْمَان الْخطابِيّ. وَالثَّالِث: أَنَّهَا ترجع إِلَى الله سُبْحَانَهُ، فَهِيَ مُضَافَة إِضَافَة ملك لَا إِضَافَة ذَات، كَمَا أضَاف الرّوح الَّتِي نفخت فِي آدم إِلَيْهِ فَقَالَ: {ونفخت فِيهِ من روحي} [ص: 72] وَهَذَا مَذْهَب ابْن عقيل. قَالَ: وَإِنَّمَا خص آدم بِإِضَافَة الصُّورَة إِلَيْهِ لخصيصة فِيهِ، وَهِي السلطنة الَّتِي تشاكل الإلهية استعبادا وسجودا واستخداما وأمرا نَافِذا وسياسات يعمر بهَا الْبِلَاد وَيصْلح بهَا من أَمر الْعباد، وَلَيْسَ فِي الْجِنّ وَالْمَلَائِكَة من يجْتَمع على طَاعَته نَوعه وقبيله سوى الْآدَمِيّ، وَهَذِه الصُّورَة هِيَ حَال، وَالصُّورَة قد تقع على الْحَال، فَهَذَا مَوضِع حمل الصُّورَة على الصُّورَة، وَهِي حمل حَال الْخلَافَة والمملكة والسلطنة على حَال الإلهية. وَأما التَّحِيَّة هَا هُنَا فَهِيَ السَّلَام. وَقَوله: السَّلَام عَلَيْك قد سبق فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 فَأَما الزِّيَادَة على الْمُسلم فَهُوَ أَنه إِذا قَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم، قيل لَهُ: وَعَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة الله، فَإِذا قَالَ هَذَا كُله قيل لَهُ مثله وَزيد: وَبَرَكَاته، أَو يُقَال لَهُ: وَعَلَيْكُم السَّلَام، فَيكون ذَلِك رد الْكل، وَإِلَى هَذَا يَنْتَهِي السَّلَام. 1983 - / 2445 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسبْعين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((رأى عِيسَى بن مَرْيَم رجلا يسرق، فَقَالَ لَهُ: أسرقت؟ قَالَ: كلا، وَالَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ. فَقَالَ عِيسَى: آمَنت بِاللَّه وكذبت عَيْني)) . فَإِن قَالَ قَائِل: أَعلَى الْيَقِين الْمُشَاهدَة، فَكيف يكذب وَيقدم قَول زاعم؟ فَالْجَوَاب: من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن النَّاظر إِلَى الشَّيْء قد لَا يتثبت فِي نظره فَلَا يحصل لَهُ الْيَقِين. وَالثَّانِي: أَن يكون هَذَا من المعاريض، وَيكون تَقْدِيره: كذبت عَيْني فِي غير هَذَا. 1984 - / 2446 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسبْعين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((اشْترى رجل عقارا)) . وَالْعَقار: الضَّيْعَة وَالنَّخْل. 1985 - / 2447 - وَفِي الحَدِيث الثَّمَانِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ: ((لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تقتتل فئتان عظيمتان دعواهما وَاحِدَة. .)) الفئة: الْجَمَاعَة. الحديث: 1983 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 وَالدَّعْوَى: الإنتماء، كَمَا فسرناه دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة فِي مُسْند جَابر. وَمعنى ((دعواهما وَاحِدَة)) انتماؤهما إِلَى دين وَاحِد. وَقَوله: ((حَتَّى يبْعَث دجالون)) أصل الْبَعْث الإثارة. والدجال: الْكذَّاب. وَقبض الْعلم قد سبق فِي مُسْند أنس. وَقَوله: ((يتقارب الزَّمَان)) قد فسرناه فِي أول هَذَا الْمسند. واللقحة وَاحِد اللقَاح: وَهِي النَّاقة ذَات اللَّبن، وَيُقَال: الملاقيح والملاقح أَيْضا للحوامل. ولاط فلَان حَوْضه يلوطه ويليطه: إِذا طينه بالطين وسد خروقه ليحفظ لَهُ المَاء فِي سقِِي دوابه. وأصل اللوط اللصوق، يُقَال: لَا يلتاط هَذَا بصفري: أَي لَا يلتصق بقلبي. والأكلة: اللُّقْمَة. قَالَ لنا شَيخنَا أَبُو مَنْصُور اللّغَوِيّ: الْأكلَة بِالضَّمِّ: اللُّقْمَة، والأكلة بِالْفَتْح: الْمرة، والإكلة بِالْكَسْرِ: الْحَالة. 1986 - / 2448 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي والثمانين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((اشْتَدَّ غضب الله على قوم فعلوا بِنَبِيِّهِ - يُشِير إِلَى رباعيته - اشْتَدَّ غضب الله على رجل يقْتله رَسُول فِي سَبِيل الله)) . الرّبَاعِيّة مبينَة فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. وَإِنَّمَا اشْتَدَّ غضب الله على الحديث: 1986 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 رجل يقْتله رَسُول الله، لِأَن الرَّسُول يُرْجَى مِنْهُ الرَّحْمَة، فَإِذا اشْتَدَّ غَضَبه وَأخرج إِلَى الْقَتْل دلّ على أَن الْمَقْتُول فِي غَايَة الشَّقَاء. وَقد قتل عَلَيْهِ السَّلَام أبي بن خلف يَوْم أحد. 1987 - / 2449 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي والثمانين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((تَحَاجَّتْ الْجنَّة وَالنَّار)) . وَقد تكلمنا عَلَيْهِ فِي مُسْند أبي سعيد، وفسرنا هُنَاكَ معنى المتكبرين والضعفاء. وَقَوْلها: أُوثِرت: أَي خصصت. والسقط: المزدرى بِهِ. وَقَوله: ((وغرتهم)) الْغرَّة كالغفلة، والغر: الَّذِي لم يجرب الْأُمُور. وَالْعجز جمع عَاجز، وَكَأَنَّهُم عجزوا عَن اكْتِسَاب الدُّنْيَا شغلا باكتساب الْآخِرَة. وَقَوله: ((يضع قدمه)) قد تكلمنا على هَذَا فِي مُسْند أنس، وَبينا معنى قطّ قطّ، وتكلمنا هُنَاكَ فِي قَوْله: ((وينشئ للجنة خلقا)) . وَفِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث: ((يضع رجله)) مَكَان قَوْله ((قدمه)) وَهُوَ من رِوَايَة مُحَمَّد بن رَافع، وَكَانَ رجلا صَالحا، ظن أَن الْقدَم الحديث: 1987 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 بِمَعْنى الرجل. وَقد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند أنس أَيْضا. وَبينا أَن الرجل تكون بِمَعْنى الْجَمَاعَة، كَمَا يُقَال رجل من جَراد. 1988 - / 2450 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث والثمانين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((الْعين حق)) وَقد تكلمنا عَلَيْهِ فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَقَوله: لعن الْوَاصِلَة. قد ذكرنَا الْوَاصِلَة والواشمة فِي مُسْند ابْن عمر. 1989 - / 2451 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع والثمانين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ)) وَقد تقدم هَذَا فِي هَذَا الْمسند. وَفِي هَذَا الحَدِيث: ((وَالله لِأَن يلج أحدكُم بِيَمِينِهِ فِي أَهله آثم لَهُ عِنْد الله من أَن يُعْطي كَفَّارَته الَّتِي افْترض الله عَلَيْهِ)) وَفِي لفظ: ((من استلج فِي أَهله بِيَمِينِهِ فَهُوَ أعظم، لَيْسَ تغني الْكَفَّارَة)) . لج واستلج واستلجج فِي يَمِينه، من اللجاج: وَهُوَ أَن يسْتَمر على حكم الْيَمين وَترك التَّكْفِير وَهُوَ يعلم أَن الْحِنْث أفضل، كَأَنَّهُ حلف أَلا يصل قرَابَته وَلَا يطَأ زَوجته، فإقامته على ذَلِك شَرّ لَهُ من أَن يكفر وَإِن كَانَت الْكَفَّارَة لَيست شرا. وَقَوله: ((لَيْسَ تغني الْكَفَّارَة)) كَأَنَّهُ إِشَارَة إِلَى إثمه فِي قَصده أَلا يبر الحديث: 1988 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 وَلَا يفعل الْخَيْر، فَلَو كفر لم تدفع الْكَفَّارَة سوء ذَلِك الْقَصْد. وَبَعْضهمْ يفتح نون تغني، من قَول عُثْمَان: أغنها عَنَّا: أَي اصرفها عَنَّا واتركها، فَيكون الْمَعْنى أَن الْكَفَّارَة لَا يَنْبَغِي أَن تتْرك. 1990 - / 2452 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس والثمانين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((لَا يشر أحدكُم إِلَى أَخِيه بِالسِّلَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَان ينزغ فِي يَده فَيَقَع فِي حُفْرَة من النَّار)) . قد فسره أَبُو عبد الله الْحميدِي على أَن نيزع بالغين الْمُعْجَمَة وَقَالَ: النزغ: الْفساد، وَمِنْه: {نَزغ الشَّيْطَان بيني وَبَين إخوتي} [يُوسُف: 100] أَي أفسد، قَالَ: فَنهى عَن الْإِشَارَة بالحديد خوفًا من أَن يتَّفق الْفساد فِي ذَلِك فيأثم، وَيحْتَمل أَن يكون ينْزع بِالْعينِ، من نزعت فِي الْقوس: إِذا مددتها، فَيكون الْمَعْنى: لَعَلَّ الشَّيْطَان يمد يَده عِنْد الْإِشَارَة فيجرح الْمُسلم أَو يقْتله. 1991 - / 2453 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس والثمانين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((لَا يقل أحدكُم: أطْعم رَبك، وَليقل: سَيِّدي، مولَايَ. وَلَا يقل أحدكُم: عَبدِي وَأمتِي، وَليقل: فَتَاي وَفَتَاتِي وَغُلَامِي)) . المُرَاد بهَا نفي الْمُشَاركَة فِيمَا هُوَ اسْم علم لله عز وَجل، فَإِن الحديث: 1990 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 الرب من أَسمَاء الْحق - سُبْحَانَهُ - الْأَعْلَام، وَكَذَلِكَ العَبْد إِنَّمَا يُضَاف غَالِبا إِلَى الله عز وَجل. 1992 - / 2454 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع والثمانين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((لَوْلَا بَنو إِسْرَائِيل لم يخنز اللَّحْم، وَلَوْلَا حَوَّاء لم تخن أُنْثَى زَوجهَا)) . قَوْله: ((لم يخنز اللَّحْم)) لم يتَغَيَّر وينتن. قَالَ أَبُو عبيد: خنز يخنز، وخنز يخنز، وخزن يخزن، وَقَالَ طرفَة: (ثمَّ لَا يخزن فِينَا لَحمهَا ... إِنَّمَا يخزن لحم المدخر) وَيُقَال: صل اللَّحْم وأصل، وخم وأخم، وثنت ونثت: إِذا أروح وَتغَير. وَأما خِيَانَة حَوَّاء زَوجهَا فَإِنَّهَا كَانَت فِي ترك النَّصِيحَة فِي أَمر الشَّجَرَة لَا فِي غير ذَلِك. وَالْمرَاد أَن بني إِسْرَائِيل لما نهوا أَن يدخروا فخالفوا فسد اللَّحْم، واطردت الْحَال فِيهِ عِنْد كل مدخر. وَلما خانت حَوَّاء زَوجهَا اطردت الْحَال فِي بناتها. 1993 - / 2455 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن والثمانين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((لَا ينظر الله إِلَى من جر إزَاره بطرا)) . الحديث: 1992 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 البطر: الطغيان عِنْد النِّعْمَة. وَالْمعْنَى أَن الله معرض عَنهُ غير مقبل عَلَيْهِ. 1994 - / 2456 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع والثمانين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((لَا يتمنين أحدكُم الْمَوْت، إِمَّا محسنا فَلَعَلَّهُ يزْدَاد، أَو مسيئا فَلَعَلَّهُ يستعتب)) . اعْلَم أَن تمني الْمَوْت اخْتِيَار من العَبْد لنَفسِهِ مَا يظنّ فِيهِ الْخيرَة، والخيرة غَائِبَة عَن الْآدَمِيّ لَا يعلمهَا، وَالْمُؤمن إِذا بَقِي ازْدَادَ خيرا أَو تَابَ من شَرّ. والإستعتاب: الرُّجُوع عَن الْإِسَاءَة إِلَى الْإِحْسَان. 1995 - / 2457 - وَفِي الحَدِيث التسعين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((وَلَقَاب قَوس أحدكُم فِي الْجنَّة خير مِمَّا تطلع عَلَيْهِ الشَّمْس أَو تغرب)) . القاب: الْقدر. وَقيل: القاب من الْقوس: مَا بَين المقبض إِلَى السية، وَلكُل قَوس قابان. وسية الْقوس: طرفها. والغدو: أول النَّهَار، والغدوة: الفعلة الْوَاحِدَة. والرواح: من زَوَال الشَّمْس إِلَى اللَّيْل. والروحة: الفعلة الْوَاحِدَة. 1996 - / 2458 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((إِذا قَاتل أحدكُم أَخَاهُ فليجتنب الْوَجْه، فَإِن الله خلق آدم على صورته)) . قد أوسعنا الْكَلَام فِي هَذَا قبل عشرَة أَحَادِيث، وَبينا أَن كثيرا من الحديث: 1994 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 السّلف كَانَ يسكت عَن الْكَلَام فِي هَذَا. وَقد قَالَ قوم: المُرَاد بِهَذَا الحَدِيث أَن الله تَعَالَى خلق آدم على صُورَة هَذَا الْمَضْرُوب، فَيَنْبَغِي أَن يحترم لأجل آدم. 1997 - / 2460 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((يضْحك الله إِلَى رجلَيْنِ)) . قد ذكرنَا أَن أَكثر السّلف كَانُوا يمتنعون من تَفْسِير مثل هَذَا ويمرونه كَمَا جَاءَ، وَيَنْبَغِي أَن تراعى قَاعِدَة فِي هَذَا قبل الإمرار: وَهِي أَنه لَا يجوز أَن يحدث لله صفة، وَلَا تشبه صِفَاته صِفَات الْخلق، فَيكون معنى إمرار الحَدِيث الْجَهْل بتفسيره. وَقَالَ الْخطابِيّ: الضحك الَّذِي يعتري الْبشر عِنْدَمَا يستخفهم الْفَرح أَو يستفزهم الطَّرب غير جَائِز على الله سُبْحَانَهُ، وَإِنَّمَا هَذَا مثل مَضْرُوب لهَذَا الصَّنِيع الَّذِي يحل مَحل الْعجب عِنْد الْبشر، فَإِذا رَأَوْهُ أضحكهم. وَمعنى يضْحك فِي صفة الله عز وَجل الْإِخْبَار عَن الرِّضَا بِفعل أحد هذَيْن وَالْقَبُول للْآخر ومجازاتهما على صنيعهما الْجنَّة مَعَ تبَاين مقاصدهما. 1998 - / 2461 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((الْمُؤمن يَأْكُل فِي معى وَاحِد)) قد سبق الْكَلَام عَلَيْهِ فِي مُسْند أبي مُوسَى. الحديث: 1997 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 1999 - / 2465 - وَمَا بعد هَذَا قد تقدم إِلَى الحَدِيث الثَّامِن وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ،، فِيهِ: ((لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ مَعَ كل صَلَاة)) . وَفِي هَذَا دَلِيل على أَن مُطلق الْأَمر يَقْتَضِي الْوُجُوب: لِأَنَّهُ أعلمهم أَنه لَو أَمر لوَجَبَ. وَلَا يحسن أَن يُقَال: يجوز أَن يَأْمُرهُم وَيكون أَمر ندب، لِأَنَّهُ لَا يصرف أمره إِلَى النّدب إِلَّا بِقَرِينَة، وَهُوَ بِهَذَا القَوْل قد ندب. 2000 - / 2466 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالتسْعين بعد الْمِائَتَيْنِ: ((حجبت النَّار بالشهوات صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحجبت الْجنَّة بالمكاره)) وَفِي لفظ: ((حفت)) . حجبت بِمَعْنى سترت. وَالشَّيْء لَا يُوصل إِلَيْهِ إِلَّا بعد كشف ستره ومجاوزه مَا حف بِهِ، وَقد سبق هَذَا فِي مُسْند أنس. 2001 - / 2467 - وَفِي الحَدِيث الثلاثمائة: ((لَيْسَ الْغنى عَن كَثْرَة الْعرض، وَلَكِن الْغنى غنى النَّفس)) . الْعرض: جَمِيع الْأَمْوَال. وَالْمرَاد بِهِ أَنه من افْتَقَرت نَفسه لم يغنه شَيْء، وافتقارها يكون بالشره فَلَا يغنيها مَا يكفيها، وأنشدوا فِي هَذَا الْمَعْنى: الحديث: 1999 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 (غنى النَّفس لمن يعقل ... خير من غنى المَال) (وَفضل النَّاس فِي الْأَنْفس ... لَيْسَ الْفضل فِي الْحَال) 2002 - / 2468 - وَفِي الحَدِيث الأول بعد الثلاثمائة: ((لَا يصل أحدكُم فِي الثَّوْب الْوَاحِد لَيْسَ على عَاتِقه مِنْهُ شَيْء)) . قَالَ الزّجاج: صفحة الْعُنُق من مَوضِع الرِّدَاء من الْجَانِبَيْنِ يُقَال لَهَا العاتق. وَهَذَا الحَدِيث يدل على مَذْهَبنَا، فَإِن عندنَا أَن ستر الْمَنْكِبَيْنِ وَاجِب فِي صَلَاة الْفَرْض دون النَّفْل. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَا يجب فيهمَا وَإِنَّمَا يسْتَحبّ. 2003 - / 2469 - والْحَدِيث الثَّانِي بعد الثلاثمائة: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 2004 - / 2470 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث بعد الثلاثمائة: ((دَعونِي مَا تركتكم؛ إِنَّمَا أهلك من كَانَ قبلكُمْ سُؤَالهمْ وَاخْتِلَافهمْ على أَنْبِيَائهمْ)) . قد بَين فِي الحَدِيث سَبَب قَوْله هَذَا، وَهُوَ أَنه لما قَالَ: ((أَيهَا الحديث: 2002 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 النَّاس، قد فرض عَلَيْكُم الْحَج فحجوا)) . قَالَ رجل: كل عَام؟ فَسكت، حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((لَو قلت نعم لَوَجَبَتْ وَلما اسْتَطَعْتُم)) ثمَّ قَالَ: ((ذروني مَا تركتكم)) فَأَرَادَ مِنْهُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقومُوا بظواهر الْأَوَامِر من غير تعمق وتكلف، فَإِن قَوْله: ((قد فرض عَلَيْكُم الْحَج)) يَكْفِي فِي امْتِثَال هَذَا حجَّة وَاحِدَة، فالسؤال: هَل هُوَ كل عَام؟ تكلّف وتعمق. وَمثل هَذَا جرى لبني إِسْرَائِيل حِين قَالَ لَهُم: (اذبحوا بقرة) فَلَو اعْترضُوا بقرة فذبحوها كَانُوا قد عمِلُوا بِمُقْتَضى الْخطاب، وَلَكنهُمْ شَدَّدُوا فَشدد عَلَيْهِم. وَقَوله: ((إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم)) قد دلّ على وجوب الْمَقْدُور عَلَيْهِ من جَمِيع المأمورات، فَإِن من لم يُمكنهُ الصَّلَاة قَاعِدا صلى على جنب، وَكَذَلِكَ إِذا وجد من المَاء بعض مَا يَكْفِي فِي الطَّهَارَة فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلهُ ثمَّ يتَيَمَّم لما بَقِي، إِن كَانَت جَنَابَة فَلَا خلاف فِي الْمَذْهَب، وَإِن كَانَ وضُوءًا فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَان، وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ، الْمَنْصُور عندنَا وَعِنْدهم اسْتِعْمَاله. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يلْزم اسْتِعْمَاله فِي الطهارتين. 2005 - / 2471 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع بعد الثلاثمائة: ((لَا يَأْتِي ابْن آدم النّذر بِشَيْء لم أكن قدرته)) . وَقد تكلمنا عَلَيْهِ فِي مُسْند ابْن عمر. 2006 - / 2472 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس بعد الثلاثمائة: أَن رجلا الحديث: 2005 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 خرج بِصَدقَة فَوَقَعت فِي يَد سَارِق، ثمَّ خرج بِصَدقَة فَوَقَعت فِي يَد زَانِيَة ... . وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَن الثَّوَاب يكون بنية الْمُتَصَدّق وَإِن لم يُصَادف أَهلا. 2007 - / 2473 - والْحَدِيث السَّادِس بعد الثلاثمائة: قد سبق فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. 2008 - / 2474 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع بعد الثلاثمائة: ((كَانَت امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابناهما، فجَاء الذِّئْب فَذهب بِابْن إِحْدَاهمَا، فَقَالَت لصاحبتها: إِنَّمَا ذهب بابنك، فتحاكمتا إِلَى دَاوُد، فَقضى بِهِ للكبرى، فَقَالَ سُلَيْمَان: ائْتُونِي بالسكين أشقه بَينهمَا، فَقَالَت الصُّغْرَى: لَا تفعل، هُوَ ابْنهَا، فَقضى بِهِ للصغرى)) . أما دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَرَأى استواءهما فِي الْيَد فَقدم الْكُبْرَى لأجل السن، وَأما سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَرَأى الْأَمر مُحْتملا، فاستنبط فَأحْسن، فَكَانَ أحد فطنة من دَاوُد، وَكِلَاهُمَا حكم بالإجتهاد، لِأَنَّهُ لَو كَانَ دَاوُد حكم بِالنَّصِّ لم يسع سُلَيْمَان أَن يحكم بِخِلَافِهِ، وَلَو كَانَ مَا حكم بِهِ نصا لم يخف على دَاوُد. وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَن الفطنة والفهم موهبة لَا بِمِقْدَار السن، الحديث: 2007 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب: وَفِيه دَلِيل على أَن الْحق فِي جِهَة وَاحِدَة، لِأَن سُلَيْمَان لَو وجد مساغا أَلا ينْقض على دَاوُد حكمه لفعل. 2009 - / 2475 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن بعد الثلاثمائة: ((يَد الله ملأى، لَا يغيضها نَفَقَة، سحاء اللَّيْل وَالنَّهَار)) . يغيض: ينقص. والسحاء: الدائمة الصب. يُقَال: سَحَابَة سحوح: أَي كَثِيرَة الصب. وَفرس مسح: أَي سريعة شَدِيدَة الْعَدو، تشبه بانصباب الْمَطَر. وَقَوله: ((بِيَدِهِ الْمِيزَان)) قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: ذكر الْمِيزَان مثل، وَإِنَّمَا هُوَ قسمه بِالْعَدْلِ بَين الْخلق، يخْفض من يَشَاء وَيرْفَع من يَشَاء، ويوسع على من يَشَاء، كَمَا يصنع الْوزان عِنْد الْوَزْن. قَوْله: ((وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْفَيْض وَالْقَبْض)) الْفَيْض من فاض الشَّيْء، فيشار بِهَذَا إِلَى سَعَة الْعَطاء. وَالْقَبْض ضد الْبسط، فيشار بِهَذَا إِلَى الْمَنْع، وَهُوَ أليق لمقابلته الْإِعْطَاء. 2010 - / 2478 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر بعد الثلاثمائة: ((إِن لله مَلَائِكَة سيارة فضلا)) . أَي يزِيدُونَ على كتاب النَّاس ويفضلون عَنْهُم. 2011 - / 2479 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر بعد الثلاثمائة: ((الْوَلَد الحديث: 2009 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 للْفراش، وللعاهر الْحجر)) . الْمَعْنى: الْوَلَد لصَاحب الْفراش وَهُوَ الزَّوْج؛ لِأَن الزَّانِي لَا فرَاش لَهُ. وَقَالَ قوم: الْفراش: الزَّوْج، وَاحْتَجُّوا بقول جرير: (باتت تعارضه وَبَات فراشها ... ... . .) قَالَ ابْن فَارس: وعَلى هَذَا يجوز أَن يكون الزَّوْج قد استعير لَهُ اسْم الْمَرْأَة كَمَا اشْتَركَا فِي اللبَاس وَالزَّوْج. والعهر: الزِّنَا. وَمعنى قَوْله: ((للعاهر الْحجر)) أَي: لَا حَظّ لَهُ فِي نسب الْوَلَد، كَمَا تَقول: لَهُ التُّرَاب، أَي لَا شَيْء لَهُ. 2012 - / 2480 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر بعد الثلاثمائة: قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تشاجروا فِي الطَّرِيق بسبعة أَذْرع. تشاجروا واشتجروا بِمَعْنى تنازعوا وَاخْتلفُوا. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: وَوجه هَذَا الحَدِيث أَن يكون هَذَا فِي الطَّرِيق الشارعة الَّتِي هِيَ معبر النَّاس، وَقد يكون ذَلِك فِي الطَّرِيق الْوَاسِع من شوارع الْمُسلمين يقْعد فِي حافتيه قوم من الباعة يرتفقون بهَا، فَإِن كَانَ الشَّارِع الْمَتْرُوك فِيهِ للمارة سَبْعَة أَذْرع لم يمنعوا من الْقعُود فِيهِ والإرتفاق بِهِ، وَإِن كَانَ ذَلِك الحديث: 2012 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 أقل منعُوا لِئَلَّا تضيق الطَّرِيق على أَهلهَا. 2013 - / 2481 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر بعد الثلاثمائة: ((يعْقد الشَّيْطَان على قافية رَأس أحدكُم إِذا هُوَ نَام ثَلَاث عقد، يضْرب على كل عقدَة مَكَانهَا: عَلَيْك ليل طَوِيل فارقد)) . قافية الرَّأْس: مؤخره، وَقفا كل شَيْء وقافيته: آخِره، وَمِنْه سمي آخر بَيت الشّعْر قافية. قَالَ أَبُو عبيد: فَكَأَن معنى الحَدِيث: على قفا أحدكُم ثَلَاث عقد للشَّيْطَان. وَقَوله: ((عَلَيْك ليل طَوِيل)) أَي يَقُول لَهُ ذَلِك. وَمَتى مَا انتبه الْإِنْسَان وَقد أَخذ حظا من نَومه يَكْفِيهِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يتعلل عَن الْقيام، فَإِنَّهُ رُبمَا أَخذه النّوم إِلَى الْفجْر، وَقد كَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ يَقُول: إِذا انْتَبَهت لم أقل نَفسِي. وَكَانَ آخر من الْعباد يَقُول: إِذا انْتَبَهت ثمَّ عدت أَنَام فَلَا أَنَام الله عَيْني. 2014 - / 2482 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر بعد الثلاثمائة: ((إِذا نظر أحدكُم إِلَى من فضل عَلَيْهِ فِي المَال والخلق فَلْينْظر إِلَى من هُوَ أَسْفَل مِنْهُ)) . هَذَا من أحسن الْأَدَب، وَبِه يطيب الْعَيْش، فَإِن النَّفس تحب أَلا يفوقها أحد فِي شَيْء، فَإِذا نظرت إِلَى من قد فاقها انْكَسَرت، وَرُبمَا الحديث: 2013 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 513 تسخطت مَا هِيَ فِيهِ، فَإِذا نظرت إِلَى من دونهَا عرفت قدر النِّعْمَة فَشَكَرت. وأجدر بِمَعْنى أَحَق. والازدراء: الاحتقار. وَمَا أحسن مَا قَالَ بعض الْعَرَب: (إِذا شِئْت أَن تحيا غَنِيا فَلَا تكن ... على حَالَة إِلَّا رضيت بِدُونِهَا) 2015 - / 2484 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع بعد الثلاثمائة: ((إيَّاكُمْ وَالظَّن؛ فَإِن الظَّن أكذب الحَدِيث)) . المُرَاد بِهَذَا الظَّن القَوْل بِمُقْتَضى الظَّن، فَإِنَّهُ حكم على مَا لم يتَيَقَّن فَلذَلِك كَانَ أكذب الحَدِيث، فَأَما خواطر الْقلب فَإِنَّهَا لَا تملك فَلَا ينْهَى عَنْهَا. قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: الظَّن ظنان: فَظن هُوَ إِثْم: وَهُوَ أَن يظنّ وَيتَكَلَّم بِهِ، وَظن لَيْسَ بإثم: وَهُوَ أَن يظنّ وَلَا يتَكَلَّم بِهِ. وَمَا بعد هَذَا من الحَدِيث قد سبق إِلَى قَوْله: ((وَلَا تجسسوا)) والتجسس: التبحث وَالِاسْتِقْصَاء والفحص عَن بواطن الْأُمُور، وَأكْثر مَا يُقَال ذَلِك فِي الشَّرّ، والجاسوس: صَاحب سر الشَّرّ، والناموس: صَاحب سر الْخَيْر. وَأما قَوْله: ((وَلَا تحسسوا)) بِالْحَاء فَقَالَ قوم - مِنْهُم أَبُو عُبَيْدَة: الْجِيم والحاء بِمَعْنى، فعلى هَذَا إِنَّمَا ذكره تَأْكِيدًا، فَخَالف بَين اللفظتين، كَقَوْل الشَّاعِر: الحديث: 2015 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 ( ... . . ... وألفى قَوْلهَا كذبا ومينا) قَالَ قوم - مِنْهُم يحيى بن أبي كثير: التَّجَسُّس بِالْجِيم: الْبَحْث عَن عورات النَّاس، وَبِالْحَاءِ: الِاسْتِمَاع لحَدِيث الْقَوْم. وَكَانَ أَبُو بكر ابْن مقسم يذهب بِالْجِيم إِلَى الإجتهاد فِي الطّلب، وَيَقَع على جَمِيع الْجَوَارِح، وَيذْهب بِالْحَاء إِلَى التسمع وَمد الْعين، من قَوْلك: أحسست الشَّيْء: إِذا سَمِعت حسه. والمنافسة: الْحِرْص على الشَّيْء بِطَلَب طَالبه الإنفراد بِهِ، وَذَلِكَ إِذا كَانَ فِي طلب الدُّنْيَا أوجب التباغض، وَأما احتقار الْمُسلمين فَإِنَّمَا ينشأ من الْكبر. 2016 - / 2485 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر بعد الثلاثمائة: ((لَا يُؤمن أحدكُم الَّذِي لَا يَأْمَن جَاره بوائقه)) وَفِي لفظ: ((لَا يدْخل الْجنَّة. .)) . قَالَ أَبُو عبيد: البوائق: الغوائل وَالشَّر، يُقَال: أَصَابَتْهُم بائقة: أَي داهية، وباقتهم تبوقهم بوقا، وَكَذَلِكَ فقرتهم الفاقرة، وصلتهم الصالة، والصالة: الداهية. فَإِن قيل: فَهَل يخرج بِهَذَا من الْإِيمَان؟ فَالْجَوَاب: يخرج من كَمَال الْإِيمَان وَيُمكن أَن يُقَال إِن هَذِه الصّفة لَيست من صِفَات الْمُؤمن. الحديث: 2016 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 فَإِن قيل: فَهَل يمْنَع هَذَا دُخُول الْجنَّة؟ فقد سبق مثل هَذَا مشروحا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 2017 - / 2486 - والْحَدِيث التَّاسِع عشر بعد الثلاثمائة: قد سبق فِي مُسْند أبي مُوسَى. 2018 - / 2487 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين بعد الثلاثمائة: ((نعم المنيحة اللقحة منيحة، وَالشَّاة الصفي تَغْدُو بِإِزَاءِ وَتَروح بِإِنَاء)) . المنيحة: الْعَطِيَّة، وَهِي هَا هُنَا عَارِية يمنح قوم لَبنهَا ثمَّ يردونها. واللقحة بِكَسْر اللَّام: الشَّاة الَّتِي لَهَا لبن. وَبِفَتْحِهَا: الْمرة الْوَاحِدَة من الْحَلب. وَقيل: فِيهِ لُغَتَانِ: كسر اللَّام وَفتحهَا. وَالشَّاة الصفي والناقة الصفي: الْكَثِيرَة اللَّبن. وصفايا الْإِبِل: الغزار مِنْهَا. والصبوح: الشّرْب فِي وَقت الْغَدَاة. والغبوق: شرب الْعشي. وَفِي هَذَا الحَدِيث كَلِمَات أخر كلهَا قد سبق شرحها. 2019 - / 2488 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين بعد الثلاثمائة: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمر على الصَّدَقَة، فَقيل: منع ابْن جميل وخَالِد ابْن الْوَلِيد وعباس بن عبد الْمطلب، فَقَالَ: ((مَا ينقم ابْن جميل إِلَّا أَن الحديث: 2017 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 كَانَ فَقِيرا فأغناه الله وَرَسُوله، وَأما خَالِد فَإِنَّكُم تظْلمُونَ خَالِدا، قد احْتبسَ أدراعه وأعبده)) - وَفِي لفظ: ((وأعتاده - فِي سَبِيل الله. وَالْعَبَّاس بن عبد الْمطلب فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَة وَمثلهَا مَعهَا)) - وَفِي رِوَايَة: ((فَهِيَ عَليّ وَمثلهَا مَعهَا)) . قَوْله: ((مَا ينقم)) أَي مَا يكره، يُقَال: نقم ينقم، ونقم ينقم، وَالْمعْنَى: أَنه لَا ينقم شَيْئا، قَالَ الله عز وَجل: {وَمَا نقموا مِنْهُم إِلَّا أَن يُؤمنُوا بِاللَّه} [البروج: 8] وأنشدوا: (مَا نقم النَّاس من أُميَّة إِلَّا ... أَنهم يحلمون إِن غضبوا) (وَأَنَّهُمْ سادة الْمُلُوك وَلَا ... يصلح إِلَّا عَلَيْهِم الْعَرَب) وَالْمعْنَى: مَا ينقمون مِنْهُم شَيْئا، وَهَذَا من جنس قَول الشَّاعِر: (وَلَا عيب فيهم غير أَن سيوفهم ... بِهن فلول من قراع الْكَتَائِب) أَي لَا عيب فيهم أصلا. وَقَوله: ((تظْلمُونَ خَالِدا)) فِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه اعتذر لخَالِد، فَكَأَنَّهُ يَقُول: من تبرع بِمَا لَا يجب من الْوَقْف كَيفَ يبخل بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: أَن يكون خَالِد طُولِبَ بِالزَّكَاةِ عَن أَثمَان الدروع والأعبد لكَونهَا من مَال التِّجَارَة فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَا زَكَاة عَلَيْهِ، لِأَن المزكى قد خرج عَن يَده. وَالثَّالِث: أَن يكون خَالِد قد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 تصدق بِتِلْكَ الدروع والأعبد على الْمُجَاهدين على وَجه الْقيمَة فِي الزَّكَاة فحسبها لَهُ. وَالرَّابِع: أَن لفظ هَذَا الحَدِيث الأول: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَدقَة، وَظَاهر هَذَا يدل على أَنَّهَا تطوع فَلذَلِك عذره. وَأما الأعتاد فَقَالَ الْخطابِيّ: أعتاد: كل مَا أعده الرجل من سلَاح ومركوب وَآلَة الْجِهَاد. وَيُقَال: أعتدت الشَّيْء للرجل: إِذا هيأته لَهُ. وَأما قَوْله فِي صَدَقَة الْعَبَّاس: ((فَهِيَ عَلَيْهِ وَمثلهَا مَعهَا)) فَقَالَ أَبُو عبيد: نرى أَنه كَانَ أخر الصَّدَقَة عَاميْنِ وَلَيْسَ وَجه ذَلِك إِلَّا حَاجَة الْعَبَّاس إِلَيْهَا. قَالَ: وَيجوز للْإِمَام أَن يؤخرها إِذا كَانَ على وَجه النّظر ثمَّ يَأْخُذهَا بعد. قَالَ لنا ابْن نَاصِر: وَيجوز أَن يكون قد قَالَ: هِيَ عَلَيْهِ بتَشْديد الْيَاء وَلم يبين ذَلِك الرَّاوِي. وَأما من روى ((فَهِيَ عَلَيْهِ)) فقد روى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُوسَى بن طَلْحَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ((إِنَّا كُنَّا احتجنا فتعجلنا من الْعَبَّاس صَدَقَة مَاله سنتَيْن)) وَبِهَذَا الحَدِيث قُلْنَا نَحن وَأَبُو حنيفَة: يجوز تَعْجِيل زَكَاة سنتَيْن. وَيحْتَمل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 أَن يكون الْمَعْنى: هِيَ عَليّ: أَي أَنا أؤديها عَنهُ لما لَهُ عَليّ من الْحق، وَلِهَذَا قَالَ: ((عَم الرجل صنو أَبِيه)) والصنو: الْمثل. قَالَ الْخطابِيّ: وَفِي حَدِيث مُوسَى بن عقبَة: ((فَهِيَ لَهُ وَمثلهَا مَعهَا)) أَي فَهِيَ عَلَيْهِ، وَله بِمَعْنى عَلَيْهِ، كَقَوْلِه تَعَالَى: {لَهُم اللَّعْنَة} [الرَّعْد: 25] 2020 - / 2490 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين بعد الثلاثمائة: ((الْغَرْقَد من شجر الْيَهُود)) . الْغَرْقَد: شجر لَهُ شوك. وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. 2021 - / 2491 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين بعد الثلاثمائة: ((إِن فرس الْمُجَاهِد ليستن فِي طوله)) . أَي ليعدو فِي حبله الَّذِي قد شدّ بِهِ. وَقد سبق هَذَا فِي هَذَا الْمسند. وَالَّذِي بعده أَيْضا. 2022 - / 2494 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي من أَفْرَاد البُخَارِيّ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى فِيمَن زنا وَلم يحصن بِنَفْي عَام وبإقامة الحديث: 2020 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 الْحَد عَلَيْهِ. إِذا زنى الْمُكَلف وَجب عَلَيْهِ الْحَد، فَإِن كَانَ مُحصنا فحده الرَّجْم حَتَّى يَمُوت، وَهل يجلد قبل الرَّجْم أم لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد. والمحصن من كَانَ بَالغا قد جَامع فِي نِكَاح صَحِيح من هُوَ على مثل حَاله، فَإِن اخْتَلَّ شَرط من ذَلِك فِي أَحدهمَا فَلَا إِحْصَان لَهما. فَإِن زنا مُحصن بِغَيْر مُحصن رجم الْمُحصن وَجلد الآخر وَغرب. وَإِن كَانَ الزَّانِي غير مُحصن وَهُوَ حر فحده مائَة جلدَة وتغريب عَام، وَهُوَ المُرَاد فِي هَذَا الحَدِيث بِنَفْي عَام. وَهَذَا النَّفْي عندنَا وَاجِب، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب، والْحَدِيث نَص. وَقَوله: بِإِقَامَة الْحَد: أَي مَعَ إِقَامَة الْحَد: وَهُوَ الْجلد. 2023 - / 2496 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: ((خير الصَّدَقَة مَا كَانَ عَن ظهر غنى، وابدأ بِمن تعول)) . وَاعْلَم أَن الصَّدَقَة نَافِلَة، وإغناء النَّفس والأهل وَاجِب، فَإِذا أغنوا حسنت الصَّدَقَة بعد ذَلِك، فَهَذَا معنى قَوْله: ((وابدأ بِمن تعول)) . فَإِن قيل: فَكيف الْجمع بَين هَذَا وَبَين قَوْله: ((أفضل الصَّدَقَة جهد مقل)) ؟ . فَالْجَوَاب: من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون جهد الْمقل بعد إغناء من يلْزم إغناؤه، فَكَأَنَّهُ يستسل من فواضل الْغنى شَيْئا فَيتَصَدَّق بِهِ. الحديث: 2023 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 وَالثَّانِي: أَن الْمقل إِذا آثر وصبر فَهُوَ غَنِي بِالصبرِ. وَقَوله: ((وَالْيَد الْعليا)) قد سبق تَفْسِيرهَا فِي مُسْند ابْن عمر. وَقَوله: ((وَمن يستعفف يعفه الله)) قد فسرناه فِي مُسْند أبي سعيد. 2024 - / 2497 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي شَاب، وَإِنِّي أَخَاف على نَفسِي الْعَنَت، وَلَا أجد مَا أَتزوّج بِهِ، كَأَنَّهُ يسْتَأْذن فِي الإختصاء، قَالَ: فَسكت عني، ثمَّ قلت مثل ذَلِك مرَارًا، فَقَالَ: ((جف الْقَلَم بِمَا أَنْت لَاق، فاختص على ذَلِك أَو ذَر)) . الْعَنَت: الزِّنَا، وأصل الْعَنَت الْحمل على مشقة لَا تطاق، وَإِنَّمَا ذكر الْقدر ليمنعه من ذَلِك الْفِعْل. وَالْمعْنَى: مَا تقدر أَن تخرج على الْمَقْدُور. وَقَوله: ((فاختص)) لَيْسَ بِأَمْر، وَإِنَّمَا الْمَعْنى: إِن فعلت أَو لم تفعل فلابد من نُفُوذ الْقدر. وَقد رَأينَا بعض جهال الْأَحْدَاث تزهد فِي صباه، فَلَمَّا اشتدت عَلَيْهِ الْعُزُوبَة جب نَفسه. وَكُنَّا قد سمعنَا عَن بعض القدماء أَنه جب نَفسه حَيَاء من الله عز وَجل. فَانْظُر إِلَى مَا يصنع الْجَهْل بأَهْله، فَأول مَا يُقَال لهَذَا: لَيْسَ لَك أَن تتصرف إِلَّا بِإِذن الله عز وَجل، وَهَذَا أَمر لَا يُقَال: مَا أذن فِيهِ، بل قد حرمه. ثمَّ يَنْبَغِي أَن يعلم أَن الله تَعَالَى وضع هَذَا الْأَمر لحكمة هِيَ إِيجَاد النَّسْل، فَمن الحديث: 2024 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 تسبب فِي قطع النَّسْل فقد ضاد الْحِكْمَة. ثمَّ من النِّعْمَة على الرجل خلقه رجلا وَلم يَجْعَل امْرَأَة، فَإِذا جب نَفسه اخْتَار النَّقْص على التَّمام، ثمَّ إِنَّه يفعل مَا نهي عَنهُ، فَلَو مَاتَ فِي ذَلِك اسْتحق النَّار، ثمَّ يكابد شدَّة لَا تُوصَف، ثمَّ يمْنَع نَفسه لَذَّة عاجلة وَوُجُود ولد يذكر بِهِ أَو يُثَاب عَلَيْهِ، ثمَّ قد كَانَ نسبه مُتَّصِلا من آدم إِلَيْهِ فتسبب لقطع ذَلِك الْمُتَّصِل، ثمَّ قد شوه نَفسه، ثمَّ هُوَ أبعد مِمَّا رجاه؛ فَإِن قطع الْآلَة لَا تزيل مَا فِي الْقلب من الشَّهْوَة، فالشهوة فِي الْقلب على حَالهَا والفكر فِي ذَلِك لَا يَنْقَطِع، وَالْعجب من ذَلِك المتزهد الأحمق الَّذِي استحيا من الله عز وَجل مِمَّا وَضعه الله تَعَالَى، فَلَو شَاءَ الله تَعَالَى لم يضع هَذَا فِي النَّفس، فنعوذ بِاللَّه من الْجَهْل، فَإِنَّهُ ظلمات بَعْضهَا فَوق بعض. 2025 - / 2498 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: ((إِنِّي لأستغفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ فِي الْيَوْم أَكثر من سبعين مرّة)) . اعْلَم أَن هفوات الطباع لَا يسلم مِنْهَا أحد، فالأنبياء وَإِن عصموا من الْكَبَائِر لم يعصموا من الصَّغَائِر، ثمَّ يَتَجَدَّد للطبع غفلات يفْتَقر إِلَى الاسْتِغْفَار. 2026 - / 2500 - والْحَدِيث الثَّامِن: قد سبق فِي مُسْند أبي أَيُّوب. 2027 - / 2501 - وَالتَّاسِع فِي مُسْند ابْن عمر. الحديث: 2025 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 2028 - / 2502 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: أُتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشارب فَقَالَ: ((اضْرِبُوهُ)) فمنا الضَّارِب بِيَدِهِ، والضارب بنعله، والضارب بِثَوْبِهِ. كَانَت إِقَامَة الْحَد فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَارَة بِالْأَيْدِي، وَتارَة بِالْجَرِيدِ، وَتارَة بالثياب، وَكَانَ الْمَقْصُود الإيلام بِالضَّرْبِ. وَقد ذكرنَا فِي مُسْند عَليّ الْكَلَام على الْحَد. قَوْله: فَقَالَ بعض الْقَوْم: أخزاك الله. قَالَ ابْن فَارس: الْمَعْنى: أبعده ومقته. وَقَوله: ((وَلَا تعينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَان)) وَذَاكَ لِأَن مُرَاد الشَّيْطَان إذلال الْمُسلم، وَالْحَد يَكْفِي طهره، فَلَا يجوز أَن يُضَاف إِلَيْهِ مَا لم يشرع فَيكون ذَلِك تعاطيا على الشَّرْع، ثمَّ من أَيْن يَأْمَن الْمُعير أَن يلقى مَا لَقِي. 2029 - / 2504 - وَقد سبق الحَدِيث الثَّانِي عشر فِي مُسْند ابْن عمر. 2030 - / 2505 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: ((الشَّمْس وَالْقَمَر يكوران يَوْم الْقِيَامَة)) . الحديث: 2028 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 523 اخْتلف الْعلمَاء فِي معنى هَذَا التكوير، فروى عَطِيَّة عَن ابْن عَبَّاس: أَنه الذّهاب والتعطيل. وَقَالَ مُجَاهِد: هُوَ الاضمحلال. وَقَالَ قَتَادَة: يذهب ضوءهما. وَقَالَ غَيره: تجمع الشَّمْس وَالْقَمَر ويرمى بهما فِي الْبَحْر، وَقيل: فِي النَّار. 2031 - / 2506 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: ذكر الَّذِي اسْتقْرض ألف دِينَار ثمَّ اتخذ خَشَبَة فنقرها وَوضع فِيهِ ألف دِينَار، ثمَّ زجج موضعهَا. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: معنى قَوْله زجج: سوى مَوضِع النقر وَأَصْلحهُ، وَأَحْسبهُ مأخوذا من تزجيج الحواجب: وَهُوَ حذف زَوَائِد الشّعْر، فَشبه مَا يكون من تَسْوِيَة النقر بذلك، وَإِن كَانَ النقر قد وَقع فِي طرف الْخَشَبَة فَشد عَلَيْهَا زجا لم يُنكر ذَلِك. 2032 - / 2507 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: ((أريقوا على بَوْل الْأَعرَابِي سجلا من مَاء)) . السّجل: الدَّلْو الْكَبِير. وَقد ذكرنَا حكم الحَدِيث فِي مُسْند أنس. 2033 - / 2508 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: ((إِن الله تَعَالَى قَالَ: الحديث: 2031 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 من عادى لي وليا فقد آذنته بِالْحَرْبِ)) . فِي هَذَا الحَدِيث إشكالات سَبْعَة: أَحدهَا: أَن يُقَال: كَيفَ يعادي الْإِنْسَان الْأَوْلِيَاء والأولياء قد تركُوا الدُّنْيَا وانفردوا عَن الْخلق، فَإِن جهل عَلَيْهِم جَاهِل حلموا، والعداوة إِنَّمَا تكون عَن خُصُومَة؟ والإشكال الثَّانِي: قَوْله: ((فقد آذنته بِالْحَرْبِ)) وَكَيف يتَصَوَّر الْحَرْب بَين الْخَالِق والمخلوق؟ والمحارب مناظر وَهَذَا الْمَخْلُوق فِي أسر قَبْضَة الْخَالِق. والإشكال الثَّالِث: ((وَمَا تقرب إِلَيّ عَبدِي بِشَيْء أحب إِلَيّ مِمَّا افترضت عَلَيْهِ)) وَالْعَادَة قد جرت بِأَن التَّقَرُّب يكون بِمَا لَا يجب كالهدايا إِلَى الْمُلُوك دون أَدَاء الْخراج، فَإِن مؤدي اللَّازِم لَا يكَاد يحمد، وَإِنَّمَا يشْكر من فعل مَا لَا يجب. وَالرَّابِع: أَن يُقَال: فَإِذا كَانَت الْفَرَائِض أفضل القربات، فَكيف أثمرت النَّوَافِل الْمحبَّة وَلم تثمرها الْفَرَائِض؟ وَالْخَامِس: قَوْله: ((كنت سَمعه وبصره وَيَده)) فَمَا صُورَة هَذَا؟ وَالسَّادِس: قَوْله: ((وَلَئِن سَأَلَني لأعطينه)) وَكم قد رَأينَا من عَابِد وَصَالح يَدْعُو ويبالغ وَلَا يرى إِجَابَة. وَالسَّابِع: قَوْله: ((وَمَا ترددت عَن شَيْء)) والتردد إِنَّمَا يَقع إِذا أشكلت الْمصلحَة فِي العواقب، وَذَلِكَ ينشأ عَن ضعف التَّدْبِير، وَالْحق عز وَجل منزه عَن ذَلِك. وَالْجَوَاب: أما الْإِشْكَال الأول: فَإِن معاداة الْأَوْلِيَاء يَقع من أَرْبَعَة أوجه: أَحدهَا: أَن يعاديهم الْإِنْسَان عصبية لغَيرهم، كَمَا يعادي الرافضي أَبَا بكر وَعمر. وَالثَّانِي: مُخَالفَة لمذهبهم كَمَا يعادي أهل الْبدع أَحْمد ابْن حَنْبَل. وَالثَّالِث: احتقارا لَهُم، فَيكون الْفِعْل بهم فعل الْأَعْدَاء، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 كَمَا كَانَ بعض الْجُهَّال يحصب أويسا الْقَرنِي. وَالرَّابِع: أَنه قد يكون بَين الْوَلِيّ وَبَين النَّاس معاملات وخصومات وَلَيْسَ كل الْأَوْلِيَاء ينفردون فِي الزوايا، فَرب ولي فِي السُّوق. وَأما الْإِشْكَال الثَّانِي: فَإِن الْإِنْسَان إِنَّمَا خُوطِبَ بِمَا يعقل، وَنِهَايَة الْعَدَاوَة الْحَرْب، ومحاربة الله عز وَجل للْإنْسَان أَن يهلكه، وَتَقْدِير الْكَلَام: فقد تعرض لإهلاكي إِيَّاه. وَأما الْإِشْكَال الثَّالِث: فَإِن فِي أَدَاء الْوَاجِبَات احتراما لِلْأَمْرِ وتعظيما لِلْأَمْرِ، وَبِذَلِك الإنقياد تظهر عَظمَة الربوبية، وَيبين ذل الْعُبُودِيَّة. وَأما الرَّابِع: فَإِنَّهُ لما أدّى الْمُؤمن جَمِيع الْوَاجِبَات ثمَّ زَاد بالتنفل وَقعت الْمحبَّة لقصد التَّقَرُّب، لِأَن مؤدي الْفَرْض رُبمَا فعله خوفًا من الْعقَاب، والمتقرب بالنفل لَا يَفْعَله إِلَّا إيثارا للْخدمَة والقرب، فيثمر لَهُ ذَلِك مَقْصُوده. وَأما الْخَامِس: فَإِن قَوْله: ((كنت سَمعه وبصره)) مثل، وَله أَرْبَعَة أوجه: أَحدهمَا: كنت كسمعه وبصره فِي إيثاره أَمْرِي، فَهُوَ يحب طَاعَتي ويؤثر خدمتي كَمَا يحب هَذِه الْجَوَارِح. وَالثَّانِي: أَن كليته مَشْغُولَة، فَلَا يصغي بسمعه إِلَّا إِلَى مَا يرضيني، وَلَا يبصر إِلَّا عَن أَمْرِي. وَالثَّالِث: أَن الْمَعْنى أَنِّي أحصل لَهُ مقاصده كَمَا يَنَالهُ بسمعه وبصره. وَالرَّابِع: كنت لَهُ فِي العون والنصرة كبصره وَيَده اللَّذين يعاونانه على عدوه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 وَأما السَّادِس: فَإِنَّهُ مَا سُئِلَ ولي قطّ إِلَّا وَأجِيب، وَإِلَّا أَنه قد تُؤخر الْإِجَابَة لمصْلحَة، وَقد يسْأَل مَا يظنّ فِيهِ مصلحَة وَلَا يكون فِيهِ مصلحَة فيعوض سواهُ. وَأما السَّابِع فَجَوَابه من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون التَّرَدُّد للْمَلَائكَة الَّذين يقبضون الْأَرْوَاح، فأضافه الْحق عز وَجل إِلَى نَفسه لِأَن ترددهم عَن أمره، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْر رَبك} [مَرْيَم: 64] وَتردد الْمَلَائِكَة إِنَّمَا يكون لإِظْهَار كَرَامَة الْآدَمِيّ كَمَا تردد ملك الْمَوْت إِلَى آدم وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَنَبِينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَما أَن يكون التَّرَدُّد لله فمحال فِي حَقه، وَهَذَا مَذْهَب الْخطابِيّ. فَإِن اعْترض على هَذَا فَقيل: مَتى أَمر الْملك بِقَبض الرّوح لم يجز لَهُ التَّرَدُّد فَكيف يتَرَدَّد؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون إِنَّمَا تردد فِيمَا لم يجْزم لَهُ فِيهِ على وَقت، كَمَا رُوِيَ: ((أَنه لما بعث ملك الْمَوْت إِلَى الْخَلِيل قيل لَهُ: تلطف بعبدي)) . وَالثَّانِي: أَن يكون تردد رقة ولطف بِالْمُؤمنِ، لَا أَنه يُؤَخر الْقَبْض، فَإِنَّهُ إِذا نظر إِلَى قدر الْمُؤمن من احترمه فَلم تنبسط يَده لقبض روحه، وَإِذا ذكر أَمر الْإِلَه لم يكن لَهُ يَد فِي امتثاله. وَالثَّانِي: أَنه خطاب لنا بِمَا نعقل، وَقد تنزه الرب عز وَجل عَن حَقِيقَته كَمَا قَالَ: ((من أَتَانِي يمشي أَتَيْته هرولة)) فَكَمَا أَن أَحَدنَا يتَرَدَّد فِي ضرب وَلَده فيأمره التَّأْدِيب بضربه وتمنعه الْمحبَّة، فَإِذا أخبر بالتردد فهمنا قُوَّة محبته لَهُ بِخِلَاف عَبده فَإِنَّهُ لَا يتَرَدَّد فِي ضربه، فَأُرِيد تفهيمنا تَحْقِيق الْمحبَّة للْوَلِيّ بِذكر التَّرَدُّد. وَمن الْجَائِز أَن يكون تركيب الْوَلِيّ يحْتَمل خمسين سنة، فيدعو عِنْد الْمَرَض فيعافى ويقوى تركيبه فيعيش عشْرين أُخْرَى، فتغيير التَّرْكِيب والمكتوب من الْأَجَل كالتردد، وَذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 ثَمَرَة الْمحبَّة. 2034 - / 2509 - والْحَدِيث السَّابِع عشر: قد تقدم فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 2035 - / 2510 - وَالثَّامِن عشر قد تقدم فِي مُسْند كَعْب بن مَالك. 2036 - / 2511 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: ((إِذا وسد الْأَمر إِلَى غير أَهله فانتظر السَّاعَة)) . أَي أسندت الْولَايَة والإمارة. 2037 - / 2515 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: ((إِن أَيُّوب خر عَلَيْهِ رجل جَراد من ذهب)) . أَي جمَاعَة من جَراد، وَهَذَا من أَسمَاء الْجَمَاعَات الَّتِي لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا، يُقَال: رجل من جَراد، وسرب من ظباء، وخيط من نعام، وعانة من حمير. 2038 - / 2516 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: ((خفف على دَاوُد الْقُرْآن)) . الحديث: 2034 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 يَعْنِي الْقِرَاءَة لكتابه الزبُور. 2039 - / 2517 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: ((من يرد الله بِهِ خيرا يصب مِنْهُ)) . عَامَّة الْمُحدثين يقرءونه بِكَسْر الصَّاد يجْعَلُونَ الْفِعْل لله عز وَجل، وَسمعت أَبَا مُحَمَّد، ابْن الخشاب يفتح الصَّاد، وَهُوَ أحسن وأليق. وَاعْلَم أَن سَلامَة الْبدن وَالْمَال توجب غَفلَة وإعراضا، فَإِن وجد الشُّكْر فَلَا عَن حرقة. وَالْبَلَاء يكسر النَّفس عَن أشرها وشرها وشرهها، ويثمر صدق اللجأ إِلَى الله سُبْحَانَهُ، وَيحصل ثَوَاب الْآخِرَة. 2040 - / 2524 - وَمَا بعد هَذَا قد تقدم إِلَى الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ، وَفِيه: ((يلقى إِبْرَاهِيم آزر وعَلى وَجه آزر قترة وغبرة، فَينْظر فَإِذا هُوَ بذيخ ملتطخ)) . آزر اسْم أَبِيه. والقترة: الظلمَة. وَقَالَ الزّجاج: سَواد كالدخان. والغبرة: الْغُبَار، وَقَالَ مقَاتل: سَواد وكآبة. والذيخ: ذكر الضباع. وملتطخ: أَي بعذرة ونجاسة. وَالْمعْنَى: أَنه يمسخ آزر ويغير حَاله. الحديث: 2039 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 2041 - / 2525 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ: ((إِن الله يحب العطاس وَيكرهُ التثاؤب)) . إِن قَالَ قَائِل: لَيْسَ العطاس دَاخِلا تَحت الْكسْب وَلَا التثاؤب، فَمَا حِيلَة العَبْد فِي تَحْصِيل المحبوب وَنفي الْمَكْرُوه؟ فَالْجَوَاب: أَن العطاس إِنَّمَا يكون مَعَ انفتاح المسام وخفة الْبدن وتيسير الحركات، وَسبب هَذِه الْأَشْيَاء تَخْفيف الْغذَاء والتقلل من الْمطعم، فَأَما التثاؤب فَإِنَّهُ يكون مَعَ ثقل الْبدن وامتلائه واسترخائه للنوم، فَحَمدَ العطاس لِأَنَّهُ يعين على الطَّاعَة، وذم التثاؤب لِأَنَّهُ يثبط عَن الْخَيْر. وَإِنَّمَا يضْحك الشَّيْطَان من قَول المتثائب ((هَا)) لمعنيين: أَحدهمَا: أَنه يرى ثَمَرَة تحريضه على الشِّبَع فيضحك فَرحا بِأَن أثمرت شجرات غرسه. وَالثَّانِي: أَن الْمسنون للمتثائب أَن يَكْظِم وَيحبس مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذا ترك الْأَدَب وَقَالَ: ((هَا)) ضحك الشَّيْطَان لقلَّة أدبه. وَأما التشميت فقد سبق تَفْسِيره فِي مُسْند أبي مُوسَى. والبال: الْحَال. وَلما أبان العطاس عَن صَلَاح - على مَا بَينا - ناسب ذَلِك أَن يَقُول الْعَاطِس: الْحَمد لله، وَلما كَانَ ذَلِك الصّلاح برحمة الله ناسب ذَلِك أَن يُقَال للعاطس: يَرْحَمك الله: أَي يزيدك رَحْمَة، وَلما قَامَ الرَّاد بِحَق الْمُسلم ناسب ذَلِك أَن يَقُول: وَيصْلح بالكم، أَي يصلح حالك بالسلامة وَالنعْمَة كَمَا أصلح حَالي بالعطاس. الحديث: 2041 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 2042 - / 2526 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: ((إِن هَذَا الدّين يسر)) . يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الشَّرِيعَة سهلة فَلَا يَنْبَغِي التَّشْدِيد على النَّفس. وَالثَّانِي: أَن يكون الْمَعْنى: إِنَّمَا ينَال الدّين بالتلطف، وَيدل على هَذَا الْوَجْه قَوْله: ((وَلنْ يشاد الدّين أحد إِلَّا غَلبه)) . وَقَوله: ((فسددوا)) أَي استعملوا السداد وَالصَّوَاب وقاربوا ذَلِك إِذا عجزتم عَنهُ. والدلجة: سير اللَّيْل. وَذكر الغدوة والروحة والدلجة مثل للتلطف؛ فَإِن الْمُسَافِر لَو قطع اللَّيْل وَالنَّهَار بالسير انْقَطع، وَإِنَّمَا يسير الغدوة والروحة وشيئا من اللَّيْل ليجمع بَين قطع الطَّرِيق والتلطف بالرواحل. وَقَوله: ((الْقَصْد الْقَصْد)) الْمَعْنى: اقتصدوا فِي الْعِبَادَة وَلَا تحملوا مِنْهَا مَا لَا تطيقونه. وَقَوله: ((لن يُنجي أحدا مِنْكُم عمله)) قد تقدم فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. 2043 - / 2527 - والْحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ: قد تقدم فِي مُسْند أنس. 2044 - / 2528 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ: ((أعذر الله إِلَى الحديث: 2042 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 امْرِئ أخر أَجله حَتَّى بلغ سِتِّينَ سنة)) . أعذر: أَي أَقَامَ الْعذر فِي تَطْوِيل التَّعْمِير. وَاعْلَم أَن الْأَسْنَان أَرْبَعَة: سنّ الصَّبِي، وَسن الشَّبَاب، وَسن الكهولة، وَسن الشيخوخة. فسن الصَّبِي هُوَ الَّذِي يكون فِيهِ الْبدن دَائِم النشوء والنمو، وَهُوَ إِلَى خمس عشرَة سنة. وَسن الشَّبَاب هُوَ الَّذِي يتكامل فِيهِ النمو ويبتدئ عَقِيبه بالإنحطاط، ومنتهاه فِي غَالب الْأَحْوَال خمس وَثَلَاثُونَ سنة، وَقد يبلغ أَرْبَعِينَ. وَبَعْضهمْ يُسمى مَا بَين الثَّلَاثِينَ إِلَى الْأَرْبَعين سنّ الْوُقُوف، كَأَن الْقُوَّة وقفت فِيهِ. ثمَّ من الْأَرْبَعين يَأْخُذ فِي النَّقْص، قَالَ الشَّاعِر: (كَأَن الْفَتى يرقى من الْعُمر سلما ... إِلَى أَن يجوز الْأَرْبَعين وينحط) وَسن الكهول الَّذِي قد تبين فِيهِ الإنحطاط وَالنُّقْصَان مَعَ بَقَاء من الْقُوَّة، ومنتهاه فِي أَكثر الْأَحْوَال سِتُّونَ سنة، فَمن بلغ السِّتين فقد انْتهى وَأثر فِيهِ ضعف الْقُوَّة وجاءته نذر الْمَوْت وَدخل فِي سنّ الْمَشَايِخ، وَفِي ذَلِك الزَّمَان يزِيد انحطاط الْقُوَّة ويقوى ظُهُور الضعْف إِلَى آخر الْعُمر. وَقد أخبرنَا مُحَمَّد بن الْقَاسِم قَالَ: أخبرنَا حمد بن أَحْمد قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن عبد الله الْحَافِظ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَكِيم قَالَ: حَدثنَا أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ قَالَ: حدثونا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 عَن يحيى بن يمَان قَالَ: سَمِعت سُفْيَان الثَّوْريّ يَقُول: من بلغ سنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فليرتد لنَفسِهِ كفنا. 2045 - / 2531 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ: ((يَقُول الله تَعَالَى: مَا لعبدي الْمُؤمن عِنْدِي جَزَاء إِذا قبضت صَفيه من أهل الدُّنْيَا ثمَّ احتسبه إِلَّا الْجنَّة)) . الصفي: الْمُصْطَفى كَالْوَلَدِ وَالْأَخ وكل مَحْبُوب مُؤثر. 2046 - / 2532 - وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين: ((قَالَ الله تَعَالَى: ثَلَاثَة أَنا خصمهم يَوْم الْقِيَامَة: رجل أعْطى بِي ثمَّ غدر. وَرجل بَاعَ حرا فَأكل ثمنه. وَرجل اسْتَأْجر أَجِيرا فاستوفى مِنْهُ وَلم يُعْطه أجره)) . قَوْله: ((أعْطى بِي)) أَي حلف بِي، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اجترأ على ربه عز وَجل. وَأما الَّذِي بَاعَ حرا فَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يضْرب الرّقّ على الْكَافِر، فَأَما الْمُؤمن فَإِنَّهُ عبد لله خَالص، فَمن بَاعه بَاعَ عبدا لله خَالِصا، وَمن جنى على عَبده فخصمه سَيّده. وَأما الَّذِي اسْتَأْجر أَجِيرا، فَإِن الْأَجِير وثق بأمانة الْمُسْتَأْجر، فَإِن خَان الْأَمَانَة تولى الله جزاءه. 2047 - / 2533 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ: ((مَا أَسْفَل الْكَعْبَيْنِ من الْإِزَار فَفِي النَّار)) . قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: هَذَا يتَأَوَّل على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن مَا دون الحديث: 2045 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 533 الْكَعْبَيْنِ من قدم صَاحبه فِي النَّار عُقُوبَة على فعله. وَالثَّانِي: أَن الْمَعْنى: أَن فعل ذَلِك مَعْدُود فِي أَفعَال أهل النَّار)) . 2048 - / 2534 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: حفظت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعاءين، فَأَما أَحدهمَا فبثثته، وَأما الآخر فَلَو بثثته قطع هَذَا البلعوم)) . الْوِعَاء: مَا يوضع فِيهِ الشَّيْء. وبثثته بِمَعْنى نشرته وفرقته. وَالْمرَاد بِهِ الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ. والبلعوم: مجْرى الطَّعَام. وَلقَائِل أَن يَقُول: كَيفَ استجاز كتم الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد قَالَ: ((بلغُوا عني)) وَكَيف يَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا إِذا ذكر قتل رَاوِيه؟ وَكَيف يستجيز الْمُسلمُونَ من الصَّحَابَة الأخيار وَالتَّابِعِينَ قتل من يروي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَالْجَوَاب: أَن هَذَا الَّذِي كتمه لَيْسَ من أَمر الشَّرِيعَة؛ فَإِنَّهُ لَا يجوز كتمانها، وَقد كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَقُول: لَوْلَا آيَة فِي كتاب الله مَا حدثتكم، وَهِي قَوْله: {إِن الَّذين يكتمون مَا أنزلنَا من الْبَينَات وَالْهدى} [الْبَقَرَة: 159] فَكيف يظنّ بِهِ أَن يكتم شَيْئا من الشَّرِيعَة بعد هَذِه الْآيَة، وَبعد أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يبلغ عَنهُ، وَقد كَانَ يَقُول لَهُم: ((ليبلغ الشَّاهِد مِنْكُم الْغَائِب)) . وَإِنَّمَا هَذَا المكتوم مثل أَن يَقُول: الحديث: 2048 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 فلَان مُنَافِق، وستقتلون عُثْمَان، و ((هَلَاك أمتِي على يَدي أغيلمة من قُرَيْش)) بَنو فلَان، فَلَو صرح بِأَسْمَائِهِمْ لكذبوه وقتلوه. 2049 - / 2536 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: كنت ألزم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشبع بَطْني حِين لَا آكل الخمير وَلَا ألبس الْحَرِير. وَالْمرَاد بالخمير: خبز الخمير. وَقَوله: وَلَا ألبس الْحَرِير. كَذَا وَقع بِخَط الْحميدِي، وَإِنَّمَا هُوَ الحبير: وَهُوَ الثِّيَاب الْحبرَة. والعكة: ظرف الْعَسَل. 2050 - / 2537 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ: فِي الْإِمَارَة: ((فَنعم الْمُرضعَة وبئست الفاطمة)) . يَعْنِي أَن الْأَمر وَالنَّهْي فِي الْإِمَارَة لذيد، والمؤاخذة بِحَق الْإِمَارَة فِي الْقِيَامَة صَعب كالفطام على الصَّبِي. 2051 - / 2542 - وَفِي الحَدِيث الْخمسين: أهديت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَاة فِيهَا سم، وَقَالُوا: أردنَا أَن نعلم إِن كنت نَبيا لم يَضرك. وَقد سبق بَيَان هَذَا، وَبينا أَن الْمَرْأَة الَّتِي سمته اسْمهَا زَيْنَب، وَأَنه قَتلهَا. وَهَذَا كَانَ فِي غزَاة خَيْبَر. الحديث: 2049 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 وَقَوْلهمْ: إِن كنت نَبيا لم يَضرك. جهل مَحْض؛ لِأَن الْأَنْبِيَاء بشر، فَمَا يُؤْذِي الْبشر يؤذيهم. 2052 - / 2543 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْخمسين: ((حرم مَا بَين لابتي الْمَدِينَة على لساني)) . اللابة: الْحِجَارَة السود. وَقد ذكرنَا حُدُود حرم الْمَدِينَة فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. 2053 - / 2547 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْخمسين: قَالَت الْأَنْصَار: اقْسمْ بَيْننَا وَبينهمْ النّخل. قَالَ: ((لَا، يكفونا الْعَمَل ويشركونا فِي الثَّمَرَة)) . هَذَا كَانَ حِين قدم الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَة، فَإِنَّهُم دخلوها فُقَرَاء فمنحهم الْأَنْصَار من أَمْوَالهم الْكثير، فَلَمَّا افتتحت خَيْبَر أعادوا منائحهم عَلَيْهِم على مَا بَينا فِي مُسْند أنس. 2054 - / 2549 - والْحَدِيث السَّابِع وَالْخَمْسُونَ: قد تقدم فِي مُسْند أنس أَيْضا. 2055 - / 2550 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْخمسين: ((الَّذِي يخنق الحديث: 2052 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 536 نَفسه يخنقها فِي النَّار)) . يَعْنِي أَنه يفعل ذَلِك بِنَفسِهِ، كَأَنَّهُ يضْطَر إِلَى ذَلِك الْفِعْل عُقُوبَة لما فعل بِنَفسِهِ. 2056 - / 2553 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتِّينَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: إِن كنت لأشد الْحجر على بَطْني من الْجُوع. أما شدّ الْحجر فعادة كَانَت الْعَرَب إِذا اشْتَدَّ بهم الْجُوع وخوى الْبَطن فَإِنَّهُ لَا يُمكن مَعَ ذَلِك انتصاب الْقَامَة، فَيَأْخُذ أحدهم الْحجر الَّذِي يكون بطول الْكَفّ إِلَّا أَنه خَفِيف فيشده على الْبَطن فَيرد الْقَامَة بعض الرَّد. والقدح: السهْم. وَالنعَم: الْإِبِل، وحمرها: أفضلهَا. 2057 - / 2554 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتِّينَ: لجأوا إِلَى فدفد. الفدفد: الأَرْض المستوية. وَقَوله: ((اقتلهم بددا)) ذكره ابْن السّكيت فِي كتاب ((الْأَلْفَاظ)) بِفَتْح الْبَاء، وَقَالَ: الْعَرَب تَقول: اقتلهم بددا، والبدد: التَّفَرُّق، وَيُقَال: بُد رجلَيْهِ فِي المقطرة: أَي فرقهما. الحديث: 2056 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 537 والدبر: النَّحْل. وَفِيه: فَقَامَ أَبُو سروعة إِلَى خبيب فَقتله. أَبُو سروعة اسْمه عقبَة بن الْحَارِث، كَانَ خبيب قد قتل أَبَاهُ يَوْم بدر، فَلَمَّا أسر خبيب اشْتَرَاهُ مِنْهُ الْحَارِث فَقتله عقبَة، ثمَّ أسلم وروى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأخرج لَهُ فِي الصَّحِيح مَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 2058 - / 2555 - والْحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتُّونَ: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عمر. 2059 - / 2556 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسِّتِّينَ: ((تعس عبد الدِّينَار وَالدِّرْهَم)) . فِي تعس لُغَتَانِ: فتح الْعين وَكسرهَا، وَمعنى تعس: عثر فَسقط لوجهه. والقطيفة: نوع من الأكسية. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: الخميصة عِنْد الْعَرَب كسَاء مربح أسود لَهُ علمَان. وَقَوله: ((إِن أعطي رَضِي)) يَعْنِي أَنه يعْمل للدنيا. وانتكس قَالَ ابْن السّكيت: سقط على رَأسه، تَقول: نكست الحديث: 2058 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 538 الشَّيْء: إِذا قلبته. وَقَوله: ((شيك)) أَي أصَاب الشوك جسده. فَلَا انتقش: أَي فَلَا قدر على إِخْرَاجه من بدنه وَلَا اسْتَطَاعَ، يُقَال: نقشت الشوك: إِذا استخرجته. وطوبى ((فعلى)) من الطّيب، وأصل طُوبَى: طيبي، فقلبت الْيَاء للضمة قبلهَا واوا، كَذَلِك قرأته على شَيخنَا أبي مَنْصُور. وَقَوله: ((إِن كَانَ فِي الحراسة، وَإِن كَانَ فِي السَّاقَة)) الْمَعْنى أَنه خامل الذّكر لَا يقْصد السمو، فَأَيْنَ اتّفق لَهُ كَانَ فِيهِ. 2060 - / 2557 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتِّينَ: قَالَ: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أوصني، قَالَ: ((لَا تغْضب)) . فَإِن قيل: الْغَضَب جبلة فِي الْآدَمِيّ فَكيف يُؤمر بصرفها؟ فَالْجَوَاب: أَن الْغَضَب لَهُ جوالبه وثمرات، فَمن جوالبه الْكبر، فَإِذا رَاض الْإِنْسَان نَفسه بِاسْتِعْمَال التَّوَاضُع ذلت. وَمن ثَمَرَات الْغَضَب السب وَالضَّرْب وَمَا يعود بثلب دين الغضبان وبدنه قبل أَذَى المغضوب عَلَيْهِ، فَإِن بعض النَّاس استشاط يَوْمًا من الْغَضَب فصاح، فنفث الدَّم وَأَدَّاهُ ذَلِك إِلَى السل. وَضرب رجل رجلا على فَمه فَانْكَسَرت أَصَابِع الضَّارِب وَلم يكبر أَذَى الْمَضْرُوب. وَقد أثر غضب خلق كثير فِي بطشهم بأولادهم وأهاليهم وتطليق زوجاتهم، ثمَّ طَالَتْ ندامتهم وَفَاتَ الإستدراك، فقد روينَا فِي الحَدِيث: ((أَن الله تَعَالَى يَقُول: يَا ابْن الحديث: 2060 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 539 آدم، اذْكُرْنِي حِين تغْضب أذكرك حِين أغضب، فَلَا أمحقك فِيمَن أمحق)) فَكَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَاهُ عَن جوالب الْغَضَب وثمراته ومساكنته، وَقد أَمر بمداواته إِذا عرض، فَقَالَ فِي حَدِيث أبي ذَر: ((إِذا غضب أحدكُم وَهُوَ قَائِم فليجلس، فَإِذا ذهب عَنهُ الْغَضَب وَإِلَّا فليضطجع)) وَهَذَا لِأَن الْقَائِم متهيء للحركة والبطش، والقاعد دونه فِي هَذَا الْمَعْنى، والمضطجع مَمْنُوع مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا أمره بذلك لِئَلَّا يبدر مِنْهُ فِي حَال قِيَامه وقعوده مَا ينْدَم عَلَيْهِ فِيمَا بعد، وَقد قَالَ الْأَحْنَف بن قيس: مَا اعْترض التثبت فِي الْغَضَب إِلَّا قهر سُلْطَان العجلة. وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء: أول الْغَضَب جُنُون وَآخره نَدم. 2061 - / 2558 - والْحَدِيث السَّادِس وَالسِّتُّونَ: قد تقدم فِي مُسْند سهل بن سعد. 2062 - / 2560 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتِّينَ: نهى رَسُول الله عَن كسب الْإِمَاء. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: كَانَ لأهل مَكَّة وَلأَهل الْمَدِينَة إِمَاء عَلَيْهِنَّ ضَرَائِب، تخدمن النَّاس: يخبزن ويسقين المَاء، إِلَى غير ذَلِك من الصناعات، ويؤدين الضرائب إِلَى ساداتهن. وَالْإِمَاء إِذا دخلن تِلْكَ المداخل وتبذلن ذَلِك التبذل لم يُؤمن أَن يكون مِنْهُنَّ الْفُجُور وَأَن الحديث: 2061 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 540 يكسبن بالسفاح، فَنهى عَن كَسْبهنَّ تَنْزِيها، وَمَتى لم يكن لعملهن وَجه مَعْلُوم يكتسبن بِهِ فَهُوَ أبلغ فِي النَّهْي وَأَشد فِي الْكَرَاهَة. وَقد روى أَبُو دَاوُد السجسْتانِي من حَدِيث رِفَاعَة بن رَافع عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن كسب الْأمة إِلَّا مَا عملت بِيَدَيْهَا، وَقَالَ بأصابعه هَكَذَا نَحْو الْخبز والغزل والنفش، يَعْنِي نفش الصُّوف. 2063 - / 2561 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسِّتِّينَ: ((لَو دعيت إِلَى كرَاع أَو ذِرَاع لَأَجَبْت)) . والكراع: كرَاع الشَّاة، قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الكراع من الْإِنْسَان إِلَى مَا دون الرّكْبَة، وَمن الدَّوَابّ مَا دون الكعب. قلت: وَقد غلط من فسره بكراع الغميم؛ لِأَن الذِّرَاع يُنَاسب الكراع لَا الْمَكَان. 2064 - / 2562 - وَفِي الحَدِيث السّبْعين: ((عجب الله من قوم يدْخلُونَ الْجنَّة فِي السلَاسِل)) . الْمَعْنى أَنهم يحملون على الْإِسْلَام بالكره، وعَلى هَذَا يحْتَمل ذكر الْجنَّة وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون المُرَاد بِالْجنَّةِ الْإِسْلَام، لِأَن مآل الدَّاخِل فِيهِ إِلَى الْجنَّة، فَسُمي بهَا. وَالثَّانِي: أَن يكون الْمَعْنى أَنهم أكْرهُوا على الْإِسْلَام، فَلَو بقوا على كراهتم لِلْإِسْلَامِ لم يدخلُوا الْجنَّة، وَكَانَ السَّبَب الْإِكْرَاه فِي الأول. الحديث: 2063 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 541 وَقد ذكرنَا معنى الْعجب الْمُضَاف إِلَى الله عز وَجل فِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ من هَذَا الْمسند. وَقد سبق مَا بعد هَذَا. 2065 - / 2566 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسبْعين: ((الرَّهْن يركب بِنَفَقَتِهِ، وَيشْرب لبن الدّرّ إِذا كَانَ مَرْهُونا، وعَلى الَّذِي يركب وَيشْرب النَّفَقَة)) . عِنْد أَحْمد - رَحمَه الله - يجوز أَن يركب الرَّهْن ويحلب ويستخدم بِمِقْدَار النَّفَقَة عَلَيْهِ على شَرط أَن يجْرِي الْعدْل فِي ذَلِك بِمُقْتَضى هَذَا الحَدِيث، وَلَيْسَ لَهُ أَن ينْتَفع بِهِ فِي غير هَذَا، وَهَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك. وَقَالَ الشَّافِعِي - رَحمَه الله -: يجوز اسْتِخْدَام العَبْد الْمَرْهُون وَالْجَارِيَة، وركوب الدَّابَّة وَأخذ أجرتهَا، وجز الصُّوف، وحلب اللَّبن. 2066 - / 2567 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسبْعين: كُنَّا عِنْد أبي هُرَيْرَة وَعَلِيهِ ثَوْبَان ممشقان من كتَّان، فَقَالَ: بخ بخ. الممشق: الْمَصْبُوغ بالمشق: وَهُوَ الْمغرَة بِفَتْح الْغَيْن. وَقَوله: بخ بخ، قد سبقت فِي مُسْند أنس. الحديث: 2065 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 542 2067 - / 2569 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسبْعين: أَعْطَانِي سبع تمرات إِحْدَاهُنَّ حَشَفَة شدت من مضاغي. الحشف: أردأ التَّمْر. والمضاغ: الطَّعَام يمضغ. وَكَأَنَّهُ يَقُول: قويت فِي مضغي فطال زمَان التَّمَتُّع بهَا. 2068 - / 2573 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي والثمانين: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرض على قوم الْيَمين فَأَسْرعُوا، فَأمر أَن يُسهم بَينهم فِي الْيَمين: أَيهمْ يحلف. ويسهم بِمَعْنى يقرع. وَإِنَّمَا فعل هَذَا فِي حق الَّذين تَسَاوَت درجاتهم فِي أَسبَاب الإستحقاق، مثل أَن يكون الشَّيْء فِي يَدي اثْنَيْنِ، كل وَاحِد مِنْهُم يَدعِيهِ وَيُرِيد أَن يحلف ويستحقه. 2069 - / 2574 - والْحَدِيث الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ: قد سبق فِي مُسْند أبي ابْن كَعْب. 2070 - / 2575 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث والثمانين: مَا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحد أَكثر حَدِيثا عَنهُ مني إِلَّا مَا كَانَ من عبد الله بن عَمْرو؛ فَإِنَّهُ كَانَ يكْتب وَلَا أكتب. الحديث: 2067 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 543 اعْلَم أَن الله تَعَالَى بَارك لأبي هُرَيْرَة، فقد ذكرنَا أَنه روى أَكثر من خَمْسَة آلَاف حَدِيث، وَأَن عبد الله بن عَمْرو لم يضْبط عَنهُ أَكثر من سَبْعمِائة حَدِيث، مَعَ أَنه قَالَ: حفظت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألف مثل، وَقد عَاشَ بعد أبي هُرَيْرَة سِتّ سِنِين، وَقيل: سبع سِنِين. 2071 - / 2576 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع والثمانين: أَتَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِخَيْبَر، فَقلت لَهُ: أسْهم لي، فَقَالَ بعض بني سعيد بن الْعَاصِ: لَا تسهم لَهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: هَذَا قَاتل ابْن قوقل. فَقَالَ ابْن سعيد ابْن الْعَاصِ: وَاعجَبا لوبر تدلى علينا من قدوم شَاة. اسْم هَذَا الْقَائِل أبان بن سعيد بن الْعَاصِ، وَلَا أَدْرِي من يَعْنِي بِابْن قوقل، إِلَّا أَن النُّعْمَان بن مَالك بن ثَعْلَبَة الْأنْصَارِيّ، وثعلبة هُوَ قوقل، كَانَ يَقُول للخائف قوقل حَيْثُ شِئْت، فَإنَّك آمن. وَقتل النُّعْمَان يَوْم أحد شَهِيدا، وَالَّذِي قَتله صَفْوَان بن أُميَّة، وَقتل من القواقلة يَوْمئِذٍ الْعَبَّاس بن عبَادَة، قَتله صَفْوَان أَيْضا. والتدلي: تعلق من علو إِلَى سفل، وَقد بَين فِي اللَّفْظ الآخر من الحَدِيث: يَا وَبرا تحدر من رَأس ضَأْن. والوبر بتسكين الْبَاء: دويبة طحلاء، وَمعنى طحلاء أَنَّهَا تشبه الطحال، فَمَعْنَى تدلى: وَقع أَو تعلق. والقدوم: مَا يقدم من الشَّاة: وَهُوَ رَأسهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ احتقاره وَأَنه الحديث: 2071 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 544 لَا قدر لَهُ عِنْده، فشبهه بالوبر الَّذِي يتدلى من رَأس الضَّأْن فِي قلَّة الْمَنْفَعَة والمبالاة، كَذَا فسره بعض الْعلمَاء، وَقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَقَالَ: تدلى علينا من قدوم ضال، بِاللَّامِ، قَالَ الْخطابِيّ: الْوَبر: دويبة يُقَال إِنَّهَا تشبه السنور، وأحسب أَنَّهَا تُؤْكَل، لِأَنِّي وجدت بعض السّلف يُوجب فِيهَا الْفِدْيَة. قَالَ: وقدوم ضان، بالنُّون: اسْم مَوضِع: جبل أَو ثنية، وَهُوَ فِي أَكثر الرِّوَايَات ضال، بِاللَّامِ. وَقَوله: ينعى عَليّ: أَي يعيب عَليّ. وَقد ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث على وَجه آخر: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَانَا على سَرِيَّة من الْمَدِينَة قبل نجد، فَقدم أبان وَأَصْحَابه على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَيْبَر بَعْدَمَا افتتحها، قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَقلت: يَا رَسُول الله، لَا تقسم لَهُم، فَقَالَ أبان: وَأَنت بِهَذَا يَا وبر تحدر من رَأس ضَأْن. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((يَا أبان، اجْلِسْ)) وَلم يقسم لَهُم. وَقَوله: أَنْت بِهَذَا الْكَلَام، ويروى: أَنْت بهَا. أَي: أَنْت بِهَذِهِ الْكَلِمَة، فَهَذَا على مَذْهَب الْعَرَب فِي الإختصار والحذف. وَكَانَ ابْن عمر إِذا أصَاب فِي رميه الهدف قَالَ: أَنا بهَا، أَي: أَنا الفائز بالإصابة. وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَن الْغَنِيمَة لمن شهد الْوَقْعَة دون من لحقهم بعد إحرازها. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: من لحق الْجَيْش بعد أَخذ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 545 الْغَنِيمَة وَقبل قسمتهَا فَهُوَ شريك الْغَانِمين. 2072 - / 2577 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس والثمانين: ((مَا بعث الله عز وَجل نَبيا إِلَّا رعى الْغنم)) فَقَالَ أَصْحَابه: وَأَنت؟ فَقَالَ: ((نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مَكَّة)) . وَقد سبق وَجه الْحِكْمَة فِي رعي الْغنم فِي مُسْند جَابر. وَقد روى هَذَا الحَدِيث سُوَيْد بن سعيد عَن عَمْرو بن يحيى بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ: ((كنت أرعاها بالقراريط)) قَالَ سُوَيْد: يَعْنِي كل شَاة بقيراط. قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: قراريط مَوضِع، وَلم يرد بذلك القراريط من الْفضة. وَهَذَا أصح؛ لِأَن سويدا لَا يعْتَمد على قَوْله. 2073 - / 2578 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس والثمانين: اتبعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ((ابغني أحجارا أستنفض بهَا)) . ابغني بِمَعْنى ابغ لي، تَقول: بغيت لَك كَذَا وَكَذَا، وبغيتك كَذَا: أَي طلبته لَك، قَالَ الله عز وَجل: {يبغونكم الْفِتْنَة} [التَّوْبَة: 47] أَي يَبْغُونَ لكم. وأستنفض بهَا: أَي أزيل عني الْأَذَى. وَالْإِشَارَة إِلَى الإستجمار؛ لِأَن المستجمر ينفض عَن نَفسه أَذَى الْحَدث بالأحجار. الحديث: 2072 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 546 2074 - / 2579 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع والثمانين: ((تنتهك ذمَّة الله)) . أَي يستباح مَالا يحل. وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا الحَدِيث فِي أَفْرَاد مُسلم من هَذَا الْمسند إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 2075 - / 2580 - والْحَدِيث الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ: قد سبق فِي مُسْند جَابر. 2076 - / 2581 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع والثمانين: ((إِذا وَقع الذُّبَاب فِي شراب أحدكُم فليغمسه ثمَّ لينزعه؛ فَإِن فِي أحد جناحيه دَاء وَالْآخر شِفَاء)) . قد تعجب قوم من اجْتِمَاع الدَّاء والدواء فِي شَيْء وَاحِد وَلَيْسَ بعجيب، فَإِن النحلة تعسل من أَعْلَاهَا وتلقي السم من أَسْفَلهَا، والحية الْقَاتِل سمها يدْخلُونَ لَحمهَا فِي الدرياق، ويدخلون الذُّبَاب فِي أدوية الْعين ويسحقونه مَعَ الإثمد ليقوى الْبَصَر، ويأمرون بستر وَجه الَّذِي يعضه الْكَلْب من الذُّبَاب، وَيَقُولُونَ: إِن وَقع عَلَيْهِ تعجل هَلَاكه. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَنه إِذا مَاتَ فِي المَاء الْيَسِير مَا لَيست لَهُ نفس سَائِلَة لم ينجس، خلافًا لأحد قولي الشَّافِعِي. الحديث: 2074 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 547 2077 - / 2582 - وَفِي الحَدِيث التسعين: ((إِذا قضى الله الْأَمر فِي السَّمَاء ضربت الْمَلَائِكَة أَجْنِحَتهَا خضعانا لقَوْله كَأَنَّهُ سلسلة على صَفْوَان، فَإِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم)) . الخضعان والخضوع: التطامن. والصفوان: الْحجر الأملس، وَإِذا جرت السلَاسِل عَلَيْهِ أزعجت الْقُلُوب بِالرُّعْبِ. وفزع عَن قُلُوبهم: أزيل عَنْهَا الْفَزع. 2078 - / 2581 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالتسْعين: ((من صلى فِي ثوب فليخالف بَين طَرفَيْهِ)) . وَالْمرَاد يكمل السّتْر والإستيثاق مِنْهُ. 2079 - / 2582 - والْحَدِيث الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عَبَّاس وَغَيره. 2080 - / 2586 - والْحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: قد تقدم فِي هَذَا الْمسند، فِي الرَّابِع وَالتسْعين بعد الْمِائَة. 2081 - / 2587 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قفل الحديث: 2077 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 548 من غَزْوَة خَيْبَر سَار لَيْلَة حَتَّى إِذا أدْركهُ الْكرَى عرس وَقَالَ لِبلَال: ((اكلأ لنا اللَّيْل)) . قفل: بِمَعْنى رَجَعَ. والكرى: النّوم. وعرس: نزل فِي سَفَره فِي آخر اللَّيْل. واكلأ: بِمَعْنى احفظ، يُقَال: كلأك الله، وَأَصله الْهَمْز وَقد يُخَفف. وَقَوله: فاقتادوا رواحلهم. إِن قيل: كَيفَ اشْتغل بالرحل عَن تَعْجِيل الْقَضَاء؟ وَكَيف خَفِي الْوَقْت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ لَا ينَام قلبه؟ فقد أجبنا عَن ذَلِك فِي مُسْند عمرَان بن حُصَيْن. 2082 - / 2588 - وَقد سبق الحَدِيث الثَّالِث فِي مُسْند ابْن عمر. 2083 - / 2589 - وَالرَّابِع: فِي مُسْند زيد بن ثابث. 2084 - / 2591 - وَالسَّادِس: فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَفِيه المزادة المجبوبة: يَعْنِي المقطوعة. والجب: الْقطع. الحديث: 2082 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 549 2085 - / 2592 - وَالسَّابِع: فِي مُسْند أبي حميد السَّاعِدِيّ. 2086 - / 2593 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: ((يدْخل الْجنَّة أَقوام أفئدتهم مثل أَفْئِدَة الطير)) . هَؤُلَاءِ قوم رقت قُلُوبهم فَاشْتَدَّ خوفهم من الْآخِرَة وَزَاد على الْمِقْدَار، فشبههم بالطير الَّتِي تفزع من كل شَيْء وتخافه. 2087 - / 2594 - وَقد سبق الحَدِيث التَّاسِع. 2088 - / 2595 - وَفِي الْعَاشِر: ((وَلَا هِيَ أرسلتها تَأْكُل من خشَاش الأَرْض، ترمرم)) . يَقُولُونَ: الْبَقر ترمرم من كل الشّجر. وخشاش الأَرْض: هوامها. وَقد سبق مَا بعد هَذَا. 2089 - / 2598 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: ((كفى بِالْمَرْءِ كذبا أَن يحدث بِكُل مَا سمع)) . كذبا أَي تَكْذِيبًا. وَذَلِكَ لِأَن من حدث بِكُل مَا سمع من غير أَن يُمَيّز بَين مَا تقبله الْعُقُول مِمَّا لَا تقبله، أَو من يصلح أَن يسمع مَا الحديث: 2085 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 550 يحدث بِهِ مِمَّن لَا، نسب إِلَى الْكَذِب 2090 - / 2599 - والْحَدِيث الرَّابِع عشر: قد سبق فِي مُسْند عبَادَة. وَفِيه: ((إِلَّا مَا اخْتلفت ألوانه)) يَعْنِي أجناسه. 2091 - / 2601 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: ((إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة)) . وَهَذَا لِأَنَّهُ قد صَار الحكم لَهَا، وَلَا يَنْبَغِي أَن يتشاغل بالأنقص مَعَ حُضُور الْأَكْمَل، وَقد قَالَ أَبُو حنيفَة: من كَانَ خَارج الْمَسْجِد وَلم يخْش فَوَات الرُّكُوع فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة من الْفجْر صلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ دخل، والْحَدِيث يرد هَذَا. 2092 - / 2602 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: ((أَيْن المتحابون بجلالي)) . أَي أَنهم اجْتمعت قُلُوبهم فِي الْمحبَّة لتعظيمي. 2093 - / 2603 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: ((من اشْترى طَعَاما فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يكتاله)) وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ لمروان: أحللت بيع الرِّبَا، أحللت بيع الصكاك وَقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الطَّعَام حَتَّى يسْتَوْفى. الحديث: 2090 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 551 الصكاك: رقاع كَانَت تكْتب لَهُم فِي أَرْزَاقهم بأطعمة، وَكَانُوا يبيعون مَا فِي الصكاك قبل اسْتِيفَائه. وَقد سبق هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند ابْن عَبَّاس وَابْن عمر. 2094 - / 2605 - وَقد سبق الحَدِيث الْعشْرُونَ فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 2095 - / 2606 - وَالْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِي مُسْند سهل بن سعد. 2096 - / 2607 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ((سَمِعْتُمْ بِمَدِينَة جَانب مِنْهَا فِي الْبر وجانب فِي الْبَحْر؟)) . وَهَذِه قسطنطينة، وَقد بيّنت فِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسبْعين الَّذِي يَأْتِي. 2097 - / 2612 - وَقد سبق مَا بعد هَذَا إِلَى الحَدِيث السَّابِع وَالْعِشْرين وَفِيه: ((الْمُؤمن الْقوي خير وَأحب إِلَى الله من الْمُؤمن الضَّعِيف)) . الْإِشَارَة بِالْقُوَّةِ هَا هُنَا إِلَى الْعَزْم والحزم والإحتياط لَا إِلَى قُوَّة الْبدن. وَقد سبق مَا بعد هَذَا. الحديث: 2094 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 552 2098 - / 2615 - وَفِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ: ((من عرض عَلَيْهِ ريحَان فَلَا يردهُ، فَإِنَّهُ خَفِيف الْمحمل طيب الرّيح)) . كَأَن الْإِشَارَة بالريحان إِلَى مَا لَهُ من ريح طيبَة. 2099 - / 2616 - والْحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ قد سبق فِي مُسْند ابْن عمر. 2100 - / 2617 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ: نهى عَن بيع الْحَصَاة، وَعَن بيع الْغرَر. وَقد بَينا فِيمَا تقدم أَنهم كَانُوا يجْعَلُونَ عَلامَة إِيجَاب البيع رمي حَصَاة، فَنهى عَن هَذَا، وَجعل الْإِيجَاب وَالْقَبُول عَلامَة شَرْعِيَّة. وَبيع الْغرَر مثل بيع اللَّبن فِي الضَّرع، فَإِنَّهُ رُبمَا لَا يكون فِيهِ لبن، أَو يكون قَلِيلا وَهُوَ يَظُنّهُ كثيرا. 2101 - / 2618 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ: ((إِذا دعِي أحدكُم إِلَى طَعَام وَهُوَ صَائِم فَلْيقل: إِنِّي صَائِم)) . قد بَينا أَنه إِنَّمَا تجب الْإِجَابَة إِلَى طَعَام الْعرس. وَقَوله: ((فَلْيقل إِنِّي صَائِم)) أَي فليعرفهم عذره فِي ترك الْأكل لِئَلَّا يستوحشوا لانقباضه. وَقَوله: ((فَليصل)) قَالَ أَبُو عبيد: أَي فَليدع لَهُم بِالْبركَةِ وَالْخَيْر، الحديث: 2098 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 553 وكل دَاع مصل، قَالَ الْأَعْشَى: (عَلَيْك مثل الَّذِي صليت فاغتمضي ... يَوْمًا، فَإِن لجنب الْمَرْء مُضْطَجعا) أَي: ليكن لَك مثل الَّذِي دَعَوْت لي بِهِ. 2102 - / 2619 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: ((إِن الله تَعَالَى يبْعَث ريحًا من الْيمن، فَلَا تدع أحدا فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من إِيمَان إِلَّا قَبضته)) . هَذَا يكون عِنْد قيام السَّاعَة. 2103 - / 2620 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ: ((لَا يقْعد قوم يذكرُونَ الله إِلَّا حفتهم الْمَلَائِكَة)) . حفتهم: أحاطت بهم. والسكينة ((فعيلة)) من السّكُون. وَنَفس: فرج. والتنفيس: التَّخْفِيف. 2104 - / 2621 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ: ((الْعِزّ إزَارِي، والكبرياء رِدَائي)) . قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: معنى الْكَلَام: أَن الْكِبْرِيَاء وَالْعَظَمَة الحديث: 2102 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 554 صفتان لله اخْتصَّ بهما لَا يشركهُ فيهمَا أحد، وَلَا يَنْبَغِي لمخلوق أَن يتعاطاهما؛ لِأَن صفة الْمَخْلُوق التَّوَاضُع والتذلل. وَضرب الرِّدَاء والإزار مثلا، يَقُول - وَالله أعلم: كَمَا لَا يُشْرك الْإِنْسَان فِي رِدَائه وَإِزَاره أحد، فَكَذَلِك لَا يشركني فِي الْكِبْرِيَاء وَالْعَظَمَة مَخْلُوق. 2105 - / 2622 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: ((إِن لكم أَن تنعموا وَلَا تبتئسوا)) . المبتئس: الحزين الذَّلِيل، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {فَلَا تبتئس بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [هود: 36] أَي لَا تحزن وَلَا تضعف وَلَا يضيق صدرك. وَأما يبأس فَفِيهِ لُغَتَانِ: يبأس ويبئس، وَالْمعْنَى: لَا يرى الْبُؤْس: وَهُوَ شدَّة الْحَاجة. 2106 - / 2624 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ: ((دِينَار أنفقته فِي سَبِيل الله، ودينار أنفقته فِي رَقَبَة، ... أعظمها أجرا الَّذِي أنفقته على أهلك)) . وَجه هَذَا أَن النَّفَقَة على الْأَهْل وَاجِبَة، وَلَيْسَ الْوَاجِب كالنفل. 2107 - / 2625 - وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين: هم النَّاس بنحر بعض حمائلهم. الحديث: 2105 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 555 الحمائل والحمالات جمع حمل. وَقد سبق الحَدِيث فِي مُسْند أبي سعيد. 2108 - / 2629 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: ((وَمن مس الْحَصَا فقد لغى)) . وَهَذَا لِأَن مس الْحَصَى يظْهر مِنْهُ صَوت كَمَا يظْهر من الْمُتَكَلّم صَوت. 2109 - / 2630 - والْحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ: قد كشفناه فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 2110 - / 2631 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ: ((اثْنَتَانِ فِي النَّاس هما بهم كفر: الطعْن فِي النّسَب، والنياحة على الْمَيِّت)) . فِي المُرَاد بالْكفْر وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يكون كفر النِّعْمَة، فَإِن من طعن فِي نسب غَيره فقد كفر بِنِعْمَة الله عَلَيْهِ بسلامته من ذَلِك الطعْن، وَمن ناح على ميت فقد كفر نعْمَة الله عَلَيْهِ إِذْ لم يكن هُوَ الْمَيِّت. وَالثَّانِي: أَن يكون الْمَعْنى: أَنَّهُمَا من أَفعَال الْكفَّار لَا من خلال الْمُسلمين. 2111 - / 2632 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: ((أَيُحِبُّ أحدكُم أَن يجد ثَلَاث خلفات)) . الخلفة: النَّاقة الْحَامِل، وَجَمعهَا خلفات. الحديث: 2108 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 556 2112 - / 2633 - والْحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ: قد تقدم فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. وَقد سبق مَا بعده. 2113 - / 2636 - والْحَدِيث الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: قد تقدم فِي مُسْند أبي سعيد. 2114 - / 2637 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْخمسين: ((أقرب مَا يكون العَبْد من ربه وَهُوَ ساجد، فَأَكْثرُوا الدُّعَاء)) . إِنَّمَا كَانَ السُّجُود موطن قرب لِأَنَّهُ غَايَة ذل الْآدَمِيّ، فَلذَلِك تقرب من مَوْلَاهُ. 2115 - / 2638 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْخمسين: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي سُجُوده: ((اللَّهُمَّ اغْفِر لي ذَنبي كُله، دقه وجله)) . أَي قَلِيله وَكَثِيره، قَالَ الشَّاعِر: (بَكت وأدقت فِي البكا وأجلت ... ) أَي أَتَت بِقَلِيل الْبكاء وَكَثِيره. والجلة: الْإِبِل المسان. 2116 - / 2640 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْخمسين: ((تعرض أَعمال النَّاس فِي كل جُمُعَة مرَّتَيْنِ، فَيغْفر فِي ذَلِك الْيَوْم لكل امْرِئ لَا يُشْرك بِاللَّه الحديث: 2112 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 557 شَيْئا، إِلَّا امْرأ كَانَت بَينه وَبَين أَخِيه شَحْنَاء، فَيُقَال: اتْرُكُوا - أَو اركوا، وَفِي لفظ: أنظروا هذَيْن حَتَّى يفيئا)) . الشحناء: الْعَدَاوَة. واركوا هذَيْن: أخروهما حَتَّى يرجعا عَن التقاطع. يُقَال: ركاه يركوه: إِذا أَخّرهُ. وأنظروا: أخروا. وَقد ذكرنَا حكم هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند أبي أَيُّوب. 2117 - / 2642 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْخمسين: ((أعوذ بِكَلِمَات الله التامات)) . قد شرحنا هَذَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 2118 - / 2644 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْخمسين: ((اللَّهُمَّ أصلح لي ديني الَّذِي هُوَ عصمَة أَمْرِي)) . أَي بِهِ أستمسك، وَعَلِيهِ فِي نجاتي أعول. 2119 - / 2645 - والْحَدِيث السِّتُّونَ: قد تقدم فِي مُسْند سعد بن أبي وَقاص. الحديث: 2117 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 558 2120 - / 2646 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتِّينَ: ((يَمِينك على مَا يصدقك بِهِ صَاحبك)) وَفِي لفظ: ((الْيَمين على نِيَّة المستحلف)) . وَمعنى الحَدِيث أَنَّك إِذا تأولت فِي يَمِينك لم ينفعك تأويلك. 2121 - / 2647 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتِّينَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ على جبل حراء، فَتحَرك. وَقد تقدم فِي مُسْند أنس أَنه صعد أحدا. وَكَذَلِكَ روى سهل بن سعد: أحدا. وَأحد بِالْمَدِينَةِ وحراء بِمَكَّة، فقد اتّفق صُعُوده مَعَ أَصْحَابه على الجبلين، وتزلزل الجبلان تَحْتهم. وَقد ذكرنَا فِي مُسْند أنس عِلّة تحرّك الْجَبَل. وَذكرنَا حراء فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 2122 - / 2648 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتِّينَ: أَن سعد بن عبَادَة قَالَ: أَرَأَيْت الرجل يجد مَعَ امْرَأَته رجلا، أَيَقْتُلُهُ؟ قَالَ: ((لَا)) . قَالَ: بلَى وَالَّذِي أكرمك بِالْحَقِّ. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((اسمعوا إِلَى مَا يَقُول سيدكم. إِنَّه لغيور، وَأَنا أغير مِنْهُ، وَالله أغير مني)) . قَوْله: ((اسمعوا)) إِشَارَة إِلَى الْخَزْرَج لِأَنَّهُ نقيبهم، فَقَالَ: ((اسمعوا إِلَى مَا يَقُول سيدكم)) لِأَنَّهُ قَالَ: بلَى، فِي مُقَابلَة قَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((لَا)) . وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لشدَّة غيرته لَا لقصد الْمُخَالفَة. وَأما غيرَة الحديث: 2120 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 559 الْحق عز وَجل فقد تكلمنا عَلَيْهَا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 2123 - / 2649 - والْحَدِيث الرَّابِع وَالسِّتُّونَ: قد تقدم فِي مُسْند عدي ابْن حَاتِم. 2124 - / 2650 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتِّينَ: ثمَّ يَدْعُو أَصْغَر وليد. الْوَلِيد: الصَّبِي الصَّغِير، وَجمعه ولدان، وَجمع وليدة ولائد. 2125 - / 2652 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتِّينَ: ((إِذا قَالَ الرجل: هلك النَّاس، فَهُوَ أهلكهم)) . ((أهلكهم)) على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: بِضَم الْكَاف، وَالْمعْنَى: هُوَ أَشَّدهم هَلَاكًا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لأحد مَعْنيين: إِمَّا للإزراء عَلَيْهِم والإحتقار لَهُم وتفضيل نَفسه، أَو للْقطع عَلَيْهِم بِاسْتِحْقَاق الْعقُوبَة، فَكَأَنَّهُ يقنطهم من رَحْمَة الله. وَالْوَجْه الثَّانِي: بِفَتْح الْكَاف، على معنى: هُوَ الَّذِي يحكم عَلَيْهِم بِالْهَلَاكِ بِرَأْيهِ لَا بِدَلِيل من أَدِلَّة الشَّرْع. وَالْأول أظهر وَأشهر. 2126 - / 2653 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتِّينَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحديث: 2123 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 560 إِذا كَانَ فِي سفر وأسحر. أَي دخل فِي وَقت السحر، يَقُول: ((سمع سامع بِحَمْد الله)) أَي انْتَشَر ذَلِك وَأظْهر فَسَمعهُ السامعون. وَقَوله: ((وَحسن بلائه علينا)) الْبلَاء: النعم. وَمعنى: صاحبنا: احفظنا، وَمن صَحبه الله فقد حفظه. 2127 - / 2654 - والْحَدِيث التَّاسِع وَالسِّتُّونَ: قد تقدم فِي مُسْند أبي طَلْحَة. 2128 - / 2655 - وَفِي الحَدِيث السّبْعين: ((رغم أنف عبد)) . أَي الْتَصق بالرغام وَهُوَ التُّرَاب. 2129 - / 2656 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسبْعين: أَرَادَت عَائِشَة أَن تشتري جَارِيَة فتعتقها. وَهُوَ حَدِيث بَرِيرَة. وَسَيَأْتِي مشروحا فِي مُسْند عَائِشَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَفِيه ((إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق)) وَقد تقدم فِي مُسْند ابْن عمر. 2130 - / 2657 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ: قد أُشير إِلَيْهِ فِي هَذَا الْمسند آنِفا. الحديث: 2127 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 561 2131 - / 2658 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسبْعين: ((من حمل علينا السِّلَاح فَلَيْسَ منا)) . أَي لَيْسَ على أَخْلَاقنَا. والغش خلاف النصح، وَإِظْهَار مَا لَيْسَ فِي الْبَاطِن. 2132 - / 2659 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسبْعين: ((فَيلقى العَبْد فَيَقُول: أَي فل، ألم أكرمك)) . فل ترخيم فلَان. وَقَوله: ((ألم أسودك)) أَي أجعلك سيدا. وَالسَّيِّد: الَّذِي يفوق قومه فينقادون لَهُ. وترأس: تصير رَئِيسا. وترتع. قَالَ الْحميدِي: كَأَن الأَصْل ترتع بِالتَّاءِ، وَأما أَصْحَاب الْعَرَبيَّة وَأهل اللُّغَة فَقَالُوا: تربع بِالْبَاء: تَأْخُذ المرباع. والمرباع: مَا كَانَ يَأْخُذهُ الرئيس من الْغَنِيمَة. قَالَ: وترتع أَيْضا مُمكن، أَي تتنعم وتنبسط فِيمَا شِئْت. قَوْله: ((فَإِنِّي أنساك)) أَي أتركك من الرَّحْمَة. وَقَوله لِلْمُؤمنِ: ((هَا هُنَا إِذا)) أَي أَنه يرفعهُ ويكرمه. الحديث: 2131 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 562 وَقد سبق مَا بعد هَذَا. 2133 - / 2663 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسبْعين: فتساورت لَهَا: أَي ثرت وانزعجت وتطلعت. وَقَوله: فَوقف وَلم يلْتَفت فَصَرَخَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: على مَاذَا أقَاتل النَّاس؟ هَذَا من حسن الْأَدَب؛ لِئَلَّا يرجع عَن حَاجَة قد توجه إِلَيْهَا وَمَا قَضَاهَا. 2134 - / 2667 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي والثمانين: ((إِذا سافرتم فِي الخصب فأعطوا الْإِبِل حظها من الأَرْض)) . أَي مكنوها من المرعى، وارفقوا بهَا فِي السّير. ((وَإِذا سافرتم فِي السّنة)) يَعْنِي الجدب والشدة وَعدم المرعى ((فبادروا بهَا نقيها)) والنقي: السّمن، وَقد عبروا بالنقي عَن مخ الْعِظَام وشحم الْعين اسْتِدْلَالا على الْقُوَّة وَالسمن، وَالْمعْنَى: بَادرُوا بهَا الْخُرُوج من تِلْكَ الشدَّة مَا دَامَ بهَا نقي وفيهَا قُوَّة. والتعريس: نزُول آخر اللَّيْل. وَقَوله: ((فَاجْتَنبُوا الطّرق)) أَي لَا تنزلوا على الْجواد. 2135 - / 2668 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث والثمانين: ((لَا تصْحَب الحديث: 2133 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 563 الْمَلَائِكَة رفْقَة فِيهَا كلب أَو جرس)) . أما الْكَلْب فلنجاسته. وَأما الجرس فَلِأَن صَوته يشغل الْقلب فيذهله عَن الْفِكر فِي الْخَبَر، وَرُبمَا أطرب، وَلذَلِك سَمَّاهَا: ((مَزَامِير الشَّيْطَان)) . 2136 - / 2670 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس والثمانين: ((الْأَرْوَاح جنود مجندة، فَمَا تعارف مِنْهَا ائتلف، وَمَا تناكر مِنْهَا اخْتلف)) . قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: معنى الحَدِيث الْإِخْبَار عَن مُبْتَدأ كَون الْأَرْوَاح وتقدمها الأجساد الَّتِي هِيَ ملابستها على مَا رُوِيَ فِي الحَدِيث: ((إِن الله خلق الْأَرْوَاح قبل الأجساد بِكَذَا وَكَذَا)) فَأعْلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهَا خلقت أول مَا خلقت على قسمَيْنِ من ائتلاف وَاخْتِلَاف، كالجنود المجندة إِذا تقابلت وتواجهت. وَمعنى تقَابل الْأَرْوَاح مَا جعلهَا الله عَلَيْهِ من السَّعَادَة والشقاوة من مبدأ الْكَوْن، الأجساد الَّتِي فِيهَا الْأَرْوَاح تلتقي فِي الدُّنْيَا فتأتلف وتختلف على حسب مَا جعلت عَلَيْهِ من التشاكل والتنافر فِي بَدْء الْخلقَة، فترى الْبر الْخَيْر يحب شكله وينفر عَن ضِدّه، وَكَذَلِكَ الْفَاجِر. وَفِي هَذَا دَلِيل على أَن الْأَرْوَاح لَيست بأعراض؛ فَإِنَّهَا قد كَانَت مَوْجُودَة قبل الأجساد، وَأَنَّهَا تبقى بعد فنَاء الأجساد. وَيُؤَيّد هَذَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: ((أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي حواصل طير خضر تعلق من الحديث: 2136 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 564 شجر الْجنَّة)) . وَفِي هَذَا الحَدِيث: ((النَّاس معادن)) وَقد سبق تَفْسِيره. 2137 - / 2671 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس والثمانين: ((إِذا قَامَ أحدكُم من مَجْلِسه ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَق بِهِ)) . وَهَذَا لِأَن الْمجْلس لمن جلس فِيهِ، ولابد أَن يعرض للْإنْسَان حوائج لَازِمَة، فَجعل عِنْد الذّهاب فِيهَا كَأَنَّهُ لم يرح. 2138 - / 2672 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّمَانُونَ: قد سبق فِي مُسْند سعد. 2139 - / 2673 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ: قد تكلمنا عَلَيْهِ فِي مُسْند ابْن عمر. 2140 - / 2674 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع والثمانين: ((من قتل وزغة فِي أول ضَرْبَة فَلهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَة، وَمن قَتلهَا فِي الضَّرْبَة الثَّانِيَة فَلهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَة)) لدوّنَ الأولى. كَأَن الْإِشَارَة بِهَذَا إِلَى توقير ثَوَاب الْإِقْدَام والشجاعة على الضعْف والجبن. الحديث: 2137 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 565 2141 - / 2675 - وَفِي الحَدِيث التسعين: ((لَا يَجْزِي ولد عَن وَالِده إِلَّا أَن يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه)) . اعْلَم أَن من اشْترى أَبَاهُ عتق عَلَيْهِ بِنَفس الشرى من غير أَن يتَلَفَّظ بِالْعِتْقِ، وَإِنَّمَا ذكر الْعتْق بعد الشرى لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ تسبب إِلَى الْعتْق، وَهَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور، إِلَّا أَن دَاوُد أَخذ بِظَاهِر الحَدِيث وَقَالَ: لَا يعْتق عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ حَتَّى يعتقهُ. وَكَانَ ابْن عقيل يستحسن مَذْهَب دَاوُد فِي هَذَا وَيَقُول: مَا أحسن مَا قَالَ؛ لِأَن لفظ الحَدِيث مَعَه، وَالْمعْنَى أَيْضا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يجزى إِذا أعتق. قَالَ: وَنحن نقُول: إِذا تسبب فِي الْعتْق كَانَ حرا. 2142 - / 2676 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالتسْعين: ((منعت الْعرَاق درهمها وقفيزها)) . الْمَعْنى: ستمنع، فَلَمَّا كَانَ إِخْبَارًا عَن متحتم الْوُقُوع حسن الْإِخْبَار عَنهُ بِلَفْظ الْمَاضِي تَحْقِيقا لكَونه، يدل عَلَيْهِ أَنه فِي بعض الْأَلْفَاظ: ((كَيفَ أَنْتُم إِذا لم تجتبوا دِينَارا وَلَا درهما)) ، وَقد كَانَ بعض الْعلمَاء يَقُول: إِنَّمَا منعُوا هَذَا لأَنهم أَسْلمُوا. قَالَ: وَهَذَا إِخْبَار عَن إِجْمَاع الْكل على الْإِسْلَام. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء، لِأَنَّهُ قد سبق صَرِيحًا فِي هَذَا الْمسند فِي الحَدِيث السَّابِع والثمانين من أَفْرَاد البُخَارِيّ: قَالَ الحديث: 2141 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 566 أَبُو هُرَيْرَة: كَيفَ أَنْتُم إِذا لم تجتبوا دِينَارا وَلَا درهما. قيل: وَكَيف؟ قَالَ: تنهتك ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله، فيشد الله قُلُوب أهل الذِّمَّة فيمنعون مَا فِي أَيْديهم. وَقَالَ الْخطابِيّ: معنى الحَدِيث أَن هَذِه الْبِلَاد ستفتح للْمُسلمين وَيُوضَع عَلَيْهَا الْخراج شَيْئا مُقَدرا بالمكاييل والأوزان، وسيمنع ذَلِك فِي آخر الزَّمَان. والمدي: مكيال لأهل الشَّام، يُقَال: إِنَّه يسع خَمْسَة عشر مكوكا. والإردب: مكيال لأهل مصر، يُقَال: إِنَّه يسع أَرْبَعَة وَعشْرين صَاعا. 2143 - / 2682 - وَقد سبق مَا بعد هَذَا إِلَى الحَدِيث السَّابِع وَالتسْعين، وَفِيه: ((صنفان من أهل النَّار لم أرهما: قوم مَعَهم سياط كأذناب الْبَقر يضْربُونَ بهَا النَّاس، وَنسَاء كاسيات عاريات)) . الْإِشَارَة بأصحاب السِّيَاط يشبه أَن يكون للظلمة من أَصْحَاب الشَّرْط. وَفِي قَوْله: ((كاسيات عاريات)) ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَنَّهُنَّ يلبسن ثيابًا رقاقا تصف مَا تحتهَا، فهن كاسيات فِي الظَّاهِر، عاريات فِي الْمَعْنى. وَالثَّانِي: أَنَّهُنَّ يكشفن بعض أجسامهن، فهن عاريات، أَي بَعضهنَّ منكشف. وَالثَّالِث: كاسيات من نعم الله عز وَجل عاريات من الشُّكْر. وَفِي قَوْله: ((مائلات مميلات)) أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن الْمَعْنى الحديث: 2143 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 567 وَاحِد، كَمَا يُقَال: جاد مجد. وَالثَّانِي: مائلات إِلَى الشَّرّ مميلات للرِّجَال إِلَى الإفتتان بِهن. وَالثَّالِث: مائلات زائغات عَن طَاعَة الله، مميلات: أَي معلمات غَيْرهنَّ الدُّخُول فِي مثل فعلهن. وَالرَّابِع: مائلات: أَي متبخترات فِي مشيتهن، مميلات أعطافهن وأكتافهن. قَوْله: ((رؤوسهن كأسنمة البخت)) فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهُنَّ يعظمن رؤوسهن بِمَا يصلنه من الشّعْر وبالخمر عَلَيْهِنَّ فَيُشبه أسنمة البخت فِي ارتفاعها. وَالثَّانِي: أَنَّهُنَّ يطمحن إِلَى الرِّجَال وَلَا يغضضن، وَلَا ينكسن رؤوسهن. وَقَوله: ((لم أرهما)) أَي سَيكون بعدِي. 2144 - / 2684 - وَقد سبق الحَدِيث الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ. 2145 - / 2685 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالتسْعين: ((لَا يَجْتَمِعَانِ فِي النَّار اجتماعا يضر أَحدهمَا الآخر)) قيل: من هم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: ((مُؤمن قتل كَافِرًا ثمَّ سدد)) . الْمَعْنى أَنه إِن دخل الْمُؤمن النَّار بمعاصيه أخرج، فَلَا يتساوى مكثه وَمكث الْكَافِر، وَلَا يجْتَمع مَعَه فِيمَا هُوَ فِيهِ. 2146 - / 2686 - وَفِي الحَدِيث الأول بعد الْمِائَة: ((من سَأَلَ النَّاس الحديث: 2144 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 568 أَمْوَالهم تكثرا)) . والتكثر: مَا فَوق الْحَاجة. 2147 - / 2687 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي بعد الْمِائَة: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكره الشكال من الْخَيل. الشكال فِي الْفرس: أَن يكون فِي رجله الْيُمْنَى بَيَاض، وَفِي يَده الْيُسْرَى أَو فِي يَده الْيُمْنَى وَرجله الْيُسْرَى. وَقد جَاءَ هَذَا مُبينًا فِي الحَدِيث عَن سُفْيَان الثَّوْريّ. وَقَالَ أَبُو عبيد: هُوَ أَن يكون ثَلَاث قَوَائِم مِنْهُ محجلة وَوَاحِدَة مُطلقَة، أَخذ من الشكال الَّذِي تشكل بِهِ الْخَيل لِأَنَّهُ يكون فِي ثَلَاث قَوَائِم، أَو تكون الثَّلَاث مُطلقَة وَرجل محجلة، وَلَا يكون الشكال إِلَّا فِي الرجل، لَا يكون فِي الْيَد. 2148 - / 2688 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث بعد الْمِائَة: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا هُوَ بِأبي بكر وَعمر فَقَالَ: ((مَا أخرجكما؟)) قَالَا: الْجُوع. قَالَ: ((وَأَنا)) . إِن قَالَ قَائِل: كَيفَ أظهرُوا مَا كِتْمَانه أفضل؟ فَالْجَوَاب: أَن أَبَا بكر وَعمر لم يبدآ بِذكر ذَلِك، إِنَّمَا سَأَلَهُمَا عَن سَبَب خروجهما، والصدق وَاجِب، وكتمان الْحَال فَضِيلَة، فآثرا فعل الْوَاجِب. على أَنه إِنَّمَا الحديث: 2147 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 569 يكتم مثل هَذَا لخوف رِيَاء وَسُمْعَة، وَأما إِذا أظهر لمثل الرَّسُول، أَو لمريد يقْصد الإتباع والإقتداء فَلَا بَأْس بِهِ. وَأما قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((وَأَنا)) فَإِنَّهُ مِمَّا قواهما بِهِ على مَا هما فِيهِ، فَجمع فِي إخبارهما بِحَالهِ شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: أَن يصبرا، فقد ابْتُلِيَ هُوَ. وَالثَّانِي: أَن يبشرهما بِأَنَّهُ قد سلك بكما فِي طريقي. وَأما الرجل الَّذِي أَتَوْهُ فَهُوَ أَبُو الْهَيْثَم مَالك بن التيهَان، شهد الْعقبَة مَعَ السّبْعين، وَهُوَ أحد النُّقَبَاء الإثني عشر، وَشهد بَدْرًا وأحدا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَوله: مرْحَبًا وَأهلا، الْمَعْنى: أتيت رحبا: أَي سَعَة، وَأهلا أَي: أتيت أَهلا لَا غربا، فأمن وَلَا تستوحش. وَيَقُولُونَ أَيْضا: وسهلا، أَي أتيت سهلا لَا حزنا، وَهَذَا كُله فِي مَذْهَب الدُّعَاء، كَمَا تَقول: لقِيت خيرا. وَقَوْلها: يستعذب: أَي يطْلب المَاء العذب. والعذق بِكَسْر الْعين: الكباسة، وَهُوَ الَّذِي تسميه الْعَامَّة العثق. والمدية: السكين. والحلوب: ذَات الدّرّ وَاللَّبن. وَقَوله: ((لتسألن)) أَي عَن شكر هَذَا، فَإِن تسهيل حُصُوله وسهولة تنَاوله من النعم الَّتِي يَنْبَغِي أَن تشكر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 570 2149 - / 2689 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع بعد الْمِائَة: ((تقيء الأَرْض أفلاذ كَبِدهَا أَمْثَال الأسطوان من الذَّهَب وَالْفِضَّة)) . أَي تخرج الْكُنُوز المدفونة فِيهَا. قَالَ ابْن السّكيت: الفلذ لَا يكون إِلَّا للبعير، وَهُوَ قِطْعَة من كبده، وفلذة وَاحِدَة، وَجَمعهَا فلذ وأفلاذ: وَهِي الْقطع المقطوعة طولا. وَسمي مَا فِي بَاطِن الأَرْض كبدا تَشْبِيها بالكبد الَّذِي فِي بطن الْبَعِير، وَكَذَلِكَ قَوْله تقيء، وقيئها: إخْرَاجهَا. والأسطوان: العمود، والأساطين: الأعمدة. وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا قبيل الْقِيَامَة وهم فِي شغل، وَيحْتَمل أَن يكون فِي الْقِيَامَة. 2150 - / 2690 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس بعد الْمِائَة: ((ثَلَاثَة لَا يكلمهم الله: شيخ زَان، وَملك كَذَّاب، وعائل مستكبر)) . هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة أبعد النَّاس مِمَّا تعاطوه، فَإِن شبق الشَّبَاب يغلب أَصْحَابه فيقصدون قَضَاء الوطر لَا الْمُخَالفَة، وَالشَّيْخ إِنَّمَا يَزْنِي على تكلّف، فالمعصية فِي حَقه أقوى من الإلتذاذ. وَأما الْملك فَلَيْسَ فَوْقه أحد يحْتَاج إِلَى مكاذبته، فقد أَتَى ذبنا لَا معنى لَهُ. والعائل: الْفَقِير، والتكبر مَعَ الْفقر لَا وَجه لَهُ. وَهَذِه الذُّنُوب قبيحة مِمَّن كَانَت، وَلكنهَا من هَؤُلَاءِ أقبح، كَمَا أَن الْمعاصِي من كل أحد قبيحة، لَكِنَّهَا من الْعلمَاء أقبح. الحديث: 2149 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 571 2151 - / 2691 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس بعد الْمِائَة: ((إِن الله طيب لَا يقبل إِلَّا طيبا)) . هَذَا إِخْبَار عَن كَمَال صِفَاته الَّتِي لَا يدخلهَا نقص وَلَا عيب، كَمَا أَن الله جميل. وَقَوله: ((لَا يقبل إِلَّا طيبا)) يَعْنِي بِهِ الْحَلَال. والأشعث: الَّذِي قد تغير شعر رَأسه وَتَلَبَّدَ لبعد عَهده بالدهن والإمتشاط. وَقد بَين الحَدِيث أَن أكل الْحَرَام يمْنَع من إِجَابَة الدُّعَاء، وَنبهَ على أَن جَمِيع الْمعاصِي تمنع. 2152 - / 2692 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع بعد الْمِائَة: قَالَ أَبُو جهل: هَل يعفر مُحَمَّد وَجهه بَين أظْهركُم؟ تعفير الْوَجْه: إلصاقه بِالتُّرَابِ، وَيُقَال للتراب العفر. وَقَوله: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ أَي: فَمَا بادرهم مِنْهُ إِلَّا نكوصه على عقبه. وينكص: يرجع إِلَى خَلفه. والعقب: مُؤخر الْقدَم. والإختطاف: الإستلاب بِسُرْعَة. الحديث: 2151 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 572 و {كلا} بِمَعْنى حَقًا. و {الْإِنْسَان} هَا هُنَا أَبُو جهل، كَانَ إِذا أصَاب مَالا أشر وبطر فِي لِبَاسه ومراكبه وَطَعَامه. {أَن رَآهُ} أَي أَن رأى نَفسه. و {الرجعى} الْمرجع. {أَرَأَيْت} تعجيب للمخاطب، وَإِنَّمَا كررها لتأكيد التعجيب. وَالْمرَاد بالناهي أَو جهل. وَكَانَ قد رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فَقَالَ: ألم أَنْهَك عَن هَذَا؟ وَالْمرَاد بِالْعَبدِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. أَرَأَيْت إِن كَانَ الْمنْهِي عَن الْهدى، أَرَأَيْت إِن كذب الناهي. قَالَ الْفراء: الْمَعْنى: أَرَأَيْت الَّذِي ينْهَى عبدا إِذا صلى وَهُوَ كَاذِب مول عَن الذّكر، فَأَي شَيْء أعجب من هَذَا؟ وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: تَقْدِيره: أرأيته مصيبا؟ ألم يعلم - يَعْنِي أَبَا جهل - بِأَن الله يرى ذَلِك فيجازيه؟ {كلا} أَي لَا يعلم ذَلِك {لَئِن لم ينْتَه} عَن تَكْذِيب مُحَمَّد وَشَتمه وإيذائه {لنسفعا بالناصية} والسفع: الْأَخْذ. والناصية: مقدم الرَّأْس. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: سفعت بِيَدِهِ: أَي أخذت بهَا. وَقَالَ الزّجاج: يُقَال: سفعت بالشَّيْء: إِذا قبضت عَلَيْهِ وجذبته جذبا شَدِيدا. وَالْمعْنَى: ليجزن ناصيته إِلَى النَّار. قَوْله: {نَاصِيَة} قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ بدل فَلذَلِك جرها. وَقَالَ الزّجاج: الْمَعْنى بناصية. صَاحبهَا كَاذِب خاطىء، كَمَا يُقَال: نَهَاره الجزء: 3 ¦ الصفحة: 573 صَائِم وليله قَائِم، أَي هُوَ صَائِم فِي نَهَاره وقائم فِي ليله. {فَليدع نَادِيه} أَي أهل نَادِيه، وهم أهل مَجْلِسه فليستنصر بهم. {سَنَدع الزَّبَانِيَة} قَالَ عَطاء: هم الْمَلَائِكَة الْغِلَاظ الشداد. وَقَالَ مقَاتل: هم خَزَنَة جَهَنَّم. وَقَالَ قَتَادَة: الزَّبَانِيَة فِي كَلَام الْعَرَب: الشَّرْط. وَقَالَ الْفراء: كَانَ الْكسَائي يَقُول: لم أسمع للزبانية بِوَاحِد، ثمَّ قَالَ بِأخرَة: وَاحِد الزَّبَانِيَة زبني، فَلَا أَدْرِي أقياسا مِنْهُ أم سَمَاعا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَاحِد الزَّبَانِيَة زبنية: وَهُوَ كل متمرد من إنس أَو جَان. وَيُقَال: فلَان زبنية عفرية. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: هُوَ مَأْخُوذ من الزَّبْن: وَهُوَ الدّفع، كَأَنَّهُمْ يدْفَعُونَ أهل النَّار إِلَيْهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن دُرَيْد: الزَّبْن: الدّفع، يُقَال: نَاقَة زبون، إِذا زبنت حالبها ودفعته برجلها، وتزابن الْقَوْم: تدارؤوا. وَقَوله: {كلا} أَي لَيْسَ الْأَمر على مَا عَلَيْهِ أَبُو جهل. {لَا تطعه} فِي ترك الصَّلَاة. {واسجد} أَي صل لله {واقترب} إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ. هَذَا قَول الْجُمْهُور: أَن قَوْله: {واقترب} خطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقد قيل: إِنَّه خطاب لأبي جهل، ثمَّ فِي الْمَعْنى قَولَانِ: أَحدهمَا: اسجد أَنْت يَا مُحَمَّد واقترب أَنْت يَا أَبَا جهل من النَّار، قَالَه زيد بن أسلم. وَالثَّانِي: واقترب أَنْت يَا أَبَا جهل من مُحَمَّد، تهددا لَهُ: أَي لَو اقْتَرَبت لهلكت. 2153 - / 2693 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن بعد الْمِائَة: ((ضرس الْكَافِر - الحديث: 2153 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 574 أَو نَاب الْكَافِر - مثل أحد، وَغلظ جلده مسيرَة ثَلَاث)) . فِي تَعْظِيم خلق أهل النَّار خمس فَوَائِد: إِحْدَاهُنَّ: زِيَادَة عَذَابهمْ، لِأَنَّهُ كلما عظم الْعُضْو كثر عَذَابه لاتساع محَال الْأَلَم. وَالثَّانيَِة: لتشويه الْخلقَة. وَالثَّالِثَة: ليزدحموا، فَإِن الإزدحام نوع عَذَاب، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مُقرنين فِي الأصفاد} [إِبْرَاهِيم: 49] وَالرَّابِعَة: ليستوحش بَعضهم من بَعضهم، فَإِن الْأَشْخَاص الهائلة المستبشعة عَذَاب أَيْضا. وَالْخَامِسَة: أَن يكون جَمِيع أَجزَاء الْكَافِر الَّتِي انفصلت مِنْهُ فِي الدُّنْيَا حَال كفره أُعِيدَت إِلَيْهِ لتذوق جَمِيع أَجْزَائِهِ الْعَذَاب. 2154 - / 2696 - والْحَدِيث الْحَادِي عشر بعد الْمِائَة: قد سبق فِي مُسْند ابْن عمر. 2155 - / 2700 - والْحَدِيث الْخَامِس عشر بعد الْمِائَة: قد تقدم فِي مُسْند أبي الدَّرْدَاء. 2156 - / 2703 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر بعد الْمِائَة: تَذَاكرنَا لَيْلَة الْقدر عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: ((أَيّكُم يذكر حِين طلع الْقَمَر وَهُوَ مثل شقّ جَفْنَة)) . الحديث: 2154 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 575 الشق: النّصْف. والجفنة: جَفْنَة الطَّعَام. شبه الْقَمَر فِيمَا بعد الْعشْرين بشق الْجَفْنَة. وَقيل: أَرَادَ بِهِ لَيْلَة سبع وَعشْرين. 2157 - / 2704 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر بعد الْمِائَة: ((فَإِن فِي عُيُون الْأَنْصَار شَيْئا)) . يَعْنِي بعض مَا لَا يسْتَحبّ من زرقة أَو صغر أَو نَحْو ذَلِك. والأواقي جمع أُوقِيَّة، وَقد ذكرنَا وَزنهَا فِي مُسْند جَابر. وَعرض الْجَبَل: جَانِبه. 2158 - / 2706 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ سمع وجبة. الوجبة: السقطة من علو إِلَى أَسْفَل بِصَوْت مزعج كصوت الْهدم، يُقَال: وَجب الْحَائِط. وَقَوله: يهوي فِي النَّار: أَي يسْقط، يُقَال: هوى الشَّيْء: كَأَنَّهُ ألقِي فِي هوة بِسُرْعَة. والمهواة: الحفرة الْبَعِيدَة القعر، والقعر: نِهَايَة عمق الشَّيْء. 2159 - / 2708 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: ((إِذا قَامَ أحدكُم من اللَّيْل فليفتتح الصَّلَاة بِرَكْعَتَيْنِ خفيفتين)) . إِنَّمَا أَمر بِهَذَا لتدريج الْبدن إِلَى الْعِبَادَة لِئَلَّا يهجم على التَّطْوِيل فِي الحديث: 2157 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 576 أول مرّة. 2160 - / 2710 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: ((أَن رجلا زار أَخا لَهُ فِي قَرْيَة أُخْرَى، فأرصد الله تَعَالَى على مدرجته ملكا فَقَالَ: هَل لَك عَلَيْهِ من نعْمَة تربها؟)) . أرصد: أَقَامَ رصدا: أَي منتظرا لَهُ. والمدرجة: الطَّرِيق، وَجَمعهَا مدارج. وتربها: تراعيها لتدوم لَك. وَفِي هَذَا الحَدِيث فضل زِيَارَة الإخوان، وَهَذَا أَمر بَقِي اسْمه وَذهب رسمه، فَإِن الإخوان فِي الله عز وَجل أعز من الكبريت الْأَحْمَر، وَكَانَ أَبُو الْحسن بن الفاعوس الزَّاهِد ينشد: (مَا هَذِه الْألف الَّتِي قد زدتم ... فدعوتم الخوان بالإخوان) (مَا صَحَّ لي أحد أصيره أَخا ... فِي الله حَقًا لَا وَلَا الشَّيْطَان) (إِمَّا مول عَن ودادي مَا لَهُ ... وَجه، وَإِمَّا من لَهُ وَجْهَان) 2161 - / 2711 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: ((يَقُول الله عز وَجل: مَرضت فَلم تعدني)) . لما أَقَامَ الْمُؤمن ربه عز وَجل مقَام نَفسه كَمَا أخبر عَنهُ فِي قَوْله: الحديث: 2160 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 577 ((فَكنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ، وبصره الَّذِي يبصر بِهِ)) أَقَامَ الْحق عز وَجل نَفسه مقَام عَبده فَقَالَ: ((مَرضت)) أَي مرض عَبدِي، وَهَذَا من بَاب الْكَرم فِي الْجَزَاء ومقابلة الشَّيْء بِأَفْضَل مِنْهُ، كَقَوْلِه تَعَالَى: {فاذكروني أذكركم} [الْبَقَرَة: 152] وَقَوله: ((من ذَكرنِي فِي نَفسه ذكرته فِي نَفسِي)) . 2162 - / 2712 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: ((كَانَ زَكَرِيَّا نجارا)) . اعْلَم أَن الْأَنْبِيَاء لما بعثوا داعين لِلْخلقِ إِلَى الْحق عز وَجل لم يطلبوا من الْخلق جَزَاء، وَلم يكن بُد من الجريان مَعَ الْأَسْبَاب، فاشتغل كل مِنْهُم بِسَبَب، فَكَانَ آدم حراثا، ونوح نجارا، وَكَذَلِكَ زَكَرِيَّا، وَإِدْرِيس خياطا، وَكَذَلِكَ لُقْمَان، وَدَاوُد زرادا، وَإِبْرَاهِيم زراعا، وَكَذَلِكَ لوط، وَصَالح تَاجِرًا، ومُوسَى وَشُعَيْب وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رُعَاة، وَهَذِه سيرة الْعلمَاء من بعدهمْ وَالصَّالِحِينَ، فَكَانَ أَبُو بكر الصّديق وَعُثْمَان بن عَفَّان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَطَلْحَة وَابْن سِيرِين وَمَيْمُون بن مهْرَان بزازين، وَكَانَ الزبير وَعَمْرو بن الْعَاصِ وعامر بن كريز جزارين، وَكَانَ سعد بن أبي وَقاص يبري النبل، وَعُثْمَان بن طَلْحَة الحَجبي خياطا، وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ يَبِيع السختيان - وَيُونُس ابْن عبيد جزارا، وَمَالك بن دِينَار وراقا يكْتب الْمَصَاحِف، وَكَانَ سعيد الحديث: 2162 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 578 ابْن الْمسيب يحتكر الزَّيْت، وسُفْيَان الثَّوْريّ يباضع. وَاعْلَم أَن الإشتغال بِالْكَسْبِ والتسبب إِلَى الْغنى عَن النَّاس يحفظ الدّين، وَيمْنَع من الرِّيَاء، وَيكون أدعى إِلَى قبُول القَوْل. وَقد سبق مدح الْكسْب وَالْمَال فِي مُسْند أبي سعيد، وَالله الْمُوفق. 2163 - / 2715 - وَفِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: ((إِذا قَامَ أحدكُم من اللَّيْل فاستعجم الْقُرْآن على لِسَانه فليضطجع)) . استعجم بِمَعْنى لم يتَوَجَّه لَهُ فِيهِ وَجه الْقِرَاءَة، يُقَال: استعجم: إِذا لم يفهم. 2164 - / 2716 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: ((أَيّمَا قَرْيَة أتيتموها وأقمتم فِيهَا فسهمكم فِيهَا، وَأَيّمَا قَرْيَة عَصَتْ الله وَرَسُوله فَإِن خمسها لله وَلِرَسُولِهِ ثمَّ هِيَ لكم)) . أما الْقرْيَة الَّتِي يأتونها ويقيمون فِيهِ فَهِيَ مَا فتح صلحا، وَذَلِكَ على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا: أَن يصالحونا على أَن ملك الأَرْض لنا ونقرها فِي أَيْديهم بالخراج، فَهَذِهِ تصير وَقفا بَين الْمُسلمين. وَالثَّانِي: أَن نصالحهم على أَن ملكهَا لَهُم وَلنَا الْخراج عَنْهَا، فَهَذَا الْخراج فِي حكم الْجِزْيَة. وَأما الْقرْيَة الَّتِي عَصَتْ الله فَهِيَ الَّتِي تفتح عنْوَة، فَحكمهَا حكم الْغَنِيمَة، وَالْغنيمَة تقسم خَمْسَة أَخْمَاس: فَخمس مِنْهَا لله وَلِلرَّسُولِ الحديث: 2163 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 579 يقسم على خَمْسَة أسْهم: سهم لله وَلِلرَّسُولِ يصرف فِي الْمصَالح، وَسَهْم لِذَوي الْقُرْبَى وهم بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب، وَسَهْم لِلْيَتَامَى والفقراء، وَسَهْم للْمَسَاكِين، وَسَهْم لأبناء السَّبِيل، وَأَرْبَعَة أخماسها لمن شهد الْوَقْعَة، وَهُوَ معنى قَوْله ((لكم)) . وَقَوله: ((أتيتموها وأقمتم فِيهَا)) أَي فتحتموها صلحا. 2165 - / 2717 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: ((خلق الله الْبَريَّة يَوْم السبت)) . الْبَريَّة: الأَرْض. وَذكر ابْن جرير وَغَيره من الْعلمَاء أَن كل يَوْم من هَذِه الْأَيَّام مِقْدَاره ألف سنة، وَلَا أَدْرِي لم قَالُوا هَذَا، وَإِنَّمَا أَخَذُوهُ من قَوْله تَعَالَى: {ويستعجلونك بِالْعَذَابِ وَلنْ يخلف الله وعده وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ} [الْحَج: 47] وَتلك إِشَارَة إِلَى أَيَّام الْآخِرَة. فَأَما الْأَيَّام الَّتِي هِيَ السبت والأحد. . فَهِيَ الَّتِي عرف مقدارها. فَإِن قيل: فالقرآن يدل على أَن خلق الْأَشْيَاء فِي سِتَّة أَيَّام، وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَنَّهَا فِي سَبْعَة. فَالْجَوَاب: أَن السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا خلق فِي سِتَّة أَيَّام، وَخلق آدم من الأَرْض، وَالْأُصُول خلقت فِي سِتَّة، وآدَم كالفرع من بَعْضهَا. 2166 - / 2718 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: قَالَ الحديث: 2165 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 580 أَبُو هُرَيْرَة: إِنَّمَا أتوضأ فِي أثوار أقط أكلتها، لِأَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ((توضأوا مِمَّا مست النَّار)) . الأثوار جمع ثَوْر. والثور: الْقطعَة من الأقط: والأقط شَيْء يعْمل من اللَّبن ويجفف. وَهَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ، روى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكل عرقا أَو كَتفًا ثمَّ مضى إِلَى الصَّلَاة وَلم يتَوَضَّأ. وَقَالَ ابْن مَسْعُود: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْكُل اللَّحْم ثمَّ يقوم إِلَى الصَّلَاة وَلم يمس مَاء. وَقد أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن أَحْمد الْخياط قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن حَمْزَة قَالَ: أَنبأَنَا يزِيد بن عبد الصَّمد قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن عَيَّاش قَالَ: أخبرنَا شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر قَالَ: كَانَ آخر الْأَمريْنِ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار. وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّد بن مسلمة. 2167 - / 2719 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: ((ليهلن ابْن مَرْيَم بفج الروحاء)) . والإهلال: رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ. الحديث: 2167 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 581 وَقَوله: ((أَو ليثنيهما)) أَي يجمع بَين الْحَج وَالْعمْرَة. 2168 - / 2720 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: ((بَينا رجل بفلاة)) . الفلاة: الْمَفَازَة، وَالْجمع فلوات وفلا. والحديقة: الأَرْض ذَات النّخل وَالشَّجر. والسحاب: الْغَمَام، سمي سحابا لإنسحابه فِي الْهَوَاء. والحرة: أَرض ذَات حِجَارَة سود. والشراج: مسايل المَاء من الأَرْض المرتفعة إِلَى السهل، وَاحِدهَا شرج وشرجة. والمسحاة مَأْخُوذَة من السحو، تَقول: سحوت الشَّيْء أسحاه وأسحوه: إِذا قشرته، سحوا وسحيا، فَأَنا أسحى وأسحي وأسحو، ثَلَاث لُغَات. 2722 - / 2169 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: ((من صلى صَلَاة لم يقْرَأ فِيهِ بِفَاتِحَة الْكتاب فَهِيَ خداج)) . قَالَ أَبُو عبيد: معنى خداج نُقْصَان، مثل خداج النَّاقة إِذا ولدت ولدا نَاقص الْخلق أَو لغير تَمام، يُقَال: خدجت النَّاقة: إِذا أَلْقَت وَلَدهَا قبل أَوَان النِّتَاج وَإِن كَانَ تَامّ الْخلق، وأخدجت: إِذا ألقته نَاقص الْخلق وَإِن كَانَ لتَمام الْحمل، وَمِنْه قيل لذِي الثدية: إِنَّه مُخْدج الْيَد: الحديث: 2168 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 582 أَي ناقصها. قَالَ الزّجاج: خدجت النَّاقة وأخدجت بِمَعْنى، وَهُوَ أَن تلقي وَلَدهَا لغير تَمام. وَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي: قَوْله: ((فَهِيَ خداج)) أَي فَهِيَ ذَات خداج: أَي ذَات نُقْصَان فحذفت ذَات وأقيم الخداج مقَامهَا على مَذْهَبهم فِي الإختصار. قَالَ: وَيجوز أَن يكون خداج بِمَعْنى مخدجة: أَي نَاقِصَة، فأحل الْمصدر مَحل الْفِعْل، كَمَا قَالُوا: عبد الله إقبال وإدبار، يُرِيدُونَ: مقبل ومدبر. وَهَذَا الحَدِيث يدل على تعْيين الْفَاتِحَة، فَإِن الصَّلَاة النَّاقِصَة بَاطِلَة. وَقَوله: ((قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي)) يُرِيد بِالصَّلَاةِ الْقِرَاءَة، وَلِهَذَا فسره بقوله: ((فَإِذا قَالَ العَبْد: الْحَمد لله)) وَبَيَان الْقِسْمَة أَن نصف الْفَاتِحَة ثَنَاء على الله عز وَجل، فَهُوَ يخْتَص بِهِ، وَنِصْفهَا دُعَاء فَهُوَ يخْتَص بِالْعَبدِ. وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن الْبَسْمَلَة لَيست من الْفَاتِحَة، من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه ابْتَدَأَ بقوله: ((الْحَمد)) وَلَو كَانَت الْبَسْمَلَة مِنْهُ لبدأ بهَا. وَالثَّانِي: أَنه قسمهَا نِصْفَيْنِ، فَجعل نصفهَا ثَنَاء وَنِصْفهَا دُعَاء، وَلَو كَانَت الْبَسْمَلَة مِنْهَا كَانَت آيَات الثَّنَاء أَرْبعا وَنصفا، وآيات الدُّعَاء اثْنَتَيْنِ وَنصفا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 583 2170 - / 2723 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: ((لَا يغْتَسل أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم وَهُوَ جنب)) . الدَّائِم: الْوَاقِف، وَلَا يَخْلُو أَن يكون دون الْقلَّتَيْنِ، فَإِنَّهُ يصير باغتسال الْجنب فِيهِ مُسْتَعْملا، فَيمْتَنع رفع الْأَحْدَاث بِهِ، أَو يزِيد على الْقلَّتَيْنِ فدوام اغتسال الْجنب مِنْهُ يُوجب استقذاره. 2171 - / 2724 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: ((فذلكم الرِّبَاط)) . أَي قَائِم مقَام المرابطة فِي الْجِهَاد. وأصل الرِّبَاط أَن يرْبط هَؤُلَاءِ خيولهم وَهَؤُلَاء خيولهم. 2172 - / 2725 - وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين بعد الْمِائَة: ((لَا يَنْبَغِي لصديق أَن يكون لعانا)) . الصّديق: من تكَرر مِنْهُ الصدْق. وَاللّعان: من تكَرر مِنْهُ اللَّعْن، فَلَا تصلح هَذِه الْحَال لصَاحب هَذِه الْحَال. 2173 - / 2727 - والْحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الْمِائَة: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عمر. 2174 - / 2728 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: ((أَو الحديث: 2170 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 584 أعْطى فاقتنى)) أَي ادخره لنَفسِهِ فِي الْآخِرَة. 2175 - / 2730 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: ((يَبِيع دينه بِعرْض الدُّنْيَا)) . الْعرض: مَا يعرض من الدُّنْيَا، وَيدخل فِيهِ جَمِيع المَال. 2176 - / 2731 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: ((اتَّقوا اللاعنين)) قَالُوا: وَمَا اللاعنان؟ قَالَ: ((الَّذِي يتخلى فِي طَرِيق النَّاس أَو فِي ظلهم)) . يتخلى: يَتَّخِذهُ خلاء لقَضَاء الْحَاجة، فَإِن ذَلِك سَبَب للعن من فعله، فَسمى الْمَكَان لاعنا لِأَنَّهُ سَبَب للعن. وَطَرِيق النَّاس: الْموضع المطروق بِالْمَشْيِ فِيهِ. وظلهم: كل مَا يَسْتَظِلُّونَ بِهِ من حَائِط أَو شَجَرَة. 2177 - / 2735 - وَفِي الحَدِيث الْخمسين بعد الْمِائَة: ((لتؤدن الْحُقُوق إِلَى أَهلهَا يَوْم الْقِيَامَة)) . أَصْحَاب الحَدِيث يضمون التَّاء ويفتحون الدَّال على مَا لم يسم فَاعله. وَأهل اللُّغَة يمْنَعُونَ من ذَلِك، قَالَ لي أَبُو مُحَمَّد الخشاب: لَا يجوز إِلَّا بِضَم الدَّال، لِأَنَّهَا لَو كَانَت مَفْتُوحَة لَكَانَ: لتؤدين بياء. الحديث: 2175 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 585 فَإِن قيل: فَكيف يُقَال: لتؤدن أَنْتُم حَتَّى يُقَاد للشاة؟ فَالْجَوَاب: أَن هَذَا لجنس المخلوقين، الْمَعْنى: لتؤدن أَنْتُم يَا بني آدم حَتَّى يُقَاد للشاة. والجلحاء: الَّتِي لَا قرن لَهَا. والقرناء: ذَات الْقرن. 2178 - / 2736 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْخمسين بعد الْمِائَة: ((مَا نقصت صَدَقَة من مَال)) . قد اعْترض معترض فَقَالَ: كَيفَ يخبر الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا يُنَافِي الْحَقَائِق، وَنحن نعلم أَن من تصدق من دِينَار بقيراط نقص؟ فَأجَاب الْعلمَاء فَقَالُوا: إِن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يقْصد هَذَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن الْبركَة تخلف الْجُزْء الْمُنْفَصِل فَيكون كَأَنَّهُ لم يزل. وَوَقع لي فِي هَذَا جَوَاب آخر ينطبق على أصل السُّؤَال، فَقلت: للْإنْسَان داران، فَإِذا نقل بعض مَاله بِالصَّدَقَةِ إِلَى الدَّار الْأُخْرَى لم ينقص مَاله حَقِيقَة، وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث: ((فيربيها لأحدكم حَتَّى تكون كالجبل)) وَصَارَ كمن بعث بعض مَاله إِلَى إِحْدَى داريه أَو قسمه فِي صندوقين، فيراد من هَذَا أَن مَا خرج مِنْك لم يخرج عَنْك. وَقَوله: ((وَمَا زَاد الله عبدا بِعَفْو إِلَّا عزا)) وَذَاكَ لِأَن الْعَافِي فِي مقَام الْوَاهِب والمتصدق، فيعز بذلك. وَقَوله: ((وَمَا تواضع أحد لله إِلَّا رَفعه الله)) أَي رفع قدره فِي الْقُلُوب الحديث: 2178 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 586 لإخلاصه فِي التَّوَاضُع. 2179 - / 2737 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْخمسين بعد الْمِائَة: ((المستبان مَا قَالَا فعلى البادئ مَا لم يعْتد الْمَظْلُوم)) . وَهَذَا لِأَن البادئ ظَالِم بابتدائه بالسب، فَجَوَابه جَزَاء، فَإِذا اعْتدى الْمَظْلُوم كَانَ عَلَيْهِ إِثْم. 2180 - / 2738 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْخمسين بعد الْمِائَة: ((أَتَدْرُونَ مَا الْغَيْبَة؟ ذكر أَخَاك بِمَا يكره)) . الْغَيْبَة: ذكر الْغَائِب بِمَا فِيهِ مِمَّا يكرههُ، وَإِذا لم يكن ذَلِك فِيهِ كَانَ بهتانا، والبهت: الْكَذِب الَّذِي يتحير مِنْهُ ويعجب من إفراطه، وَالْعرب تَقول: ((يَا للبهيتة)) . وَقد سبق مَا بعد هَذَا وَمِنْه ظَاهر إِلَى: 2181 - / 2745 - الحَدِيث السِّتين بعد الْمِائَة: ((قَالَ الله تَعَالَى: ((من عمل عملا أشرك فِيهِ معي غَيْرِي تركته وشركه)) . اعْلَم أَن الْأَعْمَال ثَلَاثَة: عمل خَالص لله، وَهُوَ مَا لم يقْصد بِهِ سواهُ، فَهَذَا المقبول. وَعمل لأجل الْخلق، لولاهم مَا عمل، فَهَذَا الْمَرْدُود، وَهُوَ المُرَاد بقوله فِي الحَدِيث الآخر: ((إِنَّمَا قَرَأت ليقال: الحديث: 2179 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 587 فلَان قَارِئ)) . وَعمل يجْتَمع فِيهِ قصد الْحق والخلق، مثل أَن يُصَلِّي قَاصِدا للثَّواب ثمَّ يدرج فِي ضمن ذَلِك قصد مِدْحَة الْخلق، وَأَن يروه بِعَين التَّعَبُّد، فَهَذَا المُرَاد بالشرك فِي هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ إِلَى الرَّد أقرب. 2182 - / 2746 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: ((سِيرُوا، سبق المفردون)) قَالُوا: وَمَا المفردون؟ قَالَ: ((الذاكرون الله كثيرا وَالذَّاكِرَات)) . هَذَا الحَدِيث يرْوى بِفَتْح الرَّاء وبكسرها، وَالْكَسْر أشهر. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: المفردون: الَّذين هلك أقرانهم ولداتهم وطالت أعمارهم فانفردوا لذكر الله عز وَجل وعبادته. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: هم المنقطعون عَن النَّاس لذكر الله عز وَجل، فكأنهم أفردوا أنفسهم للذّكر. والفارد والفرد فِي اللُّغَة: الثور الوحشي لإنفراده عَن الْإِنْس بالإنس. وَقَالَ غَيره: استولى عَلَيْهِم الذّكر فأفردهم عَن كل شَيْء إِلَّا عَن الله عز وَجل، فهم يفردونه بِالذكر وَلَا يضمون إِلَيْهِ سواهُ. 2183 - / 2747 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: ((فَكَأَنَّمَا الحديث: 2182 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 588 يسفهم المل)) . المل وَالْملَّة: التُّرَاب الْحَار والرماد. وَفِي معنى يسفهم قَولَانِ: أَحدهمَا: يسفي فِي وجههم. وَالثَّانِي: يُطعمهُمْ، وَهُوَ الْأَظْهر، من قَوْلك: سففت الدَّوَاء أسفه، وَالْمعْنَى: أَنَّك مَنْصُور عَلَيْهِم، فقد انْقَطع احتجاجهم عَلَيْك بِحَق الْقَرَابَة كَمَا يَنْقَطِع كَلَام من سف الْملَّة، وَمثل هَذَا قَول الْعَرَب: بفيك الإثلب: أَي الْحجر الَّذِي يسكت النَّاطِق، وَمَعَهُ هَذَا فقد دخل عَلَيْهِم الْإِثْم فِي أديانهم بِفعل مَا لَا يجوز فِي حَقك كَمَا يدْخل على من يتَنَاوَل الرماد الْحَار من الْأَلَم والتنغيص. والظهير: العون. وَقد سبق مَا بعد هَذَا الحَدِيث إِلَى: 2184 - / 2750 - الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة وَفِيه: ((من خير معاش النَّاس لَهُم رجل مُمْسك عنان فرسه فِي سَبِيل الله، يطير على مَتنه كلما سمع هيعة أَو فزعة طَار عَلَيْهِ يَبْتَغِي الْقَتْل مظانه. أَو رجل فِي رَأس شعفة)) . المعاش: الْعَيْش. ويطير على مَتنه: يسْرع بركضه وَهُوَ على ظَهره. والهيعة: الصَّوْت المفزع الْمخوف من عَدو أَو غَيره، قَالَ الطرماح: الحديث: 2184 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 589 (أَنا ابْن حماة الْمجد من آل مَالك ... إِذا جعلت خور الرِّجَال تهيع)) أَي تجبن وتضعف. والخور جمع خوار: وَهُوَ الضَّعِيف. وَقَوله: ((يَبْتَغِي الْقَتْل مظانه)) أَي فِي مظانه. ومظان الشَّيْء: مَكَانَهُ الَّذِي يظنّ وجوده فِيهِ، أَو وقته. ومظنة الشَّيْء: معدنه. والشعفة: الْوَاحِدَة من شعفات الْجبَال: وَهِي أعاليها. والشعبة وَالْجمع الشعاب: وَهِي الطّرق فِي الْجبَال. 2183 - / 2751 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعمى فَقَالَ: لَيْسَ لي قَائِد قَالَ: ((هَل تسمع النداء بِالصَّلَاةِ؟)) قَالَ: نعم. قَالَ: ((فأجب)) . الْأَعْمَى هُوَ ابْن أم مَكْتُوم. وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على وجوب الْجَمَاعَة. 2186 - / 2752 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتِّينَ: ((لَو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بِقوم يذنبون فيستغفرون فَيغْفر لَهُم)) . هَذَا دَلِيل على أَن المُرَاد من العَبْد الذل؛ فَإِن المذنب منكسر لذنبه، منكس الرَّأْس لجرمه، وَبِهَذَا يبين ذل الْعُبُودِيَّة وَيظْهر عز الربوبية، وَفِيه تَقْوِيَة لرجاء المذنب فِي الْعَفو. 2187 - / 2753 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: ((يقطع الحديث: 2186 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 590 الصَّلَاة الْكَلْب وَالْمَرْأَة وَالْحمار)) وَقد تكلمنا على هَذَا فِي مُسْند أبي ذَر. 2188 - / 2576 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسبْعين بعد الْمِائَة: ((لَا يفرك مُؤمن مُؤمنَة؛ إِن كره مِنْهَا خلقا رَضِي آخر)) . الفرك بِكَسْر الْفَاء: البغض، يُقَال: فرك يفرك فركا، وَرجل مفرك: إِذا أبغضته النِّسَاء. وَالْمرَاد من الحَدِيث أَن المؤمنة يحملهَا الْإِيمَان على اسْتِعْمَال خِصَال محمودة يُحِبهَا الْمُؤمن، فَيحمل مَا لَا يُحِبهُ لما يُحِبهُ. 2189 - / 2761 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسبْعين بعد الْمِائَة: ((لَا يشربن أحد مِنْكُم قَائِما، فَمن نسي فليستقئ)) . أَي فليستدع الْقَيْء. وَهَذَا مِمَّا يَدعِي قوم أَنه مَنْسُوخ. وَالصَّحِيح أَن الشّرْب قَائِما مَكْرُوه، وَذكر الْقَيْء للْمُبَالَغَة. وَقد سبق هَذَا فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. 2190 - / 2762 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسبْعين بعد الْمِائَة: ((سَيكون فِي آخر أمتِي أنَاس يحدثونكم بِمَا لم تسمعوا أَنْتُم وَلَا آباؤكم، فإياكم وإياهم)) . الحديث: 2188 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 591 الْإِشَارَة بِهَذَا إِلَى الْكَذَّابين، ويوضحه أَن فِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث: ((يكون فِي آخر الزَّمَان دجالون كذابون يأتونكم من الْأَحَادِيث بِمَا لم تسمعوا)) وَفِي هَذَا تحذير من أهل الْكَذِب. وَإِنَّمَا يعرف الْكذَّاب من نقلة الحَدِيث بالبحث عَنهُ وَالنَّظَر فِيمَا قيل فِيهِ من قدح. وَقد تورع جمَاعَة من جهلة المتزهدين عَن سَماع الْقدح فِي الْكَذَّابين، قَالُوا: هَذَا غيبَة، وَلم يعلمُوا أَنه قصد لتصحيح الصَّحِيح وإفساد الْفَاسِد، وَلَوْلَا جهابذة النَّقْل لأدخل فِي الشَّرِيعَة مَا يُفْسِدهَا، وَلَقَد أدخلُوا وبالغوا، غير أَن الله تَعَالَى لَا يخلي كل زمن من ناقد يَنْفِي عَن الحَدِيث كذب الْكَذَّابين وتحريف الْجَاهِلين، حفظا لشريعته، وَالله غَالب على أمره. 2191 - / 2764 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسبْعين بعد الْمِائَة: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: أتيت حَائِطا فَلم أجد لَهُ بَابا، فَإِذا ربيع يدْخل، فاحتفرت فَدخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. والحائط: الْبُسْتَان. وَالربيع: الْجَدْوَل. واحتفرت: افتعلت من الْحفر، فَكَأَنَّهُ حفر ليتسع لَهُ مَوضِع الدُّخُول. وَقَوله: فَضرب بَين ثديي. الثديان معروفان. قَالَ الزّجاج: الحديث: 2191 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 592 ومغرز الثدي يُقَال لَهُ الثندوة. وأجهشت بالبكاء: أَي تهيأت لَهُ. وركبني عمر: أَي لَحِقَنِي. وَقَوله: أخْشَى أَن يتكل عَلَيْهَا النَّاس: أَي يقتنعون بهَا ويتركون التَّعَبُّد. وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول بِرَأْيهِ، إِذْ لَو كَانَ أَمر بذلك عَن وَحي لما تَركه لقَوْل عمر. وَفِي الحَدِيث تَنْبِيه على أَنه يَنْبَغِي للمصحوب أَن يحمل انبساط الصاحب إِذا علم صِحَة قَصده وَقُوَّة محبته، وَأَن عمر لم يقْصد خلاف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا رأى الْمصلحَة للْمُسلمين فَلذَلِك حمله وَلم يُنكر عَلَيْهِ. 2192 - / 2765 - وَفِي الحَدِيث الثَّمَانِينَ بعد الْمِائَة: ((الْخمر من هَاتين الشجرتين: النَّخْلَة والعنبة)) . الْإِشَارَة إِلَى مُعظم مَا يتَّخذ مِنْهُ الْخمر. وَقد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند عمر. 2193 - / 2766 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي والثمانين بعد الْمِائَة: أتيت أُمِّي فصرت إِلَى الْبَاب، فَإِذا هُوَ مُجَاف. الحديث: 2192 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 593 المجاف: المغلق. وخشف الْقدَم: صَوته وحركته. وخضحضة المَاء: صَوت تحريكه. 2194 - / 3768 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: خرج رجل من الْمَسْجِد بعد مَا أذن، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: أما هَذَا فقد عصى أَبَا الْقَاسِم. يشبه أَن يكون أَبُو هُرَيْرَة سمع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهيا عَن الْخُرُوج بعد الْأَذَان، ثمَّ إِن الْأَذَان إِنَّمَا هُوَ استدعاء للغائبين، فَإِذا خرج الْحَاضِر فقد فعل ضد المُرَاد. 2195 - / 2769 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع والثمانين بعد الْمِائَة: فِي حَدِيث فتح مَكَّة: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزبير على إِحْدَى المجنبتين. المجنبة: قِطْعَة من الْعَسْكَر تسير فِي أحد جَانِبي الْعَسْكَر. والحسر جمع حاسر: وَهُوَ الَّذِي لَا درع لَهُ وَلَا مغفر. والراجل أَكثر مَا يكون حاسرا، هَكَذَا لفظ الحَدِيث وَهَذَا تَفْسِيره. وَقد رَوَاهُ ابْن قُتَيْبَة فَقَالَ: الْحَبْس بِالْبَاء الساكنة قبل السِّين، وَقَالَ: هم الرجالة، سموا بذلك لتحبسهم عَن الركْبَان فِي السّفر وتأخرهم، قَالَ: وأحسب الْوَاحِد حَبِيسًا، ((فعيل)) بِمَعْنى ((مفعول)) . قَالَ: وَيجوز أَن يكون: حابسا، كَأَنَّهُ يحبس من يسير من الركْبَان بمسيره. الحديث: 2194 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 594 وَأما البياذقة فَقيل: إِنَّهُم الرجالة، سموا بياذقا لخفة حركتهم وَسُرْعَة تقلبهم إِذْ لم يتكلفوا حمل السِّلَاح. والكتبية: قِطْعَة من الْعَسْكَر مجتمعة. وَقَوله: ((ووبشت قُرَيْش)) أَي: جمعت جموعا من قبائل شَتَّى. والأوباش والأوشاب: الأخلاط. وَقَوله: وَقَالَ بِيَدِهِ على الْأُخْرَى. يُشِير إِلَى حصادهم بِالْقَتْلِ. وَقَوله: وأحفى بِيَدِهِ. أَي أَشَارَ بحافتها وَصفا للحصد وَالْقَتْل. وَقَوله: أبيدت خضراء قُرَيْش: أَي أهلكت واستؤصلت. وخضراؤها: سوادها ومعظمها، وَالْعرب تعبر بِالسَّوَادِ عَن الْكَثْرَة. وَقَوله: ((من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن)) قَالَ ثَابت الْبنانِيّ: إِنَّمَا قَالَ هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ كَانَ إِذا أوذي بِمَكَّة دخل دَار أبي سُفْيَان فأمن، فكافأه على هَذَا بِهَذَا القَوْل. والضن: الْبُخْل وَالشح. يُقَال: ضننت بالشَّيْء بِكَسْر النُّون، أضن بِفَتْح الضَّاد، وضننت بِفَتْح النُّون، أضن بِكَسْر الضَّاد لُغَة أُخْرَى. وَقَوله: اسْتَلم الْحجر: أَي لمسه بِيَدِهِ. وسية الْقوس: طرفها. وأناموه: قَتَلُوهُ. 2196 - / 2770 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس والثمانين بعد الْمِائَة: ((من الحديث: 2196 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 595 خرج عَن الطَّاعَة وَفَارق الْجَمَاعَة فَمَاتَ مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة)) . الْإِشَارَة إِلَى طَاعَة الْأُمَرَاء. وَقد ذكرنَا هَذَا، وشرحنا معنى الْميتَة الْجَاهِلِيَّة فِي مُسْند ابْن عمر. وَقَوله: ((من قَاتل تَحت راية عمية)) قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: هُوَ الْأَمر الْأَعْمَى الَّذِي لَا يستبان وَجهه بالعصبية. وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه: هَذَا فِي قتال الْقَوْم فِي العصبية. والعصبية نصْرَة الْقَوْم على هواهم، وَإِن خَالف الشَّرْع. والقتلة مَكْسُورَة الْقَاف: الْحَالة، كالقعدة والجلسة وَالركبَة. وَإِنَّمَا قَالَ: ((قتلة جَاهِلِيَّة)) لِأَن بَعضهم كَانَ يقتل بَعْضًا عصبية للآخرين. 2197 - / 2771 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس والثمانين بعد الْمِائَة: ((ثمَّ يخلف قوم يحبونَ السمانة)) . الْمَعْنى: أَنهم يكثرون المطاعم فَيحدث عَن ذَلِك السّمن. وَقد قيل: إِن الْمَعْنى: يُرِيدُونَ الإستكثار من الْأَمْوَال، وَيدعونَ مَا لَيْسَ لَهُم من الشّرف، ويفخرون بِمَا لَيْسَ فيهم من الْخَيْر، فاستعار السّمن لهَذِهِ الْأَحْوَال. 2198 - / 2772 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع والثمانين بعد الْمِائَة: ((ينْطَلق بِهِ إِلَى ربه)) يَعْنِي الْمُؤمن، فَيَقُول: ((انْطَلقُوا بِهِ إِلَى آخر الْأَجَل)) يُشِير الحديث: 2197 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 596 إِلَى الْبَعْث. وَذكر روح الْكَافِر، فَرد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ريطة كَانَت عَلَيْهِ على أَنفه. الريطة: كل ملاءة لم تكن لفقين، وَجَمعهَا ريط. ورياط. وَحكى ابْن السّكيت: أَن كل ثوب رَقِيق لين فَهُوَ ريط. وَإِنَّمَا ردهَا على أَنفه ليعلم بنتن ريح روح الْكَافِر. 2199 - / 2773 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن والثمانين بعد الْمِائَة: ((أفضل الصّيام بعد رَمَضَان شهر الله الْمحرم)) . قَالَ أَبُو عبيد: إِنَّمَا نسبه إِلَى الله عز وَجل - والشهور كلهَا لَهُ - لتشريفه وتعظيمه، وكل مُعظم ينْسب إِلَيْهِ. وَإِنَّمَا خصّه بقوله: ((الْمحرم)) دون بَاقِي الْمُحرمَات لِأَنَّهُ كَانَ مَعْرُوفا بذلك الإسم. الحديث: 2199 ¦ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 597 (81) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي الْفضل الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. كَانَ أسن من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثَلَاث سِنِين، وَأسلم قَدِيما، وَكَانَ يكتم إِسْلَامه، وَخرج مَعَ الْمُشْركين يَوْم بدر، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من لَقِي الْعَبَّاس فَلَا يقْتله؛ فَإِنَّهُ أخرج مستكرها "، فَأسرهُ أَبُو الْيُسْر، ففادى نَفسه وَرجع إِلَى مَكَّة، ثمَّ أقبل مُهَاجرا. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ خَمْسَة. 2200 - / 2775 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " يَا رَسُول الله، إِن أَبَا طَالب كَانَ يحوطك وينصرك ". الحياطة: حفظ الشَّيْء من جَمِيع جوانبه. والغمرات: الشدائد. والضحضاح: الشَّيْء الْخَفِيف، شبه بضحضاح المَاء: وَهُوَ مَا دون الْكَعْبَيْنِ. وَأما الدَّرك فَقَالَ الضَّحَّاك: الدَّرك: إِذا كَانَ بَعْضهَا أَسْفَل من بعض، الحديث: 2200 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 والدرج: إِذا كَانَ بَعْضهَا فَوق بعض. 2201 - / 2776 - وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ: " أَتَوا مر الظهْرَان ". وَهُوَ اسْم مَوضِع، والظاء مَفْتُوحَة. وَقَوله: نيران بني عَمْرو، يُشِير إِلَى الْأَوْس والخزرج وهم الْأَنْصَار، لِأَن الْأَوْس والخزرج ابْنا حَارِثَة بن عَمْرو، فنسب الْأَنْصَار إِلَى جدهم الْأَعْلَى، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث سلمَان: قَاتل الله بني قيلة. يَعْنِي الْأَنْصَار، لِأَن قيلة هِيَ أم الْأَوْس والخزرج، وَهِي قيلة بنت كَاهِل بن عذرة ابْن سعد بن هزيم. وَقَوله: من حرس رَسُول الله: أَي من طلائعه. وخطم الْجَبَل: رَوَاهُ قوم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وفسروه بأنف الْجَبَل النَّادِر مِنْهُ، وَرَوَاهُ آخَرُونَ بِالْحَاء، وفسروه بِأَنَّهُ مَا حطم من الْجَبَل: أَي ثلم فَبَقيَ مُنْقَطِعًا. والكتيبة وَاحِدَة الْكَتَائِب: وَهِي العساكر الْمرتبَة. وَإِنَّمَا قَالَ: مَا لي وَلِغفار، لاحتقاره إِيَّاهَا. والملحمة: الْحَرْب والقتال الَّذِي يخلص مِنْهُ. يُقَال: ألحم الرجل فِي الحديث: 2201 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 الْحَرْب واستلحم: إِذا نشب فِيهَا فَلم يجد مخلصا. قَوْله: حبذا يَوْم الذمار. الذمار: مَا لزمك حفظه، يُقَال: فلَان حامي الذمار: أَي يحمي مَا يلْزمه أَن يحميه، وَكَأَنَّهُ تمنى أَن لَو قدر أَن يحمي قومه. وكداء بِفَتْح الْكَاف وبالمد: فِي أَعلَى مَكَّة. وبضم الْكَاف وَالْقصر فِي أَسْفَل مَكَّة. وَقد بَينا هَذَا الِاسْم وحققناه فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَهَذَا الحَدِيث قد صرح بِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَكَّة يَوْم الْفَتْح من أَسْفَل مَكَّة. وَقد سبق فِي مُسْند ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل مَكَّة من كداء الثَّنية الْعليا، فَهَذَا فِي حجَّة الْوَدَاع. وَقد روى مُحَمَّد بن سعد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر يَوْم فتح مَكَّة سعد بن عبَادَة أَن يدْخل من كداء، وَالزُّبَيْر من كدى، وخَالِد بن الْوَلِيد من الليط، وَدخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أذاخر، وَنهى عَن الْقِتَال. قلت: فَيظْهر من هَذَا أَنه لم يدْخل يَوْم الْفَتْح من أَعْلَاهَا؛ لِأَنَّهُ لم يرد الْقِتَال، وَدخل فِي حجَّته من أَعْلَاهَا لما قد تمكن لَهُ من الْقَهْر. 2202 - / 2777 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " يَا عَبَّاس، نَاد أَصْحَاب السمرَة ". الحديث: 2202 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 السمرَة وَاحِدَة السمر: وَهُوَ شجر الطلح. وَالْمرَاد شَجَرَة بيعَة الرضْوَان. وَقَوله: " حمي الْوَطِيس " يَعْنِي اشتدت الْحَرْب وتناهى الْقِتَال. والوطيس فِي الأَصْل: التَّنور، فَشبه الْحَرْب باشتعال النَّار ولهبها. وَقَوله: فَمَا زلت أرى حَدهمْ كليلا: أَي بأسهم وشدتهم ضَعِيفا نابيا، يُقَال: كل السَّيْف: إِذا نبا عَن الضريبة. 2203 - / 2779 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " إِذا سجد العَبْد سجد مَعَه سَبْعَة آرَاب ". الْآرَاب: الْأَعْضَاء، وَاحِدهَا إرب. وَهَذَا الحَدِيث لَفظه لفظ الْخَبَر وَمَعْنَاهُ الْأَمر، وَالْمرَاد بالسبعة: اليدان وَالرُّكْبَتَانِ وأصابع الْقَدَمَيْنِ والجبهة. وَالسُّجُود على هَذِه السَّبْعَة وَاجِب عندنَا، وَفِي الْأنف رِوَايَتَانِ. الحديث: 2203 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 (83) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان: 2204 - / 2782 - فَفِي الحَدِيث الأول: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْكُل القثاء بالرطب. القثاء مَمْدُود، وَفِي ضم الْقَاف وَكسرهَا لُغَتَانِ. وَفِي هَذَا الْفِعْل مَعْنيانِ: أَحدهمَا: إِثْبَات الطِّبّ ومقابلة الشَّيْء بضده؛ فَإِن القثاء رطب بَارِد وَالرّطب حَار يَابِس، فباجتماعهما يعتدلان. وَالثَّانِي: إِبَاحَة التَّوَسُّع فِي الْأَطْعِمَة ونيل الملذوذات الْمُبَاحَة. 2205 - / 2783 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كَانَ أحب مَا استتر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحَاجَتِهِ هدف أَو حائش نخل. الهدف: كل مَا كَانَ لَهُ شخص مُرْتَفع من بِنَاء وَغَيره. وَيُسمى مَا رفع للنضال هدفا. الحديث: 2204 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 وحائش النّخل: مَا اجْتمع مِنْهَا والتف. قَالَ أَبُو عبيد: الحائش: جمَاعَة النّخل. والجرجرة: صَوت يردده الْبَعِير فِي حنجرته. والسراة: الظّهْر. وسراة كل شَيْء أَعْلَاهُ. والذفرى من الْبَعِير: مُؤخر رَأسه وَيَديه. وتدئبه: بِمَعْنى تكده وتتعبه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 (84) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن الزبير وَهُوَ أول مَوْلُود ولد للمهاجرين بعد الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة على رَأس عشْرين شهرا من الْهِجْرَة، وحنكه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأذن أَبُو بكر الصّديق فِي أُذُنه. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ تِسْعَة. 2206 - / 2785 - فَمن الْمُشكل فِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ: قَالَ ابْن الزبير فِي قَوْله: {خُذ الْعَفو} [الْأَعْرَاف: 199] : مَا أنزل الله هَذِه الْآيَة إِلَّا فِي أَخْلَاق النَّاس. الْعَفو: الميسور، يُقَال: خُذ مَا عَفا لَك: أَي مَا أَتَاك سهلا بِلَا إِكْرَاه وَلَا مشقة. وَقد اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِيمَا أَمر بِأخذ الْعَفو مِنْهُ على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَخْلَاق النَّاس، وَهُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ ابْن الزبير، وَوَافَقَهُ الْحسن وَمُجاهد، فَيكون الْمَعْنى: اقبل الميسور من أَخْلَاق النَّاس ولاتستقص عَلَيْهِم، فتظهر مِنْهُم الْبغضَاء. الحديث: 2206 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 وَالثَّانِي: أَنه المَال، ثمَّ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن المُرَاد بِعَفْو المَال الزَّكَاة، قَالَه الضَّحَّاك. وَالثَّانِي: صَدَقَة كَانَت تُؤْخَذ قبل فرض الزَّكَاة ثمَّ نسخت بِالزَّكَاةِ، رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّالِث: أَن المُرَاد بِهِ مساهلة الْمُشْركين وَالْعَفو عَنْهُم، ثمَّ نسخ بِآيَة السَّيْف، قَالَه ابْن زيد. 2207 - / 2786 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: قَالَ أَبُو بكر: أَمر الْقَعْقَاع، وَقَالَ عمر: أَمر الْأَقْرَع، فتماريا، فَنزل فِي ذَلِك: {لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله} [الحجرات: 1] . المماراة: المجادلة وَالْخُصُومَة. وَقَوله: {لَا تقدمُوا} أَي لَا تعجلوا بقول أَو فعل قبل أَن يَقُول الرَّسُول أَو يفعل. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُقَال: فلَان يقدم بَين يَدي الإِمَام: أَي يعجل بِالْأَمر وَالنَّهْي دونه. الحديث: 2207 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 (85) كشف الْمُشكل من مُسْند أُسَامَة بن زيد مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة وَثَمَانِية وَعشْرين حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ تِسْعَة عشر حَدِيثا. 2208 - / 2793 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة "، وَفِي لفظ: " لَا رَبًّا إِلَّا فِيمَا كَانَ يدا بيد ". هَذَا الحَدِيث مَحْمُول على أَن أُسَامَة سمع بعض الحَدِيث، كَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن بيع بعض الْأَعْيَان الربوية بِبَعْض؛ كالتمر بِالشَّعِيرِ، وَالذَّهَب بِالْفِضَّةِ مُتَفَاضلا، فَقَالَ: " إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة ". وَإِنَّمَا حملناه على هَذَا لإِجْمَاع الْأمة على خِلَافه، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى ذهب أَبُو بكر الْأَثْرَم. وَقد زعم قوم أَنه مَنْسُوخ، وَلَيْسَ بِشَيْء , قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: النّسخ إِنَّمَا يَقع فِي أَمر قد كَانَ فِي الشَّرِيعَة، فَأَما إِذا لم يكن مَشْرُوعا فَلَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم نسخ. قَالَ: وَقد يغلط قوم فَيَقُولُونَ: شرب الْخمر مَنْسُوخ، وَهَذَا مَا كَانَ فِي شَرِيعَة قطّ فَينْسَخ، وَإِنَّمَا كَانُوا يشربونها على عاداتهم فَحرمت. الحديث: 2208 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 2209 - / 2794 - والْحَدِيث الثَّانِي: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 2210 - / 2795 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " نَحن نازلون غَدا بخيف بني كنَانَة. قد فسرنا هَذَا الحَدِيث فِي الحَدِيث السَّادِس وَالسبْعين من مُسْند أبي هُرَيْرَة. وَقد سبق مَا بعد هَذَا إِلَى: 2211 - / 2798 - الحَدِيث السَّادِس: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسير الْعُنُق، فَإِذا وجد فجوة نَص. الْعُنُق: السّير الْوَاسِع. وَالنَّص: فَوق الْعُنُق، وَيُقَال: هُوَ أرفع السّير. والفجوة: المتسع من الأَرْض، وَجَمعهَا الفجوات والفجا. 2212 - / 2799 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: أشرف على أَطَم من آطام الْمَدِينَة فَقَالَ: " إِنِّي لأرى مواقع الْفِتَن خلال بُيُوتكُمْ كمواقع الْقطر ". الأطم: الْحصن، وَقد سبق بَيَان هَذَا. وَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام قد اطلع على مَا سيجري بعده من الْفِتَن فَأخْبر بذلك، فَكَانَ كَمَا قَالَ. الحديث: 2209 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 2213 - / 2800 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: ركب على حمَار عَلَيْهِ إكاف تَحْتَهُ قطيفة فَدَكِيَّة. الإكاف للحمار كالسرج للْفرس والرحل للناقة، وَجمعه أكف. والقطينة: نوع من الأكسية. والفدكية منسوبة إِلَى فدك. وَفِي هَذَا بَيَان تواضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن المتكبرين لَا يرضون ركُوب الْحمار، وَلَا يردفون وَرَاءَهُمْ. وَقَوله: فَمر بِمَجْلِس فِيهِ أخلاط من الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين فَسلم عَلَيْهِم. وَإِنَّمَا فعل هَذَا يَنْوِي بذلك السَّلَام على الْمُسلمين. والعجاج: الْغُبَار. وخمر وَجهه: غطاه. وَقَوله: لَا أحسن مِمَّا تَقول. كثير من الْمُحدثين يضمون الْألف من أحسن، ويكسرون السِّين، وَسمعت أَبَا مُحَمَّد بن الخشاب يفتح الْألف وَالسِّين. وَقَوله: كَادُوا يتثاورون: أَي قاربوا أَن يثور بَعضهم على بعض بِقِتَال، وَيُقَال: ثار يثور: إِذا قَامَ بِسُرْعَة وانزعاج. ويخفضهم: يسكنهم. والبحيرة تَصْغِير بحرة: وَهِي الْبَلدة، يُقَال: هَذِه بحرتنا: أَي بَلْدَتنَا. الحديث: 2213 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 والعصابة: مَا يشد بِهِ الرَّأْس، وَكَانُوا يَفْعَلُونَهُ بالرئيس. وشرق: غص. يُقَال: شَرق بِالْمَاءِ يشرق شرقا: إِذا غص، فَشبه مَا أَصَابَهُ من التأسف على فَوَات الرِّئَاسَة بالشرق. والصناديد: الْأَشْرَاف. 2214 - / 2801 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: " يُؤْتى بِالرجلِ فَيلقى فِي النَّار فتندلق أقتاب بَطْنه ". قَالَ أَبُو عبيد: الأقتاب: الأمعاء، وَاحِدهَا قتب، وَقيل: قتبة، وَبهَا سمي الرجل قُتَيْبَة. وَقيل: القتب: مَا تحوى من الْبَطن: أَي اسْتَدَارَ، وَهِي الحوايا. وَأما الأمعاء فَهِيَ الأقضاب، وَاحِد قصب. والاندلاق: خُرُوج الشَّيْء من مَكَانَهُ بِسُرْعَة، وكل شَيْء ندر خَارِجا فقد اندلق. 2215 - / 2802 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: " وَنَفسه تتقعقع كَأَنَّهَا شن ". القعقعة: حِكَايَة أصوات الترسة وَغَيرهَا من الأجرام الصلبة إِذا قرع بَعْضهَا بِبَعْض. والشن: الْقرْبَة البالية. وَأَرَادَ بالقعقعة صَوت الحشرجة عِنْد الْمَوْت. 2215 - م / 2803 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: " وَأَصْحَاب الْجد الحديث: 2214 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 محبوسون ". الْجد: الْحَظ فِي الرزق والغنى. وَقد سبق الْكَلَام فِي هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند عمرَان بن الْحصين. 2216 - / 2804 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: " مَا تركت بعدِي فتْنَة هِيَ أضرّ على الرِّجَال من النِّسَاء " اعْلَم أَن شهوات الْحس غالبة على الْآدَمِيّ، وأبلغ الشَّهَوَات الحسية الْميل إِلَى النِّسَاء، وَالْعقل كاللجام الْمَانِع عَمَّا لَا يصلح، فالمحاربة بَين الْحس وَالْعقل مَا تَنْقَطِع، إِلَّا أَن التَّوْفِيق إِذا أعَان صان. 2217 - / 2805 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: قَالَ سلمَان: لَا تكونن - إِن اسْتَطَعْت - أول من يدْخل السُّوق وَلَا آخر من يخرج مِنْهَا؛ فَإِنَّهَا معركة الشَّيْطَان، وَبهَا ينصب رايته. إِنَّمَا سَمَّاهَا بالمعركة لِأَنَّهَا الْمَكَان الَّذِي ينتدب فِيهِ الشَّيْطَان لمغالبة النَّاس واستزلالهم، لمَكَان طمعهم فِي الأرباح. وَقَوله: بهَا ينصب رايته؛ كِنَايَة عَن قُوَّة طمعه فِي إغوائهم؛ لِأَن الرَّايَات فِي الحروب لَا تنصب إِلَّا مَعَ قُوَّة الطمع فِي الْغَلَبَة. 2218 - / 2806 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: بعثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الحديث: 2216 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 الحرقة، فصبحنا الحرقات. الحرقة: اسْم قَبيلَة من جُهَيْنَة. وَقَوله: فصبحنا الحرقات إِشَارَة إِلَى بطُون تِلْكَ الْقَبِيلَة. وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْعلم أَن الْمُشرك إِذا أقرّ بِالشَّهَادَتَيْنِ حقن دَمه. وَإِنَّمَا تَأَول أُسَامَة قَوْله تَعَالَى: {فَلم يَك يَنْفَعهُمْ إِيمَانهم لما رَأَوْا بأسنا} [غَافِر: 85] وَلم ينْقل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألزمهُ دِيَة وَلَا غَيرهَا لمَكَان تَأْوِيله. 2219 - / 2807 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: دفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَرَفَة، حَتَّى إِذا كَانَ بِالشعبِ نزل فَبَال. الشّعب: مَا تفرق بَين الجبلين. وَإِنَّمَا قَالَ: " الصَّلَاة أمامك "؛ لِأَن مَوضِع هَذِه الصَّلَاة الْمزْدَلِفَة، وَهِي بَين يَدَيْهِ. والنقب: الطَّرِيق فِي الْجَبَل، قَالَه ابْن السّكيت، وَالْجمع نقاب ونقوب. 2220 - / 2809 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي من أَفْرَاد البُخَارِيّ: عَن مولى أُسَامَة قَالَ: أَرْسلنِي أُسَامَة إِلَى عَليّ وَقَالَ: إِنَّه سيسألك الحديث: 2219 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 فَيَقُول: مَا خلف صَاحبك؟ فَقل لَهُ: يَقُول لَك: هَذَا أَمر لم أره. أَشَارَ إِلَى قتال عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام لمن قَاتل، فَكَأَنَّهُ يَقُول: لَا أرى هَذَا صَوَابا. وَهَذَا غلط من أُسَامَة رَضِي الله عَنهُ؛ لِأَنَّهُ مَا قَاتل عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام أحدا إِلَّا كَانَ الْحق مَعَ عَليّ؛ وَإِنَّمَا تورع أُسَامَة لكَونه رأى أَنه قتال الْمُسلمين، وَكَانَ السَّبَب فِي تورعه مَا تقدم آنِفا من أَنه قتل من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، فَعَاتَبَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك، فَامْتنعَ من قتال الْمُسلمين. 2221 - / 2811 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي من أَفْرَاد مُسلم: جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي أعزل عَن امْرَأَتي. فَقَالَ: " لم؟ " قَالَ: أشْفق على وَلَدهَا. فَقَالَ: " لَو كَانَ ذَلِك ضارا ضرّ فَارس وَالروم ". إِنَّمَا خَافَ أَن تحمل فيشرب ابْنهَا الْمُرْضع اللبأ فيؤذيه، فَقَالَ: " لَو ضرّ ذَلِك فَارس " أَي إِنَّهُم لَا يحترزون من هَذَا وأبناؤهم حسان. وَقد سبق مَا فِي مُسْند خَالِد بن الْوَلِيد. الحديث: 2221 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 (87) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة أَحَادِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة. 2222 - / 2814 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: أَن أَبَا بكر جَاءَ بِثَلَاثَة من أهل الصّفة يعشيهم. أهل الصّفة قوم كَانُوا يقدمُونَ الْمَدِينَة فيسلمون، وَلَيْسَ لَهُم مَال وَلَا أهل ينزلون عَلَيْهِم، فَكَانُوا ينزلون بِصفة الْمَسْجِد وتتفرق بهم الصَّحَابَة كل لَيْلَة فيعشونهم، وَيَأْخُذ مِنْهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمَاعَة. وَقَوله: يَا غنثر. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: الغنثر مَأْخُوذ من الغثارة وَهِي الْجَهْل، يُقَال: رجل أغثر، وَقَوله: يَا غنثر معدول عَنهُ. قَالَ: وحدثناه يَا عنتر بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالتاء، سَأَلت أَبَا عمر عَنهُ فَقَالَ: سَمِعت أَحْمد بن يحيى يَقُول: العنتر: الذُّبَاب، وَسمي عنترا لصوته، فشبهه حِين حقره وصغره بالذباب. الحديث: 2222 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 وَقَوله: فجدع أَي دَعَا بالجدع: وَهُوَ الْقطع. وَقَالَ: كلوا لَا هَنِيئًا. كَأَنَّهُ يُشِير بذلك إِلَى أَهله؛ لِأَنَّهُ لَا يحسن أَن يواجه الأضياف بِهَذَا. وَربا: بِمَعْنى زَاد وارتفع. وَقَالَ: هَذِه من الشَّيْطَان، يَعْنِي الْيَمين الَّتِي أثارها الْغَضَب. ثمَّ رأى أَن الْحِنْث مصلحَة، فَأكل رَضِي الله عَنهُ. 2223 - / 2815 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: جَاءَ رجل مشعان. أَي ثَائِر الرَّأْس، منتفش الشّعْر، مُتَفَرِّقه. وَسَوَاد الْبَطن: الكبد. الحديث: 2223 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 (88) كشف الْمُشكل من مُسْند عمر بن أبي سَلمَة وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَا عشر حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان. 2224 - / 2817 - فَفِي الحَدِيث الأول: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فِي ثوب وَاحِد مُشْتَمِلًا بِهِ. الاشتمال: أَن يتجلل بِالثَّوْبِ فيغطي بِهِ جسده. 2225 - / 2818 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كَانَت يَدي تطيش فِي الصحفة. أَي تجول فِي جهاتها ونواحيها. والصحفة: الْقَصعَة. والطعمة مَكْسُورَة الطَّاء: وَهِي الْحَالة. أَي مَا زلت على تِلْكَ الْحَال. الحديث: 2224 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 (89) وَفِي مُسْند عَامر بن ربيعَة 2226 - / 2819 - الْقيام للجنازة. وَقد سبق أَنه مَنْسُوخ فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. الحديث: 2226 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 (190) كشف الْمُشكل من مُسْند الْمِقْدَاد بن الْأسود وَكَانَ قد حَالف الْأسود بن عبد يَغُوث فِي الْجَاهِلِيَّة فَتَبَنَّاهُ، وَإِنَّمَا هُوَ الْمِقْدَاد بن عَمْرو. شهد جَمِيع الْمشَاهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَان وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة أَحَادِيث. 2227 - / 2821 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: إِن لقِيت رجلا من الْكفَّار وَضرب يَدي فقطعها ثمَّ لَاذَ مني بشجرة فَقَالَ: أسلمت لله، أأقتله؟ قَالَ: " لَا، فَإِن قتلته فَإنَّك بِمَنْزِلَتِهِ قبل أَن تقتله، وَإنَّك بِمَنْزِلَتِهِ قبل أَن يَقُول كَلمته ". قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: الْخَوَارِج وَمن يذهب بمذهبهم فِي التَّكْفِير بالكبائر يتأولون هَذَا على أَنه بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْكفْر، وَهَذَا تَأْوِيل فَاسد، وَإِنَّمَا وَجهه أَنه جعله بِمَنْزِلَتِهِ فِي إِبَاحَة الدَّم؛ لإن الْكَافِر قبل أَن يسلم مُبَاح الدَّم، فَإِذا أسلم حقن دَمه، فَإِذا قَتله قَاتل صَار بِمثلِهِ مُبَاح الدَّم بِحَق الْقصاص كَمَا كَانَ هُوَ. الحديث: 2227 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 2228 - / 2822 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: جعل رجل يمدح عُثْمَان، فَجعل الْمِقْدَاد يحثو فِي وَجهه الْحَصْبَاء وَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِذا رَأَيْتُمْ المداحين فاحثوا فِي وُجُوههم التُّرَاب ". الْحَصْبَاء والحصبة: صَغِير الْحِجَارَة. والمداح: الَّذِي يتَكَرَّر مِنْهُ الْمَدْح، وَهُوَ الَّذِي قد جعله عَادَة لَهُ، وَمثل ذَلِك لَا يسلم من الْكَذِب. وَقد ذكرنَا آفَة الْمَدْح فِي مُسْند أبي مُوسَى. 2229 - / 2823 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَقبلت أَنا وصاحبان لي وَقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الْجهد. الْجهد: الْمَشَقَّة. وَالْمرَاد مَا لقوا من الْجُوع. وَقَوله: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَجِيء من اللَّيْل فَيسلم فَلَا يوقظ نَائِما. هَذَا من أحسن الْأَدَب؛ لِأَنَّهُ يسمع المنتبه وَلَا يزعج النَّائِم. وَقد رَأينَا خلقا من جهلة المتزهدين يرفعون أَصْوَاتهم فِي اللَّيْل بِالْقِرَاءَةِ والتذكير إِلَى أَن ينزعج النَّائِم، وَالنَّوْم هُوَ كالقوت للبدن، فَقَطعه عَن الْإِنْسَان يُؤْذِيه. والحفل جمع حافل: وَهِي الشَّاة الَّتِي امْتَلَأَ ضرْعهَا لَبَنًا. والمحفلة: الَّتِي حفلت: أَي جمع اللَّبن فِي ضرْعهَا وَلم يحلب. وَقد سبق هَذَا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. الحديث: 2228 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 والرغوة: مَا علا فَوق الْحَلب، وَفِيه ثَلَاث لُغَات: ضم الرَّاء وَفتحهَا وَكسرهَا. وَقَوله: " إِحْدَى سوآتك " أَي مَا أضْحكك إِلَّا بعض مَا يسوء ظُهُوره. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 (91) كشف الْمُشكل من مُسْند بِلَال بن رَبَاح وَهُوَ اسْم أَبِيه، وَهُوَ مشتهر بِالنِّسْبَةِ إِلَى أمه حمامة. أسلم قَدِيما، فَعَذَّبَهُ قومه وَجعلُوا يَقُولُونَ لَهُ: رَبك اللات والعزى، وَهُوَ يَقُول: أحد أحد، فَأتى عَلَيْهِ أَبُو بكر فَاشْتَرَاهُ بِسبع أَوَاقٍ، وَقيل: بِخمْس، فَأعْتقهُ، فَشهد جَمِيع الْمشَاهد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَهُوَ أول من أذن، وَكَانَ خَازِن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بَيت مَاله. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة. 2230 - / 2825 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: وَعند الْمَكَان الَّذِي صلى فِيهِ مرمرة حَمْرَاء. المرمرة وَاحِد المرمر: وَهُوَ نوع من الرخام صلب. والمجاف: المغلق. ومليا: أَي زَمَانا طَويلا. 2231 - / 2828 - وَفِي أَفْرَاد مُسلم: الحديث: 2230 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مسح على الْخُفَّيْنِ والخمار. أما الْمسْح على الْخُفَّيْنِ فقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. وَأما الْخمار فَمَا يغطى بِهِ الرَّأْس، وَالْمسح على الْعِمَامَة عندنَا جَائِز، وَسَيَأْتِي ذكره فِي مُسْند عَمْرو بن أُميَّة، فَهُوَ أمس بِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 (92) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي رَافع مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. كَانَ للْعَبَّاس فوهبه لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا أسلم الْعَبَّاس بشر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْلَامِهِ فَأعْتقهُ. وَكَانَ قد أسلم بِمَكَّة حِين أسلم الْعَبَّاس، وَشهد الخَنْدَق. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة وَسِتُّونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة. 2233 - / 2829 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: جَاءَ أَبُو رَافع فَقَالَ لسعد بن أبي وَقاص: ابتع مني بَيْتِي فِي دَارك، فَقَالَ: لَا أزيدك على أَرْبَعَة آلَاف منجمة. المنجمة: الَّتِي فِي نُجُوم. والنجوم: الْأَوْقَات الْمُخْتَلفَة. وَقَوله: " الْجَار أَحَق بسقبه " يرْوى بِالسِّين وَالصَّاد. والسقب والصقب: الْقرب. قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: كل صَاد أَو سين تَجِيء قبل الْقَاف فللعرب فِيهَا لُغَتَانِ: مِنْهُم من يَجْعَلهَا سينا وَمِنْهُم من يَجْعَلهَا صادا. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أَرَادَ بالصقب الملاصقة؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِمَا يَلِيهِ وَيقرب مِنْهُ. الحديث: 2233 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 وَقد يحْتَج بِهَذَا من يرى الشُّفْعَة بالجوار، وَلَا حجَّة لَهُم؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ اللَّفْظ صَرِيحًا فِي الشُّفْعَة، فَيحْتَمل أَن يكون أَحَق بِالْبرِّ والمعونة. وَيحْتَمل أَن يُرِيد بالجار هَاهُنَا الشَّرِيك، وَسَماهُ جارا لِأَنَّهُ أقرب الْجِيرَان بالمشاركة فَحِينَئِذٍ تكون لَهُ الشُّفْعَة. وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا كَانَت فِيهِ الشُّفْعَة لمَكَان طَرِيق هذَيْن الْبَيْتَيْنِ، فَإِن طريقهما كَانَت شائعة فِي الْعَرَصَة، وَهِي جُزْء من الدَّار فَلذَلِك اسْتحق الشُّفْعَة. وَقد اخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد فِي الطّرق والعراص: هَل تجب فِيهَا الشُّفْعَة بانفرادها؟ على رِوَايَتَيْنِ. 2233 - م / 2830 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: استسلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكرا. الْبكر: الفتي من الْإِبِل، فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْغُلَام من الذُّكُور. والقلوص بِمَنْزِلَة الْجَارِيَة من الْإِنَاث. وَأما الرباعي فَهُوَ الَّذِي تمت لَهُ سِتّ سِنِين وَدخل فِي السَّابِعَة. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ استسلف لنَفسِهِ ثمَّ قضى من إبل الصَّدَقَة، وَالصَّدَََقَة لَا تحل لَهُ؟ فَالْجَوَاب: أَنه مَا استسلف لنَفسِهِ؛ إِذْ لَو كَانَ ذَلِك لما قَضَاهُ مِنْهَا، وَإِنَّمَا استسلف للْفُقَرَاء من بعض الْأَغْنِيَاء فقضاه من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 الصَّدَقَة. 2234 - / 2832 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: لقد كنت أشوي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بطن الشَّاة، ثمَّ صلى وَلم يتَوَضَّأ. المُرَاد بِبَطْنِهَا مَا فِي الْبَطن من الكبد وَغَيره. وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَنه أكل مَا مسته النَّار وَلم يتَوَضَّأ مِنْهُ. وَقد سبق فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة بَيَان نسخ هَذَا، لقَوْله: " توضؤوا مِمَّا مست النَّار ". الحديث: 2234 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 (93) كشف الْمُشكل من مُسْند سلمَان الْفَارِسِي وَهُوَ من أهل أَصْبَهَان، من قَرْيَة يُقَال لَهَا جي. وَقيل: من رامهرمز سَافر يطْلب الدّين مَعَ قوم فغدروا بِهِ فباعوه من الْيَهُود، ثمَّ إِنَّه كُوتِبَ فأعانه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كِتَابَته، وَأسلم مقدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة، وَمنعه الرّقّ عَن بدر وَأحد، وَأول غزَاة غَزَاهَا الخَنْدَق، وَشهد مَا بعْدهَا، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ بِحَفر الخَنْدَق. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتُّونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سَبْعَة. 2235 - / 2833 - فَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: أَنه تداوله بضعَة عشر من رب إِلَى رب. قد ذكرنَا أَنه سَافر مَعَ قوم فباعوه، ثمَّ بَاعه الَّذِي اشْتَرَاهُ كَذَلِك، إِلَى بضعَة عشر. قَالَ ابْن فَارس: الْبضْع: مَا بَين الْوَاحِد إِلَى التِّسْعَة. والرب: الْمَالِك. 2236 - / 2834 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: فَتْرَة مَا بَين عِيسَى وَمُحَمّد الحديث: 2235 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 سِتّمائَة سنة. الفترة بَين الرُّسُل: الْمدَّة الَّتِي لَا رَسُول فِيهَا. وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَق: بَين آدم إِلَى نوح ألف وَمِائَتَا سنة، وَبَين نوح إِلَى إِبْرَاهِيم ألف وَمِائَة وثنتان وَأَرْبَعُونَ سنة، وَبَين إِبْرَاهِيم إِلَى مُوسَى خَمْسمِائَة وَخَمْسَة وَسِتُّونَ، وَمن مُوسَى إِلَى دَاوُد خَمْسمِائَة وتسع وَسِتُّونَ، وَمن دَاوُد إِلَى عِيسَى ألف وثلاثمائة وست وَخَمْسُونَ، وَمن عِيسَى إِلَى مُحَمَّد سِتّمائَة سنة. 2237 - / 2837 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " إِن لله مائَة رَحْمَة " وَقد سبق فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة، وَفِيه: " فضها على الْمُتَّقِينَ " وأصل الفض: الْكسر والتفريق. وانفض الْقَوْم: تفَرقُوا. 2238 - / 2838 / - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " رِبَاط يَوْم وَلَيْلَة خير من صِيَام شهر وقيامه ". الرِّبَاط: مُلَازمَة الثغر، وَأَصله أَن يرْبط هَؤُلَاءِ خيولهم وَهَؤُلَاء خيولهم، كل يعد لصَاحبه. وَقَوله: " جرى عَلَيْهِ عمله " أَي ثَوَابه. " وَأجْرِي عَلَيْهِ رزقه " يَعْنِي من الحديث: 2237 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 الْجنَّة. " وَأمن الفتان " فسره أَبُو عبد الله الْحميدِي فَقَالَ: الفتان: الشَّيْطَان؛ لِأَنَّهُ يفتن النَّاس بخدعه وتزيينه الْمعاصِي. وَلَا أرى لهَذَا التَّفْسِير وَجها؛ لِأَن الْحِكَايَة عَمَّا بعد الْمَوْت، وَلَيْسَ للشَّيْطَان فِيمَا بعد الْمَوْت عمل، وَإِنَّمَا الْمَعْنى أَمن فتْنَة الْقَبْر، وَهِي سُؤال الْملك، فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِنَّكُم تفتنون فِي قبوركم ". 2239 - / 2839 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: قيل لسلمان: قد علمكُم نَبِيكُم كل شَيْء حَتَّى الخراءة. الخراءة مَكْسُورَة الْخَاء ممدودة الْألف، وَمَعْنَاهَا أدب التخلي وَالْقعُود عِنْد الْحَاجة. وَقد سبق الْكَلَام فِي اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِي مُسْند أبي أَيُّوب. وَالْغَائِط: المطمئن من الأَرْض، ثمَّ صَار اسْما لما يكون فِيهِ من الرجيع. والاستنجاء: التمسح بالأحجار، قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَأَصله من النجوة: وَهِي الِارْتفَاع من الأَرْض، وَكَانَ الرجل إِذا أَرَادَ قَضَاء الْحَاجة تستر بنجوة من الأَرْض، فاشتق من ذَلِك الِاسْتِنْجَاء، إِن مسح فِيهِ أَو غسل، وَقد سبق هَذَا. وَقَوله: بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أَحْجَار، فِيهِ دَلِيل على أَن من عدل عَن المَاء الحديث: 2239 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 إِلَى الْأَحْجَار لم يجزه أقل من ثَلَاثَة أَحْجَار، وَهَذَا قَول أَحْمد وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب الْعدَد، وَإِنَّمَا يعْتَبر الإنقاء فَحسب، فَإِنَّهُ قد يحصل بِالْحجرِ الْوَاحِد. وللشرع تعبد فِي الْمَعْقُول مَعْنَاهُ، كَمَا لَهُ تعبد فِيمَا لَا يعقل، أَلا ترى أَنه لما ورد الشَّرْع بسن مَعْلُوم فِي الْهَدْي وَالْأَضَاحِي لم يجز إِبْدَال سنّ بسن وَإِن كَانَ يعقل الْمَعْنى، وَالْعجب من أَصْحَاب الرَّأْي كَيفَ يُنكرُونَ دُخُول التَّعَبُّد فِي مثل هَذَا، وَلَهُم قَول فِي إِيجَاب ثَلَاث مَرَّات فِي غسل النَّجَاسَة وَإِن زَالَت بِأول مرّة. وَأما الرجيع فَهُوَ الْعذرَة، وَسمي رجيعا لِأَنَّهُ رَجَعَ عَن حَالَته الأولى بعد أَن كَانَ طَعَاما. وَعِنْدنَا أَنه لَا يجوز الِاسْتِنْجَاء بالرجيع سَوَاء كَانَ طَاهِرا كروث الْبَقر وَالْإِبِل، أَو نجسا كروث الْبَغْل وَالْحمار، وَكَذَلِكَ الْعظم، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَأما إِذا كَانَ نجسا فالنجس لَا يجوز اسْتِعْمَاله. وَأما إِذا كَانَ الْعظم طَاهِرا فقد سبق فِي مُسْند ابْن مَسْعُود أَن الْجِنّ سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزَّاد فَقَالَ: " لكم كل عظم ذكر اسْم الله عَلَيْهِ، وكل بَعرَة علف لدوابكم " فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فَلَا تستنجوا بهما؛ فَإِنَّهُمَا طَعَام إخْوَانكُمْ ". وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَدَاوُد: يجوز الِاسْتِنْجَاء بالروث وَالْعِظَام، وَسَوَاء فِي ذَلِك النَّجس والطاهر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 2240 - / 2840 - والْحَدِيث الرَّابِع: قد سبق فِي مُسْند أُسَامَة. وَفِي هَذَا الحَدِيث: " وَبهَا باض وفرخ " الْمَعْنى أَنَّهَا مَأْوَاه؛ لِأَن الطَّائِر إِنَّمَا يبيض ويفرخ فِي مستقره. وَقيل: أَرَادَ مَا يثيره من الشَّرّ بَينهم فِي الشِّرَاء وَالْبيع. الحديث: 2240 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 (94) كشف الْمُشكل من مُسْند خباب بن الْأَرَت أسلم قَدِيما، وَكَانَ يعذب فِي الله عز وَجل، وَشهد جَمِيع الْمشَاهد. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَان وَثَلَاثُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سِتَّة. 2241 - / 2841 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: قَوْله: كنت قينا فِي الْجَاهِلِيَّة. الْقَيْن: الْحداد، وَجمعه قيون. وَقَوله: وَالله لَا أكفر حَتَّى يُمِيتك الله ثمَّ يَبْعَثك. إِن قَالَ قَائِل: لم لم يقل لَا أكفر أبدا، فَكيف علقه على أَمر قريب فَقَالَ: حَتَّى يُمِيتك الله ثمَّ يَبْعَثك؟ فَالْجَوَاب: أَنه لما كَانَ اعْتِقَاد هَذَا الْمُخَاطب أَنه لَا يبْعَث، خاطبه على اعْتِقَاده، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا أكفر أبدا، وَمثل هَذَا قَوْله تَعَالَى: {خَالِدين فِيهَا مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض} [هود: 107] ، فخاطبهم بِمَا يستعملونه لِلْأَبَد، وهم يَقُولُونَ: لَا أُكَلِّمك مَا دَامَت السَّمَاء، وَمَا أطت الْإِبِل، وَمَا اخْتلفت الدرة والجرة، يُرِيدُونَ الْأَبَد. الحديث: 2241 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 وَقَوله: {أفرءيت الَّذِي كفر بِآيَاتِنَا} [مَرْيَم: 77] ، يَعْنِي الْعَاصِ بن وَائِل، {وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ} أَي على زعمكم. وَتَقْدِير الْكَلَام: أرأيته مصيبا. {أطلع الْغَيْب} الْمَعْنى: أعلم مَا غَابَ عَنهُ حَتَّى يعلم أَفِي الْجنَّة هُوَ أم لَا؟ {أم اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا} أَي عهد إِلَيْهِ أَنه يدْخلهُ الْجنَّة. {كلا} لَيْسَ الْأَمر على مَا قَالَ من أَنه يُؤْتى المَال وَالْولد {سنكتب} ؛ أَي سنأمر الْحفظَة بِإِثْبَات قَوْله عَلَيْهِ ليجازيه. {ونرثه مَا يَقُول} أَي نرث مَا عِنْده من المَال وَالْولد بإهلاكنا إِيَّاه {ويأتينا فَردا} بِلَا مَال وَلَا ولد. 2242 - / 2843 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: وَترك نمرة. النمرة: كسَاء ملون من صوف، وكل شملة مخططة من مآزر الْأَعْرَاب فَهِيَ نمرة وَجَمعهَا نمار. وَقَالَ القتيبي: النمرة: بردة تلبسها الْإِمَاء، وَجمعه نمرات ونمار. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: إِذا غزل الصُّوف شزرا ونسج بالحف فَهُوَ كسَاء، وَإِذا غزل يسرا ونسج بالصيصية الحديث: 2242 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 فَهُوَ بجاد، فَإِن جعل شقة وَلها هدب فَهِيَ نمرة، وَبرد، وشملة، فَإِذا كَانَت النمرة فِيهَا خطوط سوى ألوانها فَهِيَ برجد، فَإِن كَانَت منسوجة خيطا على خيط فَهِيَ منيرة، فَإِذا عرضت الخيوط الْبيض فَهِيَ عباءة، فَإِذا غزل شرزا جَاءَ خشنا لَا يدفئ وَهُوَ الَّذِي يغزل على الوحشي، وَإِذا غزل يسرا وَهُوَ الَّذِي يغزل على الْإِنْسِي جَاءَ لينًا دفيئا رَقِيقا. وَقَوله: أينعت. قَالَ الزّجاج: يُقَال: ينع وأينع بِمَعْنى أدْرك قَالَ الْفراء: أينع أَكثر من ينع. وَهَذَا اسْتِعَارَة لما فتح الله عَلَيْهِم من الدُّنْيَا وَقَوله: يهدبها، الدَّال مَكْسُورَة، يُقَال: هدب الثَّمَرَة يهدبها هدبا: إِذا اجتناها. 2243 - / 2846 - وَفِي أَفْرَاد مُسلم: شَكَوْنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرمضاء فَلم يشكنا. الرمضاء: شدَّة الْحر. وَالْأَصْل أَن الرمضاء الرمل، فَإِذا احْتَرَقَ بالتهاب حر الحديث: 2243 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 الشَّمْس عَلَيْهِ نسب الْحر إِلَيْهِ. وَفِي الحَدِيث تَفْسِير ذَلِك، وَأَنَّهُمْ أَرَادوا تَأْخِير الظّهْر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 (95) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن زَمعَة بن الْأسود فِيهِ حَدِيث وَاحِد: 2244 - / 2847 - وَفِيه ذكر النَّاقة: " انتدب لَهَا رجل عَزِيز عَارِم منيع فِي رهطه مثل أبي زَمعَة ". الْعَزِيز: الْعَظِيم الْقدر الْبعيد الْمثل. والعارم: الشَّديد الْجَاهِل. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العرم: الْجَاهِل. وَقَالَ الْفراء: العرام: الْجَهْل. والمنيع: الْمُمْتَنع على من أَرَادَهُ. وَأَبُو زَمعَة كَانَ عَم الزبير بن الْعَوام. الحديث: 2244 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 43 (96) كشف الْمُشكل من مُسْند جُبَير بن مطعم جملَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتُّونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عشرَة. 2245 - / 2851 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الرَّابِع: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْمغرب بِالطورِ، فَلَمَّا بلغ: {أم خلقُوا من غير شَيْء أم هم الْخَالِقُونَ} [الطّور: 35] ، إِلَى قَوْله: { ... المسيطرون} [الطّور: 37] كَاد قلبِي أَن يطير. الطّور: الْجَبَل، قَالَ مُجَاهِد: الطّور: الْجَبَل بالسُّرْيَانيَّة. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: الطّور: مَا لَا ينْبت من الْجبَال وَمَا أنبت فَلَيْسَ بطور. وَيُمكن أَن يكون قَرَأَ جَمِيع السُّورَة وَيُمكن أَن يكون قَرَأَ بَعْضهَا، فَقَالَ: سمعته يقْرَأ بِالطورِ. وَالْبَاء قد تكون بِمَعْنى من، كَقَوْلِه تَعَالَى: {عينا يشرب بهَا عباد الله يفجرونها تفجيرا} [الْإِنْسَان: 6] أَي مِنْهَا. وَقَوله: {أم خلقُوا من غير شَيْء} فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن الْمَعْنى لَيْسُوا بأشد من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَقد خلقت من غير شَيْء وهم الحديث: 2245 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 خلقُوا من آدم. وَالثَّانِي: أَن الْمَعْنى: أم خلقُوا لغير شَيْء؛ أَي: أخلقوا عَبَثا، ذكرهمَا الزّجاج. وَالثَّالِث: أم خلقُوا فوجدوا بِلَا خَالق، وَذَلِكَ مَا لَا يجوز، لِأَن تعلق الْخلق بالخالق من ضَرُورَة الِاسْم: {أم هم الْخَالِقُونَ} لأَنْفُسِهِمْ، فَإِذا ثَبت أَن لَهُم خَالِقًا فليؤمنوا بِهِ، ذكره الْخطابِيّ، قَالَ: وَقَول: {بل لَا يوقنون} هِيَ الْعلَّة الَّتِي منعتهم عَن الْإِيمَان، وَلِهَذَا انزعج جُبَير بن مطعم لحسن مَعْرفَته بِمَا تحوي الْآيَة. 2246 - / 2852 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَرَفَة وَاقِفًا مَعَ النَّاس بِعَرَفَة، فَقلت: هَذَا وَالله من الحمس، فَمَا شَأْنه هَاهُنَا؟ كَانَت قُرَيْش وَبَنُو كنَانَة يسمون الحمس، لأَنهم تحمسوا فِي دينهم: أَي تشددوا، والحماسة: الشدَّة فِي كل شَيْء، وَكَانُوا يقفون عَشِيَّة عَرَفَة بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيَقُولُونَ: نَحن قطن الْبَيْت، وَكَانَ بَقِيَّة الْعَرَب وَالنَّاس يقفون بِعَرَفَات، فَنزل قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} [الْبَقَرَة: 199] ، وَهَذِه الْآيَة نزلت فِي الْإِسْلَام وَذَاكَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة، وَهَذَا الرجل إِنَّمَا رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَاهِلِيَّة، فَكَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالف قومه فِي هَذَا مَعَ مَا خَالف. فَأَما حجَّة الْوَدَاع فَإِنَّهُ لم يكن ثمَّ مُشْرك. وَسَيَأْتِي هَذَا مُبينًا فِي الحَدِيث التَّاسِع والثمانين من مُسْند عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا. الحديث: 2246 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 2247 - / 2853 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لامْرَأَة: " إِن لم تجديني فَأتي أَبَا بكر ". وَهَذَا من النُّصُوص الْخفية على خلَافَة أبي بكر. 2248 - / 2854 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي أُسَارَى بدر: " لَو كَانَ الْمطعم بن عدي حَيا ثمَّ كلمني فِي هَؤُلَاءِ النتنى لتركتهم لَهُ ". النتنى جمع نَتن، كالزمنى جمع زمن. وَإِنَّمَا خص الْمطعم بِهَذَا لِأَنَّهُ لما مَاتَ عَمه أَبُو طَالب وَمَاتَتْ خَدِيجَة خرج إِلَى الطَّائِف وَمَعَهُ زيد بن حَارِثَة، فَأَقَامَ بهَا شهرا ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة فِي جوَار الْمطعم بن عدي، فَأحب مكافأته لَو أمكن. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على جَوَاز إِطْلَاق الْأَسير والمن عَلَيْهِ من غير فدَاء. وَعِنْدنَا أَن الإِمَام مُخَيّر فِي الْأُسَارَى الْبَالِغين، إِن شَاءَ من عَلَيْهِم من غير فدَاء، وَإِن شَاءَ فاداهم، وَإِن شَاءَ قَتلهمْ، أَي ذَلِك كَانَ أصلح وأعز لِلْإِسْلَامِ فعل، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: إِن شَاءَ قَتلهمْ، وَإِن شَاءَ فاداهم، وَإِن شَاءَ استرقهم، وَلَا يمن عَلَيْهِم بِغَيْر عوض؛ فَإِن ذَلِك تَقْوِيَة للْكفَّار، وَزعم بَعضهم أَن الْمَنّ كَانَ خَاصّا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذِه دَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا. الحديث: 2247 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 46 2249 - / 2855 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: اضطروه إِلَى سَمُرَة فخطفت رِدَاؤُهُ. السمرَة: شَجَرَة الطلح. والعضاة: شجر من شجر الشوك كالطلح والعوسج. والاختطاف: الاستلاب بِسُرْعَة. 2250 - / 2856 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: مشيت أَنا وَعُثْمَان بن عَفَّان إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله! أَعْطَيْت بني عبد الْمطلب وَتَرَكتنَا، وَنحن وهم مِنْك بِمَنْزِلَة وَاحِدَة، فَقَالَ: " إِنَّمَا بَنو الْمطلب وَبَنُو هَاشم شَيْء وَاحِد ". إِنَّمَا مَشى جُبَير وَعُثْمَان لِأَن جبيرا من بني نَوْفَل، وَعُثْمَان من بني عبد شمس، وهما أخوا هَاشم وَالْمطلب، إِلَّا أَن هاشما وَالْمطلب وَعبد شمس أخوة لأَب وَأم، وَنَوْفَل أخوهم لأبيهم لَا لأمهم. وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أعْطى بني هَاشم وَبني الْمطلب من خمس خَيْبَر وَلم يُعْط بني عبد شمس، فَمضى عُثْمَان يطْلب لكَونه من بني عبد شمس، وَمضى جُبَير يطْلب لِأَنَّهُ من بني نَوْفَل، وَقَالا: نَحن وهم مِنْك بِمَنْزِلَة وَاحِدَة، يعنون أَن الْكل أخوة، فَقَالَ: " إِنَّمَا بَنو الْمطلب وَبَنُو هَاشم شَيْء وَاحِد " أَي حكمهمَا وَاحِد. وَكَانَ يحيى ابْن معِين يرويهِ بِالسِّين الْمُهْملَة فَيَقُول: سي وَاحِد: أَي مثل وَاحِد، يُقَال: هَذَا سي هَذَا، وهما سيان. قَالَ الْخطابِيّ: وَهُوَ أَجود. الحديث: 2249 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 أما قَوْله: " لم يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام " سَمِعت شَيخنَا أَبَا الْفضل ابْن نَاصِر يَقُول: بَنو الْمطلب دخلُوا مَعَ بني هَاشم إِلَى الشّعب لما حصرهم الْمُشْركُونَ دون غَيرهم. وَفِي هَذَا الحَدِيث إِثْبَات سهم ذِي الْقُرْبَى؛ لِأَن عُثْمَان وجبيرا إِنَّمَا طَالبا لقرابتهما. وَفِيمَا انْفَرد بِهِ مُسلم: 2251 - / 2857 - " لَا حلف فِي الْإِسْلَام، وَأَيّمَا حلف كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة لم يزده الْإِسْلَام إِلَّا شدَّة ". أصل الْحلف: المعاقدة والمعاهدة على المعاضدة، فَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّة على الْقِتَال والغارات فَذَلِك الَّذِي أبْطلهُ الشَّرْع بقوله: " لَا حلف فِي الْإِسْلَام "، وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّة على نصر الْمَظْلُوم وصلَة الْأَرْحَام، فَهُوَ الَّذِي لم يزده الْإِسْلَام إِلَّا شدَّة. الحديث: 2251 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 (97) كشف الْمُشكل من مُسْند الْمسور بن مخرمَة وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرُون حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سَبْعَة أَحَادِيث. 2252 - / 2858 - فَفِي الحَدِيث الأول: أَن عَليّ بن أبي طَالب خطب بنت أبي جهل. أما بنت أبي جهل هَذِه فاسمها جوَيْرِية، أسلمت وبايعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَخَطَبَهَا عَليّ، فجَاء عمومتها يستأذنون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك فَقَالَ هَذَا الْكَلَام. وَقَوله: " أَخَاف أَن تفتن " أصل الْفِتْنَة الاختبار والابتلاء، ثمَّ قد يُطلق على الْمخوف من الِابْتِلَاء، فَيُقَال: فتن فلَان فِي دينه: بِمَعْنى وَقع فِيمَا لَا يجوز. وَالضَّمِير الَّذِي ذكره مَا بنى عَلَيْهِ هُوَ أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع زوجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْنَته زَيْنَب. وَقَوله: " لست أحرم حَلَالا وَلَا أحل حَرَامًا " الْمَعْنى: إِن هَذَا وَإِن جَازَ الحديث: 2252 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 فَمَا يَقع، وَكَأن قَوْله: وَالله لَا تَجْتَمِع بنت نَبِي الله وَبنت عَدو الله " من جنس قَول أنس بن النَّضر: وَالله لَا يكسر سنّ الرّبيع، وَقَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَو أقسم على الله لَأَبَره ". وَيحْتَمل أَن يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد شَرط على عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام حِين زوجه فَاطِمَة أَلا يتَزَوَّج عَلَيْهَا، وَالشّرط فِي مثل هَذَا صَحِيح، وَلِهَذَا قَالَ: " لَا آذن " وَهَذَا الْوَجْه أولى من الأول، وَيدل عَلَيْهِ أَنه أثنى على أبي الْعَاصِ وشكره. وَجَاء فِي بعض الحَدِيث أَنه قَالَ: " حَدثنِي فوفى لي ". والبضعة: الْقطعَة من اللَّحْم. وَقَوله: " يريبني مَا رابها " يُقَال: رَابَنِي الرجل: إِذا استبنت مِنْهُ الرِّيبَة، وأرابنى: إِذا ظَنَنْت بِهِ ذَلِك وَلم تستبنه. قَالَ الشَّاعِر: (أَخُوك الَّذِي إِن ربته قَالَ إِنَّمَا ... أربت، وَإِن عاتبته لَان جَانِبه) فَمَعْنَى أربت: ظَنَنْت وَلم تحقق، وَقَالَ الْفراء وَأَبُو عُبَيْدَة: راب وأراب بِمَعْنى. 2253 - / 2859 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: قسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقبية. القباء فَارسي مُعرب، وَقيل: هُوَ عَرَبِيّ واشتقاقه من القبو وَهُوَ الضَّم الحديث: 2253 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 وَالْجمع، كَذَلِك قرأته على شَيخنَا أبي مَنْصُور. 2254 - / 2860 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وزمن الْحُدَيْبِيَة. الْحُدَيْبِيَة مُخَفّفَة، وَرُبمَا شددها من لَا يعرف، وَسميت بذلك لأجل شَجَرَة جدباء كَانَت هُنَاكَ. والثنية: طَرِيق مُرْتَفع بَين جبلين. وَقَوله: حل حل: زجر للناقة، يُقَال: حلحلت بِالْإِبِلِ: إِذا زجرتها لتنبعث. فألحت: أَي لَزِمت مَكَانهَا. يُقَال: تلحلح الرجل: إِذا لزم مَكَانَهُ، وتحلحل عَنهُ: إِذا فَارقه. وَقَوْلهمْ: خلأت. هُوَ مثل قَوْلهم: حرن الْفرس. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: لَا يكون الخلأ إِلَّا للنوق خَاصَّة. وَقَوله: " مَا ذَاك لَهَا بِخلق " أَي مَا هُوَ من عَادَتهَا. وَقَوله: " حَبسهَا حَابِس الْفِيل " يَعْنِي أَن الله تَعَالَى حَبسهَا كَمَا حبس الْفِيل حِين جَاءَ بِهِ أَبْرَهَة الحبشي ليهْدم الْكَعْبَة. وَوجه الْحِكْمَة فِي جَرَيَان الحديث: 2254 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 الْقدر بذلك أَنه لَو دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة عامئذ لم يُؤمن وُقُوع قتال كثير، وَقد سبق فِي الْعلم الْقَدِيم إِسْلَام جمَاعَة مِنْهُم وَوُجُود ذُرِّيَّة مُسلمين، فحبس عَن ذَلِك كَمَا حبس الْفِيل؛ إِذْ لَو دخل أَصْحَاب الْفِيل مَكَّة قتلوا خلقا، وَقد سبق الْعلم بِإِيمَان قوم، فَلم يكن للفيل عَلَيْهِم سَبِيل، فَمنع سَببه. وَقَوله: " لَا يَسْأَلُونِي خطة يعظمون فِيهَا حرمات الله إِلَّا أَعطيتهم "، الخطة: الْحَال، قَالَ الزُّهْرِيّ: وَلِهَذَا لما قَالُوا: لَا نَعْرِف الرَّحْمَن وَلَا نكتب رَسُول الله، وافقهم على مَا أَرَادوا. والثمد: المَاء الْقَلِيل الَّذِي لَا مَادَّة لَهُ. ويتبرضه النَّاس: أَي يأخذونه قَلِيلا قَلِيلا. ونزحوه: أخذُوا جَمِيعه. وتجيش: تَفُور وترتفع. يُقَال: جَاشَتْ الْقدر: إِذا غلت. وصدروا: رجعُوا بعد ورودهم. قَوْله: وَكَانُوا عَيْبَة نصح رَسُول الله: أَي مَوضِع سره وثقته، مُسلم الْقَوْم وكافرهم، لحلف كَانَ بَينهم فِي الْجَاهِلِيَّة. وتهامة سميت بذلك لشدَّة حرهَا. وَقَوله: تركت كَعْب بن لؤَي. أَي بني كَعْب بن لؤَي، وَهُوَ من قدماء الأجداد، فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ ابْن عبد الله بن الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي. وعامر أَخُو كَعْب. وَقَوله: نزلُوا أعداد مياه الْحُدَيْبِيَة، الْأَعْدَاد جمع عد: وَهُوَ المَاء الْكثير الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 الجم الَّذِي لَا انْقِطَاع لمادته، كَمَاء الْعين، وَالْمعْنَى نزلُوا على هَذِه الْمِيَاه. والعوذ المطافيل: قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُرِيد النِّسَاء وَالصبيان. والعوذ جمع عَائِذ: وَهِي النَّاقة إِذا وضعت وَبعدهَا تضع أَيَّامًا حَتَّى يقوى وَلَدهَا قَلِيلا، فَإِذا مَشى فَهُوَ مرشح، فَإِذا تبعها فَهِيَ متلية؛ لِأَنَّهُ يتلوها. والمطافيل: الأمات، جمع مطفل: وَهِي النَّاقة مَعهَا طفلها، وَإِنَّمَا اسْتعَار ذَلِك. قَالَ ابْن فَارس: كل أُنْثَى إِذا وضعت فَهِيَ سَبْعَة أَيَّام عَائِذ بَيِّنَة العوذ، وَالْجمع عوذ، كَأَنَّهَا تعوذ بِوَلَدِهَا وتشتغل بِهِ. وَقَوله: قد نهكتهم الْحَرْب. الْهَاء مكسوره، وَالْمعْنَى: أضرت بهم وأثرت فيهم، يُقَال: نهكته الْحمى: إِذا بلغت مِنْهُ وأثرت فِيهِ. وَقَوله: " فقد جموا " يَعْنِي استراحوا، والجمام: الرَّاحَة بعد التَّعَب. وَقَوله: " تنفرد سالفتي " السالفة: صفحة الْعُنُق من لدن مُعَلّق القرط، وهما سالفتان عَن يَمِين وشمال، وَإِنَّمَا عَنى الْهَلَاك؛ لِأَن السالفة لَا تنفرد عَمَّا يَليهَا إِلَّا بِالْقَتْلِ. وَقَوله: استنفرت أهل عكاظ أَي دعوتهم إِلَى الْقِتَال. فَلَمَّا بلحوا عَليّ أَي أَبَوا. وأصل التبليح: الإعياء وَالْعجز، يُقَال: بلح الرجل: إِذا انْقَطع من الإعياء وَعجز عَن الْحَرَكَة، وَقد يُقَال بلح بِالتَّخْفِيفِ. قَوْله: قد عرض خطة رشد، الخطة: الْحَال، والرشد: الصَّوَاب. والاستئصال: الإفراط فِي قطع الْأُصُول، وَنَحْوه الاجتياح. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 وَقَوله: أرى أشوابا، الأشواب والأوشاب والأوباش والأشايب: الأخلاط من النَّاس من قبائل شَتَّى. وَقَوله: خليقا أَن يَفروا: أَي لَا يبعد ذَلِك مِنْهُم. وَقَوله: امصص بظر اللات، البظر: مَا تبقيه الخافضة عِنْد الْقطع، وَالْمرَاد شتم آلِهَتهم. وَقَوله: فَكلما كَلمه أَخذ بلحيته، هَذِه كَانَت عَادَة من عادات الْعَرَب تجْرِي مجْرى الملاطفة، وَلم يَدْفَعهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك حلما عَنهُ واستمالة لَهُ. ونعل السَّيْف: مَا يكون أَسْفَل القراب من حَدِيد أَو فضَّة، وَإِنَّمَا فعل بِهِ الْمُغيرَة هَذَا لِأَن تِلْكَ الْعَادة كَانَت تجرى بَين النظراء. وَأما قيام الْمُغيرَة على رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ كَانَ كالحراسة لَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي مقَام حَرْب، فَلَا يجوز أَن يُؤْخَذ من هَذَا جَوَاز الْقيام على رَأس الرئيس على وَجه الْكبر؛ فَإِنَّهُ قد نهى عَلَيْهِ السَّلَام عَن ذَلِك بقوله: " من أحب أَن يتَمَثَّل لَهُ الرِّجَال قيَاما فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار ". قَوْله: أَي غدر، الْغَيْن مَضْمُومَة وَالدَّال مَفْتُوحَة، وَهُوَ نعت للمبالغ فِي الْغدر. وَقَوله: أَلَسْت أسعى فِي غدرتك؟ ؛ كَانَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة قد خرج مَعَ نفر من بني مَالك إِلَى الْمُقَوْقس وَمَعَ الْقَوْم هَدَايَا، فقبلها مِنْهُم الْمُقَوْقس الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 ووصلهم بجوائز، وَقصر بالمغيرة؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ من الْقَوْم، فجلسوا فِي بعض الطَّرِيق يشربون، فَلَمَّا سَكِرُوا وناموا قَتلهمْ الْمُغيرَة جَمِيعًا وَأخذ مَا كَانَ مَعَهم، وَقدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: مَا فعل المالكيون الَّذين كَانُوا مَعَك؟ قَالَ: قَتلتهمْ وَجئْت بأسلابهم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليخمسها أَو يرى فِيهَا رَأْيه فَإِنَّمَا هِيَ غنيمَة من الْمُشْركين، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أما إسلامك فنقبله، وَلَا آخذ من أَمْوَالهم شَيْئا وَلَا أخمسه؛ لِأَن هَذَا غدر، والغدر لَا خير فِيهِ ". وَإِنَّمَا امْتنع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَخذ تِلْكَ الْأَمْوَال لِأَن الرفقاء يصطحبون على الْأَمَانَة، وَالْأَمَانَة مُؤَدَّاة إِلَى الْمُسلم وَالْكَافِر، وَبلغ الْخَبَر ثقيفا بِالطَّائِف فتداعوا لِلْقِتَالِ، ثمَّ اصْطَلحُوا على أَن يحمل عَنهُ عُرْوَة بن مَسْعُود - وَهُوَ عَم الْمُغيرَة - ثَلَاثَة عشر دِيَة، فَلذَلِك قَالَ: أَي غدر! أَلَسْت أسعى فِي غدرتك؟ . وَقَوله: جعل يرمق أَصْحَاب رَسُول الله، أَي يلحظهم كالمسارق للنَّظَر. وتنخم، من النخامة: وَهُوَ مَا يَأْتِي من أقْصَى الْفَم. وَقَوله: يعظمون الْبدن: أَي يعظمون مَا أهدي إِلَى الْبَيْت احتراما للبيت. وَقَوله: " رجل فَاجر "؛ أصل الْفُجُور: الْخُرُوج عَن الْحق. وَقَوله: " قد سهل لكم من أَمركُم " دَلِيل على اسْتِحْبَاب التفاؤل بِالِاسْمِ الْحسن، وَإِنَّمَا يكره التشاؤم وَهُوَ التطير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 وَفِيمَا جرى من موافقتهم فِي كتب مَا أَرَادوا تَعْلِيم لِلْخلقِ حسن المداراة والتلطف، وَلَا يَنْبَغِي أَن تخرج المداراة عَن الشَّرْع؛ فَإِن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا وافقهم إِلَّا فِي جَائِز؛ لِأَن قَوْله: " بِاسْمِك اللَّهُمَّ " يتَضَمَّن معنى بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. وَنسبه إِلَى أَبِيه لَا يُخرجهُ عَن النُّبُوَّة. وَأما قَول سُهَيْل: أما الرَّحْمَن فوَاللَّه مَا أَدْرِي مَا هُوَ. فَإِنَّهُم كَانُوا يعْرفُونَ الرَّحْمَن، إِلَّا أَنه قَلِيل فِي لغتهم، قَالَ ثَعْلَب: هُوَ اسْم عبراني. قَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي: يذهب أَبُو الْعَبَّاس إِلَى أَن الرَّحْمَن اتّفقت فِيهِ لُغَة الْعَرَب ولغة الْعَجم، وَقد كَانَت الْعَرَب تعرف الرَّحْمَن فِي الْجَاهِلِيَّة، قَالَ بَعضهم: (أَلا ضربت تِلْكَ الفتاة هجينها ... أَلا قضب الرَّحْمَن رَبِّي يَمِينهَا) وَقَالَ سَلامَة بن جندل: ( ... ... ... ... ... ... ... . . ... وَمَا يَشَأْ الرَّحْمَن يعْقد وَيُطلق) وَقَوله: هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد؛ أَي فصل الحكم عَلَيْهِ. قَالَ الزّجاج: الْقَضَاء فِي اللُّغَة على ضروب، مرجعها إِلَى انْقِطَاع الشَّيْء وَتَمَامه. وَقَوله: أَخذنَا ضغطة، الضغظة: الْقَهْر والتضييق. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 وَقد ذكرنَا قصَّة أبي جندل فِي مُسْند سهل بن حنيف. والرسف: مشي الْمُقَيد. وَقَوله: فَأَجره لي. هَكَذَا ضَبطه الْحميدِي بالراء. وَالزَّاي أليق. وَأما غضب عمر ومراجعته، وتسكين أبي بكر فورة عمر، فَذَلِك دَلِيل على أَن أَبَا بكر أعلم النَّاس برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأعرفهم ببواطن أُمُوره، وَإِن كَانَ عمر إِنَّمَا سَأَلَ لكشف الشُّبْهَة وتعرف أوجه الْحِكْمَة، لَا على وَجه الِاعْتِرَاض على الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وجرأه على ذَلِك حرصه على ظُهُور الدّين وعزه، كَمَا اجترأ يَوْم الصَّلَاة على ابْن أبي. وَقَوله: لم نعطى الدنية؟ يَعْنِي: الدون. وَقَول أبي بكر: استمسك بغرزه. الغرز للرحل بِمَنْزِلَة الركاب من السرج. قَول عمر: فَعمِلت لذَلِك أعمالا، كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى أَنه اسْتغْفر مِمَّا فعل وَاعْتذر. وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه: " قومُوا فَانْحَرُوا واحلقوا " دَلِيل على أَن من أحرم بِحَجّ أَو عمْرَة ثمَّ أحْصر فَإِنَّهُ ينْحَر الْهَدْي مَكَانَهُ وَيحل وَإِن لم يكن هَدْيه قد بلغ الْحرم. وَأما توقف الصَّحَابَة وَهُوَ يَأْمُرهُم فَلَا يَخْلُو من ثَلَاثَة أَشْيَاء: إِمَّا أَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 يَكُونُوا ظنُّوا أَنه يَأْمُرهُم بِالرُّخْصَةِ وَيلْزم هُوَ الْعَزِيمَة من بَقَائِهِ على الْإِحْرَام، فأحبوا مُوَافَقَته، أَو أَن يكون لرجاء أَن يَأْتِي الْوَحْي بِأَمْر يتمم لَهُم نسكهم، أَو أَن يَكُونُوا بهتُوا لذَلِك مفكرين فِيمَا قد لحقهم من الذل مَعَ بذل النُّفُوس لإعزاز الدّين. وَأما مُشَاورَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم سَلمَة وَقبُول قَوْلهَا فَفِيهِ دَلِيل على جَوَاز الْعَمَل بمشاورة النِّسَاء، ووهن لما يُقَال: شاوروهن وخالفوهن. وَقَوله: {إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات} [الممتحنة: 10] ، لما وَقع الصُّلْح وَشرط فِيهِ رد من جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَجَاء أَبُو جندل فَرده على مَا شرحنا فِي مُسْند سهل بن حنيف، فَجَاءَت أم كُلْثُوم بنت عقبَة ابْن أبي معيط، فَخرج فِي أَثَرهَا أَخَوَاهَا الْوَلِيد وَعمارَة ابْنا عقبَة فَقَالَا: يَا مُحَمَّد، ف لنا بشرطنا. فَقَالَت أم كُلْثُوم: يَا رَسُول الله {أَنا امْرَأَة، وَحَال النِّسَاء إِلَى الضعْف مَا قد علمت، فتردني إِلَى الْكفَّار يفتنونني وَلَا صَبر لي} فنقض الله الْعَهْد فِي النِّسَاء وَأنزل فِيهِنَّ هَذِه الْآيَة، وَحكم بِحكم رضوه كلهم. والامتحان أَن يَقُول: وَالله مَا أخرجكن إِلَّا حب الله وَرَسُوله، وَمَا خرجتن لزوج وَلَا مَال، فَإِذا قُلْنَ ذَلِك تركن فَلم يرددن. وَالْمَشْهُور أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي أم كُلْثُوم. وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنَّهَا فِي سبيعة بنت الْحَارِث، وَقيل: فِي أُمَيْمَة بنت بشر. قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: وَقد اخْتلف الْعلمَاء: هَل دخل رد النِّسَاء فِي عقد الْهُدْنَة لفظا أَو عُمُوما؟ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 فَقَالَت طَائِفَة: كَانَ شَرط ردهن فِي عقد الْهُدْنَة لفظا صَرِيحًا، فنسخ الله تَعَالَى ردهن من العقد، وَمنع مِنْهُ وأبقاه فِي الرِّجَال على مَا كَانَ. وَهَذَا يدل على أَن للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يجْتَهد بِرَأْيهِ فِي الْأَحْكَام، وَلَكِن الله عز وَجل لَا يقره على خطأ. وَقَالَت طَائِفَة: لم يشرط ردهن فِي العقد لفظا صَرِيحًا وَإِنَّمَا أطلق العقد، فَكَانَ ظَاهر الْعُمُوم اشتماله عَلَيْهِنَّ مَعَ الرِّجَال؛ لأَنهم قَالُوا: لَا يَأْتِيك منا أحد، فَبين الله عز وَجل خروجهن من عُمُوم اللَّفْظ، وَفرق بَينهُنَّ وَبَين الرِّجَال لأمرين: أَحدهمَا: أَنَّهُنَّ ذَوَات فروج فحرمن عَلَيْهِم. وَالثَّانِي: أَنَّهُنَّ أرق قلوبا وأسرع تقلبا. فَأَما المقيمة على شركها فمردودة عَلَيْهِم. وَقَوله: {الله أعلم بإيمانهن} أَي إِن هَذَا الامتحان لكم وَالله أعلم بِهن. {فَإِن علمتموهن مؤمنات} وَذَلِكَ بإقرارهن. وَقَوله: {وَآتُوهُمْ} يَعْنِي أَزوَاجهم الْكفَّار {مَا أَنْفقُوا} يَعْنِي الْمهْر. وَهَذَا إِذا تزَوجهَا مُسلم، وَإِن لم يَتَزَوَّجهَا أحد فَلَيْسَ لزَوجهَا شَيْء، وَهَذَا مِمَّا نسخ. وَقَوله: {إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورهنَّ} يَعْنِي المهور. وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي الحربية إِذا هَاجَرت بعد دُخُول زَوجهَا بهَا: فمذهب الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل أَن الْفرْقَة تقف على انْقِضَاء عدتهَا، فَإِن أسلم الزَّوْج قبل انْقِضَاء عدتهَا فَهِيَ امْرَأَته. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تقع الْفرْقَة باخْتلَاف الدَّاريْنِ. وَقَوله تَعَالَى: {وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر} ؛ عصمتهن: عقد نِكَاحهنَّ، وَالْمرَاد نهي الْمُؤمنِينَ عَن الْمقَام على نِكَاح الكوافر؛ لِأَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 عصمتهن قد انْقَطَعت. قَالَ الزّجاج: وأصل الْعِصْمَة الْحَبل، وَالْمعْنَى قد انبت عقد النِّكَاح. وَقَوله تَعَالَى: {واسألوا مَا أنفقتم} أَي إِن لحقت امْرَأَة مِنْكُم بِأَهْل الْعَهْد من الْكفَّار مرتدة فسلوهم مهرهَا إِذا لم يدفعوها إِلَيْكُم. {وليسألوا} يَعْنِي الْمُشْركين الَّذين لحقت أَزوَاجهم بكم مؤمنات، ليطلبوا مهورهن مِمَّن يتزوجهن مِنْكُم. وَالْمعْنَى: عَلَيْكُم أَن تغرموا الْمهْر كَمَا يغرمون لكم. وَقَوله تَعَالَى: {وَإِن فاتكم شَيْء من أزواجكم إِلَى الْكفَّار فعاقبتم} أَي أصبتموهم بعقوبة حَتَّى غَنِمْتُم. وَقَالَ الزّجاج: كَانَت العقبى لكم بِأَن غلبتم {فآتوا الَّذين ذهبت أَزوَاجهم} أَي أعْطوا الْأزْوَاج من رَأس الْغَنِيمَة مَا أَنْفقُوا، وَهُوَ الْمهْر. وَاعْلَم أَن هَذِه الْأَحْكَام من أَدَاء الْمهْر، وَأَخذه من الْكفَّار، وتعويض الزَّوْج من الْغَنِيمَة، كل ذَلِك مَنْسُوخ بِآيَة السَّيْف، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي زمَان الْهُدْنَة. وَأما أَبُو بَصِير فاسمه عتبَة بن أسيد بن جَارِيَة، أسلم بِمَكَّة قَدِيما، فحبسه الْمُشْركُونَ عَن الْهِجْرَة، وَذَلِكَ قبل عَام الْحُدَيْبِيَة، فَلَمَّا نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحُدَيْبِيَة وقاضى قُريْشًا على مَا قاضاهم عَلَيْهِ وَقدم الْمَدِينَة أفلت أَبُو بَصِير من قومه، فَسَار على قَدَمَيْهِ سبعا حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 فَكتب الْأَخْنَس بن شريق وأزهر بن عبد عَوْف إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتابا، فِيهِ أَن يردهُ إِلَيْهِم على مَا اصْطَلحُوا عَلَيْهِ، وبعثاه مَعَ خُنَيْس بن جَابر، فَخرج خُنَيْس وَمَعَهُ مَوْلَاهُ كوثر، فَدفعهُ إِلَيْهِمَا فَخَرَجَا بِهِ، فَلَمَّا كَانُوا بِذِي الحليفة عدا أَبُو بَصِير على خُنَيْس فَقتله، وهرب كوثر حَتَّى قدم الْمَدِينَة، فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرجع أَبُو بَصِير فَقَالَ: وفت ذِمَّتك يَا رَسُول الله، دفعتني إِلَيْهِم فَخَشِيت أَن يفتنوني عَن ديني فامتنعت، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكوثر: " خُذْهُ فَاذْهَبْ بِهِ " فَقَالَ: أَخَاف أَن يقتلني، فَتَركه وَرجع إِلَى مَكَّة، فَأخْبر قُريْشًا، وَخرج أَبُو بَصِير إِلَى الْعيص فَنزل نَاحيَة على طَرِيق عير قُرَيْش إِلَى الشَّام، فَجعل من بِمَكَّة من المحبوسين يَتَسَلَّلُونَ إِلَى أبي بَصِير، فَاجْتمع عِنْده مِنْهُم قريب من سبعين، مِنْهُم أَبُو جندل والوليد ابْن الْوَلِيد، فَجعلُوا لَا يظفرون بِأحد من قُرَيْش إِلَّا قَتَلُوهُ، وَلَا بعير لَهُم إِلَّا اقتطعوها، وكتبت قُرَيْش إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسألونه بأرحامهم إِلَّا أَدخل أَبَا بَصِير وَأَصْحَابه إِلَيْهِ فَلَا حَاجَة لنا بهم، فَكتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أبي بَصِير أَن يقدم عَلَيْهِ مَعَ أَصْحَابه، فَجَاءَهُ الْكتاب وَهُوَ يَمُوت، فَجعل يقرأه ويقبله ويضعه على عَيْنَيْهِ، فَمَاتَ وَهُوَ فِي يَده، فَغسله أَصْحَابه وصلوا عَلَيْهِ ودفنوه هُنَاكَ، ثمَّ قدمُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبروه، فترحم عَلَيْهِ. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ حسن أَن يرد مُسلما إِلَى الْكفَّار؟ فَالْجَوَاب: أَن أَبَا بَصِير هَذَا كَانَت لَهُ عشيرة وموال يَذبُّونَ عَنهُ، ثمَّ غَايَة مَا يحملونه عَلَيْهِ التَّكَلُّم بالْكفْر، وَذَلِكَ جَائِز على جِهَة التقية على مَا بَينا فِي قصَّة أبي جندل فِي مُسْند سهل بن حنيف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 وَقَوله: " ويل أمه، مسعر حَرْب "؛ ويل أمه كلمة تعجب، يصفه بالإقدام، والمسعر: الموقد، فَالْمَعْنى أَنه موقد حَرْب. يُقَال: سعرت النَّار وأسعرتها فَهِيَ مسعرة ومسعورة. والمسعر: الْخشب الَّذِي تسعر بِهِ النَّار: أَي توقد. وَسيف الْبَحْر: ساحله. والعصابة: الْجَمَاعَة، وَلَيْسَ لَهَا وَاحِد من ألفاظها. وَأما الْعصبَة فنحو الْعشْرَة، وَقيل: هِيَ الْعشْرَة إِلَى الْأَرْبَعين، وَجَمعهَا عصب. وَقَوله: طلق عمر امْرَأتَيْنِ، كَانَ عمر قد تزوج فِي الشّرك قريبَة بنت أبي أُميَّة، وَأم كُلْثُوم بنت جَرْوَل، وَكَانَت قد ولدت لعمر زيدا وَهُوَ الْأَصْغَر، وَعبيد الله. وَقَوله: وَهِي عاتق، العاتق من الْجَوَارِي الَّتِي تحدر حِين تدْرك. والأحابيش: الْجَمَاعَات المجتمعون من قبائل شَتَّى، والتحبش: التجمع. 2255 - / 2861 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " حَتَّى يرفع إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمركُم ". العرفاء جمع عريف، والعريف: الَّذِي يتعرف أَحْوَال الْقَوْم وأمورهم كالنقيب. 2256 - / 2862 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " إِن سبيعة نفست ". الحديث: 2255 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 أَي ولدت. يُقَال: نفست الْمَرْأَة ونفست بِضَم النُّون وَفتحهَا: إِذا ولدت، فإمَّا إِذا حَاضَت فبفتح النُّون. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 (98) كشف الْمُشكل من مُسْند حَكِيم بن حزَام أسلم يَوْم الْفَتْح، وَكَانَ يبكي على تَأَخّر إِسْلَامه وَيَقُول: مَا أهلكنا إِلَّا الِاقْتِدَاء بِآبَائِنَا وكبرائنا. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة. 2257 - / 2865 - وَفِي الحَدِيث الأول: " إِن هَذَا المَال خضر حُلْو ". كل غض ناعم خضر، وَأَصله من خضرَة الشَّجَرَة وَقَوله: " فَمن أَخذه بسخاوة نفس " أَي بِلَا شَره وَلَا إلحاح، وَقل من يَأْخُذ الشَّيْء بشره إِلَّا وَيَأْخُذهُ بِغَيْر حَقه وَمن غير وَجهه. وَقَوله: " بإشراف نفس " أَي بتطلع إِلَيْهِ وحرص عَلَيْهِ وطمع فِيهِ. وَقَوله: " الْيَد الْعليا " قد تقدم فِي مُسْند ابْن عمر. وَقَوله: " لَا أرزأ أحدا بعْدك " أَي لَا أُصِيب مِنْهُ شَيْئا. يُقَال: فلَان كريم مرزأ: أَي يُصِيب النَّاس من رفده وعطائه. وأصل الرزء النُّقْصَان، وَسميت الْمُصِيبَة رزءا لِأَنَّهَا نقص من المَال والأحباب. الحديث: 2257 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 وَقد كَانَ حَكِيم بن حزَام يعد من الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم، ثمَّ اسْتَقر الْإِيمَان فِي قلبه فَصَارَ أثبت من الْجبَال، فَكَانَ لَا يَأْخُذ حَقه من بَيت المَال، لَا من أبي بكر وَلَا من عمر. 2258 - / 2866 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: يَا رَسُول الله! أَرَأَيْت أمورا كنت أتحنث بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة من صَلَاة وعتاقة وَصدقَة، هَل لي فِيهَا أجر؟ فَقَالَ: " أسلمت على مَا سلف لَك من خير ". أتحنث بِمَعْنى أَتَعبد وأقصد الْبر. وَكَانَ حَكِيم بن حزَام قد أعتق مائَة رَقَبَة فِي الْجَاهِلِيَّة، وَحمل على مائَة بعير، ونرى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورى عَن جَوَابه، فَإِنَّهُ سَأَلَهُ: هَل لي فِيهَا أجر؟ يُرِيد ثَوَاب الْآخِرَة، وَمَعْلُوم أَنه لَا ثَوَاب فِي الْآخِرَة لفعل كَافِر، فَقَالَ لَهُ: " أسلمت على مَا سلف لَك من خير " فالعتق فعل خير، وَقد قَالَ شُعَيْب لِقَوْمِهِ " {إِنِّي أَرَاكُم بِخَير} [هود: 84] يُشِير إِلَى رخص الأسعار، فَأَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّك قد فعلت خيرا، وَالْخَيْر يمدح فَاعله، وَقد يجازى عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا. وَقد سبق فِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " أما الْكَافِر فيطعم بحسناته فِي الدُّنْيَا، فَإِذا لَقِي الله عز وَجل لم يكن لَهُ حَسَنَة يعْطى بهَا خيرا ". وَقد يدْفع عَن الْكَافِر بعض الْعَذَاب، كَمَا دفع عَن أبي طَالب فَكَانَ أخف أهل النَّار عذَابا، وَقد أجَاب أَبُو سُلَيْمَان البستي بِجَوَاب آخر فَقَالَ: قد رُوِيَ أَن حَسَنَات الْكَافِر إِذا ختم لَهُ بِالْإِسْلَامِ الحديث: 2258 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 مَقْبُولَة ومحتسبة لَهُ، فَإِن مَاتَ على كفره كَانَ هدرا، وَإِن صَحَّ هَذَا كَانَ الْمَعْنى: أسلمت على قبُول مَا لَك من خير. 2259 - / 2867 - والْحَدِيث الثَّالِث: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عمر. 2260 - / 2868 - وَالرَّابِع: بعضه فِي مُسْند ابْن عمر، وَبَعضه فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. الحديث: 2259 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 (99) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن مَالك هَذَا الرجل يعرف بِأُمِّهِ بُحَيْنَة، وَلَا يكَاد ينْسب إِلَى أَبِيه مَالك، وَقد كتب الْحميدِي فِي كتاب " الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ " عبد الله بن مَالك، ابْن بُحَيْنَة، فَرُبمَا ظن من لَا خبر لَهُ بِعلم النَّقْل أَن بُحَيْنَة اسْم جده أَو جدته، وَإِنَّمَا ذكر أَبوهُ وَعرف باسم أمه. وَقد بَينا فِيمَا سبق مثل هَذَا فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، فَإِنَّهُ يُقَال فِيمَا يرويهِ ابْنه مُحَمَّد: مُحَمَّد بن عَليّ، ابْن الْحَنَفِيَّة. وَكَذَلِكَ يُقَال: عبد الله بن أبي، ابْن سلول، وسلول أمه. وَقد ذكرنَا هَذَا ليعرف. وَجُمْلَة مَا روى ابْن بُحَيْنَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة. 2261 - / 2869 - فَفِي الحَدِيث الأول: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد للسَّهْو قبل السَّلَام. وَقد ذكرنَا الْخلاف فِي هَذَا فِي مُسْند أبي سعيد الْخُدْرِيّ. 2262 - / 2870 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم الحديث: 2261 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 وَهُوَ محرم بِلحي جمل فِي وسط رَأسه. قد تكلمنا فِي حجامة الْمحرم فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. ولحي جمل: اسْم مَوضِع فِي طَرِيق مَكَّة. 2263 - / 2871 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: كَانَ إِذا صلى فرج بَين يَدَيْهِ حَتَّى يرى بَيَاض إبطَيْهِ. وَفِي رِوَايَة: كَانَ إِذا سجد يجنح فِي سُجُوده حَتَّى يرى وضح إبطَيْهِ. قَوْله: فرج بَين يَدَيْهِ: أَي فِي السُّجُود. وَالْمعْنَى أَنه يبعد عضديه عَن جَنْبَيْهِ، وَهَذَا معنى يجنح. قَالَ الْفراء: جنَاح الرجل: عضده وإبطه، وَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي: الْعَرَب تستعير الْجنَاح فتسمي بِهِ مَا بَين الْإِبِط والعضد من الْإِنْسَان. والوضح: الْبيَاض. 2264 - / 2872 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا وَقد أُقِيمَت الصَّلَاة يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاث بِهِ النَّاس، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " آلصبح أَرْبعا؟ آلصبح أَرْبعا؟ " وَفِي لفظ: " يُوشك أَن يُصَلِّي أحدكُم الصُّبْح أَرْبعا ". لاث بِهِ النَّاس: أحاطوا بِهِ واجتمعوا. الحديث: 2263 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 وَقَوله: يُوشك. الوشك: الْقرب. وَقد ذكرنَا فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة أَن من سمع الْإِقَامَة فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يتشاغل إِلَّا بالمكتوبة، وحكينا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: إِذا كَانَ خَارج الْمَسْجِد وَعلم أَنه يدْرك الرُّكُوع فِي الثَّانِيَة جَازَ لَهُ أَن يُصَلِّي رَكْعَتي الْفجْر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 (100) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي وَاقد اللَّيْثِيّ وَقد اخْتلفُوا فِي اسْمه وَاسم أَبِيه، فَقَالَ هِشَام بن مُحَمَّد: الْحَارِث بن عَوْف. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: الْحَارِث بن مَالك، وَقَالَ غَيرهمَا: عَوْف بن الْحَارِث. أسلم قَدِيما، وَكَانَ يحمل لِوَاء بني لَيْث وضمرة وَسعد بن بكر يَوْم الْفَتْح، وَقد ذكر الْحميدِي أَنه شهد بَدْرًا، وَهَذَا غلط؛ لإنه مَا ذكره أحد فِي أهل بدر، وَقد ذكره مُحَمَّد بن سعد فِي الطَّبَقَة الثَّالِثَة من الصَّحَابَة مِمَّن شهد الخَنْدَق وَمَا بعْدهَا. وَجُمْلَة مَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان. 2265 - / 2873 - فَفِي الحَدِيث الأول: " أما أَحدهمَا فأوى إِلَى الله ". أَي رَجَعَ وَانْصَرف. يُقَال: أَوَى فلَان أويا، وآويته أَنا أؤويه إيواء: إِذا ضممته وَجعلت لَهُ مأوى. وَتقول: أويت إِلَى الْمنزل: إِذا رجعت. الحديث: 2265 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 2266 - / 2874 - وَقد تكلمنا على الحَدِيث الثَّانِي فِي مُسْند النُّعْمَان بن بشير. الحديث: 2266 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 (101) كشف الْمُشكل من مُسْند الْمسيب بن حزن وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعَة أَحَادِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة. 2267 - / 2875 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: أَن أَبَا طَالب لما حَضرته الْوَفَاة جَاءَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوجدَ عِنْده أَبَا جهل وَعبد الله بن أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة، فَقَالَ: " أَي عَم، قل: لَا إِلَه إِلَّا الله، كلمة احاج لَك بهَا عِنْد الله " فَقَالَ أَبُو جهل وَعبد الله بن أُميَّة: أترغب عَن مِلَّة عبد الْمطلب؟ فَلم يزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرضهَا عَلَيْهِ ويعودان لتِلْك الْمقَالة حَتَّى قَالَ أَبُو طَالب آخر مَا كَلمهمْ بِهِ: أَنا على مِلَّة عبد الْمطلب. عبد الله بن أبي أُميَّة. وَاسم أبي أُميَّة سُهَيْل، ويلقب زَاد الرَّاكِب، كَانَ إِذا سَافر مَعَه قوم أنْفق عَلَيْهِم، وَهُوَ سُهَيْل بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم، وَأمه عَاتِكَة بنت عبد الْمطلب بن هَاشم، وَعبد الله أَخُو أم سَلمَة زوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ أَشد النَّاس عَدَاوَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ الَّذِي قَالَ لأبي طَالب: أترغب عَن مِلَّة عبد الْمطلب؟ فَلَمَّا كَانَت عمْرَة الْقَضِيَّة وَدخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة خرج هُوَ من مَكَّة حَتَّى كَانَ على عشرَة أَمْيَال من مَكَّة، وَجعل يستخبر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأخْبر أَنه فِي الحديث: 2267 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 عز وَقُوَّة، فَوَقع فِي قلبه الْإِسْلَام، فلقي أَبَا سُفْيَان بن الْحَارِث وَقد وَقع الْإِسْلَام فِي قلب أبي سُفْيَان أَيْضا، فَخَرَجَا فلقيا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا بَين السقيا وَالْعَرج، فطلبا الدُّخُول عَلَيْهِ فَأبى، فكلمته أم سَلمَة وَقَالَت: يَا رَسُول الله! صهرك وَابْن عَمَّتك، وَابْن عمك وأخوك من الرضَاعَة - تَعْنِي أَبَا سُفْيَان، وَقد جَاءَ الله بهما مُسلمين، لَا يَكُونَا أَشْقَى النَّاس بك. فَقَالَ: " لَا حَاجَة لي بهما " فَقَالَت: قد عَفَوْت عَن أعظم جرما. فرق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهما، فَأَسْلمَا وشهدا مَعَه الْفَتْح وحنينا والطائف، وَرمي عبد الله من حصن الطَّائِف فَقتل شَهِيدا. 2268 - / 2876 - الحَدِيث الثَّانِي: عَن الْمسيب أَنه كَانَ مِمَّن بَايع تَحت الشَّجَرَة، قَالَ: فرجعنا إِلَيْهَا الْعَام الْمقبل فعميت علينا. وَالْمعْنَى: عمينا عَنْهَا، وَمثله قَوْله تَعَالَى: {فعميت عَلَيْكُم} [هود: 28] قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُقَال عمي عَليّ هَذَا الْأَمر: إِذا لم أفهمهُ، وعميت عَنهُ بِمَعْنى، وَقَالَ الْفراء: هَذَا مِمَّا حولت الْعَرَب الْفِعْل إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الأَصْل لغيره، كَقَوْلِهِم: دخل الْخَاتم فِي يَدي، والخف فِي رجْلي، وَإِنَّمَا الإصبع يدْخل فِي الْخَاتم وَالرجل فِي الْخُف، واستجازوا ذَلِك إِذا كَانَ الْمَعْنى مَعْرُوفا. الحديث: 2268 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 2269 - / 2877 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ: مَا اسْمك؟ قَالَ: حزن. قَالَ: " بل أَنْت سهل "، قَالَ سعيد: فَمَا زَالَت فِينَا الحزونة بعد. الْحزن: مَا غلظ من الأَرْض، وَيُقَال: فِي خلق فلَان حزونة: أَي غلظة وقساوة. وَكَأن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كره الِاسْم لهَذَا الْمَعْنى فأبدله بضده تفاؤلا، فَأبى الرجل. الحديث: 2269 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 (102) كشف الْمُشكل من مُسْند سُفْيَان بن أبي زُهَيْر وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة أَحَادِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان. 2270 - / 2878 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " يَأْتِي قوم يبسون ". هَذَا كِنَايَة عَن الرحيل والانتقال. والبس: زجر الْإِبِل واستحثاثها فِي السّير، يُقَال: بسست وأبسست. 2271 - / 2879 - والْحَدِيث الثَّانِي: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عمر. الحديث: 2270 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 (103) كشف الْمُشكل من مُسْند الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ أسلم قَدِيما، وولاه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَحْرين، وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة أَحَادِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد. 2272 - / 2880 - وَفِيه: " يُقيم المُهَاجر بِمَكَّة بعد قَضَاء نُسكه ثَلَاثًا ". اعْلَم أَنه كَانَ يكره لِلْمُهَاجِرِ من مَكَّة أَن يعود فيقيم بهَا؛ لِأَنَّهُ كالرجوع فِيمَا ترك، ورثى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسعد بن خَوْلَة لكَونه مَاتَ بِمَكَّة، فَجعل لِلْمُهَاجِرِ أَن يُقيم بعد النّسك ثَلَاثًا ثمَّ يخرج لتتحقق هجرته. وَقد كَانَ جمَاعَة من الصَّحَابَة يرَوْنَ أَن هَذَا كَانَ فِي بداية الْإِسْلَام، فَلَمَّا صَارَت دَار إِسْلَام واستقرت الْقَوَاعِد كَانَ ابْن عمر وَجَابِر يجاوران بهَا، وَقد توطنها خلق كثير من الصَّحَابَة، وَقد ذكرتهم فِي كتاب " مَكَّة " وعَلى اسْتِحْبَاب الْمُجَاورَة بهَا أَكثر الْفُقَهَاء، مِنْهُم أَحْمد بن حَنْبَل. وَقد كره الْمُجَاورَة بهَا أَبُو حنيفَة، وَقد علل بعض أَصْحَابه بخوف الْملَل، وَقلة الاحترام لمداومة الْأنس بِالْمَكَانِ، وَخَوف ارْتِكَاب الذُّنُوب، وَهَذَا يُقَابله فضل الْمَكَان وَفضل الْعِبَادَة فِيهِ. الحديث: 2272 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 والنسك: التَّعَبُّد، والمناسك: المتعبدات. والصدر: الرُّجُوع بعد الْوُرُود، يُقَال: صدر الْقَوْم عَن الْمَكَان: أَي رجعُوا عَنهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 (104) كشف الْمُشكل من مُسْند الصعب بن جثامة وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّة عشر حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان. 2273 - / 2881 - فَالْأول: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 2274 - / 2882 - وَفِي الثَّانِي: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أهل الدَّار يبيتُونَ فتصاب ذَرَارِيهمْ، فَقَالَ: " هم مِنْهُم ". البيات: قصد الْعَدو لَيْلًا. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {فَجَاءَهَا بأسنا بياتا} [الْأَعْرَاف: 4] . وَقَوله: " هم مِنْهُم " أَي فِي حكم الدّين وَإِبَاحَة الدَّم، وَلم يرد قَتلهمْ ابْتِدَاء، وَلَكِن إِذا لم يُوصل إِلَى أُولَئِكَ إِلَّا بهؤلاء لم يكن فِي قَتلهمْ إِثْم. وَقَوله: " لَا حمى إِلَّا لله وَلِرَسُولِهِ "؛ الْحمى: هُوَ الْمَمْنُوع، يُقَال: حميت كَذَا أحميه: إِذا منعته. قَالَ الشَّافِعِي: كَانَ الشريف فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا نزل بَلَدا فِي حيه استعوى كَلْبا، ووقف من يسمع صَوته، فحمى مدى عواء الْكَلْب لَا يشركهُ فِيهِ غَيره، وَهُوَ يُشَارك الْقَوْم فِي سَائِر مَا الحديث: 2273 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 يدعونَ، فَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك. فَإِن قَالَ قَائِل: فقد حمى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لإبل الصَّدَقَة وضعاف الْخَيل. قَالَ الزُّهْرِيّ: حمى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النقيع، وَهُوَ مَوضِع مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ تستنقع فِيهِ الْمِيَاه وينبت الْكلأ. وَقد حمى عمر بن الْخطاب الربذَة وسرف. قُلْنَا: إِنَّمَا أبطل مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة؛ لأَنهم كَانُوا يَفْعَلُونَهُ بِمُقْتَضى الْغَلَبَة والهوى، وَمَا يفعل فِي الْإِسْلَام على خلاف ذَلِك. وَمعنى قَوْله: " لَا حمى إِلَّا لله وَلِرَسُولِهِ " أَي: إِلَّا على الْوَجْه الَّذِي أذن الله فِيهِ وَرَسُوله، وَذَلِكَ على قدر الْحَاجة والمصلحة، وَإِنَّمَا حمى عمر لإبل الصَّدَقَة وَالْخَيْل الْمعدة فِي سَبِيل الله عز وَجل، وَللْإِمَام أَن يحمي على وَجه النّظر فِي تَقْوِيَة الْخَيل والكراع مَا لم يضق على الْعَامَّة المرعى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 (105) كشف الْمُشكل من مُسْند السَّائِب بن يزِيد، ابْن أُخْت نمر ذكر أَبُو بكر الْخَطِيب عَن أبي الْحسن الْمَدَائِنِي أَنه قَالَ: أُخْت نمر اسْم جده، وَهُوَ رجل وَلَيْسَ بِامْرَأَة. وَقد أخرج لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ خَمْسَة أَحَادِيث. 2275 - / 2883 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: ذهبت بِي خَالَتِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِن ابْن أُخْتِي وجع. وَفِي رِوَايَة: وَقع. فَنَظَرت إِلَى خَاتمه بَين كَتفيهِ مثل زر الحجلة. الحجلة: بَيت كالقبة يستر بالثياب، وَيجْعَل لَهُ بَاب من جنسه فِيهِ زر وَعُرْوَة يشد إِذا أغلق. وَوَقع مثل وجع. 2276 - / 2884 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: حج بِي فِي ثقل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. الحديث: 2275 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 الثّقل: الرحل وَالْمَتَاع وَمَا ينْقل من القماش، وَجمعه أثقال، وَفِيه دَلِيل على صِحَة حج الصَّبِي. 2277 - / 2885 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن عُثْمَان زَاد النداء الثَّالِث. النداء الثَّالِث الَّذِي زَاد عُثْمَان هُوَ الأول الْيَوْم، وَإِنَّمَا كَانُوا يُؤذنُونَ إِذا صعد الْخَطِيب الْمِنْبَر. وَالْإِقَامَة تسمى نِدَاء أَيْضا، فَزَاد الأول، فَأذن قبل صُعُوده الْمِنْبَر. والزوراء: مَوضِع بِالْمَدِينَةِ. وَقَوله: لم يكن لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا مُؤذن وَاحِد؛ يَعْنِي يَوْم الْجُمُعَة لم يُؤذن لَهُ إِلَّا مرّة. وَقد كَانَ فِي غير الْجُمُعَة يُؤذن بِلَال وَابْن أم مَكْتُوم وَأَبُو مَحْذُورَة. 2278 - / 2886 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: خرجت مَعَ الغلمان إِلَى ثنية الْوَدَاع. الثَّنية: طَرِيق مُرْتَفع بَين جبلين، وَالْإِشَارَة إِلَى مَوضِع بِالْمَدِينَةِ. 2279 - / 2887 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: جلد عمر أَرْبَعِينَ حَتَّى إِذا عتوا وفسقوا جلد ثَمَانِينَ. العتو: الْمُبَالغَة فِي ركُوب الْمعاصِي. والعاتي: هُوَ الَّذِي لَا يُؤثر عِنْده الحديث: 2277 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 الْوَعْظ والزجر. وَالْفِسْق: الْخُرُوج عَن الطَّاعَة. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: وَلم يسمع فِي كَلَام الْجَاهِلِيَّة لَا فِي شعر وَلَا فِي كَلَام: فَاسق، وَهَذَا عجب وَهُوَ كَلَام عَرَبِيّ، وَلم يَأْتِ فِي شعر جاهلي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 (106) كشف الْمُشكل من مُسْند عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرُون حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان. 2280 - / 2888 - فَفِي الحَدِيث الأول: أَنه رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحتز من كتف شَاة فِي يَده فدعي إِلَى الصَّلَاة، فَألْقى السكين وَصلى وَلم يتَوَضَّأ. أصل الحز الْقطع، وَقد يكون بَائِنا وَغير بَائِن، وَقد كَانُوا يقطعون اللَّحْم بالسكين. وَفِي هَذَا الحَدِيث ترك الْوضُوء مِمَّا مست النَّار. 2281 - / 2889 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمسح على عمَامَته وخفيه. أما جَوَاز الْمسْح على الْعِمَامَة فَهُوَ مَذْهَب الْحسن الْبَصْرِيّ وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَحَكِيم بن جَابر فِي آخَرين، وَبِه يَقُول أَحْمد بن حَنْبَل خلافًا الحديث: 2280 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 لأكْثر الْعلمَاء فِي قَوْلهم: لَا يجوز. وَمن شُرُوط جَوَاز الْمسْح على الْعِمَامَة أَن تكون تَحت الحنك، ساترة لجَمِيع الرَّأْس، إِلَّا مَا جرت الْعَادة بكشفه، كمقدم الرَّأْس والأذنين. فَإِن لم تكن تَحت الحنك بل كَانَت مُدَوَّرَة لَا ذؤابة لَهَا لم يجز الْمسْح عَلَيْهَا، فَإِن كَانَ لَهَا ذؤابة فلأصحابنا وَجْهَان فِي جَوَاز الْمسْح عَلَيْهَا. وَيمْسَح أَكثر الْعِمَامَة، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: لَا يُجزئ إِلَّا مسح جَمِيعهَا. وَأما الْمسْح على الْخُفَّيْنِ فقد تقدم فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 (107) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي شُرَيْح الْخُزَاعِيّ الكعبي واسْمه خويلد بن عَمْرو، كَذَلِك سَمَّاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم. وَقَالَ مُحَمَّد ابْن سعد: اسْمه خويلد بن صَخْر بن عبد الْعُزَّى. وَقَالَ أَبُو بكر البرقي: اسْمه كَعْب. وَجُمْلَة مَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرُون حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة. 2282 - / 2890 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: أَنه قَالَ لعَمْرو بن سعيد وَهُوَ يبْعَث الْبعُوث إِلَى مَكَّة: ائْذَنْ لي أحَدثك مَا قَامَ بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْغَد من يَوْم الْفَتْح، قَالَ: " إِن مَكَّة حرمهَا الله فَلَا يحل لامرئ يُؤمن بِاللَّه أَن يسفك فِيهَا دَمًا، وَلَا يعضد بهَا شَجَرَة ... " فَذكر الحَدِيث. فَقَالَ: يَا أَبَا شُرَيْح، إِن الْحرم لَا يعيذ عَاصِيا وَلَا فَارًّا بِدَم وَلَا بخربة. أما الْبعُوث الْمَذْكُورَة فَإِن عبد الله بن الزبير لم يزل بِالْمَدِينَةِ إِلَى أَن توفّي مُعَاوِيَة، فَبعث الْوَلِيد بن عتبَة وَالِي الْمَدِينَة إِلَيْهِ يَأْمُرهُ بالبيعة ليزِيد، فَخرج إِلَى مَكَّة، وَلم يزل يحرض النَّاس على بني أُميَّة، فَغَضب يزِيد فَمضى ابْن الزبير إِلَى يحيى بن حَكِيم وَالِي مَكَّة فَبَايعهُ ليزِيد، فَكتب بذلك يحيى، فَقَالَ يزِيد: لَا أقبل حَتَّى يُؤْتى بِهِ فِي وثاق، فَأبى ابْن الحديث: 2282 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 الزبير وَقَالَ: أَنا عَائِذ بِالْبَيْتِ، فعزل يزِيد الْوَلِيد عَن الْمَدِينَة وَولى عَمْرو ابْن سعيد بن الْعَاصِ، وَكتب إِلَيْهِ: أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ يقسم بِاللَّه لَا يقبل من ابْن الزبير شَيْئا حَتَّى يُؤْتى بِهِ فِي جَامِعَة، فعرضوا ذَلِك على ابْن الزبير، فَأبى فَكتب يزِيد إِلَى عَمْرو بن سعيد أَن يُوَجه إِلَيْهِ جندا، فَبعث الْبعُوث. وَقَوله: " أَن يعضد بهَا شَجَرَة " أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: يعضد بِضَم الضَّاد، وَقَالَ لنا عبد الله بن أَحْمد النَّحْوِيّ: يعضد بِكَسْر الضَّاد. ويعيذ بِمَعْنى يجير؛ يُقَال: عاذ بالشَّيْء: إِذا استجار بِهِ ولجأ إِلَيْهِ، وأعاذه: أَي مَنعه وحماه. والخربة: السّرقَة، وَالْخَاء مَضْمُومَة، والخارب: اللص، وَيُقَال فِي سَارِق الْإِبِل خَاصَّة ثمَّ استعير لكل سَارِق. وَاعْلَم أَن الْإِجْمَاع انْعَقَد على أَن من جنى فِي الْحرم لَا يُؤمن؛ لِأَنَّهُ هتك حُرْمَة الْحرم ورد الْأمان. وَاخْتلف الْعلمَاء فِيمَن جنى خَارِجا ثمَّ لَجأ إِلَيْهِ: فروى أَبُو بكر الْمروزِي عَن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: إِذا قتل أَو قطع يدا أَو أَتَى حدا فِي غير الْحرم ثمَّ دخل لم يقم عَلَيْهِ الْحَد وَلم يقْتَصّ مِنْهُ، وَلَكِن لَا يُبَايع وَلَا يشارى ولايؤاكل حَتَّى يخرج. فَإِن فعل شَيْئا من ذَلِك فِي الْحرم استوفي مِنْهُ. وروى عَنهُ حَنْبَل أَنه قَالَ: إِذا قتل خَارج الْحرم ثمَّ دخل لم يقتل، وَإِن كَانَت الْجِنَايَة دون النَّفس فَإِنَّهُ يُقَام عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 الْحَد وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يُقَام الْحَد فِي جَمِيع ذَلِك فِي النَّفس وَفِيمَا دون النَّفس. 2283 - / 2891 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَليُكرم ضَيفه " قَالُوا: وَمَا جائزته؟ قَالَ: " يَوْمه وَلَيْلَته ". الضَّيْف يَقع على الْوَاحِد وعَلى الْجَمَاعَة. يُقَال: هَذَا ضيف، وَهَؤُلَاء ضيف. والجائزة: الْعَطِيَّة. وجوائز السُّلْطَان: عطاياه. وَالْمرَاد بالجائزة هَاهُنَا مَا يجوز بِهِ مَسَافَة يَوْم وَلَيْلَة. وَهَذَا عِنْد أَكثر الْعلمَاء مُسْتَحبّ، وَقَالَ أَحْمد: يجب على الْمُسلم ضِيَافَة الْمُسلم الْمُسَافِر المجتاز بِهِ لَيْلَة، لحَدِيث آخر رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " لَيْلَة الضَّيْف وَاجِبَة على كل مُسلم ". وَمن نزل بِهِ الضَّيْف فَامْتنعَ عَن ضيافته كَانَ الضَّيْف مُخَيّرا بَين مُطَالبَته بذلك عِنْد الْحَاكِم أَو إعفائه. وَلَا يجب إنزاله فِي بَيته إِلَّا أَن يجد مَسْجِدا أَو رِبَاطًا يبيت فِيهِ. وَسَيَأْتِي فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند عقبَة بن عَامر قَالَ: قلت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّك تبعثنا فَنَنْزِل بِقوم لَا يقرونا، فَمَا ترى؟ فَقَالَ: " إِن لم يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُم حق الضَّيْف الَّذِي يَنْبَغِي لَهُم " وَأما ضِيَافَة ثَلَاثَة أَيَّام فمستحبة. الحديث: 2283 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 وَقَوله: " حَتَّى يؤثمه " وَذَلِكَ أَنه إِذا لم يكن لَهُ مَا يقربهُ بِهِ تسخط بإقامته، وَرُبمَا ذكره بقبيح، وَرُبمَا أَثم فِي كسب مَا يُنْفِقهُ عَلَيْهِ. 2284 - / 2892 - والْحَدِيث الَّذِي للْبُخَارِيّ قد سبق فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. (108) ومافي مُسْند خفاف بن إِيمَاء قد سبق شَرحه. الحديث: 2284 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 (109) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب وَهُوَ حَدِيث وَاحِد. 2285 - / 2894 - وَفِيه: انْطَلَقت فِي الْمدَّة الَّتِي كَانَت بيني وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الشَّام. كَانُوا قد اصْطَلحُوا على مُدَّة يتركون فِيهَا الْقِتَال، وَكَتَبُوا الْكتاب الَّذِي تولاه سُهَيْل بن عَمْرو، وَقد ذَكرْنَاهُ آنِفا، وَذكرنَا دحْيَة فِي مُسْند جَابر ابْن عبد الله. وهرقل هُوَ قَيْصر، وقرأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور قَالَ: هِرقل اسْم أعجمي، وَقد تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب، قَالَ جرير يمدح الْوَلِيد بن عبد الْملك: (وَأَرْض هِرقل قد قهرت وداهرا ... وَيسْعَى لكم من آل كسْرَى النواصف) والترجمان: الْمعبر. وَقَوله: لَوْلَا أَن يأثروا عني الْكَذِب: أَي لَوْلَا أَن يذكروني بِالْكَذِبِ ويروونه عني، يُقَال: أثرت الحَدِيث أَثَرَة: إِذا رويته. الحديث: 2285 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 والحسب: الفعال الْحسن للآباء، مَأْخُوذ من الْحساب إِذا حسبوا مناقبهم، وَذَلِكَ أَنه إِذا عد كل وَاحِد مِنْهُم مناقبه ومآثر آبَائِهِ وحسبها، كَانَ أحسبهم أَكْثَرهم عددا وَقَوله: سجالا: أَي مرّة لنا وَمرَّة لَهُ، وَأَصله من السّجل وَهُوَ الدَّلْو، وَذَلِكَ أَن الرجلَيْن إِذا استقيا نزع هَذَا سجلا وَهَذَا سجلا. وَقَوله: إِذا خالط بشاشته الْقُلُوب، أصل البشاشة فِي اللِّقَاء، وَهُوَ الْفَرح بِالْمَرْءِ والانبساط إِلَيْهِ والملاطفة فِي الْمَسْأَلَة. يُقَال: بش فلَان بفلان وتبشبش بِهِ، فَشبه الْإِيمَان إِذا ورد على الْقلب ففرح بِهِ وانشرح الصَّدْر لَهُ بذلك. وَقَوله: عَظِيم الرّوم: أَي الَّذين يعظمونه ويقدمونه بالرئاسة. وَلم يكْتب إِلَى ملك الرّوم لما يَقْتَضِيهِ هَذَا الِاسْم من الْمعَانِي الَّتِي لَا يَسْتَحِقهَا من لَيْسَ بِمُسلم، وَالْإِسْلَام قد عَزله عَن المملكة، فَلم يخله من نوع إكرام. وَقَوله: " سَلام على من اتبع الْهدى " هَذَا شَيْء لَا يغْضب مِنْهُ أحد؛ لِأَن قَيْصر يظنّ أَنه مِمَّن اتبع الْهدى. وَقَوله: " أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام " الدعاية من قَوْلك: دَعَا يَدْعُو دعاية، كَمَا يُقَال: شكا يشكو شكاية، المُرَاد دَعْوَة الْإِسْلَام وَهِي الشهادتان. وَقَوله: " إِثْم الأريسيين "، وَفِي لفظ: " اليريسيين " قد ذكرنَا اللفظتين فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. فَأَما قَوْله: " إِثْم الركوسيين " فالركوسية دين بَين النَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 وَقَوله: " {يَا أهل الْكتاب} الْآيَات [آل عمرَان: 64] دَلِيل على جَوَاز كِتَابَة آيَة أَو آيَتَيْنِ مِمَّا يَقع بِهِ الْإِنْذَار إِلَى أَرض الْعَدو، وَلَا يُعَارض بقوله: " لَا تسافروا بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرض الْعَدو "؛ لِأَن المُرَاد بذلك السُّور والآيات الْكَثِيرَة. وَأما اللَّغط فَهُوَ الْأَصْوَات الَّتِي لَا تفهم. وَقَوله: أَمر أَمر ابْن أبي كَبْشَة. أَمر بِمَعْنى عظم وارتفع. وَأما أَبُو كَبْشَة فأنبأنا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب النَّحْوِيّ قَالَ: أخبرنَا أَبُو جَعْفَر بن الْمسلمَة قَالَ: أخبرنَا أَبُو طَاهِر المخلص قَالَ: أَنبأَنَا أَحْمد بن سُلَيْمَان بن دَاوُد الطوسي قَالَ: أخبرنَا الزبير بن بكار قَالَ: أول من عبد الشعرى أَبُو كَبْشَة، واسْمه وجز بن غَالب بن عَامر، وَكَانَ يَقُول: إِن الشعرى تقطع السَّمَاء عرضا، وَلَا أرى فِي السَّمَاء شمسا وَلَا قمرا وَلَا نجما يقطع السَّمَاء عرضا غَيرهَا. وَالْعرب تسمي الشعرى العبور؛ لِأَنَّهَا تعبر السَّمَاء عرضا. ووجز هُوَ أَبُو كَبْشَة الَّذِي كَانَت قُرَيْش تنْسب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جده من قبل أمه، وَالْعرب تظن أَن أحدا لَا يعْمل شَيْئا إِلَّا بعرق نَزعه شبهه، فَلَمَّا خَالف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دين قُرَيْش قَالَ مشركو قُرَيْش: نَزعه أَبُو كَبْشَة، فَإِن أَبَا كَبْشَة خَالف النَّاس بِعِبَادَتِهِ الشعرى. وَكَانَ أَبُو كَبْشَة سيدا فِي خُزَاعَة، لم يعيروا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نقص كَانَ فِيهَا، وَلَكِن لما خَالف دينهم نسبوه إِلَى خلاف أبي كَبْشَة، فَقَالُوا: خَالف كَمَا خَالف أَبُو كَبْشَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 قَالَ ابْن قُتَيْبَة: لما خَالف أَبُو كَبْشَة دين قومه شبهوا بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ كَقَوْلِهِم لِمَرْيَم: {يَا أُخْت هَارُون} [مَرْيَم: 28] أَي يَا شَبيه هَارُون فِي الصّلاح. وهما شعريان: أحداهما هَذِه، والشعرى الْأُخْرَى هِيَ الغميصاء، وَهِي تقَابلهَا، وَبَينهمَا المجرة، والغميصاء من الذِّرَاع الْمَبْسُوط فِي نُجُوم الْأسد، وَتلك فِي الجوزاء. وَقَالَ غَيره: أَبُو كَبْشَة جد جد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قبل أمه. ونقلت من خطّ أبي الْفَتْح مُحَمَّد بن الْحسن الْأَزْدِيّ الْحَافِظ وتصنيفه قَالَ: أَبُو كَبْشَة حاضن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زوج حليمة ظئر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اسْمه الْحَارِث بن عبد الْعُزَّى، مَاتَ قبل أَن يدْرك النُّبُوَّة، وَهُوَ الَّذِي كَانَت قُرَيْش تعير بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَيَقُولُونَ: ابْن أبي كَبْشَة. قلت: وَالْقَوْل الأول عِنْدِي أصح من هَذَا. وَبَنُو الْأَصْفَر: الرّوم، سموا بذلك لصفرة اعترت أباهم، قَالَ عدي ابْن زيد: وَبَنُو الْأَصْفَر الْكِرَام مُلُوك الرّوم لم يبْق مِنْهُم مَذْكُور. قَوْله: وَكَانَ قَيْصر لما كشف الله عَنهُ جنود فَارس مَشى من حمص إِلَى إيلياء. إيلياء: بَيت الْمُقَدّس، وَقد سبق فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. وَإِنَّمَا فعل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 ذَلِك شكرا لله تَعَالَى لما أبلاه. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُقَال من الْخَيْر: أبليته أبليه إبلاء، وَمن الشَّرّ: بلاه يبلوه بلَاء. وَمَا زَالَت الْحَرْب قَائِمَة بَين فَارس وَالروم، فَغلبَتْ الرّوم، فَبلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فشق عَلَيْهِم، وَفَرح الْمُشْركُونَ بذلك؛ لِأَن فَارس لم يكن لَهَا كتاب، ثمَّ ظَهرت الرّوم على فَارس ففرح الْمُسلمُونَ، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {ويومئذ يفرح الْمُؤْمِنُونَ [4] بنصر الله} [الرّوم: 4، 5] . وَاتفقَ ذَلِك فِي يَوْم بدر، وَقيل: يَوْم الْحُدَيْبِيَة. وَقَوله وَكَانَ ابْن الناطور صَاحبه. أَي صَاحب هِرقل. وهرقل أسقفه على نَصَارَى الشَّام: أَي جعله أسقفا، وَهِي سنة فِي دينهم. والحزاء والحازي هُوَ الحازر الَّذِي يحزر الشَّيْء وَيقدر مَا فِيهِ - بظنه. وَيُقَال للَّذي ينظر فِي النُّجُوم حزاء على هَذَا الْمَعْنى؛ لإنه يظنّ بنظره فِي النُّجُوم شَيْئا ويقدره، فَرُبمَا أصَاب. وَقَوله: فَلم يرم حمص: أَي لم يبرح مِنْهَا، يُقَال: لَا ترم: أَي لَا تَبْرَح. وَالْعجب من قَيْصر مَعَ ذكائه وفطنته، ومبالغته فِي الْبَحْث عَن أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَنَظره فِي النُّجُوم - على زَعمه - وموافقة من يعده نَظِيره فِي الْعلم على صِحَة نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَيفَ لم يتبعهُ! غير أَن جنود الْهوى بُنيان مرصوص. والدسكرة وَاحِدَة الدساكر: وَهِي الْقُصُور. وحاصوا: نفروا وجالوا، يُقَال: حَاص يحيص: إِذا مَال ملتجئا إِلَى ملْجأ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 (110) كشف الْمُشكل من مُسْند مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة حَدِيث وَثَلَاثَة وَسِتُّونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة عشر. 2286 - / 2895 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: قصرت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمشقص. المشقص: نوع من الجلم يقص بِهِ الشّعْر، وَيُقَال لنصل السهْم إِذا كَانَ طَويلا مشقص أَيْضا. وأصل الشّقص الْقطع والتقسيم. 2287 - / 2896 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن مُعَاوِيَة تنَاول قصَّة من شعر وَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْهَى عَن مثل هَذِه. الْقِصَّة بِضَم الْقَاف: شعر الناصية. وَالْإِشَارَة إِلَى وصل الشّعْر. وَفِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمَّاهُ الزُّور. 2288 - / 2897 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: من يرد الله بِهِ خيرا يفقهه الحديث: 2286 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 فِي الدّين. الْفِقْه: الْفَهم. وَأول مَرَاتِب الْفَقِيه أَن يفهم أصُول الشَّرِيعَة وموضوعها، فَحِينَئِذٍ يتهيأ لَهُ إِلْحَاق فرع بِأَصْل، وتشبيه شَيْء بِشَيْء، فَتَصِح لَهُ الْفَتْوَى، ثمَّ يرتقي إِلَى فهم الْمَقْصُود بِالْعلمِ، فَيصير حِينَئِذٍ من عُمَّال الله تَعَالَى، وَذَلِكَ الْفِقْه النافع. وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ يَقُول: إِنَّمَا الْفَقِيه من يخْشَى الله عز وَجل. وَقَوله: " لَا تزَال عِصَابَة من الْمُسلمين يُقَاتلُون " الْعِصَابَة: الْجَمَاعَة. وناوأهم: عاداهم وخاصمهم. وَهَذِه الْعِصَابَة تَنْقَسِم: فَمِنْهَا المجاهدون فِي الثغور، وَمِنْهَا الآمرون بِالْمَعْرُوفِ من أهل الْخَيْر، وَمِنْهَا الْعلمَاء الَّذين يَذبُّونَ عَن الشَّرْع ويقمعون أهل الْبدع، فَهَؤُلَاءِ كلهم وَإِن أزيل مِنْهُم بالقهر لَهُم، فالعاقبة لَهُم. 2289 - / 2899 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: قَالَ مُعَاوِيَة فِي كَعْب الْأَحْبَار: إِن كَانَ من أصدق المخبرين عَن أهل الْكتاب، وَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك لنبلو عَلَيْهِ الْكَذِب. يَعْنِي أَن الْكَذِب فِيمَا يخبر بِهِ عَن أهل الْكتاب لَا مِنْهُ، فالأخبار الَّتِي يحكيها عَن الْقَوْم يكون بَعْضهَا كذبا، فَأَما كَعْب الْأَحْبَار فَمن كبار الحديث: 2289 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 الأخيار. 2290 - / 2900 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أذن الْمُؤَذّن، فَقَالَ مُعَاوِيَة مثله إِلَى أَن قَالَ: حَيّ على الصَّلَاة، فَقَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا سمعنَا نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول. الْأَذَان فِي اللُّغَة: الْإِعْلَام، فَمَعْنَى أذن الْمُؤَذّن: أعلم الْمعلم. والمؤذن: الْمعلم بأوقات الصَّلَاة. وَقَوله: الله أكبر، فِيهِ قَولَانِ: أَن أكبر بِمَعْنى كَبِير، فتقديره: الله الْكَبِير، فَوضع أفعل مَوضِع فعيل، كَقَوْلِه: {وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ} [الرّوم: 27] ، وأنشدوا: (إِن الَّذِي سمك السَّمَاء بنى لنا ... بَيْتا دعائمه أعز وأطول) وَالثَّانِي: الله أكبر من كل شَيْء فحذفت " من " لوضوح مَعْنَاهَا، قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وَالنَّاس يضمون الرَّاء من قَوْلهم الله أكبر، وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاس يَقُوله بِإِسْكَان الرَّاء، ويحتج بِأَن الْأَذَان سمع مَوْقُوفا غير مُعرب. وَكَذَلِكَ حَيّ على الصَّلَاة. حَيّ على الْفَلاح. وَقَوله: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله. أَي أعلم وَأبين ذَلِك، كَقَوْلِه: {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} [آل عمرَان: 18] أَي بَين لكم وَأعْلمكُمْ. الحديث: 2290 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 وَقَوله: حَيّ على الصَّلَاة: أَي هلموا إِلَى الصَّلَاة وَأَقْبلُوا إِلَيْهَا، وَفتحت الْيَاء من حَيّ لسكونها وَسُكُون الْيَاء الَّتِي قبلهَا، كَمَا قيل: لَيْت وَلَعَلَّ. وَقَول ابْن مَسْعُود: إِذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر مَعْنَاهُ: فَأَقْبَلُوا على ذكر عمر. وَفِي الْفَلاح قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه الْبَقَاء. وَالثَّانِي: الْفَوْز. وَقَوله: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. الْحول: الْحِيلَة. يُقَال: حولق الرجل وحوقل: إِذا قَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. كَمَا يُقَال بسمل: إِذا قَالَ: بِسم الله، وهيلل: إِذا قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، وحيعل: إِذا قَالَ: حَيّ على الصَّلَاة. وَإِنَّمَا قوبلت كَلِمَات الْأَذَان بِمِثْلِهَا؛ لِأَنَّهَا إِقْرَار وَشَهَادَة. فَأَما حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على الْفَلاح، فدعاء للسامع إِلَى الْحُضُور، فَلَا يصلح أَن يُقَابل بِمثلِهِ، وَإِنَّمَا يُقَال: لَا حول: أَي لَا قدرَة لي أَن أُجِيب مَا دعيت إِلَيْهِ إِلَّا بِاللَّه. 2291 - / 2901 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: أَنه بلغ مُعَاوِيَة أَن عبد الله ابْن عَمْرو بن الْعَاصِ يحدث أَنه سَيكون ملك من قحطان. فَغَضب مُعَاوِيَة، فَقَامَ فَقَالَ: إِنَّه بَلغنِي أَن رجَالًا مِنْكُم يتحدثون أَحَادِيث لَيست فِي كتاب الله، وَلَا تُؤثر عَن رَسُول الله، وَأُولَئِكَ جهالكم، فإياكم والأماني الَّتِي تضل أَهلهَا؛ فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " إِن هَذَا الحديث: 2291 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 الْأَمر فِي قُرَيْش، لَا يعاديهم أحد إِلَّا كَبه الله على وَجهه، مَا أَقَامُوا الدّين ". قَوْله: لَا تُؤثر: أَي لَا تروى. والأماني: بِمَعْنى التِّلَاوَة، وأنشدوا: (تمنى كتاب الله أول ليله ... وَآخره لَاقَى حمام المقادر) فَيكون الْمَعْنى: إيَّاكُمْ وَقِرَاءَة مَا فِي الصُّحُف الَّتِي تُؤثر عَن أهل الْكتاب مِمَّا لم يَأْتِ بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكَأَن عبد الله بن عَمْرو قَرَأَ هَذَا من كتاب، وَقد كَانَ ينظر فِي التَّوْرَاة ويحكي عَنْهَا، فَغَضب مُعَاوِيَة، وَلَو كَانَ حدث بِهِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُنكر عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مُتَّهمًا. 2292 - / 2903 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " إِن الله عز وَجل يباهي بكم الْمَلَائِكَة ". المباهاة: الْمُفَاخَرَة، وَمَعْنَاهَا من الله عز وَجل التَّفْضِيل لهَؤُلَاء على الْمَلَائِكَة. 2293 - / 2905 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: قُمْت فِي مقَامي فَصليت، الحديث: 2292 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 فَقَالَ مُعَاوِيَة: أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا توصل صَلَاة حَتَّى نتكلم أَو نخرج. إِنَّمَا أَمر بذلك ليتبين انْفِصَال مَا بَين الصَّلَاتَيْنِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 (111) كشف الْمُشكل من مُسْند الْمُغيرَة بن شُعْبَة شهد الْحُدَيْبِيَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ يلازمه فِي سَفَره وحضره، وَيحمل وضوءه مَعَه. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة حَدِيث وَسِتَّة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ اثْنَا عشر حَدِيثا. 2294 - / 2908 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " يَا مغير، خُذ الْإِدَاوَة " فَتبرز قبل العائط، وَفِي لفظ: وَتَوَضَّأ وَمسح بناصيته وعَلى الْعِمَامَة والخفين، وَأَقْبَلت مَعَه فيجد النَّاس قد قدمُوا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فصلى لَهُم، فَأدْرك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا سلم عبد الرَّحْمَن قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتم صلَاته، فأفزع ذَلِك الْمُسلمين فَأَكْثرُوا التَّسْبِيح، فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ: " أَحْسَنْتُم " يَغْبِطهُمْ أَن صلوا الصَّلَاة لوَقْتهَا. الْإِدَاوَة: إِنَاء من جُلُود كالركوة. وتبرز: خرج وبرز من الْبيُوت. وَالْبرَاز مَفْتُوحَة الْبَاء اسْم للفضاء الْوَاسِع من الأَرْض، كنوا بِهِ عَن حَاجَة الْإِنْسَان، كَمَا كنوا بالخلاء عَنهُ، الحديث: 2294 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 يُقَال: تبرز الرجل: إِذا تغوط. وَقيل: الْغَائِط نَحوه، وَهُوَ الْمَكَان المطمئن. والناصية: مقدم شعر الرَّأْس. وَقَوله: تَوَضَّأ. اشتقاق الْوضُوء من الْوَضَاءَة، وَهِي الْحسن، يُقَال: وَجه وضيء: أَي حسن، من أوجه وضاء، ثمَّ صَار التنظف بِالْمَاءِ نوعا من الْحسن. وَقد سبق بَيَان الْمسْح على الْعِمَامَة فِي مُسْند عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي قبل أوراق، وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. وَإِنَّمَا فزع الْمُسلمُونَ من تقديمهم سوى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وائتمام الرَّسُول بِغَيْرِهِ. ويغبطهم: يحسن لَهُم فعلهم ويمدحهم عَلَيْهِ وَيبين لَهُم أَنه مِمَّا يغبط على مثله. وَقَوله: أَن صلوا: أَي لِأَن صلوا لوَقْتهَا. 2295 - / 2909 - وَقد سبق الحَدِيث الثَّانِي: فِي مُسْند مُعَاوِيَة وَغَيره. 2296 - / 2910 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: مَا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحد عَن الدَّجَّال أَكثر مِمَّا سَأَلته، فَقَالَ: " مَا ينصبك مِنْهُ؟ " قلت: يَا رَسُول الله، إِنَّهُم يَقُولُونَ: إِن مَعَه أَنهَار المَاء وجبال الْخبز، قَالَ: " هُوَ أَهْون على الله من ذَلِك ". الحديث: 2295 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 قَوْله: " ينصبك " أَي يتعب فكرك ويشغل قَلْبك. وَالنّصب: التَّعَب، وَتارَة يكون تَعب الْجِسْم، وَتارَة يكون تَعب الْقلب. فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ قَالَ: " هُوَ أَهْون من ذَلِك " وَقد سبق فِي مُسْند حُذَيْفَة أَن: " مَعَ الدَّجَّال مَاء ونار "؟ فَالْجَوَاب: أَنه تخييل لَا حَقِيقَة، بِدَلِيل تَمام الحَدِيث؛ فَإِنَّهُ قَالَ: " فَالَّذِي يرى النَّاس أَنه نَار فماء بَارِد، وَالَّذِي يرَاهُ النَّاس أَنه مَاء بَارِد فَنَار تحرق " وَفِي الْجُمْلَة فقد أعطي شَيْئا يَسِيرا للفتنة، فَإِن الله تَعَالَى يُقيم الشُّبْهَة فِي مُقَابلَة الْحجَّة، ويفرض على الْعقل الْفرق. 2297 - / 2911 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد " وَقد سبق هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند أبي سعيد. وَفِيه: كَانَ ينْهَى عَن قيل وَقَالَ، وإضاعة المَال، وَكَثْرَة السُّؤَال. وَكَانَ ينْهَى عَن عقوق الْأُمَّهَات، ووأد الْبَنَات، وَمنع وهات. أما قيل وَقَالَ فَالْمُرَاد بِهِ حِكَايَة مَا لَا يعلم صِحَّته؛ فَإِن الحاكي يَقُول: قيل وَقَالَ. وَأما إِضَاعَة المَال فَيكون من وُجُوه أمهاتها أَرْبَعَة: أَحدهمَا: أَن يتْركهُ الحديث: 2297 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 من غير حفظ لَهُ فيضيع. وَالثَّانِي: أَن يتلفه إِمَّا بِتَرْكِهِ إِذا كَانَ طَعَاما حَتَّى يفْسد، أَو يرميه إِن كَانَ يَسِيرا كبرا عَن تنَاول الْقَلِيل، أَو بِأَن يرضى بِالْغبنِ، أَو بِأَن ينْفق فِي الْبناء واللباس والمطعم مَا هُوَ إِسْرَاف. وَالثَّالِث: أَن يُنْفِقهُ فِي الْمعاصِي، فَهَذَا تَضْييع من حَيْثُ الْمَعْنى. وَالرَّابِع: أَن يسلم مَال نَفسه إِلَى الخائن، أَو مَال الْيَتِيم إِلَيْهِ إِذا بلغ مَعَ علمه بتبذيره. أما كَثْرَة السُّؤَال فَفِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا: كَثْرَة السُّؤَال للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ فَإِنَّهُ قد قَالَ: " ذروني مَا تركتكم "؛ فَإِنَّهُ رُبمَا سَأَلُوا فأجيبوا بِمَا لَا يطيقُونَهُ من الْمَفْرُوض. وَالثَّانِي: سُؤال النَّاس؛ فَإِن من قصد سد الْفَاقَة لم يكثر السُّؤَال. وَأما عقوق الْأُمَّهَات فَإِنَّمَا خص الْأُمَّهَات بِالذكر لعظم حقهن، وحقهن مقدم على حق الْأَب كَمَا قدمهن فِي الْبر، وَإِنَّمَا يخص الشَّيْء بِالذكر من بَين جنسه لِمَعْنى فِيهِ يزِيد على غَيره، كَمَا قَالَ: " من رمانا بِاللَّيْلِ فَلَيْسَ منا "؛ وَإِن كَانَ الحكم كَذَلِك بِالنَّهَارِ، وَلَكِن الرَّمْي بِاللَّيْلِ أَشد قبحا ونكاية؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي على غَفلَة. وَأما وأد الْبَنَات فَقَالَ أَبُو عبيد: هُوَ من الموءودة، وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك ببناتهم فِي الْجَاهِلِيَّة، كَانَ أحدهم رُبمَا ولدت لَهُ الْبِنْت فيدفنها وَهِي حَيَّة حِين تولد، وَلِهَذَا كَانُوا يسمون الْقَبْر صهرا: أَي قد زَوجهَا مِنْهُ، قَالَ الشَّاعِر: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 (سميتها إِذْ ولدت تَمُوت ... ) (والقبر صهر ضَامِن زميت ... ) (لَيْسَ لمن ضمنه تربيت ... ) (يَا بنت شيخ مَا لَهُ سبروت ... ) أَي قَلِيل، من قَوْلهم: أَرض سباريت: وَهِي الَّتِي لَا شَيْء فِيهَا. وَقَوله: وَمنع وهات، يَعْنِي منع مَا على الْإِنْسَان من الْحُقُوق والواجبات وَطلب مَا لَا يحل لَهُ أَخذه من أَمْوَال النَّاس. قَالَ ابْن مَنْصُور: قلت لِأَحْمَد بن حَنْبَل: مَا معنى منع وهات؟ قَالَ: أَن تمنع مَا عنْدك، وَلَا تصدق، وَلَا تُعْطِي، وتمد يدك فتأخذ من النَّاس. 2298 - / 2912 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: قَالَ سعد بن عبَادَة: لَو رَأَيْت رجلا مَعَ امْرَأَتي لضربته بِالسَّيْفِ غير مصفح. الْمَعْنى: غير ضَارب بصفحة السَّيْف. وصفحتاه: وجهاه، وَأَرَادَ أَنِّي كنت أضربه بحده. وَقَول بعض الروَاة: غير مصفح عَنهُ، غلط؛ لِأَنَّهُ الحديث: 2298 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 رَوَاهُ بِالْمَعْنَى، وظنه من الصفح الَّذِي هُوَ الْعَفو فَزَاد فِيهِ لَفْظَة: عَنهُ. وَقد تكلمنا فِي مُسْند ابْن مَسْعُود فِي معنى غيرَة الله عز وَجل، وَمعنى: مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن. وَأما قَوْله: " وَلَا شخص أغير من الله " فالشخص هَاهُنَا يرجع إِلَى الْأَشْخَاص المخلوقين، لَا أَن الله عز وَجل يُقَال لَهُ شخص، فَكَأَن الْمَعْنى: لَيْسَ مِنْكُم أَيهَا الْأَشْخَاص أغير من الله. وَمثل هَذَا قَوْله: مَا خلق الله من سَمَاء وَلَا أَرض أعظم من آيَة الْكُرْسِيّ. والخلق رَاجع إِلَى الْمَخْلُوقَات، وَالْمعْنَى: أَن آيَة الْكُرْسِيّ أعظم من جَمِيع الْمَخْلُوقَات، وَكَذَلِكَ قَالَ الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل فِي حَدِيث آيَة الْكُرْسِيّ. وَقد انزعج لهَذِهِ اللَّفْظَة الْخطابِيّ فَقَالَ: الشَّخْص لَا يكون إِلَّا جسما مؤلفا، وَإِنَّمَا يُسمى شخصا مَا كَانَ لَهُ شخوص وارتفاع، وَمثل هَذَا النَّعْت منفي عَن الله تَعَالَى، وخليق أَن تكون هَذِه اللَّفْظَة غير صَحِيحَة، أَو أَن تكون تصحيفا من الرَّاوِي. قَالَ: وَقد رَوَاهُ أَبُو عوَانَة عَن عبد الْملك وَلم يذكر هَذِه اللَّفْظَة، وَقد روته أَسمَاء بنت أبي بكر فَقَالَت: " لَا شَيْء أغير من الله " قَالَ: فالشخص وهم وتصحيف، وَلَيْسَ كل الروَاة يراعون اللَّفْظ؛ بل مِنْهُم من يحدث بِالْمَعْنَى، وَلَيْسَ كلهم بفقيه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 قلت: أما قَول الْخطابِيّ: قد رَوَاهُ أَبُو عوَانَة فَلم يذكر فِيهِ هَذِه اللَّفْظَة فغلط؛ فَإِن فِي حَدِيث القواريري وَأبي كَامِل وَالطَّيَالِسِي والمقدمي كلهم عَن أبي عوَانَة عَن عبد الْملك: " وَلَا شخص " وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث زَائِدَة عَن عبد الْملك: " وَلَا شخص " وَمَعَ مَا بَينا ينْكَشف الْإِشْكَال وَلَا يبْقى انزعاج. وَإِذا حمل على أَنه من بعض الروَاة كَانَ وَجها حسنا. وَقد سبق مَا بعد هَذَا إِلَى: 2299 - / 2915 - الحَدِيث الثَّامِن: أول من نيح عَلَيْهِ بِالْكُوفَةِ قرظة ابْن كَعْب. هَذَا رجل من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ قرظة بن كَعْب بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ. وَقد تكلمنا فِي تَعْذِيب الْمَيِّت بالنياحة فِي مُسْند عمر. وَفِي هَذَا الحَدِيث: " من حدث عني بِحَدِيث يرى أَنه كذب " وَقد سبق فِي مُسْند سَمُرَة. 2300 - / 2916 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: أَن عمر استشارهم فِي إملاص الْمَرْأَة، فَقَالَ الْمُغيرَة: قضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالغرة: عبد أَو أمة. أملصت الْمَرْأَة: رمت وَلَدهَا، إملاصا، وأملص الشَّيْء من يَدي: الحديث: 2299 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 أفلت، وملص الرشاء يملص، وكل مَا زلق من الْيَد فقد ملص ملصا، وَأنْشد الْأَحْمَر: (فر وَأَعْطَانِي رشاء ملصا ... ) يَعْنِي: رطبا يزلق من الْيَد. وَالْمرَاد بِالْحَدِيثِ الْمَرْأَة تضرب فِي بَطنهَا فتلقي جَنِينهَا. وَإِنَّمَا سمي إملاصا لِأَن الْمَرْأَة تزلقه قبل وَقت الْولادَة. وَقد تكلمنا على هَذَا الحَدِيث وَحكمه فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. وَقَوله: " أسجع كسجع الْأَعْرَاب؟ " لَيْسَ يذم نفس السجع؛ إِنَّمَا كَانَ حكامهم يسجعون ليدفعوا الْحُقُوق بكلماتهم المرصوفة , قَالَ ابْن عقيل: إِنَّمَا أنكر عَلَيْهِم جعل السجع فِي الِاحْتِجَاج وَالسُّؤَال والاعتراض، وَصَاحب الْمَسْأَلَة يَنْبَغِي أَن يكون قَصده الْبَيَان، فَأنْكر السجوع المخالطة للحجة والتكلف. 2301 - / 2917 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ: بعث عمر النَّاس فِي أفناء الْأَمْصَار يُقَاتلُون. أفناء الْأَمْصَار: نَوَاحِيهَا. الحديث: 2301 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 والشدخ: كسر الشَّيْء الأجوف. والأرواح: الرِّيَاح. وَكَأَنَّهُ انْتظر بِالرِّيحِ أَن تهب لَهُ، فقد قَالَ تَعَالَى: {وَتذهب ريحكم} [الْأَنْفَال: 46] ، وانتظر وَقت الصَّلَاة لِأَنَّهُ وَقت تفتح فِيهِ أَبْوَاب السَّمَاء ويستجاب الدُّعَاء. 2302 - / 2919 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي من أَفْرَاد مُسلم: " من أدنى أهل الأَرْض منزلَة؟ " أَي أدون وَأَقل. وَقَوله: " وَأخذُوا أخذاتهم " أَي نزلُوا مَنَازِلهمْ. الحديث: 2302 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 (112) كشف الْمُشكل من مُسْند عَمْرو بن الْعَاصِ وَعَامة أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: ابْن الْعَاصِ بِغَيْر يَاء، وَهُوَ خطأ، وَالَّذِي حفظناه عَن أهل اللُّغَة، مِنْهُم أَبُو مُحَمَّد بن الخشاب إِثْبَات الْيَاء، أسلم قبيل الْفَتْح. وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِسْعَة وَثَلَاثُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سِتَّة أَحَادِيث. 2303 - / 2921 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الثَّانِي: " وَلَكِن لَهُم رحم أبلها بِبلَالِهَا ". أبلها من البلل والنداوة: أَي أنديها بالصلة وَالْبر، وَهَذِه اسْتِعَارَة وَقد سبق بَيَان هَذَا الحَدِيث. 2304 - / 2922 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " إِذا حكم الْحَاكِم فاجتهد ثمَّ أصَاب فَلهُ أَجْرَانِ، وَإِذا حكم واجتهد فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر ". الحديث: 2303 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وسع الْإِنْسَان سوى الِاجْتِهَاد، فَمَا خلا الْمُجْتَهد من أجر. فَإِن قيل: فقد تساوى الِاجْتِهَاد فِي مَوضِع الْإِصَابَة وَمَوْضِع الْخَطَأ، فَلم ضوعف الْأجر هُنَاكَ؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الْمُخطئ وَإِن كَانَ مُجْتَهدا فَفِي اجْتِهَاده تَقْصِير، فَلَو أمعن فِي طلب الْأَدِلَّة لوقع بِالصَّوَابِ، فقصر فِي أجره لتَقْصِيره فِي الطّلب. وَالثَّانِي: أَن الْمُصِيب موفق، والموفق مصطفى، فضوعف لَهُ الْأجر لمَكَان اصطفائه، كَمَا ضوعف الْأجر لهَذِهِ الْأمة دون سَائِر الْأُمَم. 2305 - / 2923 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " فصل مَا بَين صيامنا وَصِيَام أهل الْكتاب أَكلَة السحر ". اعْلَم أَن الْأكل فِي ليَالِي الصَّوْم كَانَ مُبَاحا لأهل الْكتاب مَا لم يَنَامُوا، فَإِذا نَامُوا حرم عَلَيْهِم، وَكَذَلِكَ كَانَ فِي أول الْإِسْلَام حَتَّى نزل قَوْله تَعَالَى: {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض} [الْبَقَرَة: 187] وَقد سبق شرح هَذَا. فندب الشَّرْع إِلَى السّحُور لسِتَّة أوجه: أَحدهَا: اسْتِعْمَال رخصَة الشَّرْع فِي قَوْله: {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود من الْفجْر} ، وَفِي الحَدِيث: " إِن الله تَعَالَى يحب أَن يُؤْخَذ بِرُخصِهِ كَمَا يحب أَن يُؤْخَذ بِعَزَائِمِهِ. الحديث: 2305 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 وَالثَّانِي: لظُهُور الْفرق؛ فَإِن صَاحب الشَّرْع كَانَ يَأْمر بمخالفة أهل الْكتاب. وَالثَّالِث: لبَيَان أَن هَذَا الدّين سمح سهل. وَالرَّابِع: ليظْهر رفق الْحق بِهَذِهِ الْأمة فيبدو أثر حبه لَهَا فِي اللطف بهَا. وَالْخَامِس: ليتقوى الصَّائِم على أَدَاء الْفَرْض. وَالسَّادِس: لدفع مَا يُوجب التأفف بالتكليف. 2306 - / 2924 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: إِن أفضل مَا نعد شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله. بعض قرأة الحَدِيث يَقُول: أفضل مَا تعد بِالتَّاءِ الْمَفْتُوحَة؛ لِأَن ابْنه ذكره لَهُ أَشْيَاء، وَالصَّوَاب نعد بالنُّون وَكسر الْعين. والاطباق: الْأَحْوَال، وَاحِدهَا طبق. وَقَوله: فسنوا عَليّ التُّرَاب سنا: أَي صبوه صبا. وَالسّن: الصب مَعَ تَفْرِيق. وَقَوله: حَتَّى أستأنس بكم. وَقد سبق فِي مُسْند أنس وَغَيره أَن الْمَيِّت يسمع خَفق النِّعَال إِذا ولوا، وَإِذا كَانَ كَذَلِك حسن أَن يَقُول: حَتَّى أستأنس بكم. وَالْمرَاد بالرسل هُنَا مُنكر وَنَكِير. الحديث: 2306 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 (113) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أسلم قبل أَبِيه، وَكَانَ متعبدا زاهدا، وَاسْتَأْذَنَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كِتَابَة مَا يسمع مِنْهُ فَأذن لَهُ. وَجُمْلَة مَا ضبط عَنهُ سَبْعمِائة حَدِيث، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا. 2307 - / 2925 - فَفِي الحَدِيث الأول: " أَربع من كن فِيهِ كَانَ منافقا خَالِصا: إِذا اؤتمن خَان، وَإِذا حدث كذب، وَإِذا عَاهَدَ غدر، وَإِذا خَاصم فجر "، وَفِي رِوَايَة: " إِذا وعد أخلف " مَكَان قَوْله: " إِذا اؤتمن خَان ". هَذَا الحَدِيث قد سبق فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة قبل الْأَرْبَعين وَمِائَة، وَبينا هُنَالك معنى النِّفَاق، إِلَّا أَن فِي هَذَا الحَدِيث زِيَادَة، وَهِي: " إِذا عَاهَدَ غدر، وَإِذا خَاصم فجر ". والعهد: العقد، يُقَال: عَاهَدَ فلَان: أَي عقد عقدا يُوجب عَلَيْهِ الْقيام بِمَا ضمن. والغدر: نقض الْعَهْد. والفجور: الْخُرُوج عَن الْحق والانبعاث فِي الْبَاطِل. الحديث: 2307 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 2308 - / 2926 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: لم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاحِشا وَلَا متفحشا. الْفَاحِش: ذُو الْفُحْش، وَالْفُحْش: زِيَادَة الشَّيْء على المألوف من مِقْدَاره. والمتفحش: الَّذِي يتَكَلَّف ذَلِك ويتعمده. 2309 - / 2928 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنِّي أَقُول: وَالله لأصومن النَّهَار ولأقومن اللَّيْل مَا عِشْت. فَقَالَ: " أَنْت الَّذِي تَقول ذَلِك؟ ". لما أقسم على فعل نَافِلَة وَلم يسْتَثْن زمَان مرض أَو ضعف صلح أَن يُنكر عَلَيْهِ فَيَقُول: " أَنْت الَّذِي تَقول ذَلِك؟ " وَحقّ الْجَسَد اللطف بِهِ، فَإِنَّهُ كالراحلة ترَاد للتبليغ، فَإِذا لم يرفق بهَا لم تبلغ، وَكَذَلِكَ الْعين إِذا لم يرفق بهَا ضعفت وَذَهَبت فتأذى الْبدن، وإدامة الصَّوْم والتعبد يُؤثر فِيهَا. وَالزَّوْج يُرَاد بِهِ الْمَرْأَة، وَفِيه لُغَتَانِ: زوج وَزَوْجَة، إِلَّا أَن حذف الْهَاء أفْصح، وَبهَا ورد الْقرَان. وَمَتى أجهد الرجل نَفسه فِي الْعِبَادَة ضعف عَن قَضَاء حق الْمَرْأَة. والحظ: النَّصِيب، وَجمع الْحَظ أحاظ على غير قِيَاس. والزور: الْجَمَاعَة الزائرون، وَيُقَال ذَلِك للْوَاحِد وَالْجَمَاعَة. الحديث: 2308 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 وَقد دلّ هَذَا على أَنه يسْتَحبّ لمن نزل بِهِ ضيف أَن يفْطر مُوَافقَة لَهُ؛ لِئَلَّا يقصر فِي الْأكل. وَأما صَوْم دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ صَوْم يَوْم وإفطار يَوْم , وَفِيه لطف من وَجه ومشقة من وَجه: أما اللطف فَإِنَّهُ بإفطار يَوْم يتقوى ليَوْم الصَّوْم , وَأما الْمَشَقَّة فَإِن النَّفس تسكن إِلَى الْإِفْطَار فتصوم، وتسكن إِلَى الصَّوْم فتفطر. قَوْله: " كَانَ أعبد النَّاس " قد بَين عِبَادَته فِي صَوْمه وتهجده، فَجمع بَين التَّعَبُّد والرفق بِالنَّفسِ. وَقَوله: " كَانَ لَا يفر إِذا لَاقَى " المُرَاد أَنه كَانَ يستبقي قوته للْجِهَاد، فَكَأَنَّهُ أمره باستبقاء قوته للْجِهَاد وَغَيره من الْحُقُوق. وَقَوله: " اقْرَأ الْقُرْآن فِي سبع " وَذَلِكَ أَن المُرَاد من الْقِرَاءَة التدبر. وَقَوله: " هجمت لَهُ الْعين " أَي غارت وَدخلت، مِنْهُ: هجمت على الْقَوْم: دخلت عَلَيْهِم، وهجم عَلَيْهِم الْبَيْت: سقط. ونهكت: جهدت. و" نفهت لَهُ النَّفس " أَي أعيت وكلت، وَيُقَال للمعيى: نافه ومنفه، قَالَ رؤبة: (بِهِ تمطت غول كل ميله ... ) (بِنَا مراجيح المهاري النفه ... ) وميله: يَعْنِي الْبِلَاد الَّتِي يوله النَّاس فِيهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 وَقَوله: " لَا صَامَ من صَامَ الْأَبَد " قد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند أبي قَتَادَة. وَقَوله: " ذَات حسب " قد سبق شرح الْحسب فِي مُسْند أبي سُفْيَان بن حَرْب. والكنة: امْرَأَة الْوَلَد. والكنف: السّتْر. وَإِنَّمَا قَالَ: يَا لَيْتَني أخذت بِالرُّخْصَةِ؛ لِأَنَّهُ كره أَن يُفَارق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عَزِيمَة ثمَّ يتَغَيَّر عَنْهَا، لَا أَن ذَلِك يجب عَلَيْهِ. وَقد سبق شرح مَا بعد هَذَا. 2310 - / 2933 - والْحَدِيث التَّاسِع: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 2311 - / 2935 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: ذكر الْحَوْض: " مَاؤُهُ أَبيض من الْوَرق، من شرب بِهِ فَلَا يظمأ ". الْوَرق: الْفضة. والظمأ: الْعَطش. الحديث: 2310 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 و " بِهِ " بِمَعْنى مِنْهُ، كَقَوْلِه تَعَالَى: {عينا يشرب بهَا عباد الله} [الْإِنْسَان: 6] ، وأنشدوا: (شربت بِمَاء الدحرضين فَأَصْبَحت ... زوراء تنفر عَن حِيَاض الديلم) 2312 - / 2936 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: أرهقتنا الصَّلَاة. أَي قربت منا فاستعجلنا إِلَيْهَا. يُقَال: رهقه الْأَمر: إِذا غشيه، وَقد رَوَاهُ الْخطابِيّ: أَرْهقنَا الصَّلَاة، وَقَالَ: مَعْنَاهُ: أخرناها، وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيح؛ لِأَنَّهُ فِي بعض أَلْفَاظ الصَّحِيح: أرهقتنا الْعَصْر. وَفِي لفظ: وَقد حضرت صَلَاة الْعَصْر. 2313 - / 2937 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: أَي الْإِسْلَام خير؟ قَالَ: " تطعم الطَّعَام ". أَرَادَ: أَي الْأَفْعَال فِي الْإِسْلَام أَكثر أجرا. 2314 - / 2938 - وَالرَّابِع عشر: قد تقدم فِي مُسْند أبي بكر. وَقد سبق مَا بعده. 2315 - / 2940 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: " الْمُسلم من سلم الحديث: 2312 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 الْمُسلمُونَ من يَده وَلسَانه ". الْمَعْنى: إِن هَذَا هُوَ الْمُسلم الْكَامِل، كَمَا تَقول الْعَرَب: المَال الْإِبِل: أَي هِيَ أفضل الْأَمْوَال. وَالشعر زُهَيْر، والجود حَاتِم. وَالْمرَاد: إِن سلم الْمُسلمُونَ من لِسَانه وَيَده فَهُوَ الَّذِي قَامَ بِحُقُوق الْإِسْلَام؛ لِأَنَّهُ عمل بِمُقْتَضى مَا قَالَ، وَنَظِير هَذَا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم} [الْأَنْفَال: 2] ، فَلَمَّا وَصفهم بأعمال الْمُؤمنِينَ قَالَ: {أُولَئِكَ هم الْمُؤْمِنُونَ حَقًا} [الْأَنْفَال: 4] ، وَكَذَلِكَ المُهَاجر الممدوح حَقًا هُوَ الَّذِي جمع إِلَى هِجْرَة وَطنه هجران المناهي. 2316 - / 2941 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: لما كَانَ بَين عبد الله بن عَمْرو وَعبد الله بن عَنْبَسَة بن أبي سُفْيَان مَا كَانَ تيسروا لِلْقِتَالِ، فَركب خَالِد بن الْعَاصِ إِلَى عبد الله فوعظه، فَقَالَ عبد الله: أما علمت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد "؟ . ظَاهر هَذِه الْخُصُومَة أَنَّهَا كَانَت على شَيْء من المَال، وَقد روينَا أَن مُعَاوِيَة أَرَادَ أَن يَأْخُذ أَرضًا لعبد الله. وتيسروا: تهيؤوا لِلْقِتَالِ. وَإِنَّمَا جعل الْمَقْتُول على المدافعة عَن مَاله شَهِيدا لِأَنَّهُ مَأْذُون لَهُ فِي المدافعة عَن مَاله، فَإِذا قتل كَانَ مَظْلُوما. الحديث: 2316 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 2317 - / 2942 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: قَول قُرَيْش: سفه أَحْلَامنَا: أَي نسب عقولنا إِلَى السَّفه، وَهُوَ خفَّة الْعقل، يُقَال: ثوب سَفِيه: إِذا كَانَ رَقِيقا بَالِيًا، وأنشدوا: (فمادت كَمَا مادت ريَاح تسفهت ... أعاليها مر الرِّيَاح النواسم) وَقَوله: غَمَزُوهُ: أَي نالوا مِنْهُ بألسنتهم. وَالذّبْح: الْقَتْل. وَقَوله: كَأَنَّمَا على رَأسه طَائِر. لِأَنَّهُ إِذا تحرّك ذهب الطَّائِر. وَقَوله: أَشَّدهم فِيهِ وصاة: أَي إِن أَشد من كَانَ يُوصي غَيره بأذاه. يرفؤه: يسكنهُ ويلين لَهُ القَوْل ويترضاه، وَالْأَصْل الْهَمْز، وَقد يُخَفف، يُقَال: رفوت الرجل ورفأته: إِذا سكنته من غضب. وَأما مَا نهى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُقَال للمتزوج: بالرفاء والبنين، فَإِن الرفاء يكون بمعنيين: أَحدهمَا من الِاتِّفَاق وَحسن الِاجْتِمَاع، وَمِنْه أَخذ رفء الثَّوْب؛ لِأَنَّهُ يرفأ فيضم بضعه إِلَى بعض ويلأم بَينه. وَيكون من الهدوء والسكون، قَالَ أَبُو خرَاش: (رفوني وَقَالُوا: يَا خويلد لم ترع ... فَقلت وَأنْكرت الْوُجُوه: هم هم) الحديث: 2317 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 وَحكى أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ: الرفاء: الْمُوَافقَة، وهى المرافاة بِلَا همز، وأنشدوا: (وَلما أَن رَأَيْت أَبَا رُوَيْم ... يرافينى وَيكرهُ أَن يلاما) وَلما كَانَ من عَادَة الْجَاهِلِيَّة أَن يَقُولُوا: بالرفاء والبنين نهى عَن ذَلِك؛ لِأَنَّهُ قد لَا يكون ذَلِك. وَقد قَالَ رجل لرجل ولد لَهُ: لِيَهنك الْفَارِس. فَقَالَ لَهُ الْحسن: وَمن أَيْن لَك أَنه فَارس؟ . وَقَوله: انْصَرف راشدا: أَي مَحْفُوظًا عَن أَن تخاطب بمكروه. وَقَوله: بمجمع الرِّدَاء: وَهُوَ مَا اجْتمع مِنْهُ حول الْعُنُق. 2318 - / 2943 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: فِي صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّوْرَاة: إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا وَمُبشرا، وحرزا للأميين. أَي حَافِظًا لدينهم، وَالْمرَاد الْعَرَب، وَسموا بالأميين لِأَن الْكِتَابَة كَانَت فيهم قَليلَة، وكل من لَا يكْتب وَلَا يقْرَأ أُمِّي، نسب بذلك إِلَى أمه. وَقَوله: لَيْسَ بِفَظٍّ. أصل الْفظ مَاء الكرش يعتصر فيشرب عِنْد عوز المَاء. وَسمي فظا لكَرَاهَة طعمه وَغلظ مشربه. والغليظ: الجافي القاسي الْقلب. والسخاب يرْوى بِالسِّين وَالصَّاد. والصخب: الصياح والجلبة. وَالْمعْنَى: لَيْسَ مِمَّن ينافس فِي الدُّنْيَا وَجَمعهَا، فيحضر الْأَسْوَاق لأَجلهَا الحديث: 2318 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 ويصخب مَعَ أَصْحَابهَا فِي ذَلِك. وَالْملَّة العوجاء: مَا كَانَت عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة من جحد التَّوْحِيد وَعبادَة الْأَصْنَام. والغلف: الَّتِي كَأَنَّهَا فِي غلاف لَا تصل إِلَى فهم شَيْء من الْخَيْر. 2319 - / 2944 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " من قتل معاهدا لم يرح رَائِحَة الْجنَّة ". اخْتلفت الرِّوَايَة فِي يرح على ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: يرح بِفَتْح الْيَاء وَكسر الرَّاء. وَالثَّانِي: بِضَم الْيَاء وَكسر الرَّاء. وَالثَّالِث: بِفَتْح الْيَاء وَالرَّاء، وَهِي اخْتِيَار أبي عبيد، وَهِي الصَّحِيحَة، فَيُقَال: رحت الشَّيْء أراحه وأريحه، وأرحته أريحه: إِذا وجدت رِيحه. والمعاهد: الْمُشرك الَّذِي يَأْخُذ من الْمُسلمين عهدا، فَوَاجِب حفظ مَا عوهد عَلَيْهِ. 2320 - / 2945 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " لَيْسَ الْوَاصِل بالمكافئ، وَلَكِن الْوَاصِل الَّذِي إِذا قطعت رَحمَه وَصلهَا ". اعْلَم أَن المكافئ مُقَابل الْفِعْل بِمثلِهِ. والواصل للرحم لأجل الله تَعَالَى يصلها تقربا إِلَيْهِ وامتثالا لأَمره وَإِن قطعت، فَأَما إِذا وَصلهَا حِين تصله فَذَاك كقضاء دين، وَلِهَذَا الْمَعْنى قَالَ: " أفضل الصَّدَقَة على ذِي الرَّحِم الحديث: 2319 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 الْكَاشِح "، وَهَذَا لِأَن الْإِنْفَاق على الْقَرِيب المحبوب مشوب بالهوى , فَأَما على الْمُبْغض فَهُوَ الَّذِي لَا شوب فِيهِ. 2321 - / 2946 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " الْكَبَائِر الْإِشْرَاك بِاللَّه، وعقوق الْوَالِدين، وَقتل النَّفس، وَالْيَمِين الْغمُوس ". العقوق من العق: وَهُوَ الْقطع والشق. والغموس: الَّتِي تغمس صَاحبهَا فِي الْإِثْم ثمَّ فِي النَّار، وَصفَة هَذِه الْيَمين أَن يَقُول: وَالله مَا فعلت، وَقد فعل. أَو: لقد فعلت، وَمَا فعل. وَقد اخْتلفت الْعلمَاء: هَل تجب الْكَفَّارَة بِهَذِهِ الْيَمين؟ وفيهَا رِوَايَتَانِ عَن أَحْمد: المنصورة أَنَّهَا لَا تجب؛ لِأَنَّهَا أعظم من أَن تكفر. وَالثَّانيَِة: تجب كَقَوْل الشَّافِعِي. وَاعْلَم أَن الْمَذْكُور من الْكَبَائِر فِي هَذَا الحَدِيث كَأَنَّهُ أُمَّهَات الْكَبَائِر. وَقد سبق فِي مُسْند ابْن مَسْعُود وَأبي بكرَة وَأبي هُرَيْرَة وَغَيرهم ذكر أَشْيَاء من الْكَبَائِر، وَكَأَنَّهُ يذكر مَا يعظم أمره، وكل الْمَذْكُور باسم الْكَبَائِر عَظِيم، وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي الْكَبَائِر وأطالوا الْكَلَام فِيهَا على مَا ذكرته فِي " التَّفْسِير "، وَقد أَشرت إِلَى ذَلِك فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. الحديث: 2321 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 2322 - / 2947 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: منيحة العنز. وَقد سبق بَيَان المنيحة، وَأَنَّهَا الْعَطِيَّة، وَقد تكون هبة للْأَصْل، وَقد تكون هبة للمنافع. 2323 - / 2948 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " حدثوا عَن بني إِسْرَائِيل وَلَا حرج "، وَقد تقدم فِي مُسْند أبي سعيد الْخُدْرِيّ. و" من كذب عَليّ " قد تقدم فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. 2324 - / 2949 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: كَانَ على ثقل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل يُقَال لَهُ كركرة فَمَاتَ , فَقَالَ: " هُوَ فِي النَّار " فوجدوا عباءة قد غلها. الثّقل: الْمَتَاع الْمَحْمُول فِي السّفر مِمَّا يَسْتَعْمِلهُ الْمُسَافِر. وَبَعض الروَاة يَقُول: كركرة بِكَسْر الْكَاف، وَبَعْضهمْ يفتحها. والعباءة والعباية: ضرب من الأكسية. وَقد سبقت قصَّة هَذَا الرجل فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. الحديث: 2322 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 2325 - / 2950 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " إِن المقسطين على مَنَابِر من نور ". المقسط: الْعَادِل، والقاسط: الجائر. 2326 - / 2951 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنزلنا منزلا، فمنا من يصلح خباءه، وَمنا من ينتضل، وَمنا من هُوَ فِي جشره. قَالَ أَبُو عبيد: الخباء من وبر أَو صوف، وَلَا يكون من شعر. وينتضل " يفتعل " من النضال، وَهُوَ الرَّمْي بِالسِّهَامِ، يُقَال: نضل فلَان فلَانا فِي المراماة: إِذا غَلبه. وَأما الجشر فَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُرِيد بِهِ أَنهم أخرجُوا دوابهم من الْمنزل الَّذِي نزلوه يرعونها قرب الْبيُوت. والجشر: أَن يخرج الْقَوْم دوابهم من الْمنَازل يرعونها، يُقَال: بَنو فلَان جشر: إِذا كَانُوا يُقِيمُونَ فِي المرعى لَا يرجعُونَ إِلَى الْبيُوت كل لَيْلَة، قَالَ عُثْمَان بن عَفَّان: لَا يَغُرنكُمْ جشركم من صَلَاتكُمْ، يُرِيد عُثْمَان أَن هَذَا لَيْسَ بسفر فَلَا تقصرُوا فِيهِ الصَّلَاة. وَقَوله: " تَجِيء فتْنَة يزلق بَعْضهَا بَعْضًا " أَي يدْفع بَعْضهَا بَعْضًا، كَأَن الثَّانِيَة تزحم الأولى لعجلة وُرُودهَا عَلَيْهَا، يُقَال: مَكَان مزلق: أَي لَا تثبت عَلَيْهِ قدم. الحديث: 2325 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 ويرهق: يغشى، وَيقرب بَعْضهَا من بعض. وَقَوله: " من بَايع إِمَامًا فَأعْطَاهُ صَفْقَة يَده وَثَمَرَة قلبه " صَفْقَة الْيَد: الْمُبَايعَة: وَثَمَرَة الْقلب: الْإِخْلَاص فِي المعقد والمعاهدة. قَوْله: " فَإِن جَاءَ آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر " قد سبق فِي مُسْند أبي سعيد معنى هَذَا، وَأَن المُرَاد: قَاتلُوهُ، فَإِن آل الْأَمر إِلَى قَتله جَازَ. وَقَوله: هَذَا ابْن عمك - يُشِير إِلَى مُعَاوِيَة. 2327 - / 2953 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا، وَخُرُوج الدَّابَّة، وَكِلَاهُمَا قد تقدم فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. 2328 - / 2954 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ ثَوْبَيْنِ معصفرين، فَقَالَ: " أمك أَمرتك بِهَذَا؟ " قلت: أغسلهما؟ قَالَ: " بل احرقهما " وَفِي لفظ: " إِن هَذِه من ثِيَاب الْكفَّار ". الثِّيَاب المعصفرة لَيست من ملابس الرِّجَال، وَإِنَّمَا تلبسها النِّسَاء، فَإِذا لبسهَا الرجل تشبه بِالْمَرْأَةِ، وَقد لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المتشبهين من الرِّجَال بِالنسَاء، ولعلها قد كَانَت من ملابس الرّوم أَو فَارس، فَلذَلِك قَالَ: " من ثِيَاب الْكفَّار ". الحديث: 2327 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 وَقَوله: " احرقها " مُبَالغَة فِي النَّهْي عَنْهُمَا لَا أَنه أَرَادَ الإحراق حَقِيقَة. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لهَذَا الرجل: " إِن ثَوْبك هَذَا لَو كَانَ فِي تنور أهلك أَو تَحت قدر أهلك لَكَانَ خيرا لَك " فَذهب الرجل، فَلَا يدرى، أجعله فِي التَّنور أَو تَحت الْقدر، ثمَّ غَدا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " مَا فعل الثَّوْب؟ " قَالَ: صنعت مَا أَمرتنِي بِهِ. فَقَالَ: " مَا كَذَا أَمرتك، أَفلا أَلقيته على بعض نِسَائِك؟ ". قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّك لَو بِعته ثمَّ اشْتريت بِثمنِهِ دَقِيقًا تخبزه وحطباً توقده لَكَانَ خيرا لَك من أَن تلبسه، وَلم يرد إحراقه، لِأَن ذَلِك فَسَاد، فَلَمَّا أحرقه الرجل قَالَ: " مَا كَذَا أَمرتك " أَفلا إِذْ لم تفهم مَا أَمرتك بِهِ كسوته بعض نِسَائِك، وَهَذَا لِأَن المعصفر مَكْرُوه للرِّجَال وَلَيْسَ بمكروه للنِّسَاء. 2329 - / 2955 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " سلوا الله لي الْوَسِيلَة ". الْوَسِيلَة: الْقرْبَة والمنزلة عِنْد الله عز وَجل. وَكَأن الْمنزلَة الَّتِي ذكرهَا فِي الْجنَّة ثَمَرَة الْقرب إِلَى الله والمنزلة عِنْده. 2330 - / 2956 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا: {رب إنَّهُنَّ أضللن كثيرا من النَّاس} [إِبْرَاهِيم: 36] . الحديث: 2329 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 الْإِشَارَة إِلَى الْأَصْنَام، وَإِنَّمَا نسب الإضلال إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَت سَببا للضلال، فَكَأَنَّهَا أضلت. 2331 - / 2957 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: " لَا يدخلن رجل على مغيبة ". المغيبة: الْمَرْأَة الَّتِي غَابَ عَنْهَا زَوجهَا، يُقَال: أغابت الْمَرْأَة، فَهِيَ مغيبة. 2332 - / 2958 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: " يُرْسل الله ريحًا من قبل الشَّام فَلَا يبْقى أحد فِي قلبه مِثْقَال ذرة إِلَّا قَبضته، حَتَّى لَو أَن أحدكُم دخل فِي كبد جبل لدخلته عَلَيْهِ ". كبد جبل اسْتِعَارَة، وَالْمرَاد مَا غمض من بَاطِنه. وَقَوله: " فِي خفَّة الطير وأحلام السبَاع " الْإِشَارَة بخفة الطير إِلَى سرعَة حركته وطيرانه. والأحلام: الْعُقُول. والسبع لَا يردهُ عقله عَن الافتراس والقهر، فَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى مبادرتهم إِلَى قهر النَّاس وظلمهم من غير عقل صَاد عَن غَرَض. وَقَول الشَّيْطَان للنَّاس: " أَلا تستحيون " أَي من كونكم لَا تَعْبدُونَ إِلَهًا، وَهَذَا من خَفِي مكره، فَإِذا مالوا إِلَى قَوْله أَشَارَ عَلَيْهِم بالأصنام. والصور: قرن ينْفخ فِيهِ فَيَمُوت النَّاس عِنْد النفخ، لَا بِهِ، وَإِنَّمَا النفخ كالتنبيه لمن يسمع، لذَلِك الْحَيَاة تكون عِنْده لَا بِهِ، وَلَو كَانَت النفخة الحديث: 2331 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 توجب الْمَوْت لما أوجبت الْحَيَاة؛ لِأَن الشَّيْء لَا يُوجب ضدين. وأصغى: بِمَعْنى مَال بسمعه. والليت: صفحة الْعُنُق، وهما ليتان من جَانِبي الْعُنُق. ويليط حَوْضه: أَي يطينه بالطين ويسد خروقه. ويصعق: بِمَعْنى يَمُوت. والطل: أَضْعَف الْمَطَر. وَأما الظل بالظاء فتصحيف مِمَّن رَوَاهُ. وَقد سبق معنى: " يكْشف عَن سَاق " فِي مُسْند أبي سعيد الْخُدْرِيّ. 2333 - / 2959 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: هجرت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسمع صَوت رجلَيْنِ اخْتلفَا فِي آيَة، فَخرج يعرف فِي وَجهه الْغَضَب. هجرت: أَي أَتَيْته وَقت الهاجرة، وَهُوَ نصف النَّهَار عِنْد اشتداد الْحر، كَذَا فسره بعض الْعلمَاء، وَالْأَشْبَه أَن يكون معنى هجرت: بكرت، وَمِنْه التهجير إِلَى صَلَاة الْجُمُعَة، وَهُوَ التبكير، وَقد سبق فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة: " مثل المهجر إِلَى الْجُمُعَة كَمثل الَّذِي يهدي بَدَنَة ". وَقد سبق بَيَان الِاخْتِلَاف فِي الْآيَات، وَأَنه اخْتِلَاف فِي اللُّغَات، وَقد أجَاز لَهُم الْقِرَاءَة على لغاتهم، وَإِنَّمَا خَافَ من اخْتلَافهمْ لِئَلَّا يجْحَد بَعضهم مَا هُوَ من الْقُرْآن فيكفر. الحديث: 2333 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 2334 - / 2960 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: " ثمَّ ينطلقون إِلَى مَسَاكِين الْمُهَاجِرين فيحملون بَعضهم على رِقَاب بعض ". كَأَن الْإِشَارَة إِلَى تَقْدِيم بَعضهم على بعض فِي الولايات. 2335 - / 2961 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: " وَوقت الْمغرب مَا لم يسْقط ثَوْر الشَّفق ". الشَّفق: الْحمرَة الَّتِي تكون من وَقت الْمغرب إِلَى وَقت الْعشَاء. وثور الشَّفق: انتشاره وثورانه، قَالَ أَبُو عبيد: يُقَال: ثار يثور ثورا وثورانا: إِذا انْتَشَر فِي الْأُفق. وَقد سبق بَيَان قَوْله: " بَين قَرْني شَيْطَان " فِي مَوَاضِع. 2336 - / 2964 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: " أَفْلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بِمَا آتَاهُ ". أَفْلح: بِمَعْنى فَازَ وَنَجَا. والكفاف: مَا كف عَن الِاحْتِيَاج وَكفى. والقناعة: الرِّضَا بالكفاف وَترك الشره إِلَى الازدياد 2337 - / 2965 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: " مَا من غَازِيَة أَو الحديث: 2334 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 سَرِيَّة تخفق وتصاب إِلَّا تمت أُجُورهم ". الغازية: الْجَمَاعَة الغازية. والسارية: جمَاعَة تسري إِلَى الْعَدو. وَقَالَ ابْن السّكيت: السّريَّة: مَا بَين الْخَمْسَة إِلَى ثَلَاثمِائَة. وَالْخَمِيس: مَا زَاد على ذَلِك. وَقَوله: " تخفق " يُقَال: أخفق الرجل يخْفق فَهُوَ مخفق: إِذا غزا وَلم يغنم، ثمَّ يسْتَعْمل هَذَا فِي كل من خَابَ فِي مطلبه. 2338 - / 2966 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: " الدُّنْيَا مَتَاع، وَخير مَتَاع الدُّنْيَا الْمَرْأَة الصَّالِحَة ". الْمَتَاع: مَا ينْتَفع بِهِ ويستمتع. وَصَلَاح الْمَرْأَة دينهَا، وصاحبة الدّين تجتنب الأنجاس والأوساخ، وتحسن أخلاقها، وتصبر على جفَاء زَوجهَا وَقلة نَفَقَته، وَلَا تخونه فِي مَاله، فيطيب لذَلِك عيشه. 2339 - / 2967 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: " كتب الله مقادير الْخَلَائق قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ ألف سنة ". كَأَن الْإِشَارَة بِهَذَا إِلَى خلق اللَّوْح وَالْكِتَابَة فِيهِ، وَذَلِكَ قد كَانَ قبل خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض. 2340 - / 2968 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: " إِن قُلُوب بني آدم كلهَا الحديث: 2338 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 بَين إِصْبَعَيْنِ من أَصَابِع الرَّحْمَن كقلب وَاحِد يصرفهُ حَيْثُ يَشَاء ". قَالَ بعض الْعلمَاء: لما كَانَ المتقلب بَين إِصْبَعَيْنِ دَلِيلا لمقلبه، مقهورا فِي قسره، دلّ على أَن الْقُلُوب متصرفة على مَا يصرفهَا. 2341 - / 2970 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين: " فرَاش للرجل، وفراش لامْرَأَته، وَالثَّالِث للضيف، وَالرَّابِع للشَّيْطَان ". هَذَا الحَدِيث قد نبه على حسن المعاشرة للزَّوْجَة باتخاذ فرَاش لَهَا وفراش لزَوجهَا، وَذَلِكَ ضد مَا أكبر الْعَوام عَلَيْهِ من النّوم إِلَى جَانب الزَّوْجَة؛ فَإِن النّوم قد يحدث فِيهِ حوادث يكرهها أَحدهمَا من الآخر، وَلَا يَنْبَغِي أَن يجتمعا إِلَّا على أحسن حَال لتدوم الْمحبَّة؛ فَإِن ظُهُور الْعُيُوب تسلي عَن المحبوب، وَيَنْبَغِي أَن يكون الْفراش قَرِيبا من الآخر ليجتمعا إِذا أَرَادَا وينفصلا إِذا شاءا. وَقد نبه على هَذَا مَا تقدم فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِذا دَعَا الرجل امْرَأَته إِلَى فرَاشه ... "، وعَلى هَذَا جُمْهُور الْمُلُوك والحكماء. وَمَتى كَانَت الْمَرْأَة عَاقِلَة احترزت أَن يرى الرجل مِنْهَا مَكْرُوها، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي للرجل أَن يحْتَرز. قَالَ ابْن عَبَّاس: إِنِّي لأحب أَن أتزين للْمَرْأَة كَمَا تتزين لي، وَقَالَت بدوية لابنتها حِين أَرَادَت زفافها: لَا يطلعن مِنْك على قَبِيح، وَلَا يشمن إِلَّا طيب ريح. الحديث: 2341 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 وَأما قَوْله: " فالرابع للشَّيْطَان " فَإِن اتِّخَاذه إِسْرَاف؛ إِذْ لَا حَاجَة إِلَيْهِ وَرُبمَا قصد بِهِ مَا لَا يحسن. وَفِي هَذَا الحَدِيث: برك بِهِ بعير، وَفِي لفظ: أزحف بِهِ. إِنَّمَا قيل: برك الْبَعِير؛ لِأَنَّهُ يَقع على صَدره وَيثبت عَلَيْهِ، والبرك: الصَّدْر، وَسميت بركَة المَاء لثُبُوت المَاء فِيهَا. وَقَوله: أزحف بِهِ، يُقَال: أزحف الْبَعِير: إِذا قَامَ من الإعياء، وزحف، وأزحفه السّير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 (114) كشف الْمُشكل من مُسْند عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ جملَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعَة وَسِتُّونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سِتَّة: 2342 - / 2971 - فَفِيمَ انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ: " ثمَّ موتان يَأْخُذ فِيكُم كقعاص الْغنم ". الموتان بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْوَاو: الْمَوْت، يُقَال: وَقع الموتان فِي المَال. ويغلط بعض أَصْحَاب الحَدِيث فِي هَذَا فَيَقُول: موتان بِفَتْح الْمِيم وَالْوَاو، وَإِنَّمَا ذَلِك اسْم للْأَرْض لم تحي بعد بزرع وَلَا إصْلَاح، وفيهَا لُغَة أُخْرَى: فتح الْمِيم وَإِسْكَان الْوَاو. فالموات بِفَتْح الْمِيم وَالْوَاو اسْم لتِلْك الأَرْض. والقعاص: دَاء يَأْخُذ الْإِبِل فَلَا يلبثها أَن تَمُوت، وَمِنْه أَخذ الإقعاص، وَهُوَ الْقَتْل على الْمَكَان، يُقَال: ضربه فأقعصه. وَأما استفاضة المَال فكثرته، وَمِنْه يُقَال: حَدِيث مستفيض، وَلَا يجوز أَن يُقَال: مستفاض إِلَّا أَن يُقَال: مستفاض فِيهِ: أَي كثير الجريان فِي كَلَام النَّاس. الحديث: 2342 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 والهدنة: أَصْلهَا السّكُون. يُقَال: هدنت أهدن، فَسُمي الصُّلْح على ترك الْقِتَال هدنة ومهادنة؛ لِأَنَّهُ سُكُون عَن الْقِتَال بعد التحرك فِيهِ. وَبَنُو الْأَصْفَر: الرّوم. وَقد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند أبي سُفْيَان. والراية مَعْرُوفَة. وَقد جَاءَ فِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق آخر: غَايَة بالغين، قَالَ لنا شَيخنَا أَبُو مَنْصُور اللّغَوِيّ: راية وَغَايَة وَالْمعْنَى وَاحِد، وَقد رَوَاهُ بَعضهم بِالْبَاء مَعَ الْغَيْن، والغابة: الأجمة، فَشبه كسر الرماح بالأجمة، كَذَلِك حكى أَبُو عبيد، قَالَ: وَقد رَوَاهُ بَعضهم غياية، وَلَا مَوضِع للغياية هَاهُنَا. 2343 - / 2973 - وَقد سبق تَفْسِير الحَدِيث الثَّانِي من أَفْرَاد مُسلم. 2344 - / 2974 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث من أَفْرَاد مُسلم: كُنَّا نرقي فِي الْجَاهِلِيَّة، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، كَيفَ ترى فِي ذَلِك؟ فَقَالَ: " اعرضوا عَليّ رقاكم , لَا بَأْس بالرقى مَا لم يكن شرك ". قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: الْمنْهِي عَنهُ فِي الرقى مَا كَانَ بِغَيْر لِسَان الْعَرَب , فَلَا يدرى مَا هُوَ , وَلَعَلَّه قد دخله سحر وَكفر , فَإِذا كَانَ مَفْهُوم الْمَعْنى , وَكَانَ فِيهِ ذكر الله تَعَالَى فَإِنَّهُ مُسْتَحبّ متبرك بِهِ. الحديث: 2343 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 2345 - / 2975 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " مثلكُمْ وَمثلهمْ كَمثل رجل استرعى غنما فأوردها حوضا فشرعت فِيهِ ". أَي وَردت شَرِيعَته، وَهِي مَوضِع الْوُرُود إِلَى المَاء. وَقَوله: قضى بالسلب للْقَاتِل. السَّلب: كل مَا كَانَ على الْمَقْتُول فِي حَال الْقِتَال من ثِيَاب وَسلَاح وَحلية. فَأَما الْفرس فَهَل هُوَ من السَّلب أم لَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأما نَفَقَته ورحله فغنيمة. وَقد سبق الْكَلَام فِي السَّلب فِي مُسْند أبي قَتَادَة. الحديث: 2345 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 (115) كشف الْمُشكل من مُسْند وَاثِلَة بن الْأَسْقَع وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّة وَخَمْسُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان. 2346 - / 2977 - فَفِي الحَدِيث الأول: " أعظم الفرى أَن يَدعِي الرجل إِلَى غير أَبِيه ". يَدعِي بِمَعْنى ينتسب. وَقد شرحنا هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند ابْن عمر. 2347 - / 2978 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " إِن الله اصْطفى كنَانَة من بني إِسْمَاعِيل ". الْمَعْنى: اخْتَار، وصفوة الشَّيْء: خالصه. أخبرنَا عبد الله بن سعيد الْأَزجيّ قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن أَيُّوب قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْعَلَاء الوَاسِطِيّ قَالَ: أخبرنَا أَبُو عَليّ الْفَارِسِي قَالَ: قَالَ الزّجاج: اصْطفى فِي اللُّغَة بِمَعْنى اخْتَار، أَي جعلهم صفوة خلقه، وَهَذَا تَمْثِيل بِمَا يرى؛ لِأَن الْعَرَب تمثل الْمَعْلُوم بالشَّيْء المرئي، فَإِذا سمع السَّامع ذَلِك الْمَعْلُوم كَانَ عِنْده بِمَنْزِلَة الحديث: 2346 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 مَا يُشَاهد عيَانًا، وَنحن نعاين الشَّيْء الصافي أَنه النقي من الكدر، فَكَذَلِك صفوة الله من خلقه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 (116) كشف الْمُشكل من مُسْند عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ جملَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة وَخَمْسُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سَبْعَة عشر. 2348 - / 2979 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " إِنِّي فرط لكم ". الفرط: الْمُتَقَدّم، وَقد سبق شَرحه. ومفاتيح الخزائن: مَا يفتح على أمته من الْغَنَائِم. والمنافسة فِي الشَّيْء: الْمُنَازعَة على الِانْفِرَاد بِهِ. 2349 - / 2980 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: اهدي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فروج جَدِيد فلبسه. الَّذِي ضبطناه عَن أشياخنا فِي كتاب أبي عبيد وَغَيره فروج بِفَتْح الْفَاء مَعَ تَشْدِيد الرَّاء، وَأخْبرنَا ابْن نَاصِر قَالَ: أخبرنَا أَبُو زَكَرِيَّا التبريزي قَالَ: قَالَ المعري: وَيُقَال: فروج بِضَم الْفَاء وَالرَّاء من غير تَشْدِيد على وزن الحديث: 2348 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 خُرُوج. قَالَ أَبُو عبيد: وَهُوَ القباء الَّذِي فِيهِ شقّ من خَلفه. 2350 - / 2981 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: فَبَقيَ عتود فَقَالَ: " ضح بِهِ ". العتود من أَوْلَاد الْمعز فَوق الجفر، والجفر: الَّذِي فصل عَن أمه بعد أَرْبَعَة أشهر، وَجمع العتود أعتدة وعدان، وَهَذَا مَحْمُول على أَنه قد بلغ سِتَّة أشهر وأجذع. 2351 - / 2982 - والْحَدِيث الرَّابِع: قد سبق فِي مُسْند أبي شُرَيْح الْخُزَاعِيّ. 2352 - / 2983 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: " أَحَق الشُّرُوط أَن توفوا بِهِ مَا استحللتم بِهِ الْفروج ". وَفِي يَفِي، وأوفى يُوفي، لُغَتَانِ، وَمَعْنَاهُ الْقيام بِمَا ضمنه، مثل أَن يَتَزَوَّجهَا على أَلا يُخرجهَا من دارها أَو من بَلَدهَا وَنَحْو ذَلِك، فَعَلَيهِ الْوَفَاء بِهَذَا، وَهَذَا مَذْهَب أَحْمد بن حَنْبَل خلافًا لأكثرهم. 2353 - / 2984 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " إيَّاكُمْ وَالدُّخُول على الحديث: 2350 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 النِّسَاء "، فَقَالَ رجل: أَفَرَأَيْت الحمو؟ قَالَ: " الحمو الْمَوْت ". قَالَ أَبُو عبيد: الحمو: أَبُو الزَّوْج، وَفِيه لُغَات: حموها مثل " أَبوهَا " وحماها مثل قفاها، وحمؤها مَقْصُور مَهْمُوز، وحمؤها وحمها. قَالَ: وَقَوله: " الْمَوْت " يَقُول: فليمت وَلَا يفعل ذَلِك. فَإِذا كَانَ هَذَا من رَأْيه فِي أبي الزَّوْج وَهُوَ محرم فَكيف بالغريب. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: الْمَعْنى: احذر الحمو كَمَا تحذر الْمَوْت. وَفِي هَذَا الحَدِيث: قَالَ اللَّيْث: الحمو: أَخُو الزَّوْج وَمَا أشبهه من أقَارِب الزَّوْج: ابْن الْعم وَنَحْوه. وَلَا أَدْرِي من أَي وَجه قَالَ هَذَا اللَّيْث إِلَّا أَن يكون أَرَادَ ذكر من يحرم على الْمَرْأَة، فَلَا يكون تَفْسِيرا للحمو. 2354 - / 2985 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: نذرت أُخْتِي أَن تمشي إِلَى بَيت الله، وأمرتني أَن أستفتي لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: " لتمشي ولتركب ". إِذا مشت فتعبت فقد فعلت قدر طاقتها، فَإِذا ركبت لموْضِع عجزها الحديث: 2354 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 عَن الْمَشْي فعلَيْهَا كَفَّارَة يَمِين. 2355 - / 2986 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ: أتيت عقبَة فَقلت: أَلا أعْجبك من أبي تَمِيم؟ يرْكَع رَكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الْمغرب. فَقَالَ عقبَة: إِنَّا كُنَّا نفعله على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قلت فَمَا يمنعك الْآن؟ قَالَ: الشّغل. أَبُو تَمِيم هُوَ الجيشاني، واسْمه عبد الله بن مَالك، وَلَيْسَ من الصَّحَابَة؛ إِنَّمَا هُوَ تَابِعِيّ سمع من عمر بن الْخطاب وَأبي ذَر. وَأما الرُّكُوع قبل الْمغرب فَلقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " بَين كل أذانين صَلَاة، لمن شَاءَ "، وَلِأَن وَقت النَّهْي قد خرج بغيبوبة الشَّمْس. 2356 - / 2987 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " كَفَّارَة النّذر كَفَّارَة الْيَمين ". وَذَلِكَ أَن من نذر فعل شَيْء يجوز فعله وَجب عَلَيْهِ الْإِتْيَان بِمَا نذر، فَإِن عجز كفر كَفَّارَة يَمِين. الحديث: 2355 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 2357 - / 2988 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " ألم تَرَ آيَات أنزلت هَذِه اللَّيْلَة لم ير مِثْلهنَّ قطّ؟ {قل أعوذ بِرَبّ الفلق} ، و {قل أعوذ بِرَبّ النَّاس} ، وَفِي لفظ: " المعوذتين ". أعوذ بِمَعْنى: ألجأ وألوذ. وَفِي {الفلق} أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: الصُّبْح، وَالثَّانِي: الْخلق كُله. وَالثَّالِث: سجن فِي جَهَنَّم، وَهَذِه الْأَقْوَال عَن ابْن عَبَّاس. وَقَالَ وهب: حَيَّة فِي جَهَنَّم. وَقَالَ السّديّ: وَاد فِي جَهَنَّم. وَالرَّابِع: أَنه كل مَا انْفَلق عَن شَيْء كالصبح وَالْحب والنوى، قَالَه الْحسن. وَفِي أَحْدَاث الطلاب من يَقُول: المعوذتين بِفَتْح الْوَاو، وَالصَّوَاب الْكسر. 2358 - / 2989 - والْحَدِيث الثَّالِث: قد تقدم. 2359 - / 2990 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " من علم الرَّمْي ثمَّ تَركه فَلَيْسَ منا. أَو قد عصى ". قَوْله: " لَيْسَ منا " أَي لَيْسَ على سيرتنا , وَهَذَا لِأَن الرَّمْي من آلَة الْجِهَاد، فَإِذا تَركه من علمه نَسيَه. الحديث: 2357 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 2360 - / 2991 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: قَالَ عبد الله بن عَمْرو: لَا تقوم السَّاعَة إِلَّا على شرار الْخلق، هم شَرّ من أهل الْجَاهِلِيَّة. فَقَالَ عقبَة: أما أَنا فَسمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا تزَال عِصَابَة من أمتِي يُقَاتلُون ظَاهِرين ". وَجه الْجمع بَين الْقَوْلَيْنِ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه إِذا أَرَادَ الله تَعَالَى إِقَامَة السَّاعَة أمات الأخيار فَقَامَتْ على الأشرار. وَالثَّانِي: أَن يكون الأخيار نَادرا فِي ذَلِك الزَّمَان ويعم الشَّرّ. 2361 - / 2992 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن فِي الصّفة فَقَالَ: " أَيّكُم يحب أَن يَغْدُو إِلَى بطحان أَو إِلَى العقيق فَيَأْتِي مِنْهُ بناقتين كوماوين؟ ". الصّفة: مَوضِع مظلل من الْمَسْجِد كَانَ الْفُقَرَاء يأوون إِلَيْهِ. وبطحان مَوضِع مَعْرُوف، وَسمي بذلك لسعته، وَكَذَلِكَ الأبطح. والعقيق مَوضِع. والكوماء من الأبل: الْعَظِيمَة السنام. 2362 - / 2993 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: ثَلَاث سَاعَات كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينهانا أَن نصلي فِيهِنَّ أَو أَن نقبر فِيهِنَّ مَوتَانا: حِين تطلع الشَّمْس بازغة، وَحين يقوم قَائِم الظهيرة، وَحين تضيف الشَّمْس للغروب. الحديث: 2360 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 يُقَال: بزغت الشَّمْس فَهِيَ بازغة لأوّل طُلُوعهَا. والظهيرة: اشتداد الْحر قبل الزَّوَال. وتضيفت الشَّمْس للغروب وضافت: مَالَتْ. وَيُقَال: ضاف السهْم عَن الهدف: إِذا مَال عَنهُ، وأضفته أَنا. قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: (فَلَمَّا دخلناه أضفنا ظُهُورنَا ... إِلَى كل حاري حَدِيد مشطب) قَالَ أَبُو عبيد: وتصيفت بالصَّاد مثل تضيفت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 (117) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي قد اخْتلفُوا فِي اسْمه على أَقْوَال قد ذكرتها فِي " التلقيح "، أثبتها جرهم ابْن ناشب. وَأخرج لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة أَحَادِيث. 2363 - / 2996 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: قلت: يَا رَسُول الله، إِنَّا بِأَرْض قوم أهل كتاب، أفنأكل فِي آنيتهم؟ قَالَ: " إِن وجدْتُم غَيرهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِن لم تَجدوا فَاغْسِلُوا وكلوا فِيهَا ". قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: إِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِي أواني الْمَجُوس وَمن يذهب مَذْهَبهم فِي مس النَّجَاسَات، وَكَذَلِكَ فِيمَن يعْتَاد أكل لُحُوم الْخَنَازِير، فَأَما من مذْهبه توقي النَّجَاسَات فَإِن أصل آنيتهم الطَّهَارَة. 2364 - / 2997 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: نهى عَن أكل كل ذِي نَاب من السبَاع. وَقد تقدم. وَفِيه: قَالَ يُونُس: سَأَلت ابْن شهَاب: هَل يتَوَضَّأ أَو يشرب ألبان الْإِبِل أَو مرَارَة السَّبع أَو أَبْوَال الْإِبِل؟ فَقَالَ: كَانَ الْمُسلمُونَ يتداوون بهَا، الحديث: 2363 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 وَأما ألبان الأتن فقد بلغنَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن لحومها، وَلم يبلغنَا عَن أَلْبَانهَا أَمر وَلَا نهي. فِي كَلَام الزُّهْرِيّ اخْتِصَار، وَالْمعْنَى: هَل يتَوَضَّأ من أكل لُحُوم الْإِبِل أَو من شرب أَلْبَانهَا؟ وَأما التَّدَاوِي بأبوال الْإِبِل فقد سُئِلَ أَحْمد عَن ذَلِك فَقَالَ: لَا بَأْس. وَسُئِلَ مرّة أُخْرَى فَقَالَ: أما من عِلّة فَنعم، وَأما رجل صَحِيح فَلَا يُعجبنِي أَن يشرب أَبْوَال الْإِبِل. قَالَ الْخلال: وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة جَوَاز شربهَا لغير ضَرُورَة. والأتن: الْحمير، وَأَلْبَانهَا تَابِعَة لَهَا، وَكَذَلِكَ مرَارَة السَّبع تَابِعَة لجملته. 2365 - / 2998 - والْحَدِيث الثَّالِث: قد تقدم. 2366 - / 2999 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ مُسلم: " إِذا رميت بسهمك فَغَاب عَنْك فَأَدْرَكته فكله مَا لم ينتن ". اخْتلف الْعلمَاء فِيمَن أصَاب صيدا بِالرَّمْي فَغَاب عَنهُ ثمَّ وجده مَيتا، الحديث: 2365 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 فالمنصور عندنَا أَنه يحل. وَعَن أَحْمد أَنه إِن وجده فِي يَوْمه حل وَإِن غَابَ عَنهُ لم يحل، وَعنهُ: إِن كَانَت الْإِصَابَة مُوجبَة حل وَإِلَّا فَلَا، وَهَكَذَا الحكم فِيهِ إِذا أرسل الْكَلْب عَلَيْهِ فَغَاب عَنهُ ثمَّ وجده قَتِيلا، وَعَن مَالك كالروايتين الْأَوليين. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن اشْتغل بِطَلَبِهِ حل وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: لَا يحل بِحَال، وَالْقَوْل الآخر كالرواية الأولى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 (118) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ واسْمه صدي بن عجلَان، وَجُمْلَة مَا روى عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِائَتَا حَدِيث وَخَمْسُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ سَبْعَة. 2367 - / 3000 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: " الْحَمد لله كثيرا غير مكفي وَلَا مُودع وَلَا مُسْتَغْنى عَنهُ، رَبنَا، وَلَا مكفور ". قَوْله: " غير مكفي " إِشَارَة إِلَى الطَّعَام. وَالْمعْنَى: رفع هَذَا الطَّعَام غير مكفي: أَي غير مقلوب عَنَّا، من قَوْلك: كفأت الْإِنَاء: إِذا قلبته. وَالْمعْنَى: غير مُنْقَطع عَنَّا. وَقَوله: " وَلَا مُودع " يَعْنِي الطَّعَام الَّذِي رفع. " وَلَا مُسْتَغْنى عَنهُ " عَائِذ إِلَيْهِ أَيْضا. ثمَّ قَالَ: " رَبنَا " بِفَتْح الْبَاء، وَالْمعْنَى: يَا رَبنَا، فَحذف حرف النداء. وَبَعض الْمُحدثين يَقُولُونَ: " رَبنَا " بِالرَّفْع، وَالْمعْنَى على مَا شرحناه. وَكَذَلِكَ قَوْله: " غير مكفور " يرجع إِلَى الطَّعَام. وَالْمعْنَى: لَا نكفر الحديث: 2367 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 نِعْمَتك بِهَذَا الطَّعَام. وَقَالَ شَيخنَا أَبُو مَنْصُور اللّغَوِيّ: صَوَابه: غير مكافأ، فَيَعُود إِلَى الله تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَا تكافأ نعْمَته. 2368 - / 3001 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: عَن أبي أُمَامَة أَنه رأى سكَّة وشيئا من آلَة الْحَرْث فَقَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا يدْخل هَذَا بَيت قوم إِلَّا دخله الذل ". السِّكَّة: الحديدة الَّتِي يحرث بهَا. وَوجه الذل فِي ذَلِك من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: مَا يلْزم الزراع من حُقُوق الأَرْض فيطالبهم السُّلْطَان بذلك. وَالثَّانِي: أَن الْمُسلمين إِذا أَقبلُوا على الزِّرَاعَة شغلوا عَن الْغَزْو، وَفِي ترك جِهَاد الْعَدو نوع ذل. 2369 - / 3002 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " إِنَّمَا كَانَت حليتهم العلابي والآنك ". قَالَ ابْن قُتَيْبَة: العلابي: العصب، الْوَاحِدَة علْبَاء، وَبِه سمي الرجل، وَكَانَت الْعَرَب تشد بالعلابي وَهِي رطبَة أجفان السيوف فتجف عَلَيْهَا، وتشد الرمْح بهَا إِذا خيف أَن ينكسر. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: العلابي جمع العلباء: وَهُوَ عصب الْعُنُق، وهما علباوان، والعلباء أمتن مَا يكون فِي الْبَعِير من الأعصاب. الحديث: 2368 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 فَأَما الآنك فَقَالَ أَبُو الْحسن الْهنائِي اللّغَوِيّ: الآنك: الأسرب، وَهُوَ الرصاص القلعي، وَلَيْسَ فِي الْكَلَام اسْم على " أفعل " غَيره. 2370 - / 3003 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " وَلَا يلام على كفاف ". الكفاف: قدر الطَّاقَة الَّتِي لَا فضل فِيهَا، فَهُوَ مَا كف وَكفى. وَالْفضل: مَا فضل عَن الكفاف وَصَارَ ذخيرة بعد الْقُوت. 2371 - / 3005 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: جَاءَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أصبت حدا، فأقمه عَليّ - ثَلَاث مَرَّات -. فَقَالَ: " أَلَيْسَ تَوَضَّأت وَشهِدت الصَّلَاة مَعنا؟ " قَالَ: نعم، قَالَ: " فَإِن الله قد غفر لَك حدك " أَو قَالَ: " ذَنْبك ". هَذَا الرجل مَا ذكر شَيْئا يُوجب عَلَيْهِ شَيْئا، فَلذَلِك سكت عَنهُ وَجعل ندمه وَصلَاته مكفرة لذنبه، وَقد سبق هَذَا. 2372 - / 3006 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " اقْرَءُوا الزهراوين، فَإِنَّهُمَا يأتيان كَأَنَّهُمَا غمامتان أَو غيايتان، أَو كَأَنَّهُمَا فرقان من طير صواف ". الحديث: 2370 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 وَقَالَ فِي " الْبَقَرَة ": " لَا تستطيعها البطلة ". الزهراوان: المنيرتان. يُقَال لكل مُنِير زَاهِر. والزهرة: الْبيَاض النير. وَقَوله: " كَأَنَّهُمَا غمامتان " الغمامة والغمام: الْغَيْم الْأَبْيَض، وَسمي غماما لِأَنَّهُ يغم السَّمَاء: أَي يغطيها، يُقَال: غامت السَّمَاء وأغامت وتغيمت وغيمت وغمت وأغمت وغيمت. وَقَوله: " أَو غيايتان " قَالَ أَبُو عبيد: الغياية: كل شَيْء أظل الْإِنْسَان فَوق رَأسه مثل السحابة والغبرة. وَيُقَال: غايا الْقَوْم فَوق رَأس فلَان بِالسَّيْفِ، كَأَنَّهُمْ أظلوه، قَالَ لبيد: (فتدليت عَلَيْهِ قَافِلًا ... وعَلى الأَرْض غيايات الطِّفْل) وَقَوله: " كَأَنَّهُمَا فرقان " الْفرق: الْقطعَة من الشَّيْء، قَالَ عز وَجل: {فَكَانَ كل فرق كالطود الْعَظِيم} [الشُّعَرَاء: 63] ، وَيُقَال للقطيع من الْغنم: فرق. وَمعنى قَوْله: " فرقان " قطعتان. وَقَوله: " صواف " أَي مصطفة متضامة لتظلل قَارِئهَا. البطلة: السَّحَرَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 (119) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الله بن بسر السكونِي أخرج لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان. انْفِرَاد البُخَارِيّ بِحَدِيث وَاحِد. 2373 - / 3007 - وَفِيه: كَانَ فِي عنفقته شَعرَات بيض. العنفقة: مَا تَحت الشّفة السُّفْلى من شعر اللِّحْيَة. 2374 - / 3008 - وَانْفَرَدَ مُسلم بِحَدِيث وَهُوَ: نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أبي فَقَرَّبْنَا إِلَيْهِ طَعَاما ورطبة. كَذَا فِي كتاب مُسلم فِيمَا وَقع إِلَيْنَا، وَحَكَاهُ أَبُو مَسْعُود صَاحب " التعليقة " بِالْوَاو فَقَالَ: ووطبة. وَلَا شكّ أَنه قد وجده فِي نُسْخَة أُخْرَى وَقد رَوَاهُ البرقاني فِي كِتَابه بِالْوَاو كَمَا حَكَاهُ أَبُو مَسْعُود، وَذكر عَن النَّضر ابْن شُمَيْل فِي تَفْسِيره أَن الوطبة الحيس. قَالَ: وَذَلِكَ أَنه يجمع بَين التَّمْر البرني والأقط المدقوق وَالسمن الْجيد ثمَّ يسْتَعْمل. وَالنضْر بن شُمَيْل هُوَ الَّذِي روى الحَدِيث عَن شُعْبَة على الصِّحَّة ثمَّ فسره، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَمن رَوَاهُ بالراء من أَصْحَاب الحَدِيث فَإِنَّهُ لم يعرف الوطبة وَعرف الحديث: 2373 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 الرّطبَة، وَقَلِيل من الْمُحدثين يعرف الْعَرَبيَّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 (120) كشف الْمُشكل من مُسْند أبي مَالك أَو أبي عَامر الْأَشْعَرِيّ كَذَا رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن غنم فَشك أَي الرجلَيْن حَدثهُ، وَهُوَ حَدِيث وَاحِد أخرجه البُخَارِيّ تَعْلِيقا. وَأما أَبُو مَالك فَاخْتَلَفُوا فِي اسْمه وَاسم أَبِيه على أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا عَمْرو. وَالثَّانِي: عبيد. وَالثَّالِث: كَعْب بن عَاصِم. وَالرَّابِع: الْحَارِث بن مَالك. وَجُمْلَة مَا روى سَبْعَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا، وَمَا أخرج عَنهُ سوى مُسلم، فَإِنَّهُ أخرج لَهُ حديثين من غير شكّ، وَسَيَأْتِي بعد هَذَا، وَأخرج هَذَا الحَدِيث البُخَارِيّ على الشَّك. وَأما أَبُو عَامر فاسمه عبيد بن هَانِئ، وَجُمْلَة مَا روى حديثان، وَلم يخرج لَهُ سوى هَذَا الحَدِيث الْمَشْكُوك فِيهِ. 2375 - / 3009 - وَفِي الحَدِيث الْمَشْكُوك فِيهِ: " يسْتَحلُّونَ الْخَزّ وَالْحَرِير وَالْمَعَازِف، ولينزلن أَقوام إِلَى جنب علم تروح عَلَيْهِم سارحة لَهُم فيبيتهم الله، وَيَضَع الْعلم ". الَّذِي فِي هَذَا الحَدِيث الْخَزّ بِالْخَاءِ وَالزَّاي، وَهُوَ مَعْرُوف. وَقد جَاءَ الحديث: 2375 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 فِي حَدِيث يرويهِ أَبُو ثَعْلَبَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يسْتَحل الْحر وَالْحَرِير " يُرَاد بِهِ استحلال الْحَرَام من الْفروج، فَهَذَا بِالْحَاء وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ مخفف، فَذَكرنَا هَذَا لِئَلَّا يتَوَهَّم أَنَّهُمَا شَيْء وَاحِد. وَأما المعازف فَهِيَ الملاهي المصوتة، مَأْخُوذَة من عزفت الْجِنّ: إِذا صوتت، وَهِي فِي الْعرف اسْم لنَوْع مَخْصُوص يلْعَب بِهِ. والعزف: اللّعب بالمعازف. وَالْعلم: الْجَبَل، وَجمعه أَعْلَام، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَله الْجوَار الْمُنْشَآت فِي الْبَحْر كالأعلام} [الرَّحْمَن: 24] ، وأنشدوا: (إِذا قطعن علما بدا علم ... ) والسارحة: الْمَاشِيَة الَّتِي تسرح بِالْغَدَاةِ إِلَى مراعيها. وَمعنى تروح عَلَيْهِم: أَي بالْعَشي. قَوْله: " فيبيتهم الله " أَي يُهْلِكهُمْ بِاللَّيْلِ، والبيات والتبييت: إتْيَان الْعَدو لَيْلًا، وَبَيت الرجل الْأَمر: إِذا دبره لَيْلًا، قَالَ الشَّاعِر: (أَتَوْنِي فَلم أَرض مَا بيتوا ... وَكَانُوا أَتَوْنِي بِشَيْء نكر) والبيوت: الْأَمر يبيت عَلَيْهِ صَاحبه مهتما بِهِ. قَالَ الْهُذلِيّ: (وَأَجْعَل فقرتها عدَّة ... إِذا خفت بيُوت أَمر عضال) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 وَقَوله: " وَيَضَع الْعلم " أَي يَرْمِي بِالْجَبَلِ أَو يخسف بِهِ. 2376 - / 3010 - وَفِي الحَدِيث الأول من مُسْند أبي مَالك: " الطّهُور شطر الْإِيمَان ". الطّهُور هَاهُنَا يُرَاد بِهِ التطهر. والشطر: النّصْف. وَكَأن الْإِشَارَة إِلَى الصَّلَاة وَأَنَّهَا لَا تصح إِلَّا بِالطَّهَارَةِ فَكَأَنَّهَا نصفهَا. وَقد سمى الله عز وَجل الصَّلَاة إِيمَانًا بقوله: {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ} [الْبَقَرَة: 143] . وَقَوله: " سُبْحَانَ الله " هُوَ تَنْزِيه الله عز وَجل عَن كل مَا نزه عَنهُ نَفسه. وَقَوله: " الْحَمد لله " الْحَمد ثَنَاء على الْمَحْمُود، ويشاركه الشُّكْر، إِلَّا أَن بَينهمَا فرقا: وَهُوَ أَن الْحَمد ثَنَاء على الْإِنْسَان فِيمَا فِيهِ حسن؛ ككرم وشجاعة وَحسب، وَالشُّكْر ثَنَاء عَلَيْهِ بِمَعْرُوف أولاكه. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَقد يوضع الْحَمد مَوضِع الشُّكْر فَيُقَال: حمدته على معروفه عِنْدِي، كَمَا يُقَال: شكرت لَهُ، وَلَا يوضع الشُّكْر مَوضِع الْحَمد، فَيُقَال: شكرت لَهُ على شجاعته. وَقَوله: " وَالصَّلَاة نور " أَي بَين يَدي الْمُصَلِّي فِي سبله. وَقَوله: " وَالصَّدَََقَة برهَان " أَي حجَّة لطلب الْأجر من جِهَة أَنَّهَا قرض. وَقَوله: " وَالصَّبْر ضِيَاء " لِأَن مستعمله يرى طَرِيق الرشد، وتارك الصَّبْر فِي ظلمات الْجزع. وَقَوله: " فبائع نَفسه "؛ من بَاعَ نَفسه ربه عز وَجل أعْتقهَا فنجت، الحديث: 2376 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 وَمن بَاعهَا للهوى وَسلم قياده إِلَيْهِ أوبقها: أَي أهلكها. والموبق: المهلك. 2377 - / 3011 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " أَربع من أَمر الْجَاهِلِيَّة: الْفَخر بِالْأَحْسَابِ، والطعن فِي الْأَنْسَاب، وَالِاسْتِسْقَاء بالنجوم، والنياحة " وَقَالَ: " النائحة إِذا لم تتب قبل مَوتهَا تُقَام يَوْم الْقِيَامَة وَعَلَيْهَا سربال من قطران وردع من جرب ". قد سبق معنى الْحسب آنِفا وَأَنه عد المفاخر وحسبانها، وَكَانَت الْجَاهِلِيَّة تحترب فِي التفاخر. فَإِن قيل: فَإِذا كَانَ هَذَا من أَمر الْجَاهِلِيَّة، فَمَا معنى: " تنْكح الْمَرْأَة لحسبها "؟ فَالْجَوَاب: أَن الْحسب إِذا انْفَرد لم يعْتَبر، وَإِنَّمَا يعْتَبر إِذا انْضَمَّ إِلَيْهِ الْإِسْلَام وَالتَّقوى، فَيكون حِينَئِذٍ وجوده فِي حق الْمسلمَة زِيَادَة فِي الرُّتْبَة، كَمَا قَالَ: " النَّاس معادن، خيارهم فِي الْجَاهِلِيَّة خيارهم فِي الْإِسْلَام إِذا فقهوا ". وَأما الطعْن فِي الْأَنْسَاب فقذف. وَأما الاسْتِسْقَاء بالنجوم فَالْمُرَاد بهَا الأنواء. وَقد تقدم ذكر ذَلِك فِي مُسْند زيد بن خَالِد. الحديث: 2377 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 وَقَوله: " عَلَيْهَا سربال من قطران " السربال: الْقَمِيص. والقطران: شَيْء يتحلب من شجر يهنأ بِهِ الْإِبِل. وَإِنَّمَا جعلت سرابيلهم مِنْهُ لِأَن النَّار إِذا لفحته قوي اشتعالها، فَاشْتَدَّ إحراقها للجلود. وَوجه الْمُنَاسبَة بَين هَذَا وَبَين حَالهَا أَن نوحها لما كَانَ سَببا لتحريق المحزونين ثِيَابهمْ ألبست ثوبا من الْعَذَاب تود لَو أَنه تحرق. وَلما كَانَ نوحها كلما تردد زَادَت اللوعة وَقَوي احتراق الْقُلُوب بِنَار الوجد جعل لباسها من قطران؛ لِأَنَّهُ كلما لفحته النَّار زَاد اشتعاله، وَكَذَلِكَ جعل لَهَا درع من جرب؛ لِأَن الجرب يثير دَاء الحكة، ونوحها يثير مَا فِي بواطن الْقُلُوب من الْجزع والأسى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 كشف الْمُشكل من المسانيد الَّتِي انْفَرد البُخَارِيّ بِالْإِخْرَاجِ مِنْهَا فَمِنْهَا: (122) مُسْند سعد بن معَاذ اسْلَمْ على يَدي مُصعب بن عُمَيْر، فَأسلم بِإِسْلَامِهِ بَنو عبد الْأَشْهَل، وَهِي أول دَار أسلمت من الْأَنْصَار، وَشهد بَدْرًا وَأحد، وَثَبت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ، وَرمي يَوْم الخَنْدَق، ثمَّ انفجر كَلمه بعد ذَلِك فَمَاتَ. وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ حَدِيثا وَاحِدًا. 2378 - / 3012 - وَفِيه: أَنه نزل على أُميَّة، وَخرج مَعَه يطوف بِالْبَيْتِ، فَقَالَ أَبُو جهل: أَلا أَرَاك تَطوف آمنا وَقد آويتم الصباة. الصباة جمع صابئ. والصابئ: الْخَارِج من دين إِلَى دين. وَكَانَت الْجَاهِلِيَّة تسمي من خرج من عبَادَة الْأَوْثَان إِلَى دين الْإِسْلَام صابئا لتِلْك الْعَادة. وَقَوله: لأمنعن طريقك على الْمَدِينَة. يُشِير إِلَى خُرُوجه إِلَى الشَّام للتِّجَارَة. وَأَبُو الحكم هُوَ أَبُو جهل، كَانَ يكنى بالكنيتين. الحديث: 2378 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 والوادي هَاهُنَا مَكَّة؛ لِأَنَّهَا بَين جبلين. وَقَوله: اسْتنْفرَ أَبُو جهل: أَي دَعَا النَّاس إِلَى أَن ينفروا لِلْقِتَالِ. وَالْعير: الْإِبِل تحمل الْميرَة. والصريخ هَاهُنَا: المستغيث بِالنَّاسِ لِيخْرجُوا. والجهاز: مَا يصلح الْإِنْسَان. يُقَال: جهزت الْقَوْم: إِذا هيأت لَهُم مَا يصلحهم، وجهاز الْبَيْت: مَتَاعه. والأشراف جمع شرِيف: وَهُوَ العالي الْقدر، وَذَلِكَ يكون بِالنّسَبِ وبالجاه وبالعلم وبالمال، إِلَى غير ذَلِك. وَأُميَّة قتل يَوْم بدر بِلَا شكّ , وَهُوَ من جملَة من سحب إِلَى القليب. وَظَاهر هَذَا الحَدِيث يدل على أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَتله , فَإِنَّهُ قَالَ: " إِنِّي قَاتلك " وَقد قتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد أبي بن خلف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 (123) وَأخرج البُخَارِيّ لأبي عقبَة سُوَيْد بن النُّعْمَان حَدِيثا وَاحِدًا 2379 - / 3013 - وَفِيه: فَأمر بالسويق فثري , فلاك مِنْهُ ثمَّ صلى وَلم يتَوَضَّأ. ثري بِمَعْنى بل، وَمِنْه الثرى وَهُوَ التُّرَاب الندي، وَأَرْض ثرياء: أَي ندية. واللوك: ترديد اللُّقْمَة فِي المضغ. وَقد قيل: هَذَا نَاسخ لأَمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْوضُوءِ مِمَّا مست النَّار. الحديث: 2379 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 (125) 2380 - / 3016 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي من: مُسْند رِفَاعَة بن رَافع: كُنَّا نصلي وَرَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا رفع رَأسه من الرَّكْعَة قَالَ: " سمع الله لمن حَمده " وَقَالَ رجل وَرَاءه: رَبنَا وَلَك الْحَمد، حمدا كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " رَأَيْت بضعَة وَثَلَاثِينَ ملكا يبتدرونها: أَيهمْ يَكْتُبهَا أول ". قَالَ بعض الْعلمَاء: إِنَّمَا كَانُوا بضعَة وَثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّهَا بضعَة وَثَلَاثُونَ حرفا، فَكل حرف لملك. الحديث: 2380 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 (128) وَأخرج لأبي سعيد بن الْمُعَلَّى حَدِيثا وَاحِدًا 2381 - / 3021 - وَفِيه: كنت أُصَلِّي فدعاني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم أجبه، ثمَّ أَتَيْته فَقلت: يَا رَسُول الله! إِنِّي كنت أُصَلِّي، فَقَالَ: " ألم يقل الله: {اسْتجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذا دعَاكُمْ} [الْأَنْفَال: 24] ، ثمَّ قَالَ: " لأعلمنك سُورَة هِيَ أعظم السُّور فِي الْقُرْآن: {الْحَمد لله رب الْعَالمين} هِيَ السَّبع المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم الَّذِي أُوتِيتهُ ". وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن الْأَمر على الْفَوْر؛ لِأَنَّهُ عاتبه لما تَأَخّر عَن إجَابَته. وَفِيه دَلِيل على لُزُوم الْعَمَل بِمُقْتَضى اللَّفْظ، إِلَّا أَن يصرف عَنهُ دَلِيل؛ لِأَنَّهُ قَالَ: ألم يقل: {اسْتجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ} . وَأما السُّورَة فَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: من همز السُّورَة جعلهَا من: أسأرت، يَعْنِي أفضلت، كَأَنَّهَا قِطْعَة من الْقُرْآن، وَمن لم يهمزها جعلهَا من سُورَة الْبناء: أَي منزلَة بعد منزلَة. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: إِنَّمَا سميت سُورَة؛ لِأَنَّهَا يرْتَفع فِيهَا من منزلَة إِلَى منزلَة. وَقَوله: {الْحَمد لله} دَلِيل على أَن الْبَسْمَلَة لَيست مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ الحديث: 2381 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 ب {الْحَمد} . وَقَوله: {هِيَ السَّبع} لِأَنَّهَا سبع آيَات. وَإِنَّمَا سميت بالمثاني لِأَنَّهَا تثنى فِي كل رَكْعَة , قَالَه ابْن الْأَنْبَارِي. وَقيل: لِأَنَّهَا مِمَّا أثني بِهِ على الله عز وَجل , ذكره الزّجاج , قَالَ: و " من " هَاهُنَا للصفة , فَيكون السَّبع هِيَ المثاني , كَقَوْلِه: {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان} [الْحَج: 30] . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 (130) وَأخرج لِمَعْنٍ بن يزِيد حَدِيثا وَاحِدًا 2382 - / 3023 - وَفِيه: بَايَعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا وَأبي وجدي , وخطب عَليّ فأنكحني , وخاصمت إِلَيْهِ: كَانَ أبي يزِيد أخرج دَنَانِير يتَصَدَّق بهَا فوضعها عِنْد رجل فِي الْمَسْجِد , فَجئْت فأخذتها , فَأَتَيْته بهَا فَقَالَ: " وَالله مَا إياك أردْت , فَخَاصَمته إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " لَك مَا نَوَيْت يَا يزِيد , وَلَك مَا أخذت يَا معن ". معن هُوَ ابْن يزِيد بن الْأَخْنَس بن الْحباب السّلمِيّ، ويكنى معن أَبَا يزِيد، ويكنى يزِيد أَبَا معن. وَقَوله: وخطب عَليّ: يَعْنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَوله: كَانَ أبي أخرج دَنَانِير فوضعها عِنْد رجل: أَي تَركهَا عِنْده ليتصدق بهَا، فَجئْت فأخذتها: أَي أَعْطَانِي إِيَّاهَا من الصَّدَقَة، فَأَتَيْته: أَي فَجئْت أبي بِتِلْكَ الدَّنَانِير فَقَالَ: وَالله مَا إياك أردْت: أَي مَا أخرجتها لأتصدق عَلَيْك بهَا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَك مَا نَوَيْت " أَي لَك ثَوَاب الصَّدَقَة. الحديث: 2382 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 (132) وَأخرج لأبى سروعة عقبَة بن الْحَارِث المَخْزُومِي ثَلَاثَة أَحَادِيث 2383 - / 3025 - وَفِي الحَدِيث الأول: أَنه تزوج امْرَأَة فَجَاءَت امْرَأَة فَقَالَت: إِنِّي قد أرضعتكما، فَركب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كَيفَ وَقد قيل؟ " ففارقها عقبَة. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان البستي: قَوْله: " كَيفَ وَقد قيل " يدل على أَنه إِنَّمَا اخْتَار لَهُ فراقها من طَرِيق الْوَرع وَالْأَخْذ بِالِاحْتِيَاطِ دون الحكم بذلك، وَلَيْسَ قَول الْمَرْأَة الْوَاحِدَة شَهَادَة يجب بهَا حكم فِي أصل من الْأُصُول، وَلَو كَانَ سَبِيلهَا سَبِيل الشُّهُود لاعتبر عدالتها وصدقها. 2384 - / 3026 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " ذكرت شَيْئا من تبر عندنَا فَكرِهت أَن يحبسني ". التبر من الذَّهَب وَالْفِضَّة: مَا كَانَ غير مطبوع. وَقَوله: " فَكرِهت أَن يحبسني " أَي يشغل قلبِي فيمنعه من انطلاقه فِيمَا يُرِيد. الحديث: 2383 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 (134) وَأخرج لمرداس الْأَسْلَمِيّ حَدِيثا وَاحِدًا 2385 - / 3028 - وَفِيه: " وَتبقى حثالة كحثالة الشّعير " وَفِي لفظ: " حفالة " - لَا يبالهم الله بالة ". حثالة الطَّعَام: رديئه. وحثالة الدّهن: ثفله. والحثالة: الرَّدِيء من كل شَيْء، وَكَذَلِكَ الحفالة، وَالْفَاء والثاء يتعاقبان، يُقَال: جدث وجدف، وثوم وفوم. وَمثل الحثالة الخشارة. وَقَوله: " لَا يباليهم الله بالة " أَي لَا يُبَالِي بهم وَلَا يُقيم لَهُم وزنا. والبالة مصدر كالمبالاة، وَيُقَال: باليت بالشَّيْء بالة ومبالاة. وَتقول: لَا أُبَالِي بِكَذَا: أَي لَا يجْرِي على بالي. والبال: الْقلب، إِلَّا أَنه فِي حق الله عز وَجل بِمَعْنى الْإِعْرَاض عَنْهُم وَسُقُوط قدرهم عِنْده وَقَوله: " يعبأ بهم " قَالَ الزّجاج: يُقَال: مَا عبأت بفلان: أَي مَا كَانَ لَهُ عِنْدِي وزن وَلَا قدر. الحديث: 2385 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 (136) وَأخرج لعَمْرو بن سَلمَة الْجرْمِي عَن أَبِيه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا وَاحِد، والمسند مِنْهُ لسَلمَة , فَأَما عَمْرو فَإِنَّهُ أدْرك زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يلقه، وَقد أم الصَّحَابَة فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. 2386 - / 3031 - وَفِي الحَدِيث: كُنَّا بِمَاء ممر النَّاس. أَي: كُنَّا نزلا بِمَاء يمر النَّاس عَلَيْهِ. والركبان والراكبون والركب لَا يكونُونَ إِلَّا على جمال. وَقَوله: يغرى فِي صَدْرِي: أَي يلصق بالغراء: وَهُوَ صمغ أَو مَا يقوم مقَامه. وَقَوله: تلوم بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْح: أَي يتربص وينتظر. وَالْفَتْح: فتح مَكَّة. وَقَوله: فقدموني. قد بَين سَبَب تَقْدِيمه وَهُوَ كَثْرَة مَا مَعَه من الْقُرْآن، وَهَذَا دَلِيل على تَقْدِيم الْقَارئ. فَأَما صلَاته بهم وَهُوَ صَغِير فيحتج بهَا الشَّافِعِي فِي جَوَاز إِمَامَة الصَّبِي للبالغين. وَيحْتَمل أَنه أمّهم فِي النَّافِلَة. الحديث: 2386 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 (140) وَأخرج لعبد الله بن هِشَام الْقرشِي حديثين 2387 - / 3035 - فَفِي الأول: أَن عمر قَالَ: يَا رَسُول الله، لأَنْت أحب إِلَيّ من كل شَيْء إِلَّا نَفسِي. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أكون أحب إِلَيْك من نَفسك ". إِن قَالَ قَائِل: كَيفَ كلفه بِمَا لَا يدْخل تَحت طوقه؛ فَإِن الْمحبَّة فِي الْجُمْلَة لَيست إِلَى الْإِنْسَان، ثمَّ إِن حبه لنَفسِهِ أَشد من حبه لغَيْرهَا، وَلَا يُمكنهُ تَغْيِير ذَلِك؟ فَالْجَوَاب: أَنه إِنَّمَا كلفه الْحبّ الشَّرْعِيّ، وَهُوَ إيثاره على النَّفس وَتَقْدِيم أوامره على مراداتها. فَأَما الْحبّ الطبعي فَلَا. وَقد سبق بَيَان هَذَا فِي مُسْند أنس. 2388 - / 3036 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا لي بِالْبركَةِ، فَكَانَ رُبمَا أصَاب الرَّاحِلَة كَمَا هِيَ. فِي هَذَا الحَدِيث رد على جهلة المتزهدين فِي اعْتِقَادهم أَن سَعَة الْحَلَال مذمومة. الحديث: 2387 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 (141) وَأخرج لشيبة بن عُثْمَان الحجبى حَدِيثا وَاحِدًا 2389 - / 3037 - قَالَ: قَالَ عمر: لقد هَمَمْت أَلا أدع فِيهَا صفراء وَلَا بَيْضَاء إِلَّا قسمته. قلت: إِن صاحبيك لم يفعلا. قَالَ: هما المرءان أقتدي بهما. الصَّفْرَاء: الذَّهَب. والبيضاء: الْفضة. وَأَرَادَ مَال الْكَعْبَة الَّذِي كَانَ اجْتمع فِيهَا، وَكَانُوا قَدِيما يهْدُونَ إِلَى الْكَعْبَة المَال فيجتمع فِيهَا. الحديث: 2389 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 (142) وَأخرج لعَمْرو بن تغلب حديثين 2390 - / 3038 - وَفِي الأول: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى رجَالًا وَترك رجَالًا , فَبَلغهُ أَن الَّذين ترك عتبوا. العتب: الموجدة , فَمَعْنَى عتبوا: وجدوا فِي أنفسهم كَرَاهِيَة لذَلِك. وَقَوله: " إِنِّي أعطي أَقْوَامًا لما أرى فِي قُلُوبهم من الْجزع ". الْجزع ضد الصَّبْر: وَهُوَ شدَّة القلق من الْمُصِيبَة. والهلع: شدَّة الْجزع. وَقَوله: " أكل أَقْوَامًا إِلَى مَا جعل الله فِي قُلُوبهم من الْغنى " أَي أتركهم مَعَ مَا وهب الله لَهُم من غنى النَّفس، وصبروا وتعففوا عَن الطمع والشره. 2391 - / 3039 - والْحَدِيث الثَّانِي: قد سبق شَرحه فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة وَغَيره. الحديث: 2390 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 (143) وَأخرج لسلمان بن عَامر الضَّبِّيّ حَدِيثا وَاحِدًا 2392 - / 3040 - وَفِيه: " مَعَ الْغُلَام عقيقته، فأهريقوا عَنهُ دَمًا، وأميطوا عَنهُ الْأَذَى ". قَالَ أَبُو عبيد: الْعَقِيقَة أَصْلهَا الشّعْر الَّذِي يكون على رَأس الصَّبِي حِين يُولد، وَإِنَّمَا سميت الشَّاة الَّتِي تذبح عَنهُ عقيقة لِأَنَّهُ يحلق عَنهُ الشّعْر عِنْد الذّبْح، وَهُوَ قَوْله: " أميطوا الْأَذَى عَنهُ " وَيَعْنِي بالأذى ذَلِك الشّعْر. وَقَالَ غَيره: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك الشّعْر أَذَى لِأَنَّهُ قد علق بِهِ دم الرَّحِم. وَقيل: كَانُوا يلطخون رَأس الصَّبِي بِدَم الْعَقِيقَة وَهُوَ أَذَى , فنهوا عَن ذَلِك. وَقَالَ بَعضهم: الْعَقِيقَة: الشَّاة نَفسهَا، وَسميت عقيقة لِأَنَّهَا تعق مذابحها: أَي تشق وتقطع. يُقَال: عق الْبَرْق فِي السَّحَاب وانعق: إِذا تشقق، وَمِنْه عقوق الْوَلَد. وَاعْلَم أَن الْعَقِيقَة عِنْد أَحْمد مُسْتَحبَّة، وَعند أبي حنيفَة لَا تسْتَحب، وَعند دَاوُد وَاجِبَة، وَقد اخْتَار هَذَا أَبُو بكر بن عبد الْعَزِيز من أَصْحَابنَا، وَنَقله عَن أَحْمد. وَالْمُسْتَحب شَاتَان عَن الْغُلَام، وَعَن الْجَارِيَة شَاة، وَهَذَا قَول الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق بن رَاهْوَيْةِ، وَقَالَ مَالك: شَاة عَن الْجَمِيع. وَكَانَ الْحسن وَقَتَادَة لَا يريان عَن الْجَارِيَة عقيقة. الحديث: 2392 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 وَقد روى أَبُو دَاوُد فِي " سنَنه " من حَدِيث أم كرز الْكَعْبِيَّة قَالَت: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " عَن الْغُلَام شَاتَان مكافئتان، وَعَن الْجَارِيَة شَاة ". قَالَ: وَسمعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول: شَاتَان مكافئتان: مستويتان أَو متقاربتان. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: وَحَقِيقَة ذَلِك التكافؤ فِي السن، يُرِيد: شَاتين مُسنَّتَيْنِ تجوزان فِي الضَّحَايَا، لَا تكون إِحْدَاهمَا مُسِنَّة وَالْأُخْرَى غير مُسِنَّة. وَيسْتَحب ذَبحهَا يَوْم السَّابِع، فَإِن لم يتهيأ فَيوم الرَّابِع عشر، فَإِن لم يتهيأ فَيوم وَاحِد وَعشْرين، لما روى سَمُرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " الْغُلَام مُرْتَهن بعقيقته، تذبح عَنهُ يَوْم السَّابِع، وَيُسمى ويحلق رَأسه ". وَفِي رِوَايَة: " ويدمى " مَكَان " وَيُسمى ". وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي معنى ارتهانه بعقيقته: فَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: أَجود الْوُجُوه مَا ذهب إِلَيْهِ أَحْمد بن حَنْبَل فَإِنَّهُ قَالَ: هَذَا فِي الشَّفَاعَة إِن لم يعق عَنهُ فَمَاتَ طفْلا لم يشفع فِي وَالِديهِ. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: " مُرْتَهن بعقيقته " أَي بأذى شعره، وَاسْتدلَّ بقوله: " فأميطوا عَنهُ الْأَذَى " والأذى: مَا علق بِهِ من دم الرَّحِم. وَقد اخْتلف النَّاس فِي معنى " يدمى " فَكَانَ قَتَادَة يَقُول: إِذا ذبحت الْعَقِيقَة يُؤْخَذ مِنْهَا صوفة فيستقبل بهَا أوداجها، ثمَّ تُوضَع على يافوخ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 الصَّبِي ثمَّ يغسل رَأسه بعده ويحلق. وَرُوِيَ عَن الْحسن أَنه قَالَ: يطلى رَأسه بِدَم الْعَقِيقَة. وَكره أَكثر أهل الْعلم لطخ رَأسه بِدَم الْعَقِيقَة، وَقَالُوا: كَانَ ذَلِك من عمل الْجَاهِلِيَّة. وَمِمَّنْ كره ذَلِك: الزُّهْرِيّ وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق , وَتَكَلَّمُوا فِي هَذَا الحَدِيث من طَرِيق همام عَن قَتَادَة فَقَالُوا: قَوْله: " يدمى " غلط، وَإِنَّمَا هُوَ " يُسمى ". كَذَلِك رَوَاهُ شُعْبَة وَسَلام بن أبي مُطِيع عَن قَتَادَة، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَشْعَث عَن الْحسن. وَقد اسْتحبَّ جمَاعَة مِنْهُم الْحسن وَمَالك أَلا يُسمى الصَّبِي قبل السَّابِعَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 (144) وَأخرج للمقدام بن معدي كرب حديثين 2393 - / 3041 - فَفِي الأول: " كيلوا طَعَامكُمْ يُبَارك لكم فِيهِ ". يشبه أَن تكون هَذِه الْبركَة للتسمية عَلَيْهِ فِي الْكَيْل. 2394 - / 3042 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " مَا أكل أحد طَعَاما خيرا لَهُ من أَن يَأْكُل من عمل يَده ". وَإِنَّمَا فضل عمل الْيَد لِأَن مَا تناله الْأَعْضَاء من تنَاول الْأجر فِي مُقَابلَة تعبها. الحديث: 2393 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 (148) وَقد حكى أَبُو مَسْعُود صَاحب التعليقة أَن البُخَارِيّ أخرج من حَدِيث عَمْرو بن مَيْمُون 2395 - / 3047 ، 3048 - قَالَ: رَأَيْت فِي الْجَاهِلِيَّة قردة زنت فرجموها. وَهَذَا فِي بعض النّسخ بالبخاري لَا فِي كلهَا، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة النعيمي عَن الْفربرِي. قَالَ الْحميدِي: وَلَعَلَّ هَذَا من الْمُقْحمَات الَّتِي أقحمت فِي كتاب البُخَارِيّ. وَقد أوهم أَبُو مَسْعُود بترجمة عَمْرو بن مَيْمُون أَنه من الصَّحَابَة الَّذين انْفَرد بِالْإِخْرَاجِ عَنْهُم البُخَارِيّ، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِنَّهُ لَيْسَ من الصَّحَابَة , وَلَا لَهُ فِي الصَّحِيح مُسْند. وَكَذَلِكَ فعل فِي أبي رَجَاء العطاردي، وَلَيْسَ من الصَّحَابَة أَيْضا، وَإِنَّمَا لَهُ حِكَايَة يَقُول فِيهَا: كُنَّا إِذا لم نجد حجرا جَمعنَا جثوَة من تُرَاب فحلبنا عَلَيْهَا ثمَّ طفنا بهَا، فَإِذا جَاءَ رَجَب قُلْنَا: منصل الأسنة. الجثوة: قدر مَا يجْتَمع فِي الْكَفّ. ومنصل الأسنة: مخرجها من أماكنها من الرماح والسهام إبطالا لِلْقِتَالِ، وتركا للحرب. يُقَال: أنصلت السهْم وَالرمْح: إِذا أخرجت نصلة: وَهِي حديدته. الحديث: 2395 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 (150) وَأخرج البُخَارِيّ لوحشي بن حَرْب حَدِيث مقتل حَمْزَة 2396 - / 3049 - وَفِيه: خرجت مَعَ عبيد الله بن عدي فسألنا عَن وَحشِي، فَقيل: فِي ظلّ قصره، كَأَنَّهُ حميت، وَعبيد الله معتجر بعمامته. الحميت: الزق، وَأكْثر مَا يُقَال هَذَا فِي أوعية السّمن وَالزَّيْت. والاعتجار: لف الْعِمَامَة على الرَّأْس دون أَن يتلحى مِنْهَا بِشَيْء، يُقَال: إِنَّه لحسن العجرة. فَإِن قيل: فقد قَالَ فِي الحَدِيث: مَا يرى وَحشِي إِلَّا عَيْنَيْهِ. فَالْجَوَاب: أَنه كَانَ قد غطى وَجهه بعد الْعِمَامَة لَا بهَا. والمبارز: الَّذِي يخرج إِلَى قتال من يتعاطى قِتَاله، وَهُوَ مَأْخُوذ من البرَاز: وَهُوَ اسْم للفضاء الْوَاسِع. وَقَوله: يَا ابْن مقطعَة البظور. البظور جمع بظر: وَهُوَ مَا تقطعه الخاتنة من فروج النِّسَاء، وَكَانَت أمه خاتنة تختن النِّسَاء، وَتسَمى الخافضة فَعَيَّرَهُ بذلك. وَبَعض أَصْحَاب الحَدِيث يَقُولُونَ: مقطعَة بِفَتْح الطَّاء، وَهُوَ خطأ. الحديث: 2396 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 وَمعنى المحادة أَن يكون هَذَا فِي حد وَهَذَا فِي حد، وَكَذَلِكَ المشاقة: أَن يكون هَذَا فِي شقّ وَهَذَا فِي شقّ. وَقَوله: فَشد عَلَيْهِ: أَي حمل عَلَيْهِ. فَكَانَ كأمس الدابر، هَذَا كِنَايَة عَن هَلَاكه. وَقَوله: وكمنت: أَي استترت، وَمِنْه الكمين. وَقَوله: " هَل تَسْتَطِيع أَن تغيب وَجهك عني؟ " فِي هَذَا إِشْكَال على من قل علمه، فَإِنَّهُ يَقُول: إِذا كَانَ الْإِسْلَام يجب مَا قبله، فَمَا وَجه هَذَا القَوْل من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ وَهُوَ قَول يشبه مُوَافقَة الطَّبْع، وَأَيْنَ الْحلم؟ . وَالْجَوَاب: أَن الشَّرْع لَا يُكَلف نقل الطَّبْع، إِنَّمَا يُكَلف ترك الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلما رأى وحشيا ذكر فعله فتغيظ عَلَيْهِ بالطبع، وَهَذَا يضر وحشيا فِي دينه، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ اللطف فِي إبعاده. وَأما الثلمة فَهِيَ كالفرجة. وأصل الثلمة الْخلَل. والأورق: الْبَعِير الَّذِي لَونه كلون الرماد. والثائر الرَّأْس: الَّذِي شعره غير مطمئن. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 (153) وَأخرج البُخَارِيّ من حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم 2397 - / 3050 - " يرد عَليّ الْحَوْض رجال فيحلئون عَنهُ " أَي يطردون عَنهُ. وَهَذَا قد سبق فِي مَوَاضِع. (156) 2398 - / 3053 - وَأخرج عَن سراقَة بن مَالك حَدِيثا سَيَأْتِي فِي مُسْند عَائِشَة تَاما. وَيَأْتِي تَفْسِيره إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الحديث: 2397 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 كشف الْمُشكل من المسانيد الَّتِي انْفَرد بِالْإِخْرَاجِ مِنْهَا مُسلم فَمِنْهَا: (157) كشف الْمُشكل من مُسْند عبد الْمطلب بن ربيعَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب 2399 - / 3054 - أخرج لَهُ حَدِيثا وَاحِدًا: وَفِيه: اجْتمع ربيعَة بن الْحَارِث وَالْعَبَّاس فَقَالَا: لَو بعثنَا هذَيْن الغلامين - قَالَ لي وللفضل بن الْعَبَّاس - إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكَلمَاهُ فَأَمرهمَا على هَذِه الصَّدقَات. قَوْله: لي وللفضل: أَي قَالَ عني وَعَن الْفضل. وَقَوله: فانتحاه ربيعَة: أَي قَصده وَاعْترض عَلَيْهِ فِي كَلَامه. وَقَوله: نفاسة مِنْك: أَي حسدا وكراهية للمشاركة فِي الْمنزلَة. وَقَوله: " أخرجَا مَا تصرران " أَي مَا تكتمان فِي صدوركما، وكل شَيْء جمعته فقد صررته. قَوْله: فتواكلنا الْكَلَام: أَي كل منا قد وكل الْكَلَام إِلَى صَاحبه يُرِيد الحديث: 2399 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 من صَاحبه أَن يَبْتَدِئ هُوَ بالْكلَام لموْضِع الْحيَاء. وَقَوله: تلمع إِلَيْنَا: أَي تُشِير. ومحمية هُوَ ابْن جُزْء الْأَسدي. وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعْملهُ على الْأَخْمَاس. وَقَوله: " أصدق عَنْهُمَا من الْخمس " إِمَّا أَن يُشِير إِلَى سَهْمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْخمس، أَو إِلَى سهم ذَوي الْقُرْبَى. وَالْقَرْمُ: السَّيِّد الْمُعظم، شبه بالقرم، وَهُوَ الْفَحْل المكرم المرفه عَن الابتذال والاستخدام، الْمعد لما يصلح لَهُ من الفحلة لكرمه. وَقد رَوَاهُ بعض الْمُحدثين: أَنا أَبُو حسن الْقَوْم، وَهُوَ غلط وَقلة معرفَة بالْكلَام. وَقَوله: لَا أريم مَكَاني: أَي لَا أزول من موضعي حَتَّى يرجعا بحور مَا بعثتما؛ أَي بِجَوَاب ذَلِك وَمَا يرد فِيهِ. وأصل الْحور الرُّجُوع، يُقَال: كلمت فلَانا فَمَا أحار لي جَوَابا: أَي مَا رده عَليّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 (158) وَأخرج لهشام بن حَكِيم بن حزَام حَدِيثا وَاحِد 2400 - / 3055 - وَفِيه: أَنه مر على قوم من الأنباط. الأنباط جمع نبط: وهم صنف من الفلاحين بِالشَّام، لَهُم خبْرَة بعمارة الأَرْض وزراعتها. الحديث: 2400 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 (160) وَأخرج للشريد بن سُوَيْد حديثين 2401 - / 3057 - فَفِي الأول: كَانَ فِي وَفد ثَقِيف رجل مجذوم فَأرْسل إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّا قد بايعناك فَارْجِع ". قد سبق الْكَلَام فِي هَذَا فِي قَوْله: " فر من المجذوم " فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. 2402 - / 3058 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: ردفت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " هَل مَعَك من شعر أُميَّة بن أبي الصَّلْت شَيْء؟ " قلت: نعم، قَالَ: " هيه " فَأَنْشَدته بَيْتا فَقَالَ: " هيه "، ثمَّ أنشدته بَيْتا فَقَالَ: " هيه " حَتَّى أنشدته مائَة بَيت فَقَالَ: " إِن كَاد ليسلم " وَفِي رِوَايَة: " ليسلم فِي شعره ". قَوْله: ردفت رَسُول الله: أَي كنت وَرَاءه. وَأُميَّة هَذَا رجل كَانَ يتطلب الدّين، فَأخْبرهُ عُلَمَاء الْكِتَابَيْنِ أَنه سَيظْهر نَبِي فِي هَذَا الزَّمَان، فَمَا زَالَ يبْحَث عَن صفته ويرجو أَن يكون هُوَ الْمَبْعُوث، فَلَمَّا أَخْبرُوهُ بسنه قَالَ: قد عبرت هَذَا السن، فَلَمَّا ظهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفر بِهِ وَمَات على الْكفْر. وَقَوله: " هيه " كلمة يُرِيد بهَا الْمُخَاطب استزادة الْمُخَاطب من الشَّيْء الحديث: 2401 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 الَّذِي بَدَأَ فِيهِ. وَفِي هَذَا الحَدِيث جَوَاز استنشاد الشّعْر الَّذِي يحسن سَمَاعه من غير كَرَاهِيَة؛ فَإِن شعر أُميَّة كَانَ معظمه ذكر التَّوْحِيد. وَقَوله: " إِن كَاد ليسلم " كَاد بِمَعْنى قَارب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 (161) وَأخرج لنافع بن عتبَة بن أبي وَقاص حَدِيثا وَاحِدًا 2403 - / 3059 - وَفِيه: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قوم من قبل الْمغرب عَلَيْهِم ثِيَاب الصُّوف، فوافقوه عِنْد أكمة وَإِنَّهُم لقِيَام وَهُوَ قَاعد، فَقَالَت لي نَفسِي: ائتهم فَقُمْ بَينهم وَبَينه لَا يغتالونه. ثمَّ قلت: لَعَلَّه نجي مَعَهم. فأتيتهم فَقُمْت بَينهم وَبَينه. الأكمة: الْمَكَان الْمُرْتَفع كالرابية. والاغتيال: أَخذ الْإِنْسَان على غَفلَة من حَيْثُ لم يظنّ. والنجي: من الْمُنَاجَاة، وَهِي الإنفراد بِالْحَدِيثِ مَعَ المناجي. وَفِي هَذَا الحَدِيث مَا يدل على حسن فطنة نَافِع , وينبه كل صَاحب أَن يحْتَرز لمصحوبه، وَأَن ينظر فِي مَصَالِحه وَإِن لم يَأْمُرهُ بهَا. الحديث: 2403 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 (162) وَأخرج لمطيع بن الْأسود حَدِيثا وَاحِدًا وَكَانَ اسْمه العَاصِي فَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُطيعًا. 2404 - / 3060 - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم فتح مَكَّة: " لَا يقتل قرشي صبرا بعد هَذَا الْيَوْم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ". أصل الصَّبْر الْحَبْس. وَقتل فلَان صبرا: أَي قتل وَهُوَ مأسور مَحْبُوس للْقَتْل لَا فِي معركة، وَمِنْه المصبورة الَّتِي نهى عَنْهَا. قَالَ الْحميدِي: وَقد تَأَول بعض الْعلمَاء هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: الْمَعْنى: لَا يقتل مُرْتَدا ثَابتا على الْكفْر صبرا؛ إِذْ قد وجد من قتل مِنْهُم صبرا، وَهُوَ ثَابت على الْكفْر. وَقد سبق مَا بعد هَذَا. الحديث: 2404 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 (165) وَأخرج لسبرة بن معبد الْجُهَنِيّ حَدِيثا وَاحِدًا فِي ذكر الْمُتْعَة 2405 - / 3064 - وَفِيه: أذن لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمُتْعَة، فَانْطَلَقت أَنا وَرجل إِلَى امْرَأَة كَأَنَّهَا بكرَة عيطاء. الْبكر: الفتي من الأبل، وَالْأُنْثَى بكرَة. والعيطاء: الطَّوِيلَة الْعُنُق، وَكَذَلِكَ العنطنطة. وَالذكر أعيط وعنطنط. وَأما الدمامة فحدثنا ابْن نَاصِر عَن أبي زَكَرِيَّا قَالَ: الدميم بِالدَّال غير الْمُعْجَمَة فِي الْخلق، وبالذال الْمُعْجَمَة فِي الْخلق. وَقَالَ غَيره: الدمامة بِالدَّال الْمُهْملَة: قبح فِي الْوَجْه، يُقَال: دم وَجه فلَان يدم دمامة فَهُوَ دميم. والخلق: الرث. والغض: الطري الناعم. والعطف: الْجَانِب. وَيُقَال: فلَان ينظر فِي عطفيه، كِنَايَة عَن الْإِعْجَاب؛ لِأَن المعجب ينظر فِي أعطافه. والمح: الْبَالِي. وَقَوله: فآمرت نَفسهَا: أَي استأمرت تنظر مَا تأمرها بِهِ النَّفس. وَإِنَّمَا اختارته لشبابه وَحسنه، وَهَذَا لَا يُنكر على الرِّجَال الحازمين، الحديث: 2405 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 فَكيف يستنكر من النِّسَاء، وَهل هن إِلَّا شقائق الرِّجَال، قَالَ عَلْقَمَة بن عَبدة: (فَإِن تَسْأَلُونِي بِالنسَاء فإنني ... بَصِير بأدواء النِّسَاء طَبِيب) (يردن ثراء المَال أَيْن وجدنه ... وشرخ الشَّبَاب عِنْدهن عَجِيب) وَقَوله: قَالَ ابْن الزبير: إِن نَاسا يفتون بِالْمُتْعَةِ، يعرض بِرَجُل؛ الرجل عبد الله بن عَبَّاس. فناداه: يَعْنِي ابْن عَبَّاس نَادَى ابْن الزبير فَقَالَ: إِنَّك لجلف جَاف. والجلف هُوَ الجافي، وَإِنَّمَا جَاف إتباع وتأكيد فِي الْوَصْف. وأصل الجلف الشَّاة المسلوخة بِلَا رَأس وَلَا قَوَائِم. وَاعْلَم أَن نِكَاح الْمُتْعَة كَانَ مُبَاحا، ثمَّ حرمه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد ذكر هَذَا فِي هَذَا الحَدِيث. وَالظَّاهِر من حَال ابْن عَبَّاس أَنه بلغته الْإِبَاحَة وَلم يبلغهُ التَّحْرِيم، فَلذَلِك أَبَاحَهُ، إِلَّا أَنه قد رُوِيَ رُجُوعه عَن إِبَاحَته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 (168) وَأخرج لمعمر بن عبد الله حديثين 2406 - / 3067 - فِي أَحدهمَا: صَاع قَمح: وَهُوَ الْبر. وَفِيه: أَخَاف أَن يضارع. والمضارعة: المشابهة. 2407 - / 3068 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " من احتكر طَعَاما فَهُوَ خاطئ " فَقيل لسَعِيد بن الْمسيب: إِنَّك تحتكر. فَقَالَ: إِن معمرا الَّذِي كَانَ يحدث هَذَا الحَدِيث كَانَ يحتكر. الاحتكار: حبس الطَّعَام لانتظار غلائه. وَرُبمَا توهم سامع هَذَا الحَدِيث أَن رُوَاته قد خالفوه، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن سعيد بن الْمسيب كَانَ يحتكر الزَّيْت، والمذموم احتكار الطَّعَام فِي مثل مَكَّة وَالْمَدينَة لِئَلَّا تغلو الأسعار على ساكنيها، وَقد قَالَ عمر بن الْخطاب: لَا تحتكروا الطَّعَام بِمَكَّة، فَإِن احتكار الطَّعَام بِمَكَّة إلحاد بظُلْم. وَأما احتكار مَا لَيْسَ بضرورة من الْعَيْش كالزيت وَنَحْوه لَا يكره. وَأما احتكار الطَّعَام فِي مثل بَغْدَاد وَغَيرهَا من الْبلدَانِ يطرقها الجلب كل وَقت، فَجَائِز. الحديث: 2406 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 (169) وَأخرج عَن أبي الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة حديثين وَأَبُو الطُّفَيْل آخر من مَاتَ مِمَّن رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَاشَ ثمانيا وَتِسْعين سنة، وَمَات بِمَكَّة سنة مائَة، وَقيل: بعد الْمِائَة. 2408 - / 3069 - وَفِي الحَدِيث الأول: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبيض مليحا مقصدا، إِذا مَشى كَأَنَّهُ يهوي فِي صبوب. الْمَقْصد: الَّذِي لَيْسَ بجسيم وَلَا قصير. وَقيل: هُوَ الربعة من الرِّجَال. والصبوب: المنحدر من الأَرْض، وَمن مَشى فِي مثل ذَلِك تثبت. 2409 - / 3070 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَلم الرُّكْن بمحجن مَعَه، وَيقبل المحجن. قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانُوا لَا يدعونَ عَنهُ وَلَا يكْرهُونَ. الاستلام: اللَّمْس. والمحجن: عَصا معوجة الطّرف، وكل متعقف أحجن. وَقَوله: لَا يدعونَ عَنهُ: أَي لَا يدْفَعُونَ وَلَا يكْرهُونَ عَن التنحي. الحديث: 2408 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 (170) وَأخرج لعمير مولى آبي اللَّحْم حَدِيثا وَاحِدًا وَاسم آبي اللَّحْم عبد الله بن عبد. قَالَ هِشَام بن مُحَمَّد: وَإِنَّمَا سمي آبي اللَّحْم لِأَنَّهُ كَانَ يَأْبَى أكل مَا ذبح على الْأَصْنَام. 2410 - / 3071 - وَفِي الحَدِيث: أَمرنِي مولَايَ أَن أقدر لَحْمًا، فجَاء مِسْكين فأطعمته. الْمَعْنى: أَمرنِي أَن أطبخه فِي الْقدر. يُقَال: قدرت اللَّحْم أقدره: أَي جعلته قَدِيرًا، وأنشدوا (فظل طهاة اللَّحْم من بَين منضج ... صفيف شواء أَو قدير معجل) وَقَوله: " الْأجر بَيْنكُمَا " يَعْنِي: إِذا تصدق بِمَا يعلم أَنه لَا يكرههُ، وَمَتى علم العَبْد أَن السَّيِّد يكره ذَلِك لم يجز لَهُ أَن يتَصَدَّق، وَلَا للْمَرْأَة من الْبَيْت. الحديث: 2410 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 (173) وَأخرج لأبي الْيُسْر كَعْب بن عَمْرو حَدِيثا يجمع أَحَادِيث 2411 - / 3073 - من رِوَايَة الْوَلِيد بن عبَادَة قَالَ: لَقينَا أَبَا الْيُسْر وَمَعَهُ غُلَام لَهُ مَعَه ضمامة من صحف. كَذَا فِي الأَصْل، وَالصَّوَاب إضمامة: وَهِي الإضبارة، وَجَمعهَا أضاميم، وكل شَيْء ضم بعضه إِلَى بعض فَهُوَ إضمامة وأضاميم. والصحف جمع صحيفَة، وَهِي الورقة من الْكتب، وكل مَا انبسط فَهُوَ صحيفَة، وَسميت صَحْفَة الطَّعَام صَحْفَة لانبساطها. والبردة: الشملة المخططة، وَجَمعهَا: برد وبرود. والمعافري: نوع من الثِّيَاب ينْسب إِلَى المعافر، وَهِي محلّة بالفسطاط، أَو إِلَى قوم يعملونها من هَذِه الْقَبِيلَة. والسفعة: التَّغَيُّر فِي اللَّوْن. قَالَ الْخَلِيل: السفعة لَا تكون فِي اللَّوْن إِلَّا سوادا مشربا حمرَة. وَقَوله: فَخرج ابْن لَهُ جفر. والجفر من الغلمان الَّذِي قد قوي وَقَوي أكله. يُقَال استجفر الصَّبِي: إِذا قوي على الْأكل، وَأَصله فِي أَوْلَاد العنز، فَإِنَّهُ إِذا أَتَى على ولد العنز أَرْبَعَة أشهر، وَفصل عَن أمه وَأخذ فِي الحديث: 2411 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 الرَّعْي قيل لَهُ: جفر، وَالْأُنْثَى جفرة. والأريكة وَاحِدَة الأرائك، وَلَا تكون أريكة إِلَّا سريرا متخذا من قبَّة عَلَيْهِ نجده وشواره. والشوار: مَتَاعه الَّذِي يصلح لَهُ. ونياط الْقلب: مَا يتَعَلَّق بِهِ. وَقَوله: لكَانَتْ عَلَيْك حلَّة. وَهَذَا لِأَن الْحلَّة ثَوْبَان من جنس وَاحِد. وَقَوله: عرجون ابْن طَابَ. العرجون: عود الكباسة الَّذِي عَلَيْهِ الشماريخ. وَابْن طَابَ: اسْم جنس من الرطب. والنخامة تخرج من أقْصَى الْفَم. وَقَوله: فخشعنا. الْخُشُوع: التطامن والذل. وَبَعض الْمُحدثين يَقُوله بِالْجِيم، وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَهُ؛ لِأَن الجشع الْحِرْص. والعبير: أخلاط من الطّيب. وَقَوله: ثمَّ بَعثه: أَي حركه ليقوم. فتلدن عَلَيْهِ بعض التلدن: أَي تمكث وتلكأ وَلم ينبعث. يُقَال: تلدنت فِي هَذَا الْأَمر: أَي تلبثت. فَقَالَ لَهُ شأ: وَهُوَ زجر الْإِبِل. وَبَعْضهمْ يَقُول بِالْجِيم. وَقَوله: " لَا تصحبنا بملعون " قد تقدم الْكَلَام فِي هَذَا فِي مُسْند عمرَان الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 ابْن حُصَيْن وَأبي بَرزَة. وَقَوله: " لَا تدعوا على أَنفسكُم " هَذَا إِعْلَام بِأَن للإجابة أوقاتا، وَأَن الْإِجَابَة تقع عَامَّة، وَفِيه تحذير مِمَّا قد اعتاده النَّاس فِي أَحْوَال الضجر وَالْغَضَب من الدُّعَاء على أنفسهم وَأَوْلَادهمْ. وعشيشية تَصْغِير عَشِيَّة، وَهُوَ تَصْغِير نَادِر. ويمدر الْحَوْض: يطينه ويسد خلله ليمسك المَاء. والسجل: الدَّلْو. وَنَزَعْنَا فِيهِ: اسْتَقَيْنَا حَتَّى اصطفقناه: أَي ملأناه. وَقَوله: " أتأذنان؟ " لِأَنَّهُمَا أَصْحَاب المَاء، وَفِيه تَعْلِيم للْأمة. فأشرع نَاقَته: أَي أوردهَا المَاء ومكنها من الشّرْب مِنْهُ. وشنق لَهَا: أَي مد الزِّمَام إِلَيْهِ لتزول عَن المَاء. فشجت: أَي قطعت الشّرْب. يُقَال: شججت الْمَفَازَة: أَي قطعتها بالسير. والذباذب: كل مَا يتَعَلَّق من الشَّيْء فيتحرك. والذبذبة: حَرَكَة الشَّيْء الْمُعَلق. وتواقصت عَلَيْهَا: أَمْسَكت عَلَيْهَا بعنقي لِئَلَّا تسْقط: وَهُوَ أَن يحني الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 عَلَيْهَا عُنُقه. وَقَوله: فأدارني عَن يَمِينه، دَلِيل على بطلَان صَلَاة الْفَذ. وَقَوله: فدفعنا حَتَّى أقامنا خَلفه. هَذَا هُوَ الْمسنون للْإِمَام إِذا صلى إِلَى جَانِبه رجل ثمَّ جَاءَ آخر أَن يؤخرهما عَنهُ وَلَا يتَقَدَّم هُوَ؛ لِأَن الْمَأْمُوم أَحَق بالتغير. والحقو: معقد الْإِزَار فِي الْوسط، ثمَّ يُقَال للإزار حقوا؛ لِأَنَّهُ يشد على الحقو. وَقَوله: قوت كل رجل منا تَمْرَة. هَذَا يبين قُوَّة صبرهم وَمَا فضلوا بِهِ، وَيعرف العاجزين عَن الصَّبْر مقاديرهم، وَإِنَّمَا كَانُوا يصرون النواة فِي ثِيَابهمْ لأَنهم كَانُوا فِي بعض النَّهَار يعيدون مصها تشاغلا. وَيحْتَمل أَن يَكُونُوا قصدُوا الِانْتِفَاع بهَا حَتَّى لَا تضيع. قَوْله: نختبط: أَي نضرب الْخبط، وَهُوَ ورق الشّجر. وَقَوله: حَتَّى قرحت أشداقنا. الشدق: جَانب الْفَم. وقرحت: بِمَعْنى لَان جلدهَا وانكشط. فأقسم أخطئها: أَي لقد أخطئها رجل: أَي أخطئ التمرة فَلم يُعْطهَا غَفلَة عَنهُ أَو نِسْيَانا. فَانْطَلَقْنَا ننعشه: أَي نشْهد لَهُ كَأَنَّهُ قد عثر فانتعش؛ أَي قَامَ وَأَخذهَا بشهادتنا لَهُ. والأفيح: الْوَاسِع المنفسح. والإداوة: قد تقدّمت فِي مَوَاضِع. وشاطئ الْوَادي: جَانِبه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 وَقَوله: فانقادت كالبعير المخشوش: وَهُوَ الَّذِي جعل فِي أَنفه الخشاش ليذل بِهِ عِنْد الرّكُوب. وَالْمنصف: النّصْف. وَقَوله: وحسرته: أَي قطعته. فاندلق لي: أَي تحدد. وأصل الاستحسار الِانْقِطَاع. والأشجاب جمع شجب: وَهُوَ مَا استشن وأخلق من الأسقية، وَالْمَاء يبرد فِيهِ أَكثر من الْجَدِيد. وجريد النّخل: سعفها. والحمارة: سعفات مِنْهَا تُقَام مُخْتَلفَة ويعلق عَلَيْهَا المَاء. والعزلاء: مستخرج مَاء الْقرْبَة. وَقَوله: " يَا جَفْنَة الركب " أَي جيئوني بهَا. والركب: الْجَمَاعَة يركبون الْإِبِل، وهم يستصحبون جَفْنَة كَبِيرَة يَأْكُلُون فِيهَا. وزخر الْبَحْر: أَي هاج وَارْتجَّ. فأورينا على شقها النَّار: أَي أوقدنا على جَانبهَا. وحجاح الْعين: الْعظم المستدير حولهَا الَّذِي فِي دَاخله تكون المقلة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 (174) وَأخرج لعَمْرو بن عبسة السّلمِيّ حَدِيثا وَاحِدًا 2412 - / 3075 - وَفِيه: قَالَ عَمْرو: كنت وَأَنا فِي الْجَاهِلِيَّة أَظن أَن النَّاس على ضَلَالَة. هَذَا أَمر يدْرك ببداية الْعُقُول، وَهُوَ أَن عبَادَة حجر لَا يضر وَلَا ينفع لَا معنى لَهُ، ثمَّ ذل من يعقل لمن لَا يعقل، وخدمة من يفهم لمن لَا يفهم لَا تحسن. وَقَوله: حراء عَلَيْهِ قومه: أَي غضاب مغمومون قد عيل صبرهم بِهِ حَتَّى أثر فِي أجسامهم، وَهُوَ من قَوْلهم: حرى جِسْمه يحري: إِذا نقص من ألم أَو غم. وَيُقَال: أَفْعَى حارية: أَي قد كَبرت وَنقص لَحمهَا، وَهِي أَخبث الْحَيَّات. وَفِي بعض النّسخ: جرآء بِالْجِيم، وَهُوَ من الجرأة. وَقَوله: " بَين قَرْني شَيْطَان " قد سبق فِي مُسْند ابْن عمر. وَقَوله: " مَشْهُودَة محضورة " أَي تشهدها الْمَلَائِكَة وتحضرها الْحفظَة. وَقَوله: " حَتَّى يسْتَقلّ الظل بِالرُّمْحِ " أَي كَانَ بمقداره. وتسجر: توقد. والنثرة: الْأنف. فَيحْتَمل قَوْله: " ينتثر " يدْخل المَاء فِي أَنفه الحديث: 2412 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 للاستنشاق، وَيحْتَمل يلقِي مَا فِي أَنفه بالامتخاط، وَهُوَ أليق بِهَذَا الْمَكَان. والخياشيم جمع خيشوم: وَهُوَ الْأنف. وَقَوله: ومجده. التمجيد: التَّعْظِيم وَوَصفه بِمَا هُوَ لَهُ أهل. وَقَوله: قَالَ أَبُو أُمَامَة لعَمْرو لصَاحب الْعقل رجل من بني سليم. قد رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده فَقَالَ فِيهِ: فَقَالَ أَبُو أُمَامَة: يَا عَمْرو بن عبسة صَاحب الْعقل عقل الصَّدَقَة رجل من بني سليم، بِأَيّ شَيْء تدعى أَنَّك ربع الْإِسْلَام؟ . وَالْمعْنَى: أَنْت صَاحب الْعقل، وَهِي جمع عقال، وَكَأَنَّهُ تولى أَمر الصَّدَقَة، وَأَنت رجل من بني سليم فَمن أَيْن تَدعِي هَذَا؟ وَإِنَّمَا ادّعى أَنه ربع الْإِسْلَام؛ لِأَنَّهُ لَقِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة فَقَالَ لَهُ: من مَعَك على هَذَا الْأَمر؟ فَقَالَ: " حر وَعبد " وَكَانَ مَعَه أَبُو بكر وبلال، فَلَمَّا أسلم عَمْرو رأى نَفسه ربع الْإِسْلَام؛ لِأَنَّهُ صَار رَابِع أَرْبَعَة، إِلَّا أَنه لما أسلم رَجَعَ إِلَى بِلَاده، ثمَّ هَاجر بعد دُخُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 (176) وَأخرج لأبي مرْثَد كناز بن الْحصين حَدِيثا وَاحِدًا 2413 - / 3077 - أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا تصلوا إِلَى الْقُبُور، وَلَا تجلسوا عَلَيْهَا ". وَالْمرَاد: لَا تعظموها بِالصَّلَاةِ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يشبه الْعِبَادَة لَهَا، وَلَا تهينوها بِالْجُلُوسِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا مُحْتَرمَة. وَجُمْهُور الْفُقَهَاء أَنه يكره الْجُلُوس على الْقَبْر والاتكاء إِلَيْهِ خلافًا لمَالِك فِي قَوْله: لَا يكره. الحديث: 2413 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 (177) وَأخرج لفضالة بن عبيد حديثين 2414 - / 3078 - فِي الأول: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمر بتسويتها يَعْنِي الْقُبُور. اخْتلف النَّاس: هَل السّنة تسنيم الْقُبُور أَو تسطيحها؟ فمذهب أَحْمد أَن السّنة التسنيم، وَقَالَ الشَّافِعِي: السّنة التسطيح، وَقد رُوِيَ فِي صفة قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التسنيم والتسطيح. 2415 - / 3079 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أُتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقلادة فِيهَا خرز وَذهب وَهِي من الْمَغَانِم تبَاع. وَفِي لفظ: فطارت لي ولأصحابي قلادة. أَي صَارَت لي بِالْقُرْعَةِ. والقلادة: مَا يتقلد بِهِ من أَي نوع كَانَ. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَنه لَا يجوز بيع جنس من الرِّبَا بِجِنْسِهِ وَمَعَ أَحدهمَا من غير جنسه كَهَذا الْمَذْكُور فِي الحَدِيث، وكما لَو بَاعَ مد عَجْوَة وَدِرْهَم بِدِرْهَمَيْنِ، أَو كرّ حِنْطَة وكر شعير بكري شعير، وَهَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل، وَعَن أَحْمد أَنه يجوز، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. الحديث: 2414 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 وَقد تجاسر بعض المتفقهة الَّذين جعلُوا بضاعتهم الجدل دون معرفَة النَّقْل فَقَالَ: لَعَلَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يُبَاع حَتَّى يفضل بالضاد الْمُعْجَمَة. وَهَذَا تَصْحِيف على الروَاة وَسُوء ظن بالنقلة , مَعَ علمنَا بتحريهم , وَلم يروه أحد كَذَلِك , ويحقق مَا قُلْنَا أَن فِي بعض أَلْفَاظ الصَّحِيح أَن فضَالة سُئِلَ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ: انْزعْ ذهبها فاجعله فِي كفة , وَاجعَل ذهبك فِي كفة , لَا تأخذن إِلَّا مثلا بِمثل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 (178) وَأخرج للنواس بن سمْعَان ثَلَاثَة أَحَادِيث 2416 - / 3080 - فَفِي الحَدِيث الأول: سَأَلته عَن الْبر وَالْإِثْم. الْبر يكون بِمَعْنى الطَّاعَة وَيكون بِمَعْنى الصدْق، وَكَأن المُرَاد بِهِ هَاهُنَا الطَّاعَة. وحاك بِمَعْنى أثر، والحيك: تَأْثِير الشَّيْء فِي الْقلب يُقَال: مَا يحيك كلامك فِي قلبِي: أَي مَا يُؤثر. وَهَذَا لِأَن النَّفس لَا تسكن إِلَى مَا لَا يصلح؛ وَإِن أَتَتْهُ أَتَتْهُ بانزعاج؛ فَإِنَّهَا لَا تفعل الْمعْصِيَة إِلَّا وَهِي منزعجة فَإِذا فعلت الطَّاعَة سكنت؛ لِأَنَّهُ قد ركز فِي طبعها الْفرْقَان بَين الْحق وَالْبَاطِل وَمَعْرِفَة ثَمَرَتهَا، فَهِيَ تسكن إِلَى الْحق وتنفر من الْبَاطِل. 2417 - / 3081 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " يُؤْتى بِالْقُرْآنِ يَوْم الْقِيَامَة وَأَهله تقدمه الْبَقَرَة وَآل عمرَان ". الْمَعْنى: يُؤْتى بِثَوَاب الْقُرْآن. والظلة: مَا يسترك فَوْقك. والشرق بِسُكُون الرَّاء: وَهُوَ الضَّوْء. وَقَوله: " حزقان " ذكره الْحميدِي فَقَالَ: خرقان بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة مَعَ الرَّاء الْمُهْملَة، وَقَالَ: إِن كَانَ مَحْفُوظًا فالخرق مَا انخرق من الشَّيْء وَبَان الحديث: 2416 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 مِنْهُ، وَالصَّوَاب حزقان بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُعْجَمَة. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الحزق والحزيق والحزيقة والحازقة: الْجَمَاعَة من الطير وَالنَّاس. والصواف: الَّتِي قد بسطت أَجْنِحَتهَا فِي الطيران. 2418 - / 3081 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدَّجَّال، فخفض فِيهِ وَرفع، يَعْنِي أعَاد وأبدأ وَقرب ذكره. وَقَوله: " إِن يخرج وَأَنا فِيكُم " دَلِيل على أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يعلم مَتى يخرج، وَأَنه ظن قرب السَّاعَة بالعلامات الَّتِي جعلت لَهُ. والطافية: الْخَارِجَة عَن مَكَانهَا؛ فالعنبة الطافية: الَّتِي قد برزت عَن مُسَاوَاة أخواتها. وَأما عبد الْعُزَّى بن قطن فقد ذكرنَا فِي مُسْند ابْن عمر أَنه مَاتَ فِي الْجَاهِلِيَّة. وَأما قِرَاءَة أول سُورَة الْكَهْف أَو آخرهَا فقد ذكرنَا سر ذَلِك فِي مُسْند أبي الدَّرْدَاء. وَقَوله: " إِنَّه خَارج خلة بَين الشَّام وَالْعراق ". الْخلَّة وَاحِدَة الْخلّ. والخل: الطَّرِيق من الرمل. وَالْمعْنَى أَنه خَارج فِي خلة: أَي فِي طَرِيق من الحديث: 2418 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 هَاتين الْجِهَتَيْنِ. والتخلل: الدُّخُول فِي الشَّيْء. وَقَوله: " فعاث " أَي فيعيث. والعيث: الْفساد. وَقَوله: " يَا عباد الله اثبتوا " يُوصي من يكون حِينَئِذٍ بالثبات. قَوْله: " يَوْم كَسنة، وَيَوْم كشهر " قد تَأَوَّلَه أَبُو الْحُسَيْن بن الْمُنَادِي فَقَالَ: الْمَعْنى أَنه يهجم عَلَيْكُم غم عَظِيم لشدَّة الْبلَاء، وَأَيَّام الْبلَاء طوال، ثمَّ يتناقص ذَلِك الْغم فِي الْيَوْم الثَّانِي، ثمَّ ينقص فِي الثَّالِث، ثمَّ يعْتَاد الْبلَاء، كَمَا يَقُول الرجل: الْيَوْم عِنْدِي سنة؛ إِلَّا أَن الزَّمَان تغير، كَقَوْل الشَّاعِر: (وليل الْمُحب بِلَا آخر ... ) وَقد جَاءَ فِي حَدِيث آخر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " تكون السّنة كالشهر، والشهر كَالْجُمُعَةِ " قَالَ حَمَّاد بن سَلمَة: سَأَلت أَبَا سِنَان عَن معنى ذَلِك فَقَالَ: يستلينون الْعَيْش فتقصر الْأَيَّام عَلَيْهِم. قلت: وَهَذَا التَّأْوِيل الْمَذْكُور يردهُ قَوْلهم بعد هَذَا: تكفينا فِيهِ صَلَاة يَوْم وليله؟ قَالَ: " لَا، أقدروا لَهُ قدره "، وَالْمعْنَى: قدرُوا لأوقات الصَّلَوَات. غير أَن أَبَا الْحُسَيْن بن الْمُنَادِي قد طعن فِي صِحَة هَذِه اللفظات - يَعْنِي قَوْلهم: أتكفينا صَلَاة يَوْم؟ قَالَ: " لَا، اقدروا لَهُ قدره " - فَقَالَ: هَذَا عندنَا من المداسيس الَّتِي كادنا بهَا ذَوُو الْخلاف علينا قَدِيما، وَلَو كَانَ ذَلِك صحيحيا لاشتهر ذَلِك على أَلْسِنَة الروَاة كَحَدِيث الدَّجَّال، فَإِنَّهُ قد رَوَاهُ ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَجَابِر بن عبد الله وَحُذَيْفَة وَعبادَة بن الصَّامِت وَأبي بن كَعْب وَأَبُو هُرَيْرَة وَسمرَة بن جُنْدُب وَأَبُو الدَّرْدَاء وَأَبُو مَسْعُود الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 البدري وَأنس بن مَالك وَعمْرَان بن حُصَيْن ومعاذ بن جبل وَمجمع بن جَارِيَة فِي آخَرين، وَلَو كَانَ ذَلِك لقوي اشتهاره، ولكان أعظم وأفظع من طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا. وَهَذَا الَّذِي قَالَه هُوَ الظَّاهِر، وَإِن كَانَ مَا قدح فِيهِ مُمكن الْوُجُود، وَالله أعلم. وَقَوله: " كالغيث استدبرته الرّيح " أَي أَنه يسْرع. والسارحة: الْمَاشِيَة الَّتِي تسرح بِالْغَدَاةِ إِلَى المرعى. والدر: اللَّبن. وَقَوله: " وأسبغه ضروعا " السابغ: التَّام، وَهَذِه كِنَايَة عَن امتلاء الضَّرع بِاللَّبنِ. وَقَوله: " وأمده خواصر " كِنَايَة عَن الشِّبَع بِالْخصْبِ، كَأَنَّهَا تنقبض من الجدب. وَالْمحل: الجدب وَقلة المرعى. واليعاسيب جمع يعسوب: وَهُوَ فَحل النَّحْل. وَقَوله: " فيقطعه جزلتين " أَي قطعتين. وَقَوله: " رمية الْغَرَض " أَي: كرمية الْغَرَض فِي السرعة. وَقَوله: " ويتهلل وَجهه " يَعْنِي الدَّجَّال، كَأَنَّهُ يفرح بِمَا جرى على يَدَيْهِ من إحْيَاء الْمَيِّت. وَقد بَينا فِي مُسْند أبي سعيد أَنه يُرِيد قَتله مرّة أُخْرَى فَلَا يُسَلط عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 وَقَوله: " بَين مهرودتين " الثَّوْب المهرود: الْمَصْبُوغ بالصفرة. وَيُقَال: إِنَّه يصْبغ أَولا بالورس ثمَّ بالزعفران فيسمى مهرودا، وَأَصْحَاب الحَدِيث يَخْتَلِفُونَ فِي هَذِه اللَّفْظَة، فبعضهم يَقُولهَا بِالدَّال غير الْمُعْجَمَة، وَبَعْضهمْ بِالذَّالِ. وَقد حكى أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي أَنَّهَا تقال بهما. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: هَذِه الْكَلِمَة عِنْدِي غلط من بعض النقلَة، وَلَا أرَاهُ إِلَّا مهروتين، يُرِيد ملاءتين صفراوين، يُقَال: هريت الْعِمَامَة: إِذا لبستها صفراء، قَالَ الشَّاعِر: (رَأَيْتُك هريت الْعِمَامَة بَعْدَمَا ... أَرَاك زَمَانا حاسرا لم تعصب) وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّك لبست عِمَامَة صفراء كَمَا تلبس السَّادة، وَكَانَ السَّيِّد يعتم بعمامة مصبوغة بصفرة وَلَا يكون ذَلِك لغيره. قَالَ: وَيشْهد لهَذَا الْمَذْهَب قَوْله فِي وصف الْمَسِيح: " بَين مُمَصَّرَتَيْنِ " فالممصرة من الثِّيَاب الَّتِي فِيهَا صفرَة خَفِيفَة وَهِي نَحْو المهروة، وَإِن كَانَت الرِّوَايَة " مهرودتين " فَلَا أعلم لَهَا وَجها إِن لم يكن مَنْسُوبا إِلَى نَبَات يصْبغ بِهِ، إِلَّا أَن يَجْعَل من الهرد، والهرد والهرت: الشق، كَأَنَّهُ قَالَ: بَين شقتين، والشقة: نصف الملاءة فِي الْعرض، فَإِذا وصلت نصفا بِنصْف فَهِيَ ملاءة، وَإِن كَانَت الملاءة قِطْعَة وَاحِدَة فَهِيَ ريطة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 وَقَوله: " إِذا طأطأ رَأسه قطر " يَعْنِي من الْعرق. والجمان: مَا اسْتَدَارَ من الدّرّ، ويستعار لكل مَا اسْتَدَارَ من الْحلِيّ. وَقَوله: " فيمسح عَن وُجُوههم " كَأَنَّهُ يرفع غمهم بِمَا لاقوا من الدَّجَّال. وَقَوله: " فحرز عبَادي إِلَى الطّور " أَي ضمهم إِلَيْهِ. وَقد سبق ذكر يَأْجُوج وَمَأْجُوج فِي مُسْند أبي سعيد. وَقَوله: " وهم " أَي يَأْجُوج وَمَأْجُوج " من كل حدب يَنْسلونَ " قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أَي من كل نشز من الأَرْض وأكمة يَنْسلونَ، من النسلان، وَهُوَ مقاربة الخطو مَعَ الْإِسْرَاع كمشي الذِّئْب إِذا بَادر. وَقَالَ الزّجاج: يَنْسلونَ: يسرعون. وَقَوله: " حَتَّى يكون رَأس الثور خيرا لَهُم من مائَة دِينَار " يُشِير إِلَى المجاعة. والنغف: دود يكون فِي أنوف الْغنم وَالْإِبِل، وَاحِدهَا نغفة، وَهِي محتقرة وإيلامها شَدِيد، وَيُقَال فِي الْمثل: " مَا هُوَ إِلَّا نغفة ". وَقَوله: " فيصبحون فرسى " أَي مفروسين هالكين، وأصل الْفرس دق الْعُنُق من الذَّبِيحَة، ثمَّ سمي كل قتل فرسا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 وَقَوله: " ملأَهُ زهمهم " الأَصْل فِي الزهومة مَا تعلق رِيحه من اللَّحْم بِالْيَدِ، ثمَّ قد يستعار للتغير وَالنَّتن. وَالطير جمَاعَة، وَالْوَاحد طَائِر. وَالْبخْت من الْإِبِل: السريعة السّير، الطَّوِيلَة الْأَعْنَاق. والزلفة مَفْتُوحَة الزَّاي وَاللَّام. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الزلفة: مصنعة المَاء، وَجَمعهَا زلف، وَأَرَادَ أَن الْمَطَر يكثر حَتَّى يقوم فِي الأَرْض فَتَصِير الأَرْض كَأَنَّهَا مصنعة من مصانع المَاء. وَأخْبرنَا ابْن نَاصِر قَالَ: أخبرنَا الْمُبَارك ابْن عبد الْجَبَّار قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن عمر الْقزْوِينِي وَأَبُو إِسْحَاق الْبَرْمَكِي قَالَا: أخبرنَا أَبُو عمر بن حيويه قَالَ: أخبرنَا أَبُو عمر الزَّاهِد قَالَ: يُقَال الزلفة والزلقة جَمِيعًا: وَهِي الرَّوْضَة. والعصابة: الْجَمَاعَة. وأصل القحف الْعظم الَّذِي فَوق الدِّمَاغ، وَقد استعير هَاهُنَا لرأس الرمانة لما بَينهمَا من مُنَاسبَة الصيانة لما تَحْتَهُ. وَالرسل: اللَّبن. واللقحة: النَّاقة ذَات اللَّبن، وَالْجمع لقاح. والفئام: الْجَمَاعَة من النَّاس. والفخذ دون الْقَبِيلَة وَفَوق الْبَطن. قَالَ الزبير بن بكار: الْعَرَب على سِتّ طَبَقَات: شعب وقبيلة وَعمارَة وبطن وفخذ وفصيلة، وَمَا بَينهمَا من الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 الْآبَاء إِنَّمَا يعرفهَا أَهلهَا، فمضر شعب، وَرَبِيعَة شعب، ومذحج شعب، وحمير شعب. وَإِنَّمَا سميت الشعوب؛ لِأَن الْقَبَائِل تشعبت مِنْهَا، وَسميت الْقَبَائِل قبائل لِأَن العمائر تقابلت عَلَيْهَا، فأسد قَبيلَة، ودودان بن أَسد عمَارَة، فالشعب يجمع الْقَبَائِل، والقبيلة تجمع العمائر، والعمارة تجمع الْبُطُون، والبطن يجمع الأفخاذ، والفخذ تجمع الفصائل. وكنانة قَبيلَة، وقريش عمَارَة، وقصي بطن، وهَاشِم فَخذ، وَبَنُو الْعَبَّاس فصيلة. والتهارج: الِاخْتِلَاط فِي الْفِتْنَة، وَقد هرج النَّاس يهرجون: إِذا اختلطوا فِي فَسَاد. وجبل الْخمر عِنْد بَيت الْمُقَدّس. وَرُجُوع النشاب إِلَيْهِم مدمى فتْنَة لَهُم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 (180) وَأخرج لِصُهَيْب بن سِنَان ثَلَاثَة أَحَادِيث حديثان ظاهران. 2419 - / 3086 - وَفِي الثَّالِث: كَانَ الْغُلَام يُبرئ الأكمه. الأكمه: الَّذِي يُولد أعمى. والمنشار مَذْكُور فِي أول مُسْند أبي سعيد الْخُدْرِيّ. ومفرق الرَّأْس: وَسطه حَيْثُ ينفرق الشّعْر، وَجمعه مفارق. والشقان: الجانبان، وَاحِدهَا شقّ. وذروة الْجَبَل: أَعْلَاهُ. والقرقور: ضرب من السفن. فَانْكَفَأت بهم: أَي انقلبت. والكنانة: جعبة السِّهَام. وكبد الْقوس: وَسطهَا. والصدغ: مَا بَين لحظ الْعين إِلَى أصل الْأذن. وَالْأُخْدُود: الشق فِي الأَرْض. الحديث: 2419 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 والسكك جمع سكَّة، وَهِي الدَّرْب، وَسمي سكَّة لاصطفاف الدّور، وَأَصله من السِّكَّة الَّتِي هِيَ الطَّرِيقَة المصطفة من النّخل. وَقَوله: فاحموه فِيهَا: أَي أحرقوه. وتقاعست: توقفت وَلم تقدم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 (181) وَأخرج لسفينة مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا وَاحِدًا وَاعْلَم أَن سفينة لقب سَببه أَنه خرج مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه , فثقل عَلَيْهِم مَتَاعهمْ , فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أبسط كساءك " فبسطه، فَجعلُوا مَتَاعهمْ فِيهِ، ثمَّ حملوه عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " احْمِلْ، فَمَا أَنْت إِلَّا سفينة "، واسْمه مهْرَان، وَيُقَال: رُومَان. وَيُقَال: عِيسَى. وَقد حكى الْحميدِي نَجْرَان، وَهُوَ أبعد الْأَقْوَال، غير أَنه غلب عَلَيْهِ لقبه. وَقد غلبت على خلق كثير ألقابهم فَتركت أَسمَاؤُهُم: فَمنهمْ الْجَارُود الْعَبْدي واسْمه بشر. وأشج عبد الْقَيْس واسْمه الْمُنْذر. والأقرع بن حَابِس واسْمه فراس. وآبي اللَّحْم واسْمه عبد الله. وشقران مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واسْمه صَالح. وَذُو الْغرَّة واسْمه يعِيش، لقب بذلك لبياض كَانَ فِي وَجهه. وَذُو الجوشن واسْمه شرَاحِيل، كَانَ صَدره ناتئا فلقب ذَا الجوشن. وَذُو الْيَدَيْنِ كَانَ فِي يَدَيْهِ طول. وكل هَؤُلَاءِ من الصَّحَابَة. وَمِمَّنْ بعدهمْ أَبُو عبد الله الْأَغَر واسْمه سلمَان. الْأَجْلَح الْكِنْدِيّ واسْمه يحيى بن عبد الله بن حسان. الْأَعْمَش واسْمه سُلَيْمَان بن مهْرَان. غنْدر واسْمه مُحَمَّد بن جَعْفَر. لوين واسْمه مُحَمَّد بن سُلَيْمَان، كَانَ يَبِيع الرَّقِيق بِالْمصِّيصَةِ، فَكَانَ يَقُول: عِنْدِي جَارِيَة لَهَا لوين. جزرة واسْمه صَالح بن مُحَمَّد الْحَافِظ، كَانَ يقْرَأ على بعض الشُّيُوخ أَنه كَانَ لبَعض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 الصَّحَابَة خرزة فَقَالَ: جزرة، فلقب بهَا. مشكدانة واسْمه عبد الله بن عمر بن مُحَمَّد الْكُوفِي، قَالَ: رَآنِي أَبُو نعيم وثيابي نظيفة ورائحتي طيبَة فَقَالَ: مَا أَنْت إِلَّا مشكدانة فَبَقيت عَليّ. عَارِم واسْمه مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، وَيُقَال: إِن عارما اسْمه لَا لقبه. بومة واسْمه مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْحَرَّانِي. سَعْدَوَيْه واسْمه سعيد بن سُلَيْمَان الوَاسِطِيّ. صَاعِقَة واسْمه مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم، لقب صَاعِقَة لجودة حفظه. دُحَيْم واسْمه عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم. مطين واسْمه مُحَمَّد ابْن عبد الله الْحَضْرَمِيّ، قَالَ: كنت أَلعَب مَعَ الصّبيان فِي الطين وَقد تطينت وَأَنا صبي لم أسمع الحَدِيث، فَمر بِي أَبُو نعيم فَقَالَ: يَا مطين، قد آن أَن تحضر الْمجْلس لسَمَاع الحَدِيث. جبر واسْمه عِصَام بن يزِيد الْأَصْبَهَانِيّ. مربع واسْمه مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْأنمَاطِي. أَبُو العيناء واسْمه مُحَمَّد بن الْقَاسِم الْبَصْرِيّ، سَأَلَ أَبَا زيد: مَا تَصْغِير عيناء؟ قَالَ: عييناء يَا أَبَا العيناء. نفطويه واسْمه مُحَمَّد بن عَرَفَة فِي خلق يطول ذكرهم. 2420 - / 3087 - والْحَدِيث الَّذِي أخرجه لسفينة: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يغْتَسل بالصاع ويتطهر بِالْمدِّ. الحديث: 2420 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 قد ذكرنَا قدر الصَّاع فِي مُسْند ابْن عمر. وَأما الْمَدّ فَهُوَ ربع الصَّاع. وَأَرَادَ بقوله: يتَطَهَّر: يتَوَضَّأ، وَهَذَا الْقدر هُوَ الْكَافِي فِي الْأَغْلَب، فَإِن أَسْبغ المغتسل والمتوضئ بِدُونِ هذَيْن جَازَ، وَإِن زَاد جَازَ، إِلَّا أَنه نهى عَن الْإِسْرَاف؛ فَإِنَّهُ إِذا زَاد على الثَّلَاث فِي الْوضُوء كَانَ مُسْرِفًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 (182) وَأخرج لثوبان مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرَة أَحَادِيث 2421 - / 3090 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: " إِنِّي لبعقر حَوْضِي أذود النَّاس لأهل الْيمن ". عقر الْحَوْض بِضَم الْعين: مؤخره، وَقيل: هُوَ موقف الْإِبِل إِذا وَردت. وأذود بِمَعْنى أطْرد. لأهل الْيمن: أَي لأجلهم لكَي يتقدموا. ويرفض: يتفرق أجزاؤها، يُقَال: ارْفض الدمع من الْعين: إِذا سَالَ. وعمان قد ذَكرنَاهَا فِي مُسْند أبي ذَر. وَقَوله: " يغت فِيهِ مِيزَابَانِ " أَي يمدانه ويدفقان فِيهِ المَاء دفقا مُتَتَابِعًا، وَيُقَال: غت الشَّارِب فِي الشّرْب، وَالْقَائِل فِي القَوْل: إِذا أتبع الشّرْب الشّرْب، وَالْقَوْل القَوْل. وَرُبمَا قَرَأَ بعض أَصْحَاب الحَدِيث يعب بِالْعينِ الْمُهْملَة، وَهُوَ تَصْحِيف، وَقد رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده: ينثعب. وَالْوَرق: الْفضة. الحديث: 2421 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 2422 - / 3091 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: ذبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحيته ثمَّ قَالَ: " أصلح لي لحم هَذِه " فَلم أزل أطْعمهُ مِنْهَا حَتَّى قدم الْمَدِينَة. قَالَ الْأَصْمَعِي: فِي الضحية أَربع لُغَات: أضْحِية وإضحية وَالْجمع أضاح، وضحية وَالْجمع ضحايا، وأضحاة وَالْجمع أضحى. وَقَوله: فَلم أزل أطْعمهُ مِنْهَا. يُشِير إِلَى مَا يسن أكله من الضحية، فَإِن الْمَشْرُوع أَن يَأْكُل الثُّلُث، وَيهْدِي الثُّلُث، وَيتَصَدَّق بِالثُّلثِ. 2423 - / 3092 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَن يَهُودِيّا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيْن يكون النَّاس يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض؟ قَالَ: " هم فِي الظلمَة دون الجسر ". اخْتلف الْعلمَاء فِي معنى تَبْدِيل الأَرْض على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه تبدل صفاتها وَأَحْوَالهَا، تذْهب آكامها وجبالها وأوديتها وأشجارها، وتمد مد الْأَدِيم، رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: أَنَّهَا تبدل بغَيْرهَا، ثمَّ فِي ذَلِك أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنَّهَا تبدل بِأَرْض بَيْضَاء كَأَنَّهَا فضَّة لم يسفك فِيهَا دم حرَام وَلم يعْمل فِيهَا خَطِيئَة، رَوَاهُ ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالثَّانِي: أَنَّهَا تبدل نَارا، قَالَه أبي بن كَعْب. وَالثَّالِث: تبدل بِأَرْض من فضَّة، قَالَه أنس بن مَالك. وَالرَّابِع: تبدل بخبزة بَيْضَاء فيأكل الْمُؤمن من تَحت قَدَمَيْهِ، قَالَه أَبُو هُرَيْرَة وَسَعِيد بن جُبَير. الحديث: 2422 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 والجسر: الصِّرَاط. وَقَوله: من أول النَّاس إجَازَة؟ أَي جَوَازًا. والتحفة: الْكَرَامَة وَالْبر وَمَا يطْلب بِهِ سرُور المتحف. وَأما زِيَادَة كبد الْحُوت فقد سبق فِي مُسْند أنس بن مَالك. وَقَوله: " يَأْكُل من أطرافها " يَعْنِي أَطْرَاف الْجنَّة. وَقَوله: " تسمى سلسبيلا " قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: السلسبيل: صفة للْمَاء لسلسه وسهولة مدخله فِي الْحلق، يُقَال: شراب سلسل وسلسال وسلسبيل. وقرأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: قَوْله: {تسمى سلسبيلا} [الْإِنْسَان: 18] . قيل هُوَ اسْم أعجمي نكرَة فَلذَلِك انْصَرف، وَقيل: هُوَ اسْم معرفَة إِلَّا أَنه أجري لِأَنَّهُ رَأس آيَة. وَعَن مُجَاهِد قَالَ: حَدِيدَة الجرية. وَقيل: سلسبيل: سَلس مَاؤُهَا مستقيد لَهُم. 2424 - / 3093 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام ". السَّلَام اسْم من أَسمَاء الله عز وَجل، وَمَعْنَاهُ: الَّذِي سلم من كل عيب وَنقص. وَقَوله: " ومنك السَّلَام " أَي بك تقع السَّلامَة من النكبات. الحديث: 2424 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 وتبارك: " تفَاعل " من الْبركَة، وَهِي الْكَثْرَة وَالسعَة. والجلال مصدر الْجَلِيل، يُقَال: جليل بَين الْجَلالَة والجلال. وَالْإِكْرَام مصدر أكْرم يكرم إِكْرَاما. وَالْمعْنَى أَن الله سُبْحَانَهُ مُسْتَحقّ أَن يجل وَيكرم فَلَا يجْحَد وَلَا يكفر وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى: أَن يكرم أهل ولَايَته وَيرْفَع درجاتهم بالتوفيق لطاعته فِي الدُّنْيَا، ويجلهم بِأَن يتَقَبَّل أَعْمَالهم وَيرْفَع فِي الْجنان درجاتهم. وَيحْتَمل أَن يكون أحد الْأَمريْنِ وَهُوَ الْجلَال مُضَافا إِلَى الله تَعَالَى بِمَعْنى الصّفة لَهُ، وَالْآخر مُضَافا إِلَى العَبْد بِمَعْنى الْفِعْل مِنْهُ، كَقَوْلِه تَعَالَى: {هُوَ أهل التَّقْوَى وَأهل الْمَغْفِرَة} [المدثر: 65] فَانْصَرف أحد الْأَمريْنِ إِلَى الله وَهُوَ الْمَغْفِرَة، وَالْآخر إِلَى الْعباد وَهُوَ التَّقْوَى، قَالَه الْخطابِيّ. 2425 - / 3096 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: " عَائِد الْمَرِيض فِي مخرفة الْجنَّة ". شبه عَلَيْهِ السَّلَام مَا يحوزه الْعَائِد من الثَّوَاب بِمَا يحوزه مخترف الثَّمَرَة. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْمَعْنى: عَائِد الْمَرِيض فِي بساتين الْجنَّة؛ لِأَنَّهَا اسْتحقَّهَا بِالْعبَادَة، فَهُوَ صائر إِلَيْهَا. قَالَ: وَلَو جعلت المخرفة هَاهُنَا من مخرفة النعم وَهُوَ الطَّرِيق لَكَانَ وَجها حسنا، كَأَنَّهُ قَالَ: عَائِد الْمَرِيض على طَرِيق الْجنَّة؛ لِأَن عيادته تُؤَدِّيه إِلَيْهَا. وَقد تكلمنا فِي معنى المخرف فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. الحديث: 2425 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 2426 - / 3097 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: " إِن الله زوى لي الأَرْض، فَرَأَيْت مشارقها وَمَغَارِبهَا ". زوى بِمَعْنى قبض وَجمع حَتَّى أمكنني الإشراف على مَا زوي لي مِنْهَا. قَالَ أَبُو عبيد: وَلَا يكون الانزواء إِلَّا بانحراف مَعَ تقبض، قَالَ الْأَعْشَى: (يزِيد يغض الطّرف عني كَأَنَّمَا ... زوى بَين عَيْنَيْهِ على المحاجم) (فَلَا ينبسط من بَين عَيْنَيْك مَا انزوى ... وَلَا تلقني إِلَّا وأنفك راغم) والأحمر: الذَّهَب. والأبيض: الْفضة. وَقَوله: " بِسنة بعامة " أَي بجدب يعم الْكل. وبيضتهم: جَمَاعَتهمْ وأصلهم. وبيضة الدَّار: معظمها ووسطها. والقطر: النَّاحِيَة. والأقطار: الجوانب. الفئام: الْجَمَاعَة. الحديث: 2426 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 (183) وَأخرج لتميم الدَّارِيّ حَدِيثا وَاحِدًا 2427 - / 3098 - " الدّين النَّصِيحَة ". الْمَعْنى أَن النَّصِيحَة أفضل الدّين وأكمله، كَمَا يُقَال: المَال الْإِبِل، وَمعنى النَّصِيحَة إِرَادَة الْحَظ للمنصوح. وَفِي اشتقاق النَّصِيحَة قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه من قَوْلهم: نصح الرجل ثَوْبه: إِذا خاطه، وَكَأن الناصح جمع الصّلاح للمنصوح جمع الناصح ثَوْبه بالخياطة. وَالثَّانِي: أَنه من قَوْلهم: نصحت الْعَسَل: إِذا صفيته من الشمع، فَشبه خلوص النصح من شوب الْغِشّ والخيانة بخلوص الْعَسَل من كدره. وَاعْلَم أَن النَّصِيحَة لله عز وَجل المناضلة عَن دينه والمدافعة عَن الْإِشْرَاك بِهِ وَإِن كَانَ غَنِيا عَن ذَلِك، لَكِن نَفعه عَائِد على العَبْد، وَكَذَلِكَ النصح لكتابه الذب عَنهُ والمحافظة على تِلَاوَته، والنصيحة لرَسُوله إِقَامَة سنته وَالدُّعَاء إِلَى دَعوته، والنصيحة لأئمة الْمُسلمين طاعتهم، وَالْجهَاد مَعَهم، والمحافظة على بيعتهم، وإهداء النصائح إِلَيْهِم دون المدائح الَّتِي تغر. والنصيحة لعامة الْمُسلمين إِرَادَة الْخَيْر لَهُم، وَيدخل فِي ذَلِك تعليمهم وتعريفهم اللَّازِم، وهدايتهم إِلَى الْحق. الحديث: 2427 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 (184) وَأخرج لِسُفْيَان بن عبد الله الثَّقَفِيّ حَدِيثا وحدا 2428 - / 3099 - " قل آمَنت بِاللَّه ثمَّ اسْتَقِم ". وَالْمعْنَى: اسْتَقِم على الْعَمَل بِطَاعَة الله. وَفِي رِوَايَة: " لَا تغْضب " وَقد سبق الْكَلَام فِي الْغَضَب فِي مُسْند سُلَيْمَان بن صرد وَأبي هُرَيْرَة. (186) وَأخرج لعبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان حَدِيثا وَاحِدًا 2429 - / 3102 - أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن لقطَة الْحَاج. وَكَأن الْإِشَارَة بِهَذَا إِلَى اللّقطَة الْمَوْجُودَة فِي الْحرم. وَقد ذكرنَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس فِي قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " وَلَا تلْتَقط لقطته إِلَّا من عرفهَا " أَن لقطَة الْحرم لَا تحل إِلَّا لمن يعرفهَا أبدا. وَهَذَا مَذْهَبنَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَأحد الْقَوْلَيْنِ لأَصْحَاب الشَّافِعِي. الحديث: 2428 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 (189) وَأخرج لِوَائِل بن حجر سِتَّة أَحَادِيث 2430 - / 3105 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: جَاءَ رجل فَقَالَ: إِن هَذَا انتزى على أرضي. أَي وثب عَلَيْهَا وسارع إِلَى أَخذهَا. والتنزي: تسرع الْإِنْسَان إِلَى الشَّرّ ووثوبه على مَا لَيْسَ لَهُ الْوُثُوب عَلَيْهِ. والتورع: الِامْتِنَاع. وَاسم الرجل المخاصم ربيعَة بن عَبْدَانِ - بِكَسْر الْعين وَبعدهَا بَاء مُعْجمَة بِوَاحِدَة، وَقيل: عيدَان بِفَتْح الْعين وبياء مُعْجمَة بِاثْنَتَيْنِ. وَاسم خَصمه امْرُؤ الْقَيْس بن عَابس الْكِنْدِيّ. 2431 - / 3107 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: جَاءَ رجل يَقُود آخر بنسعة فَقَالَ: هَذَا قتل أخي، فَقَالَ: " كَيفَ قتلته؟ " قَالَ: كنت أَنا وَهُوَ نختبط من شَجَرَة فسبني فأغضبني، فَضربت رَأسه بالفأس على قرنه فَقتلته. فَرمى إِلَيْهِ بنسعته فَقَالَ: " دُونك صَاحبك " فَانْطَلق بِهِ الرجل، فَلَمَّا ولى قَالَ: " إِن قتلته فَهُوَ مثله ". النسعة والنسع: سير مضفور، وَالْجمع نسوع، وَهُوَ يشبه الأعنة. الحديث: 2430 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 والاختباط: ضرب الشّجر ليَقَع الْوَرق. والقرن: حرف الرَّأْس. وَقَوله: " فَهُوَ مثله " قَالَ ابْن قُتَيْبَة: لم يرد أَنه مثله فِي المأثم، وَكَيف يُرِيد هَذَا وَقد أَبَاحَ الله عز وَجل قَتله بِالْقصاصِ، وَلَكِن كره لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقْتَصّ، وَأحب لَهُ الْعَفو، فَعرض تعريضا أَوْهَمهُ بِهِ أَنه إِن قَتله كَانَ مثله فِي الْإِثْم ليعفو عَنهُ، وَكَأن مُرَاده أَنه مثله فِي أَن هَذَا قتل نفسا وَهَذَا قتل نفسا، وَكِلَاهُمَا قَاتل فقد اسْتَويَا فِي قَاتل وَقَاتل، إِلَّا أَن الأول ظَالِم وَالثَّانِي مقتص. 2432 - / 3109 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَن طَارق بن سُوَيْد سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْخمر وَقَالَ: إِنَّمَا أصنعها للدواء. فَقَالَ: " إِنَّه لَيْسَ بدواء وَلكنه دَاء ". هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَنه لَا يجوز شرب الْخمر لأجل الضَّرُورَة كالعطش والتداوي، وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد بن حَنْبَل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز، وَعَن الشَّافِعِيَّة ثَلَاثَة أوجه: اثْنَان كالمذهبين، وَالثَّالِث: يجوز للتداوي دون الْعَطش. 2433 - / 3110 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: " لَا تَقولُوا: الْكَرم، وَلَكِن قُولُوا: الْعِنَب والحبلة ". الحديث: 2432 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 قد بَينا فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة عِلّة كَرَاهِيَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تسمى الْخمر كرما. فَأَما الحبلة بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الْبَاء فَهِيَ الأَصْل من الْكَرم، وَمِنْه فِي الحَدِيث: أَن نوحًا لما خرج من السَّفِينَة غرس الحبلة. وَكَانَت لأنس بن مَالك حبلة يسميها أم الْعِيَال. فَأَما الحبلة بِضَم الْحَاء وَسُكُون الْبَاء فَهِيَ ثَمَر العضاه، وإليها أَشَارَ سعد فِي قَوْله: وَمَا لنا طَعَام إِلَّا الحبلة. وَقد ذَكرنَاهَا فِي مُسْنده، وَقد حقق اللفظتين أَبُو مُحَمَّد بن قُتَيْبَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 (191) وَأخرج لعمارة بن رويبة حديثين 2434 - / 3113 - أَحدهمَا: أَنه رأى بشر بن مَرْوَان على الْمِنْبَر رَافعا يَدَيْهِ فَقَالَ: قبح الله هَاتين الْيَدَيْنِ، لقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يزِيد على أَن يَقُول هَكَذَا - وَأَشَارَ بالمسبحة - يَعْنِي فِي الدُّعَاء على الْمِنْبَر، وَهُوَ مَذْكُور فِي الحَدِيث. 2435 - / 3114 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " لن يلج النَّار أحد صلى قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا ". فَإِن قيل: كَيفَ الْجمع بَين هَذَا وَبَين دُخُول الْمُوَحِّدين النَّار وَقد صلوا؟ فَالْجَوَاب من خَمْسَة أوجه: أَحدهَا: أَن يكون قَالَ هَذَا قبل نزُول الْحُدُود وَبَيَان الْمُحرمَات. وَالثَّانِي: أَن يكون خَارِجا مخرج الْغَالِب، وَالْغَالِب مِمَّن صلى وراعى هَاتين الصَّلَاتَيْنِ أَن يَتَّقِي مَا يحمل إِلَى النَّار. وَالثَّالِث: لن يدخلهَا دُخُول خُلُود. وَالرَّابِع: أَن يُرَاد بِهِ النَّار الَّتِي يدخلهَا الْكفَّار. وَالْخَامِس: أَن يكون هَذَا حكمه أَلا يدْخل النَّار، كَمَا تَقول إِذا رَأَيْت دَارا صَغِيرَة: هَذِه لَا ينزلها أَمِير، وَقد ينزلها. الحديث: 2434 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 (192) وَأخرج لعدي بن عميرَة حَدِيثا وَاحِدًا 2436 - / 3115 - وَفِيه: " ... فكتمنا مخيطا فَمَا فَوْقه كَانَ غلولا ". الْمخيط: الإبرة. فَأَما الْخياط فَيكون الإبرة كَقَوْلِه تَعَالَى: {فِي سم الْخياط} [الْأَعْرَاف: 40] ، وَيكون بِمَعْنى الْخَيط كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام: " أَدّوا الْخياط والمخيط ". وَقد سبق بَيَان الْغلُول، وَأَنه أَخذ شَيْء من الْغَنِيمَة فِي سر. (193) وَأخرج لعرفجة بن شُرَيْح حَدِيثا وَاحِدًا 2437 - / 3116 - " إِنَّه سَيكون هَنَات وهنات، فَمن أَتَاكُم يُرِيد أَن يشق عصاكم فَاقْتُلُوهُ ". قَوْله: " هَنَات وهنات " كِنَايَة عَن الْفِتَن وَالِاخْتِلَاف وَمَا يجْرِي فِي ضمن ذَلِك من الْأُمُور السَّيئَة، يُقَال: فِي فلَان هَنَات: أَي خِصَال سَيِّئَة، وكل مَذْمُوم فِي دين أَو خلق فَهُوَ هنة. الحديث: 2436 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 وشق الْعَصَا كِنَايَة عَن إثارة الْفِتَن؛ لِأَن الْعَصَا جملَة مجتمعة، فَإِذا شقها فرق الْمُجْتَمع. (196) وَأخرج لسويد بن مقرن حَدِيثا وَاحِدًا 2438 - / 3120 - وَفِيه: لطمت مولى لنا فهرب، فَدَعَاهُ أبي وَدَعَانِي، ثمَّ قَالَ: امتثل: أَي افْعَل مثل مَا فعل. وَقَوله: عجز عَلَيْك إِلَّا حر الْوَجْه. الْمَعْنى: عجزت أَن تضرب فِي غير هَذَا الْموضع الْمُعظم. فَكَأَنَّهُ لما منع أَن يُؤْذى كَانَ كَالْحرِّ الَّذِي لَا يُسَلط عَلَيْهِ، وَلما كَانَت اللَّطْمَة ظلما بِالْيَدِ جعل الْعتْق فِي مقابلتها، وَهُوَ رفع الْيَد. وَأَرَادَ بالصورة هَاهُنَا الْوَجْه، فَسَماهُ صُورَة لِأَن بِهِ تتمّ الصُّورَة، وَقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " إِذا قَاتل أحدكُم فليجتنب الْوَجْه ". الحديث: 2438 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 (198) وَأخرج لهشام بن عَامر حَدِيثا وَاحِدًا 2439 - / 3124 - وَهُوَ: " مَا بَين خلق آدم إِلَى قيام السَّاعَة خلق أَكثر من الدَّجَّال ". فِيهِ وَجْهَان: أَحدهمَا: عظم خلقه، فقد أخبرنَا ابْن الْحصين قَالَ: أخبرنَا ابْن الْمَذْهَب قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن جَعْفَر قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سَابق قَالَ: أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يخرج الدَّجَّال وَله حمَار يركبه، عرض مَا بَين أُذُنَيْهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعا ". وَالثَّانِي: عظم فتنته، فَإِنَّهُ يقتل شخصا ثمَّ يحييه، وَمَعَهُ مِثَال جنَّة ونار، وَيَأْمُر السَّمَاء فتمطر فِيمَا يرى النَّاس، إِلَى غير ذَلِك من الْفِتَن. الحديث: 2439 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 (199) وَأخرج لعتبة بن غَزوَان حَدِيثا وَاحِدًا 2440 - / 3125 - وَفِيه: " إِن الدُّنْيَا آذَنت بِصرْم، وَوَلَّتْ حذاء " آذَنت بِمَعْنى أعلمت. والصرم: الِانْقِطَاع والانصرام. قَالَ أَبُو عبيد: والحذاء: السريعة الْخَفِيفَة الَّتِي قد انْقَطع آخرهَا، وَمِنْه قيل للقطاة: حذاء، لقصر ذنبها مَعَ خفتها. والصبابة: الْبَقِيَّة الْيَسِيرَة تبقى فِي الْإِنَاء من الشَّرَاب. وشفير كل شَيْء: حرفه. فَيهْوِي: أَي يهْبط. والمصراع: أحد الْبَابَيْنِ. والكظيط: الممتلئ. يُقَال: اكتظ النَّهر: أَي امْتَلَأَ. وكظني الْأَمر: أَي مَلأ قلبِي. والحبلة قد بيناها آنِفا، وَفِي مُسْند سعد أَيْضا. الحديث: 2440 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 (201) وَأخرج لحنظلة بن الرّبيع الْكَاتِب حَدِيثا وَاحِدًا 2441 - / 3128 - وَفِيه: لَقِيَنِي أَبُو بكر فَقَالَ: كَيفَ أَنْت يَا حَنْظَلَة؟ قلت: نَافق حَنْظَلَة. قَالَ: سُبْحَانَ الله! مَا تَقول؟ قلت: نَكُون عِنْد رَسُول الله يذكرنَا الْجنَّة وَالنَّار كأنا رَأْي عين، فَإِذا خرجنَا عافسنا الْأزْوَاج وَالْأَوْلَاد ونسينا مَا كَانَ. معنى النِّفَاق إِظْهَار مَا يُخَالِفهُ الْبَاطِن، حذر مِنْهُ هَذَا الرجل لاحترازه، فخاف أَن يكون مَا يجْرِي عَلَيْهِ شُعْبَة من النِّفَاق. وَقَوله: كأنا رَأْي عين. أَي كأنا نرى مَا يصف بأعيننا. وَقَوله: عافسنا الْأزْوَاج. قَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحسن الْهنائِي اللّغَوِيّ: العفس: الْوَطْء، والمعفوس: الموطوء. وعفسه: إِذا ضرب بِهِ الأَرْض، وَالرجل يعفس الْمَرْأَة بِرجلِهِ: إِذا ضربهَا بِرجلِهِ على عجيزتها، يعافسها وتعافسه. وَقَوله: " مَه " قَالَ بَعضهم: الْمَعْنى: مَا الْخَبَر؟ وَالْهَاء للْوَقْف. وَيحْتَمل الْمَعْنى: اسْكُتْ عَن هَذَا، وَالله أعلم. وَقَوله: " سَاعَة وَسَاعَة " مَعْنَاهُ: سَاعَة لقُوَّة الْيَقَظَة وَسَاعَة للمباح وَإِن أوجبت بعض الْغَفْلَة. وَهَذَا لِأَن الْإِنْسَان لَو حقق مَعَ نَفسه مَا بَقِي فَلَا بُد للمتيقظ من التَّعَرُّض لأسباب الْغَفْلَة ليعدل مَا عِنْده، وَمن أَيْن يقدر على الحديث: 2441 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع من يرى الْأَمر كَأَنَّهُ معاين، وَإِن من الْغَفْلَة لنعمة عَظِيمَة، إِلَّا أَنَّهَا إِذا زَادَت أفسدت، إِنَّمَا يَنْبَغِي أَن تكون بِمِقْدَار مَا يعدل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 (202) وَأخرج للأغر الْمُزنِيّ حَدِيثا وَاحِدًا 2442 - / 3129 - " إِنَّه ليغان على قلبِي، وَإِنِّي لأستغفر الله فِي الْيَوْم مائَة مرّة ". قَالَ أَبُو عبيد: يَعْنِي أَنه يتغشى الْقلب مَا يلْبسهُ، قَالَ: كَأَنَّهُ يَعْنِي من السَّهْو، وَكَذَلِكَ كل شَيْء يَغْشَاهُ شَيْء حَتَّى يلْبسهُ فقد غين عَلَيْهِ، يُقَال: غينت السَّمَاء غينا، وَهُوَ إطباق الْغَيْم السَّمَاء، وَأنْشد: (كَأَنِّي بَين خافيتي عِقَاب ... أصَاب حمامة فِي يَوْم غين) قلت: وَيحْتَمل مَعْنيين: أَحدهمَا أَن معرفَة الله عز وَجل عِنْد الْعَارِف كل لَحْظَة تزيد لما يستفيده من الْعلم بِهِ سُبْحَانَهُ، فَهُوَ فِي صعُود دَائِم، فَكَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ كلما ارْتقى عَن مقَام بِمَا يستفيده من الْعلم بِاللَّه عز وَجل حِين قَالَ لَهُ: {وَقل رب زِدْنِي علما} [طه: 114] يرى ذَلِك الَّذِي كَانَ فِيهِ نقصا وغطاء، فيستغفر من الْحَالة الأولى، وَمن هَذَا الْمَعْنى قيل: حَسَنَات الْأَبْرَار ذنُوب المقربين. هَذَا وَاقع وَقع لي. ثمَّ رَأَيْت ابْن عقيل قد ذكر مثل ذَلِك فَقَالَ: كَانَ يترقى من حَال إِلَى الحديث: 2442 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 حَال، فَتَصِير الْحَالة الأولى بِالْإِضَافَة إِلَى الثَّانِيَة من التَّقْصِير كالذنب فَيَقَع الاسْتِغْفَار لما يَبْدُو لَهُ من عَظمَة الرب، وتتلاشى الْحَال الأولى بِمَا يَتَجَدَّد من الْحَال الثَّانِيَة. وَالْمعْنَى الثَّانِي: أَن التغطية على قلبه كَانَت لتقوية الطَّبْع على مَا يلاقي، فَيصير بِمَثَابَة النّوم الَّذِي تستريح فِيهِ الْأَعْضَاء من تَعب الْيَقَظَة، وَذَلِكَ أَن الطَّاعَة على الْحَقَائِق ومواصلة الْوَحْي تضعف قلبه وتوهن بدنه، وَقد أَشَارَ عز وَجل إِلَى هَذَا فِي قَوْله: {إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولا ثقيلا} [المزمل: 5] ، وَقَوله: {لَو أنزلنَا هَذَا الْقُرْآن على جبل لرأيته خَاشِعًا متصدعا من خشيَة الله} [الْحَشْر: 21] ، فلولا أَنه كَانَ يتَعَاهَد بالغفلة لما عَاشَ بدنه لثقل مَا يعرض لَهُ. وَشَاهد هَذَا مَا يلْحقهُ من البرحاء والعرق عِنْد الْوَحْي، وَقد كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يتَعَرَّض لهَذِهِ التغطية بِأَسْبَاب يلطف فِيهَا طبعه كالمزاح ومسابقة عَائِشَة، وتخير المستحسنات، وكل ذَلِك ليعادل عِنْده من قُوَّة الْيَقَظَة. فَإِن قيل: على هَذَا فَكيف يتَعَرَّض بِشَيْء ثمَّ يسْتَغْفر مِنْهُ؟ قُلْنَا: لِأَنَّهُ يرى تِلْكَ الْحَالة بِالْإِضَافَة إِلَى الْجد تقصيرا، إِلَّا أَن الْحَاجة تَدْعُو إِلَيْهَا، فَتكون بِمَثَابَة زمن الْأكل وَالنَّوْم وَالْغَائِط. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 (203) وَأخرج لمعاوية بن الحكم السّلمِيّ حَدِيثا وَاحِدًا 2443 - / 3130 - بَين أَنا أُصَلِّي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ عطس رجل من الْقَوْم، فَقلت: يَرْحَمك الله. فَرَمَانِي الْقَوْم بِأَبْصَارِهِمْ، فَقلت: واثكل أمِّياه، مَا لكم تنْظرُون إِلَيّ؟ . هَذَا الحَدِيث قد أخرجه البُخَارِيّ فِي كتاب " الْقِرَاءَة خلف الإِمَام " فَرَوَاهُ عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن الْحجَّاج الصَّواف، وَقد أخرج عَنْهُم فِي صَحِيحه، والْحَدِيث من شَرطه، وَلَا يدرى مَا الَّذِي مَنعه من إِخْرَاجه فِي الصَّحِيح. قَوْله: واثكل أمِّياه. الثكل: الْمُصِيبَة والفجيعة. ويصمتوني: يأمروني بِالصَّمْتِ. وَقَوله: مَا كَهَرَنِي. الْكَهْر: الِانْتِهَار، يُقَال: كهره يكهره كهرا، قَالَه أَبُو عبيد. وَهَذَا يعلم المؤدبين كَيفَ يؤدبون , فَإِن اللطف بالجاهل قبل التَّعْلِيم أَنْفَع لَهُ من التعنف. ثمَّ لَا وَجه للتعنف لمن لَا يعلم؛ إِنَّمَا يعنف من خَالف مَعَ الْعلم. الحديث: 2443 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 وَقَوله: " لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس " هَذَا يدل على أَنه لَا يجوز فِيهَا إِلَّا الْمَنْقُول. وَقد احْتج بِهَذَا من رأى بطلَان الصَّلَاة بِكَلَام النَّاسِي. وَجَوَابه أَن يُقَال: إِن السَّهْو صير وجود ذَلِك كَالْعدمِ، كَالْأَكْلِ فِي الصَّوْم. وَأما التطير فقد سبق فِي مُسْند ابْن عمر. وَقَوله: " ذَاك شَيْء يجدونه فِي صُدُورهمْ " أَي يحدث عِنْدهم من قبل الظَّن والتوهم. " وَلَا يصدنهم " أَي لَا يخَافُوا ضَرَره. وَقَوله: " كَانَ نَبِي من الْأَنْبِيَاء يخط " الْخط هَاهُنَا هُوَ الَّذِي يخطه الزاجر بإصبعه فِي التُّرَاب وَمَا يجْرِي مجْرَاه، يَدعِي بِهِ علم مَا يكون قبل كَونه. أخبرنَا مُحَمَّد بن نَاصِر قَالَ: أخبرنَا الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار قَالَ: أخبرنَا عَليّ بن عمر الْقزْوِينِي وَإِبْرَاهِيم بن عمر الْبَرْمَكِي قَالَا: أخبرنَا ابْن حيويه قَالَ: أخبرنَا أَبُو عمر الزَّاهِد قَالَ: نقلت عَن ابْن الْأَعرَابِي: الْخط كَانَ علما قَدِيما ترك، وَذَلِكَ أَن الكاهن يكون بَين يَدَيْهِ تخت عَلَيْهِ سحاله وَمَعَهُ ميل، فَيَأْتِي الرجل صَاحب الْحَاجة فيعطيه الدَّرَاهِم فَيَقُول لَهُ الكاهن: على شَرط إِن خرج لَك خير أخذت الدَّرَاهِم، وَإِن خرج لَك شَرّ رَددتهَا عَلَيْك. قَالَ: وَيكون للكاهن غُلَام وَاقِف فيخط ذَلِك الكاهن بذلك الْميل خُطُوطًا بالعجلة لَا يلْحقهَا الْإِحْصَار، وَيَقُول الْغُلَام الْوَاقِف فِي تِلْكَ الْحَال: ابْني عيان، أَسْرعَا الْبَيَان. ثمَّ يرجع الكاهن فَيَمْحُو اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، فَإِن بَقِي من الخطوط اثْنَان فَهُوَ الْفَوْز، وَأخذ الكاهن الدَّرَاهِم، وَيُعْطِي صَاحب الْحَاجة الْغُلَام شَيْئا، وَإِن بَقِي من الخطوط وَاحِد رد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 الكاهن الدَّرَاهِم، وَقَالَ: خرج لَك شَرّ. قَالَ ابْن حيويه: وَأخْبرنَا أَبُو مُحَمَّد السكرِي قَالَ: سَمِعت إِبْنِ قُتَيْبَة يَقُول: حَدثنِي أَبُو حَاتِم عَن أبي زيد أَنه يُقَال للخطين اللَّذين يخطهما الخطاط فِي الأَرْض ثمَّ يزْجر: ابْنا عيان. وَقَوله: " فَمن وَافق خطه فَذَاك " قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: يشبه هَذَا أَن يكون زجرا عَن الْخط؛ لأَنهم لَا يصادفون خطّ النَّبِي؛ لن خطه كَانَ علما لنبوته. وَقَوله: آسَف كَمَا يأسفون: أَي أغضب. والأسف: الْغَضَب، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى " {فَلَمَّا آسفونا انتقمنا مِنْهُم} [الزخرف: 55] . وَقَوله: صَكَكْتهَا. الصَّك: ضرب الْوَجْه برؤوس الْأَصَابِع. قَوْله فَعظم ذَلِك عَليّ. وَذَلِكَ أَنه ظلمها بِالضَّرْبِ؛ لِأَنَّهَا لَو قدرت لدفعت الذَّنب. فَأمره بِالْعِتْقِ وَهُوَ رفع الْيَد الَّتِي انبسطت ظلما. وَقَوله لَهَا: " أَيْن الله؟ " استنباط مِنْهُ لعلامة إيمَانهَا، وَلَيْسَ بسؤال عَن أصل الْإِيمَان وَحَقِيقَته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 (204) وَأخرج لعبد الله بن سرجس ثَلَاثَة أَحَادِيث 2444 - / 3131 - فَفِي الحَدِيث الأول: نظرت إِلَى خَاتم النُّبُوَّة بَين كَتفيهِ عِنْد ناغض كتفه الْيُسْرَى جمعا عَلَيْهِ خيلان كأمثال الثآليل. أما خَاتم النُّبُوَّة فقد ذكرنَا صفته فِي مُسْند السَّائِب ابْن أُخْت نمر. والناغض: غضروف الْكَتف، وَقد ذكرنَا فِي مُسْند أبي ذَر. وَقَوله: جمعا. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُرِيد مثل جمع الْكَفّ. يُقَال: ضربه بِجمع كَفه: إِذا جمعهَا وَضم أَصَابِعه. وَفِيه لُغَة أُخْرَى: جمع الْكَفّ بِكَسْر الْجِيم. والخيلان جمع خَال: وَهِي نقط متغيرة عَن الْبيَاض، كَانَت على ذَلِك الْموضع الْمُرْتَفع من الْخَاتم. والتآليل: قطع متحثرة من اللَّحْم، مُرْتَفعَة عَن الْجَسَد متصلبة. 2445 - / 3132 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كَانَ يتَعَوَّذ من وعثاء السّفر. الحديث: 2444 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 الوعثاء مَعْنَاهَا الْمَشَقَّة والشدة , وَأَصله من الوعث , وَهِي أَرض فِيهَا رمل تَسُوخ فِيهَا الأرجل. وَقد سبق هَذَا فِي مُسْند ابْن عمر. فَأَما كآبة المنقلب فَهِيَ تغير النَّفس بالانكسار من شدَّة الْحزن والهم إِمَّا لما أَصَابَهُ فِي سَفَره من الْآفَات، أَو لما تقدم عَلَيْهِ من مرض أَهله أَو فقد بَعضهم أَو غير ذَلِك مِمَّا يحزن. وَيُقَال: كآبة وكابة، بتَخْفِيف الْهمزَة وَإِسْكَان الْألف، مثل رآفة ورافة. والمنقلب: الْمرجع. وَقَوله: " والحور بعد الْكَوْن " الْحور: الرُّجُوع عَن الاسْتقَامَة وَالْحَالة الجميلة بعد أَن كَانَ عَلَيْهَا. وَفِي بعض الرِّوَايَات " بعد الكور " بالراء، وَقيل: مَعْنَاهُ أَن يعود إِلَى النُّقْصَان بعد الزِّيَادَة. وَقيل: من الرُّجُوع عَن الْجَمَاعَة المحقة بعد أَن كَانَ فِيهَا. يُقَال: كَانَ فِي الكور: أَي فِي الْجَمَاعَة، شبه اجْتِمَاع الْجَمَاعَة باجتماع الْعِمَامَة إِذا لفت. وَحكى الْحَرْبِيّ أَنه يُقَال: كار عمَامَته: إِذا لفها. وحار عمَامَته: إِذا نَقصهَا. وَقَالَ بعض الْعلمَاء: يجوز أَن يُرَاد من ذَلِك الِاسْتِعَارَة لفساد الْأُمُور وانتقاضها بعد صَلَاحهَا واستقامتها كانتقاض الْعِمَامَة بعد تأتيها وثباتها على الرَّأْس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 (205) وَأخرج عَن قبيصَة بن مُخَارق، وَزُهَيْر بن عَمْرو حَدِيثا وَاحِدًا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ، قَالَا: 2446 - / 3134 - لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} [الشُّعَرَاء: 214] انْطلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى رضمة جبل فعلا أَعْلَاهَا حجرا وَقَالَ: " مثلي ومثلكم كَرجل رأى الْعَدو فَانْطَلق يربأ أَهله، فخشي أَن يسبقوه، فَجعل يَهْتِف: يَا صَبَاحَاه ". الرضمة، وَالْجمع رضام: وَهِي الصخور المجتمعة. ويربأ أَهله: أَي يحرسهم وَيكون عينا لَهُم على الْعَدو، وَهُوَ الربيئة: عين الْقَوْم يكون على مربإ من الأَرْض: أَي ارْتِفَاع. وَقَوله: " يَا صَاحِبَاه " مُفَسّر فِي مُسْند سَلمَة بن الْأَكْوَع. الحديث: 2446 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 (206) وَأخرج لقبيصة بن مُخَارق حَدِيثا وَاحِدًا 2447 - / 3135 - وَفِيه: تحملت حمالَة. تَفْسِيره الْحمالَة: أَن يصلح الرجل بَين قوم قد اقْتَتَلُوا وسفكت بَينهم دِمَاء وَيحْتَمل ديات المقتولين رَغْبَة فِي سُكُون الْفِتْنَة، وَهَذَا من بَاب المكرمات. وسؤال هَذَا أَن يعان جَائِز إِلَى أَن تَبرأ ذمَّته مِمَّا حمل. والجائحة: مَا إِذا ذهب المَال أَو معظمه، كالسيل والحريق وَالْبرد يفْسد الزَّرْع، فَهَذِهِ أُمُور ظَاهِرَة. والقوام بِكَسْر الْقَاف: مَا يقوم بِهِ الشَّيْء. قَالَ أَبُو عبيد: والسداد بِكَسْر السِّين كل شَيْء سددت بِهِ خللا، وَمِنْه سداد القارورة: صمامها؛ لِأَنَّهُ يسد رَأسهَا، وَمِنْه سداد الثغر: وَهُوَ أَن يسد بِالْخَيْلِ وَالرِّجَال، وأنشدوا: (أضاعوني وَأي فَتى أضاعوا ... ليَوْم كريهة وسداد ثغر) وَأما السداد بِالْفَتْح فالإصابة فِي الْمنطق والرأي وَالرَّمْي. والفاقة: الْفقر. وَهَذَا رجل كَانَ غَنِيا فَادّعى تلف مَاله: إِمَّا بلص طرقه، أَو بخيانة من الحديث: 2447 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 أودعهُ، فَيحْتَاج إِلَى من يشْهد لَهُ من أهل الحجى: أَي من أهل الْعقل. وَإِنَّمَا اشْترط الْعقل فِي حَقهم لِئَلَّا يَكُونُوا من أهل الغباوة فتخفى عَلَيْهِم بواطن الْأُمُور، وَلَيْسَ هَذَا من بَاب الشَّهَادَة، إِنَّمَا هُوَ من بَاب التَّعْرِيف للأحوال، وَلِهَذَا كَانُوا ثَلَاثَة، وَمَعْلُوم أَنه لَيْسَ للثَّلَاثَة فِي بَاب الشَّهَادَات مدْخل. والسحت: الْحَرَام. قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي: السُّحت والسحت لُغَتَانِ، وهما أَسمَاء الشَّيْء المسحوت. وَقَالَ غَيره: سمي سحتا؛ لِأَنَّهُ يسحت الدّين ويسحت الْعَذَاب عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 (209) وَأخرج لنبيشه الْهُذلِيّ حَدِيثا 2448 - / 3138 - وَهُوَ: " أَيَّام التَّشْرِيق أَيَّام أكل وَشرب وَذكر الله تَعَالَى ". وَفِي هَذَا دَلِيل على أَنه لَا يجوز صَومهَا؛ لِأَنَّهُ وسمها بِالْأَكْلِ وَالشرب كَمَا وسم الْعِيد بِالْفطرِ. والاتفاق وَاقع على أَنه لَا يجوز صيامها نفلا، وَاخْتلفُوا فِي صَومهَا عَن فرض، وَقد ذكرنَا ذَلِك وَسبب تَسْمِيَتهَا بأيام التَّشْرِيق فِي مُسْند كَعْب بن مَالك. وَقَوله: " كُنَّا ننهاكم عَن لُحُوم الْأَضَاحِي فَوق ثَلَاث كي تَسَعكُمْ " أَي لتعم الْكل، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد حرم عَلَيْهِم الادخار فَوق ثَلَاث ليتصدقوا على قوم أقدمتهم إِلَى الْمَدِينَة المجاعة، ثمَّ أباحهم مَا كَانَ مَحْظُورًا، وأعلمهم سَبَب الْحَظْر، وَهَذَا مشروح فِيمَا سَيَأْتِي من مُسْند عَائِشَة عَلَيْهَا السَّلَام. قَوْله: " وَائْتَجِرُوا " كَذَا فِي كتاب الْحميدِي. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبرْقَانِي، وَهُوَ اللَّفْظ الصَّحِيح، وَمَعْنَاهُ: تصدقوا طلبا لِلْأجرِ. وَقد رَوَاهُ بعض الْمُحدثين فَقَالَ: " وَاتَّجرُوا " من التِّجَارَة، وَالتِّجَارَة لَا تكون فِي الحديث: 2448 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 لُحُوم الْأَضَاحِي إِلَّا أَن يُرَاد بهَا تِجَارَة الْآخِرَة، من قَوْله تَعَالَى: {هَل أدلكم على تِجَارَة} [الصَّفّ: 10] ، وَاللَّفْظ الصَّحِيح وَالْمعْنَى هُوَ مَا أَنْبَأتك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 (210) وَأخرج لعياض بن حمَار حَدِيثا وَاحِدًا 2449 - / 3139 - وَفِيه: " كل مَال نحلته عبدا حَلَال ". النحلة: الْعَطِيَّة المبتدأة لَا عَن عوض. والحنفاء جمع حنيف. وَفِي الحنيف قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه الْمُسْتَقيم، وَإِنَّمَا قيل للأعرج حنيف تطيرا إِلَى السَّلامَة، قَالَه ابْن قُتَيْبَة. وَالثَّانِي: أَنه المائل إِلَى دين الله سُبْحَانَهُ. والحنف: ميل كل وَاحِدَة من الْقَدَمَيْنِ إِلَى أُخْتهَا بأصابعها، قَالَه الزّجاج. وَقَوله: " واجتالتهم عَن دينهم " أَي أزالتهم، مَأْخُوذ من الجولان، والجائل زائل عَن مَكَانَهُ. وَرَوَاهُ أَبُو عبيد: فأحالتهم. وَالسُّلْطَان: الْحجَّة. والمقت: أَشد الْغَضَب. وَإِنَّمَا اسْتثْنى بقايا من أهل الْكتاب لأَنهم لم يبدلوا. والإبتلاء: الاختبار. وَقَوله: " لَا يغسلهُ المَاء " أَي لَا ينمحي لدوام ظُهُوره وشهرته، فَهُوَ لكَونه مبثوثا فِي الصُّحُف والصدور لَو مُحي من صحيفَة وجد فِي الحديث: 2449 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 أُخْرَى، أَو قَامَ بِهِ الْحفاظ. فَإِن قيل: فَكيف يَقْرَؤُهُ نَائِما؟ فَالْجَوَاب من ثَلَاثَة أوجه: أَن معنى تقرؤه: تجمعه حفظا وَأَنت نَائِم كَمَا تقرؤه فِي الْيَقَظَة. وَالثَّانِي: أَن الْإِشَارَة إِلَى تسهيله، فَضرب النّوم مثلا للسهولة، كَمَا يُقَال: أَنا أسبق فلَانا - إِذا عدا - قَاعِدا. وَالثَّالِث: أَن الْمَعْنى: تقرؤه وَأَنت متهيئ للنوم، وَالْمرَاد عَن ظهر الْقلب. وَمن سبق من الْأُمَم كَانُوا لَا يقرءُون كتبهمْ إِلَّا من الصُّحُف. وَقَوله: " أَمرنِي أَن أحرق قُريْشًا " كِنَايَة عَن الْقَتْل. وَقَوله: " يثلغوا رَأْسِي " الثلغ: الشدخ، وَقيل: هُوَ فَضَحِك الشَّيْء الرطب باليابس، فَإِذا انبسط بالثلغ أشبه الخبزة فِي انبساطها. وَقَوله: " واغزهم نعنك " كَذَا فِي كتاب الْحميدِي، وَهُوَ من الْإِعَانَة، وَفِي مُسْند أَحْمد: " نغزك ". وَقَوله: " نبعث خَمْسَة مثله " إِشَارَة إِلَى الْمَلَائِكَة. وَقَوله: " مقسط " أَي عَادل. وَقَوله: " موفق " كَذَا فِي كتاب الْحميدِي، وَهُوَ فِي مُسْند أَحْمد " مرفق " وَهُوَ أليق للمناسبة بَين التَّصَدُّق والإرفاق. وَقَوله: " رَحِيم " رَقِيق الْقلب. وَهَذَا يدْخلهُ الْجنَّة رَحمته لِلْخلقِ ورقة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 قلبه، فَيحسن إِلَيْهِم وَلَا يظلمهم. والعفيف: الَّذِي يكف يَده عَمَّا لَا يحل لَهُ. وَقَوله: " لَا زبر لَهُ " قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أَي لَا رَأْي لَهُ يرجع إِلَيْهِ، يُقَال: رجل لَا زبر لَهُ وَلَا زور لَهُ وَلَا صيور: إِذا لم يكن لَهُ رَأْي يرجع إِلَيْهِ. وَقَالَ الْحميدِي: لَا عقل لَهُ. وَقَوله: " الَّذين هم فِيكُم تبعا لَا يَبْتَغُونَ أَهلا وَلَا مَالا " قد جَاءَ فِي هَذَا الحَدِيث تَفْسِير هَذَا، وَأَنَّهُمْ الَّذين يتبعُون الْقَوْم لفساد يطلبونه، قَالُوا: فَكَانَ الرجل يرْعَى على الْحَيّ مَا بِهِ إِلَّا وليدتهم يَطَؤُهَا. قَوْله: " والشنظير: الفحاش " الشنظير: السَّيئ الْخلق. والفحاش: المبالغ فِي الْفُحْش فِي كَلَامه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 (211) وَقد أخرج مُسلم عَن رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسم 2450 - / 3140 - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقرّ بالقسامة على مَا كَانَت عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقضى بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين نَاس من الْأَنْصَار فِي قَتِيل ادعوهُ على الْيَهُود. والقسامة: الْأَيْمَان فِي أَمر الْقَتِيل. وَاعْلَم أَن صَاحب الشَّرْع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بمكارم الْأَخْلَاق، وَدفع الظُّلم، فَرَأى أَشْيَاء فِي الْجَاهِلِيَّة حَسَنَة فأقرها، فَمِنْهَا الْقسَامَة. وَأول من قضى بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، فأقرها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقضى بهَا بَين نَاس من الْأَنْصَار، وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي مُسْند سهل بن أبي حثْمَة. وَمِنْهَا خلع النَّعْلَيْنِ عِنْد دُخُول الْكَعْبَة، أول من فعله فِي الْجَاهِلِيَّة الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، فَخلع النَّاس نعَالهمْ فِي الْإِسْلَام. وَهُوَ أول من قطع فِي السّرقَة فِي الْجَاهِلِيَّة وَأقرهُ الْإِسْلَام. وَأول من سنّ مائَة من الْإِبِل عبد الْمطلب. وَيُقَال: أَبُو سيارة العدواني. وَأول عَرَبِيّ قسم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ عَامر بن جشم ذُو الحديث: 2450 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 المجاسد، فَنزل الْقُرْآن بذلك. وَأول من قضى فِي الْجَاهِلِيَّة فِي الْخُنْثَى بِالْمِيرَاثِ من حَيْثُ يَبُول عَامر ابْن الظرب. وَأول من سبى السَّبي سبأ بن يعرب بن قحطان، وَلذَلِك سمي سبأ، وَإِنَّمَا اسْمه عَامر. وَأول عَرَبِيَّة كست الْكَعْبَة الْحَرِير والديباج نتيلة بنت جناب، أم الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 (212) كشف الْمُشكل من مُسْند أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة وَجُمْلَة مَا رَوَت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألفا حَدِيث وَمِائَتَا حَدِيث وَعشرَة أَحَادِيث، أخرج مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثمِائَة حَدِيث إِلَّا ثَلَاثَة أَحَادِيث. 2451 - / 3144 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: اسْتَأْذَنت سَوْدَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة جمع - وَكَانَت ثَقيلَة ثبطة - أَن تفيض من جمع بلَيْل. الثبطة / البطيئة. والتثبط: الإبطاء. والإفاضة: الدّفع. وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقدم ضعفة أَهله لَيْلَة جمع قبل حطمة النَّاس على مَا بَينا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 2452 - / 3145 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: طمثت صَفِيَّة. الطمث: الْحيض. يُقَال: طمثت الْمَرْأَة، بِفَتْح الْمِيم، وطمثت بِكَسْرِهَا. وطمث الرجل الْمَرْأَة: إِذا افتضها، بِفَتْح الْمِيم لَا غير. الحديث: 2451 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 وَقَوله: فَرَأى صَفِيَّة كئيبة. الكآبة: الانكسار من الْحزن. وَقَوله: " عقرى حلقى " أَصْحَاب الحَدِيث يَرْوُونَهُ عقرى حلقى على وزن " فعلى " وَقَالَ أَبُو عبيد: الصَّوَاب: عقرا حلقا، على الْمصدر، يُرِيد: عقرهَا الله عقرا، وحلقها حلقا. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: معنى عقرى: عقرهَا الله. وحلقى: أَصَابَهَا بوجع فِي حلقها. وَظَاهر هَذَا الدُّعَاء عَلَيْهَا؛ وَلَيْسَ يُرَاد بِهِ الدُّعَاء، إِنَّمَا هُوَ مَذْهَب مَعْرُوف للْعَرَب يَقُولُونَ مَا ظَاهره الدُّعَاء على الشَّخْص وَلَا يقصدون ذَلِك، كَقَوْلِهِم: تربت يداك. وَطواف الْإِفَاضَة هُوَ الَّذِي يدعى الزِّيَارَة، وَهُوَ الَّذِي لَا يتم الْحَج إِلَّا بِهِ. ويحتج بِهَذَا الحَدِيث من يرى طواف الْوَدَاع لَيْسَ بِوَاجِب وَقد تكلمنا على هَذَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 2453 - / 3146 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا أبْكِي، فَقَالَ: " مَالك أنفست؟ " وَفِي رِوَايَة: " طمثت؟ ". قَوْله: " نفست " أَي حِضْت. يُقَال: نفست الْمَرْأَة ونفست بِضَم النُّون وَفتحهَا: إِذا ولدت، وَأما إِذا حَاضَت فتفتح النُّون، هَذَا هُوَ المشتهر، وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُقَال: نفست تنفس، ونفست تنفس، وطمثت ودرست وعركت بِمَعْنى حَاضَت. وَقَوله: " كتبه الله على بَنَات آدم " أَي قضى بِهِ عَلَيْهِنَّ، كَقَوْلِه: (كتب الحديث: 2453 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 الله لأغلبن أَنا ورسلي} [المجادلة: 21] . وَقَوله: " غير أَن لَا تطوفي بِالْبَيْتِ " دَلِيل على أَن طواف الْمُحدث لَا يُجزئ، وَلَو كَانَ ذَلِك لأجل الْمَسْجِد لقَالَ: لَا تدخلي الْمَسْجِد: وَقد اخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد فِي طواف الْمُحدث وَالنَّجس، فَروِيَ عَنهُ: لَا يَصح. وَرُوِيَ عَنهُ: يَصح وَيلْزمهُ دم كَقَوْلِه أبي حنيفَة. وَقَوله: " اجْعَلُوهَا عمْرَة " قد سبق الْكَلَام فِيهِ. وأهلوا: رفعوا أَصْوَاتهم بِالتَّلْبِيَةِ. وَقَوله: فَأمرنِي فأفضت. يَعْنِي دفعت للطَّواف باليبت. وَلَيْلَة الحصبة هِيَ اللَّيْلَة الَّتِي ينزل النَّاس المحصب عِنْد انصرافهم من منى إِلَى مَكَّة. والتحصيب: إقامتهم بالمحصب: وَهُوَ الشّعب الَّذِي مخرجه إِلَى الأبطح. ومؤخرة الرحل: آخِره. وَقَوله: " فأحقبها ": أَي أردفها. والمحقب: المردف. والقتب: أَدَاة الرجل للجمل كالإكاف لغيره. وَقَوْلها: وَحرم الْحَج: يَعْنِي فروضه وَمَا يجب الْتِزَامه فِيهِ واجتنابه. وَقَوله: " يَا هنتاه ". قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: مَعْنَاهُ: يَا هَذِه، يُقَال للمذكر إِذا كني عَنهُ: هن، وللمؤنث هنة، وَقَالَ الْحميدِي: يَا هنتاه: كَأَنَّهُ نَسَبهَا إِلَى البله وَقلة الْمعرفَة بِالشَّرِّ. وَيُقَال: امْرَأَة هنتاء: أَي بلهاء. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 وَقَوله: " دعِي عمرتك " قَالَ الشَّافِعِي: إِنَّمَا أمرهَا بترك الْعَمَل للْعُمْرَة من الطّواف وَالسَّعْي، لَا أَنه أمرهَا بترك الْعمرَة أصلا. وَلما قَضَت حَجهَا أخْبرهَا أَن طوافها وسعيها يَكْفِي عَن النُّسُكَيْنِ، فآثرت هِيَ عمْرَة مُفْردَة، فَأمر أخاها فأعمرها فَكَانَت عمرتها هَذِه تَطَوّعا. وَقَوْلها: وَأما الَّذين جمعُوا الْحَج وَالْعمْرَة فَإِنَّمَا طافوا طَوافا وَاحِدًا. ثمَّ إِن هَذَا يدل على أَن الْقَارِن يَكْفِيهِ طواف وَاحِد على مَا بَينا فِي مُسْند ابْن عمر. وَقَوْلها: ويصدر النَّاس بنسكين. الصَّدْر: الرُّجُوع، وَهُوَ خلاف الْوُرُود. والنسك: كل مَا تقرب بِهِ إِلَى الله عز وَجل. وأرادت بالنسكين الْحَج وَالْعمْرَة. وَلَيْلَة النَّفر: لَيْلَة الرُّجُوع من منى بعد تَمام الْحَج. وَقَوله: " الْحجر من الْبَيْت " دَلِيل على أَنه إِذا ترك الْحجر فِي طَوَافه لم يجزه، خلافًا لأبي حنيفَة. 2454 - / 3147 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَنَّهَا استعارت من أَسمَاء قلادة فَهَلَكت. أَي ضَاعَت. وَقَوْلها: فصلوا بِلَا وضوء. دَلِيل على أَن من لم يجد مَاء وَلَا تُرَابا صلى على حَاله، وَهَذَا مَذْهَب أَحْمد وَالشَّافِعِيّ، وعنهما فِي الْإِعَادَة رِوَايَتَانِ. وَإِنَّمَا صلوا لأَنهم فَهموا أَن فقد الشَّرْط لَا يمْنَع فعل الْمَشْرُوط. الحديث: 2454 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 وَلم يُنكر عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو كَانَ مُنْكرا لأنكره، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: من لم يجد مَاء وَلَا تُرَابا لم يصل، وَعَن مَالك كالمذاهب الثَّلَاثَة. فَإِن قَالَ قَائِل: ظَاهر الحَدِيث أَنَّهَا كَانَت فِي قصتين فِي حالتين. قُلْنَا: بل كَانَت قصَّة وَاحِدَة، وَإِنَّمَا الروَاة تختصر وتخالف بَين الْعبارَات، فَإِن القلادة كَانَت لأسماء واستعارتها مِنْهَا عَائِشَة وأضافتها إِلَيْهَا فَقَالَت: ضَاعَ عقد لي، فَأَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لالتماسها، وَبعث رجَالًا يطلبونها فِي الْموضع الَّذِي رحلوا عَنهُ، فصلى أُولَئِكَ بِغَيْر وضوء، وَجَاءُوا وَقد نزلت آيَة التَّيَمُّم، فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بِالتَّيَمُّمِ. 2455 - / 3148 - والْحَدِيث الْخَامِس: حَدِيث بَرِيرَة، وَفِيه: " إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق "، وَقد سبق فِي مُسْند ابْن عمر. وَلَيْسَ فِي الحَدِيث أَن اشْتِرَاط الْوَلَاء كَانَ مُقَارنًا للْعقد، فَالْأَظْهر أَن يكون سَابِقًا للْعقد وَعدا بذلك. وَقَوله: " وليشترطوا مَا شَاءُوا " الْمَعْنى: لَيْسَ لَهُم تحكم فِي الشَّرْع؛ لِأَن الشُّرُوط اللَّازِمَة شَرْعِيَّة. وَقد رُوِيَ فِي لفظ صَحِيح: " خذيها واشترطي لَهُم الْوَلَاء، فَإِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق " وَهَذَا مِمَّا قد رده قوم وأبوا صِحَّته، وَذكروا فِي رده علتين: إحدهما: أَنه شَيْء انْفَرد بِهِ مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة. الحديث: 2455 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 وَالثَّانِي: أَنه غرور، وَلَا يجوز على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَأْمر بغرور أحد، قَالَه يحيى بن أَكْثَم. وَقَول من قَالَ: انْفَرد بِهِ مَالك، غلط؛ فَإِنَّهُ قد تَابعه جرير بن عبد الحميد وَحَمَّاد بن أُسَامَة، وَفَسرهُ الْمُزنِيّ فَقَالَ: اشترطي لَهُم: أَي عَلَيْهِم، كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَلَهُم اللَّعْنَة} [غَافِر: 52] . وَالَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَن يكون هَذَا اللَّفْظ من رِوَايَة بعض الروَاة بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهَا قَالَت: إِنَّهُم يشترطون الْوَلَاء فَقَالَ: خذيها، ظن الرَّاوِي أَن الْمَعْنى خذيها واشترطي لَهُم الْوَلَاء، فَذكره بِالْمَعْنَى فغلط. وَالثَّانِي: أَنهم لما كَانُوا جاهلين بِالشَّرْعِ لم يعبأ باشتراطهم فتركهم يشترطون ليَكُون نَهْيه على الْمِنْبَر عَن أَمر قد جرى فَيكون أبلغ، من جنس قَوْله تَعَالَى: {قَالَ لَهُم مُوسَى ألقوا} [يُونُس: 80] . وَالثَّالِث: أَنه مَحْمُول على أَن الْقَوْم قد علمُوا قبل هَذَا أَن الْوَلَاء لمن أعتق ثمَّ أَرَادوا اشْتِرَاطه فَجعل نقض مَا اشترطوه أبلغ فِي عقوبتهم. وَقد روى أَبُو بكر الْأَثْرَم قَالَ: سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: قد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبرهُم أَن الْوَلَاء لمن أعتق، فَلَمَّا لم يقبلُوا سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعمِلُوا بِخِلَاف مَا أَمرهم واشترطوا شُرُوطًا لَيست فِي كتاب الله عز وَجل وَلَا سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَائِشَة: " اشترطي لَهُم الْوَلَاء " أَي لَيْسَ ذَلِك لَهُم وَلَا يجب عَلَيْك. وَقَوله: " شُرُوطًا لَيست فِي كتاب الله " لم يرد أَن الشُّرُوط مَنْصُوص عَلَيْهَا فِي الْقُرْآن، وَإِنَّمَا أَشَارَ بِالْكتاب إِلَى حكم الله عز وَجل، وَمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 حكمه مَا ينْطق بِهِ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا كَمَا قَالَ: اقْضِ بَيْننَا بِكِتَاب الله. وَأما الأواقي فَجمع أُوقِيَّة، وَهِي أَرْبَعُونَ درهما، وَقد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. ونجمت: أَي جعلت نجوما. والنجم: وَظِيفَة معلقَة بِوَقْت. وَقَوله: ونفست فِيهَا، النُّون مَفْتُوحَة وَالْفَاء مَكْسُورَة، وَالْمعْنَى: بخلت بهَا عَائِشَة أَن تخرج عَن يَدهَا. وَقَوله: " فاشتريها فأعتقيها " دَلِيل على جَوَاز بيع رَقَبَة الْمكَاتب، وَهُوَ قَول أَحْمد بن حَنْبَل خلافًا لأكثرهم. وَعنهُ رِوَايَة توَافق الْقَوْم. وَقَوله: فَخَيرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من زَوجهَا؛ وَذَاكَ لِأَن زَوجهَا كَانَ عبدا. وَقد سبق بَيَان هَذَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 2456 - / 3149 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد سترت سهوة لي بقرام فِيهِ تماثيل. حكى أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: السهوة كالصفة تكون بَين يَدي الْبَيْت، وَقيل: هِيَ شَبيهَة بالرف أَو الطاق يوضع فِيهِ الشَّيْء. وَأهل الْيمن يَقُولُونَ: هِيَ عندنَا بَيت صَغِير منحدر فِي الأَرْض، وسمكه مُرْتَفع من الأَرْض، شَبيه بالخزانة الصَّغِيرَة يكون فِيهَا الْمَتَاع. الحديث: 2456 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: السهوة: الكوة بَين الدَّاريْنِ. والقرام: السّتْر الرَّقِيق. والتماثيل: الصُّور. ويضاهون: يشبهون. والمرفقة: الوسادة، وَجَمعهَا مرافق، وَكَذَلِكَ النمرقة، وَجَمعهَا نمارق. وَإِنَّمَا جَازَ أَن تجْعَل وسَادَة لِأَنَّهَا تبتذل، وَكَذَلِكَ لَو فرشت بِخِلَاف مَا إِذا علقت فَإِن فِيهَا تَعْظِيمًا لَهَا. وَقد بَينا سَبَب امْتنَاع الْمَلَائِكَة من بَيت فِيهِ صُورَة أَو كلب، فِي مُسْند أبي طَلْحَة. والدرنوك: مَا كَانَ لَهُ حمل من الستور، وَأَصله الثِّيَاب الْغِلَاظ الَّتِي لَهَا حمل، فَإِذا بسط سمي بساطا، وَإِذا علق سمي سترا. والقطيفة وَاحِدَة القطائف: وَهُوَ ضرب من الأكسية. والنمط: ضرب من الْبسط. وَقَوله: " لم يَأْمُرنَا أَن نكسو الْحِجَارَة والطين " دَلِيل على كَرَاهِيَة ستر الْجِدَار كَمَا يَفْعَله كثير من الْعَوام فِي الأعراس. 2457 - / 3150 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: طيبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين الحديث: 2457 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 أحرم، ولحله حِين أحل بِطيب فِيهِ مسك. وَفِي لفظ بذريرة. الذريرة: شَيْء من الطّيب. فَأَما الوبيص فَقَالَ أَبُو عبيد: هُوَ البريق، وَقد وبص الشَّيْء يبص وبيصا. والبصيص مثله أَو نَحوه، يُقَال مِنْهُ: بص يبص. والمفارق جمع مفرق: وَهُوَ حَيْثُ يتفرق شعر الرَّأْس. وَقَوله: " أنضح طيبا " أَي يظْهر مني. يُقَال: عين نضاحة: كَثِيرَة المَاء. وَالْحرم بِضَم الْحَاء وَسُكُون الرَّاء: الْإِحْرَام، وَرُبمَا كسرهَا بعض قرأة الحَدِيث وَلَيْسَ بصواب؛ لِأَنَّهَا إِذا كسرت صَارَت بِمَعْنى الْحَرَام، يُقَال: حرم وَحرَام. وَقد دلّ هَذَا الْحَدث على أَن للْمحرمِ أَن يتطيب قبل إِحْرَامه بِطيب يبْقى أَثَره بعد الْإِحْرَام. وَعِنْدنَا أَنه يسْتَحبّ لَهُ أَن يتطيب. وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، إِلَّا أَنه قد رُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ: إِن تطيب بِمَا يبْقى بعد الْإِحْرَام فَعَلَيهِ الْفِدْيَة، وَشبهه أَصْحَابه باللباس يستصحب بعد الْإِحْرَام. والفارق بَين مَا جمعُوا من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرق بِفِعْلِهِ بَين الطّيب واللباس. وَالثَّانِي: أَن الطّيب بغرض الِاسْتِهْلَاك واللباس للاستبقاء. وَلِهَذَا لَو حلف وَهُوَ متطيب: لَا تطيبت، لَا يلْزمه إزاله مَا على بدنه، بِخِلَاف مَا لَو حلف: لَا لبست، فَإِنَّهُ يلْزمه نزع اللبَاس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 وَقَالَ مَالك: لَا يجوز للْمحرمِ أَن يتطيب، وَإِن فعل غسله. 2458 - / 3151 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: أَن عَائِشَة قَالَت: مَا لفاطمة خير فِي أَن تذكر هَذَا - يَعْنِي قَوْلهَا: لَا سُكْنى وَلَا نَفَقَة. اعْلَم أَن فَاطِمَة بنت قيس طَلقهَا زَوجهَا ثَلَاثًا فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا سُكْنى لَك وَلَا نَفَقَة " وَسَيَأْتِي هَذَا فِي مسندها إِن شَاءَ الله، وَأنْكرت عَائِشَة عَلَيْهَا هَذَا وتأولته، وَقَالَت: كَانَت فَاطِمَة فِي مَكَان وَحش فخيف على ناحيتها، فَلذَلِك أرخص لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعْنِي أَن تخرج من بَيتهَا. 2459 - / 3152 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {هُوَ الَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشابهات} [آل عمرَان: 7] وَقَالَ: " إِذا رَأَيْت الَّذين يتبعُون مَا تشابه مِنْهُ فَأُولَئِك الَّذين سمى الله، فاحذروهم ". اخْتلف الْعلمَاء فِي الْمُحكم والمتشابه على أَقْوَال كَثِيرَة قد ذكرتها فِي " التَّفْسِير "، وَأظْهر الْأَقْوَال فِي الْمُحكم أَنه الَّذِي يتَبَيَّن مَعْنَاهُ بِنَفس تِلَاوَته. وَأما الْمُتَشَابه فينقسم: فَمِنْهُ مَا إِذا رد إِلَى الْمُحكم وَاعْتبر بِهِ عقل مَعْنَاهُ، وَمِنْه مَا لَا سَبِيل إِلَى معرفَة كنهه، وَهُوَ الَّذِي انْفَرد الْحق عز وَجل بِعِلْمِهِ، وَهُوَ الَّذِي يتبعهُ أهل الزيغ وَيطْلبُونَ سره، كالقدر وَنَحْوه، الحديث: 2458 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 فالباحث عَن مثل هَذَا طَالب للفتنة، وَلَا يبعد أَن يتعبدنا الله عز وَجل بِمَا طريقنا فِيهِ تَسْلِيم الْأَمر. 2460 - / 3153 - والْحَدِيث الْعَاشِر: قد سبق فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 2461 - / 3154 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: كَانَ إِذا أَرَادَ سفرا أَقرع بَين نِسَائِهِ. وَفِيه دَلِيل على جَوَاز الحكم بِالْقُرْعَةِ. وَقد سبق بَيَانهَا فِي مُسْند عمرَان بن حُصَيْن. 2462 - / 3155 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: " من أحدث فِي أمرنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رد ". الْأَمر هَاهُنَا المُرَاد بِهِ الدّين. وَالْحَدَث فِيهِ: مَا يناقضه ويضاده. وَالرَّدّ بِمَعْنى الْمَرْدُود. 2463 - / 3156 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: وَكَانَ مَعَه مثل الهدبة، فَلم يقربنِي إِلَّا هنة وَاحِدَة. الحديث: 2460 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 الهدب: طرف الثَّوْب وَمَا لَان مِنْهُ وتفرق كالخيوط. والجلباب: الْإِزَار. وَقَوْلها: إِلَّا هنة: أَي مرّة وَلم يصل مني إِلَى شَيْء. والعسيلة تَصْغِير الْعَسَل. وَهَذَا كِنَايَة عَن بُلُوغ الشَّهْوَة فِي الْجِمَاع بالإنزال، شبه ذَلِك بالعسل وحلاوته. وَفِي عِلّة تَأْنِيث الْعسيلَة أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن الْعَسَل يذكر وَيُؤَنث. وَالثَّانِي: أَنَّهَا الْقطعَة من الْعَسَل. وَالثَّالِث: أَنه أنث على معنى النُّطْفَة، وَهِي مُؤَنّثَة. وَالرَّابِع: أَنه أنث على نِيَّة اللَّذَّة. وَقَوْلها: فَتزوّجت عبد الرَّحْمَن بن الزبير. الزبير هَاهُنَا بِفَتْح الزَّاي وَكسر الْبَاء. ولعَبْد الرَّحْمَن صُحْبَة، وَكَانَ لَهُ ابْن اسْمه الزبير بِضَم الزَّاي. وروى مَالك بن أنس عَن الْمسور بن رِفَاعَة عَن الزبير بن عبد الرَّحْمَن ابْن الزبير. وَالزُّبَيْر أَيْضا بِفَتْح الزَّاي عبد الله بن الزبير الشَّاعِر، أَتَى عبد الله بن الزبير يستعطيه فحرمه، فَقَالَ: لعن الله نَاقَة حَملتنِي إِلَيْك، قَالَ لَهُ: إِن وراكبها. وَيَجِيء فِي حَدِيث آخر أَن الزبير بن باطا من عُلَمَاء الْيَهُود تحدث بِخُرُوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يبْعَث، فَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة بِفَتْح الزَّاي. فَأَما الزبير بضَمهَا فكثير. وَقد يشكل بزنبر، وَهُوَ سعيد بن دَاوُد بن أبي زنبر، لَهُ أَحَادِيث مَنَاكِير. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 وَقَوله: أنفضها نفض الْأَدِيم، هَذِه كِنَايَة عَن شدَّة الْحَرَكَة عِنْد المواقعة. وَقَوله: وَلكنهَا ناشز، يُقَال: نشزت الْمَرْأَة فَهِيَ ناشز: إِذا نفرت عَن زَوجهَا. 2464 - / 3157 - والْحَدِيث الرَّابِع عشر: قد سبق فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 2465 - / 3158 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: أَنا فتلت تِلْكَ القلائد من عهن كَانَ عندنَا، فَأصْبح فِينَا حَلَالا يَأْتِي مَا يَأْتِي الْحَلَال من أَهله. القلائد: مَا يعلق فِي عنق الْهَدْي ليعلم أَنه هدي. والعهن: الصُّوف الملون، واحدته عهنة. وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَن إِشْعَار الْبدن وتقليدها سنة، وَقد سبق الْكَلَام فِي ذَلِك فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَقَوْلها: فَأصْبح فِينَا حَلَالا. دَلِيل على أَن سوق الْهَدْي لَا يدْخل صَاحبه فِي الْإِحْرَام. وَكَانَ ابْن عمر يَقُول: إِذا قلد هَدْيه فقد أحرم. 2466 - / 3159 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: كَانَ إِذا اغْتسل دَعَا بِشَيْء نَحْو الحلاب. الحلاب والمحلب: الْإِنَاء الَّذِي تحلب فِيهِ ذَوَات الألبان، وَهُوَ يسع الحديث: 2464 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 قدر حلبة نَاقَة، وأنشدوا: (صَاح، هَل رَأَيْت أَو سَمِعت براع ... رد فِي الضَّرع مَا قرا فِي الحلاب) وَقد غلط جمَاعَة فِي تَفْسِيره، مِنْهُم البُخَارِيّ؛ فَإِنَّهُ ظن الحلاب شَيْئا من الطّيب فَقَالَ: بَاب من بَدَأَ بالحلاب وَالطّيب، وَذكر هَذَا الحَدِيث فَقَط، وَكَأَنَّهُ توهم أَن الحلاب هُوَ المحلب الَّذِي يسْتَعْمل فِي غسل الْأَيْدِي، وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَهُ. وصحف آخَرُونَ لَفظه، مِنْهُم الْأَزْهَرِي فَإِنَّهُ قَالَ: دَعَا بِشَيْء مثل الْجلاب بِالْجِيم وَتَشْديد اللَّام، وَقَالَ: هُوَ مَاء الْورْد، وَهُوَ فَارسي مُعرب، كَذَلِك حَكَاهُ عَنهُ الْحميدِي وقرأناه على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: أَرَادَ بالجلاب مَاء الْورْد، وَهُوَ فَارسي مُعرب، وَكَذَلِكَ ذكره أَبُو عبيد الْهَرَوِيّ فِي بَاب الْجِيم فَقَالَ: الْجلاب، إِلَّا أَنه كَأَنَّهُ لم ينصره. وَهَؤُلَاء عَن معرفَة الحَدِيث بمعزل، إِنَّمَا البُخَارِيّ أعجب حَالا؛ لِأَن لفظ الحَدِيث: دَعَا بِشَيْء نَحْو الحلاب، فَلَو كَانَ دَعَا بالحلاب كَانَ رُبمَا يشكل، وَنَحْو الشَّيْء غَيره، على أَنه فِي بعض الْأَلْفَاظ: دَعَا بِإِنَاء مثل الحلاب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 وَأما الْفرق فالراء مَفْتُوحَة، وَمِقْدَار الْفرق سِتَّة عشر رطلا، وَمن سكن الرَّاء فقد غلط؛ لِأَن الْفرق بالتسكين مائَة وَعِشْرُونَ رطلا. قَالَ الْخطابِيّ: وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن الْوضُوء بِفضل الْمَرْأَة جَائِز، فَإِن النَّهْي عَن ذَلِك مَنْسُوخ. وَقَول الْخطابِيّ لَيْسَ بِشَيْء؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا يغتسلان مَعًا، فَمن أَيْن لَهُ أَنه كَانَ يغْتَسل بفضلها وَقد خلت بِهِ، فاستدلاله بِاللَّفْظِ الْمُطلق على معنى خَاص، ثمَّ قد فسر بِمَا ذكرنَا غَايَة الْخَطَأ. وَيدل على مَا قُلْنَا الحَدِيث الثَّامِن عشر: كَانَ يوضع لي ولرسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا المركن فنشرع فِيهِ جَمِيعًا والمركن: الإجانة الَّتِي يغسل فِيهَا الثِّيَاب، قَالَه أَبُو عبيد، وَمعنى نشرع فِيهِ: نغترف مِنْهُ مَعًا، وَأَصله شُرُوع الْإِبِل فِيمَا تورد عَلَيْهِ من المَاء. 2467 - / 3162 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: " إِن قَوْمك حِين بنوا الْكَعْبَة اقتصروا عَن قَوَاعِد إِبْرَاهِيم " فَقلت: أَلا تردها على قَوَاعِد إِبْرَاهِيم؟ فَقَالَ: " لَوْلَا حدثان قَوْمك بالْكفْر لفَعَلت ". قَوْله: " إِن قَوْمك حِين بنوا الْكَعْبَة " قَالَ الزُّهْرِيّ: لما بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحلم أجمرت امْرَأَة الْكَعْبَة، فطارت شررة فاحترقت ثِيَاب الْكَعْبَة، فوهى الْبَيْت، فنقضته قُرَيْش وبنته. الحديث: 2467 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 وَقَوله: " اقتصروا عَن قَوَاعِد إِبْرَاهِيم " أَي قصروا عَنْهَا فبنوا دونهَا. وَقَوله: " لَوْلَا حدثان قَوْمك بالْكفْر " أَي حَدَاثَة عَهدهم. وَهَذَا تَنْبِيه على مُرَاعَاة أَحْوَال النَّاس ومداراتهم، وَألا يبدهوا بِمَا يخَاف قلَّة احتمالهم لَهُ، أَو بِمَا يُخَالف عاداتهم إِلَّا أَن يكون ذَلِك من اللازمات. وَأما كنز الْكَعْبَة فقد ذكرنَا فِي مُسْند شبية أَنهم كَانُوا يهْدُونَ المَال إِلَيْهَا فيخبأ فِيهَا. والجدر: الْحجر، سمي جدرا لما فِيهِ من أصُول الْحِيطَان. وَقَوله: قصرت بهم النَّفَقَة: أَي قلت. وَقَوله: احْتَرَقَ الْبَيْت زمن يزِيد بن مُعَاوِيَة. قد بَينا فِي مُسْند أبي شُرَيْح الْخُزَاعِيّ أَن يزِيد قَالَ: لَا أقبل من ابْن الزبير مبايعته حَتَّى أُوتى بِهِ فِي وثاق، فَأبى عبد الله، وَأَن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ لما ولي الْمَدِينَة بعث الْبعُوث إِلَى ابْن الزبير بِمَكَّة وَأمر عَلَيْهِ عَمْرو بن الزبير أَخا عبد الله - وَكَانَت بَينهمَا معاداة - فَمضى إِلَى مَكَّة، وراسل عبد الله فَقَالَ: أما أَنا فَمَا أُخَالِف، فَأَما أَن يَجْعَل فِي عنقِي جَامِعَة ثمَّ أقاد إِلَى الشَّام فَلَا يحل لي أَن أحل بِنَفس، فَجرى بَينهمَا قتال. ثمَّ إِن يزِيد عزل عَن الْمَدِينَة عَمْرو بن سعيد وولاها الْوَلِيد بن عتبَة ثمَّ عَزله وَولى عُثْمَان بن مُحَمَّد، فَوَثَبَ عَلَيْهِ أهل الْمَدِينَة فأخرجوه فَوجه يزِيد مُسلم بن عقبَة وَأمره أَن يتَّخذ الْمَدِينَة طَرِيقا، فَإِن هم تَرَكُوهُ مضى إِلَى ابْن الزبير فقاتله، فَإِن منعُوهُ دُخُولهَا ناجزهم الْقِتَال، فمنعوه فَكَانَت الْحرَّة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 ثمَّ خرج يُرِيد ابْن الزبير فَمَاتَ فِي الطَّرِيق، فولى الْحصين بن نمير، فَقدم الْحصين فحاصر ابْن الزبير أَرْبَعَة وَسِتِّينَ يَوْمًا، وَنصب الْحصين المنجنيق على ابْن الزيبر، وَرمى الْكَعْبَة، وَمَات يزِيد فارتحل الْحصين، فَأمر ابْن الزبير بِتِلْكَ الحصاص الَّتِي كَانَت حول الْكَعْبَة فهدمت، فبدت الْكَعْبَة، وَأمر بِالْمَسْجِدِ فكنس مَا فِيهِ من الْحِجَارَة والدماء، فَإِذا الْكَعْبَة قد وهت من أَعْلَاهَا إِلَى أَسْفَلهَا من حِجَارَة المنجنيق، وَإِذا الرُّكْن قد اسود وَاحْتَرَقَ من الْحَرِيق الَّذِي كَانَ حول الْكَعْبَة، فَتَركهَا ابْن الزبير كَذَلِك حَتَّى جَاءَ الْمَوْسِم وَرَآهَا النَّاس، ليذموا أهل الشَّام. قَوْله: يُرِيد أَن يحربهم: أَي يزِيد فِي غضبهم. يُقَال: حَرْب الرجل: أَي غضب، وحربته أَنا: إِذا حرشته وسلطته وعرفته مَا يغْضب مِنْهُ. وَمن قَالَ يجرئهم أَرَادَ يزِيد جرأتهم عَلَيْهِم وعَلى مطالبتهم باستحلالهم بحريق الْكَعْبَة. وَقَوله: قد فرق لي رَأْي فِيهَا: أَي اتَّضَح وانكشف. وَقَوله: فتحاماه النَّاس: أَي تجنبوه وَلم يجسروا عَلَيْهِ. ثمَّ إِن ابْن الزبير هَدمه وبناه. والتلطيخ: التلويث والتخليط بِالرَّأْيِ الْفَاسِد. 2468 - / 3163 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين: فرضت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ , فأقرت صَلَاة السّفر وأتمت صَلَاة الْحَضَر. الحديث: 2468 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 هَذِه إِشَارَة مِنْهَا إِلَى الْفَرْض الأول، فَإِنَّهُ قد نقل أَنه كَانَ فرض على النَّاس فِي أول الْإِسْلَام أَن يصلوا رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا فرضت الْخمس وَجَبت على الْمُقِيم تَامَّة، وَرخّص للْمُسَافِر فِي الْقصر فَعَاد إِلَى الْفَرْض الأول. 2469 - / 3164 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين: أَلا يُعْجِبك أَبُو فلَان، جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانب حُجْرَتي يحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسمعني ذَلِك وَكنت أسبح. أَبُو فلَان تُرِيدُ بِهِ أَبَا هُرَيْرَة. وأسبح بِمَعْنى أتنفل. وسرد الحَدِيث: أَن يُؤْتى بِهِ مُتَتَابِعًا على الْوَلَاء. وَكَأَنَّهَا إِنَّمَا أنْكرت سرد الحَدِيث وكثرته وأرادت مِنْهُ أَن يتحدث قَلِيلا بتثبت، لَا أَنَّهَا أنْكرت نفس مَا حدث بِهِ. 2470 - / 3165 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: إِن أَبَا سُفْيَان رجل مسيك. المسيك " فعيل " من الْإِمْسَاك، وَهُوَ بياء الْمُبَالغَة، فَكَأَنَّهُ يتَكَرَّر مِنْهُ الْإِمْسَاك، كالصديق والسكيت والسكير. وَالْمرَاد بالإمساك هَاهُنَا الْبُخْل: وَالشح نَحْو الْبُخْل، وَقد ذكرنَا بَينهمَا فرقا فِي مُسْند جَابر بن عبد الله، وَإِنَّمَا أجَاز لَهَا أَن تَأْخُذ مَا يكفيها لِأَنَّهُ حق عَلَيْهِ، وَقيد ذَلِك بقوله: " بِالْمَعْرُوفِ " لِئَلَّا تَأْخُذ فَوق الْكِفَايَة. الحديث: 2469 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 2471 - / 3166 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: إِن أَفْلح أَخا أبي القعيس اسْتَأْذن عَليّ بعد الْحجاب، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " ائذني لَهُ؛ فَإِنَّهُ عمك ". قَالَ هِشَام بن عُرْوَة: إِنَّمَا هُوَ أَبُو القعيس أَفْلح، يكنى أَبَا الْجَعْد، وَهُوَ عَم عَائِشَة من الرضَاعَة، وَقَول هِشَام لَيْسَ بِصَحِيح؛ إِنَّمَا هُوَ أَبُو الْجَعْد أَخُو أبي القعيس. وَقد سبق معنى " تربت يَمِينك " فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. 2472 - / 3168 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: " فاقدروا قدر الْجَارِيَة العربة الحديثة السن ". العربة: الطّيبَة النَّفس الحريصة على اللَّهْو. وبعاث يَوْم كَانَ للْأَنْصَار فِي الْجَاهِلِيَّة، اقْتَتَلُوا فِيهِ وَقَالُوا الْأَشْعَار، وَبقيت الْحَرْب قَائِمَة بَين الْأَوْس والخزرج مائَة وَعشْرين سنة حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَام. وَرُبمَا صحف بعض قرأة الحَدِيث فَقَالَ: بغاث بالغين الْمُعْجَمَة. والمغنية: الَّتِي اتَّخذت الْغناء صناعَة، وَلَا يَلِيق بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَماع مثلهَا، وَأما من أنْشد بَيْتا أَو بَيْتَيْنِ من غير تطريب وَلَا فحش فِي القَوْل فَلَا بَأْس بِهِ. الحديث: 2471 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 وَقَوله: بِمَا تقاذفت بِهِ الْأَنْصَار: أَي رمى بِهِ بَعضهم بَعْضًا من الْأَشْعَار. وَقد روى: تعازفت. قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: وَيحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون من عزف اللَّهْو وَضرب المعازف على ذَلِك الشّعْر. وَالثَّانِي: أَن يكون من العزيف، كعزيف الرِّيَاح وَهُوَ دويها، وعزيف الْجِنّ وَهُوَ أصواتها. وَقَوله: " دونكم يَا بني أرفدة " إِذن لَهُم وإغراء. وَحقّ هَذِه الْكَلِمَة أَن تتقدم على الِاسْم، وَقد جَاءَ تَقْدِيم الِاسْم عَلَيْهَا فِي قَول الشَّاعِر: (يَا أَيهَا المائح دلوي دونكا ... ) وَبَنُو أرفدة لقب للحبشة. وَفِي الحَدِيث رخصَة فِي المثاقفة بِالسِّلَاحِ رياضة للحرب. وَقَوله: " أمنا يَا بني أرفدة " فِي نَصبه وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن الْمَعْنى آمنُوا منا وَلَا تخافوا. وَالثَّانِي: أَنه أَقَامَ الْمصدر مقَام الصّفة، كَقَوْلِهِم: رجل صَوْم: أَي صَائِم، وَالْمعْنَى: آمِنين. 2473 - / 3170 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْعِشْرين: كَانُوا يهلون لمناة فيتحرجون أَن يطوفوا بَين الصَّفَا والمروة. جُمْهُور الروَاة على أَن الْقَوْم فِي الْجَاهِلِيَّة كَانُوا إِذا أهلوا لمناة لم يطوفوا بَين الصَّفَا والمروة، وَانْفَرَدَ أَبُو مُعَاوِيَة عَن هِشَام عَن عُرْوَة عَن الحديث: 2473 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 عَائِشَة قَالَت: كَانَت الْأَنْصَار يهلون فِي الْجَاهِلِيَّة لصنمين على شط الْبَحْر يُقَال لَهما أساف ونائلة، ثمَّ يجيئون فيطوفون بَين الصَّفَا والمروة وَقد ذكرنَا فِي مُسْند أنس عَن الشّعبِيّ: أَن أسافا ونائلة كَانَا على الجبلين فَكَانُوا يسعون بَينهمَا وفسرنا الْآيَة هُنَاكَ، وَالله أعلم. 2474 - / 3171 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين: دخل رَهْط من الْيَهُود على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: السام عَلَيْك. ففهمتها، فَقلت: عَلَيْكُم السام والذام واللعنة. الرَّهْط: دون الْعشْرَة. وَيُقَال: بل إِلَى الْأَرْبَعين، حَكَاهُ ابْن فَارس. والسام: الْمَوْت. وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي رِوَايَة: السآم عَلَيْكُم، يمد الْألف من السَّآمَة، يُرِيدُونَ أَنكُمْ تسأمون دينكُمْ. قَالَ الْفراء: والذام: الذَّم، يُقَال: ذأمت الرجل أذأمه وذممته أذمه ذما، وذمته أذيمه ذيما. وَرجل مذءوم ومذموم ومذيم، قَالَ حسان بن ثَابت: (وَأَقَامُوا حَتَّى انبروا جَمِيعًا ... فِي مقَام وَكلهمْ مذءوم) وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: المذءوم: المذموم بأبلغ الذَّم. الحديث: 2474 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 وَقَوله: " يحب الرِّفْق فِي الْأَمر كُله " وَالْمعْنَى: فِي كل شَيْء حَتَّى فِي خطاب الْأَعْدَاء الْمُشْركين، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {فقولا لَهُ قولا لينًا} [طه: 44] . وَقَوله: " عَلَيْكُم " بِلَا وَاو، رد صَرِيح لقَولهم. وَأما قَوْله: " وَعَلَيْكُم " بِالْوَاو، فَإِنَّهُ قد بَين أَنه يُسْتَجَاب لنا فيهم وَلَا يُسْتَجَاب لَهُم فِينَا، وَذَلِكَ لأننا على الْحق وهم على الْبَاطِل، ثمَّ إِنَّهُم يعلمُونَ صدقنا ويعاندوننا، فَنحْن فِي مقَام مظلوم. والعنف وَالْفُحْش: مَا جَاوز الْحَد المألوف من السب. وَمَا فعلته عَائِشَة فَلَيْسَ بفاحش، وَلكنه نهاها عَن مُجَاوزَة الْقَصْد فِي الْأُمُور إِلَى الإفراط. 2475 - / 3172 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: أَن قُريْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْن الْمَرْأَة المخزومية الَّتِي سرقت. وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَت امْرَأَة مخزومية تستعير الْمَتَاع وتجحده، فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقطع يَدهَا. اسْم هَذِه الْمَرْأَة فَاطِمَة بنت الْأسود بن عبد الْأسد بن هِلَال بن عبد الله ابْن عَمْرو بن مَخْزُوم، أسلمت وبايعت، وَإِنَّمَا سرقت فِي غزَاة الْفَتْح، مرت بركب نزُول فَأخذت عَيْبَة لَهُم، فَأَخَذُوهَا فأوثقوها، فَلَمَّا أَصْبحُوا أَتَوا بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعاذت بحقوي أم سَلمَة، فَأمر بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فافتكت يداها من حقويها، وَقَالَ: " وَالله لَو أَن فَاطِمَة بنت مُحَمَّد سرقت لَقطعت يَدهَا " ثمَّ أَمر بهَا فَقطعت يَدهَا، فَخرجت تقطر يَدهَا دَمًا حَتَّى الحديث: 2475 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 دخلت على امْرَأَة أسيد بن الْحضير فآوتها. وَقد زعم قوم أَن السارقة أم عَمْرو بنت سُفْيَان بن عبد الْأسد. وَأما قَوْله: كَانَت تستعير الْمَتَاع وتجحده، فعندنا أَنه يجب الْقطع على جَاحد الْعَارِية أخذا بِهَذَا الحَدِيث، وَهُوَ مَذْهَب سعيد بن الْمسيب وَاللَّيْث ابْن سعد خلافًا لأكْثر الْعلمَاء. 2476 - / 3173 - وَفِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ: دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبرق أسارير وَجهه فَقَالَ: " ألم تري مجززا نظر آنِفا إِلَى زيد بن حَارِثَة وَأُسَامَة بن زيد فَقَالَ: إِن هَذِه الْأَقْدَام بَعْضهَا من بعض ". قَول: تبرق أسارير وَجهه. البريق: الْإِشْرَاق، قَالَ أَبُو عبيد: والأسارير: الخطوط الَّتِي فِي الْجَبْهَة مثل التكسر فِيهَا، الْوَاحِد سر وسرر، وَالْجمع أسرار وأسرة، ثمَّ الأسارير جمع الْجمع، قَالَ الْأَعْشَى: (انْظُر إِلَى كف وأسرارها ... هَل أَنْت إِن واعدتني ضائري) يَعْنِي خطوط بَاطِن الْكَفّ. وَالْمعْنَى: انْظُر من طَرِيق الكهانة كَمَا ينظر فِي الْيَد فِي التخت، ثمَّ إِن الخطوط فِي كل شَيْء كَذَلِك. ومجزز كَانَ قائفا، والقائف: الَّذِي يتتبع الْآثَار فيقف عَلَيْهَا، ويتعرف الِاشْتِبَاه فيدركه بِالنّظرِ، وَلَا نَعْرِف أَنه أسلم. الحديث: 2476 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 وَقَوله: " نظر آنِفا " أَي مُنْذُ سَاعَة. وسرور النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك لاخْتِلَاف لونيهما؛ فَإِن زيدا كَانَ أَبيض، وَأُسَامَة أسود، فَتكلم النَّاس بِشَيْء كَانَ يسوء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمَاعه، فَلَمَّا سمع قَول مجزز سر بذلك، وَهُوَ لَا يسر إِلَّا بِالْحَقِّ. فَدلَّ على ثُبُوت أَمر الْقَافة، وَصِحَّة الحكم بقَوْلهمْ فِي إِلْحَاق الْوَلَد. وَهَذَا قَول عَامَّة الْعلمَاء خلافًا لأهل الرَّأْي. 2477 - / 3174 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ: " خمس من الدَّوَابّ، كُلهنَّ فَاسق ". قد سبق هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند ابْن عمر. وَفِي هَذَا الحَدِيث: " والغراب الأبقع " وَهُوَ الَّذِي فِيهِ سَواد وَبَيَاض، وَذَاكَ لَا يحل أكله عندنَا خلافًا فِي قَوْله: تحل الطُّيُور كلهَا. 2478 - / 3175 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ: كَانَ لَا يرى رُؤْيا إِلَّا جَاءَت مثل فلق الصُّبْح. أَي مثل ضيائه إِذا انْفَلق وانماز عَن ظلام اللَّيْل وَذَلِكَ حِين يَتَّضِح فَلَا يشك فِيهِ. والخلاء بِالْمدِّ: الْخلْوَة. وَإِنَّمَا حببت إِلَيْهِ الْخلْوَة فِي الْبِدَايَة ليجتمع همه الحديث: 2477 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 لما يلقى إِلَيْهِ. وحراء مَمْدُود: جبل مَعْرُوف. ويتحنث: أَي يتعبد. وَالْمعْنَى: يفعل فعلا يخرج فِيهِ من الْحِنْث وَهُوَ الْإِثْم، كَمَا يُقَال: فلَان يتأثم: أَي يلقِي الْإِثْم عَن نَفسه. ويتحرج: أَي يتَجَنَّب مَا يُوجب الْحَرج. وَينْزع إِلَى أَهله: أَي يرجع. وفجئه بِمَعْنى فاجأه. وَالْمرَاد أَنه جَاءَ بَغْتَة. وَقَوله: " فغطني " الغط: الضغط الشَّديد، وَمِنْه الغط فِي المَاء. وغطيط النَّائِم، وَهُوَ تردد النَّفس إِذا لم يجد مساغا مَعَ انضمام الشفتين. وَمعنى الغط فِي هَذَا الحَدِيث الخنق، وَمن فعل بِهِ هَذَا لأجل شَيْء يقدر عَلَيْهِ أَتَى بِهِ، فَلَمَّا لم يَأْتِ بالمطلوب مِنْهُ دلّ على أَنه لَا يقدر عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْهُ. وَقَوله: {اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} [العلق: 1] . قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الْمَعْنى: اقْرَأ اسْم رَبك، وَالْبَاء زَائِدَة. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: يَعْنِي اذكر اسْمه مستفتحا بِهِ قراءتك، وَإِنَّمَا قَالَ: {الَّذِي خلق} لِأَن الْكفَّار كَانُوا يعلمُونَ أَنه الْخَالِق دون أصنامهم. و (الْإِنْسَان) هَاهُنَا ابْن آدم. و (العلق) جمع علقَة: وَهِي دم عبيط جامد، وَقيل: وَإِنَّمَا سميت علقَة لرطوبتها وتعلقها بِمَا تمر بِهِ، وَلما كَانَ الْإِنْسَان فِي معنى الْجَمَاعَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 ذكر العلق جمعا. وَقَوله: {اقْرَأ} تَقْرِير للتَّأْكِيد. ثمَّ اسْتَأْنف فَقَالَ: {وَرَبك الأكرم} وَهُوَ الَّذِي لَا يوازيه كريم. {الَّذِي علم بالقلم} يَعْنِي الْكِتَابَة. {علم الْإِنْسَان مَا لم يعلم} من الْخط والصنائع. قَوْله: ترجف بوادره. ترجف: تضطرب. والبوادر جمع بادرة: وَهِي اللحمة الَّتِي بَين الْعُنُق والمنكب. وَقَوله: " زَمِّلُونِي " قد سبق فِي مُسْند جَابر. والروع: الْفَزع. وَقَوله: " لقد خشيت على نَفسِي " كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخَاف فِي بداية الْأَمر أَن يكون مَا يرَاهُ من قبل الشَّيْطَان، لِأَن الْبَاطِل قد يلتبس بِالْحَقِّ، وَمَا زَالَ يستقري الدَّلَائِل وَيسْأل الْآيَات إِلَى أَن وضح لَهُ الصَّوَاب. وكما أَن أَحَدنَا يجب عَلَيْهِ أَن يسبر صدق الْمُرْسل إِلَيْهِ وَينظر فِي دَلَائِل صدقه من المعجزات، فَكَذَلِك الرُّسُل يجب عَلَيْهَا أَن تسبر حَال الْمُرْسل إِلَيْهَا، هَل هُوَ ملك أَو شَيْطَان؟ فاجتهادها فِي تَمْيِيز الْحق من الْبَاطِل أعظم من اجتهادنا، وَلذَلِك علت منَازِل الْأَنْبِيَاء لعظم مَا ابتلوا بِهِ من ذَلِك. وَكَانَ نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بدايته قد نفر من جِبْرِيل وَنسب الْحَال إِلَى الْأَمر الْمخوف، وَقَالَ لِخَدِيجَة: " قد خشيت على نَفسِي " إِلَى أَن بَان لَهُ أَن الْأَمر حق، ثمَّ استظهر بِزِيَادَة الْأَدِلَّة حَتَّى تحقق لَهُ الْيَقِين. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 أخبرنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز بن السماك قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الطّيب قَالَ: أخبرنَا عُثْمَان بن مُحَمَّد بن يُوسُف العلاف قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن سلمَان النجار قَالَ: حَدثنَا عبد الْملك بن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنِي عبيد الله بن مُحَمَّد وَأَبُو ربيعَة وَدَاوُد بن شبيب قَالُوا: حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن عَليّ بن زيد عَن أبي رَافع عَن عمر قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالحجون فَقَالَ: " اللَّهُمَّ أَرِنِي آيَة لَا أُبَالِي من كَذبَنِي بعْدهَا من قُرَيْش " فَقيل لَهُ: ادْع هَذِه الشَّجَرَة، فَدَعَاهَا فَأَقْبَلت على عروقها فقطعتها، ثمَّ أَقبلت تخد الأَرْض حَتَّى وقفت بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَت: مَا تشَاء؟ مَا تُرِيدُ؟ قَالَ: " ارجعي إِلَى مَكَانك " فَرَجَعت إِلَى مَكَانهَا، فَقَالَ: " وَالله مَا أُبَالِي من كَذبَنِي من قُرَيْش ". وَقد كَانَ الشَّيْطَان يلبس على خلق كثير مثل مَا لبس على ابْن صائد، وَبَيَان التلبيس أَنه قَالَ: يأتيني صَادِق وكاذب. وَقد ذكرنَا من جنس تلبيسه على من ادّعى النُّبُوَّة فِي كتاب " تلبيس إِبْلِيس ". وَأما قَول خَدِيجَة: وَالله مَا يخزيك الله أبدا. فالخزي: الإهانة والذل. ويحزنك من الْحزن. وَالْكل: الأثقال والحوائج المهمة. وكل مَا يثقل حمله فَهُوَ كل. وَقَوله: تكسب الْمَعْدُوم. التَّاء مَفْتُوحَة، يُقَال: كسبت مَالا، وكسبت زيدا مَالا، وأكسبته لُغَة أَيْضا، وَأنْشد ثَعْلَب: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 (فاكسبته مَالا وأكسبني حمدا ... ) إِلَّا أَن حذف الْألف أفْصح اللغتين. وَالَّذِي فِي هَذَا الحَدِيث: تكسب الْمَعْدُوم، وَالْمرَاد بِهِ المعدم. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: صَوَابه: تكسب المعدم، لِأَن الْمَعْدُوم لَا يدْخل تَحت الْأَفْعَال. وأرادت خَدِيجَة أَن من يفعل الْخَيْر لَا يجازى عَلَيْهِ بِالشَّرِّ. وَقَول ورقة: هَذَا الناموس. قَالَ أَبُو عبيد: الناموس: هُوَ صَاحب سر الرجل الَّذِي يطلعه على بَاطِن أمره ويخصه بِمَا يستره عَن غَيره، يُقَال مِنْهُ: نمس الرجل ينمس نمسا، وَقد نامسه منامسة: إِذا ساره، قَالَ الْكُمَيْت: (فأبلغ يزِيد إِن عرضت ومنذرا ... وعميهما والمستسر المنامسا) وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: الناموس: صَاحب سر الْخَيْر، والجاسوس: صَاحب سر الشَّرّ. وَقَالَ بعض الْعلمَاء: إِنَّمَا سمي جِبْرِيل ناموسا لِأَنَّهُ مَخْصُوص بِالْوَحْي والغيب الَّذِي لَا يطلع عَلَيْهِ غَيره. وَقَوله: يَا لَيْتَني فِيهَا جذعا. الْكِنَايَة بقوله فِيهَا عَن نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنصب جذعا على إِضْمَار: كنت، كَذَلِك قَالَ الْخطابِيّ. والجذع: اسْم لولد الْمعز إِذا قوى. وَقد سبق الْكَلَام فِي الْجذع فِي مُسْند جَابر، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 وَمعنى الْكَلَام: لَيْتَني بقيت إِلَى وَقت مخرجك وَكنت شَابًّا لأبالغ فِي نصرتك بِقُوَّة الشَّبَاب. وَقَوله: إِلَّا عودي. يَعْنِي أَن الْحق لَا يَخْلُو من أهل بَاطِل يعادونه. أنصرك نصرا مؤزرا: أَي بليغا مؤكدا. وَقَوله: فَلم ينشب ورقة أَن مَاتَ. أَي لم يلبث، كَأَن الْمَعْنى: فجئه الْمَوْت قبل أَن ينشب فِي فعل شَيْء. وَالْكِنَايَة عَن السرعة. والشواهق جمع شَاهِق: وَهُوَ الْجَبَل العالي. وَقَوله: فيسكن جأشه: أَي يسكن مَا ثار من فزعه وهاج من حزنه. 2479 - / 3176 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي من اللَّيْل وَأَنا مُعْتَرضَة بَينه وَبَين الْقبْلَة فأكره أَن أسنحه. أسنحه مَأْخُوذ من سنح لي كَذَا: إِذا عرض، وأرادت: أكره أَن أَمر بَين يَدَيْهِ، والسانح عِنْد الْعَرَب مَا مر بَين يَديك عَن يَمِينك، وَكَانُوا يتيمنون بِهِ. وَقَوْلها: فأنسل: أَي أَمر بِرِفْق. 2480 - / 3177 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: وَمَا كَانَ لكم أَن تنزروا رَسُول الله. أَي تلحوا عَلَيْهِ. يُقَال: نزرت الرجل: أَي ألححت عَلَيْهِ. 2481 - / 3178 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ: كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَصِير، وَكَانَ يحتجره بِاللَّيْلِ. الحديث: 2479 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 أَي يَتَّخِذهُ حجرَة يسْتَتر فِيهَا ويخلو. ويثوبون: يرجعُونَ. وَقَوله: " اكلفوا من الْعَمَل مَا تطيقون " اللَّام فِي قَوْله: " اكلفوا " مَفْتُوحَة، كَذَلِك قَالَ أهل اللُّغَة، وَالْمعْنَى تكلفوا فعل مَا تقوى عَلَيْهِ طاقتكم دون مَا تعجزون عَنهُ. وَقَوله: " فَإِن الله لَا يمل حَتَّى تملوا " الْملَل للشَّيْء: الاستثقال لَهُ والكراهية ونفور النَّفس عَنهُ، وَذَلِكَ لَا يجوز فِي صِفَات الله عز وَجل، لِأَنَّهُ لَو جَازَ لدخلت عَلَيْهِ الْحَوَادِث. وَاخْتلفُوا فِي معنى الْكَلَام على أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن الْمَعْنى: لَا يمل أبدا، مللتم أَو لم تملوا، وَجرى هَذَا مجْرى قَوْلهم: حَتَّى يشيب الْغُرَاب، ويبيض القار، وأنشدوا: (صليت مني هُذَيْل بخرق ... لَا يمل الشَّرّ حَتَّى يملوا) الْمَعْنى: لَا يمل وَإِن ملوا، إِذا لَو مل عِنْد ملالهم لم يكن لَهُ عَلَيْهِم فضل. وَالثَّانِي: لَا يمل من الثَّوَاب مَا لم تملوا من الْعَمَل، وَمعنى يمل: يتْرك، لِأَن من مل شَيْئا تَركه، حَكَاهُمَا أَبُو سُلَيْمَان. وَالثَّالِث: أَن الْمَعْنى: لَا يقطع عَنْكُم فَضله حَتَّى تملوا سُؤَاله، فَسمى فعله مللا وَلَيْسَ بملل، وَلَكِن لتزدوج اللَّفْظَة بأختها فِي اللَّفْظ وَإِن خالفتها فِي الْمَعْنى، وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ} [الْبَقَرَة: 194] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 وَقَوله: {ومكروا ومكر الله وَالله خير الماكرين} [آل عمرَان: 54] وَقَوله: {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} [الشورى: 40] . وأنشدوا: (أَلا لَا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فَوق جهل الجاهلينا) وَالرَّابِع: أَن الْمَعْنى: لَا يطرحكم حَتَّى تتركوا الْعَمَل لَهُ وتزهدوا فِي الرَّغْبَة إِلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ الاطراح لَا يكَاد يَقع إِلَّا عَن ملل وَكَانَ المجازى عَلَيْهِ هُوَ الْملَل، حسن أَن يُسمى باسمه. وَقَوله: " فَإِن أحب الْأَعْمَال إِلَى الله أدومها وَإِن قل " إِنَّمَا أحب الدَّائِم لمعنيين: أَحدهمَا أَن الْمقبل على الله عز وَجل بِالْعَمَلِ إِذا تَركه من غير عذر كَانَ كالمعرض بعد الْوَصْل، فَهُوَ معرض للذم، وَلِهَذَا ورد الْوَعيد فِي حق من حفظ آيَة ثمَّ نَسِيَهَا، وَإِن كَانَ قبل حفظهَا لَا يتَعَيَّن عَلَيْهِ الْحِفْظ، وَلكنه أعرض بعد المواصلة، فلاق بِهِ الْوَعيد، وَكَذَلِكَ يكره أَن يُؤثر الْإِنْسَان بمكانه من الصَّفّ الأول لِأَنَّهُ كالراغب عَن الْقرب إِلَى الله عز وَجل، وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام لعبد الله بن عَمْرو: " لَا تكونن مثل فلَان، كَانَ يقوم اللَّيْل فَترك قيام اللَّيْل ". وَالثَّانِي: أَن مداوم الْخَيْر ملازم للْخدمَة، فَكَأَنَّهُ يتَرَدَّد إِلَى بَاب الطَّاعَة كل وَقت، فَلَا ينسى من الْبر لتردده، وَلَيْسَ كمن لَازم الْبَاب يَوْمًا دَائِما الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 ثمَّ انْقَطع شهرا كَامِلا. وَأما الصَّارِخ فَقَالَ الْحميدِي: هُوَ الديك. قَالَ لنا شَيخنَا ابْن نَاصِر: أول مَا يَصِيح نصف اللَّيْل. وَقَوله: " لن يدْخل الْجنَّة أحدا عمله " قد سبق فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. 2482 - / 3179 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ: إِن كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَدع الْعَمَل وَهُوَ يحب أَن يعْمل بِهِ خشيَة أَن يعْمل بِهِ النَّاس فيفرض عَلَيْهِم. قَوْلهَا: ليَدع الْعَمَل، تَعْنِي التَّنَفُّل. وَقَوْلها: فيفرض عَلَيْهِم، يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: فيفرضه الله تَعَالَى: وَالثَّانِي: فيعملونه اعتقادا أَنه مَفْرُوض. وَقَوْلها: مَا سبح سبْحَة الضُّحَى. يَعْنِي مَا صلى صَلَاة الضُّحَى. وَهَذَا اللَّفْظ نفت بِهِ، وَقد أثبت فِي اللَّفْظ الآخر، وَالْعَمَل على الْإِثْبَات 2483 - / 3180 - والْحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 2484 - / 3181 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ: كن نسَاء الْمُؤمنِينَ يشهدن مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متلفعات بمروطهن، لَا يعرفهن أحد من الْغَلَس. الحديث: 2482 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 المروط: الأكسية، وَاحِدهَا مرط. وَقد سبق فِي مُسْند عمر. والتلفع بِهِ: الاشتمال بِهِ. والغلس: اخْتِلَاط ضِيَاء الصُّبْح بظلمة اللَّيْل. والغبش قريب مِنْهُ، فَإِنَّهُ بقايا ظلمَة اللَّيْل، وَبَعْضهمْ يَقُول: الغبس بِالسِّين الْمُهْملَة، قَالَ الْأَزْهَرِي: الغبس: بَقِيَّة ظلمَة اللَّيْل يخالطها بَيَاض الْفجْر، وَلذَلِك قيل فِي ألوان الدَّوَابّ: أغبس. وَقَالَ الزّجاج: غطش اللَّيْل وأغطش، وغبس وأغبس، وغبش وأغبش، وغسق وأغسق، وغسا وأغسى، كُله بِمَعْنى أظلم. وَفِي هَذَا حجَّة لمن يرى التغليس بِالْفَجْرِ أفضل إِذا اجْتمع الْجِيرَان، فَإِن تَأَخّر الْجِيرَان فَالْأَفْضَل تَأْخِيرهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: الْأَفْضَل التَّقْدِيم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْإِسْفَار أفضل. 2485 - / 3182 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي الْعَصْر وَالشَّمْس لم تخرج من حُجْرَتهَا. وَالْمعْنَى: لم تصعد من قاعة الدَّار إِلَى أعالي الْحِيطَان. وَهَذِه إِشَارَة إِلَى تَقْدِيم الْعَصْر. وتعجيلها عندنَا أفضل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تَأْخِيرهَا أفضل مَا لم تصفر الشَّمْس. الحديث: 2485 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 2486 - / 3183 - وَفِي الحَدِيث الْأَرْبَعين: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي خميصة لَهَا أَعْلَام، فَنظر إِلَى أعلامها نظرة، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: " اذْهَبُوا بخميصتي هَذِه إِلَى أبي جهم وائتوني بأنبجانية أبي جهم؛ فَإِن ألهتني آنِفا عَن صَلَاتي ". الخميصة: كسَاء مربع أسود معلم، فَإِن لم يكن معلما فَلَيْسَ بخميصة، وَقد يكون من خَز وَمن صوف، وَجَمعهَا خمائص. والأنبجانية: كسَاء غليظ من الصُّوف لَهُ خمل وَلَيْسَ لَهُ علم. وَأَبُو جهم اسْمه عَامر بن حُذَيْفَة الْقرشِي. وَقيل: اسْمه عبيد. وَفِي الصَّحَابَة آخر يُقَال لَهُ أَبُو جهيم بِزِيَادَة يَاء، واسْمه عبد الله بن الْحَارِث بن الصمَّة الْأنْصَارِيّ. فَإِن قيل: فَمَا وَجه إنفاذها إِلَى أبي جهم؟ فَالْجَوَاب: أَنه كَانَ أَبُو جهم قد أهداها إِلَيْهِ فَردهَا عَلَيْهِ. أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور الْحَافِظ قَالَ: أخبرنَا الْمُبَارك بن عبد الْجَبَّار قَالَ: أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن عَليّ الْجَوْهَرِي قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بن المظفر الْحَافِظ قَالَ: أخبرنَا أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن مُحَمَّد الطَّحَاوِيّ قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن يحيى الْمُزنِيّ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي قَالَ: حَدثنَا مَالك عَن عَلْقَمَة بن أبي عَلْقَمَة عَن أمه عَن عَائِشَة قَالَت: أهْدى أَبُو جهم بن حُذَيْفَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خميصة شامية لَهَا علم، فَشهد فِيهَا الصَّلَاة، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: " ردي هَذِه الخميصة إِلَى أبي جهم؛ فَإِنِّي نظرت إِلَى علمهَا فِي الحديث: 2486 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 الصَّلَاة فَكَانَ يفتنني ". فَإِن قيل: كَيفَ يخَاف الافتتان بِعلم من لم يلْتَفت إِلَى الأكوان لَيْلَة {مَا زاغ الْبَصَر وَمَا طَغى} ؟ فَالْجَوَاب: أَنه كَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة خَارِجا عَن طباعة، وأشبه ذَلِك نظره من وَرَائه. فَأَما إِذا رد إِلَى طبعة البشري فَإِنَّهُ يُؤثر فِيهِ مَا يُؤثر فِي الْبشر. وَلم يرد بالافتتان إِلَّا دُعَاء الطَّبْع إِلَى النّظر. فَإِن قيل: فالمراقبة فِي الصَّلَاة قد شغلت خلقا من أَتْبَاعه حَتَّى إِنَّه وَقع سقف إِلَى جَانب مُسلم بن يسَار وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَلم يعلم. فَالْجَوَاب: أَن هَؤُلَاءِ كَانُوا يؤخذون عَن طباعهم فيغيبون عَن وجودهم. وَكَانَ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْلك طَرِيق الْعَوام وَطَرِيق الْخَواص، فَإِذا دخل طَرِيق الْخَواص عبر الْكل فَقَالَ: " لَيست كأحدكم " وَإِذا سلك طَرِيق الْعَوام قَالَ: " إِنَّمَا أَنا بشر " فقد رد إِلَى حَالَة الطَّبْع فَرَأى الْأَعْلَام، فَنزع الخميصة ليستن بِهِ فِي ترك كل شاغل. 2487 - / 3184 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ: " عرضت نَفسِي على ابْن عبد ياليل ". وَهُوَ عَظِيم الطَّائِف. روى ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْلَا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم} [الزخرف: 31] . قَالَ: عَظِيم الطَّائِف ابْن عبد ياليل. وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما يئس من أهل مَكَّة أَن يُجِيبُوهُ خرج إِلَى الطَّائِف لِيَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَام، وَذَلِكَ بعد الحديث: 2487 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 موت أبي طَالب، ثمَّ قدر الله تَعَالَى أَن قدم وَفد الطَّائِف فِي سنة تسع من الْهِجْرَة مَعَ عبد ياليل فأسلموا. وَقَوله: " إِن شِئْت أطبقت عَلَيْهِم الأخشبين " قَالَ أَبُو عبيد: الأخشب: الْجَبَل، وَأَصله الغليظ، وَأنْشد: (تحسب فَوق الشول مِنْهُ أخشبا ... ) يَعْنِي الْبَعِير، شبه ارتفاعه فَوق النوق بِالْجَبَلِ. فَأَما تَثْنِيَة الأخشب فَلِأَن مَكَّة بَين جبلين. وَمعنى أطبقت: جمعت بَين أعالي الجبلين حَتَّى يكون ذَلِك لاما بَينهمَا عَلَيْهِم. 2488 - / 3188 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ: عَن عَائِشَة: أَنَّهَا كَانَت تَأمر بالتلبين للْمَرِيض والمحزون. التلبين والتلبينة: حساء يعْمل من دَقِيق أَو نخاله وَيجْعَل فِيهِ الْعَسَل، كَذَلِك وَصفه الْأَصْمَعِي. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَلَا أَرَاهَا سميت تلبينة إِلَّا لبياضها ورقتها. وَقَوْلها: هُوَ البغيض النافع. تُشِير إِلَى أَن الْمَرِيض يبغضها كَمَا يبغض الْأَدْوِيَة. الحديث: 2488 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 وَمعنى تجم الْفُؤَاد: تكشف عَنهُ وتخفف وتريح. وَقيل: تجمه بِمَعْنى تريح ألمه وتنبه شَهْوَته وتكمل صَلَاحه ونشاطه. وَيَجِيء فِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث: إِنَّه يرتو فؤاد الحزين: أَي يشده ويقويه، ويسرو عَن فؤاد السقيم: أَي يكْشف عَنهُ. 2489 - / 3189 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ: " أعوذ بك من فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال " قد سبق ذكره وَتَفْسِير الاسمين. فَإِن قيل: كَيفَ احْتَاجَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يستعيذ من الدَّجَّال وَقد ثَبت أَن الدَّجَّال إِذا رأى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يذوب، وَنَبِينَا أَعلَى منزلَة؟ فَالْجَوَاب من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا أَنه أَرَادَ تعليمنا. وَالثَّانِي: أَن يكون تعوذ مِنْهُ لأمته. وَالثَّالِث: لِأَن عصمته من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَهُوَ مُحْتَاج إِلَى الِاسْتِعَاذَة من كل شَيْء. والفتنة فِي الأَصْل الاختبار، ثمَّ يُقَال لمن " وَقع فِيمَا يُخَالف الاختبار لأَجله: قد فتن، فَيحْتَمل قَوْله: " أعوذ بك من فتْنَة الْغنى والفقر " أَن يكون بِمَعْنى الاختبار وَبِمَعْنى الافتتان. وَأما فتْنَة النَّار فَهِيَ الإحراق، كَقَوْلِه تَعَالَى {يَوْم هم على النَّار يفتنون} [الذاريات: 13] . وَقَوله: اغسل خطاياي بِمَاء الثَّلج وَالْبرد " قد ذكرنَا فِي مُسْند عبد الله الحديث: 2489 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 ابْن أبي أوفى فِي تَخْصِيصه الثَّلج وَالْبرد وَجْهَيْن: أَحدهمَا: لِأَنَّهُمَا على أهل الطَّهَارَة لم تمسهما يَد. وَالثَّانِي: لِأَنَّهُمَا غَايَة الصفاء، والإنقاء بِالْمَاءِ الصافي أَكثر من الإنقاء بالكدر، فَذكر الْمُبَالغَة فِي الْغسْل للْمُبَالَغَة فِي محو الذُّنُوب. وَقيل لما اشْتَمَل الْبرد على الْبرد استعير هَاهُنَا للسرور، كَمَا يُقَال: أقرّ الله عَيْنك. فَأَما قَوْله: " كَمَا نقيت الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس " و " كَمَا باعدت " إشباع وتوكيد فِي الْبَيَان على مَذْهَب الْعَرَب الْجَارِي بَين المتخاطبين، وَإِلَّا فَالله سُبْحَانَهُ غَنِي أَن يضْرب لَهُ الْأَمْثَال، وَأَن يدل على مَعَاني الْأُمُور بالنظائر والأشباه. 2490 - / 3190 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: " كَانَ عَاشُورَاء يَوْمًا تستر فِيهِ الْكَعْبَة " أَي تُكْسَى، وَأول من كسا الْكَعْبَة تبع، واسْمه أسعد الْحِمْيَرِي، رأى فِي الْمَنَام أَن يَكْسُوهَا فكساها الأنطاع، ثمَّ أرِي أَن اكسها، فكساها ثِيَاب حبرَة. فَلَمَّا نَشأ أَبُو زَمعَة بن الْمُغيرَة قَالَ: أَنا أكسو أَو جدي الْكَعْبَة سنة، وَجَمِيع قُرَيْش سنة، فَكَانَ يَأْتِي الْحبرَة فيكسوها إِلَى أَن مَاتَ، فَسَمتْهُ قُرَيْش الْعدْل لِأَنَّهُ عدل فعله بِفعل قُرَيْش كلهَا. وَأول عَرَبِيَّة كست الْكَعْبَة الْحَرِير والديباج نتيلة بنت جناب، أم الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب. وَقد روى الْوَاقِدِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن أبي حَبِيبَة عَن أَبِيه قَالَ: كسي الْبَيْت فِي الْجَاهِلِيَّة بالأنطاع، ثمَّ كَسَاه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثِّيَاب اليمانية، ثمَّ كَسَاه عمر وَعُثْمَان الْقبَاطِي، ثمَّ كَسَاه الْحجَّاج الديباج. وروى ابْن أبي نجيح عَن أَبِيه أَن عمربن الْخطاب كسا الْكَعْبَة الْقبَاطِي الحديث: 2490 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 من بَيت المَال. وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد الْأَزْرَقِيّ: حَدثنِي جدي قَالَ: كَانَت الْكَعْبَة تُكْسَى فِي كل سنة كسوتين: كسْوَة ديباج وَكِسْوَة قَبَاطِي. فَأَما الديباج فتكساه يَوْم التَّرويَة فيعلق الْقَمِيص ويدلى وَلَا يخاط، فَإِذا صدر النَّاس من منى خيط الْقَمِيص وَترك الْإِزَار حَتَّى يذهب الْحَاج لِئَلَّا يحرقوه، فَإِذا كَانَ عَاشُورَاء علق الْإِزَار فوصل بالقميص، فَلَا تزَال هَذِه الْكسْوَة عَلَيْهَا إِلَى يَوْم سبع وَعشْرين من رَمَضَان فتكسى الْقبَاطِي للفطر. 2491 - / 3191 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ: أَن أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كن يخْرجن قبل المناصع - وَهُوَ صَعِيد أفيح. المناصع: مَوضِع مَعْرُوف. والصعيد: وَجه الأَرْض. والأفيح: الْوَاسِع. يُقَال: دَار فيحاء: إِذا كَانَت وَاسِعَة. وَقَوله: تفرع النِّسَاء: أَي تعلوهن. والفارع من كل شَيْء: العالي. وجبل فارع: عَال، وَفرع فلَان فلَانا: إِذا علاهُ طولا أَو قدرا. وانكفأت: رجعت. والعرق: عظم عَلَيْهِ بَقِيَّة لحم. 2492 - / 3192 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ: كَانَ يعْتَكف الْعشْر الْأَوَاخِر. الحديث: 2491 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 الِاعْتِكَاف: الْإِقَامَة، وَكَذَلِكَ الْمُجَاورَة. والتحري للشَّيْء: الِاجْتِهَاد فِي طلبه فِي مظان وجوده. وتقويض الْبناء: نقضه من غير هدم. وَأما اعْتِكَافه فِي شَوَّال فدليل على أَن قَضَاء النَّوَافِل مسنون. 2493 - / 3193 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْخمسين: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول وَهُوَ صَحِيح: " إِنَّه لن يقبض نَبِي حَتَّى يرى مَقْعَده من الْجنَّة ثمَّ يُخَيّر ". إِن قَالَ قَائِل: مَا وَجه التَّخْيِير بعد أَن يرى مَقْعَده من الْجنَّة؟ وَلَو أَن أَحَدنَا رأى مَكَانَهُ من الْجنَّة لم يتَخَيَّر الدُّنْيَا عَلَيْهِ. فَالْجَوَاب: أَن التَّخْيِير يكون إِكْرَاما لَهُ ليَكُون قبض روحه عَن أمره، فَيجوز أَن يخْتَار تَعْجِيل معاناة الْمَوْت لما يصير إِلَيْهِ، وَيجوز أَن يخْتَار تَأْخِير الْمَوْت عَنهُ مَعَ علمه بِمَنْزِلَتِهِ إيثارا لطاعة الله على حَظّ النَّفس. وَأما " الرفيق الْأَعْلَى " فقد ذهب قوم إِلَى أَن الْمَعْنى: ألحقني بك، وَقد رده الْأَزْهَرِي وَقَالَ: هَذَا غلط؛ وَإِنَّمَا الرفيق هَاهُنَا جمَاعَة الْأَنْبِيَاء الَّذين يسكنون أَعلَى عليين، اسْم جَاءَ على " فعيل " وَمَعْنَاهُ الْجَمَاعَة. وَيُقَوِّي هَذَا القَوْل أَن فِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث أَنه قَالَ: " مَعَ الَّذين أَنْعَمت عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ ". وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: الرفيق بِمَعْنى الرفقاء، كَمَا يُقَال للْجَمَاعَة: صديق وعدو. قَالَ: وَيَعْنِي الْمَلَائِكَة. قَوْلهَا: فَأَخَذته بحة. البحح: انخفاض الصَّوْت لمَرض أَو غَيره. الحديث: 2493 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 وَكَانَ ابْن عقيل يَقُول: لما كَانَ السّتْر مسبلا قَالَ: " واكرباه " فَلَمَّا كشف قَالَ: " الرفيق الْأَعْلَى " وَإِنَّمَا أسبل السّتْر لينطق بالتألم تخويفا لأهل الْغَفْلَة من مثل ذَلِك المقطع، وَإِنَّمَا كشف السّتْر لينطق بِمثل ذَلِك النُّطْق لأرباب الْأَحْوَال فتصفو لَهُم مناهلهم وتعذب مشاربهم، وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ الَّذِي خلع على السَّحَرَة بعد رغبتهم فِي الدُّنْيَا حَتَّى قَالُوا: {أئن لنا لأجرا} [الشُّعَرَاء: 41] فَقَالُوا عِنْد تغير الْأَحْوَال: {فَاقْض مَا أَنْت قَاض} [طه: 72] . 2494 - / 3194 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْخمسين: أَنَّهَا كَانَت ترجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي حَائِض وَهُوَ معتكف فِي الْمَسْجِد، وَهِي فِي حُجْرَتهَا يناولها رَأسه. ترجل: تسرح. وَشعر مرجل. ويصغي: يمِيل. وَقد روى أَبُو مُحَمَّد الرامَهُرْمُزِي بِإِسْنَاد لَهُ أَن امْرَأَة وقفت على مجْلِس فِيهِ يحيى بن معِين وَأَبُو خَيْثَمَة وَخلف بن سَالم فِي جمَاعَة يتذاكرون الحَدِيث، فسألتهم عَن الْحَائِض تغسل الْمَوْتَى وَكَانَت غاسلة، فَلم يجبها أحد مِنْهُم، وَجعل ينظر بَعضهم إِلَى بعض، فَأقبل أَبُو ثَوْر فَقَالُوا لَهَا: عَلَيْك بِهَذَا الْمقبل، فألتفتت إِلَيْهِ فَسَأَلته، فَقَالَ: نعم، تغسل الْمَيِّت لحَدِيث عَائِشَة، فَإِذا فعلت هَذَا بِرَأْس الْحَيّ فرأس الْمَيِّت أولى فَقَالُوا: نعم، رَوَاهُ فلَان، وَحدثنَا فلَان. فَقَالَت الْمَرْأَة: فَأَيْنَ كُنْتُم إِلَى الحديث: 2494 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 الْآن؟ . وَأما الْمُبَاشرَة فَهِيَ إلصاق الْبشرَة بالبشرة. وَقد اتّفق الْعلمَاء على تَحْرِيم جماع الْحَائِض، فَأَما الِاسْتِمْتَاع بِمَا دون الْفرج فَقَالَ أَحْمد: يجوز، وَقَالَ أَكْثَرهم: لَا يجوز إِلَّا مَا فَوق الْإِزَار. 2495 - / 3197 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْخمسين: " كَانَ إِذا أَوَى إِلَى فرَاشه كل لَيْلَة جمع كفيه ثمَّ نفث فيهمَا ". يُقَال: أويت إِلَى منزلي بقصر الْألف، وآويت غَيْرِي بمدها، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {آوى إِلَيْهِ أَخَاهُ} [يُوسُف: 69] أَي ضمه. والمأوى: الْمَكَان الَّذِي يأوي إِلَيْهِ. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: أَوَى وآوى بِمَعْنى وَاحِد , وَأما النفث فَهُوَ شَبيه بالنفخ بِلَا ريق. فَأَما التفل فَلَا يكون إِلَّا وَمَعَهُ شَيْء من ريق، وأنشدوا: ( ... ... ... ... ... . ... مَتى مَا يحس مِنْهَا مائح الْقَوْم يتفل) يصف بِئْرا نزل فِيهَا المائح فذاق ماءها فكرهه فَرَمَاهُ من فِيهِ. 2496 - / 3198 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْخمسين: أَن عقبَة بن أبي وَقاص عهد إِلَى أَخِيه سعد: أَن ابْن وليدة زَمعَة مني فاقبضه إِلَيْك، فَلَمَّا الحديث: 2495 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 كَانَ عَام الْفَتْح أَخذه سعد فَقَالَ: ابْن أخي، عهد إِلَيّ فِيهِ. فَقَالَ عبد بن زَمعَة: أخي وَابْن وليدة أبي، ولد على فرَاشه، فتساوقا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ سعد: يَا رَسُول الله، ابْن أخي قد كَانَ عهد إِلَيّ فِيهِ أَنه ابْنه، انْظُر إِلَى شبهه، وَقَالَ عبد بن زَمعَة: أخي وَابْن وليدة أبي، ولد على فرَاشه، فَنظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَأى شبها بَينا بِعتبَة فَقَالَ: " هُوَ لَك يَا عبد بن زَمعَة، الْوَلَد للْفراش، وللعاهر الْحجر "، ثمَّ قَالَ لسودة بنت زَمعَة: " احتجبي مِنْهُ " لما رأى من شبهه بِعتبَة. هَذَا حَدِيث يعبره أَكثر الْمُحدثين وَلَا يعتبرون رُؤْيَاهُ؛ لِأَن هَمهمْ فِي الحَدِيث إِسْنَاده لَا مُرَاده، وَنحن نكشف إِن شَاءَ الله إشكاله كَمَا أوضحنا أشكاله: أعلم أَن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانَت تكون لَهُم إِمَاء يبغين، وَفِي ذَلِك نزل قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء إِن أردن تَحَصُّنًا} [النُّور: 33] وَكَانَت السَّادة تَأتي فِي خلال ذَلِك الْإِمَاء، فَإِذا أَتَت إِحْدَاهُنَّ بِولد فَرُبمَا يَدعِيهِ السَّيِّد، وَرُبمَا يَدعِيهِ الزَّانِي، فَإِن مَاتَ السَّيِّد وَلم يكن ادَّعَاهُ وَلَا أنكرهُ فَادَّعَاهُ ورثته لحق بِهِ، إِلَّا أَنه لَا يُشَارك مستلحقيه فِي ميراثهم إِلَّا أَن يستلحقه قبل الْقِسْمَة، وَإِن كَانَ السَّيِّد قد أنكرهُ لم يلْحق بِحَال. وَكَانَ لزمعة بن قيس بن عبد شمس أبي سَوْدَة زوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمة على مَا وَصفنَا من أَن عَلَيْهَا ضريبة وَأَنه يلم بهَا، فَظهر بهَا حمل كَانَ يظنّ أَنه من عتبَة بن أبي وَقاص أخي سعد، وَهلك عتبَة كَافِرًا، فعهد إِلَى اخيه سعد قبل مَوته فَقَالَ: استلحقوا الْحمل الَّذِي بِأمة زَمعَة، فَلَمَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 اسْتَلْحقهُ سعد خاصمه عبد بن زَمعَة، فَقَالَ سعد: هُوَ ابْن أخي، يُشِير إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة. وَقَالَ عبد: بل هُوَ أخي ولد على فرَاش أبي، يُشِير إِلَى مَا اسْتَقر عَلَيْهِ الحكم فِي الْإِسْلَام، فَقضى بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد إبطالا لحكم الْجَاهِلِيَّة. وَفِي قَوْله لسودة: " احتجبي مِنْهُ " دَلِيل على أَن من فجر بِامْرَأَة حرمت على أَوْلَاده وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد بن حَنْبَل، وَذَلِكَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما رأى الشبة بِعتبَة علم أَنه من مَائه، فأجراه فِي التَّحْرِيم مجْرى النّسَب فَأمرهَا بالاحتجاب مِنْهُ. وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا تحرم عَلَيْهِم، وحملوا قَوْله: " احتجبي مِنْهُ " على الإستحباب والتنزه. وَقَوله: " الْوَلَد للْفراش " أَي لصَاحب الْفراش. وَهَذَا يدل على أَن الْأمة فرَاش كَالْحرَّةِ. وَقَوله: " وللعاهر الْحجر " يَعْنِي الخيبة، تَقول الْعَرَب للرجل إِذا آيسته من شَيْء: مَا فِي يدك غير الْحجر، وَمَا فِي كفك إِلَّا التُّرَاب. وَلَيْسَ المُرَاد بِالْحجرِ هَاهُنَا الرَّجْم، إِذْ لَيْسَ كل زَان يرْجم. وَقد فسرنا هَذَا فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. 2497 - / 3199 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْخمسين: أَن أم حَبِيبَة بنت جحش استحيضت سبع سِنِين، فاستفتت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " إِن هَذِه لَيست بالحيضة، وَلَكِن هَذَا عرق ". اعْلَم أَن الْمُسْتَحَاضَة ترجع إِلَى عَادَتهَا فِي الْحيض لتفرق بَين الْحَائِض الحديث: 2497 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 والاستحاضة، فَإِن لم يكن لَهَا عَادَة رجعت إِلَى تمييزها، فَكَانَ حَيْضهَا أَيَّام الدَّم الْأسود، واستحاضتها أَيَّام الدَّم الْأَحْمَر. فَإِن لم يكن لَهَا عَادَة وَلَا تَمْيِيز فَمَا مِقْدَار مَا تجلسه للْحيض؟ فِيهِ عَن أَحْمد أَربع رِوَايَات: إِحْدَاهُنَّ: تجْلِس أقل الْحيض. وَالثَّانيَِة: تجْلِس غَالب الْحيض، وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ كالروايتين. وَالثَّالِثَة: أَكثر الْحيض، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، وَعَن مَالك مثل هَذِه الرِّوَايَة الَّتِي قبلهَا. وَالرَّابِعَة: تجْلِس كعادة نسائها مثل أمهَا وَأُخْتهَا وخالتها. فَإِن كَانَت لَهَا عَادَة فنسيت وَقتهَا وعددها فَهَذِهِ تسمى الحيرى، وَفِيمَا تجلسه رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: أقل الْحيض، وَالثَّانيَِة: غَالب الْحيض، وَبَعض أَصْحَابنَا يَقُول: هِيَ بِمَنْزِلَة الَّتِي لَا عَادَة لَهَا وَلَا تَمْيِيز. وَقد ذكرنَا فِي تِلْكَ أَربع رِوَايَات. فَإِذا انْقَضى الزَّمَان الَّذِي تعتده الْمُسْتَحَاضَة حيضا اغْتَسَلت، وَفِي بَقِيَّة الزَّمَان تغسل فرجهَا وتشده وتتوضأ لوقت كل صَلَاة، فَتُصَلِّي مَا شَاءَت من الْفَرَائِض والنوافل، فطهارتها مقدرَة بِوَقْت الصَّلَاة، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد بن حَنْبَل. وَقَالَ الشَّافِعِي: تتوضأ لكل صَلَاة مَفْرُوضَة. فَالْخِلَاف يَقع مَعَه فِي قَضَاء الْفَوَائِت وَالْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقت إِحْدَاهمَا، فَعنده لَا يجوز، وَعند البَاقِينَ يجوز. وَأما من روى فِي هَذَا الحَدِيث أَنَّهَا كَانَت تَغْتَسِل لكل صَلَاة، فقد قَالَ اللَّيْث: لم يذكر ابْن شهَاب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرهَا أَن تَغْتَسِل عِنْد كل صَلَاة، وَلكنه شَيْء فعلته هِيَ. وَقد روى أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث الزُّهْرِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرهَا بِالْغسْلِ لكل صَلَاة. وَهَذَا مَحْمُول الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 على الِاسْتِحْبَاب لَا أَنه يجب. وَأما قَوْله: " هَذَا عرق " فَمَعْنَاه دم عرق. وَإِنَّمَا كَانَ الْمَعْنى هَذَا لِأَن الدَّم لَيْسَ بعرق، وَإِنَّمَا حذف الْمُضَاف توسعا فِي الْكَلَام كَقَوْلِه تَعَالَى {وأشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل} [الْبَقَرَة: 93] أَي حب الْعجل. وَقد روى هَذَا الحَدِيث التِّرْمِذِيّ فَقَالَ فِيهِ: " إِنَّمَا ذَلِك عرق، فَإِذا أَقبلت الْحَيْضَة فدعي الصَّلَاة، وَإِذا أَدْبَرت فاغسلي عَنْك الدَّم، وتوضئي لكل صَلَاة ". وَقد أَفَادَ هَذَا أَن خُرُوج النَّجَاسَات من غير السَّبِيلَيْنِ ينْقض الْوضُوء لِأَنَّهُ علل بِأَنَّهُ دم عرق، وعلق عَلَيْهِ الْوضُوء. وَدم الفصاد دم عرق، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأحمد بن حَنْبَل، إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة يسْتَثْنى الْقَيْء، وَيَقُول: إِن كثر نقض. وَلأَحْمَد فِي يسير النَّجَاسَات رِوَايَتَانِ، فَأَما الْفَاحِش فينقض، رِوَايَة وَاحِدَة. وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَنهُ فِي الْفَاحِش فَقَالَ فِي رِوَايَة الْأَثْرَم: لَا أحده، مَا كَانَ عنْدك أَنه فَاحش. وَاعْلَم أَن تعرف الْفَاحِش على هَذَا يُوجد من أوساط النَّاس، فَلَا يعْتَبر بالمتبذلين فِي الأنجاس كالجزارين، وَلَا بالمتقززين كالموسوسين. وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة: أَن الْفَاحِش شبر فِي شبر، نقلهَا ابْن مَنْصُور عَن أَحْمد. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَدَاوُد: ينْقض خُرُوج النَّجَاسَات من غير السَّبِيلَيْنِ بِحَال. وَزَاد مَالك فَقَالَ: وَلَا ينْقض دم الِاسْتِحَاضَة، وَلَا كل مَا يخرج من الْفرج نَادرا كالدود. فالحجة على الشَّافِعِي أَنه علل بِأَنَّهُ دم عرق، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 وعَلى مَالك أَنه نَص على انْتِقَاض الطَّهَارَة بِدَم الِاسْتِحَاضَة فَقَالَ: " توضئي لكل صَلَاة ". فَإِن قَالَ الْخصم: فَمَا علمْتُم وَلَا أَبُو حنيفَة بِهَذَا الحَدِيث، لأنكم فهمتم من إِطْلَاقه شَيْئا ثمَّ خصصتم. فَالْجَوَاب: أما بِحَق فَلَا تَخْصِيص على رِوَايَة، فَيَنْقَطِع كلامكم، وَإِن نصرنَا الرِّوَايَة الْأُخْرَى فَذَاك لأدلة خصصت. وَأما المركن فَهُوَ شَبيه بالجفنة الْكَبِيرَة. 2498 - / 3200 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْخمسين: سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاس عَن الْكُهَّان، فَقَالَ: " لَيْسَ بِشَيْء ". أَي لَيْسَ قَوْلهم بِشَيْء يعْتَمد عَلَيْهِ، وَالْعرب تَقول لمن عمل شَيْئا لم يحكمه: مَا عملت شَيْئا. والاختطاف: الاستلاب بِسُرْعَة. وَقَوله: " فيقرها " الْيَاء مَضْمُومَة. وَقَوله: " قر الدَّجَاجَة " أَي كصوتها إِذا قطعته. يُقَال: قرت الدَّجَاجَة تقر قرا. فَإِن رَددته قيل: قرقرت قرقرة. والقر: ترديدك الْكَلَام فِي أذن الأطروش حَتَّى يفهم، كَمَا يسْتَخْرج مَا فِي القارورة شَيْئا إِذا أفرغت. وَقد رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ فَقَالَ: قر الزجاجة بالزاي. فَكَأَنَّهُ اعْتَبرهُ بِاللَّفْظِ الَّذِي فِيهِ، كَمَا تقر القارورة، وَيكون قر الزجاجة مَعْنَاهُ صَوتهَا إِذا أفرغ مَا فِيهَا، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: صحف الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي هَذَا، وَالصَّوَاب الدَّجَاجَة بِالدَّال. الحديث: 2498 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: الكهنة قوم لَهُم أذهان حادة ونفوس شريرة، وطباع نارية، وَألفتُهُم الشَّيَاطِين لما بَينهم من التناسب فِي هَذِه الْأُمُور، وساعدتهم بِمَا فِي وسعهَا من الْقُدْرَة. 2499 - / 3201 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْخمسين: حَدِيث أم زرع وَالَّذِي فِي الصَّحِيح: قَالَت عَائِشَة: جلس إِحْدَى عشرَة امْرَأَة ... ثمَّ قَالَت فِي آخر الحَدِيث: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كنت لَك كَأبي زرع لأم زرع ". وَقد روى هَذَا الحَدِيث سعيد بن سَلمَة الْمَدِينِيّ عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَخِيه عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كنت لَك كَأبي زرع لأم زرع " ثمَّ أنشأ يحدث بِحَدِيث أم زرع وصواحبها، قَالَ: اجْتمع الحديث: 2499 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 إِحْدَى عشرَة امْرَأَة ... وَهَذَا مَحْمُول على أَن الْقَائِل: ثمَّ أنشأ يحدث هُوَ هِشَام بن عُرْوَة يَحْكِي عَن أَبِيه أَنه أنشأ يحدث. فدرج الرَّاوِي ذَلِك وَصَارَ كَأَنَّهُ إِخْبَار عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِلَّا فَالصَّحِيح أَنه من كَلَام عَائِشَة، وَلَيْسَ فِيهِ من قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا: " كنت لَك كَأبي زرع لأم زرع ". وَأما قَول الأولى: زَوجي لحم جمل غث. الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة خفض الغث، ويروى بِالرَّفْع والتنوين على الصّفة للحم، قَالَ لنا شَيخنَا ابْن نَاصِر: الْجيد بِالرَّفْع، وَكَذَا قرأته على أبي زَكَرِيَّا، وَقَالَ: رَأَيْته بِخَط أبي الْقَاسِم الرقي بِالرَّفْع وفوقه مَكْتُوب: رفع. والغث: المهزول. على رَأس جبل: تصف قلَّة خَيره، وَبعده مَعَ الْقلَّة، كالشيء الحقير فِي قلَّة الْجَبَل الصعب، فَلَا ينَال إِلَّا بالمشقة فِي الصعُود إِلَيْهِ والانحدار بِهِ، يبين ذَلِك قَوْلهَا: لَا سهل فيرتقى - تَعْنِي الْجَبَل - وَلَا سمين فَينْتَقل: أَي لهزاله لَا تنتقله النَّاس إِلَى مَنَازِلهمْ للْأَكْل، بل يرغبون عَنهُ وَلَا يتكلفون الْمَشَقَّة فِيهِ. وَمن روى: ينتقى، أَرَادَ لَيْسَ لَهُ نقي، وَهُوَ المخ، وَقلة المخ دَلِيل على الهزال. يُقَال: نقوت الْعظم ونقيته وانتقيته: إِذا استخرجت مخه، وَمِنْه قَوْلهم: نَاقَة منقية: أَي سَمِينَة، قَالَ الْأَعْشَى: (حاموا على أضيافهم فشووا لَهُم ... من لحم منقية وَمن أكباد) وَهَذِه تصف زَوجهَا بِسوء الْخلق والكنز مَعَ الْبُخْل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 وَقَوله الثَّانِيَة: لَا أبث خَبره، إِنِّي أَخَاف أَلا أذره. فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: إِنِّي أَخَاف أَلا أبث خَبره من طوله واتصال مَا أصف مِنْهُ، قَالَه يَعْقُوب بن السّكيت. وَالثَّانِي: إِنِّي أَخَاف أَلا أقدر على ترك زَوجي لعلقي عِنْده وأولادي مِنْهُ، قَالَه أَحْمد بن عبيد النَّحْوِيّ. وَقَوْلها: إِن أذكرهُ أذكر عُجَره وبجره. قَالَ أَبُو عبيد: العجر: أَن يتعقد العصب وَالْعُرُوق حَتَّى ترَاهَا ناتئة من الْجَسَد. والبجر نَحْوهَا إِلَّا أَنَّهَا لَا تكون إِلَّا فِي الْبَطن، وَاحِدهَا بجرة، وَهُوَ كالانتفاخ، يُقَال: رجل أبجر: إِذا كَانَ عَظِيم الْبَطن أَو ناتئ السُّرَّة، وَالْجمع بجر، وَمِنْه قَول عَليّ ابْن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْجمل: أَشْكُو إِلَى الله عجري وبجري. أَي همومي وأحزاني، وأرادت بالبجر والعجر عيوبه الْبَاطِنَة. وَقَالَ ثَعْلَب: العجر من الظّهْر، والبجر من الْبَطن، وَالْمعْنَى: إِن ذكرته ذكرت عيوبه الَّتِي أشتكيها. وَقَول الثَّالِثَة: زَوجي العشنق. قَالَ الْأَصْمَعِي: العشنق: الطَّوِيل، وَهَذِه الْمَرْأَة تذم زَوجهَا، وتعني أَنه طَوِيل لَيْسَ عِنْده أَكثر من طوله بِلَا مَنْفَعَة، فَهُوَ منظر بِلَا مخبر، فَإِن ذكرت مَا فِيهِ طَلقنِي، وَإِن سكت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 تركني معلقَة، لَا أَيّمَا وَلَا ذَات بعل، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {فتذروها كالمعلقة} [النِّسَاء: 129] . وَقَوله الرَّابِعَة: زَوجي كليل تهَامَة. ضربت ذَلِك مثلا، أَي لَيْسَ عِنْده أَذَى وَلَا مَكْرُوه، لِأَن الْحر وَالْبرد كِلَاهُمَا فِيهِ أَذَى إِذا اشْتَدَّ. وَقَوْلها: وَلَا مَخَافَة. أَي لَيْسَ عِنْده غائلة وَلَا شَرّ أخافه. وَلَا سآمة: أَي لَا يسأمني فيمل صحبتي. وَأَبُو عبيد يرويهِ: لَا حر وَلَا قر بِالرَّفْع والتنوين، وَكَذَلِكَ بَاقِي الْكَلِمَات. وَقَول الْخَامِسَة: زَوجي إِن دخل فَهد. تصفه بِكَثْرَة النّوم والغفلة فِي الْمنزل، على جِهَة الْمَدْح، لِأَن الفهد مَوْصُوف بِكَثْرَة النّوم، يُقَال فِي الْمثل: " أنوم من فَهد " وأرادت أَنه لَا يتفقد مَا يذهب من مَاله وَلَا يلْتَفت إِلَى معايب الْبَيْت، وَيبين هَذَا الْمَعْنى قَوْلهَا: وَلَا يسْأَل عَمَّا عهد تَعْنِي عَمَّا كَانَ يعهده عِنْدهَا. وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس: إِن دخل فَهد: أَي وثب كَمَا يثب الفهد، فَكَأَنَّهَا مدحت بعض أَحْوَاله وذمت بَعْضًا. وَقَوْلها: وَإِن خرج أَسد. أَسد واستأسد بِمَعْنى وَاحِد، وَالْمعْنَى أَنَّهَا تصفه بالشجاعة إِذا خرج إِلَى الْبَأْس: أَي إِنَّه يقوم فِي الحروب مقَام الْأسد فِي شجاعته وحمايته. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 وَقَول السَّادِسَة: زَوجي إِن أكل لف. اللف فِي الْأكل: الْإِكْثَار من الْمطعم مَعَ التَّخْلِيط فِي صنوفه. وَقَوْلها: وَإِن شرب اشتف. والاشتفاف فِي الشّرْب: استقصاء مَا فِي الْإِنَاء، وَإِنَّمَا أَخذ من الشفافة، وَهِي الْبَقِيَّة تبقى فِي الْإِنَاء من الشَّرَاب، فَإِذا شربهَا قيل: اشتفها وتشافها. وَقَوْلها: وَلَا يولج الْكَفّ. قَالَ أَبُو عبيد: أَحْسبهُ كَانَ بجسدها دَاء أَو عيب تكتئب بِهِ؛ لِأَن البث هُوَ الْحزن، فَكَانَ لَا يدْخل يَده فِي ثوبها ليمس ذَلِك الْعَيْب فَيشق عَلَيْهَا. تصفه بِالْكَرمِ. قلت: وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى: أَنه لَا يمس الْعَوْرَة، لِأَنَّهُ رُبمَا شقّ هَذَا على الْمَرْأَة فِي بعض الْأَوْقَات وأحزنها، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الحَدِيث " حَتَّى تستحد المغيبة ". قَالَ ابْن قُتَيْبَة: قد ذمَّته بلفظين فَكيف تمدحه بالثالث؟ وَإِنَّمَا أَرَادَت أَنه إِذا رقد التف نَاحيَة وَلم يَمَسهَا كَمَا يمس الرجل زَوجته فَيعلم البث، وَلَا بَث هُنَاكَ غير حب الْمَرْأَة دنو زَوجهَا مِنْهَا. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: يجوز أَن تمدحه بِشَيْء وتذمه بِشَيْء، فَإِنَّهُنَّ تعاهدن أَلا يكتمن شَيْئا. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: مَعْنَاهُ لَا يضاجعني فَيعلم مَا عِنْدِي لَهُ من الْحبّ لقُرْبه، وَلَا بَث هُنَاكَ إِلَّا مَا ينطوي عَلَيْهِ من الشَّهْوَة لقرب زَوجهَا مِنْهَا. وَقَالَ أَحْمد ابْن عبيد تَفْسِيره: وَلَا يدْخل يَده فِي أموري فَيعلم مِنْهَا مَا أكرهه فيزيله عني. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 وَقَول السَّابِعَة: عياياء أَو غياياء. الصَّحِيح بِالْعينِ غير الْمُعْجَمَة، وَهُوَ الْعنين الَّذِي يعييه مباضعة النِّسَاء، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْإِبِل الَّذِي لَا يضْرب وَلَا يلقح. والطباقاء: الغبي الأحمق الفدم. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ المطبق عَلَيْهِ حمقا. وَقَالَ أَبُو عُثْمَان الجاحظ فِي قَوْلهَا: عياياء طباقاء، قَالَ: خبرت عَن جَهله بإتيان النِّسَاء وعيه وعجزه، وَأَنه إِذا سقط عَلَيْهَا انطبق وَالنِّسَاء يُكْرهن وُقُوع صُدُور الرِّجَال على صدورهن، وَلذَلِك قَالَت: عياياء طباقاء. وَقَوْلها: كل دَاء لَهُ دَاء. أَي كل شَيْء من أدواء النَّاس فَهُوَ فِيهِ. وَقَوْلها: شجك أَو فلك. الشج: شج الرَّأْس: وَهُوَ شقَّه. والفل نَحْو الشج، وَهُوَ تَأْثِير فِي الْجَسَد، وَمِنْه فلول السَّيْف: وَهُوَ انثلام فِيهِ وتأثير فِي حَده. وأصل الفل: الْكسر. والمفلول: المكسور الْمَهْزُوم. وَقَالَ عمر بن أبي ربيعَة: (وشتيتا كأقحوان عذَابا ... لم يُغَادر بهَا الزَّمَان فلولا) يَعْنِي ثغر امْرَأَة: وَقيل شجك: أَي شج رَأسك أَو بعض جوارحك. أَو فلك: أَي كسر أسنانك. أَو جمع كلالك: أَي جمع الْأَمريْنِ عَلَيْك. وَقَول الثَّامِنَة: زَوجي الرّيح ريح زرنب: وَهُوَ نوع من أَنْوَاع الطّيب مَعْرُوف، قَالَ يَعْقُوب بن السّكيت: الزرنب: شجر طيب الرّيح، وَأنْشد: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 (يَا بِأبي أَنْت وفوك الأشنب ... ) (كَأَنَّمَا ذَر عَلَيْهِ زرنب ... ) (أَو أقحوان فَهُوَ - عمري - أطيب ... ) وَيحْتَمل قَوْلهَا ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهَا: ريح جسده وثيابه لِكَثْرَة تطيبه وَالثَّانِي: ريح الثَّنَاء عَلَيْهِ بمكارمه. وَالثَّالِث: حسن عشرته لَهَا. وَقَوْلها: الْمس مس أرنب. وَصفته بِحسن الْخلق ولين الْجَانِب، تَشْبِيها بِمَسّ الأرنب ولين وبرها. وَقَول التَّاسِعَة: زَوجي رفيع الْعِمَاد. تصفه بالشرف وعلو الْقدر. وأصل الْعِمَاد عماد الْبَيْت، ثمَّ يستعار لعلو المناقب. وَقَوْلها: طَوِيل النجاد. النجاد: حمائل السَّيْف، فَهِيَ تصفه بطول الْقَامَة، وأنشدوا: (قصرت حمائله علهي فقلصت ... وَلَقَد تحفظ قينها فأطالها) وَقَوْلها: عَظِيم الرماد. يحْتَمل شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: أَن تكون وَصفته بِكَثْرَة الضِّيَافَة، فَإِنَّهُ إِذا نحر وَذبح عظمت ناره فيكثر الرماد. وَالثَّانِي: أَن يكون وَصفا بإيقاد النَّار ليستدل بهَا الضَّيْف، وَهَذِه كَانَت عَادَة للْعَرَب، قَالَ الشَّاعِر: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 (مَتى تأته تعشو إِلَى ضوء ناره ... تَجِد خير نَار عِنْدهَا خير موقد) وَقَوْلها: قريب الْبَيْت من الناد. النادي: الْمجْلس، وَيُقَال لَهُ النادي والندي، قَالَ الشَّاعِر: (كَانُوا جمالا للْجَمِيع وموئلا ... للخائفين وسَادَة فِي النادي) وَقَالَ الآخر: (ودعيت فِي أولى الندي وَلم ... ينظر إِلَيّ بأعين خزر) أَرَادَ أَنه ينزل بَين ظهراني النَّاس ليعلموا مَكَانَهُ فتنزل بِهِ الأضياف. قَالَ زُهَيْر: (يسط الْبيُوت لكَي يكون مَظَنَّة ... من حَيْثُ تُوضَع جَفْنَة المسترفد) وَمعنى يسط: يتوسط. المظنة: الْمعلم. قَالَ الشَّاعِر: (بَيْضَاء خَالِصَة الْبيَاض كَأَنَّهَا ... قمر توَسط ليل صيف مبرد) (موسومة بالْحسنِ ذَات حواسد ... إِن الحسان مَظَنَّة للحسد) وَقَول الْعَاشِرَة: زَوجي مَالك، وَمَا مَالك. هَذَا تَعْظِيم لشأنه كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَأَصْحَاب الْيَمين مَا أَصْحَاب الْيَمين} [الْوَاقِعَة: 27] . وَقَوْلها: مَالك خير من ذَلِك. أَي خير مِمَّا أصفه بِهِ. وَقَوْلها: لَهُ إبل كثيرات الْمُبَارك، قليلات المسارح. فِي معنى هَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 الْكَلَام ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه أَكثر بروكها وَأَقل تسريحها مَخَافَة أَن ينزل بِهِ ضيف وَهِي غَائِبَة عَنهُ , ذكره أَبُو عبيد. وَالثَّانِي: أَنَّهَا إِذا بَركت كَانَت كَثِيرَة لوفور عَددهَا، وَإِذا سرحت كَانَت قَليلَة لِكَثْرَة مَا نحر من أجل الضيفان، قَالَه إِسْمَاعِيل بن أبي أويس. وَالثَّالِث: أَنَّهَا كَانَت إِذا بَركت كَانَت كَثِيرَة لكثيرة من يَنْضَم إِلَيْهَا مِمَّن يلْتَمس لَحمهَا ولبنها وَإِذا سرحت كَانَت قَليلَة لقلَّة من يَنْضَم إِلَيْهَا من الضيفان وَالْعَافِينَ، ذكره ابْن الْأَنْبَارِي. وَقَوْلها: إِذا سمعن صَوت المزهر. المزهر: الْعود الَّذِي يضْرب بِهِ، قَالَ الْأَعْشَى: (جَالس حوله الندامي فَمَا ... يُؤْتى بمزهر مندوف) يُرِيد: أَن من عَادَته أَن يَأْتِي أضيافه بالمعازف والملاهي إِكْرَاما للأضياف. وَقَول الْحَادِيَة عشرَة: أنَاس من حلي أُذُنِي. النوس: الْحَرَكَة من كل شَيْء، يُقَال: نَاس ينوس نوسا. تُرِيدُ أَنه حلاني قرطة وشنوفا تنوس بأذني، والنوس للحلي لَكِنَّهَا جعلته للأذن على وَجه التَّجَوُّز، كَمَا تَقول: أدخلت الْخَاتم فِي إصبعي. وَقَوْلها: وملأ من شَحم عضدي. أَرَادَت سمن بدنهَا كُله بِكَثْرَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 إحسانه إِلَيْهَا، فاقتصرت على العضدين لِأَنَّهُمَا إِذا سمنا سمن سَائِر الْبدن. وَقَوْلها: فبجحني فبجحت إِلَيّ نَفسِي. وَرَوَاهُ أَبُو عبيد: بجحني بِالتَّشْدِيدِ فبجحت بِضَم التَّاء وَفتح الْجِيم وَكسرهَا مَعًا، وأرادت: سرني بتوالي إحسانه فسرى السرُور فِي نَفسِي فَبَان موقعه مني، يُقَال: بجح وبجح إِذا فَرح، قَالَ الرَّاعِي: (وَمَا الْفقر فِي أَرض الْعَشِيرَة ساقنا ... إِلَيْك وَلَكنَّا بقرباك نبجح) أَي: نفرح. وَقَوْلها: وجدني فِي أهل غنيمَة بشق، قد ذكره أَبُو عبيد بِفَتْح الشين وَأَصْحَاب الحَدِيث يكسرون الشين، وَهُوَ اسْم مَوضِع. وَقَالَهُ ابْن جني بِالْكَسْرِ. وَقَالَ غَيرهمَا من الْعلمَاء: الشق: الْجهد. وأرادت أَن أَهلهَا كَانُوا أَصْحَاب غنم لَا أَصْحَاب إبل وَلَا خيل. فجعلني فِي أهل صَهِيل وأطيط. والصهيل: أصوات الْخَيل. والأطيط أصوات الْإِبِل. وَقَالَ ابْن السّكيت: الأطيط: زفير الْإِبِل من البطنة. وَقَالَ أَحْمد بن عبيد: الأطيط ثَلَاثَة مَوَاضِع، يُقَال: لَا أُكَلِّمك مَا أطت الْإِبِل: تَعْنِي مَا حنت إِلَى أَوْلَادهَا وأوطانها، وَيُقَال: قد أطت الْإِبِل برحالها وَيُقَال: قد أطت الْإِبِل: إِذا شربت فانبسطت جلودها وَسمع لذَلِك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 صَوت. والدائس: الَّذِي يدوس الطَّعَام بعد حَصَاده، والمنقي: الَّذِي ينقيه وينظفه. وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن أويس: ومنق بِكَسْر النُّون، وَفَسرهُ بنقيق الْمَوَاشِي والأنعام. وعنت بِهَذَا الْكَلَام أَنهم أهل زرع، فَأَرَادَتْ أَنه نقلني عَن د قوم لَا قدر لَهُم وَلَا مَال، إِلَى من لَهُ المَال وَالْقدر. وَقَوْلها: فَعنده أَقُول فَلَا أقبح: أَي يقبل قولي وَلَا يرد. وأشرب فأتقمح أَي أروى حَتَّى أمج الشَّرَاب من كَثْرَة الرّيّ، يُقَال: نَاقَة قامح، وإبل قماح، وَإِنَّمَا ترفع الْإِبِل رءوسها بعد انْتِهَاء شربهَا، قَالَ عز وَجل: {فهم مقمحون} [يس: 8] . وَمن رَوَاهُ: فأتقنح بالنُّون فَمَعْنَاه الزِّيَادَة على الشّرْب بعد الرّيّ، يُقَال: قنحت من الشَّرَاب أقنح قنحا: إِذا شربت بعد الرّيّ. وَقَالَ يَعْقُوب ابْن السّكيت أتقنح مَعْنَاهُ أقطع الشّرْب وأشرب قَلِيلا قَلِيلا. وَقَالَ أَبُو عبيد: لَا أعرف أتقنح بالنُّون وَلَا أرى الْمَحْفُوظ إِلَّا بِالْمِيم. وَقَوْلها: فأرقد فأتصبح. يَعْنِي أَنَّهَا تستوفي من نومها وَلَا يكرهها على عمل تحْتَاج فِيهِ إِلَى الانتباه. وَقَوله: عكومها رداح. العكوم جمع عكم: وَهِي الْأَحْمَال والأعدال الَّتِي فِيهَا صنوف الْأَطْعِمَة. وَرُوِيَ أَن أَعْرَابِيًا خرج مَعَ رَفِيق لَهُ فَسرق شَيْء من عكمه فَرفع عكم رَفِيقه فَإِذا هُوَ ثقيل، فَأَنْشد: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 (عكم تعشى بعض أعكام الْقَوْم ... لم أر عكما سَارِقا قبل الْيَوْم) والرداح: الْعَظِيمَة الْكَثِيرَة الحشو. وَامْرَأَة رداح: عَظِيمَة الكفل، وَمِنْه قيل للكتيبة الْعَظِيمَة رداح، قَالَ لبيد: (وأبنا ملاعب الرماح ... ومدره الكتيبة الرداح) والتأبين: الثَّنَاء على الْمَيِّت. وَقَوْلها: وبيتها فساح: أَي وَاسع. وَقَوْلها: ومضجعه كمسل شطبة. أصل الشطبة مَا شطب من جريد النّخل وَهُوَ سعفه، وَذَلِكَ أَن يشقق مِنْهَا قضبان دقاق، فشبهته فِي خفَّة لَحْمه بذلك. وَقَوْلها: ويشبعه ذِرَاع الجفرة: وَهِي الْأُنْثَى من ولد الْمعز: وَالذكر جفر. وَإِذا أَتَى على ولد العنز أَرْبَعَة أشهر ففصل عَن أمه وَأخذ فِي الرَّعْي قيل لَهُ جفر، وَالْمرَاد أَنَّهَا مدحته بقلة لَحْمه وَقلة أكله، وهما ممدوحان عِنْد الْعَرَب، قَالَ الشَّاعِر: (تكفيه حزة فلذ إِن ألم بهَا ... من الشواء ويروي شربه الْغمر) وَقَوْلها: وملء كسائها: تَعْنِي أَنَّهَا ذَات لحم. وَقَوْلها: وصفر ردائها. وَالْمعْنَى أَنَّهَا ضامرة الْبَطن، فَكَأَن رداءها الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 صفر: أَي خَال لشدَّة ضمور بَطنهَا. والرداء يَنْتَهِي إِلَى الْبَطن. وَقَوْلها: وغيظ جارتها: أَي لما فِيهَا من الْخِصَال الَّتِي تفوق بهَا الْجِيرَان. وَقَوْلها: وعقر جارتها: أَي هلاكها لمَكَان الْحَسَد. وَقَوْلها: لَا تبث حديثنا تبثيثا: أَي لَا تشيعه وتنمه. يُقَال: بثثتك مَا عِنْدِي وأبثثتك: إِذا أظهرته لَك، قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله} [يُوسُف: 86] وَقَالَ ذُو الرمة: (وقفت على ربع لمية نَاقَتي ... فَمَا زلت أبْكِي عِنْده وأخاطبه) (وأسقيه حَتَّى كَاد مِمَّا أبثه ... تكلمني أحجاره وملاعبه) ويروى: لَا تنث حديثنا تنثيثا بالنُّون، وَهُوَ فِي معنى الأول، يُقَال: بَث الحَدِيث ونثه: إِذا أفشاه. وأرادت أَنَّهَا مَأْمُونَة على الْأَسْرَار. وَقَوْلها: وَلَا تنقث ميرتنا تنقيثا. وَرَوَاهُ أَبُو عبيد: وَلَا تنقل ميرتنا تنقيثا. وأصل التنقيث الْإِسْرَاع فِي السّير، يُقَال: خرج يتنقث فِي سيره: إِذا أسْرع. والميرة: مَا يمتار من مَوضِع إِلَى مَوضِع. وأرادت أَنَّهَا أمينة على حفظ طعامنا لَا تفرط فِيهِ. وَقَوْلها: وَلَا تملأ بيتنا تعشيشا. قد رويت بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالغين الْمُعْجَمَة؛ فَمن روى بِالْعينِ الْمُهْملَة فَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: التعشيش مَأْخُوذ من قَوْلك عشش الْخبز: إِذا تكرج وَفَسَد، تُرِيدُ أَنَّهَا تحسن مُرَاعَاة الطَّعَام الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 المخبوز وتتعهده بِأَن يطعم مِنْهُ أَولا فأولا طريا، وَلَا تغفل عَنهُ فيتكرج وَيفْسد. وَأما التغشيش بالغين الْمُعْجَمَة فَقَالَ يَعْقُوب بن السّكيت: التغشيش: النميمة وَمَا يشاكلها. وَقَوْلها: خرج أَبُو زرع والأوطاب تمخض، الأوطاب جمع وطب: وَهِي أسقية اللَّبن. وتمخض بِمَعْنى تحرّك ليستخرج زبدها. وَقَوْلها: مَعهَا ولدان لَهَا كالفهدين يلعبان من تَحت خصرها برمانتين؛ قَالَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس: عَنى بالرمانتين ثدييها. وَقَالَ أَبُو عبيد: لَيْسَ هَذَا مَوْضِعه، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهَا عَظِيمَة الكفل، فَإِذا استلقت صَارَت بَينهَا وَبَين الأَرْض فجوة يجْرِي فِيهَا الرُّمَّان. قَوْلهَا: فنكحت بعده رجلا سريا؛ أَي لَهُ سرو وجلالة. وَقيل: السرو: سخاء فِي مُرُوءَة. ركب شريا: وَهُوَ الْفرس الَّذِي يستشري فِي سيره: أَي يلج ويمضي بِلَا قنوت، وَيُقَال: شري فِي الْغَضَب: إِذا احتد فِيهِ. وَقَالَ يَعْقُوب بن السّكيت: ركب شريا: أَي ركب مركبا فائقا خيارا. وَقَوْلها: وَأخذ خطيا. الخطي: رمح ينْسب إِلَى الْخط: وَهِي قَرْيَة ترفأ إِلَيْهَا السفن تحمل الرماح من أَرض الْهِنْد، قَالَ زُهَيْر: (وَهل ينْبت الخطي إِلَّا وشيجه ... وتغرس إِلَّا فِي منابتها النّخل) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 وَيُقَال: إِن الرماح على جَانب الْبَحْر كالخط بَين البدو وَالْبَحْر، فَقيل للرمح خطي لذَلِك. وَقَوْلها: وأراح عَليّ نعما ثريا. النعم: الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم، فَيُقَال لهَذِهِ الْأَشْيَاء إِذا اجْتمعت نعم، وَيُقَال لِلْإِبِلِ وَحدهَا نعم، وَلَا يُقَال للبقر وَالْغنم إِذا لم يكن مَعهَا إبل نعم، وَإِنَّمَا يُقَال أنعام للأجناس الثَّلَاثَة مجتمعة ومتفرقة. والثري: الْكثير، من قَوْلهم: ثرا بَنو فلَان بني فلَان: إِذا غلبوهم بِالْكَثْرَةِ. والثراء: كَثْرَة المَال، وَأنْشد ثَعْلَب: (أماوي مَا يُغني الثراء عَن الْفَتى ... إِذا حشرجت يَوْمًا وضاق بهَا الصَّدْر) وَقَوْلها: وَأَعْطَانِي من كل رَائِحَة: أَي من كل مَا يروح عَلَيْهِ من أَصْنَاف مَاله، زوجا: أَي نَصِيبا مضاعفا؛ لِأَن الزَّوْج مَا كَانَ لَهُ قرين من جنسه، وَلَا يُوقع الزَّوْج على الِاثْنَيْنِ أبدا، قَالَ الله تَعَالَى: {وَأَنه خلق الزَّوْجَيْنِ الذّكر وَالْأُنْثَى} [النَّجْم: 45] . وَمن روى: ذابحة، فَالْمُرَاد بِهِ المذبوحة، وَكثير مَا يَأْتِي " فَاعل " بِمَعْنى " مفعول " كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَهُوَ فِي عيشة راضية} [الحاقة: 21] أَي مرضية، فَيكون الْمَعْنى: أَعْطَانِي من كل شَيْء يذبح. 2500 - / 3202 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْخمسين: قَالَ الْحَارِث بن هِشَام: يَا رَسُول الله! كَيفَ يَأْتِيك الْوَحْي؟ قَالَ: " أَحْيَانًا يأتيني فِي مثل صلصلة الجرس ". الحديث: 2500 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 الصلصلة: الصَّوْت. إِنَّمَا شبهه بالجرس لِأَنَّهُ صَوت متدارك لَا يفهمهُ فِي أول وهلة حَتَّى يتثبت، وَلذَلِك قَالَ: و " هُوَ أشده عَليّ ". وَقَوله: " فَيفْصم عني " أَي يقْلع عني وينجلي مَا يَغْشَانِي مِنْهُ، وَأَصله من الفصم: وَهُوَ الْقطع. وَقَوْلها: وَإِن جَبينه. للْإنْسَان جبينان والجبهة بَينهمَا. وَقد سبق هَذَا. وَقَوله: ليتفصد: بِمَعْنى يسيل عرقا كَمَا يفصد الْعرق. وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلقى مشقة شَدِيدَة لثقل مَا يلقى عَلَيْهِ من الْقُرْآن، فيعتريه مَا يعتري المحموم، وَكَانَ ذَلِك من هَيْبَة الْكَلَام وتعظيم الْمُتَكَلّم، وَجمع الْفَهم للوعي، وَخَوف التحريف لنَقص الْعُقُول، من غير قصد. وَقد خوف من هَذَا بقوله: {وَلَو تَقول علينا بعض الأوقاويل} [الحاقة: 44] إِلَى غير ذَلِك من الْأُمُور المزعجة الَّتِي تضعف عَن إطاقتها البشرية. 2501 - / 3203 - وَفِي الحَدِيث السِّتين: أُتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بصبي فَبَال على ثَوْبه، فَدَعَا بِمَاء فَأتبعهُ إِيَّاه، وَفِي لفظ: فَلم يغسلهُ. معنى أتبعه إِيَّاه: رَمَاه عَلَيْهِ على سَبِيل الرش. وَهَذَا الصَّبِي لم يكن أكل الطَّعَام، وَسَيَأْتِي ذَلِك فِي مُسْند أم قيس مُبينًا، وَأَنه دَعَا بِمَاء فنضحه وَلم يغسلهُ. وَالْمرَاد أَنه رشه عَلَيْهِ. وَعِنْدنَا أَنه يرش بَوْل الْغُلَام الَّذِي لم يَأْكُل الطَّعَام خلافًا لأبي حنيفَة وَمَالك فِي قَوْلهمَا: يغسل. وَالْحَدِيثَانِ حجَّة عَلَيْهِمَا. الحديث: 2501 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 وَلَيْسَ المُرَاد بِالطَّعَامِ كل مَا يطعم، وَإِنَّمَا هُوَ الْقُوت الْمَعْرُوف من حِنْطَة أَو شعير أَو مَا يقوم مقامهما من الْحبّ، وَإِلَّا فهم كَانُوا يحنكون الصَّبِي يَوْم وِلَادَته بِالتَّمْرِ. وَقد سبق مَا بعد هَذَا إِلَى: 2502 - / 3206 - الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتِّينَ: وَفِيه: " فَإِن الله تَعَالَى لَا يمل حَتَّى تملوا ". وَسبق أَن مَعْنَاهُ لَا يمل وَإِن مللتم. 2503 - / 3208 - وَقد سبق بَيَان الْخَامِس وَالسِّتِّينَ فِي مُسْند جَابر ابْن عبد الله. 2504 - / 3209 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتِّينَ: لما بدن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَثقل كَانَ أَكثر صلَاته جَالِسا. قَالَ أَبُو عبيد: بدن الرجل تبدينا: إِذا أسن، وَأنْشد: (وَكنت خلت الشيب والتبدينا ... والهم مِمَّا يذهل القرينا) قَالَ فَأَما: بدنت فَمن كَثْرَة اللَّحْم، وَلَيْسَ هَذَا من صِفَاته، وَإِنَّمَا الحديث: 2502 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 يُقَال فِي صِفَاته: رجل بَين رجلَيْنِ، جِسْمه ولحمه. وَقد حكى الْخطابِيّ أَن قوما يَرْوُونَهُ: بدن، خَفِيفَة. قلت: وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء: أما من جِهَة الراوية فالتشديد ضبط الْمُحَقِّقين، وَهُوَ الَّذِي ضَبطه لنا أشياخنا فِي كتاب أبي عبيد وَغَيره. وَأما من جِهَة الْمَعْنى فَمَا كَانَت كَثْرَة اللَّحْم من صِفَاته كَمَا قَالَ أَبُو عبيد. وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْمسند أَنه كثر لَحْمه، وسترى الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَقَوْلها: كَانَ يُصَلِّي قَاعِدا بَعْدَمَا حطمه النَّاس. هَذَا كِنَايَة عَن كبره فيهم، يُقَال: حطم فلَانا أَهله: إِذا كبر فيهم كَأَنَّهُمْ بِمَا حملوه من أثقالهم صيروه شَيخا محطوما. وَقد جَاءَ فِي بعض الحَدِيث: من بعد مَا حطمته السن. 2505 - / 3211 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتِّينَ: مَا ترك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر عِنْدِي قطّ. ذكر فِيهِ أَبُو سُلَيْمَان وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه كَانَ مَخْصُوصًا بِهَذَا دون الْخلق، قَالَ ابْن عقيل: لَا وَجه إِلَّا هَذَا الْوَجْه، لِأَنَّهُ قد نهى عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر، وَكَانَ مَخْصُوصًا بِجَوَاز ذَلِك كَمَا خص بالوصال. وَالثَّانِي: أَنه فَاتَتْهُ يَوْمًا رَكعَتَا الظّهْر فقضاهما بعد الْعَصْر، وَكَانَ إِذا فعل فعلا لم يقطعهُ بعد ذَلِك فواظب عَلَيْهَا. وَفِيه أَن النَّوَافِل تقضى. الحديث: 2505 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 وَقد سبق مَا بعد هَذَا إِلَى: 2506 - / 3215 - الحَدِيث الثَّانِي وَالسبْعين: وَفِيه: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " مروا أَبَا بكر يُصَلِّي بِالنَّاسِ " قَالَت عَائِشَة: إِن أَبَا بكر إِذا قَامَ فِي مقامك لم يسمع النَّاس من الْبكاء فَمر عمر، فَقَالَ: " مروا أَبَا بكر ". أما اجْتِهَاد عَائِشَة فِي أَلا يتَقَدَّم أَبُو بكر فَلهُ وَجْهَان: أَحدهمَا مَذْكُور فِي الحَدِيث، وَهُوَ قَوْلهَا: كنت أرى أَلا يقوم مقَامه أحد إِلَّا تشاءم النَّاس بِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا علمت أَن النَّاس قد علمُوا أَن أَبَا بكر يصلح لخلافة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا رَأَوْهُ استشعروا موت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِخِلَاف غَيره. والأسيف: السَّرِيع الْحزن والبكاء، وَهُوَ الأسوف أَيْضا. وَقَوله: " هريقوا " بِمَعْنى أريقوا عَليّ. والوكاء: السّير أَو الْخَيط الَّذِي يشد بِهِ رَأس الْقرْبَة أَو الصرة. وَأما حصر الْعدَد بالسبع، فَلِأَن السَّبع تكْثر على أَلْسِنَة الْعَرَب وتتردد فِي كثير من أُمُور الشَّرْع، كالطواف، وَالسُّجُود على سَبْعَة أَعْضَاء. وَإِنَّمَا طلب صب المَاء عَلَيْهِ لِأَن الْمَرِيض فِي بعض الْأَمْرَاض إِذا صب عَلَيْهِ المَاء الْبَارِد رجعت قوته إِلَيْهِ. فَأَما اشْتِرَاطه أَن تكون مَا حلت فَيحْتَمل ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهَا: التَّبَرُّك بِذكر الله تَعَالَى عِنْد شدها وحلها. وَالثَّانِي طَهَارَة المَاء؛ إِذْ لم تمسه بعد يَد. وَالثَّالِث: أَن يكون على برودته لم يسخن بحرارة الْهَوَاء. الحديث: 2506 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 والمخضب كالإجانة. وَقَوْلها: لينوء: أَي ليقوم. وَقد اخْتلف النَّاس فِي مُدَّة الْأَيَّام الَّتِي مَرضهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: اثْنَا عشر يَوْمًا. وَالثَّانِي: أَرْبَعَة عشر. وَفِي عدد الصَّلَوَات الَّتِي صلى أَبُو بكر بِالنَّاسِ قَولَانِ: أَحدهمَا: سبع عشرَة صَلَاة. وَالثَّانِي: ثَلَاثَة أَيَّام. وَقد بَينا فِي مُسْند سهل بن سعد كَيفَ غير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِيَّة الْإِمَامَة. وَقد سبق هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند أبي مُوسَى وَابْن عمر أَيْضا. 2507 - / 3216 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسبْعين: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَل فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَيَقُول: أَيْن أَنا غَدا؟ أَيْن أَنا غَدا؟ يُرِيد يَوْم عَائِشَة. وَفِي هَذَا دَلِيل على فَضلهَا وَشدَّة حبه إِيَّاهَا. وَفِي لفظ لم يذكرهُ الْحميدِي قَالَت عَائِشَة: إِن كَانَ ليتعذر فِي مَرضه: " أَيْن أَنا غَدا؟ " استبطاء ليَوْم عَائِشَة قَالَ الْخطابِيّ: التَّعَذُّر يجْرِي مجْرى التمنع والتعسر، قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: الحديث: 2507 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 (وَيَوْما على ظهر الْكَثِيب تَعَذَّرَتْ ... عَليّ وآلت حلفة لم تحلل) والنحر: مَوضِع القلادة. وَالسحر: مَا لصق بالحلقوم. والمريء: من أَعلَى الْبَطن. قَالَ أَبُو عبيد: السحر: مَا يتَعَلَّق بالحلقوم. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: السحر عِنْد الْعَرَب الرئة وَمَا يتَعَلَّق بهَا، وَفِيه ثَلَاث لُغَات: سحر، وسحر، وسحر. والسواك مكسور السِّين. ويستن: يستاك. وَقَوْلها: فأبده بَصَره: أَي أتبعه بَصَره، كَأَنَّهُ أعطَاهُ بدة من بَصَره: أَي حظا، والبدة: الْحَظ والنصيب. وَقَوْلها: فقضمته: أَي لينت مِنْهُ مَا اشْتَدَّ، من قَوْلهم: قضمت الدَّابَّة شعيرها. وَبَعض الْمُحدثين يَقُول: فقضمته بالصَّاد الْمُهْملَة، والقصم: الْكسر، وَالضَّاد أصح. وَأما الحاقنة فَقَالَ أَبُو عبيد: كَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول: هِيَ النقرة الَّتِي بَين الترقوة وحبل العاتق، وهما حاقنتان، والذاقنة طرف الْحُلْقُوم وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: الحاقنة: نقرة الترقوة: والذاقنة مَا يَنَالهُ الذقن من الصَّدْر. والعلبة: قدح ضخم من خشب يحلب فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 وَمسح وَجهه بِالْمَاءِ دَلِيل على كرب قد تغشاه وَشدَّة، وَلِهَذَا قَالَ: " إِن للْمَوْت سَكَرَات " فنسأل الله عز وَجل أَن يعيننا على مَا بَين أَيْدِينَا بِلُطْفِهِ ورأفته. 2508 - / 3217 - والْحَدِيث الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عمر وَأبي هُرَيْرَة. 2509 - / 3218 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسبْعين: إِن كَانَ رَسُول الله ليقبل بعض ازواجه وَهُوَ صَائِم. ثمَّ ضحِكت. ضحكها دَلِيل على أَنَّهَا هِيَ كَانَت. وَفِي رِوَايَة: كَانَ يقبل ويباشر وَهُوَ صَائِم، وَكَانَ أملككم لإربه. الْمُبَاشرَة: إلصاق الْبشرَة بالبشرة. فَأَما الأرب فَقَالَ الْخطابِيّ: هُوَ وطر النَّفس وحاجتها قَالَ أَبُو عبيد: فِيهِ ثَلَاث لُغَات: أرب وإرب، وإربة. فَإِن قيل: كَأَن حَاجَة الْإِنْسَان يملكهَا، فَإِنَّهُ لَو قيل: فأمذى وَأنزل لم يكن رد هَذَا إِلَيْهِ وَلَا ملك لَهُ عَلَيْهِ؟ فَالْجَوَاب: إِن اللَّمْس والتقبيل يخَاف مِنْهُ دُعَاء النَّفس إِلَى غَيره، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَالِكًا لنَفسِهِ، لَا يُمكنهَا أَن تَدعُوهُ إِلَى مَا لَا يجوز لَهُ، وَلَعَلَّه كَانَ يخْطر على قلبه عِنْد التَّقْبِيل الحديث: 2508 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 نوع من المراقبة فَتبقى صُورَة التَّقْبِيل وَيمْتَنع الْمخوف مِنْهُ. وَقد اخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد: هَل تكره الْقبْلَة للصَّائِم إِذا كَانَ مِمَّن لَا تحرّك شَهْوَته؟ على رِوَايَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا: لَا تكره، وَالثَّانيَِة: تكره كَقَوْل مَالك: فَإِن لمس فأمذى فَعَلَيهِ الْقَضَاء فِي مَذْهَب أَحْمد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا قَضَاء عَلَيْهِ. فَأَما إِذا أنزل عَن مُبَاشرَة فَإِن صَوْمه يفْسد عِنْد الْجُمْهُور، خلافًا لداود. 2510 - / 3220 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسبْعين: كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض سحُولِيَّة من كُرْسُف. الكرسف: الْقطن، وَيُقَال لَهُ أَيْضا: العطب، والبرس، والطوط. والسحولية مَفْتُوحَة السِّين، منسوبة إِلَى قَرْيَة بِالْيمن يُقَال لَهَا: سحول، قَالَ الْحميدِي: وَقد قَرَأنَا نَحن بِمَكَّة على شيخ من شُيُوخ الحَدِيث كَانَ من أهل هَذِه الْقرْيَة. وَكَانَ ابْن قُتَيْبَة يَقُول: سحُولِيَّة بِضَم السِّين، وَيَقُول: سحول جمع سحل: وَهُوَ الثَّوْب الْأَبْيَض. وَقَالَ أَبُو عمر الزَّاهِد: إِنَّمَا هِيَ بِفَتْح السِّين. وَقَالَ: وَقَوله: سحول جمع سحل، خطأ؛ إِنَّمَا جمع سحل سحل. والحلة لَا تكون إِلَّا ثَوْبَيْنِ، فَهِيَ إِزَار ورداء. وَالْمرَاد برود الْيمن. والحبرة: نوع من البرود مخطط. 2511 - / 3221 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسبْعين: " جَاءَ بك الْملك الحديث: 2510 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 فِي سَرقَة من حَرِير ". قَالَ أَبُو عبيد: سرق الْحَرِير: هِيَ الشقق إِلَّا أَنَّهَا الْبيض مِنْهَا خَاصَّة، الْوَاحِدَة سَرقَة، وَهِي فارسية معربة. قَرَأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: السرق: الْحَرِير، وَأَصله سره بِالْفَارِسِيَّةِ: أَي جيد قَالَ الزفيان: (وَالْبيض فِي أَيْمَانهم تألق ... ) (وذبل فِيهَا شبا مذلق ... ) (يطير فَوق رؤوسهن السرق ... ) ذبل: رماح. وشبا كل شَيْء: حَده. ومذلق: محدد، أَرَادَ الأسنة وَأَرَادَ الرَّايَات. 2512 - / 3222 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسبْعين: فوعكت فتمرق شعري فوفى جميمة. والوعك: آلام الْمَرَض. وتمرق الشّعْر بالراء الْمُهْملَة وتمرط وامرط وامرق: إِذا انْتَشَر وانتتف. والجميمة تَصْغِير جمة. وجمة الْإِنْسَان: مُجْتَمع شعر ناصيته. والناصية: قصاص الشّعْر. والوفرة: الجمة إِلَى الْأُذُنَيْنِ فَقَط. والأرجوحة مَعْرُوفَة: وَهِي حَبل يعلق طرفاه من جانبين يمِيل بهم من نَاحيَة إِلَى نَاحيَة. وَالْأَصْل فِي الأراجيح الاهتزاز والتحريك. الحديث: 2512 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 وأنهج بِضَم الْألف. يُقَال: نهج وأنهج: إِذا رَبًّا وتدارك نَفسه. وَقَوْلها: هه هه، حِكَايَة تتَابع النَّفس. وَقيل: بل حِكَايَة شدَّة الْبكاء. وزفت إِلَيْهِ: أَي حملت بِسُرْعَة وإزعاج. يُقَال: زف الْقَوْم فِي سيرهم: إِذا أَسْرعُوا، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يزفون} [الصافات: 94] . وَقَوْلها: ولعبها مَعهَا. تحْتَمل أَمريْن: أَحدهمَا: أَن يكون هَذَا قبل تَحْرِيم الصُّور. وَالثَّانِي: أَن تكون لعبها غير مصورة. وَأما قَوْلهَا: فِي شَوَّال، فَلِأَن قوما كَانُوا يكْرهُونَ الرفاف فِي شَوَّال، فأنكرت إنكارهم. والخطوة: علو الْمنزلَة وَالْمَكَان. 2513 - / 3223 - وَفِي الحَدِيث الثَّمَانِينَ: بشر خَدِيجَة بِبَيْت فِي الْجنَّة من قصب. وَهَذَا قد سبق فِي مُسْند عبد الله بن أبي أوفى. وَفِيه: فيهدي فِي خلائلها. أَي فِي صدائقها. قَالَت: فَقلت: مَا تذكر من عَجُوز حَمْرَاء الشدقين؟ أَي بَيْضَاء الشدقين، وَالْعرب تَقول: امْرَأَة حَمْرَاء: أَي بَيْضَاء، وَمِنْه قَوْله لعَائِشَة: " يَا حميراء "، وَإِذا كَبرت الْمَرْأَة ابيض شدقاها. الحديث: 2513 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 2514 - / 3224 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي والثمانين: أَن سَوْدَة وهبت يَوْمهَا لعَائِشَة، فَكَانَ يقسم لعَائِشَة يَوْمهَا وَيَوْم سَوْدَة. أما سَوْدَة فَهِيَ بنت زَمعَة بن قيس بن عبد شمس. أسلمت قَدِيما وبايعت، وَكَانَت عِنْد ابْن عَم لَهَا يُقَال لَهُ السَّكْرَان بن عَمْرو، أسلم أَيْضا وَهَاجَر إِلَى أَرض الْحَبَشَة فِي الْهِجْرَة الثَّانِيَة، فَلَمَّا قدما مَكَّة مَاتَ زَوجهَا، وَيُقَال: مَاتَ بِالْحَبَشَةِ، فَلَمَّا حلت خطبهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَزَوجهَا وَدخل بهَا بِمَكَّة، وَهَاجَر بهَا إِلَى الْمَدِينَة. وَأكْثر الرِّوَايَات أَنه تزَوجهَا قبل عَائِشَة، وَفِي بعض الرِّوَايَات أَنه تزوج عَائِشَة ثمَّ سَوْدَة، وَهَذَا الحَدِيث يؤكده، إِلَّا أَنه إِنَّمَا بنى بعائشة بِالْمَدِينَةِ، فَيحْتَمل أَن يكون عقد على سَوْدَة ثمَّ على عَائِشَة، وَبنى بسودة بِمَكَّة؛ لِأَن عَائِشَة كَانَت صَغِيرَة حِينَئِذٍ. قَالَ أهل السّير: لما كَبرت سَوْدَة أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَلاقهَا، فَقَالَت: لَا تفعل وَدعنِي فِي نِسَائِك، وَجعلت يَوْمهَا لعَائِشَة، فَأَمْسكهَا، وَتوفيت بِالْمَدِينَةِ سنة أَربع وَخمسين. وَقَوْلها: فِي مسلاخها. مسلاخ الْإِنْسَان: ثِيَابه، وَهَذِه اسْتِعَارَة، وَالْمعْنَى: أحب أَن أكون فِي مثل هديها وطريقتها إِلَّا أَنِّي أكره مَا فِيهَا من الحدة. 2515 - / 3225 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي والثمانين: كنت أَلعَب بالبنات. الحديث: 2514 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 الْبَنَات: لعب يلْعَب بِهن صغَار الْجَوَارِي، فَإِن كَانَت صورا فقد كَانَ هَذَا قبل التَّحْرِيم، وَإِلَّا فقد يُسمى بِهَذَا مَا لَيْسَ بِصُورَة. 2516 - / 3226 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث والثمانين: كَانَت خَوْلَة بنت حَكِيم من اللَّاتِي وهبْنَ أَنْفسهنَّ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. لما نزل قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَحللنَا لَك أَزوَاجك} إِلَى قَوْله: {وَامْرَأَة مُؤمنَة} [الْأَحْزَاب: 50] ، وَالْمعْنَى: وأحللنا لَك امْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا لَك، وَهَذَا عَام. كَانَ مِمَّن وهبت نَفسهَا لَهُ: خَوْلَة بنت حَكِيم، فأرجأها فَتَزَوجهَا عُثْمَان بن مَظْعُون. وَأم شريك الْأَزْدِيَّة، وَاسْمهَا غزيَّة بنت جَابر ابْن حَكِيم. وَقد ذكرُوا أَن ليلى بنت الخطيم وهبت نَفسهَا لَهُ فَلم يقبلهَا. ومَيْمُونَة بنت الْحَارِث، وَزَيْنَب بنت خُزَيْمَة. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي معنى قَوْله: {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ} [الْأَحْزَاب: 51] على أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: تطلق من تشَاء من نِسَائِك وَتمسك من تشَاء من نِسَائِك قَالَه ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: تتْرك نِكَاح من تشَاء وَتنْكح من نسَاء أمتك من تشَاء، قَالَه الْحسن. وَالثَّالِث: تعزل من شِئْت من أَزوَاجك وَلَا تأتيها بِغَيْر طَلَاق، وَتَأْتِي من تشَاء فَلَا تعزلها، قَالَه مُجَاهِد. وَالرَّابِع: تقبل من تشَاء من الْمُؤْمِنَات اللواتي يهبن أَنْفسهنَّ لَك وتترك من تشَاء، قَالَه الشّعبِيّ وَعِكْرِمَة. الحديث: 2516 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 2517 - / 3228 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس والثمانين: {وَمن كَانَ غَنِيا فليستعفف وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ} [النِّسَاء: 6] قَالَت: أنزلت فِي وَالِي الْيَتِيم، يُصِيب من مَاله إِذا كَانَ مُحْتَاجا مَكَان قِيَامه عَلَيْهِ بِمَعْرُوف. اعْلَم أَن الْمُفَسّرين اخْتلفُوا فِي الْأكل بِالْمَعْرُوفِ على أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه استقراض الْفَقِير مِنْهُ، روى الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من كَانَ فَقِيرا اسْتقْرض من مَال الْيَتِيم فَإِذا وجد ميسرَة قَضَاهُ، فَذَاك أكله بِالْمَعْرُوفِ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَقُول عمر بن الْخطاب: إِنِّي أنزلت مَال الله مني بِمَنْزِلَة الْيَتِيم، إِن استعنيت اسْتَعْفَفْت، وَإِن افْتَقَرت أكلت بِالْمَعْرُوفِ ثمَّ قضيت. وَهَذَا مَذْهَب عُبَيْدَة السَّلمَانِي وَأبي وَائِل وَسَعِيد بن جُبَير وَأبي الْعَالِيَة وَمُجاهد، وَرَوَاهُ يَعْقُوب بن بختان عَن أَحْمد بن حَنْبَل. وَالثَّانِي: أَنه الْأكل من مَال الْيَتِيم على غير وَجه الْإِسْرَاف، روى عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: الْوَصِيّ إِذا احْتَاجَ وضع يَده مَعَ أَيْديهم وَلَا يلبس عِمَامَة. وَقَالَ الْحسن وَعَطَاء وَمَكْحُول: يَأْخُذ مَا يسد الجوعة ويواري الْعَوْرَة وَلَا يقْضِي إِذا وجد، وَهَذَا مَذْهَب قَتَادَة وَالنَّخَعِيّ. وَالثَّالِث: أَنه ينزل مَال الْيَتِيم بِمَنْزِلَة الْميتَة عِنْد الضَّرُورَة، فَإِن أيسر قَضَاهُ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي حل، قَالَه الشّعبِيّ. وَالرَّابِع: أَن يَأْخُذ الْوَلِيّ بِقدر أجرته إِذا عمل للْيَتِيم عملا، وَهَذَا معنى مَا روى الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن ابْن عَبَّاس، وَبِه قَالَ عَطاء، وَكَذَلِكَ روى أَبُو طَالب وَابْن مَنْصُور عَن أَحْمد بن حَنْبَل. الحديث: 2517 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 2518 - / 3229 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس والثمانين: {الَّذين اسْتَجَابُوا لله وَالرَّسُول من بعد مَا أَصَابَهُم الْقرح} [آل عمرَان: 172] قَالَت عَائِشَة لعروة: كَانَ أَبَوَاك مِنْهُم: الزبير وَأَبُو بكر. فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَصْحَابه عقيب غزَاة أحد بِاتِّبَاع أبي سُفْيَان وَأَصْحَابه فاستجابوا، رَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: أَن أَبَا سُفْيَان لما أَرَادَ الِانْصِرَاف عَن أحد قَالَ: يَا مُحَمَّد، موعد مَا بَيْننَا موسم بدر، فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعَام الْمقبل للموعد وَخرج أَبُو سُفْيَان، ثمَّ ألْقى الله فِي قلبه الرعب فَرجع، وَهَذَا مَرْوِيّ عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة فِي آخَرين. و {اسْتَجَابُوا} بِمَعْنى أجابوا. وَفِي {الْقرح} قراءتان: بِفَتْح الْقَاف وَهِي قِرَاءَة الْأَكْثَرين، وَضمّهَا وَهِي قِرَاءَة حَمْزَة وَالْكسَائِيّ. وَهل هما بِمَعْنى وَاحِد أم يَخْتَلِفَانِ؟ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهُمَا بِمَعْنى وَاحِد، ومعناهما الْجراح وألمها، قَالَه الزّجاج. وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ، فالقرح بِفَتْح الْقَاف: الْجراح، وَبِضَمِّهَا: ألم الْجراح، قَالَه الْفراء وَأَبُو عُبَيْدَة. الحديث: 2518 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 وَقَوْلها لعروة: أَبَوَاك: الزبير وَهُوَ وَالِده، وَأَبُو بكر وَهُوَ أَبُو أمه أَسمَاء. 2519 - / 3230 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع والثمانين: {إِذْ جاءوكم من فَوْقكُم وَمن أَسْفَل مِنْكُم} [الْأَحْزَاب: 9] . قَالَت: كَانَ ذَلِك يَوْم الخَنْدَق. قَالَ أهل الْعلم بالسير، لما أجلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني النَّضِير سَارُوا إِلَى خَيْبَر، فَخرج نفر من أَشْرَافهم إِلَى مَكَّة، فألبوا قُريْشًا ودعوهم إِلَى الْخُرُوج لقتاله، ثمَّ خَرجُوا من عِنْدهم فدعوا غطفان وسليم، ففارقوهم على مثل ذَلِك، وتجهزت قُرَيْش وَمن تَبِعَهُمْ من الْعَرَب فَكَانُوا أَرْبَعَة آلَاف، وَخرج يقودهم أَبُو سُفْيَان، ووافتهم بَنو سليم بمر الظهْرَان، وَخرجت بَنو أَسد وفزارة وَأَشْجَع، وَكَانَ جَمِيع من وافى الخَنْدَق من الْقَبَائِل عشرَة آلَاف، وهم الْأَحْزَاب. فَلَمَّا بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُرُوجهمْ أخبر النَّاس خبرهم وشاورهم، فَأَشَارَ سلمَان بالخندق، فأعجب ذَلِك الْمُسلمين، وعسكر بهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى سفح سلع، وَجعل سلعا خلف ظَهره، وَالْخَنْدَق بَينه وَبَين الْقَوْم، ودس أَبُو سُفْيَان حييّ بن أَخطب إِلَى بني قُرَيْظَة يسألهم أَن ينقضوا الْعَهْد الَّذِي بَينهم وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَجَابُوا، وَاشْتَدَّ الْخَوْف وَعظم الْبلَاء، وَجَرت بَينهم مناوشة وقتال، وَحصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بضع عشرَة لَيْلَة حَتَّى خلص إِلَيْهِم الكرب. قَالَ تَعَالَى: {إِذْ جاءوكم من فَوْقكُم وَمن أَسْفَل مِنْكُم} أَي من فَوق الْوَادي وَمن أَسْفَله، {وَإِذ زاغت الْأَبْصَار} أَي مَالَتْ وَعدلت فَلم تنظر إِلَى شَيْء إِلَّا إِلَى عدوها مُقبلا من كل جَانب، {وَبَلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر} وَهِي جمع الحديث: 2519 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 حنجرة، والحنجرة: جَوف الْحُلْقُوم. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْمَعْنى: كَادَت الْقُلُوب تبلغ الْحُلْقُوم من الْخَوْف. إِلَّا أَن الله تَعَالَى أرسل عَلَيْهِم ريحًا فأكفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم، وملائكة تقلع أوتادهم وتطفئ نيرانهم، وتكبر فِي جَوَانِب عَسْكَرهمْ، فَانْهَزَمُوا من غير قتال. 2520 - / 3231 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن والثمانين: ذكر الْإِفْك. قَوْله: " أبنوا أَهلِي " الْبَاء خَفِيفَة، قَالَ ثَعْلَب: يَعْنِي اتهموا أَهلِي، وَفِي الحَدِيث: كَانَ مجْلِس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تؤبن فِيهِ الْحرم أَي لَا يذكرُونَ بقبيح. وَقَوْلها: فَسَأَلَ عني خادمي، تَعْنِي بَرِيرَة. وَقَوْلها: إِنَّهَا ترقد حَتَّى تدخل الشَّاة فتأكل خبزها. تَعْنِي أَنَّهَا لَا تعرف الشَّرّ. وَقَوْلها: فانتهرها. أَي: اسْتَقْبلهَا بِكَلَام يزجرها بِهِ. وَقَوْلها: حَتَّى أسقطوا لَهَا بِهِ. قيل: مَعْنَاهُ: صَرَّحُوا لَهَا بذلك. وَقيل: جَاءُوا بسقط من الْكَلَام فِي خطابها، كَأَنَّهُمْ سبوها وأغلظوا لَهَا لتخبرهم بِمَا تعرف. والتبر: مَا لم يطبع من الذَّهَب وَالْفِضَّة. وَالرجل الَّذِي قيل عَنهُ هُوَ صَفْوَان بن الْمُعَطل. الحديث: 2520 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 وكنف الْأُنْثَى: سترهَا. وَقَول عَائِشَة: لَا أقوم إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَده، قَول مدل على محبه. وتستوشيه: تستخرجه بالبحث عَنهُ وَالِاسْتِقْصَاء عَلَيْهِ. يُقَال: استوشى الرجل مجْرى فرسه: إِذا ضرب جنبه وحركه ليجري. وَكبر الشَّيْء: معظمه. وَحمْنَة هِيَ بنت جحش، أُخْت زَيْنَب. وَقَوله: {وَلَا يَأْتَلِ} [النُّور: 22] أَي: لَا يحلف. وَأما مسطح، فمسطح لقب، واسْمه عَوْف بن أَثَاثَة بن عباد بن الْمطلب بن عبد منَاف، وَأمه بنت أبي رهم بن الْمطلب بن عبد منَاف، وَهُوَ ابْن خَالَة أبي بكر. وَقَوْلها: وَقَالَ رجل من الْأَنْصَار: مَا يكون لنا أَن نتكلم بِهَذَا. وَهُوَ أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ. وَقَوْلها: فَإِذا عقد لي من جزع أظفار. كَذَا وَقع فِي الرِّوَايَة، وَالصَّوَاب: من جزع ظفار، وَهِي مَدِينَة بِالْيمن يكون فِيهَا هَذَا الْجزع. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: ظفار مَدِينَة ينْسب إِلَيْهَا الْجزع الظفاري. وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد: ظفار: جبل بِالْيمن. وَقَوْلها: لم يهبلن. كَذَا قَالَ لنا ابْن الخشاب: بِفَتْح الْيَاء وَإِسْكَان الْهَاء وَكسر الْبَاء، وَالْمعْنَى: لم يكثر لحمهن من السّمن فيثقلن. وَفِي رِوَايَة: لم يهبلهن اللَّحْم: أَي لم يرهلهن. والمهبل: الْكثير اللَّحْم الثقيل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 الْحَرَكَة من السّمن وَيُقَال: أصبح فلَان مهبلا: أَي متهيجا، كَأَن بهَا ورما من سمنه. والعلقة: الْبلْغَة قدر مَا يتبلغ بِهِ. وأصل الْعلقَة شجر يبْقى فِي الشتَاء فتعلقها الْإِبِل وتجتزئ بهَا حَتَّى يدْرك الرّبيع. والهودج: مركب من مراكب النِّسَاء مقبب، وَقد يَسْتَعْمِلهُ الرِّجَال. وَقَوْلها: بَعْدَمَا اسْتمرّ الْجَيْش: أَي سَار. وعرس الْمُسَافِر: إِذا نزل وَحط رَحْله من آخر اللَّيْل للراحة. وَقَوْلها: فادلج. هُوَ مشدد الدَّال، وَهُوَ الْخُرُوج من آخر اللَّيْل. فَأَما أدْلج بِلَا تَشْدِيد فَهُوَ قطع اللَّيْل كُله سيرا. واسترجاعه: قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} [الْبَقَرَة: 156] . وَقَوْلها: فخمرت وَجْهي: أَي غطيته بجلبابي وَهُوَ مَا تستتر بِهِ الْمَرْأَة كالإزار وَنَحْوه. وَقَوْلها: موغرين. الوغرة: شدَّة الْحر. يُقَال: وغرت الهاجرة وغرا، وأوغر الرجل: إِذا صَار فِي ذَلِك الْوَقْت، كَمَا يُقَال: أظهر وَأصْبح وَأمسى. وَقَوله: وغر صَدره يوغر: إِذا اغتاظ وحمي. ويفيضون: يَخُوضُونَ فِيهِ ويكثرون. والإفك: الْكَذِب. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: سمي إفكا لِأَنَّهُ كَلَام قلب عَن الْحق، وَأَصله من أفكت الرجل: إِذا صرفته عَن رَأْي كَانَ عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 وَقَوْلها: وَهُوَ يريبني. الريب: الشَّك. واللطف فِي الْأَفْعَال: الرِّفْق. وَفِي الْأَقْوَال: لين الْكَلَام، يُقَال: لطف الله بك: أَي أوصل إِلَيْك مرادك من غير تَعب. وَقَوله: " كَيفَ تيكم؟ " يدل على لطف من حَيْثُ سُؤَاله عَنْهَا، وعَلى نوع جفَاء لقَوْله: " كَيفَ تيكم؟ ". وَقَوْلها: نقهت. يُقَال: نقه الرجل من مَرضه ينقه نقوها: إِذا أَفَاق. والمناصع: مَوضِع مَعْرُوف، وَقد ذَكرْنَاهُ آنِفا. والمتبرز: الْمَكَان الَّذِي يقْصد لذَلِك. يُقَال تبرز وبرز: إِذا ظهر إِلَى البرَاز: وَهُوَ الْموضع الْوَاسِع الظَّاهِر. والكنف جمع كنيف، والكنيف: السَّاتِر، وَيُسمى الترس كنيفا؛ لِأَنَّهُ يستر. وَالْغَائِط: الْمَكَان المطمئن من الأَرْض. والمرط: كسَاء من صوف أَو خَز يؤتزر بِهِ، وَجمعه مروط. وتعس بِمَعْنى سقط وعثر. والانبهار قد سبق آنِفا. وَقَوْلها يَا هنتاه. قد تقدم فِي أول هَذَا الْمسند. وَقَوْلها: لَا يرقأ لي دمع. أَي لَا يَنْقَطِع. وأغمصه: أعيبه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 والداجن: الشَّاة الَّتِي تحبس فِي الْبَيْت لدرها وَلَا تخرج إِلَى المرعى. يُقَال: دجن بِالْمَكَانِ: إِذا أَقَامَ بِهِ. وَقَوله: " من يعذرني؟ " فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: من يُقيم عُذْري إِن عاتبته أَو عاقبته. وَالثَّانِي: من يعذرني إِن شَكَوْت مِنْهُ. وَقَوْلها: احتملته الحمية: أَي أغضبته الأنفة والتعصب. وَحكى ابْن السّكيت أَن الِاحْتِمَال الْغَضَب وَقيل: حَملته الحمية على ذَلِك القَوْل. واجتهلته: حَملته على الْجَهْل. وقلص دمعي: أَي انْقَطع انسكابه. يُقَال: قلص الشَّيْء وتقلص: إِذا تضام وَنقص. وَقَوْلها: مَا رام مَجْلِسه: أَي مَا برح من مَكَانَهُ. والبرحاء من البرح: وَهُوَ أَشد مَا يكون من الكرب والأذى. وتعني أَنه أَصَابَهُ من الْحَرَارَة وَالْكرب مَا يُصِيب المحموم. وَهَذَا كَانَ شَأْنه إِذا جَاءَ الْوَحْي. والجمان جمع جمانة: وَهِي اللؤلؤة المتخذة من الْفضة. وَثقل القَوْل: هيبته. وسري عَنهُ: أَي كشف مَا ضامره من الكرب. وَقَوْلها: أحمي سَمْعِي وبصري: أَي أمنعهما من أَن أخبر أَنِّي سَمِعت مَا لم أسمع، وأبصرت مَا لم أبْصر؛ تَنْفِي عَن نَفسهَا بذلك الْكَذِب. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 وَقَوْلها: تساميني. المساماة: المفاعلة من السمو. وَالْمعْنَى: كَانَت تطلب من السمو والعلو والحظوة عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أطلب. فعصمها الله: أَي منعهَا من الشَّرّ بالورع: وَهُوَ مجانبة مَا يخَاف شَره. وَقَول حسان: مَا تزن بريبة: أَي مَا تتهم. والغرث: الْجُوع، وَهَذِه اسْتِعَارَة؛ وَالْمعْنَى أَنَّهَا لَا تغتاب أحد مِمَّن هُوَ غافل عَن مثل هَذَا الْفِعْل. وَقَوْلها: كَانَ ينافح: أَي يدافع ويذب بِلِسَانِهِ. والهجاء: ذمّ الْإِنْسَان بخصاله القبيحة وَمَا يضع مِنْهُ، وغالب ذَلِك أَن يكون بالشعر، وَقد يكون بالْكلَام المنثور. وَهَذَا حَدِيث الْإِفْك كَانَ فِي غزَاة الْمُريْسِيع، وَكَانَت فِي سنة سِتّ من الْهِجْرَة. 2521 - / 3232 - والْحَدِيث التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ: قد تقدم فِي مُسْند جُبَير بن مطعم. 2522 - / 3233 - والْحَدِيث التِّسْعُونَ وَالْحَادِي وَالتِّسْعُونَ: كِلَاهُمَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. الحديث: 2521 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 2523 - / 3235 - وَالثَّانِي وَالتِّسْعُونَ: قد سبق. 2524 - / 3236 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالتسْعين: أول مَوْلُود ولد فِي الْإِسْلَام عبد الله بن الزبير. تَعْنِي بِهَذَا بعد الْهِجْرَة. وَقد سبق هَذَا وَمَا بعده. 2525 - / 3239 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالتسْعين: " لَا يَقُولَن أحدكُم: خبثت نَفسِي ". وَقد سبق بَيَانه فِي مُسْند سهل بن حنيف. 2526 - / 3240 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالتسْعين: توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا فِي بَيْتِي من شَيْء يَأْكُلهُ ذُو كبد إِلَّا شطر شعير فِي رق لي، فَأكلت مِنْهُ حَتَّى طَال عَليّ، فكلته ففني. قَوْلهَا: شطر شعير. أَي جُزْء مِنْهُ، لِأَنَّهَا أشارت إِلَى بعض مِنْهُم. وَيُشبه أَن يكون نصف شَيْء كالصاع وَنَحْوه. وَقد قَالَ بَعضهم: هُوَ نصف وسق. فَإِن قيل: كَيفَ الْجمع بَين هَذَا وَبَين مَا تقدم فِي مُسْند الْمِقْدَام بن معدي كرب: " كيلوا طَعَامكُمْ يُبَارك لكم فِيهِ "؟ فَالْجَوَاب: أَن عَائِشَة كالت الحديث: 2523 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 الطَّعَام ناظرة إِلَى مُقْتَضى الْعَادة غير متلمحة فِي تِلْكَ الْحَالة منحة الْبركَة، فَرد إِلَى مُقْتَضى الْعَادة كَمَا ردَّتْ زَمْزَم إِلَى عَادَة البئار حِين جمعت هَاجر ماءها. وَكَذَلِكَ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي رَافع: " ناولني الذِّرَاع " قَالَه لَهُ ثَلَاث مَرَّات، فَقَالَ: وَهل للشاة إِلَّا ذراعان؟ فَقَالَ: " لَو سكت لناولتني مِنْهَا مَا دَعَوْت بِهِ " فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مستمدا للبركة، وَكَانَ أَبُو رَافع نَاظرا إِلَى مُقْتَضى الْعَادة. 2527 - / 3242 - وَقد تكلمنا على الحَدِيث التَّاسِع وَالتسْعين فِي مُسْند أنس، بعد الْمِائَة. 2528 - / 3244 - وَفِي الحَدِيث الأول بعد الْمِائَة: " أهجوا قُريْشًا؛ فَإِنَّهُ أَشد عَلَيْهِم من رشق النبل ". قد تقدم بَيَان معنى الهجاء آنِفا. والرشق بِكَسْر الرَّاء: الْوَجْه من الرَّمْي، إِذا رمى الْقَوْم بأجمعهم. قَالُوا: رمينَا رشقا. فَأَما بِفَتْح الرَّاء فَهُوَ الْمصدر، تَقول: رشقت بِالسَّهْمِ رشقا. وأدلع لِسَانه: أخرجه من فِيهِ. وَقَوله: لأفرينهم. ذكر الزّجاج عَن الأصعمي وَأبي عبيد: فريت الشَّيْء وأفريته: إِذا قطعته، وَقَالَ الْحميدِي: أفريت الشَّيْء: إِذا شققته الحديث: 2527 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 على وجهة الْإِفْسَاد، فَإِذا فعلته للإصلاح قلت: فريت بِغَيْر ألف. وَيُقَال فِي الذَّبِيحَة: أفرى الْأَوْدَاج، بِالْألف، لِأَنَّهُ إِفْسَاد لَهَا وَإِن كَانَ يُؤَدِّي إِلَى إصْلَاح، وَهُوَ اسْتِعْمَالهَا، وَإِنَّمَا يُرَاعى حَال الْفِعْل. والقدس: الطَّهَارَة. وروح الْقُدس: جِبْرِيل. والمنافحة: المدافعة والمخاصمة عَن الشَّيْء. وَقَول حسان: (فَإِن أبي ووالده وعرضي ... ... ... ... ... .) عرض الرجل: نَفسه وَقد سبق الْكَلَام فِي هَذَا وَالْخلاف فِيهِ، والوقاء: السَّاتِر. وَقَوْلها: يبارين الأعنة: أَي يجارينها ويسابقنها. مصعدات: مرتفعات. والأسل: الرماح. والظماء: الْبَعِيدَة الْعَهْد بِالدُّخُولِ فِي الدِّمَاء، فَهِيَ إِلَيْهَا مسارعة، اسْتِعَارَة، كالظامئ الَّذِي بعد عَهده بِالْمَاءِ فَهُوَ يشتهيه ويسارع إِلَيْهِ. والمتمطرات: المتعرضات بالمطر. يُقَال تمطر الرجل: إِذا تعرض الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 للمطر وتجرد عَنهُ وُقُوعه لإمراره على جسده. واستعاره حسان للخيل، أَي إِنَّهَا متعرضات لرشق السِّهَام والأسنة وَالدُّخُول فِي الْقِتَال. وَالْخمر جمع خمرة: وَهِي كالسجادة. وَقيل: جمع خمار. واللطم: الضَّرْب على الْوَجْه بباطن الرَّاحَة، ثمَّ استعاره للخمر. وَإِنَّمَا فعلوا ذَلِك يَوْم فتح مَكَّة سُرُورًا بِالْفَتْح. وَقَوله: قد يسرت جندا: أَي بعثتهم. وَقَوله: عرضتها اللِّقَاء: اي يعترضون لِقَاء الأقران للمحاربة. 2529 - / 3245 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي بعد الْمِائَة: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب الْحَلْوَاء وَالْعَسَل. قد دلّ هَذَا الحَدِيث على جَوَاز اتِّخَاذ الحلاوات من اخلاط شَتَّى، لِأَن الْحَلْوَاء لَا تقع إِلَّا على مَا دَخلته صَنْعَة، وَجمع بَين الْحَلَاوَة وَالدَّسم المستهلكين فِي ثفل، كَذَلِك قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ. وَقد كَانَ بعض المتزهدين لَا يَأْكُل إِلَّا مَا كَانَ حلوا بجوهره كالعسل وَالتَّمْر، وَاتِّبَاع الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام وَأَصْحَابه هُوَ الْمنْهَج الْمُسْتَقيم، فَإِنَّهُ قد تعْمل المجموعات مَا لَا تعْمل الْمُفْردَات، وللنفس حَظّ، وللطبيعة تَدْبِير، وللشهوة تَأْثِير فِي تنَاول مَا يصلح الْبدن، فَلَا يلْتَفت إِلَى المتزهدين الجهلاء، وَعَلَيْك بِالْعلمِ. وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعجبهُ الذِّرَاع، وَكَانَ يَأْكُل القثاء بالرطب، والبطيخ بالرطب. وَقدم إِلَى عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام فالوذج فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: الْيَوْم النيروز. قَالَ: فنورزوا كل يَوْم. وَكَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ مَعَ الحديث: 2529 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 ورعه إِذا سَافر فَفِي سفرته الْحمل المشوي والفالوذج. وَقدم إِلَى الْحسن الْبَصْرِيّ الخبيص، فَقَالَ رجل: لَا آكله، لِأَنِّي لَا أؤدي شكره. فَقَالَ الْحسن: أَو تُؤدِّي شكر المَاء الْبَارِد؟ والمغافير فِيهَا لُغَتَانِ: مَغَافِير ومغاثير، مثل جدف وجدث، وَالْوَاحد مغْفُور ومغثور، وَهُوَ شَيْء ينضجه العرفط كالناطف، وَله ريح مُنكرَة. والعرفط: نوع من شجر الْعضَاة، والعضاة: كل شجر لَهُ شوك كالطلح والعوسج. وَيُقَال: قد أَغفر العرفط: إِذا ظهر ذَلِك مِنْهُ. وَخرج النَّاس يتمغفرون: إِذا خَرجُوا يجتنون ذَلِك. وَقد ذكرنَا أَن وَاحِد المغافير مغْفُور، قَالَ ابْن قُتَيْبَة: لَيْسَ فِي الْكَلَام " مفعول " بِضَم الْمِيم إِلَّا مغْفُور، ومغرور بالغين الْمُعْجَمَة، وَهُوَ ضرب من الكمأة، ومنخور: وَهُوَ المنخر، ومعلوق: وَاحِد المعاليق. وَقَوله: جرست: أَي أكلت، وَيُقَال للنحل جوارس: أَي أواكل وأصل الجرس الصَّوْت الْخَفي: يُقَال: سَمِعت جرس الطير: أَي صَوت مناقيرها على مَا تَأْكُله. قَالَ الْأَصْمَعِي: كنت فِي مجْلِس شُعْبَة فروى فِي الحَدِيث: فيسمعون جرش طير الْجنَّة، بالشين الْمُعْجَمَة، فَقلت جرس، فَنظر إِلَيّ وَقَالَ: خذوها عَنهُ فَهُوَ أعلم بهَا. وَاخْتلفت الرِّوَايَة: فِي الَّتِي شرب عِنْدهَا الْعَسَل على ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَنَّهَا حَفْصَة، وَأَن الْقَائِل لَهُ: أكلت مَغَافِير عَائِشَة وَسَوْدَة وَصفِيَّة. وَالثَّانِي: زَيْنَب بنت جحش، وَأَن الَّذِي قَالَه عَائِشَة وَحَفْصَة. والطريقان مذكوران فِي الصَّحِيح. وَالثَّالِث: سَوْدَة وَالْقَائِل لَهُ عَائِشَة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 وَحَفْصَة، رَوَاهُ ابْن أبي مليكَة عَن ابْن عَبَّاس. والأليق أَنَّهَا زَيْنَب، لِأَن أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كن حزبين: فعائشة وَحَفْصَة وَصفِيَّة وَسَوْدَة فِي حزب وَزَيْنَب وَأم سَلمَة والباقيات فِي حزب، وَالله أعلم. وَقَوله: {لم تحرم مَا أحل الله لَك} [التَّحْرِيم: 1] فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه الْعَسَل، لقَوْله: " لن أَعُود إِلَيْهِ " وَفِي لفظ: " وَالله لَا أشربه ". وَالثَّانِي: أَنه جَارِيَته مَارِيَة، قَالَ ابْن عَبَّاس: ذهبت حَفْصَة إِلَى أَبِيهَا، فَأرْسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جَارِيَته فظلت مَعَه فِي بَيت حَفْصَة، فَرَجَعت حَفْصَة فَوَجَدتهَا فظلت تنْتَظر خُرُوجهَا. فَلَمَّا خرجت دخلت حَفْصَة فَقَالَت: قد رَأَيْت من كَانَ عنْدك، وَالله لقد سؤتني، فَقَالَ: " وَالله لأرضينك إِنِّي مسر إِلَيْك سرا فاحفظيه، أشهدك أَن سريتي هَذِه عَليّ حرَام " فَانْطَلَقت فَأخْبرت عَائِشَة. وَقَوله: {وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} يَعْنِي بهَا حَفْصَة من غير خلاف. وَفِيمَا أسر إِلَيْهَا ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: تَحْرِيم مَارِيَة، رَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: أَنه قَالَ: " أَبوك وَأَبُو عَائِشَة واليا النَّاس بعدِي " رَوَاهُ سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّالِث: أَنه قَالَ: " إِن أَبَا بكر خليفتي من بعدِي " قَالَه مَيْمُون بن مهْرَان. قَوْله: {إِن تَتُوبَا إِلَى الله} يَعْنِي عَائِشَة وَحَفْصَة، أَي من التعاون على رَسُول الله بالإيذاء {فقد صغت قُلُوبكُمَا} [التَّحْرِيم: 4] قَالَ ابْن عَبَّاس: زاغت وأثمت. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 2530 - / 3246 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث بعد الْمِائَة: أُصِيب سعد يَوْم الخَنْدَق، رَمَاه ابْن العرقة فِي الأكحل. هَذَا سعد هُوَ ابْن معَاذ. وَكَانَ قد أسلم على يَدي مُصعب بن عُمَيْر لما بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة، فَأسلم بِإِسْلَامِهِ بَنو عبد الْأَشْهَل، وَهِي أول دَار أسلمت من الْأَنْصَار، وَشهد بَدْرًا، وَكَانَ مَعَه لِوَاء الْأَوْس يَوْمئِذٍ، وَشهد أحدا وَثَبت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الخَنْدَق خرج لِلْقِتَالِ. وَأخْبرنَا أَبُو بكر بن أبي طَاهِر قَالَ: أخبرنَا الْجَوْهَرِي قَالَ: حَدثنَا ابْن حيوية قَالَ: حَدثنَا ابْن مَعْرُوف قَالَ: حَدثنَا ابْن الْفَهم قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد ابْن سعد قَالَ: أخبرنَا يزِيد بن هَارُون قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة عَن أَبِيه عَن جده عَن عَائِشَة قَالَت: خرجت يَوْم الخَنْدَق أقفو أثر النَّاس فَسمِعت وئيد الأَرْض من ورائي، فَالْتَفت فَإِذا أَنا بِسَعْد بن معَاذ وَمَعَهُ ابْن أَخِيه الْحَارِث بن أَوْس يحمل مجنه، فَجَلَست إِلَى الأَرْض، فَمر سعد وَهُوَ يرتجز وَيَقُول: (لبث قَلِيلا يدْرك الهيجا حمل ... مَا أحسن الْمَوْت إِذا حَان الْأَجَل) قَالَت: وَعَلِيهِ درع قد خرجت مِنْهُ أَطْرَافه، فَأَنا أَتَخَوَّف على أَطْرَاف سعد، وَكَانَ سعد من أطول النَّاس وأعظمهم. قَالَت: فَقُمْت فَاقْتَحَمت حديقة، فَإِذا فِيهَا نفر من الْمُسلمين وَفِيهِمْ عمر بن الْخطاب، وَفِيهِمْ رجل عَلَيْهِ تسبغة - تَعْنِي المغفر، قَالَ لي عمر: مَا جَاءَ بك؟ وَالله إِنَّك لجريئة، وَمَا يُؤمنك أَن يكون تحور أَو بلَاء؟ . قَالَت: فَمَا زَالَ يلومني حَتَّى تمنيت أَن الأَرْض انشقت ساعتئذ فَدخلت فِيهَا. قَالَت: فَرفع الرجل التسبغة عَن الحديث: 2530 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 وَجهه فَإِذا هُوَ طَلْحَة بن عبيد الله. قَالَت: فَقَالَ: وَيحك يَا عمر، إِنَّك قد أكثرت مُنْذُ الْيَوْم، وَأَيْنَ التحور أَو الْفِرَار إِلَّا إِلَى الله؟ قَالَت: وَرمى سَعْدا رجل من الْمُشْركين يُقَال لَهُ ابْن العرقة فَقَالَ: خُذْهَا وَأَنا ابْن العرقة، فَأصَاب أكحله، فَدَعَا الله سعد فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تمتني حَتَّى تشفيني من قُرَيْظَة. وَكَانُوا موَالِيه وحلفاءه فِي الْجَاهِلِيَّة. قَالَت: فرقأ كَلمه، وَبعث الله الرّيح على الْمُشْركين، وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال، وَرجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة، فَأمر بقبة فَضربت على سعد بن معَاذ فِي الْمَسْجِد، قَالَت: فَجَاءَهُ جِبْرِيل على ثناياه النَّقْع فَقَالَ: أَو قد وضعت السِّلَاح؟ فوَاللَّه مَا وضعت الْمَلَائِكَة السِّلَاح بعد، اخْرُج إِلَى بني قُرَيْظَة فَقَاتلهُمْ. فَقَالَت: فَلبس رَسُول الله لأمته، وَأذن فِي النَّاس بالرحيل، فَأَتَاهُم رَسُول الله فَحَاصَرَهُمْ خمْسا وَعشْرين لَيْلَة. فَلَمَّا اشْتَدَّ حصرهم قيل لَهُم: انزلوا على حكم رَسُول الله، فاستشاروا أَبَا لبَابَة فَأَشَارَ إِلَيْهِم أَنه الذّبْح، فَقَالُوا: ننزل على حكم سعد ابْن معَاذ. فَبعث رَسُول الله إِلَى سعد، فَحمل على حمَار عَلَيْهِ إكاف من لِيف، وحف بِهِ قومه فَجعلُوا يَقُولُونَ: يَا أَبَا عَمْرو، حلفاؤك ومواليك وَمن قد علمت، وَهُوَ لَا يرجع إِلَيْهِم شَيْئا، فأنزلوه، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله: " احكم فيهم " قَالَ: فَإِنِّي أحكم فيهم أَن تقتل مُقَاتلَتهمْ، وتسبى ذَرَارِيهمْ، وتقسم أَمْوَالهم. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لقد حكمت فيهم بِحكم الله وَحكم رَسُوله " قَالَت: ثمَّ دَعَا الله عز وَجل سعد فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن كنت أبقيت على نبيك من حَرْب قُرَيْش شَيْئا فأبقني لَهَا، وَإِن كنت قطعت الْحَرْب بَينه وَبينهمْ فاقبضني إِلَيْك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 قَالَت: فانفجر كَلمه وَكَانَ قد برأَ. وحضره رَسُول الله وَأَبُو بكر وَعمر، فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ، إِنِّي لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر وَأَنا فِي حُجْرَتي. فَأَما قَوْلهَا: وتحجر كَلمه. الْكَلم: الْجرْح. وَالْمعْنَى: اشْتَدَّ حَتَّى صَار كالحجر. والليت: صفحة الْعُنُق، وهما ليتان من الْجَانِبَيْنِ. وَقَوْلها: يغذ دَمًا: أَي يسيل كثيرا. والإغذاد: سرعَة السّير. وَابْن العرقة اسْمه حبَان. وَسميت أمه العرقة لِأَنَّهَا كَانَت تفوح طيبا. وَلما مَاتَ سعد حَضَره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يغسل، فَقبض ركبته وَقَالَ: " دخل ملك فَلم يكن لَهُ مَكَان فَأَوْسَعْت لَهُ " وَقَالَ: " لقد اهتز الْعَرْش لمَوْت سعد بن معَاذ ". فَلَمَّا دفن اطَّلَعت أمه فِي قَبره قبل أَن يسوى عَلَيْهِ فَقَالَت: احتسبك عِنْد الله عز وَجل. وَكَانَ ابْن سبع وَثَلَاثِينَ سنة. 2531 - / 3247 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع بعد الْمِائَة: سحر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى كَانَ يخيل إِلَيْهِ أَنه يصنع الشَّيْء وَمَا يصنعه. ثمَّ قَالَ: " أشعرت أَن الله قد أفتاني فِيمَا استفتيته ". الحديث: 2531 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 الْمَعْنى: أجابني عَمَّا سَأَلته. والمطبوب: المسحور. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: الطِّبّ حرف من الأضداد يُقَال: طب لعلاج الدَّاء، وطب للسحر، وَهُوَ من أعظم الأدواء. ولبيد بن الأعصم كَانَ من الْيَهُود. وَقد جَاءَ فِي هَذَا الحَدِيث أَنه كَانَ منافقا، فَهَذَا يدل على أَنه قد أسلم نفَاقًا. وَأما المشاطة فَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: هِيَ الشّعْر الَّذِي يسْقط من الرَّأْس إِذا سرح بالمشط. وَمثله مِمَّا جَاءَ على " فعالة " مِمَّا يسْقط عَن معالجة وَعمل: النحاتة: وَهُوَ اسْم مَا وَقع عَن النحت. والسحالة: اسْم مَا وَقع عَن السحل. والخلالة: اسْم مَا سقط عَن الْفَم عَن التخلل. والكساحة، وَالْقُمَامَة، والخمامة: أَسمَاء مَا وَقع عَن الكسح والقم والخم، وَهُوَ الكنس. وقلامة الظفر: اسْم مَا وَقع عَن تقليمه، والقوارة: اسْم مَا وَقع عَن التقوير. وَفِي لفظ: ومشاقة. وَهِي مشاقة الْكَتَّان. وجف طلعة يَعْنِي وعاءها: وَهُوَ الغشاء الَّذِي عَلَيْهَا. قَالَ أَبُو عبيد: وَقد رَوَاهُ بعض الْمُحدثين: " وَجب طلعة "، وَلَا أعرف الْجب إِلَّا الْبِئْر الَّتِي لَيست بمطوية. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 وَقَوله: تَحت راعوفة. يُقَال: راعوفة، وأرعوفة، وفيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال ذكرهَا أَبُو عبيد: أَحدهَا: أَنَّهَا صَخْرَة تتْرك فِي أَسْفَل الْبِئْر إِذا احتفرت تكون ناتئة هُنَاكَ، فَإِذا أَرَادوا تنقية الْبِئْر جلس المستقي عَلَيْهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهَا حجر يكون على رَأس الْبِئْر يقوم عَلَيْهِ المستقي. وَالثَّالِث: أَنَّهَا حجر ناتئ فِي بعض الْبِئْر يكون صلبا، وَلَا يُمكنهُم إِخْرَاجه وَلَا كَسره فَيتْرك على حَاله. وَقَوله: " بِئْر ذِي أروان " وَفِي لفظ: " بِئْر ذروان " قَالَ الْأَصْمَعِي: بِئْر ذِي أروان مَعْرُوفَة، وَبَعْضهمْ يَقُول ذروان وَهُوَ غلط. وَقد رُوِيَ من طَرِيق آخر أَنه بعث عليا وَالزُّبَيْر وعمار بن يَاسر فنزحوا الْبِئْر وَرفعُوا الصَّخْرَة وأخرجوا الجف، فَإِذا فِيهِ مشاطة رَأسه وأسنان مشطه ووتر معقد، فَكلما قَرَأَ من المعوذتين آيَة انْحَلَّت عقدَة وَوجد عَلَيْهِ السَّلَام خفَّة. وَقَوْلها: أفأخرجته؟ وَفِي لفظ: فَهَلا أحرقته. يدل على أَنه الَّذِي سحر فِيهِ. إِلَّا أَنا قد روينَاهُ من طَرِيق آخر وَفِيه: قَالَ: يَا رَسُول الله، أَفلا تَأْخُذ الْخَبيث فتقتله. فَقَالَ: " أما أَنا فقد شفاني الله، وأكره أَن أثير على النَّاس شرا " وَهَذَا يدل على أَن الْإِشَارَة إِلَى الْيَهُودِيّ السَّاحر. وَالظَّاهِر أَن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 هَذَا للساحر وَذَلِكَ للسحر. وَقد جَاءَ فِي بعض الحَدِيث: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سحر احْتجم على رَأسه بقرن. ذكره أَبُو عبيد، وَرُبمَا حمله بعض طلاب الحَدِيث على أَن الْحجامَة وَقعت بقرن الشَّاة، وَلَا يستبعد هَذَا من طلاب الحَدِيث الْيَوْم لقلَّة علمهمْ. وَقد حُكيَ لنا عَن بعض مشايخهم المقتصرين على النَّقْل دون الْفِقْه والفهم، وأدركنا نَحن ذَاك الشَّيْخ وَقد سُئِلَ عَن الحَدِيث: احْتجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلحي جمل فَقَالَ: كَأَن لحي الْجمل المشارط. وَحكي لنا عَن شيخ آخر أدركناه أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: " من تعار من اللَّيْل " فَقَالَ مَعْنَاهُ: تعرى. وَإِذا كَانَ هَذَا فِي أَمر ظَاهر، فَكيف إِذا رأى فِي كتاب أبي عبيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم على رَأسه بقرن حِين سحر. ثمَّ تَركه أَبُو عبيد وَلم يفسره. وَإِنَّمَا قرن اسْم مَوضِع لَا غير، كَذَا ذكره السيرافي والرقي اللّغَوِيّ. وَقد أنكر قوم من الْمُتَكَلِّمين صِحَة هَذَا الحَدِيث وَقَالُوا: لَو جَازَ أَن يُؤثر السحر فِي رَسُول الله لم يُؤمن أَن يُؤثر ذَلِك فِي الْوَحْي إِلَيْهِ فَيَقَع ضلال. وَالْجَوَاب: أما نقل الحَدِيث فَلَا يرتاب بِصِحَّتِهِ. وَقد نطق الْقُرْآن بِالسحرِ، وَأمر بالتعويذ من النفاثات فِي العقد. ورتب الْفُقَهَاء أحكاما فِي حق السَّاحر. والأنبياء بشر يجْرِي عَلَيْهِم مَا يجْرِي على الْبشر، إِلَّا أَن مَا يتَعَلَّق بِالْوَحْي مَحْفُوظ وهم محفوظون فِيهِ، قَالَ تَعَالَى: {إِلَّا من ارتضى من رَسُول فَإِنَّهُ يسْلك من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه رصدا} [الْجِنّ: 27] وَالْمعْنَى أَنه يحفظ الْوَحْي من استراق الشَّيَاطِين لِئَلَّا يلقوه إِلَى الكهنة فيتكلموا بِهِ قبل النَّبِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 2532 - / 3248 - والْحَدِيث الْخَامِس بعد الْمِائَة: قد تقدم فِي مُسْند أبي لبَابَة. 2533 - / 3249 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس بعد الْمِائَة: إِن كُنَّا لنرفع الكراع فنأكله بعد خمس عشرَة لَيْلَة. الكراع من الْإِنْسَان: مَا دون الرّكْبَة. وَمن الدَّوَابّ: مَا دون الكعب. وَالْأَصْل أَن كرَاع الشَّيْء طرفه. وَقَوْلها: الأسودان: التَّمْر وَالْمَاء. وَإِنَّمَا الْأسود التَّمْر خَاصَّة، فوصفتهما جَمِيعًا بِصفة أَحدهمَا على عَادَة الْعَرَب، فَإِنَّهُم إِذا رَأَوْا شَيْئَيْنِ مُجْتَمعين كأخوين وصديقين لَا يفترقان أَو شَيْئَيْنِ مهما كَانَا كَذَلِك سموهما بِالِاسْمِ الْأَشْهر، كَقَوْلِه: {كَمَا أخرج أبويكم} [الْأَعْرَاف: 27] . وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " بَين كل أذانين صَلَاة " يَعْنِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة. وَقَوله: " البيعان بِالْخِيَارِ " وَقَالَ سلمَان: أحيوا مَا بَين العشاءين. وَيَقُولُونَ: سنة العمرين، يعنون أَبَا بكر وَعمر، وَإِنَّمَا لم يغلبوا أَبَا بكر وَهُوَ الْمُقدم، لِأَن لفظ عمر أخف. وَقَالَ قيس بن زُهَيْر يُعَاتب زهدما وقيسا ابْني جُزْء: (جزاني الزهدمان جَزَاء سوء ... وَكنت الْمَرْء يجزى بالكرامة) الحديث: 2532 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 فَقَالَ الزهدمان، وَإِنَّمَا هما زَهْدَم وَقيس. وَقَالَ آخر يُعَاتب أَخَوَيْنِ يُقَال لأَحَدهمَا الْحر وَللْآخر أبي: (أَلا من مبلغ الحرين عني ... مغلغلة وَخص بهَا أَبَيَا) وَأنْشد الْأَحْمَر: (نَحن سبينَا أمكُم مقربا ... يَوْم صبحنا الحيرتين الْمنون) يُرِيد: الْحيرَة والكوفة. وَمِمَّا اسْتعْمل مثنى فِي الْكَلَام: يُقَال: أَتَى عَلَيْهِ العصران، وهما الْغَدَاة والعشي. والملوان: اللَّيْل وَالنَّهَار، وهما الجديدان. وَيُقَال: ذهبت بِهِ الأطيبان، وهما الْأكل وَالنِّكَاح. وأفسد الرِّجَال الأحمران، وهما اللَّحْم وَالْخمر. وَأهْلك النِّسَاء الأصفران، وهما الذَّهَب والزعفران. وَاجْتمعَ للْمَرْأَة الأبيضان، وهما الشَّحْم والشباب. وَأما المنائح فقد تكون هبة للْأَصْل، وَقد تكون هبة للمنافع. وَالْمرَاد الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 هَاهُنَا أَنه كَانَت للْأَنْصَار شِيَاه أَو إبل يمنحون لَبنهَا. 2534 - / 3250 ، 3251 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع بعد الْمِائَة: فِي مُسْند رَافع بن خديج. وَكَذَلِكَ الثَّامِن بعد الْمِائَة فِي مُسْند أنس. 2535 - / 3252 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع بعد الْمِائَة: لم أر امْرَأَة خيرا من زَيْنَب، أَشد ابتذالا لنَفسهَا فِي الْعَمَل الَّذِي تصدق بِهِ وتقرب بِهِ إِلَى الله وَمَا عدا سُورَة من حد كَانَ فِيهَا، تسرع فِيهِ الْفَيْئَة. كَانَت زَيْنَب تعْمل بِيَدِهَا وَتَتَصَدَّق على الْفُقَرَاء. وَالسورَة: حِدة الْغَضَب وثورانه. وَالْحَد: الحدة. والفيئة: الرُّجُوع والسكون. وَقَوْلها: لم أنشبها: أَي لم أتركها تنشب فِي شَيْء حَتَّى أثخنت عَلَيْهَا: أَي أفرطت. وَقَوله: " أَنَّهَا ابْنة أبي بكر " أَي هَذِه الفصاحة والفطنة من ذَاك. 2536 - / 3253 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر بعد الْمِائَة: أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، إِن أُمِّي افتلتت نَفسهَا. الحديث: 2534 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 أَكثر الروَاة على نصب النَّفس، وَبَعْضهمْ يرفعها. وَالْمعْنَى مَاتَت فَجْأَة فلتة لم تمرض. وكل أَمر فعل على غير تمكث فقد افتلت، وَالِاسْم الفلتة. 2537 - / 3254 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر بعد الْمِائَة: كَانَ بِلَال إِذا أقلع عَنهُ يرفع عقيرته وَيَقُول: (أَلا لَيْت شعري هَل أبيتن لَيْلَة ... بواد وَعِنْدِي إذخر وجليل) (وَهل أردن يَوْمًا مياة مجنة ... وَهل يبدون لي شامة وطفيل) فَقَالَ رَسُول الله: " اللَّهُمَّ حبب إِلَيْنَا الْمَدِينَة ". قَوْلهَا: إِذا أقلع: أَي رفعت عَنهُ الْحمى. وَقَوْلها: يرفع عقيرته. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يَقُول النَّاس لمن رفع صَوته: قد رفع عقيرته. وأصل هَذَا أَن رجلا قطعت إِحْدَى رجلَيْهِ، فَرَفعهَا ووضعها على الْأُخْرَى وصرخ بِأَعْلَى صَوته، فَقيل لكل رَافع صَوته: قد رفع عقيرته. والإذخر: نبت مَعْرُوف. والجليل: نبت أَيْضا، يُقَال: إِنَّه الثمام. ومجنة: سوق كَانَت بِقرب مَكَّة يتجرون فِيهَا. وشامة وطفيل: عينان، وليسا بجبلين. الحديث: 2537 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 وَإِنَّمَا دَعَا أَن ينْقل حماها إِلَى الْجحْفَة لِأَنَّهَا كَانَت إِذْ ذَاك دَار الْيَهُود. وبطحان: وَاد بِالْمَدِينَةِ. وَقَوْلها: يجْرِي نجلا: تَعْنِي نزا، وَهُوَ نبع المَاء من الأَرْض على مثل الدبيب. وَيُقَال: إستنجل الْوَادي: إِذا ظَهرت نزوزه. 2538 - / 3255 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر بعد الْمِائَة: عَن عُرْوَة قَالَ: كنت أَنا وَابْن عمر مستندين إِلَى حجرَة عَائِشَة، فَقلت: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، أعتمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَجَب؟ قَالَ: نعم. فَقلت: أَي أمتاه، أَلا تسمعين مَا يَقُول؟ فَقَالَت: يغْفر الله لَهُ، لعمري مَا اعْتَمر رَسُول الله فِي رَجَب، وَمَا اعْتَمر من عمْرَة: إِلَّا وَإنَّهُ لمعه. وَابْن عمر يسمع، مَا قَالَ: لَا، وَلَا: نعم. اعْلَم أَن سكُوت ابْن عمر لَا يَخْلُو من حَالين: إِمَّا أَن يكون قد شكّ فَسكت، أَو أَن يكون ذكر بعد النسْيَان فَرجع بسكوته إِلَى قَوْلهَا. وَعَائِشَة قد ضبطت هَذَا ضبطا جيدا. وَقد تقدم فِي مُسْند أنس: اعْتَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَربع عمر، كلهَا فِي ذِي الْقعدَة. وَهَذَا حَدِيث يدل على حفظ عَائِشَة وَحسن ضَبطهَا، وَكَانَ لَهَا مَعَ الضَّبْط فهم غزير، تقدم بِهِ على الرَّد على جمَاعَة من الصَّحَابَة، وَمن الحديث: 2538 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 ذَلِك ردهَا على ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله: {وظنوا أَنهم قد كذبُوا} [يُوسُف: 110] وعَلى عمر وَابْن عمر فِي تَعْذِيب الْمَيِّت ببكاء الْحَيّ وَفِي أَن الشؤم فِي الْفرس وَالدَّار، وعَلى أبي هُرَيْرَة فِي رِوَايَته: من أصبح جنبا فَلَا صَوْم عَلَيْهِ، وعَلى غَيرهم. 2539 - / 3256 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر بعد الْمِائَة: أَن رجلا اسْتَأْذن على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: " بئس أَخُو الْعَشِيرَة " فَلَمَّا جلس تطلق النَّبِي فِي وَجهه. هَذَا إِنَّمَا فعله رَسُول الله على وَجه المداراة، فسن ذَلِك لأمته، فَيجوز أَن يسْتَعْمل مثل هَذَا فِي حق الشرير والظالم. 2540 - / 3258 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر بعد الْمِائَة: " الرَّحِم معلقَة بالعرش، تَقول: من وصلني وَصله الله، وَمن قطعني قِطْعَة الله ". المُرَاد من هَذَا الحَدِيث أَن الرَّحِم كالقريب المسموع مِنْهُ المستجاب دعاؤه، وَقد أَشَرنَا إِلَى هَذَا فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. 2541 - / 3259 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر بعد الْمِائَة: كَانَ النَّاس مهنة أنفسهم، وَلم يكن لَهُم كفاة. الحديث: 2539 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 المهنة جمع ماهن، والماهن: الْخَادِم. والمهن، والمهنة: الْخدمَة، بِكَسْر الْمِيم وَلَا تفتح. وَتقول: مهنت الْقَوْم أمهنهم وأمهنهم، وامتهنوني: أَي استخدموني. والكفاة: من تكفيه أَعمالهَا. والتفل: الرَّائِحَة الكريهة. والأرواح: الرّيح الْمَكْرُوهَة. وَقَوله: " اغتسلتم " دَلِيل على أَن غسل الْجُمُعَة مُسْتَحبّ وَاجِب. 2542 - / 3260 - والْحَدِيث السَّابِع عشر بعد الْمِائَة: قد تقدم فِي مُسْند بُرَيْدَة. 2543 - / 3262 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر بعد الْمِائَة: " من ابْتُلِيَ من هَذِه الْبَنَات بِشَيْء ". إِنَّمَا ذكرهن بالابتلاء لموْضِع الْكَرَاهَة لَهُنَّ، وَالثَّوَاب إِنَّمَا يعظم على الْمَكْرُوه. 2544 - / 3263 - وَفِي الحَدِيث الْعشْرين بعد الْمِائَة: " كل شراب أسكر فَهُوَ حرَام ". وَهَذَا دَلِيل وَاضح على أَن قَلِيل الْمُسكر وَكَثِيره حرَام من أَي نوع الحديث: 2542 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 كَانَ؛ لِأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى جنس الشَّرَاب الَّذِي يكون مِنْهُ السكر بِالِاسْمِ الْعَام والنعت الْخَاص الَّذِي هُوَ عِلّة الحكم، وَصَارَ هَذَا كَمَا لَو قَالَ: كل شراب أروى فَهُوَ حرَام، فَهُوَ يسْتَغْرق الْجِنْس، فَكَذَلِك هَاهُنَا. 2545 - / 3264 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " يَا عَائِشَة، هَذَا جِبْرِيل يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام ". إِن قَالَ قَائِل: فَهَلا واجهها جِبْرِيل بِالسَّلَامِ فَكَانَ أعجب كَمَا واجه مَرْيَم. فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه لما قدر وجود عِيسَى لأمر آتٍ بعث جِبْرِيل إِلَى مَرْيَم يعلمهَا بِكَوْنِهِ قبل كَونه، لتعلم أَنه مكون بِالْقُدْرَةِ فتسكن فِي زمن الْحمل، ثمَّ بعث إِلَيْهَا عِنْد الْولادَة لكَونهَا فِي حيرة ووحدة، فَقَالَ لَهَا: {أَلا تحزني قد جعل رَبك تَحْتك سريا} [مَرْيَم: 24] ، فَكَانَ خطاب الْملك لَهَا فِي الْحَالَتَيْنِ تسكينا لانزعاجها، ومبدأ لمعجز وَلَدهَا، بِخِلَاف عَائِشَة، وَأَنَّهَا لم تكن تقع فِي مثل هَذِه الْحَالَات. وَالثَّانِي: أَن مَرْيَم كَانَت خَالِيَة عَن زوج، فواجهها بِالْخِطَابِ، وَعَائِشَة احترمت لمَكَان الرَّسُول، كَمَا احترم الرَّسُول قصر عمر الَّذِي رَآهُ فِي الْمَنَام أَن يدْخلهُ خوفًا من غيرَة عمر، وَهَذَا أبلغ فِي فضل عَائِشَة؛ لِأَنَّهَا إِذا احترمها جِبْرِيل الَّذِي لَا شَهْوَة لَهُ حفظا لقلب زَوجهَا كَانَت عَن الْفَحْشَاء الَّتِي قيلت عَنْهَا أبعد. 2546 - / 3265 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: خيرنا رَسُول الله فَلم نعده طَلَاقا. الحديث: 2545 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 اعْلَم أَنه إِنَّمَا خيرهن عِنْد نزُول هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك إِن كنتن تردن الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} [الْأَحْزَاب: 28] فعلى هَذَا يكون الْمَعْنى: إِن اخترتن الدُّنْيَا فأخبرنني حَتَّى أطلقكن. وَلَا يكون من تَخْيِير الْمَرْأَة الَّتِي إِذا اخْتَارَتْ فِيهِ نَفسهَا وَقع الطَّلَاق، فَإِنَّهُ إِذا قَالَ للْمَرْأَة: اخْتَارِي، كَانَ كِنَايَة فِي حَقه يفْتَقر إِلَى نِيَّته، أَو أَن يكون جَوَابا عَن سؤالها الطَّلَاق، وَهُوَ كِنَايَة فِي حَقّهَا أَيْضا إِن قبلته بِلَفْظ الْكِنَايَة كقولها: اخْتَرْت نَفسِي، وَلَا تدخل عَليّ، فَإِن هَذَا يفْتَقر نِيَّتهَا. فَأَما إِذا قَالَت: طلقت نَفسِي مِنْك وَقع الطَّلَاق من غير نِيَّة، وَذَلِكَ مَوْقُوف على الْمجْلس، فَأمرهَا بِيَدِهَا مَا لم تقم عَن الْمجْلس أَو تَأْخُذ فِي علم يقطع حكم الْمجْلس، خلافًا لأحد قولي الشَّافِعِي: إِنَّه على الْفَوْر، فَإِن قَامَت وَلم تطلق نَفسهَا خرج الْأَمر من يَدهَا. وَقَالَ الْحسن وَالزهْرِيّ: أمرهَا بِيَدِهَا أبدا. وَإِذا قَالَ: اخْتَارِي، وَنوى وَاحِدَة فَاخْتَارَتْ فَهِيَ رَجْعِيَّة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: وَاحِدَة بَائِن. وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ مَدْخُولا بهَا فَهِيَ رَجْعِيَّة، فَإِن قَالَ: اخْتَارِي، وَنوى الثَّلَاث فَاخْتَارَتْ ونوت الثَّلَاث فَهِيَ ثَلَاث، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تقع وَاحِدَة. 2547 - / 3266 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: " من ظلم قيد شبر " أَي قدر شبر. وَقد سبق فِي مُسْند سعيد بن زيد. 2548 - / 3267 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: قَالَت: الحديث: 2547 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 كَانَ يكون عَليّ الصَّوْم من رَمَضَان فَمَا أَسْتَطِيع أَن أَقْْضِي إِلَّا فِي شعْبَان. اعْلَم أَن تَأْخِير قَضَاء رَمَضَان جَائِز إِلَى شعْبَان، إِلَّا أَنه إِذا بَيت النِّيَّة ليقضي ثمَّ أصبح صَائِما لم يجز لَهُ أَن يفْطر ذَلِك الْيَوْم، لِأَنَّهُ بشروعه فِيهِ قد تعين وَقَامَ مقَام الْمقْضِي، وَكَانَت عَائِشَة أحب نِسَائِهِ إِلَيْهِ، فَلم يُمكنهَا أَن تبيت النِّيَّة للْقَضَاء مَخَافَة أَن يريدها، فأخرت الْقَضَاء قَضَاء لواجب حَقه، فَلَمَّا علمت أَنه يَصُوم شعْبَان أخذت فِي الْقَضَاء. وَقد دلّ هَذَا على أَن حق الزَّوْج مقدم على كل شَيْء مَا خلا الْفَرَائِض. 2549 - / 3268 وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: قَالَت مَا ألفاه السحر عِنْدِي إِلَّا نَائِما. السحر: آخر اللَّيْل. وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينَام أول اللَّيْل، فَرُبمَا قَامَ نصف اللَّيْل أَبُو قبله فَيصَلي، فَإِذا جَاءَ السحر عَاد إِلَى نَومه، وَقد قَالَ: " أفضل الصَّلَاة صَلَاة دَاوُد، كَانَ ينَام نصف اللَّيْل، وَيقوم ثلثه، وينام سدسه " وَقد قيل: إِن سَبَب الصُّفْرَة فِي الْوَجْه سهر آخر اللَّيْل، فَإِذا نَام الْإِنْسَان قبل الْفجْر لم تظهر عَلَيْهِ صفرَة فِي الْوَجْه، وَلَا أثر فِي السهر. 2550 - / 3271 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: مَا رَأَيْته الحديث: 2549 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 فِي شهر أَكثر صياما مِنْهُ فِي شعْبَان. قد بَين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبَب صَوْمه فِي شعْبَان فِي حَدِيث آخر، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَن صَوْمه فِيهِ فَقَالَ: " إِن الْآجَال تكْتب فِيهِ، فَأحب أَن يكْتب أَجلي وَأَنا فِي عبَادَة رَبِّي " ثمَّ إِنَّه شهر يغْفل النَّاس عَنهُ تقويا بِالْفطرِ لرمضان، وكل وَقت يغْفل النَّاس عَنهُ يكون فَاضلا لقلَّة القائمين بِالْخدمَةِ، وكما بَين العشاءين، وَنصف اللَّيْل وَأَشْبَاه ذَلِك. 2551 - / 3272 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة: أَن رجلا أَتَى رَسُول الله فَقَالَ: إِنَّه احْتَرَقَ. وَقَالَ مَالك: قَالَ: أصبت أَهلِي فِي رَمَضَان. الْمَعْنى أَنِّي احترقت بِنَار الْإِثْم الَّذِي يؤول إِلَى الاحتراق بالنَّار. وَقد سبق هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. 2552 - / 3273 - وَفِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: كنت أغسل الْجَنَابَة من ثوب رَسُول الله: وَفِي لفظ: كنت أفركه. أما غسله فللتنظف وَأما فركه فدليل على طَهَارَته. وَكَذَلِكَ حكمه إِذا كَانَ يَابسا، وَمَعْلُوم أَنه لَا ييبس عَاجلا. الحديث: 2551 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 وَالظَّاهِر صَلَاة الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام فِي ذَلِك الثَّوْب قبل حكه، لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ ثِيَاب كَثِيرَة. وَقد اخْتلف الْفُقَهَاء فِي الْمَنِيّ، فالمنصور عِنْد أَحْمد وَالشَّافِعِيّ أَن مني الْآدَمِيّ وَمَا يُؤْكَل لَحْمه طَاهِر، وَعَن أَحْمد أَنه نجس نَجَاسَة خَفِيفَة، فيجزي فرك يابسه، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك، إِلَّا أَن مَالِكًا أوجب الْغسْل فِي رطبه ويابسه. 2553 - / 3274 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: مَا رَأَيْت رَسُول الله مستجمعا قطّ ضَاحِكا حَتَّى ترى مِنْهُ لهواته. الْمَعْنى: مَا جمع همه لذَلِك وَلَا تهَيَّأ لَهُ وَلَا قَصده، وَلَا أسْرع فِيهِ. واللهوات جمع لهاة: وَهِي اللحمة الْحَمْرَاء المتدلية من الحنك الْأَعْلَى. والعارض من السَّحَاب: الضخن. والمخيلة بِفَتْح الْمِيم: السحابة الَّتِي يغلب على الظَّن وجود الْمَطَر مِنْهَا. وَيُقَال: أخالت السَّمَاء فَهِيَ مخيلة: إِذا تغيمت غيما يُوهم وجود الْمَطَر. وأمطرت لُغَة، قَالَ الزّجاج: يُقَال مطرَت السَّمَاء وأمطرت. وَمعنى سري عَنهُ: كشف عَنهُ. وعصفت الرّيح: اشْتَدَّ هبوبها. الحديث: 2553 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 2554 - / 3275 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: سهر رَسُول الله مقدمه الْمَدِينَة لَيْلَة. وَفِي لفظ: أرق. السهر: عدم النّوم بِاللَّيْلِ. والأرق: السهر. وخشخشة السِّلَاح: صَوته عِنْد تحريكه. والغطيط: صَوت ترديد النَّفس فِي النّوم. وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرس حَتَّى نزلت: {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} [الْمَائِدَة: 67] . فَإِن قيل: كَيفَ طلب الحراسة مَعَ توكله وثقته بِالْقدرِ؟ فَالْجَوَاب من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهمَا: أَنه سنّ هَذِه الْأَشْيَاء لَا لِحَاجَتِهِ إِلَيْهَا، كَمَا ظَاهر بَين درعين، وشاور طبيبين، وَاسْتَشَارَ أَصْحَابه. وَيدل على غناهُ عَنْهَا أَنهم كَانُوا إِذا اشْتَدَّ الْبَأْس قدموه وَاتَّقوا بِهِ، وَلما وَقع فزع بِالْمَدِينَةِ ركب وَحده وَخرج. وَالثَّانِي: أَن التَّوَكُّل والثقة بِاللَّه سُبْحَانَهُ لَا ينافيان الْعَمَل بالأسباب، بِدَلِيل قَوْله: " اعلقها وتوكل "؛ وَهَذَا لِأَن التَّوَكُّل عمل يخْتَص بِالْقَلْبِ، والتعرض بالأسباب أَفعَال تخْتَص الْبدن وَلَا تنَاقض. وَالثَّالِث: أَن وساوس النَّفس وحديثها لَا يدْفع إِلَّا بمراعاة الْأَسْبَاب، وَمِنْه قَول إِبْرَاهِيم: {وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي} [الْبَقَرَة: 260] وَمَتى وسوست النَّفس شغلت الْقلب عَن وظائفه، فَإِذا سكنت وسوستها بِشَيْء من الحديث: 2554 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 الْأَسْبَاب تشاغلت بِهِ عَن إِيذَاء الْقلب المتَوَكل النَّاظر إِلَى الْمُسَبّب. وَمن هَذَا حَدِيث سلمَان الْفَارِسِي: أَنهم رَأَوْهُ يحمل طَعَاما وَيَقُول: إِن النَّفس إِذا أحرزت قوتها اطمأنت. 2555 - / 3276 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: إِن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ يَقُول: من أصبح جنبا فَلَا يصم، وَأَن عَائِشَة وَأم سَلمَة روتا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يُدْرِكهُ الْفجْر وَهُوَ جنب ثمَّ يغْتَسل ويصوم. فَلَمَّا قيل لأبي هُرَيْرَة قَالَ: لم أسمعهُ من رَسُول الله، سمعته من الْفضل بن الْعَبَّاس. وَقد تعلق بِهَذَا بعض الطاعنين على أبي هُرَيْرَة فَقَالَ: لما بَان لَهُ الصَّوَاب أحَال على ميت. لِأَن الْفضل مَاتَ سنة ثَمَانِي عشرَة فِي خلَافَة عمر. وَالْجَوَاب: أَن يُقَال لهَذَا الْجَاهِل بِالْعلمِ: أما أَبُو هُرَيْرَة فَلَا مطْعن فِيهِ، وَقد ذكرنَا فَضله فِي حَدِيث " الْمُصراة " من مُسْنده، ورددنا على الطاعنين عَلَيْهِ. ثمَّ لَو علمت مَا جرى فِي هَذِه الشَّرِيعَة من النَّاسِخ والمنسوخ، وَعرفت أَن جمَاعَة من الصَّحَابَة استصحبوا الْعَمَل بالمنسوخ وَلم يبلغهم النَّاسِخ مَا قلت هَذَا، وَلَكِن الْجَهْل مهلك. ثمَّ إِنَّه قد كَانَ فِي أول الْإِسْلَام يحرم على من نَام أَن يَأْكُل إِذا انتبه بِاللَّيْلِ، أَو يُجَامع، فَكَانَ مَا قَالَه أَبُو هُرَيْرَة تَابعا لذَلِك الحكم، فَلَمَّا جَاءَت الْإِبَاحَة للْأَكْل وَالْجِمَاع إِلَى حِين طُلُوع الْفجْر صَار من ضَرُورَة الحديث: 2555 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 المجامع إِلَى وَقت الْفجْر أَن يصبح جنبا. وَهَذِه الْأَشْيَاء لَا يطلع على حقائقها إِلَّا فُقَهَاء النقلَة. 2556 - / 3277 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: " وَمِنْه نُوقِشَ الْحساب عذب ". قَالَ أَبُو عبيد: المناقشة: الِاسْتِقْصَاء فِي الْحساب حَتَّى لَا يتْرك مِنْهُ شَيْء، وَمِنْه قَوْلهم: انتقشت مِنْهُ جَمِيع حَقي، وأحسب نقش الشَّوْكَة من هَذَا، وَهُوَ استخراجها حَتَّى لَا يتْرك فِي الْجَسَد مِنْهَا شَيْء. قلت: وَظَاهر هَذَا الحَدِيث أَن من فتش عَن كل شَيْء عمله عذب، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يفتش المسخوط عَلَيْهِ، فَأَما المرحوم فَإِن بداية رَحمته الْمُسَامحَة فِي الْمَسْأَلَة، وَيحْتَمل أَن يكون معنى الحَدِيث: من نُوقِشَ عذب بنقاشه. 2557 - / 3278 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: " إِن أبْغض الرِّجَال إِلَى الله الألد الْخصم ". قَالَ ابْن قُتَيْبَة: رجل أَلد، بَين اللدد، وَقوم لد قَالَ الزّجاج: واشتقاقه من لديدي الْعُنُق: وهما صفحتا الْعُنُق. وتأويله أَن خَصمه من أَي وَجه أَخذ عَن يَمِين أَو شمال من أَبْوَاب الْخُصُومَة غَلبه فِي ذَلِك. الحديث: 2556 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 2558 - / 3279 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: قلت: يَا رَسُول الله، يستأمر النِّسَاء فِي أبضاعهن؟ قَالَ " نعم ". الأبضاع جمع بضع، وَهُوَ كِنَايَة عَن الْفرج. وَقد سبق هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة وَقد سبق مَا بعد هَذَا. 2559 - / 3281 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: " لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح، وَلَكِن جِهَاد وَنِيَّة، وَإِذا استنفرتم فانفروا ". قد سبق هَذَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَبينا أَن مَكَّة هِيَ أم الْقرى، فَلَمَّا فتحت كَانَ كَأَنَّهُ قد فتح الْكل، فَسقط معنى الْهِجْرَة. 2560 - / 3282 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة: كَانَ عمله دِيمَة. قَالَ أَبُو عبيد: أصل الديمة الْمَطَر الدَّائِم مَعَ السّكُون، قَالَ لبيد: (باتت وأسبل واكف من دِيمَة ... يروي الخمائل دَائِما تسجامها) وَقَالَ أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ: الديمة: الْمَطَر الدَّائِم الَّذِي لَيْسَ فِيهِ رعد وَلَا برق، أَقَله ثلث النَّهَار أَو ثلث اللَّيْل. والتهتان نَحْو الديمة. والرهمة أَشد الحديث: 2558 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 وَقعا من الديمة وأسرع ذَهَابًا، فشبهت عمله فِي دَوَامه مَعَ الاقتصاد بديمة الْمَطَر. 2561 - / 3284 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: كَانَت إحدانا إِذْ كَانَت حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُبَاشِرهَا أمرهَا أَن تأتزر من فَور حَيْضَتهَا ثمَّ يُبَاشِرهَا. فَور الْحَيْضَة: إقبالها وانبعاثها. وَقد سبق فِي هَذَا الْمسند بَيَان قَوْلهَا: أملككم لإربه، وَسبق ذكر مُبَاشرَة الْحَائِض. 2562 - / 3285 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: أهْدى مرّة غنما فقلدها. هَذَا يدل على أَن الْغنم من الْهَدْي. وَقد زعم بَعضهم أَنه لَا ينْطَلق عَلَيْهِ اسْم الْهَدْي. وَفِي هَذَا الحَدِيث مَا يدل على أَن الْمسنون تقليدها، وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يسن. 2563 - / 3286 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: رخص الحديث: 2561 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 لأهل بَيت من الْأَنْصَار فِي الرّقية من كل ذِي حمة. أما الرُّخْصَة فقد جَاءَت بِلَفْظ عَام وَهُوَ: " لَا رقية إِلَّا من عين أَو حمة " وَقد سبق بَيَان هَذَا فِي مُسْند أنس. وَقد تكلمنا فِيمَا يتَعَلَّق بِالْعينِ فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 2564 - / 3287 - وَقد سبق بَيَان الحَدِيث الرَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة فِي مُسْند ابْن عَبَّاس أَيْضا. 2565 - / 3288 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: كنت مسندته إِلَى صَدْرِي، فَدَعَا بالطست، فَلَقَد انخنث فِي حجري فَمَا شَعرت أَنه مَاتَ. الطست مَذْكُور فِي مُسْند أبي ذَر. وانخنث بِمَعْنى مَال. قَالَ أَبُو عبيد: انخنثت عُنُقه أَو غَيرهَا من الْجَسَد، وَأَصله التثني والتكسر. 2566 - / 3289 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: " إِذا أنفقت الْمَرْأَة من طَعَام بَيتهَا غير مفْسدَة فلهَا أجرهَا وَللزَّوْج ... " وَقد الحديث: 2564 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 تقدم فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. 2567 - / 3290 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: مَا رَأَيْت أحدا الوجع أَشد عَلَيْهِ من رَسُول الله. اعْلَم أَن شدَّة الِابْتِلَاء على مِقْدَار الْمعرفَة، وَكلما علت منزلَة الْعَارِف لصق الْبلَاء بِهِ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَكلما اشتدت رفق بِهِ. وَقد سبق عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " إِنِّي أوعك كَمَا يوعك رجلَانِ مِنْكُم ". وَأخْبرنَا ابْن الْحصين قَالَ: أخبرنَا ابْن الْمَذْهَب قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن جَعْفَر قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا وَكِيع قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن عَاصِم بن أبي النجُود عَن مُصعب بن سعد عَن أَبِيه قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله! أَي النَّاس أَشد بلَاء؟ قَالَ: " الْأَنْبِيَاء، ثمَّ الصالحون، ثمَّ الأمثل فالأمثل من النَّاس، يبتلى الرجل على حسب دينه، فَإِن كَانَ فِي دينه صلابة زيد فِي بلائه، وَإِن كَانَ فِي دينه رقة خفف عَنهُ ". 2568 - / 2478 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: قلت لعَائِشَة: يَا أمتاه، هَل رأى مُحَمَّد ربه؟ فَقَالَت: لقد قف شعري مِمَّا قلت، من حَدثَك أَن مُحَمَّدًا رأى ربه فقد كذب. الحديث: 2567 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 قَوْله: يَا أمتاه. الْهَاء للْوَقْف. وَقَوْلها: قف: أَي قَامَ وارتفع من الْفَزع والاستعظام. والفرية: الْكَذِب المختلق. وَهَذَا الحَدِيث يحْتَج بِهِ من يَنْفِي الرُّؤْيَة، وَجَوَابه ينْحَصر فِي ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَنه رَأْي لَا رِوَايَة، وَمثل هَذَا لَا يرجع فِيهِ إِلَى رَأْي صَحَابِيّ ينْفَرد بِهِ. وَالثَّانِي: أَنه نفي: وَالْإِثْبَات مقدم. وَقد صَحَّ الْإِثْبَات للرؤية من طرقه، وَقد مضى من طَرِيق مُتَّفق عَلَيْهَا: " إِنَّكُم لترون ربكُم " و " هَل تضَارونَ فِي رُؤْيَة الشَّمْس وَالْقَمَر، فَكَذَلِك لَا تضَارونَ فِي رُؤْيَته " وَقد روى ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " رَأَيْت رَبِّي ". وَالثَّالِث: أَن هَذَا أَمر مَا كَانَت عَائِشَة فِي زَمَنه عِنْد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ إِنَّمَا رأى ربه فِي لَيْلَة الْمِعْرَاج، والمعراج كَانَ قبل الْهِجْرَة، وَعَائِشَة إِنَّمَا زفت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنة ثِنْتَيْنِ من الْهِجْرَة وَهِي بنت تسع سِنِين. فَأَما قَوْله: {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} [الْأَنْعَام: 103] فَقَالَ الزّجاج: معنى الْآيَة: الْإِحَاطَة بِحَقِيقَة الرُّؤْيَة، وَلَيْسَ فِي ذَلِك دفع للرؤية لما صَحَّ عَن رَسُول الله من الرُّؤْيَة. وَأما قَوْله: {مَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا} [الشورى: 51] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: المُرَاد بِالْوَحْي هَاهُنَا الْوَحْي فِي الْمَنَام {أَو من وَرَاء حجاب} الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 كَمَا كلم مُوسَى، {أَو يُرْسل رَسُولا} كجبريل، {فَيُوحِي} ذَلِك الرَّسُول إِلَى الْمُرْسل إِلَيْهِ بِإِذن الله مَا يَشَاء. قَالَ القَاضِي أَبُو يعلى: وَهَذِه الْآيَة مَحْمُولَة على أَنه لَا يكلم بشرا إِلَّا من وَرَاء حجاب فِي الدُّنْيَا. 2569 - / 3292 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة: " إِنَّمَا الرضَاعَة من المجاعة ". قَالَ أَبُو عبيد: الْمَعْنى: إِن الَّذِي إِذا جَاع كَانَ طَعَامه أَن يشبعه اللَّبن إِنَّمَا هُوَ الصَّبِي الرَّضِيع. فَأَما الَّذِي يشبعه من جوعه الطَّعَام فَإِن أرضعتموه فَلَيْسَ برضاع. فَمَعْنَى الحَدِيث: إِنَّمَا الرَّضَاع مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ قبل الْفِطَام والمصة: الْمرة الْوَاحِدَة، وَهَذَا لِأَنَّهَا لَا تسد الْجُوع وَلَا حُرْمَة لَهَا. وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي مُدَّة الرَّضَاع، وَفِي قدر مَا يحرم مِنْهُ. وَسَيَأْتِي ذَلِك بعد أَحَادِيث. 2570 - / 3293 - وَفِي الحَدِيث الْخمسين بعد الْمِائَة: كَانَ يُعجبهُ التَّيَمُّن فِي تنعله وَترَجله وَطهُوره، وَفِي شَأْنه كُله. لما جعلت الْقُوَّة فِي الْيَمين خص بِالْيَمِينِ الْأَفْضَل فَالْأَفْضَل، فَكَانَ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقدم أهل الْيَمين، ويخص الْجَانِب الإيمن لفضله. الحديث: 2569 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 2571 - / 3294 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْخمسين بعد الْمِائَة: كَانَ يكثر أَن يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده: " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، اللَّهُمَّ اغْفِر لي " يتَأَوَّل الْقُرْآن. تَعْنِي قَوْله تَعَالَى: {فسبح بِحَمْد رَبك وَاسْتَغْفرهُ} [النَّصْر: 3] . 2572 - / 3297 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْخمسين بعد الْمِائَة: كَانَ إِذا دخل الْعشْر شدّ المئزر. هَذَا الحَدِيث يتَأَوَّل على وَجْهَيْن ذكرهمَا ابْن قُتَيْبَة: أَحدهمَا: اعتزال النِّسَاء، فكنى عَن ذَلِك بشد المئزر، وَإِن لم يكن ثمَّ مئزر، وَإِنَّمَا هُوَ مثل، قَالَ الأخطل: (قوم إِذا حَاربُوا شدوا مآزرهم ... دون النِّسَاء وَلَو باتت بأطهار) وَالثَّانِي: أَنه الْجد فِي الْعِبَادَة، تَقول: قد شددت لهَذَا الْأَمر مئزري: أَي جددت فِيهِ، قَالَ الْهُذلِيّ: (وَكنت إِذا جاري دَعَا لمضوفة ... أشمر حَتَّى ينصف السَّاق مئزري) والمضوفة: الْأَمر يحذر مِنْهُ. وَإِنَّمَا كَانَ يجْتَهد فِي الْعشْر لمعنيين: أَحدهمَا: لرجاء لَيْلَة الْقدر. وَالثَّانِي: لِأَنَّهُ آخر الْعَمَل، وَيَنْبَغِي أَن يحرص على تجويد الخاتمة. الحديث: 2571 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 2573 - / 3299 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْخمسين بعد الْمِائَة: " الماهر بِالْقُرْآنِ مَعَ السفرة الْكِرَام البررة ". الماهر: الحاذق. والسفرة: الْمَلَائِكَة. وَفِي تسميتهم بالسفرة قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه مَأْخُوذ من الْبَيَان والإيضاح، فسموا سفرة: أَي كتبة؛ لِأَن الْكَاتِب يبين الشَّيْء ويوضحه، وَيُقَال لِلْكَاتِبِ سَافر. وَالثَّانِي: مَأْخُوذ من السفارة، والسفير: الَّذِي يصلح بَين الِاثْنَيْنِ. يُقَال: سفرت بَين الْقَوْم: أَي أصلحت. وَفِيمَا يسفرون فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنهم يسفرون فِيمَا بَين الله وأنبيائه. وَالثَّانِي: فِي صَلَاح النَّاس، لأَنهم ينزلون بِالْوَحْي والتأديب المصلح. وَقَوله: الْكِرَام البررة: أَي كرام على رَبهم، بررة: أَي مطيعون. والتعتعة: التَّرَدُّد فِي الشَّيْء والتبلد. وَرُبمَا تخايل السَّامع فِي قَوْله: " لَهُ أَجْرَانِ " أَنه يزِيد على الماهر، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ لِأَن المضاعفة للماهر لَا تحصر؛ فَإِن الْحَسَنَة قد تضَاعف إِلَى سَبْعمِائة وَأكْثر، فَإِنَّمَا الْأجر شَيْء مُقَدّر، فالحسنة لَهَا ثَوَاب مَعْلُوم، وفاعلها يعْطى ذَلِك الثَّوَاب مضاعفا إِلَى عشر مَرَّات، وَلِهَذَا المقصر مِنْهُ أَجْرَانِ. فَإِن قيل: فَهَلا جعل أجر هَذَا الَّذِي يشق عَلَيْهِ الْقُرْآن أَكثر، لِأَن مشقته أعظم؟ فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه لَا يمهر مِنْهُ غَالِبا إِلَّا عَن كَثْرَة الدراسة، وَلَا يَقع التتعتع الحديث: 2573 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 غَالِبا إِلَّا عَن قلتهَا، فباجتهاد الْحَافِظ حَتَّى اسْتَقر فِي قلبه ارْتَفع أجره وَالثَّانِي: أَن يفضل الْحَافِظ الْفَهم على البليد لجوهرية خص بهَا لَا تكسب، كَمَا فضل الْعَرَبِيّ على الكودن، وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء. وَقد سبق مَا بعد هَذَا. 2574 - / 3303 - وَفِي الحَدِيث السِّتين بعد الْمِائَة: سمع رَسُول الله صَوت خصوم بِالْبَابِ، فَإِذا أَحدهمَا يستوضع الآخر ويسترفقه، وَهُوَ يَقُول: وَالله لَا أفعل، فَخرج عَلَيْهِمَا رَسُول الله فَقَالَ: " أَيْن المتألي على الله لَا يفعل الْمَعْرُوف؟ ". يستوضع: يسْأَل الوضيعة: وَهُوَ أَن يضع لَهُ شَيْئا من حَقه: أَي يحط عَنهُ. ويسترفقه: يسْأَله الرِّفْق، والرفق: اللين واللطف. وَفِي هَذَا الحَدِيث نهي للْإنْسَان أَن يحلف على ترك الْبر وَالْخَيْر. 2575 - / 3304 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتِّينَ: لما جَاءَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قتل ابْن حَارِثَة وجعفر وَابْن رَوَاحَة جلس يعرف فِيهِ الْحزن وَأَنا أنظر من صائر الْبَاب. هَذَا الحَدِيث يدل على أَن ظُهُور الْحزن على الْآدَمِيّ لَا يقْدَح فِي الصَّبْر، وَلَا يُؤثر فِي الرِّضَا بِالْقضَاءِ؛ لِأَن الْإِنْسَان لَا يملك مَا يظْهر عَلَيْهِ الحديث: 2574 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 من الْحزن وجريان الدمع. وصائر الْبَاب وصيره: شقَّه. وَقَوْلها: أرْغم الله أَنْفك: أَي ألصقه بالرغام: وَهُوَ التُّرَاب. والعناء: الْمَشَقَّة والكلفة. 2576 - / 3305 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: لَو أَن رَسُول الله رأى مَا أحدث النِّسَاء لمنعهن الْمَسْجِد كَمَا منعت نسَاء بني إِسْرَائِيل. إِنَّمَا أشارت عَائِشَة بِمَا أحدث النِّسَاء من الزِّينَة واللباس وَالطّيب وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يخَاف مِنْهُ الْفِتْنَة. وَفِي هَذَا الحَدِيث: قَالَ يحيى بن سعيد: فَقلت لعمرة: أنساء بني إِسْرَائِيل منعن الْمَسْجِد؟ قَالَت: نعم. أما عمْرَة: فقد روى عَن عَائِشَة أَربع نسْوَة كُلهنَّ اسْمهَا عمْرَة: إِحْدَاهُنَّ راوية هَذَا الحَدِيث. وَالثَّانيَِة: رَوَت أَنَّهَا دخلت مَعَ أمهَا على عَائِشَة فسألتها: مَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي الْفِرَار من الطَّاعُون؟ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " كالفرار من الزَّحْف ". الحديث: 2576 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 وَالثَّالِثَة: قَالَت: خرجت مَعَ عَائِشَة سنة قتل عُثْمَان إِلَى مَكَّة، فمررنا بِالْمَدِينَةِ ورأينا الْمُصحف الَّذِي قتل وَهُوَ فِي حجره، فَكَانَت أول قَطْرَة قطرت من دَمه على هَذِه الْآيَة: {فَسَيَكْفِيكَهُم الله وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم} [الْبَقَرَة: 137] قَالَت عمْرَة: فَمَا مَاتَ مِنْهُم رجل سويا. وَالرَّابِعَة: رَوَت عَن عَائِشَة قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْهَى عَن الْوِصَال، وَيَأْمُر بتبكير الْإِفْطَار، وَتَأْخِير السّحُور. فَأَما الأولى فَهِيَ عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن الْأَنْصَارِيَّة، حدث عَنْهَا الزُّهْرِيّ وَغَيره وَهِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث الَّذِي نَحن فِيهِ. وَالثَّانيَِة: عمْرَة بنت قيس العدوية. وَالثَّالِثَة: عمْرَة بنت أَرْطَأَة العدوية، وَقد قَالَ بعض الْحفاظ: إِن هَذِه الثَّالِثَة هِيَ الثَّانِيَة، وَإِنَّمَا نسبت تَارَة إِلَى أَبِيهَا وَتارَة إِلَى جدها. وَأما الرَّابِعَة: فَيُقَال لَهَا: الطاحية. 2577 - / 3306 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: كَانَ إِذا اشْتَكَى الْإِنْسَان أَو كَانَ بِهِ جرح قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإصبعه هَكَذَا - وَوضع الرَّاوِي سبابته بِالْأَرْضِ ثمَّ رَفعهَا فَقَالَ: " بِسم الله. تربة أَرْضنَا، بريقة بَعْضنَا، يشفى بِهِ سقيمنا، بِإِذن رَبنَا ". المُرَاد من هَذَا الحَدِيث أَنه كَانَ يَأْخُذ بإصبعه من تُرَاب الأَرْض فيضعه على ذَلِك الْجرْح. الحديث: 2577 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 وَقَوله: " بريقة بَعْضنَا " يدل على أَنه كَانَ يضع السبابَة فِي فَمه لتبتل بالريق فيعلق بهَا التُّرَاب. والاستشفاء بِتُرَاب وَطن الْإِنْسَان مَعْرُوف عِنْد الْعَرَب، وَكَانَت الْعَرَب إِذا سَافَرت حملت مَعهَا من تربة بَلَدهَا تستشفي بِهِ عِنْد مرض يعرض. قَالَ رجل من بني ضبة: (نسير على علم بكنه مسيرنا ... وعدة زَاد فِي فنَاء المزاود) (ونحمل فِي الْأَسْفَار مِنْهَا قبيضة ... من المنتأى النائي لحب الموالد) وَأوصى الْإِسْكَنْدَر إِذا مَاتَ أَن يحمل إِلَى بَلَده حبا لوطنه. واعتل اسفنديار فِي بعض غَزَوَاته فَقيل لَهُ: مَا تشْتَهي؟ قَالَ: شمة من تربة بَلخ، وشربة من مَاء واديها. واعتل سَابُور ذُو الأكتاف بالروم وَكَانَ مأسورا، وَكَانَت بنت ملكهم قد عشقته، فَقَالَت لَهُ: مَا تشْتَهي؟ فَقَالَ: شربة من مَاء دجلة، وشميما من تُرَاب اصطخر، فغبرت عَنهُ أَيَّامًا ثمَّ أَتَت بِمَاء من الْفُرَات وقبضة من شاطئه، وَقَالَت: هَذَا من دجلة، وَهَذِه من تربة أَرْضك. فَشرب بالوهم واشتم تِلْكَ التربة، فنقه من علته. وَقد سبق مَا بعد هَذَا إِلَى: 2578 - / 3309 - الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: وَفِيه: أَن امْرَأَة سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن غسلهَا من الْمَحِيض، فَقَالَ: " خذي فرْصَة من مسك فتطهري بهَا ". الحديث: 2578 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 هَذِه الْمَرْأَة السائلة اسْمهَا أَسمَاء بنت شكل الْأَنْصَارِيَّة. قَالَ أَبُو عبيد: الفرصة: الْقطعَة من الصُّوف أَو الْقطن أَو غَيره. وَإِنَّمَا أَخذ من: فرصت الشَّيْء: أَي قطعته، وَمِنْه المفراص: الحديدة الَّتِي تقطع بهَا الْفضة، قَالَ الْأَعْشَى: (وأدفع عَن أعراضكم وأعيركم ... لِسَانا كمفراص الخفاجي ملحبا) وكل شَيْء قطع بِهِ فَهُوَ ملحب. وَفِي وَقَوله: " ممسكة " وَجْهَان: أَحدهمَا: أَنه من الْمسك. الثَّانِي من الْإِمْسَاك. يُقَال: أَمْسَكت الشَّيْء ومسكته. يُرِيد أَنَّهَا تمسكها بِيَدِهَا فتستعملها. وَيصدق الْوَجْه الأول أَنا قد ذكرنَا فِي بعض الْأَلْفَاظ " فرْصَة من مسك ". وَيُقَوِّي الْوَجْه الثَّانِي أَنه لم يكن الْمسك عِنْدهم بِحَيْثُ يبتذله الْفُقَرَاء. والشئون جمع شَأْن، وَهِي تسمى الْقَبَائِل، وَهِي أَربع قطع فِي جمجمة الرَّأْس، مشعوب بَعْضهَا بِبَعْض. وَيُقَال: إِن الدمع يجْرِي مِنْهَا فِي عروق إِلَى الْعين. وَمُرَاد الحَدِيث أَن يبلغ المَاء إِلَى أصُول الشّعْر. 2579 - / 3311 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: أَن جَارِيَة مَرضت فتمعط شعرهَا، فأرادوا أَن يصلوها، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لعن الله الحديث: 2579 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 الْوَاصِلَة وَالْمسْتَوْصِلَة " تمعط بِمَعْنى تناثر. يُقَال: ذِئْب أمعط: إِذا سقط شعره فَبَقيَ أجرد وَمثله تمرط الشّعْر. وَإِنَّمَا نهي عَن ذَلِك لما فِيهِ من الْغِشّ وَالْخداع. وَقد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند ابْن عمر وَغَيره. 2580 - / 3312 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالسِّتِّينَ بعد الْمِائَة: أَن امْرَأَة قَالَت لعَائِشَة: مَا بَال الْحَائِض تقضي الصَّوْم وَلَا تقضي الصَّلَاة؟ فَقَالَت: أحرورية أَنْت؟ كُنَّا نؤمر بِقَضَاء الصَّوْم وَلَا نؤمر بِقَضَاء الصَّلَاة. إِنَّمَا قَالَت لَهَا هَذَا لِأَن الحرورية يتنطعون ويتعمقون فِي الْفُرُوع وَإِن كَانُوا قد ضيعوا الْأُصُول. 2591 - / 3313 - وَفِي الحَدِيث السّبْعين بعد الْمِائَة: قَالَت عَائِشَة: لما كثر لَحْمه صلى جَالِسا. اعْلَم أَنه مَا وصف أحد رَسُول الله بالسمن أصلا، وَلَقَد مَاتَ وَمَا شبع من خبز الخمير فِي يَوْم مرَّتَيْنِ. فأحسب أَن بعض الروَاة روى قَوْلهَا: لما بدن، بِمَا يَظُنّهُ الْمَعْنى، فَقَالَ: كثر لَحْمه، فَإِن قوما قد ظنُّوا أَن بدن بِمَعْنى سمن، وَلَيْسَ كَذَلِك. وَقد تكلمنا عَلَيْهِ فِي الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتِّينَ من هَذَا الْمسند. وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى ثقل لَحْمه وَإِن كَانَ قَلِيلا. الحديث: 2580 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 2582 - / 3314 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالسبْعين بعد الْمِائَة: كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ينَام وَهُوَ جنب غسل فرجه وَتَوَضَّأ للصَّلَاة. أما غسل الْفرج فلإزالة الْأَذَى. وَأما الْوضُوء فلتخفيف الْحَدث. وَقد تقدم هَذَا فِي مُسْند عمر. 2583 - / 3315 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسبْعين بعد الْمِائَة: أَن بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْنَ لَهُ: أَيّنَا أسْرع بك لُحُوقا؟ قَالَ: " أَطْوَلكُنَّ يدا " فَأخذُوا قَصَبَة يَذْرَعُونَهَا، فَكَانَت سَوْدَة أَطْوَلهنَّ يدا، فَعلمنَا بعد أَنما كَانَ طول يَدهَا للصدقة، فَكَانَت أَسْرَعنَا لُحُوقا بِهِ، وَكَانَت تحب الصَّدَقَة. هَذَا الحَدِيث غلط فِيهِ بعض الروَاة، وَالْعجب من البُخَارِيّ كَيفَ لم يُنَبه عَلَيْهِ، وَلَا أَصْحَاب التَّعَالِيق، وَلَا الْحميدِي، وَلَا علم بِفساد ذَلِك الْخطابِيّ، فَإِنَّهُ فسره وَقَالَ: لُحُوق سَوْدَة بِهِ من أَعْلَام نبوته. وكل ذَلِك وهم، وَإِنَّمَا هِيَ زَيْنَب، فَإِنَّهَا كَانَت أَطْوَلهنَّ يدا بالعطاء وَالْمَعْرُوف، قَالَ ابْن أبي نجيح: كَانَت زَيْنَب تعْمل الأزمة والأوعية تقوى بهَا فِي سَبِيل الله عز وَجل، وَتوفيت زَيْنَب سنة عشْرين، وَهِي أول أَزوَاجه لُحُوقا بِهِ. وَسَوْدَة إِنَّمَا توفيت فِي سنة أَربع وَخمسين، وَقد ذكره مُسلم على الصِّحَّة من حَدِيث عَائِشَة بنت طَلْحَة عَن عَائِشَة قَالَت: فَكَانَت أطولنا يدا زَيْنَب لِأَنَّهَا كَانَت تعْمل وَتَتَصَدَّق. الحديث: 2582 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 2584 - / 3316 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالسبْعين بعد الْمِائَة: دف أهل أَبْيَات من أهل الْبَادِيَة حَضْرَة الْأَضْحَى. الدافة: الْجَمَاعَة الواردون، وَأَصله من الدفيف: وَهُوَ سير لين. يُقَال: دف يدف دفيفا. وَمثله دج ودب، يدج ويدب. والأسقية جمع سقاء. وَهِي مَذْكُورَة فِي مُسْند أبي حميد السَّاعِدِيّ. وجملت الشَّحْم بِمَعْنى أذبته، فَهُوَ جميل. والودك: الدّهن الْكَائِن فِي الْإِبِل أَو الْبَقر أَو الْغنم، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند سهل بن سعد. 2585 - / - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسبْعين بعد الْمِائَة: أَن أَبَا حُذَيْفَة ابْن عتبَة تبنى سالما، وَهُوَ مولى لامْرَأَة من الْأَنْصَار. اخْتلفُوا فِي اسْم هَذِه الْأَنْصَارِيَّة، فَقَالَ مُحَمَّد بن سعد: كَانَ سَالم لثبيتة بنت يعار فأعتقته، وَكَانَت تَحت أبي حُذَيْفَة، فَتَوَلّى أَبَا حُذَيْفَة فَتَبَنَّاهُ أَبُو حُذَيْفَة. فسالم يذكر فِي الْأَنْصَار لعتق ثبيتة إِيَّاه , وَفِي الْمُهَاجِرين لتوليه أَبَا حُذَيْفَة. وَقَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب: كَانَ لسلمى بنت يعار فأعتقته. وَقَوْلها: فيراني فضلا: أى متبذلة فِي ثِيَاب مهنتي. يُقَال: رجل الحديث: 2584 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 فضل: إِذا كَانَ عَلَيْهِ رِدَاء وقميص وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِزَار وَلَا سَرَاوِيل. وَإِنَّمَا كَانَ يأوي مَعَهم فِي بَيت وَاحِد لِأَن أَبَا حُذَيْفَة لما تبناه أنكحه ابْنة أَخِيه هندا بنت الْوَلِيد بن عتبَة، وَكَانَ مَعَهم. وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي مُدَّة الرَّضَاع: فَعِنْدَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد: مُدَّة الرَّضَاع حولان. وَعند أبي حنيفَة سنتَانِ وَنصف. وَقَالَ مَالك: سنتَانِ وَشَيْء وَلم يحده. وَرُوِيَ عَنهُ فِي التَّحْدِيد ثَلَاث رِوَايَات: إِحْدَاهُنَّ: أَيَّام يسيرَة. وَالثَّانيَِة: شهر. وَالثَّالِثَة: شَهْرَان. وَقَالَ زفر: ثَلَاث سِنِين. فَأَما هَذَا الَّذِي جرى فِي حق سَالم من أَنه أمرهَا أَن ترْضِعه وَهُوَ رجل فَلهُ محملان: أَحدهمَا: أَنه خَاص، وَإِنَّمَا ذهب إِلَى أَن حكمه عَام عَائِشَة على مَا ذكرنَا عَنْهَا. وَالثَّانِي: أَن يكون مَنْسُوخا. فَإِن قيل: إِذا قُلْتُمْ: إِن حكم رضَاع الْكَبِير نسخ، فَكيف اقتضيتم مِنْهُ حكم الْخمس رَضعَات؟ فَالْجَوَاب: أَن نسخ ذَلِك لَا يمْنَع بَقَاء حكم الْخمس، لِأَن النَّاسِخ إِنَّمَا يعرض للكبير وَالصَّغِير لَا لعدد الرضعات. فَإِن قيل: فَكيف ارتضع وَهُوَ رجل؟ فَالْجَوَاب: أَنَّهَا خلبت لَهُ فِي إِنَاء وَشرب. وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي الرضعات الْمُحرمَة على ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: خمس رَضعَات، وَهَذَا الحَدِيث يدل على ذَلِك، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور عَن أَحْمد بن حَنْبَل، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَالثَّانِي: رضعة وَاحِدَة، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك، وَرِوَايَة عَن أَحْمد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 وَالثَّالِث: ثَلَاث رَضعَات، وَهُوَ قَول أبي عبيد وَدَاوُد، وَرِوَايَة عَن أَحْمد، وَوَجهه قَوْله: " لَا تحرم المصة والمصتان " فَكَانَ دَلِيل قَوْله: إِن الثَّلَاث تحرم. وَاخْتلف الْعلمَاء هَل يتَعَلَّق تَحْرِيم الرَّضَاع بالوجور والسعوط؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يتَعَلَّق بذلك. وَقَالَ دَاوُد: لَا يتَعَلَّق بِهِ وَعَن أَحْمد كالمذهبين. وَاخْتَارَ أَبُو بكر عبد الْعَزِيز الرِّوَايَة الَّتِي توَافق دَاوُد. وَأما اللَّبن المشوب بِالْمَاءِ وَالطَّعَام والدواء فَإِنَّهُ يتَعَلَّق بِهِ التَّحْرِيم، سَوَاء كَانَ اللَّبن مَغْلُوبًا أَو غَالِبا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَقَالَ أَبُو حنيفَة أَنه إِذا خالطه الدَّوَاء حرم وَإِن كَانَ مَغْلُوبًا. فَإِن صنعت الْمَرْأَة من لَبنهَا جبنا فأطعمته صَبيا حرم، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يحرم. فَإِن حلب لبن ميتَة وأرضع بِهِ صبي حرم، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يحرم، وَهُوَ اخْتِيَار أبي بكر الْخلال من أَصْحَابنَا. وَأما قَول عَائِشَة: فَتوفي رَسُول الله وَهِي فِيمَا نَقْرَأ من الْقُرْآن. وَلَيْسَ فِي الْقُرْآن عشر وَلَا خمس. فَالْجَوَاب أَن هَذَا مِمَّا نسخ لَفظه وَبَقِي حكمه فَأَشَارَتْ إِلَى أَن هَذَا فِي آخر زمَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى صَار بعض من لم يبلغهُ النّسخ يقْرَأ ذَلِك على الرَّسْم الأول، ثمَّ أزيل ذَلِك من الْقُلُوب الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 وَبَقِي حكمه، كَمَا يرْوى فِي قَوْله: (وَالشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّة) . وَقَول أم سَلمَة: الْغُلَام الأيفع: تَعْنِي الَّذِي قد قَارب الِاحْتِلَام، يُقَال: أَيفع الْغُلَام وَهُوَ يافع، وَجمع اليافع أيفاع. وَيُقَال: غُلَام يافع، وغلامان يافعان، وغلمة أيفاع، وَيُقَال: يفعة، فِي الْوَاحِد والاثنين وَالْجَمَاعَة. 2586 - / 3318 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسبْعين بعد الْمِائَة: " يَغْزُو جَيش الْكَعْبَة، فَإِذا كَانُوا ببيداء من الأَرْض يخسف بأولهم وَآخرهمْ ويبعثون على نياتهم ". إِن قيل: مَا ذَنْب من أكره على الْخُرُوج مِنْهُم، أَو من جمعه وإياهم الطَّرِيق؟ فَالْجَوَاب: أَنه يكون أَجله قد حضر، فَيكون مَوته بالخسف فيبعث على نِيَّته. 2587 - / 3319 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يقومُونَ للجنازة، وَيَقُولُونَ إِذا رأوها: كنت فِي أهلك مَا أَنْت - مرَّتَيْنِ -. قَوْلهم: مَا أَنْت، ويكررون الْكَلِمَة، تَعْظِيم لشأنها، كَقَوْلِه تَعَالَى: الحديث: 2586 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 {مَا الحاقة} [الحاقة: 2] . 2588 - / 3320 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: كَانَت إحدانا تحيض ثمَّ تقترض الدَّم من ثوبها فتغسله. تقترض: تقتطع. كَأَنَّهَا تحوره دون بَاقِي الْمَوَاضِع فتغسله. والنضح: رش المَاء على الشَّيْء. 2589 - / 3321 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: كَانَ إِذا رأى الْمَطَر قَالَ: " صيبا نَافِعًا ". الصيب: الْمَطَر، وَأَصله صيوب على " فعيل " فقلبت الْوَاو يَاء ثمَّ أدغمت الْيَاء فِي الْيَاء، وَهُوَ من صاب يصوب: إِذا نزل، وكل نَازل من علو فقد صاب يصوب، قَالَ الشَّاعِر: (كَأَنَّهُمْ صابت عَلَيْهِم سَحَابَة ... صواعقها لطيرهن دَبِيب) 2590 - / 3322 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: قَالَت عَائِشَة: وَا رأساه فَقَالَ: " ذَاك لَو كَانَ وَأَنا حَيّ ". قَوْله: " ذَاك لَو كَانَ " يَعْنِي الْمَوْت. والثكل: موت الْقَرِيب وفقدانه. وَقَوله: " فأعهد، أَن يَقُول " أَي مَخَافَة أَن يَقُول الْقَائِلُونَ. الحديث: 2588 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 وَهَذَا الحَدِيث نَص على أبي بكر. 2591 - / 3324 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: مرض غَالب بن أبجر، فعاده ابْن أبي عَتيق فَقَالَ لنا: عَلَيْكُم بِهَذِهِ الْحبَّة السَّوْدَاء فَخُذُوا مِنْهَا خمْسا أَو سبعا فاسحقوها ثمَّ اقطروها فِي أَنفه بقطرات زَيْت. أما ابْن أبي عَتيق فاسمه عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق، وَأَبُو عَتيق هِيَ كنية مُحَمَّد، وَمُحَمّد قد رأى رَسُول الله، وَأَبوهُ عبد الرَّحْمَن، وجده أَبُو بكر، وَأَبُو جده أَبُو قُحَافَة، لَا نَعْرِف أَرْبَعَة رَأَوْا رَسُول الله على نسق سواهُم. وَأما الْحبَّة السَّوْدَاء فَهِيَ الشونيز. والسام: الْمَوْت، وَقد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. وَيُشبه أَن يكون مرض هَذَا الَّذِي وصف لَهُ ابْن أبي عَتيق هَذَا الْوَصْف الزُّكَام، فَإِن المزكوم ينْتَفع برِيح الشونيز. 2592 - / 3325 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: قَول الشَّاعِر يرثي قَتْلَى بدر: (وماذا بالقليب قليب بدر ... من الشيزى تزين بالسنام) (وماذا بالقليب قليب بدر ... من الْقَيْنَات وَالشرب الْكِرَام) (يحدثنا الرَّسُول بِأَن سنحيا ... وَكَيف حَيَاة أصداء وهام) القليب: الْبِئْر لم تطو. الحديث: 2591 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 والشيزى: جفان الطَّعَام. وأصل الشيزى شَجَرَة يتَّخذ مِنْهَا الجفان. تزين بالسنام: أَي بِلَحْم أسنمة الْإِبِل، وصف من كَانَ يفعل ذَلِك مِنْهُم. والقينات جمع قينة: وَهِي الْمُغنيَة. وَالشرب: الْقَوْم يَجْتَمعُونَ على الشَّرَاب. وَقَوله: وَكَيف حَيَاة أصداء وهام. كِنَايَة عَن الْهَلَاك الَّذِي لَا محيا لمن هلك. وَقد سبق تَفْسِير " لاهامة " فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. 2593 - / 3328 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: كَانَ النِّكَاح على أَرْبَعَة أنحاء. فَذكرت مِنْهُ: كَانَ الرجل يَقُول لامْرَأَته إِذا طهرت من طمثها: أرسلي إِلَى فلَان فاستبضعي مِنْهُ. الطمث: الْحيض. واستبضعي: اطلبي أَن يَأْتِيك ليَكُون مِنْهُ الْوَلَد. والبغايا: الزواني. وَقد سبق آنِفا بَيَان الْقَافة. والتاط بِهِ: اسْتَلْحقهُ. وأصل اللوط اللصوق، وَمِنْه قَول أبي بكر: الْوَلَد ألوط: أَي ألصق بِالْقَلْبِ. 2594 - / 3330 ، 3331 - والْحَدِيث الثَّانِي عشر: قد سبق فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَسبق الثَّالِث عشر أَيْضا. الحديث: 2593 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 2595 - / 3332 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: قَالَ أَبُو بكر: أخرجني قومِي. فَقَالَ ابْن الدغنة أَنْت تكسب الْمَعْدُوم. معنى أخرجني قومِي: اضطروني إِلَى الْخُرُوج لمنعهم إيَّايَ من عبَادَة رَبِّي عز وَجل. وَقَوله: تكسب الْمَعْدُوم. قد فسرناه آنِفا فِي حَدِيث مبدأ الْوَحْي. وَقَوله: وَتعين على نَوَائِب الْحق: تَعْنِي مَا يَنُوب من الْحُقُوق: أَي يطْرَأ. وَقَوله: فيتقصف عَلَيْهِ نسَاء قُرَيْش: أَي يزدحمن حَتَّى يسْقط بَعضهنَّ على بعض. يُقَال: انقصف الشَّيْء: إِذا انْكَسَرَ. قَوْله: فَلم تكذب قُرَيْش بجواره: أَي لم ترده. وَهَذَا لِأَن من كذب بِشَيْء رده. وَقَوله: أجرنا أَبَا بكر: أَي آمناه. ونخفرك: ننقض عَهْدك. قَوْله: على رسلك. قد سبق فِي مُسْند عمر. وَنحر الظهيرة: أوائلها. والظهيرة: اشتداد الْحر. الحديث: 2595 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 وَقَوله: متقنعا: أَي مغطيا رَأسه بِثَوْب يستره. وَقَوله: " بِالثّمن " تشريع لِلْخلقِ فِي ترك التَّعَرُّض بالمنن، وَإِن كَانَ أَبُو بكر لَا يمن، فَإِذا رد عَطاء من لَا يمن كَانَ رد عَطاء من يمن أولى. وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أهدي إِلَيْهِ شَيْء كافأ عَلَيْهِ ليسلم من مِنْهُ. والنطاق: أَن تَأْخُذ الْمَرْأَة ثوبا فتلبسه ثمَّ تشد وَسطهَا بِحَبل أَو نَحوه، ثمَّ ترسل الْأَعْلَى على الْأَسْفَل، وَبِه سميت أَسمَاء بنت أبي بكر ذَات النطاقين، لِأَنَّهَا كَانَت تطارق نطاقا على نطاق. هَكَذَا ذكر جمَاعَة من الْعلمَاء. ومتقضى هَذَا الحَدِيث أَنَّهَا سميت بذلك لشق نطاقها وربطها بذلك فَم الجراب. وَسَيَأْتِي هَذَا مُبينًا فِي مُسْند أَسمَاء، وَأَنَّهَا شقَّتْ نطاقها فَربطت بِنصفِهِ فَم السفرة وبنصفه فَم الْقرْبَة، فَلذَلِك سميت ذَات النطاقين. والثقف: الثَّابِت الْمعرفَة بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ. واللقن: السَّرِيع الْفَهم. ويدلج مُشَدّدَة الدَّال: يخرج من آخر اللَّيْل، فَإِذا خرج من أَوله فقد أدْلج بِلَا تَشْدِيد. ويكادان، من الكيد: وَهُوَ الْمَكْر. إِلَّا وعاه: أَي حفظه. والمنحة والمنيحة أَصْلهَا أَن يَجْعَل لبن نَاقَته أَو شاته لآخر وقتا مَا، وَقد يكون بِهِبَة الأَصْل، ثمَّ يَقع ذَلِك على كل مَا يرزقه الْمَرْء ويعطاه، يُقَال: نَاقَة منوح: إِذا بَقِي لَبنهَا بَعْدَمَا تذْهب ألبان الْإِبِل، فَكَأَنَّهَا أَعْطَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 أَصْحَابهَا اللَّبن ومنحتهم إِيَّاه. وَقَوْلها: فيريحها عَلَيْهِمَا. الرواح يكون بالْعَشي. فيبيتان فِي رسل. الرُّسُل بِكَسْر الرَّاء: اللَّبن. وينعق: يَصِيح بالغنم لتسرح، يُقَال: نعق بالغنم ينعق نعقا ونعيقا ونعاقا ونعقانا. والغلس: ظلام آخر اللَّيْل. وَأما دليلهم فاسمه عبد الله بن أبي أريقط اللَّيْثِيّ، وَكَانَ كَافِرًا فأمناه. والخريت: الماهر بالهداية. قَالَ الْأَصْمَعِي: الخريت: الدَّلِيل. ونرى أَنه اشتق من الشَّيْء اللَّطِيف: أَي أَنه يدْخل فِي مثل خرت الإبرة. والأسودة جمع سَواد: أَي أشخاص، وكل شخص سَواد، سَوَاء كَانَ إنْسَانا أَو جمادا. وَقد سبق هَذَا. والأكمة: الرابية المرتفعة. وَقد سبق هَذَا. وَقَوله: تقرب بِي. يُقَال: قرب الْفرس تَقْرِيبًا: وَهُوَ دون الْعَدو وَفَوق السّير الْمُعْتَاد، وَله تقريبان: أَعلَى وَأدنى. والأزلام: القداح. وَقد سبق ذكرهمَا فِي مُسْند سعد بن أبي وَقاص. وَقَوله: لأثر يَديهَا عثان. قد رَوَاهُ قوم: غُبَار، وَهُوَ تَصْحِيف، وَالصَّحِيح عثان. قَالَ أَبُو عبيد: العثان: الدُّخان، وَجمعه عواثن. وَكَذَلِكَ جمع دُخان دواخن على غير قِيَاس. وَلَا نَعْرِف فِي الْكَلَام شَيْئا يشبههما. وَإِنَّمَا أَرَادَ بالعثان الْغُبَار، فَشبه غُبَار قَوَائِمهَا بالدخان. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 وَقَوله: فَلم يرزآني. أَي لم يصيبا مني شَيْئا، وأصل الرزء الْمُصِيبَة. وَقَوله: وَقَالَ: " أخف عَنَّا " أَي اسْتُرْ أمرنَا. وَقَوله: فَسَأَلته أَن يكْتب لي كتاب أَمن. لما ظَهرت لسراقة مخايل النَّصْر من سؤوخ فرسه، وحبسه عَن أَذَاهُ، غلب على ظَنّه أَنه سينصر، فَسَأَلَهُ أَن يكْتب لَهُ كتاب أَمن: أَي إِن ظَهرت كنت آمنا. فَلَمَّا كتب لَهُ رَجَعَ إِلَى قُرَيْش فَقَالَ: قد عَرَفْتُمْ بَصرِي بالأثر، وَقد استبرأت لكم مَا هَاهُنَا، فَسَكَتُوا عَن الطّلب. قَالَ سراقَة: فوَاللَّه مَا ذكرت رَسُول الله حَتَّى أعزه الله. فَلَمَّا كَانَ بَين الطَّائِف والجعرانة لَقيته فتخلصت إِلَيْهِ، فوقفت فِي مقنب من جيل الْأَنْصَار فَجعلُوا يقرعوني بِالرِّمَاحِ وَيَقُولُونَ: إِلَيْك إِلَيْك، مَا أَنْت، وَمَا تُرِيدُ؟ وأنكروني، حَتَّى إِذا دَنَوْت وَعرفت أَنه يسمع كَلَامي أخذت الْكتاب الَّذِي كتبه فَجَعَلته بَين إصبعي، ثمَّ رفعت يَدي إِلَيْهِ وناديت: أَنا سراقَة بن جعْشم، وَهَذَا كتابي، فَقَالَ رَسُول الله: " هَذَا يَوْم وَفَاء وبر، ادنوه " فأدنيت فَأسْلمت. وَقَوله: أوفى رجل: أَي صعد على أَطَم. والأطم: الْبناء الْمُرْتَفع. وَقد سبق فِي مَوَاضِع. وَقَوله: يَزُول بهم السراب: أَي تظهر حركتهم فِيهِ. والسراب: الَّذِي يرى نصف النَّهَار كَأَنَّهُ مَاء. وَقَوله: هَذَا جدكم: أَي حظكم ودولتكم الَّتِي كُنْتُم تتوقعونها. وَذَلِكَ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ كَانَ، فِي ربيع، اثْنَي عشر يَوْمًا، وَكَذَلِكَ مضى مِنْهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 وَتوفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتمت لَهُ عشر سِنِين كوامل. أما الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى فَفِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه مَسْجِد رَسُول الله الَّذِي فِيهِ منبره، قَالَه ابْن عمر وَزيد بن ثَابت وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " هُوَ مَسْجِدي هَذَا ". وَالثَّانِي: أَنه مَسْجِد قبَاء، قَالَه ابْن عَبَّاس وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَسَعِيد بن جُبَير وَقَتَادَة. وَقَوله: كَانَ مربدا للتمر. المربد: الْموضع الَّذِي يجمع فِيهِ التَّمْر حِين جداده، وَقد شرحنا هَذَا فِي مُسْند جَابر بن عبد الله. وَقَالَ أَبُو عبيد: المربد: كل شَيْء حبست بِهِ الْإِبِل. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: والمربد أَيْضا: مَوَاضِع الثَّمر. وَقَوله: فِي حجر سعد بن زُرَارَة: هَذَا أَخُو أسعد بن زُرَارَة، وَكَانَ أسعد من نقباء الْأَنْصَار، وَكَانَ نقيب النُّقَبَاء، وَسعد هَذَا أَخُوهُ مَعْدُود فِي الْمُنَافِقين. والحمال من الْحمل. وَالَّذِي يحمل من خَيْبَر التَّمْر. فَأَرَادَ أَن نقل اللَّبن فِي بَاب الْأجر وَحسن الْعَاقِبَة خير من نقل التَّمْر للْبيع وَالتِّجَارَة. وَقَوله: يعقبانه. يُقَال: أعقبت الرجل على الدَّابَّة: إِذا ركبت مرّة الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 وَركب أُخْرَى، كَأَنَّهُ ركب عقيب ركوبك: أَي بعده. 2596 - / 3333 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس عشر: " مَا أَزَال أجد ألم الطَّعَام الَّذِي أكلت بِخَيْبَر، فَهَذَا أَوَان وجدت انْقِطَاع أَبْهَري ". الْأَبْهَر: عرق مستبطن الصلب، وَالْقلب مُتَّصِل بِهِ، فَإِذا انْقَطع لم يكن مَعَه حَيَاة. 2597 - / 3334 - والْحَدِيث السَّادِس عشر: قد تقدم فِي مُسْند أبي أسيد. 2598 - / 3335 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: إِن قوما قَالُوا: يَا رَسُول الله: إِن قوما يأتوننا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أذكر اسْم الله عَلَيْهِ أم لَا. فَقَالَ " سموا أَنْتُم وكلوا ". الظَّاهِر من الْمُسلم والكتابي أَنه يُسَمِّي، فَيحمل أمره على أحسن أَحْوَاله، وَلَا يلْزمنَا سُؤَاله عَن هَذَا. وَقَوله: " سموا أَنْتُم " لَيْسَ يَعْنِي أَنه يَجْزِي عَمَّا لم يسم عَلَيْهِ، وَلَكِن التَّسْمِيَة على الطَّعَام سنة. 2599 - / 3336 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن عشر: أَنَّهَا قَالَت لعبد الله بن الزبير: ادفني مَعَ صواحبي وَلَا تدفني مَعَ رَسُول الله فِي الْبَيْت؛ فَإِنِّي الحديث: 2596 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 أكره أَن أزكى بِهِ. تَعْنِي: أَن أمدح بِهِ وَتجْعَل لي مزية ومنزلة. وَهَذَا مِنْهَا على جِهَة التَّوَاضُع والاحتقار للنَّفس، وَمن هَذَا الْجِنْس مَا أخبرنَا بِهِ أَبُو بكر بن حبيب الصُّوفِي قَالَ: أخبرنَا أَبُو سعيد بن أبي صَادِق الْحِيرِي قَالَ: أخبرنَا ابْن باكويه قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم الْعَبْدي. قَالَ: حَدثنَا عمرَان بن مُوسَى السجسْتانِي قَالَ: حَدثنَا هدبة قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب أَنه قيل لعمر بن عبد الْعَزِيز لما مرض: إِن فِي الْبَيْت مَوضِع قبر، فَإِن أتيت الْمَدِينَة فَحدث بك حدث دفنت فِيهِ. فَقَالَ: مَا يسرني وَلَو عذبني الله بِكُل عَذَاب أَن يعلم الله فِي قلبِي أَنِّي أرى نَفسِي أَهلا لذَلِك. فَإِن قيل: فَلم اخْتَار عمر بن الْخطاب أَن يدْفن هُنَالك؟ وهلا تواضع كعائشة. فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن عمر علم أَنه مَقْطُوع لَهُ بِالْجنَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ يخَاف من تَفْرِيط فِي الْخلَافَة بِخِلَاف غَيره. وَالثَّانِي: أَن شدَّة الْخَوْف الَّتِي توجب إبعاد النَّفس عَن مَكَان لَا يَرَاهَا صَالِحَة لَهُ هُوَ الْمُوجب لمزاحمة من ترجى شَفَاعَته وينال الْخَلَاص بِقُرْبِهِ، فَمن لم ير نَفسه أَهلا لذَلِك فقد احتقرها، وَمن أَرَادَ ذَلِك الْمَكَان فقد استشفع لَهَا، وكلا الْأَمريْنِ صادر عَن خوف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 2600 - / 3337 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع عشر: زفت امْرَأَة إِلَى رجل من الْأَنْصَار، فَقَالَ نَبِي الله: " يَا عَائِشَة هَل كَانَ مَعكُمْ لَهو؟ فَإِن الْأَنْصَار يعجبهم اللَّهْو ". الْإِشَارَة باللهو إِلَى الإنشاد الَّذِي يستعملونه فِي الْعرس. وَقد أخبرنَا ابْن الْحصين قَالَ: أخبرنَا ابْن الْمَذْهَب قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن جَعْفَر قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا أسود قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر عَن أجلح عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة: " أهديتم الْجَارِيَة إِلَى بَيتهَا؟ " قَالَت: نعم، قَالَ: " فَهَلا بعثتم مَعهَا من يغنيهم، يَقُول: أَتَيْنَاكُم أَتَيْنَاكُم. فحيونا نحييكم. فَإِن الْأَنْصَار قوم فيهم غزل ". 2601 - / 3340 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْعِشْرين: نظر حُذَيْفَة يَوْم أحد فَإِذا هُوَ بِأَبِيهِ، فَقَالَ: أبي أبي. فوَاللَّه مَا انحجزوا عَنهُ حَتَّى قَتَلُوهُ. انحجز الْقَوْم وتحاجزوا: إِذا افْتَرَقُوا بعد قتال أَو مُنَازعَة. وَكَانَ حُذَيْفَة قد أسلم هُوَ وَأَبوهُ قَدِيما، فَلَمَّا حضر يَوْم أحد وَاخْتَلَطَ النَّاس يَوْمئِذٍ قَتله الْمُسلمُونَ وَلم يعرفوه، وَكَانَ حُذَيْفَة يَقُول: أبي أبي، وهم لَا يفهمون مَا يَقُول، فَقَالَ حُذَيْفَة: يغْفر الله لكم، فَأخْرج رَسُول الله دِيَته. وَقَوله: مَا زَالَت فِي حُذَيْفَة مِنْهَا بَقِيَّة خير. أَي إِنَّه لما عذر الْمُسلمين أَنهم لم يعرفوه وَقَالَ: يغْفر الله لكم، زَاد بذلك خَيره، وارتفع قدره. الحديث: 2600 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 2602 - / 3341 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: كَانَ يَوْم بُعَاث يَوْمًا قدمه الله لرَسُوله. قد سبق ذكر بُعَاث فِي أول هَذَا الْمسند، وَأَنه قتال وَقع بَين الْأَوْس والخزرج. وَالْمَلَأ: الْأَشْرَاف، وَكَذَلِكَ السروات. فَلَمَّا بعث الله نبيه كَانَ سَببا للصلح بَينهم بدخولهم الْإِسْلَام. 2603 - / 3342 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: أنزلت: {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} [الْبَقَرَة: 225] فِي قَول الرجل: لَا وَالله، بلَى وَالله. اللَّغْو: المطرح. وَيُسمى مَا لَا يُؤْخَذ من الْإِنْسَان فِي الدِّيَة لَغوا لاطراحه. وَيُقَال: لغوت ألغي. فَكَأَن الْقَائِل: لَا وَالله، من غير قصد عقد الْيَمين قد دخل قَوْله - لعدم قَصده - فِي اللَّغْو. 2604 - / 3343 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: لددناه فِي مَرضه. قَالَ أَبُو عبيد: اللدود: مَا سقِِي الْإِنْسَان فِي أحد شقي الْفَم، وَهُوَ الحديث: 2602 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 مَأْخُوذ من لديدي الْوَادي: وهما جانباه، وَمِنْه قيل للرجل: هُوَ يتلدد: إِذا الْتفت عَن جانبيه يَمِينا وَشمَالًا. يُقَال: لددت الرجل ألده لدا: إِذا سقيته ذَلِك. وَجمع اللدود ألدة. وَإِنَّمَا فعل ذَلِك بهم عُقُوبَة لَهُم؛ لأَنهم فَعَلُوهُ من غير أَن يَأْمُرهُم بِهِ. 2605 - / 3344 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: أسلمت امْرَأَة وَكَانَ لَهَا حفش فِي الْمَسْجِد. الحفش: الْبَيْت الصَّغِير. وَأَصله الدرج، وَجمعه أحفاش، فشبهت هَذَا الْبَيْت من صغره بالدرج. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: سمي بذلك لضيقه. والتحفش: الانضمام والاجتماع. والوشاح: مَا يوشح بِهِ من أحد الْجَانِبَيْنِ إِلَى الآخر. والحديا هِيَ الحدأة وَجَمعهَا حدأ بِالْقصرِ: وَهِي طَائِر مَعْرُوف. 2606 - / 3345 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْعِشْرين: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبل الْهَدِيَّة ويثيب. إِنَّمَا كَانَ يقبل الْهَدِيَّة ليظْهر حسن خلقه، ولتتألف الْقُلُوب على محبته. وَإِنَّمَا كَانَ يثيب عَلَيْهَا لِئَلَّا يكون لأحد عَلَيْهِ منَّة. الحديث: 2605 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 2607 - / 3347 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: " من عمر أَرضًا لَيست لأحد فَهُوَ أَحَق ". أما إحْيَاء الأَرْض الَّتِي لَا مَالك لَهَا فَجَائِز. وَاخْتلفت الرِّوَايَة فِي إحْيَاء مَا باد أَهله من الأَرْض على رِوَايَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا: تجوز، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك. وَالثَّانيَِة لَا تجوز. فَإِن أَحْيَا مَا مَالِكه حَيّ وَقد تَركه حَتَّى صَار مواتا لم يملكهُ، رِوَايَة وَاحِدَة. وَقَالَ مَالك: يملكهُ. وَيجوز إحْيَاء الْموَات بِغَيْر إِذن الإِمَام. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز. وَقَالَ مَالك فِيمَا كَانَ فِي البراري كَقَوْلِنَا، وَفِيمَا كَانَ يقرب الْعمرَان وينساح النَّاس فِيهِ كَقَوْلِه. وَإِذا حوط على موَات ملكه. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يملك أَرضًا حَتَّى يسْتَخْرج لَهَا مَاء ويزرعها، وَلَا دَارا حَتَّى يقطعهَا بُيُوتًا ويسقفها. 2608 - / 3349 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ: جَاءَت المجادلة إِلَى رَسُول الله. اخْتلف الْعلمَاء فِي اسْم المجادلة ونسبها على أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة، رَوَاهُ مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، وَبِه قَالَ عِكْرِمَة وَقَتَادَة والقرظي. وَالثَّانِي: خَوْلَة بنت خويلد، رَوَاهُ عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، الحديث: 2607 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 وَالثَّالِث: خَوْلَة بنت الصَّامِت، رَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس، وَالرَّابِع: خُوَيْلَة بنت الدليج، قَالَه أَبُو الْعَالِيَة. وَأما زَوجهَا فَهُوَ أَوْس بن الصَّامِت، وَكَانَا من الْأَنْصَار، ظَاهر مِنْهَا فَقَالَ: أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي، فَأَتَت رَسُول الله فَقَالَت: يَا رَسُول الله، أبلى شَبَابِي، وَنَثَرت لَهُ بَطْني، حَتَّى إِذا كبر سني، وَانْقطع وَلَدي، ظَاهر مني، اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْك. وَكَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا ظَاهر من امْرَأَته حرمت عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهَا رَسُول الله: " قد حرمت عَلَيْهِ " فَجعلت تَقول: وَالله مَا ذكر طَلَاقا، فَكلما قَالَ رَسُول الله: " قد حرمت عَلَيْهِ " تَقول: وَالله مَا ذكر طَلَاقا. فَهَذِهِ كَانَت مجادلتها. وَكَانَت عَائِشَة تَقول: تبَارك الَّذِي وسع سَمعه كل شَيْء، إِنِّي لأسْمع كَلَام خَوْلَة وَيخْفى عَليّ بعضه، فَمَا بَرحت حَتَّى نزل جِبْرِيل بِهَذِهِ الْآيَات. 2609 - / 3351 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبث بِمَكَّة عشر سِنِين ينزل عَلَيْهِ الْقُرْآن، وبالمدينة عشرا. قد تكلمنا على هَذَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس، وَبينا أَنه بَقِي ثَلَاث سِنِين مستخفيا بأَمْره، ثمَّ نزل عَلَيْهِ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} [الْحجر: 94] فَكَأَنَّهَا لم تحسب تَكُ؟ ؟ السنين. 2610 - / 3352 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثِينَ: " لَا تسبوا الْأَمْوَات، فَإِنَّهُم قد أفضوا إِلَى مَا قدمُوا ". الحديث: 2609 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 الْمَعْنى: قد صَارُوا إِلَى جَزَاء مَا قدمُوا، فَإِن كَانُوا قد جوزوا بِالشَّرِّ فَيَكْفِي مَا هم فِيهِ، وَإِن كَانُوا قد غفر لَهُم لم يضرهم السب. 2611 - / 3353 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثِينَ: مَا كَانَ لإحدانا إِلَّا ثوب وَاحِد تحيض فِيهِ، فَإِذا أَصَابَهُ شَيْء من دم قَالَت بريقها فمصعته. وَفِي رِوَايَة: فقصعته. الفرك والقصع: الدَّلْك. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: المصع: الضَّرْب الشَّديد، فَيكون الْمَعْنى الْمُبَالغَة فِي حكه. والقصع: دلكه بالظفر ومعالجته بِهِ، وَمِنْه قصع القملة. 2612 - / 3354 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثِينَ: كَانَت تَطوف حجرَة. أَي نَاحيَة مُنْفَرِدَة 2613 - / 3356 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثِينَ: سَأَلت رَسُول الله عَن الِالْتِفَات فِي الصَّلَاة فَقَالَ: " هُوَ اختلاس يختلسه الشَّيْطَان من صَلَاة العَبْد ". الاختلاس: الاختطاف، وَهُوَ أَخذ الشَّيْء بِسُرْعَة. وَالْمعْنَى أَنه أزعجه إِلَى الِالْتِفَات بحادث، فاستلب من خشوعه وأدبه ذَلِك الْمِقْدَار. الحديث: 2611 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 2614 - / 3357 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ: أَن عَائِشَة كَانَت تكره أَن يَجْعَل يَده فِي خاصرته، وَتقول: إِن الْيَهُود تَفْعَلهُ. قد ذكرنَا النَّهْي عَن الِاخْتِصَار فِي الصَّلَاة فِي مُسْند جَابر، وَيجوز أَن تُرِيدُ، بِهِ على الْإِطْلَاق فِي كل وَقت. وَقد سبق مَا بعد هَذَا. 2615 - / 3361 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ: خطب مَرْوَان فَذكر يزِيد بن مُعَاوِيَة لكَي يُبَايع لَهُ بعد أَبِيه، فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر شَيْئا، فَقَالَ: خذوه. كَانَ مُعَاوِيَة قد اسْتعْمل مَرْوَان على الْحجاز، وَبَايع مُعَاوِيَة لِابْنِهِ يزِيد، فَذكر ذَلِك مَرْوَان ليَأْخُذ لَهُ الْبيعَة، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: أهرقلية؟ أَي أتجرون على سنة هِرقل - وَهُوَ قَيْصر - فِي إِقَامَة الْوَلَد مقَام الْوَالِد فِي الْملك. فَأَما قَوْله: {وَالَّذِي قَالَ لوَالِديهِ أُفٍّ} [الْأَحْقَاف: 17] فَقَالَ الزّجاج: الصَّحِيح أَنَّهَا نزلت فِي الْكَافِر الْعَاق، وَلَا يجوز أَن يُقَال: إِنَّهَا فِي عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر؛ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: {أُولَئِكَ الَّذين حق عَلَيْهِم القَوْل} [الْأَحْقَاف: 18] وَعبد الرَّحْمَن من خِيَار الْمُسلمين. الحديث: 2614 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 وَقد ذكرنَا معنى (أُفٍّ) وَالْكَلَام فِيهَا فِي مُسْند أنس بن مَالك. 2616 - / 3363 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْأَرْبَعِينَ: اعْتكف مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعض نِسَائِهِ وَهِي مُسْتَحَاضَة. مَا عرفنَا من أَزوَاج رَسُول الله من كَانَت مُسْتَحَاضَة. وَالظَّاهِر أَن عَائِشَة أشارت بقولِهَا: من نِسَائِهِ، أَي من النِّسَاء المتعلقات بِهِ، وَهِي أم حَبِيبَة بنت جحش أُخْت زَوجته زينت، فَإِنَّهَا كَانَت مُسْتَحَاضَة، وَقد ذكرنَا هَذَا فِي الحَدِيث السَّادِس وَالْخمسين من هَذَا الْمسند. وَحكم الْمُسْتَحَاضَة أَن تغسل فرجهَا وتشده بِالْعِصَابَةِ وتتوضأ لوقت كل صَلَاة وَتصلي مَا شَاءَت من الْفَرَائِض والنوافل. 2617 - / 3365 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: قَالَ أَيمن: دخلت على عَائِشَة وَعَلَيْهَا درع قطري. الْقطر: ضرب من البرود غليظ. وتزهى بِمَعْنى تتكبر عَن ذَلِك، يُقَال: زهي الرجل يزهى: إِذا دخله الزهو: وَهُوَ الْكبر. والمقينة: الَّتِي تزين العرائس. الحديث: 2616 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 وأرادت أَنهم كَانُوا فِي الْفقر، فالمحتقر عِنْدهم الْيَوْم عَظِيم الْقدر حِينَئِذٍ. 2618 - / 3367 - والْحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ: قد تكلمنا عَلَيْهِ فِي مُسْند عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. 2619 - / 3368 - وَفِي الحَدِيث الْخمسين: لم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتْرك فِي بَيته شَيْئا فِيهِ تصاليب إِلَّا نقضه. وَفِي لفظ: قضبه. التصاليب: أشكال الصَّلِيب. والنقض: تَغْيِير الْهَيْئَة. والقضب: الْقطع. تَقول اقتضبت الحَدِيث: أَي اقتطعته، وإياه عني ذُو الرمة فِي قَوْله: (كَأَنَّهُ كَوْكَب فِي إِثْر عفرية ... مُسَوَّم فِي سَواد اللَّيْل منقضب) أَي مُنْقَطع من مَكَانَهُ. وَإِنَّمَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل ذَلِك؛ لِأَن النَّصَارَى يعْبدُونَ الصَّلِيب، فكره أَن يكون شَيْء من ذَلِك فِي بَيته. 2620 - / 3369 ، 3370 - والْحَدِيث الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ وَالثَّانِي وَالْخَمْسُونَ قد سبقا فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. الحديث: 2618 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 2621 - / 3372 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " عشر من الْفطْرَة " فَعَدهَا، إِلَّا أَنه نسي الْعَاشِرَة. قد ذكرنَا فِي مُسْند الْبَراء معنى الْفطْرَة، وَالْمرَاد بهَا هَاهُنَا السّنة، إِلَّا أَن السّنة قد تقال وَيُرَاد بهَا الْوَاجِب، كَمَا قَالَ عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: من السّنة أَلا يقتل مُسلم بِكَافِر. وَقد تكلمنا فِي مُسْند ابْن عمر على إعفاء اللِّحْيَة وقص الشَّارِب، وَفِي مُسْند حُذَيْفَة فِي السِّوَاك. وَأما استنشاق المَاء فعندنا أَنه وَاجِب فِي طَهَارَة الْجَنَابَة وَالْوُضُوء وَكَذَلِكَ الْمَضْمَضَة. وَعَن أَحْمد أَن الْمَضْمَضَة سنة. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هما مسنونان. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هما واجبان فِي الْكُبْرَى، مسنونان فِي الْوضُوء. وَعَن أَحْمد مثله. وَأما قصّ الْأَظْفَار ونتف الْإِبِط وَحلق الْعَانَة فقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. والعانة: اسْم لموْضِع نَبَات الشّعْر. وَأما غسل البراجم فَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي: البراجم عِنْد الْعَرَب الحديث: 2621 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 الفصوص الَّتِي فِي فضول ظُهُور الْأَصَابِع، تبدو إِذا جمعت وَتغمضُ إِذا بسطت. والرواجب: مَا بَين البراجم، بَين كل برجمتين راجبة. وَاعْلَم أَن الْإِشَارَة إِلَى التنظف؛ لِأَن الْوَسخ يجْتَمع فِي البراجم. وَأما انتقاص المَاء فَقَالَ وَكِيع: هُوَ الِاسْتِنْجَاء. 2622 - / 3373 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " إِذا جلس بَين شعبها الْأَرْبَع وَمَسّ الْخِتَان الْخِتَان فقد وَجب الْغسْل ". أصل الشعبة الطَّائِفَة من كل شَيْء والقطعة مِنْهُ. وَقد ذكرنَا المُرَاد بِالشعبِ فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. وَأما مس الْخِتَان الْخِتَان فَقَالَ ابْن عقيل: تَفْسِيره: أَن يولج الرجل من ذكره الْحَشَفَة بِحَيْثُ تحاذي جلدَة ختانه، وَهِي الَّتِي تَحت الْبشرَة كالطوق لجلدة ختان الْمَرْأَة، وَهِي جلدَة كعرف الديك فِي أَعلَى فرجهَا، فِي الْموضع الَّذِي يخرج مِنْهُ الْبَوْل، فَتكون الْمُحَاذَاة بِحَيْثُ لَو أخرج من جلدَة ختانه خطا مُسْتَقِيمًا لَا تصل بجلدة ختان الْمَرْأَة، فَهَذِهِ الملاقاة هِيَ الْمُحَاذَاة. وَأما الِاجْتِمَاع فَلَيْسَ بَينهمَا اجْتِمَاع، وَلِأَن قلفة الْمَرْأَة فِي ختانها فِي أَعلَى الْفرج، وَلَيْسَ ذَلِك مَوضِع إيلاج المجامع، لكنه مَوضِع مخرج الْبَوْل، ومدخل الذّكر فِي ثقب أوسع من ذَلِك فِي أَسْفَل الْفرج. فَهَذَا معنى الالتقاء. قلت: فقد بَان بِهَذَا أَن معنى مس الْخِتَان الْخِتَان محاذاته. وَهَذَا الحَدِيث نَاسخ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " المَاء من المَاء " وَقد بَينا هَذَا فِي مُسْند عُثْمَان بن عَفَّان. الحديث: 2622 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 2623 - / 3374 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: فقدت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْفراش فالتمسته، فَوَقَعت يَدي على بطن قَدَمَيْهِ وَهُوَ يَقُول: " أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عُقُوبَتك، وَأَعُوذ بك مِنْك ". قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: فِي هَذَا الْكَلَام معنى لطيف، وَهُوَ أَن الرِّضَا ضدان متقابلان، وَكَذَلِكَ المعافاة والمؤاخذة بالعقوبة، فَسَأَلَهُ أَن يجيره بِرِضَاهُ من سخطه، وبمعافاته من عُقُوبَته، فَلَمَّا صَار إِلَى ذكر مَا لَا ضد لَهُ استعاذ بِهِ مِنْهُ لَا غير. قلت: وَهَذَا كَلَام وعظي يعجب الْعَوام، وَلَا صِحَة لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يستعاذ من الذَّات الْقَدِيمَة، وَهَذَا لَا يجوز أَن يعْتَقد أَن الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام قَصده، وَلكنه لما أَرَادَ أَن يستعيذ من الْأَشْيَاء بأضدادها، مثل أَن يَقُول: وبحلمك من تَعْجِيل عذابك، وبكذا من كَذَا، فَلَمَّا كَانَ التعداد يطول قَالَ: " أعوذ بك مِنْك " أَي بِمَا يصدر مِنْك من عَفْو ولطف مِمَّا يصدر مِنْك من عُقُوبَة ونقمة. وَقَالَ ابْن عقيل: معنى الْكَلَام: أعوذ بك من الصَّادِر مِنْك من الْأَفْعَال الَّتِي هِيَ الْعَذَاب وَالْبَطْشَة. وَقَوله: " سبوح قدوس " قَالَ الْخطابِيّ: لم يَأْتِ من الْأَسْمَاء على " فعول " بِضَم الْفَاء إِلَّا قدوس وسبوح، وَقد يفتحان وَهُوَ الْقيَاس فِي الْأَسْمَاء كسفود وكلوب. والقدوس: الطَّاهِر من الْعُيُوب. قَالَ أَبُو الْحسن الْهنائِي اللّغَوِيّ: الحديث: 2623 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 وَمعنى سبوح قدوس أَنه يسبح ويقدس: أَي تعظم. فَأَما الْمَلَائِكَة فَجمع ملك، واسْمه مُشْتَقّ من المألكة وَهِي الرسَالَة، فسموا بذلك لأَنهم رسل الله عز وَجل إِلَى أنبيائه. وَالروح مُخْتَلف فِيهِ. وَالْأَظْهَر أَنه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام. وَقد سبق مَا بعد هَذَا. 2624 - / 3377 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس:: " ناوليني الْخمْرَة ". وَهِي كالسجادة الصَّغِيرَة. 2625 - / 3378 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: " إِن فِي عَجْوَة الْعَالِيَة شِفَاء، إِنَّهَا ترياق، أول البكرة ". الترياق: مَا يسْتَعْمل لدفع السم، وَهُوَ رومي مُعرب، وَيُقَال: درياق وطرياق، قَالَ الراجز: (ريقي ودرياقي شِفَاء السم ... ) وَهَذَا أَمر يخْتَص بِالْمَدِينَةِ لعظم بركتها، لَا أَن فِي التَّمْر تِلْكَ الخصيصة. وَقد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند سعد بن أبي وَقاص، وَبينا هُنَالك الْعَجْوَة الحديث: 2624 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 والعالية. 2626 - / 3379 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: " لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاث، إِلَّا على زَوجهَا ". الْإِحْدَاد: امْتنَاع الْمَرْأَة من الزِّينَة. يُقَال: أحدث الْمَرْأَة على زَوجهَا فَهِيَ محد، وحدت أَيْضا تحد. 2627 / 3381 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: إِنَّك أَقْسَمت أَلا تدخل علينا شهرا، وَإنَّك دخلت من تِسْعَة وَعشْرين. قَالَ: " إِن الشَّهْر تسع وَعِشْرُونَ " وَالْمعْنَى: قد يكون كَذَلِك. وَاتفقَ الشَّهْر الَّذِي آلى فِيهِ تسعا وَعشْرين. 2628 - / 3382 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: كَانَ يدْخل على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مخنث. إِنَّمَا سمى المخنث مخنثا لتكسره وتثنيه فِي مشيته. وَمِنْه: نهى عَن اختناث الأسقية، وَهُوَ أَن تعطف رؤوسها وَيشْرب مِنْهَا. وَقَوله: غير أولي الإربة: أَي الْحَاجة إِلَى النِّسَاء. وَاسم هَذَا المخنث هيت، دخل رَسُول الله على أم سَلمَة وَهُوَ ينعَت لعبد الله بن أبي أُميَّة أخي أم سَلمَة امْرَأَة وَيَقُول: إِن فتح الله لكم الطَّائِف فَإِنِّي أدلك على ابْنة غيلَان، فَإِنَّهَا تقبل بِأَرْبَع وتدبر بثمان. الحديث: 2626 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 وَسَيَأْتِي هَذَا فِي مُسْند أم سَلمَة. قَالَ أَبُو عبيد: وَقَوله: تقبل بِأَرْبَع، يَعْنِي أَربع عُكَن، فَهِيَ تقبل بِهن، وتدبر بثمان، يَعْنِي أَطْرَاف هَذِه العكن الْأَرْبَع؛ لِأَنَّهَا مُحِيطَة بالجنبين حَتَّى لحقت بالمتنين من مؤخرها، من هَذَا الْجَانِب أَرْبَعَة أَطْرَاف وَمن الْجَانِب الآخر أَرْبَعَة أَطْرَاف. وَإِنَّمَا أنث فَقَالَ: بثمان: وَلم يقل بِثمَانِيَة، وَوَاحِد الْأَطْرَاف طرف وَهُوَ مُذَكّر؛ لِأَنَّهُ لم يقل: بِثمَانِيَة أَطْرَاف. وَلَو جَاءَ بِلَفْظ الْأَطْرَاف لم يجد بدا من التَّذْكِير، وَهَذَا كَقَوْلِهِم: صمنا من الشَّهْر خمْسا، وَقد علم أَنه يُرَاد بِالصَّوْمِ الْأَيَّام، لَو ذكر الْأَيَّام لم يجد أبدا من التَّذْكِير. 2629 - / 3383 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: " خلقت الْمَلَائِكَة من نور، وَخلق الجان من مارج من نَار ". قَالَ ابْن عَبَّاس: المارج: لِسَان النَّار الَّذِي يكون فِي طرفها إِذا التهبت. وَقَالَ الزّجاج: هُوَ اللهب الْمُخْتَلط بسواد النَّار. وَقَوله: " مِمَّا وصف لكم " يُشِير إِلَى الْمَذْكُور من صِفَات آدم فِي الْقُرْآن بِأَنَّهُ خلق من طين، وَشرح أَحْوَال الطين بِأَنَّهُ من صلصال كالفخار. 2630 - / 3387 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس عشر: " بَيت لَا تمر فِيهِ جِيَاع أَهله ". الحديث: 2629 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 وَهَذَا إِنَّمَا قَالَه على حكم الْمَدِينَة، فَإِن الطَّعَام كَانَ عِنْدهم قَلِيلا، إِنَّمَا كَانُوا يشبعون من التَّمْر. 2631 - / 3388 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع عشر: " المتشبع بِمَا لم يُعْط كلابس ثوبي زور ". قَالَ أَبُو عبيد " المتشبع: هُوَ المتزين بِأَكْثَرَ مِمَّا عِنْده يتكثر بِالْبَاطِلِ ويتزين بِهِ، كَالْمَرْأَةِ يكون لَهَا ضرَّة فتشبع بِمَا تَدعِي من الخطوة عِنْد زَوجهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا عِنْده، تُرِيدُ بذلك غيظ صاحبتها وَإِدْخَال الْأَذَى عَلَيْهَا. وَقَوله: " كلابس ثوبي زور " فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَنه الرجل يلبس الثِّيَاب تشبه ثِيَاب أهل الزّهْد فِي الدُّنْيَا، يُرِيد بذلك النَّاس، وَيظْهر من التخشغ والتقشف أَكثر مِمَّا فِي قلبه مِنْهُ، فَهَذِهِ ثِيَاب الزُّور والرياء. وَالثَّانِي: أَن يكون أَرَادَ بالثياب الْأَنْفس، وَالْعرب تفعل ذَلِك كثيرا، تَقول: فلَان نقي الثِّيَاب: إِذا كَانَ بَرِيئًا من الدنس والآثام، وضده: فلَان دنس الثِّيَاب، قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: (ثِيَاب بني عَوْف طهارى نقية ... وأوجههم بيض الْمُسَافِر غران) يُرِيد بثيابهم أنفسهم. وَقَالَ الآخر يذم رجلا: (لَا هم إِن عَامر بن جهم ... أوذم حجا فِي ثِيَاب دسم) أوذم بِمَعْنى أوجب، وَأَرَادَ أَنه حج وَهُوَ متدنس بِالذنُوبِ، ذكر الحديث: 2631 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 الْوَجْهَيْنِ أَبُو عبيد. وَالثَّالِث: أَنه كَانَ يكون فِي الْحَيّ الرجل لَهُ هَيْئَة وَإِشَارَة فَإِذا احْتِيجَ إِلَى شَهَادَة الزُّور شهد لَهُم، فَيقبل لنبله وَحسن ثَوْبه، فَيُقَال: قد أمضاها بثوبيه، فأضيف الزُّور إِلَى الثَّوْبَيْنِ، قَالَه نعيم بن حَمَّاد. 2632 - / 3389 - والْحَدِيث الثَّامِن عشر: قد سبق فِي مُسْند طَلْحَة وَأنس وَرَافِع بن خديج. وَقد تقدم مَا بعد ذَلِك. 2633 - / 3392 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْعِشْرين: طَاف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بعير. وَقد ذكرنَا خلاف النَّاس فِي طواف الرَّاكِب، وَمذهب الشَّافِعِي، وَرِوَايَة عَن أَحْمد أَنه يَجْزِي من غير عذر. والاستلام: اللَّمْس. وَقَوْلها: كَرَاهِيَة أَن يصرف عَنهُ النَّاس. تَعْنِي أَنه ركب ليحيط بِهِ النَّاس وَلَا يدْفَعُونَ عَنهُ كَمَا يدْفَعُونَ عَن الْمَاشِي. الحديث: 2632 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 2634 - / 3393 - وَقد سبق الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. 2635 - / 3394 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْعِشْرين: سُئِلَ عَن ستْرَة الْمُصَلِّي، فَقَالَ: " كمؤخرة الرحل ". مؤخرة الرحل مَهْمُوزَة وآخرة الرحل ممدودة: وَهِي مَا يَلِي الرَّاكِب من خشب رَحل الْجمل. 2636 - / 3395 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْعِشْرين: " لن أستعين بمشرك ". هَذَا الحَدِيث نَص فِي أَنه لَا يجوز الِاسْتِعَانَة فِي الْجِهَاد بِكَافِر، وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد رَضِي الله عَنهُ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يستعان بهم، إِلَّا أَن الشَّافِعِي يشْتَرط أَن يكون بِالْمُسْلِمين حَاجَة إِلَيْهِم، وَأَن يكون من يستعان بِهِ مِنْهُم حسن الرَّأْي فِي الْمُسلمين. وَاخْتلف الْعلمَاء فِيمَا إِذا استعين بالكافر للضَّرُورَة: فَعَن أَحْمد فِي سَهْمه رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: أَنه يسْتَحق السهْم التَّام. وَالثَّانِي: يرْضخ لَهُ، وَبِه قَالَ الْأَكْثَرُونَ. 2637 - / 3396 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالْعِشْرين: " توضؤوا مِمَّا مست النَّار ". الحديث: 2634 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 من حمل الْوضُوء على غسل الْيَد جعل ذَلِك مُسْتَحبا، وَمن حمله على الْوضُوء الشَّرْعِيّ جعل هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخا بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكل لَحْمًا ثمَّ صلى وَلم يتَوَضَّأ. وَقد سبق هَذَا فِي مَوَاضِع. 2638 - / 3397 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْعِشْرين: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بكبش أقرن يطَأ فِي سَواد ويبرك فِي سَواد وَينظر فِي سَواد، فَأتى بِهِ ليضحى بِهِ. أما الأقرن فالتام الْقرن. وَقَوله: يطَأ فِي سَواد. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: يُرِيد أَنه أسود القوائم. ويبرك فِي سَواد. يُرِيد أَن مَا يَلِي الأَرْض مِنْهُ إِذا برك أسود. وَينظر فِي سَواد. يُرِيد أَن حدقته سَوْدَاء، لِأَن إِنْسَان الْعين فِيهَا، وَبِه ينظر، فَإِذا هِيَ اسودت نظر فِي سَواد. قَالَ كثير وَذكر الْمَرْأَة: (وَعَن نجلاء تَدْمَع فِي بَيَاض ... إِذا دَمَعَتْ وَتنظر فِي سَواد) يُرِيد بقوله: تَدْمَع فِي بَيَاض: أَن دموعها تسيل على خد أَبيض، وَأَن نظرها من حدقة سَوْدَاء. قَالَ: وَأَنا أَحْسبهُ أَنه لم يرد فِي الْكَبْش الحدقة وَحدهَا، وَلكنه أَرَادَ الْعين وَالْوَجْه. يَقُول: نظره من وَجه أسود. قَوْله: اشحذها. يُقَال: شحذت الحديدة: حددتها. الحديث: 2638 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 وَهَذَا مَحْمُول عندنَا على أَنه اتّفق ذَلِك الْكَبْش الْأسود، وَإِلَّا فَالْأَفْضَل عندنَا فِي الْأَضَاحِي والهدايا الشهب، ثمَّ الصفر، ثمَّ السود. 2639 - / 3398 - وَأما الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ: فقد تقدم فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 2640 - / 3400 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْعِشْرين: كَانَ صدَاق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأزواجه ثِنْتَيْ عشرَة أُوقِيَّة ونش. قَالَت: أَتَدْرِي مَا النش؟ نصف أُوقِيَّة، فَتلك خَمْسمِائَة دِرْهَم. قَالَ أَبُو عبيد: الْأُوقِيَّة: أَرْبَعُونَ. والنش: عشرُون. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النش: النّصْف من كل شَيْء. 2641 - / 3401 - وَفِي الحَدِيث الثَّلَاثِينَ: وَالله، لقد صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ابْني بَيْضَاء فِي الْمَسْجِد. ابْنا بَيْضَاء هما سُهَيْل وَصَفوَان ابْنا وهب بن ربيعَة بن هِلَال بن مَالك بن ضبة. وأمهما اسْمهَا دعد بنت جحدم بن عَمْرو. وَكَانَت يُقَال لَهَا: الْبَيْضَاء، فنسبا إِلَى أمهما، وَقد شَهدا بَدْرًا. وَقد ذكرنَا من كَانَ ينْسب الحديث: 2639 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 إِلَى أمه من الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ فِي مُسْند زيد بن ثَابت. وَقد تضمن هَذَا الحَدِيث جَوَاز الصَّلَاة على الْمَيِّت فِي الْمَسْجِد من غير كَرَاهَة، وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: تكره، واحتجا بِحَدِيث يرويهِ صَالح مولى التَّوْأَمَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " من صلى على جَنَازَة فِي الْمَسْجِد فَلَا شَيْء لَهُ " قَالَ مَالك بن أنس: صَالح لَيْسَ بِثِقَة. 2642 - / 3402 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ: " اللَّهُمَّ رب جِبْرِيل وميكال وإسرافيل " قد ذكرنَا معنى " اللَّهُمَّ " فِي أول مُسْند أبي بكر. وَذكرنَا جِبْرِيل فِي مُسْند الْبَراء بن عَازِب. فَأَما ميكال فَفِيهِ لُغَات: فبعضهم يَقُول: مِيكَائِيل، وَبَعْضهمْ يَقُول: ميكال، وَبَعْضهمْ يَقُول: ميكئل، وَقد قرئَ بِالْكُلِّ. قَالَ الْكسَائي: لم تكن الْعَرَب تعرف هَذَا الِاسْم فَلَمَّا جَاءَ عربته. وإسرافيل يُقَال بِالْألف، ويحذف تَارَة. وَقَوله: " فاطر السَّمَوَات " قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الفاطر: الْخَالِق. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَهُوَ الْمُبْتَدِئ. الحديث: 2642 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 والسراط: الطَّرِيق. 2643 - / 3403 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ: " لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ كلب وَلَا صُورَة " وَقد سبق. 2644 - / 3404 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُضْطَجعا كاشفا عَن فَخذيهِ أَو سَاقيه، فَاسْتَأْذن أَبُو بكر فَأذن لَهُ وَهُوَ على تِلْكَ الْحَال ثمَّ اسْتَأْذن عمر، ثمَّ اسْتَأْذن عُثْمَان، فَجَلَسَ وَسوى ثِيَابه. اعْلَم أَن الْحيَاء كَانَ يغلب على عُثْمَان، فَلَو رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متبذلا لم يتوطن وَلم يبلغ مُرَاده. فَإِن قيل: فَكيف الْجمع بَين هَذَا وَبَين حَدِيث جرهد حِين مر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " غط فخذك؛ فَإِنَّهَا عَورَة " فَالْجَوَاب من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن الرَّاوِي قد شكّ فَقَالَ: فَخذيهِ أَو سَاقيه. وَالظَّاهِر أَنه كشف السَّاق لَا الْفَخْذ، وَذَاكَ أليق برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالثَّانِي: أَنه يحْتَمل أَن يكون هَذَا قبل التَّحْرِيم، ثمَّ جَاءَ حَدِيث جرهد فَمنع. وَالثَّالِث: أَن يكون سمى الْفَخْذ عَورَة لإحاطتها بالعورة وقربها مِنْهَا لَا أَنَّهَا عَورَة، إِلَّا أَنه لَا يحسن إظهارها فِي الْجمع ن فكشفها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمَّن يأنس بِهِ، فَلَمَّا صَارُوا ثَلَاثَة كره باجتماعهم كشفها، وَهَذَا قَول ابْن قُتَيْبَة الحديث: 2643 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 وَقَوْلها: فَلم تهتش لَهُ. يُقَال: اهتش الرجل: إِذا أطلق وَجهه واستبشر. وَقد سبق مَا بعد هَذَا. 2645 - / 3410 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ: بلغ عَائِشَة أَن عبد الله بن عَمْرو يَأْمر النِّسَاء إِذا اغْتَسَلْنَ أَن يَنْقُضْنَ رؤوسهن، فَقَالَت: يَا عجبا لِابْنِ عَمْرو، أَفلا يَأْمُرهُنَّ أَن يَحْلِقن رؤوسهن؟ . نقض الرَّأْس: هُوَ حل الشّعْر. وَسَيَأْتِي فِي مُسْند أم سَلمَة: إِنِّي امْرَأَة أَشد ضفر رَأْسِي، أفأنقضه لغسل الْجَنَابَة؟ فَقَالَ: " لَا " وَفِي لفظ: أفأنقضه للحيضة وللجنابة؟ فَقَالَ: " لَا ". وَاعْلَم أَنه مَتى كَانَ الشّعْر مضفورا ضفرا قَوِيا يمْنَع وُصُول المَاء إِلَى بَاطِنه وَجب حلّه، فَكَذَلِك إِذا كَانَ على الشّعْر الزادرخت الخطمي، وَكَانَ ثخينا وَجَبت إِزَالَته عِنْد الْغسْل، فَأَما إِذا لم يكن ثمَّ مَانع وَلَا قُوَّة ضفر اسْتحبَّ لَهَا أَن تنقض شعرهَا للْحيض دون الْجَنَابَة. قَالَ ابْن عقيل: وَهَذَا على وَجه الِاسْتِحْبَاب، لِأَن الْحيض لَا يتَكَرَّر. قَالَ: وَظَاهر كَلَام الْخرقِيّ وجوب ذَلِك. 2646 - / 3411 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ: أَن ابْن جدعَان الحديث: 2645 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 فِي الْجَاهِلِيَّة يصل الرَّحِم، أنافعه ذَلِك؟ قَالَ: " لَا ". إِنَّمَا سَأَلته عَن ابْن جدعَان لِأَنَّهُ من قبيلتها من بني تَمِيم. 2647 - / 3414 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَاوَات} [إِبْرَاهِيم: 48] . تَبْدِيل الأَرْض: حط الْمُرْتَفع مِنْهَا وَرفع المنخفض، وَذَلِكَ بمدها وَذَهَاب شَجَرهَا وجبالها. وتبديل السَّمَوَات بِإِزَالَة شمسها وقمرها ونجومها، وَتغَير صفاتها. 2648 - / 3417 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالْأَرْبَعِينَ: أَن سعد بن هِشَام أَرَادَ أَن يَبِيع عقارا فَيَجْعَلهُ فِي الكراع وَالسِّلَاح ويجاهد الرّوم حَتَّى يَمُوت. الْعقار: الضَّيْعَة وَالنَّخْل. والكراع: اسْم لأنواع النخيل. وَمَا عزم عَلَيْهِ سعد فعل مَا يشبه الرهبنة من ترك النِّسَاء وَالْخُرُوج من الْأَمْوَال. الحديث: 2647 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 وَقَول الرَّاوِي: استلحقت حَكِيم بن أَفْلح إِلَى عَائِشَة. أَفْلح هُوَ أَخُو أبي القعيس، ويكنى أَبَا الْجَعْد. وَأَبُو القعيس هُوَ أَبُو عَائِشَة من الرضَاعَة؛ لِأَن امرأتة أرضعتها، فأفلح عَمها من الرضَاعَة، وَحَكِيم ابْن عَمها. وَقَوله: نهيتها أَن تَقول فِي هَاتين الشيعتين. الظَّاهِر أَن الْإِشَارَة إِلَى عَليّ وَعُثْمَان. وَقَوْلها: كَانَ يُصَلِّي تسع رَكْعَات لَا يجلس إِلَّا فِي الثَّامِنَة. اعْلَم أَن أقل الْوتر عندنَا رَكْعَة، وَأَقل كَمَاله ثَلَاث يفصل بَينهُنَّ بِسَلام، وَأَكْثَره إِحْدَى عشرَة رَكْعَة يسلم بَين كل اثْنَتَيْنِ. فَإِن أَرَادَ أَن يُوتر بِثَلَاث بِسَلام وَاحِد جلس عقيب الثَّانِيَة، وَإِذا أَرَادَ بِخمْس أَو سبع لم يجلس إِلَّا فِي أخراهن، فَإِن أَرَادَ بتسع جلس فِي الثَّامِنَة على مَا فِي هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْوتر ثَلَاث رَكْعَات بِسَلام وَاحِد لَا يزِيد وَلَا ينقص. وَقَالَ مَالك: بل يسلم عقيب الثَّانِيَة. وَقَوْلها: فَلَمَّا أَخذه اللَّحْم. قد سبق الْكَلَام على هَذَا فِي الحَدِيث السّبْعين من هَذَا الْمسند، وَبينا أَن أَكثر الروَاة يروون بِالْمَعْنَى، وَقد ظنُّوا أَن بدن بِمَعْنى سمن، فَقَالُوا: أَخذه اللَّحْم، وَلَيْسَ هَذَا من صِفَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ لَو صَحَّ كَانَ الْمَعْنى: ثقل عَلَيْهِ حمل لَحْمه. وَقَول ابْن عَبَّاس: لَو كنت أَدخل عَلَيْهَا. كَانَ ابْن عَبَّاس لَا يدْخل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 عَلَيْهَا لتِلْك الخماشات الَّتِي جرت والحروب، ثمَّ دخل عَلَيْهَا قبل مَوتهَا، وَبَالغ فِي مدحها. 2649 - / 3418 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ: وحشرج الصَّدْر. الحشرجة: تردد النَّفس فِي الْحلق. واقشعر الْجلد: أَي انْتقصَ وأخذته رعدة لهول مَا هُوَ فِيهِ. والتشنج: التقبض. 2650 - / 3419 - والْحَدِيث الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ: قد سبق فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة. 2651 - / 3420 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ: ذكر بَقِيع الْغَرْقَد. وَقد سبق فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. 2652 - / 3421 - وَفِي الحَدِيث الْخمسين: لما كَانَت لَيْلَتي اضْطجع، فَلم يلبث إِلَّا ريثما ظن أَنِّي قد رقدت. الريث: الإبطاء. يُقَال: راث يريث: أَي أَبْطَأَ. وَقَوْلها: رويدا: أَي على مهل وَتثبت. الحديث: 2649 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 وأجاف الْبَاب: أغلقه. وهرول: أسْرع. وأحضر: عدا. وَقَوله: حشيا. يُقَال: رجل حش، وَامْرَأَة حشيا بِلَا مد وَلَا همز: إِذا أصابهما البهر وضيق النَّفس. ورابية من الربو: وَهُوَ تدارك النَّفس، من إتعاب النَّفس. واللهز: الضَّرْب بِجمع الْكَفّ فِي الصَّدْر. والحيف: الْميل عَن الْوَاجِب. وَفِي هَذَا الحَدِيث إِشْكَال عَظِيم: وَهُوَ قَوْله: " أخفت أَن يَحِيف الله عَلَيْك وَرَسُوله؟ " فَقَالَت: نعم. وَهَذَا لَيْسَ على ظَاهره. فَإِنَّهَا أتقى لله وَأعلم من أَن تخَاف الحيف فِي الشَّرْع، وَإِنَّمَا هَذَا لَا يَخْلُو من أَمريْن: إِمَّا أَن يكون من بعض الروَاة الَّذين يذكرُونَ الشَّيْء بِالْمَعْنَى فِيمَا يَظُنُّونَهُ فيتغير. أَو أَن يكون الْمَعْنى: أخفت ميل الشَّرْع عَلَيْك بِإِسْقَاط حَقك من ليلتك، وللشرع التحكم، فَقَالَت: نعم، أَي قد خفت أَن يكون الشَّرْع قد أجَاز استلاب لَيْلَتي من يَدي، وَهَذَا لَا يكون حيفا، لَكِن لما كَانَ الحيف بِمَعْنى الْميل أقيم مقامة. 2653 - / 3423 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالْخمسين: أَن عَائِشَة أملت على كاتبها: " حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر وَقومُوا الحديث: 2653 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 لله قَانِتِينَ وَقَالَت: سَمعتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. اعْلَم أَن هَذِه الْآيَة كَذَلِك نزلت، ثمَّ نسخ مِنْهَا ذكر صَلَاة الْعَصْر، وَلم تعلم عَائِشَة أَن ذَلِك نسخ، فقرأتها على الْقِرَاءَة الأولى. وَقد سبق هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ فِي مُسْند الْبَراء بن عَازِب. 2654 - / 3425 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالْخمسين: خلقه كل إِنْسَان من بني آدم على سِتِّينَ وثلاثمائة مفصل، من كبر الله، وَحمد الله، وَهَلل وَسبح، وعزل حجرا عَن طَرِيق، عدد تِلْكَ السِّتين والثلاثمائة السلامى فَإِنَّهُ يُمْسِي يَوْمئِذٍ وَقد زحزح نَفسه عَن النَّار. قد روى أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " إِن على ابْن آدم ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ عظما، فَعَلَيهِ من كل عظم مِنْهَا صَدَقَة " وَاعْلَم أَن هَذِه الْعِظَام مِنْهَا مَا يظْهر للحس وَمِنْهَا مَا يخفى لصغره، فَيَنْبَغِي للْإنْسَان أَن يجْتَهد كل يَوْم أَن يَأْتِي من أَفعَال الْخَيْر بِمِقْدَار ذَلِك الْعدَد، فَإِن لم يطق سبح أَو قَرَأَ هَذَا الْمِقْدَار، على أَن صَلَاة رَكْعَتَيْنِ يَنُوب عَن ذَلِك من جِهَة أَنه إِذا قَامَ وَقعد وَركع وَسجد فقد شكر بِكُل الْأَعْضَاء. والسلامى قد ذَكرنَاهَا فِي مُسْند أبي ذَر. 2655 - / 3429 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن وَالْخمسين: " أعوذ بك من شَرّ مَا عملت وَمَا لم أعمل ". الحديث: 2654 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 إِن قَالَ قَائِل: مَا وَجه شَرّ مَا لم يعْمل؟ فَالْجَوَاب: أَنه يحْتَمل شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: أَن يكون استعاذ من شَرّ مَا سيعمله مِمَّا قد قدر لَهُ عمله، وَذَلِكَ لَا بُد من فعله لسابق الْقَضَاء بِهِ. وَالثَّانِي: أَن يكون استعاذ مِمَّا لم يعمله وَلَا يعمله، وَهَاهُنَا يَقع الْإِشْكَال. وَجَوَابه أَن يكون مستعيذا من شَرّ النِّيَّة لذَلِك الْفِعْل أَو الرِّضَا بِهِ من الْغَيْر أَو إِيثَار النَّفس لذَلِك الْفِعْل. 2656 - / 3431 - وَفِي الحَدِيث السِّتين: كَانَ يستفتح الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ. وَهَذَا دَلِيل على أَنَّهَا لَا تَنْعَقِد إِلَّا بِالتَّكْبِيرِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تَنْعَقِد بِكُل لفظ يقْصد بِهِ التَّعْظِيم. وَأما استفتاحه بِالْحَمْد فدليل على أَن الْبَسْمَلَة لَيست من الْفَاتِحَة، وَأَنه لَا يسن الْجَهْر بهَا. وَقَوْلها: لم يشخص رَأسه: أَي لم يرفعهُ وَلم يصوبه: أَي لم ينكسه. والتحية يُرَاد بهَا التَّحِيَّات لله. وَقَوله: كَانَ يفرش رجله الْيُسْرَى وَينصب الْيُمْنَى. هَذَا هُوَ السّنة فِي التَّشَهُّد الأول. وَأما عقب الشَّيْطَان، ويروى عقبَة: وَهُوَ أَن يضع أليته على عَقِبَيْهِ بَين السَّجْدَتَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه بَعضهم الإقعاء الحديث: 2656 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 وَأما افتراش الذِّرَاع فَلِأَن قِيَامهَا أشق عَلَيْهَا فِي بَاب التَّعَبُّد. وَأما ختم الصَّلَاة بِالتَّسْلِيمِ فَإِن الْخُرُوج من الصَّلَاة بِالتَّسْلِيمِ فرض عندنَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب، بل يجوز أَن يخرج بِكُل مَا ينافيها. وَالسَّلَام عندنَا من الصَّلَاة، وَعند أبي حنيفَة لَيْسَ مِنْهَا. وَاخْتلفت الرِّوَايَة فِي التسليمة الثَّانِيَة فِي الْمَكْتُوبَة، فَعَن أَحْمد رِوَايَة أَنَّهَا وَاجِبَة، وَعنهُ أَنَّهَا سنة كَقَوْل أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. وَعِنْدنَا أَنه يَنْوِي بِالسَّلَامِ الْخُرُوج من الصَّلَاة. وَقَالَ الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة: يَنْوِي بِالسَّلَامِ على الْمَلَائِكَة والمأمومين. 2657 - / 3432 - والْحَدِيث الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: قد تقدم فِي مُسْند ثَوْبَان. 2658 - / 3433 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي وَالسِّتِّينَ: قَالَ ابْن شماسَة: قَالَت لي عَائِشَة: كَيفَ كَانَ صَاحبكُم لكم فِي غزاتكم هَذِه؟ فَقلت: مَا نقمنا شَيْئا. نقمنا بِمَعْنى كرهنا. يُقَال: نقمت أَنْقم، ونقمت أَنْقم. وَالْإِشَارَة إِلَى أَمِير كَانَ قد قتل أخاها مُحَمَّدًا. وَقد اخْتلفت الرِّوَايَة الحديث: 2657 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 416 فِيمَن قَتله، فروى يَعْقُوب بن سُفْيَان الْفَسَوِي فِي " تَارِيخه " أَن مُعَاوِيَة ابْن حديج قتل مُحَمَّد بن أبي بكر، ثمَّ جعله فِي جيفة حمَار وَأحرقهُ؛ لِأَنَّهُ أعَان على عُثْمَان، وَدخل عَلَيْهِ فَلَطَمَهُ. وَكَانَت عَائِشَة إِذا عثرت تَقول: بئس ابْن حديج وروى إِبْرَاهِيم بن ديزيل فِي كتاب " صفّين " عَن الزُّهْرِيّ: أَن عليا بعث مُحَمَّد بن أبي بكر أَمِيرا على مصر، فَسمع بذلك مُعَاوِيَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ، فسارا بِأَهْل الشَّام حَتَّى افتتحا مصر وقتلا مُحَمَّد بن أبي بكر. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى أَن عَمْرو بن الْعَاصِ قَتله. وَالْأول الصَّحِيح؛ فَإِن مُعَاوِيَة بن حديج كَانَ من أهل مصر، وَكَانَ يغْضب لقتل عُثْمَان، فَلَمَّا قدم عَمْرو بن الْعَاصِ لِحَرْب مصر خرج إِلَيْهِ مُحَمَّد بن أبي بكر فطرد أَصْحَاب عَمْرو، فَبعث عَمْرو إِلَيْهِ مُعَاوِيَة بن حديج، فجَاء فقاتل وتفرق عَن مُحَمَّد أَصْحَابه، فهرب، فأدركه ابْن حديج فَقتله. 2659 - / 3434 - والْحَدِيث الثَّالِث وَالسِّتُّونَ: قد تقدم فِي مَوَاضِع. 2660 - / 3435 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَالسِّتِّينَ: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلِيهِ مرط مرحل. الحديث: 2659 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 المرط: الكساء. والمرحل: الْمُوشى، سمي مرحلا لِأَن عَلَيْهِ تصاوير الرّحال. وَقَوله: {ليذْهب عَنْكُم الرجس} [الْأَحْزَاب: 33] قَالَ الْحسن: الرجس: الشّرك. وَقَالَ السّديّ: الْإِثْم. وَفِي المُرَاد بِأَهْل الْبَيْت هَاهُنَا ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَه ابْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة. فَإِن قيل: فَكيف قَالَ: {عَنْكُم} قيل: لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِنَّ، فغلب الْمُذكر. وَالثَّانِي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلي وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن. قَالَه أنس وَعَائِشَة وَأم سَلمَة. وَالثَّالِث: أَنهم أهل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأزواجه، قَالَه الضَّحَّاك. وَقَالَ الزّجاج: نساؤه وَالَّذين هم آله. وَقَوله: {وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: من الشّرك، قَالَه مُجَاهِد. وَالثَّانِي: من السوء: قَالَه قَتَادَة. وَالثَّالِث: من الْإِثْم، قَالَه السّديّ. 2661 - / 3436 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس وَالسِّتِّينَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم: " هَل عنْدكُمْ شَيْء؟ " قلت: مَا عِنْدِي شَيْء. فَخرج، فأهديت الحديث: 2661 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 لنا هَدِيَّة أَو جَاءَنَا زور. الزُّور: الْجَمَاعَة الزائرون. وأصل الحيس: الْخَلْط، يُقَال: حاس يحيس حَيْسًا، وَبِه سمي الحيس، فَإِنَّهُ مَجْمُوع من أخلاط وَسمن وَمَا يتَّفق. وَقد أَفَادَ هَذَا الحَدِيث جَوَاز عقد النِّيَّة للنفل بِالنَّهَارِ، وَجَوَاز إفطار المتنفل. 2662 - / 3437 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس وَالسِّتِّينَ: أَن عَائِشَة قَالَت فِي صبي مَاتَ: عُصْفُور من عصافير الْجنَّة. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَو غير ذَلِك؟ ". إِنَّمَا نهاها أَن تقطع للأطفال بِالْجنَّةِ، لِأَن الْقطع على علم الْغَيْب لَيْسَ إِلَيْهَا. 2663 - / 3438 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع وَالسِّتِّينَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَصُوم من كل شهر ثَلَاثَة أَيَّام، وَلَا يُبَالِي من أَي أَيَّام الشَّهْر كَانَت. هَذَا الحَدِيث يَقْتَضِي أَنه كَانَ ينظر إِلَى الثَّلَاث لأجل التَّضْعِيف، فَإِن الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا، وَلَا يُبَالِي من أَيْن كَانَت. وَفِي حَدِيث أبي ذَر: " إِذا صمت فَصم ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع عشرَة وَخمْس عشرَة ". الحديث: 2662 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 (214) كشف الْمُشكل من مُسْند أم سَلمَة وَاسْمهَا هِنْد بنت أبي أُميَّة. وَاسم أبي أُميَّة سهل، وَيُقَال لَهُ: زَاد الركب، كَانَت عِنْد أبي سَلمَة بن عبد الْأسد، فَهَاجَرَ بهَا إِلَى أَرض الْحَبَشَة الهجرتين جَمِيعًا، فَولدت لَهُ هُنَاكَ زَيْنَب، ثمَّ ولدت بعد ذَلِك سَلمَة وَعمر ودرة، وَمَات أَبُو سَلمَة فَتَزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَأخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ تِسْعَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا. 2664 - / 3441 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى فِي بَيتهَا جَارِيَة فِي وَجههَا سفعة. أخبرنَا مُحَمَّد بن نَاصِر قَالَ: أخبرنَا أَبُو زَكَرِيَّا قَالَ: قَالَ لي أَبُو الْعَلَاء: السفعة بِفَتْح السِّين أَجود، والسفعة بِضَم السِّين، من قَوْلهم: رجل أسفع: أَي لَونه أسود. وَقَالَ أَبُو عبيد: تَفْسِير قَوْلهَا: فِي وَجههَا سفعة: أَي أَن الشَّيْطَان أَصَابَهَا. وأصل السفع الْأَخْذ بالناصية، قَالَ تَعَالَى: {لنسفعا بالناصية} [العلق: 15] وَفَسرهُ غَيره فَقَالَ: السفعة: الصُّفْرَة والتغير، وَأَصله السوَاد، وكل أصفر أسفع، وَهَذَا يَأْتِي على ضم الْكَلِمَة. الحديث: 2664 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 وَمعنى قَوْله: بهَا النظرة: أَن عينا أصابتها. يُقَال: رجل مَنْظُور: إِذا أَصَابَته الْعين. 2665 - / 3442 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: شَكَوْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنِّي أشتكي، فَقَالَ: " طوفي من وَرَاء النَّاس وَأَنت راكبة " فطفت. أما طواف الْمَعْذُور رَاكِبًا فَجَائِز عِنْد الْعلمَاء. فَأَما إِذا كَانَ من غير عذر فقد بَينا فِيمَا تقدم أَنه يُجزئهُ عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد فِي رِوَايَة، وَعند أبي حنيفَة وَمَالك يُجزئهُ وَعَلِيهِ دم. 2666 - / 3444 - وَقد تقدم الْكَلَام فِي الحَدِيث الْخَامِس فِي مُسْند عَائِشَة. 2667 - / 3445 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: بَينا أَنا مُضْطَجِعَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الخميلة حِضْت. الخميلة وَاحِدَة الخمائل: وَهِي أكسية فِيهَا لين، وَرُبمَا كَانَ لَهَا خمل وَهُوَ الهدب الْمُتَعَلّق بهَا. والحيضة بِكَسْر الْحَاء: التحيض. وَهِي الْحَالة الَّتِي تلزمها الْحَائِض من توقي أَشْيَاء. والحيضة بِفَتْح الْحَاء: الْمرة. " أنفست؟ ": أَي حِضْت. وَقد سبق هَذَا فِي مُسْند عَائِشَة. الحديث: 2665 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 2668 - / 3446 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: سمع جلبة خصم. الجلبة: الْأَصْوَات. والخصم يَقع على الْوَاحِد والاثنين وَالْجَمَاعَة، قَالَ تَعَالَى {وَهل أَتَاك نبأ الْخصم إِذْ تسوروا الْمِحْرَاب} [ص: 21] . وَقَوله: " فَلَعَلَّ بَعضهم أبلغ من بعض " قَالَ الزّجاج: بلغ الرجل يبلغ بلاغة وَهُوَ بليغ: إِذا كَانَ يبلغ بِعِبَارَة كنه مَا فِي قلبه. وَقَالَ غَيره: البلاغة: إِيصَال الْمَعْنى إِلَى الْقلب فِي أحسن صُورَة من اللَّفْظ وَقيل: الإيجاز مَعَ الإفهام وَالتَّصَرُّف من غير إضجار. وَقَوله: " أَلحن بحجته " أَي أفطن لَهَا وأجدل. واللحن بِفَتْح الْحَاء: الفطنة، يُقَال مِنْهُ: رجل لحن: أَي فطن. وَقَوله: " فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَة من النَّار " يدل على أَنه لَا يحل للمقضي لَهُ أَن يَأْخُذ مَا لَيْسَ لَهُ وَإِن حكم لَهُ الْحَاكِم. وَفِي هَذَا دَلِيل صَرِيح على من يعْتَقد أَن حكم الْحَاكِم يُبِيح الْمَحْظُور. 2669 - / 3447 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: " قد كَانَت إحداكن تمكث فِي شَرّ أحلاسها ". الأحلاس جمع حلْس، وأصل الحلس أَنه كل مَا ولي ظهر الْبَعِير تَحت القتب، ثمَّ يستعار لشر الثِّيَاب. وَكَانَت الْمَرْأَة فِي الْجَاهِلِيَّة تَعْتَد سنة لَا تخرج من بَيتهَا، فَإِذا خرجت رَأس السّنة رمت كَلْبا ببعرة لتري النَّاس الحديث: 2668 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 أَن إِقَامَتهَا حولا بعد زَوجهَا أَهْون عَلَيْهَا من بَعرَة ترمي بهَا كَلْبا، وَقد ذكرُوا هَذِه الْإِقَامَة فِي أشعارهم، قَالَ لبيد: (وهم ربيع للمجاور فيهم ... والمرملات إِذا تطاول عامها) وَقد نزل الْقُرْآن بذلك فِي أول الْإِسْلَام، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة لأزواجهم مَتَاعا إِلَى الْحول غير إِخْرَاج} [الْبَقَرَة: 24] ثمَّ نسخ عز وَجل هَذِه الْآيَة بقوله {يتربص بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} [الْبَقَرَة: 234] . 2670 - / 3448 - وَفِي الحَدِيث التَّاسِع: " الَّذِي يشرب فِي إِنَاء الْفضة إِنَّمَا يجرجر فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم ". أصل الجرجرة للبعير: وَهُوَ صَوت يردده فِي حنجرته، فَشبه تردد المَاء فِي حنجرة الشَّارِب بذلك. وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث على وَجْهَيْن: " نَار جَهَنَّم " بِنصب الرَّاء و " نَار جَهَنَّم " برفعها، وَالْأول أقوى، لِأَن فِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث: " يجرجر فِي بَطْنه نَارا من جَهَنَّم ". وَقد سبق مَا بعد هَذَا. الحديث: 2670 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 2671 - / 3453 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: أخرجت إِلَيْنَا أم سَلمَة شعرًا من شعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مخضوبا. وَفِي رِوَايَة: أرته شعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحْمَر. وَقد سبق الْكَلَام فِي خضاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مُسْند ابْن عمر وَأنس ابْن مَالك. وَقد قيل: إِنَّمَا احمر شعر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِكَثْرَة اسْتِعْمَال الطّيب، وَفِيه بعد. 2672 - / 3457 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي من أَفْرَاد مُسلم: " أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما تزوج أم سَلمَة أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا، وَقَالَ: " إِن شِئْت سبعت لَك، وَإِن سبعت لَك سبعت لنسائي ". وَاعْلَم أَن الثَّلَاث للثيب تكرمة لَهَا، وَإِنَّمَا فضلت الْبكر بِزِيَادَة اللَّيَالِي لِأَنَّهَا أَشد حَيَاء، فَهِيَ مفتقرة إِلَى مداراة وإيناس لتتحقق الألفة. وَعِنْدنَا أَنه إِذا تزوج امْرَأَة وَعِنْده غَيرهَا، فَإِن كَانَت بكرا فَضلهَا بالسبع، وَإِن كَانَ ثَيِّبًا خَيرهَا، فَإِن شَاءَت أَقَامَ عِنْدهَا سبعا وَعند كل وَاحِدَة من نِسَائِهِ سبعا وَلم يَخُصهَا بِزِيَادَة، وَإِن شَاءَت أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا يفصلها بهَا ثمَّ يُسَوِّي فِيمَا بَينهُنَّ بعد ذَلِك. وَهَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَدَاوُد: لَا يفضل الجديدة بِشَيْء بل يُسَوِّي بَين الْكل. الحديث: 2671 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 2673 - / 3458 - والْحَدِيث الثَّالِث: قد تقدم فِي مُسْند عَائِشَة. 2674 - / 3459 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " إِذا رَأَيْتُمْ هِلَال ذِي الْحجَّة وَأَرَادَ أحدكُم أَن يُضحي فليمسك عَن شعره وأظفاره ". إِنَّمَا سميت الْأُضْحِية أضْحِية لِأَنَّهَا تذبح وَقت الضُّحَى، وفيهَا لُغَات قد سبقت. وَفِي قَوْله: " وَأَرَادَ أحدكُم أَن يُضحي " دَلِيل على أَنَّهَا لَا تجب، وَجُمْهُور الْعلمَاء على أَنَّهَا مُسْتَحبَّة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ وَاجِبَة على الْغَنِيّ الْحَاضِر. وَقد رُوِيَ عَن أَحْمد أَنَّهَا وَاجِبَة على الْغَنِيّ. وَإِنَّمَا قَالَ: " فليمسك عَن شعره وأظفاره " لِأَنَّهُ كالتشبيه بالمحرمين. وَجُمْهُور الْعلمَاء على أَنه يكره لمن أَرَادَ أَن يُضحي أَن يَأْخُذ من شعره وأظفاره. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يكره ذَلِك. وَالذّبْح بِكَسْر الذَّال: اسْم الْمَذْبُوح. 2675 - / 3461 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أبي سَلمَة وَقد شقّ بَصَره، فأغمضه. قَوْله: شقّ بَصَره: أَي انْفَتح. الحديث: 2673 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 425 وَقَوله: " لَا تدعوا على أَنفسكُم إِلَّا بِخَير " فِيهِ تحذير من الدُّعَاء على النُّفُوس حِينَئِذٍ، لقَوْله: " فَإِن الْمَلَائِكَة يُؤمنُونَ على مَا تَقولُونَ ". 2676 - / 3463 - وَفِي الحَدِيث الثَّامِن: " إِن حَمْزَة أخي من الرضَاعَة ". كَانَت ثويبة مولاة أبي لَهب قد أرضعت حَمْزَة وأرضعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل حليمة. 2677 - / 3465 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: إِنِّي امْرَأَة أَشد ضفر رَأْسِي أفأنقضه لغسل الْجَنَابَة؟ قَالَ: " لَا ". ضفر الرَّأْس: فتل الشّعْر وَإِدْخَال بعضه فِي بعض. وَقد تكلمنا على نقض الشّعْر وَتَركه فِي مُسْند عَائِشَة. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على صِحَة الْغسْل إِذا عَم المَاء الْبدن من غير إمرار الْيَد عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور. وَقَالَ مَالك: لَا يُجزئ حَتَّى يمر المغتسل يَده على جسده، وَكَذَلِكَ يَقُول فِي التوضئ. 2678 - / 3467 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي عشر: " إِنَّه يسْتَعْمل عَلَيْكُم أُمَرَاء فتعرفون وتنكرون، فَمن كره فقد برِئ. الحديث: 2676 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 426 الْمَعْنى أَنهم يَفْعَلُونَ الْمَعْرُوف وَالْمُنكر. وَالْكَرَاهَة نفور النَّفس عَن الشَّيْء، وعلامة النفور من أفعالهم الْبعد عَنْهُم. 2679 - / 3468 - والْحَدِيث الثَّالِث عشر: قد تقدم فِي مُسْند أبي سعيد الْخُدْرِيّ. الحديث: 2679 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 427 (215) كشف الْمُشكل من مُسْند حَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب كَانَت عِنْد خُنَيْس بن حذافة السَّهْمِي، وَهَاجَرت مَعَه إِلَى الْمَدِينَة، فَمَاتَ عَنْهَا مقدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بدر، فَتَزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَأخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عشرَة أَحَادِيث. وَقد سبق شرح جُمْهُور الْأَحَادِيث. 2680 - / 3472 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: " كنت شَابًّا عزبا ". العزب: الَّذِي لَيْسَ لَهُ زَوْجَة. وقرنا الْبِئْر: منارتان تبنيان بحجارة أَو مدر على رَأس الْبِئْر من جانبيها. وَقد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند أبي أَيُّوب. وَالسَّرِقَة من الْحَرِير، وَقد ذَكرنَاهَا فِي مُسْند عَائِشَة. والإستبرق: ثخين الديباج، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مَوَاضِع. والمقمعة: كالمقرعة. وشفير كل شَيْء: حرفه. الحديث: 2680 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 2681 - / 3477 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس من أَفْرَاد مُسلم: " من أَتَى عرافا فَسَأَلَهُ عَن شَيْء لم تقبل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ لَيْلَة ". قَالَ أَبُو سُلَيْمَان: العراف: الَّذِي يتعاطى معرفَة الشَّيْء الْمَسْرُوق وَمَكَان الضَّالة وَنَحْو ذَلِك. والكاهن يتعاطى علم مَا يكون فِي مُسْتَقْبل الزَّمَان، وَيَدعِي معرفَة الْأَسْرَار. 2682 - / - وَمِمَّا فِي الصَّحِيح وَلم يذكرهُ الْحميدِي: عَن حَفْصَة قَالَت: كَانَت أم عَطِيَّة لَا تذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا قَالَت: بيبي. وَهَذِه لُغَة فِي قَوْلهم: بِأبي، أبدلت الْهمزَة يَاء، وَأنْشد ابْن الأبناري: (وَقد زَعَمُوا أَنِّي جزعت عَلَيْهِمَا ... وَهل جزع إِن قلت وابيباهما) (وَهل جزع إِن قلت شَيْئا عَلمته ... وأثنيت مَا قد أولياني كِلَاهُمَا) الحديث: 2681 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 (216) كشف الْمُشكل من مُسْند أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان وَاسْمهَا رَملَة. كَانَت عِنْد عبيد الله بن جحش، فَولدت حَبِيبَة وكنيت بهَا، وَهَاجَر عبيد الله بِأم حَبِيبَة إِلَى أَرض الْحَبَشَة فِي الْهِجْرَة الثَّانِيَة، ثمَّ تنصر وارتد وَتُوفِّي هُنَالك، وَثبتت أم حَبِيبَة على دينهَا، فَبعث رَسُول الله عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي ووكله إِلَى النَّجَاشِيّ ليخطبها عَلَيْهِ، فَتَوَلّى تَزْوِيجهَا خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ، وَهُوَ ابْن عَم أبي سُفْيَان، لِأَن أَبَا سُفْيَان كَانَ كَافِرًا. وأصدق النَّجَاشِيّ عَن رَسُول الله أَرْبَعمِائَة دِينَار، وَبعث بهَا إِلَيْهِ سنة سبع. وَأخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة أَحَادِيث. 2683 - / 3479 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: لست لَك بمخلية. الْمِيم مَضْمُومَة وَالْخَاء سَاكِنة وَاللَّام مَكْسُورَة، كَذَلِك سمعته من عبد الله ابْن أَحْمد النَّحْوِيّ، وَالْمعْنَى: لست بمنفردة لدوام الْخلْوَة بك. وَقَوله: " هِيَ ابْنة أخي من الرضَاعَة " كَانَت ثويبة قد أرضعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة أَيَّام، وأرضعت سَلمَة. وَقَوله: " بشر حيبة " أَي بشر حَالَة. يُقَال: بَات الرجل بحيبة سوء: أَي بِحَالَة سَيِّئَة. وَمن قَالَ: خيبة بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة فقد صحف. 2684 - / 3480 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: لما جاءها نعي أَبِيهَا دعت الحديث: 2683 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 بصفرة فمسحت عارضيها. العارضان هَاهُنَا: الخدان، والعارض يَقع على مَا يُقَابل الْخَدين من الْأَسْنَان من دَاخل. 2685 - / 3481 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: " من صلى ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة فِي يَوْم وَلَيْلَة بني لَهُ بِهن بَيت فِي الْجنَّة ". لم يذكر فِي الصَّحِيح مَتى تصلى هَذِه الرَّكْعَات، وَقد أخبرنَا أَبُو الْفَتْح الكروخي قَالَ: أخبرنَا أَبُو عَامر الْأَزْدِيّ وَأَبُو بكر الغورجي قَالَا: أخبرنَا الجراحي قَالَ: أَنبأَنَا المحبوبي قَالَ: حَدثنَا التِّرْمِذِيّ قَالَ: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان قَالَ: حَدثنَا مُؤَمل قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي إِسْحَاق عَن الْمسيب بن رَافع عَن عَنْبَسَة عَن أم حَبِيبَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من صلى فِي يَوْم وَلَيْلَة ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة بني لَهُ بَيت فِي الْجنَّة: أَرْبعا قبل الظّهْر، وَرَكْعَتَيْنِ بعْدهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء، وَرَكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الْغَدَاة ". قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. 2686 - / 3482 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بهَا من جمع بلَيْل. قد سبق فِي مُسْند ابْن عَبَّاس وَغَيره. الحديث: 2685 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 (217) كشف الْمُشكل من مُسْند مَيْمُونَة بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة كَانَ قد تزَوجهَا مَسْعُود بن عَمْرو الثَّقَفِيّ فِي الْجَاهِلِيَّة، ثمَّ فَارقهَا فخلف عَلَيْهَا أَبُو رهم بن عبد الْعُزَّى، وَتُوفِّي عَنْهَا، وَتَزَوجهَا رَسُول الله بسرف على عشرَة أَمْيَال من مَكَّة فِي سنة سبع فِي عمْرَة الْقَضِيَّة، وَهِي آخر امْرَأَة تزَوجهَا. وَقدر الله تَعَالَى أَنَّهَا مَاتَت فِي الْمَكَان الَّذِي بنى بهَا فِيهِ، ودفنت هُنَالك. أخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة عشر حَدِيثا. 2687 - / 3483 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: تَوَضَّأ رَسُول الله وضوءه للصَّلَاة غير رجلَيْهِ، وَغسل فرجه وَمَا أَصَابَهُ من الْأَذَى، ثمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ المَاء. الْوَاو للْجمع لَا للتَّرْتِيب. وَالْمرَاد غسل فرجه ثمَّ تَوَضَّأ. وَقد بَين هَذَا فِي بعض طرق الحَدِيث. وَأما مسح يَده على الْحَائِط أَو الأَرْض فَهُوَ إِمَّا للزَّوْجَة تكون على الْفرج، أَو لذهاب الرَّائِحَة. وَأما رده الْخِرْقَة فلكراهة التنشف، وَهُوَ غير مُسْتَحبّ، وَهل يكره أم لَا، على رِوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد. الحديث: 2687 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 432 2688 - / 3485 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: وَهُوَ يُصَلِّي على خمرته. الْخمْرَة: سجادة يسْجد عَلَيْهَا الْمُصَلِّي تنسج من خوص وترمل بالخيوط، وَسميت خمرة لِأَنَّهَا تخمر وَجه الأَرْض: أَي تستره. وَقيل: تخمر وَجه الْمُصَلِّي عَن الأَرْض: أَي تستره. 2689 - / 3487 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَنَّهَا أعتقت وليدة، فَقَالَ رَسُول الله: " لَو أعطيتهَا أخوالك كَانَ أعظم لأجرك ". الوليدة: الْجَارِيَة، وَجَمعهَا ولائد. وَقد دلّ هَذَا الحَدِيث على أَن صلَة الْأَقَارِب وإغناء الْفُقَرَاء أفضل من الْعتْق وَالصَّدَََقَة على الْأَجَانِب. 2690 - / 3488 - وَقد سبق الحَدِيث السَّادِس. 2691 - / 3489 - وَفِي الحَدِيث السَّابِع: أَنهم شكوا فِي صِيَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَرَفَة، فَأرْسلت إِلَيْهِ بحلاب فَشرب. الحلاب هَاهُنَا: اللَّبن المحلوب. وَقد يكون أَيْضا: الحلاب: الْإِنَاء الَّذِي يحلب فِيهِ. وَفِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على اسْتِحْبَاب إفطار يَوْم عَرَفَة للْحَاج. وَإِنَّمَا اسْتحبَّ لَهُ ذَلِك ليتقوى على الدُّعَاء، بِخِلَاف الْحَاضِر. الحديث: 2688 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 وَفِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ: 2692 - / 3490 - سُئِلَ عَن فَأْرَة وَقعت فِي سمن فَقَالَ: " ألقوها وَمَا حولهَا ". هَذَا حكم السّمن الجامد، فَأَما إِذا كَانَ مَائِعا فَإِنَّهُ ينجس الْكل 2693 - / 3491 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: أَنه أصبح يَوْمًا واجما. الواجم: المهتم السَّاكِت لأمر قد كرهه. والفسطاط: ضرب من الْأَبْنِيَة كالأخبية. وَقد سبق ذكره. وَأما أمره بقتل الْكلاب فمنسوخ بِحَدِيث ابْن الْمُغَفَّل وَقد سبق. والحائط: الْبُسْتَان. وَقد سبق سَبَب امْتنَاع الْمَلَائِكَة عَن بَيت فِيهِ كلب وَصُورَة. 2694 - / 3492 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن امْرَأَة شكت شكوى، فَقَالَت: إِن شفاني الله لأخْرجَن فلأصلين فِي بَيت الْمُقَدّس، فبرأت، فَقَالَت مَيْمُونَة: صلي فِي مَسْجِد الرَّسُول. هَذَا الحَدِيث مَحْمُول على أَن هَذِه الْمَرْأَة وعدت وَعدا وَلم تنذر نذرا. على أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا: فعندنا أَنه إِذا نذر الصَّلَاة فِي بَيت الْمُقَدّس أَو الحديث: 2692 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزمَه ذَلِك. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يلْزمه. وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين. إِلَّا أَن عندنَا أَنه إِن جعل بدل ذَلِك الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام أَجزَأَهُ، وَلَا تُجزئ الصَّلَاة فِي غير هذَيْن المسجدين عَن نذر الصَّلَاة فِي غير الْمَسْجِد الْحَرَام. فَأَما إِذا نذر الصَّلَاة فِي غير الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة فَإِنَّهُ لَا يلْزمه الْوَفَاء، وَهُوَ مُخَيّر بَين فعل ذَلِك وَبَين تَركه وَيكفر كَفَّارَة يَمِين. 2695 - / 3493 - فِي الحَدِيث الثَّالِث: قد تقدم فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. 2696 - / 3494 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: كَانَ إِذا سجد لَو شَاءَت بهمة أَن تمر بَين يَدَيْهِ لمرت. البهمة وَاحِدَة البهم: وَهِي صغَار الْغنم. وَالْمعْنَى: لَو شَاءَت أَن تدخل تَحت يَدَيْهِ إِذا سجد لشدَّة رَفعه إِيَّاهَا فِي السُّجُود. 2697 - / 3495 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: أَنه تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ حَلَال. وَقد تكلمنا على هَذَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. الحديث: 2695 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 (218) كشف الْمُشكل من مُسْند جوَيْرِية بنت الْحَارِث وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أَصَابَهَا فِي غزَاة بني المصطلق، وَكَانَت قبله عِنْد مسافع ابْن صَفْوَان فَوَقَعت فِي سهم ثَابت بن قيس بن شماس، فكاتبها، فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتَابَتهَا وَتَزَوجهَا فِي شعْبَان سنة سِتّ، فَلَمَّا سمع النَّاس ذَلِك أرْسلُوا مَا فِي أَيْديهم من سَبَايَا بني المصطلق، فَأعتق بتزوجه إِيَّاهَا مائَة أهل بَيت. وَكَانَ اسْمهَا برة فسماها جوَيْرِية. وَأخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة أَحَادِيث. 2698 - / 3496 - فَفِي الحَدِيث الأول: نَهْيه إِيَّاهَا عَن إِفْرَاد يَوْم الْجُمُعَة بِالصَّوْمِ. وَقد سبق فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة وَجَابِر. 2699 - / 3497 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ ". الْمَعْنى: وَبِحَمْدِهِ سبحته. وَقَوله: " وزنة عَرْشه " هَذَا من الْوَزْن والمقابلة بالثقل. فَإِن قيل: التَّسْبِيح لَيْسَ لَهُ وزانة، وَالْعرش جسم لَهُ ثقل. فَالْجَوَاب: أَنه يحْتَمل أَمريْن: أَحدهمَا: أَن تكون الْإِشَارَة إِلَى الصُّحُف الَّتِي يكْتب الحديث: 2698 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 فِيهَا التَّسْبِيح، فتجمع حَتَّى توازن الْعَرْش. وَالثَّانِي: أَن يُرَاد بذلك الْكَثْرَة وَالْعَظَمَة، فشبهت بأعظم الْمَخْلُوقَات. وَقَوله: " ومداد كَلِمَاته " أَي قدر مَا يوازنها فِي الْعدَد وَالْكَثْرَة. والمداد بِمَعْنى المدد، قَالَ الشَّاعِر: (رَأَوْا بارقات بالأكف كَأَنَّهَا ... مصابيح سرج أوقدت بمداد) أَي بمدد من الزَّيْت. فَيكون الْمَعْنى: أَنه يسبح الله على قدر كَلِمَاته عيار كيل أَو وزن. وَهَذَا تَمْثِيل يُرَاد بِهِ التَّقْرِيب؛ لِأَن الْكَلَام لَا يدْخل فِي الْوَزْن وَلَا يَقع فِي المكاييل. وَقَوله: " لقد قلت كَلِمَات لَو وزنت بِمَا قلت وزنتهن " فِي هَذَا تَنْبِيه على فَضِيلَة الْعلم؛ فَإِن الْعَاميّ يكثر من التَّسْبِيح، فيهتدي الْعَالم بِالْعلمِ إِلَى جَمِيع مَا فعله ذَلِك فِي كَلِمَات يسيرَة، وينال فِي التَّعَبُّد الْقَلِيل بِالْعلمِ مَا لَا يَنَالهُ الْعَاميّ فِي الْكثير، فمثلهما كَمثل مسافرين أَحدهمَا جَاهِل بالجادة، فَإِن طَرِيقه تطول، وَالْآخر خَبِير بهَا، فَإِنَّهُ يقطع الطَّرِيق وينام فِي الظل إِلَى أَن يصل الْجَاهِل. 2700 - / 3498 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: قَوْله فِي الصَّدَقَة: " قد بلغت محلهَا ". الْمحل بِكَسْر الْحَاء: مَوضِع الْحُلُول والاستقرار. وَالْمعْنَى: أَنه قد حصل الْمَقْصُود مِنْهَا من ثَوَاب التَّصَدُّق، ثمَّ صَارَت ملكا لمن وصلت إِلَيْهِ. الحديث: 2700 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 (219) كشف الْمُشكل من مُسْند زَيْنَب بنت جحش أمهَا أُمَيْمَة بنت عبد الْمطلب عمَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَت قبله عِنْد زيد ابْن حَارِثَة فَطلقهَا، فَتَزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سنة خمس. وَأخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان. 2701 - / 3499 - فَمن الْمُشكل فِي الحَدِيث الأول: " فتح الْيَوْم من ردم يَأْجُوج وَمَأْجُوج مثل هَذِه " وَحلق بإصبعه الْإِبْهَام وَالَّتِي تَلِيهَا. الرَّدْم: السد. وَقد سبق ذكر يَأْجُوج وَمَأْجُوج فِي مُسْند أبي سعيد الْخُدْرِيّ. وَحلق: بِمَعْنى جعلهَا حَلقَة. وَأما الْخبث فَقَالَ الْخطابِيّ: هُوَ الزِّنَا. فَإِن قيل: فَمَا ذَنْب الصَّالِحين؟ فَالْجَوَاب: أَنهم يموتون بآجالهم لَا بالعقوبة. الحديث: 2701 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 2702 - / 3500 - وَقد شرحنا الحَدِيث الثَّانِي فِي مُسْند أم سَلمَة. وَفِيه: دخلت حفشا: وَهُوَ الْبَيْت الصَّغِير. وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند عَائِشَة. وَقَوْلها: تفتض بِهِ. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: هُوَ من فضضت الشَّيْء: إِذا كَسرته أَو فرقته، وَمِنْه فض خَاتم الْكتاب. وَأَرَادَ أَنَّهَا كَانَت تكون فِي عدَّة من زَوجهَا فتكسر مَا كَانَت فِيهِ وَتخرج مِنْهُ بالدابة. قَالَ: وَبَعض الْمُحدثين يرويهِ: فتفتض بِهِ، وَالصَّوَاب الأول، وَكَذَلِكَ رَأَيْت الْحِجَازِيِّينَ يَرْوُونَهُ وسألتهم عَن الافتضاض فَذكر لي بَعضهم: أَن الْمُعْتَدَّة كَانَت لَا تَغْتَسِل، وَلَا تمس مَاء، وَلَا تقلم ظفرا وَلَا تقرب شَيْئا من أُمُور التنظف، ثمَّ تخرج بعد الْحول بأقبح منظر فتفتض بطائر تمسح بِهِ قبلهَا وتنبذه، فَلَا يكَاد يعِيش. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: روى الشَّافِعِي هَذَا الْحَرْف: فتقبص بِالْقَافِ وَالْبَاء وَالصَّاد. والقبص: الْأَخْذ بأطراف الْأَصَابِع. فَأَما الْقَبْض بالضاد الْمُعْجَمَة فبالكف كلهَا. الحديث: 2702 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 (220) كشف الْمُشكل من مُسْند صَفِيَّة بنت حييّ تزَوجهَا سَلام بن مشْكم الْقرظِيّ، ثمَّ فَارقهَا فَتَزَوجهَا كنَانَة بن الرّبيع ابْن أبي الْحقيق فَقتل عَنْهَا يَوْم خَيْبَر، فسباها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ واصطفاها لنَفسِهِ، وَأسْلمت وأعتقها، وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا. وَقيل: وَقعت فِي سهم دحْيَة الْكَلْبِيّ فاشتراها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسبعة آرس. وَأخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد. 2703 - / 3501 - وَفِيه: أَن رجلَيْنِ مرا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يمشي مَعَ صَفِيَّة فِي الْمَسْجِد إِلَى بَيتهَا، فَقَالَ: " إِنَّهَا صَفِيَّة ". هَذَا الحَدِيث يَأْمر بالتحرز من كل مَكْرُوه يخْطر بالظنون، وَينْهى عَن مقَام الريب، ويحث على حفظ الْعرض من أَلْسِنَة النَّاس. قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: لَو ظنا بِهِ شرا لكفرا، فبادر إِلَى إعلامهما لِئَلَّا يَقع فِي ظنونهما مَا يخرجهما إِلَى الْكفْر. قلت: وَلَو قَدرنَا امْتنَاع الظَّن مِنْهُمَا لذَلِك لِأَن إيمانهما يدْفع سوء الظَّن عَنْهُمَا، فوساوس الشَّيْطَان لَا يملكانها فِي بواطن الْقُلُوب، فَأَرَادَ تَطْهِير الْقُلُوب من درن الوساوس. الحديث: 2703 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 (221) كشف الْمُشكل من مُسْند سَوْدَة بنت زَمعَة أسلمت قَدِيما وبايعت، وَكَانَت عِنْد ابْن عَم لَهَا يُقَال لَهُ السَّكْرَان بن عَمْرو، وَأسلم أَيْضا، وَهَاجَر بهَا، فَلَمَّا كَبرت أَرَادَ طَلاقهَا فَسَأَلته أَلا يفعل، وَجعل لَيْلَتهَا لعَائِشَة. وَأخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد. قَالَ الْحميدِي: هُوَ للْبُخَارِيّ وَحده. وَذكرهَا أَبُو الْفَتْح بن أبي الفوارس فِيمَن اتّفق عَلَيْهِنَّ. 2704 - / 3502 - وَفِي ذَلِك الحَدِيث: مَاتَت شَاة لنا، فدبغنا مسكها، فَمَا زلنا ننتبذ فِيهِ حَتَّى صَار شنا. الْمسك: الإهاب. والشن: الْجلد الْبَالِي. وَهَذَا مَحْمُول على مَا قبل النّسخ بِحَدِيث ابْن عكيم. الحديث: 2704 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 (222) كشف الْمُشكل من حَدِيث أم هَانِئ بنت أبي طَالب وَكَانَ هِشَام بن الْكَلْبِيّ يَقُول: اسْمهَا هِنْد، وَالْأول أصح. كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد خطبهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، وخطبها هُبَيْرَة بن أبي وهب المَخْزُومِي، فَزَوجهَا أَبُو طَالب من هُبَيْرَة، فَولدت لَهُ جعدة وعمرا ويوسف وهانئا، وَأسْلمت فَفرق الْإِسْلَام بَينهمَا، وخطبها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: وَالله إِن كنت لَأحبك فِي الْجَاهِلِيَّة فَكيف فِي الْإِسْلَام؟ وَلَكِنِّي امْرَأَة مصبية. فَسكت عَنْهَا. وَأخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد فِي صَلَاة الضُّحَى. 2705 - / 3503 - وَفِيه: يَا رَسُول الله! ، زعم ابْن أُمِّي عَليّ بن أبي طَالب أَنه قَاتل رجلا قد أجرته، فلَان بن هُبَيْرَة. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " قد أجرنا من أجرت ". قد اخْتلفت الْأَحَادِيث: هَل صلى رَسُول الله الضُّحَى أم لَا؟ وَوجه الِاخْتِلَاف أَن من رَآهُ يُصليهَا روى ذَلِك، وَمن لم يره قَالَ: مَا صلاهَا. فَأَما عدد ركعاتها: فَفِي حَدِيث أم هَانِئ أَنه صلاهَا ثَمَان رَكْعَات , وَهُوَ أصح حَدِيث فِي الْبَاب. وَفِي حَدِيث عَائِشَة أَربع رَكْعَات , وَفِي الحديث: 2705 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 حَدِيث جَابر سِتّ رَكْعَات , وروى جُبَير بن مطعم أَنه صلاهَا رَكْعَتَيْنِ. وَالْوَجْه فِي هَذِه الْأَحَادِيث أَنه من شَاءَ أقل وَمن شَاءَ أَكثر: وَفِي حَدِيث أبي ذَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " إِن صليت الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لم تكْتب من الغافلين , فَإِن صليت أَرْبعا كتبت من العابدين , فَإِن صليت سِتا لم يتبعك فِي ذَلِك الْيَوْم ذَنْب , وَإِن صليت ثمانيا كتبت من القانتين , وَإِن صليت ثِنْتَيْ عشرَة بنى الله عز وَجل لَك بَيْتا فِي الْجنَّة ". وَأما وَقتهَا فقد سبق فِي مُسْند زيد بن أَرقم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " صَلَاة الْأَوَّابِينَ حِين ترمض الفصال ". وَقَوْلها: أجرته: أَي آمنته. وَقَوْلها: فلَان بن هُبَيْرَة. قد ذكرنَا ابْن هُبَيْرَة زَوجهَا، وَذكرنَا من ولدت مِنْهُ فَإِن كَانَ من أَوْلَاده مِنْهَا فَالظَّاهِر أَنه جعدة. وَأما الْأمان فَإِنَّهُ يجوز للْإِمَام أَن يعْقد الْأمان لجَمِيع الْمُشْركين ولآحادهم، وَيجوز للأمير أَن يعْقد للبلد الَّذِي أقيم بإزائه. وَأما آحَاد الرّعية فَيجوز لَهُم أَن يعْقد للْوَاحِد وَالْعشرَة والقافلة. وَيصِح أَمَان الْمُسلم الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 الْعَاقِل سَوَاء كَانَ ذكرا أَو أُنْثَى حرا أَو مَمْلُوكا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح أَمَان العَبْد إِلَّا أَن يكون مَأْذُونا لَهُ فِي الْقِتَال. وَيصِح أَمَان الصَّبِي الْمُمَيز الَّذِي يعقل، خلافًا لأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 (223) كشف الْمُشكل من مُسْند أم الْفضل لبَابَة بنت الْحَارِث بن حزن وَهِي أول امْرَأَة أسلمت بعد خَدِيجَة، تزَوجهَا الْعَبَّاس فَولدت لَهُ الْفضل وَعبد الله وَعبيد الله ومعبدا وقثما وَعبد الرَّحْمَن وَأم حبيب، وفيهَا يَقُول عبد الله بن يزِيد الْهِلَالِي: (وَمَا ولدت نحبيبة من فَحل ... ) (كستة من بطن أم الْفضل ... ) (أكْرم بهَا من كهلة وكهل ... ) وَقَالَ مُسَدّد: هن أَربع أَخَوَات: ثِنْتَانِ لأَب وَأم وثنتان لأم، فلبابة بنت الْحَارِث ومَيْمُونَة بنت الْحَارِث أختَان لأَب وَأم. وَأَسْمَاء بنت عُمَيْس وسلمى بنت عُمَيْس أختَان لأَب وَأم، وكلهن بَنَات أم وَاحِدَة اسْمهَا هِنْد بنت عَمْرو بن حماطة الجرشِي. وَأخرج لأم الْفضل فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة أَحَادِيث: 2706 - / 3504 - فَفِي الحَدِيث الأول: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْمغرب {والمرسلات عرفا} الحديث: 2706 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 فِي {المرسلات} قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا الرِّيَاح يتبع بَعْضهَا بَعْضًا، قَالَه ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: الْمَلَائِكَة الَّتِي أرْسلت بِالْمَعْرُوفِ من أَمر الله تَعَالَى وَنَهْيه، قَالَه أَبُو هُرَيْرَة. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أَصله من عرف الْفرس، لِأَنَّهُ سطر مستو بعضه فِي إِثْر بعض. 2707 - / 3505 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ حَدِيث قد تقدم فِي مُسْند مَيْمُونَة. 2708 - / 3506 - وَفِيمَا انْفَرد بِهِ مُسلم: " لَا تحرم الإملاجة والإملاجتان ". الإملاجة: المصة. والملج: المص. يُقَال: ملج الصَّبِي أمه يملجها. وَقيل: الملج: تنَاول الصَّبِي الثدي بِأَدْنَى الْفَم. وَقد بَينا الْخلاف فِي قدر مَا يحرم من الرَّضَاع فِي مُسْند عَائِشَة. الحديث: 2707 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 (224) كشف الْمُشكل من مُسْند أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق أسلمت بِمَكَّة قَدِيما وبايعت، وَتَزَوجهَا الزبير، وَمَاتَتْ بعد قتل ابْنهَا عبد الله بِليَال. وَأخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ اثْنَان وَعِشْرُونَ حَدِيثا. 2709 - / 3507 - فَفِي الحَدِيث الأول: " لَا شَيْء أغير من الله " وَقد سبق فِي مُسْند ابْن مَسْعُود. 2710 - / 3508 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: استفتيت رَسُول الله، قلت: قدمت عَليّ أُمِّي وَهِي راغبة، أفأصل أُمِّي؟ قَالَ: " صلي أمك " فَأنْزل الله تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُم الله عَن الَّذين لم يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين} [الممتحنة: 8] . الاستفتاء: السُّؤَال. وَفِي معنى راغبة قَولَانِ: أَحدهمَا: مُشركَة، فَيكون الْمَعْنى: راغبة عَن ديني. وَالثَّانِي: راغبة فِي بري وصلتي، قَالَه الْخطابِيّ. الحديث: 2709 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 وَاسم أمهَا قتيلة بنت عبد الْعُزَّى، تزَوجهَا أَبُو بكر فَجَاءَت بِعَبْد الله وَأَسْمَاء، وَطَلقهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، فَقدمت الْمَدِينَة فِي زمن الْهُدْنَة حِين كتبُوا الْعَهْد على وضع الْحَرْب، وَجَاءَت مَعهَا بِهَدَايَا من زَيْت وَسمن وَغَيره، فَأَبت أَسمَاء أَن تدْخلهَا بَيتهَا أَو تقبل هديتها حَتَّى أذن لَهَا رَسُول الله فِي ذَلِك. فَأَما قَوْله تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُم الله عَن الَّذين لم يُقَاتِلُوكُمْ} قَالَ ابْن الزبير نزلت فِي أَسمَاء بنت أبي بكر، قدمت عَلَيْهَا أمهَا قتيلة بنت عبد الْعُزَّى الْمَدِينَة بِهَدَايَا، فَلم تقبل هَدَايَاهَا وَلم تدْخلهَا منزلهَا، فَسَأَلت عَائِشَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَنزلت هَذِه الْآيَة، فَأمرهَا رَسُول الله أَن تدْخلهَا منزلهَا وَتقبل هديتها، وتحسن إِلَيْهَا. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هَذِه الْآيَة رخصَة فِي صلَة الَّذين لم ينصبوا الْحَرْب للْمُسلمين، وجوائزهم وَإِن كَانَت الْمُوَالَاة مُنْقَطِعَة. وَقَوله: {وَلم يخرجوكم من دِيَاركُمْ} يَعْنِي مَكَّة {أَن تبروهم وتقسطوا إِلَيْهِم} أَي تعاملوهم بِالْعَدْلِ فِيمَا بَيْنكُم وَبينهمْ. وَقَوله: {وظاهروا على إخراجكم} أَي عاونوا على ذَلِك {أَن تولوهم} إِنَّمَا يَنْهَاكُم عَن أَن توَلّوا هَؤُلَاءِ. 2711 - / 3509 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: تزَوجنِي الزبير وَمَاله غير نَاضِح. الحديث: 2711 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 الناضح وَاحِد النَّوَاضِح: وَهِي الْإِبِل السواني الَّتِي تَسْقِي الزَّرْع وَالنَّخْل. والغرب: الدَّلْو. وَالْأَرْض الَّتِي أقطعه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت من أَمْوَال بني النَّضِير على ثُلثي فَرسَخ من الْمَدِينَة. 2712 - / 3510 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: أَنَّهَا حملت بِعَبْد الله بِمَكَّة. قَالَت: فَخرجت وَأَنا متم أَي مقاربة للولادة. وَكَونه أول مَوْلُود - تَعْنِي للمهاجرين بعد الْهِجْرَة. وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ لما قدمُوا الْمَدِينَة أَقَامُوا لَا يُولد لَهُم مَوْلُود، فَقَالُوا: سحرنَا يهود. فولد ابْن الزبير بقباء فِي شَوَّال على رَأس عشْرين شهرا من الْهِجْرَة. وَأما الْأَنْصَار فولد لَهُم النُّعْمَان بن بشير على رَأس أَرْبَعَة عشر شهرا من الْهِجْرَة، فَكَانَ ابْن الزبير يَقُول النُّعْمَان أسن مني بِسِتَّة أشهر. 2713 - / 3511 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: فَقُمْت حَتَّى تجلاني الغشي. أَي ظهر عَليّ. وتشير بِهَذَا إِلَى قِيَامهَا فِي صَلَاة الْكُسُوف. وَقَوْلها: فَانْصَرف رَسُول الله؛ تَعْنِي من صَلَاة الْكُسُوف. وَقَوْلها: تفتنون فِي الْقُبُور؛ إِشَارَة إِلَى سُؤال مُنكر وَنَكِير، وَمَا توجبه تِلْكَ الهيبة فِي مثل تِلْكَ الْحَال يصلح أَن تشبه بِهِ فتْنَة الدَّجَّال. الحديث: 2712 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 والقطاف: العنقود. وَقَوله: وَأَنا مَعَهم؟ اسْتِفْهَام. أسقطت الْألف. وَقَالَ أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ: وَالصَّحِيح: أَو أَنا مَعَهم؟ . 2714 - / 3512 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: نحرنا على عهد رَسُول الله فرسا فأكلناه. وَهَذَا يدل على إِبَاحَة لحم الْخَيل خلافًا لأبي حنيفَة. وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي مُسْند جَابر. 2715 - / 3513 ، 3514 - والْحَدِيث السَّابِع وَالثَّامِن: قد سبقا فِي مُسْند عَائِشَة. إِلَّا أَن فِي لفظ هَذَا الثَّامِن: أَن امْرَأَة قَالَت: يَا رَسُول الله! ، إِن ابْنَتي أصابتها الحصبة فامرق شعرهَا. وَفِي لفظ: فتمرق. وَهُوَ بالراء غير الْمُعْجَمَة. وَرُبمَا قَرَأَهُ عوام الْمُحدثين بالزاي، وَذَلِكَ غلط. 2716 - / 3515 - وَقد سبق الحَدِيث التَّاسِع فِي مُسْند رَافع بن خديج. الحديث: 2714 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 2717 - / 3516 - وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر: إِن إحدانا يُصِيب ثوبها من دم الْحَيْضَة، فَقَالَ: " تَحْتَهُ ثمَّ تقرصه بِالْمَاءِ ". الحت بِمَعْنى الحك. وَذَلِكَ للمستجسد من الدَّم. والقرص: الفرك. والنضح هَاهُنَا الْغسْل. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: مَعْنَاهُ: اغسليه بأطراف أصابعك. وَمِنْه قيل: قرصت فلَانا. وَإِنَّمَا أَمر بالقرص لِأَن الدَّم وَغَيره إِذا قرص فِي الْغسْل كَانَ أَحْرَى أَن يذهب أَثَره من أَن يغسل بِالْيَدِ كلهَا. 2718 - / 3517 - وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر: " لَا توكي فيوكى عَلَيْك ". أَي: لَا تشدي. يُقَال: أوكيت الْقرْبَة: شددتها بالوكاء: وَهُوَ الْخَيط أَو السّير. وَهَذِه اسْتِعَارَة للبخل، وَالْمعْنَى: لَا تحبسي المَال بخلا. وَقَوله: " لَا تحصي " الإحصاء: الإفراط فِي التَّقَصِّي والاستئثار. وَقَوله: " لَا توعي " أَي لَا تجمعي فِي الْوِعَاء إمساكا وبخلا. وَقَوله: " انفحي " النفح: الرَّمْي بالشَّيْء إِلَى الْمُعْطى، وَهَذِه كِنَايَة عَن السماحة والجود. وَكَذَلِكَ قَوْله: " انضحي " أصل النَّضْح رش المَاء. وَقَوله: " ارضحي " الرضح: الْعَطِيَّة القليلة. وَالْمعْنَى: أعطي مَا قدرت عَلَيْهِ وَإِن قل. الحديث: 2717 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 2719 - / 3518 - والْحَدِيث الثَّانِي عشر قد سبق فِي مَوَاضِع. 2720 - / 3519 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث عشر: نزلنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالحجون وَنحن خفاف الحقائب. الحقائب جمع حقيبة: وَهِي مَا احتقبه الرَّاكِب خَلفه من مهماته وقماشه فِي مَوضِع الرديف. ومسحنا: أَي طفنا بِالْبَيْتِ؛ وَهَذَا لِأَن كل طائف بِالْبَيْتِ يمسح الرُّكْن، فَصَارَ هَذَا اسْما لَازِما للطَّواف، قَالَ عمر بن أبي ربيعَة: (وَلما مسحنا من منى كل حَاجَة ... وَمسح بالأركان من هُوَ ماسح) أَي طَاف من هُوَ طائف. والإهلال: رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ. 2721 - / 3520 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع عشر: يَا هنتاه، مَا أرانا إِلَّا قد غلسنا. فَقَالَت: إِن رَسُول الله أذن للظعن. قد سبق معنى يَا هنتاه فِي مُسْند عَائِشَة الحديث: 2719 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 وَسبق معنى الظعن، وأنهن النِّسَاء. وَالْمعْنَى: أذن لَهُنَّ فِي التَّقَدُّم لَيْلَة جمع. وَقد بَينا هَذَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَقَوله: قد غلسنا: أَي فِي رمي الْجَمْرَة. وَالْقَمَر يغيب ليلتئذ قبيل الْفجْر. وَقد اتّفق الْعلمَاء على أَنه لَا يجوز رمي الْجَمْرَة قبل نصف اللَّيْل. وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز بعد نصف اللَّيْل. وَقَالَ أَكثر الْعلمَاء: لَا يجوز إِلَّا بعد الْفجْر. 2722 - / 3521 - وَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد البُخَارِيّ: سميت أَسمَاء ذَات النطاقين. فِي هَذَا قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنَّهَا شقَّتْ نطاقها نِصْفَيْنِ، فَربطت سقاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِوَاحِد، وَلذَلِك سميت ذَات النطاقين. وَهَذَا مَذْكُور فِي الحَدِيث. وَالثَّانِي: أَنَّهَا كَانَت تلبس نطاقين. وَقد ذَكرْنَاهُ فِي مُسْند عَائِشَة عَن بعض الْعلمَاء. وَقَوله: كَانَ أهل الشَّام. يَعْنِي أَصْحَاب الْحجَّاج لما جَاءَ لقِتَال ابْن الزبير فِي الْحرم يُعَيِّرُونَهُ. التعيير: ذكر مَا يُوجب الْعَار. الحديث: 2722 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 قَوْلهَا: إيها والإله. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: إيها بِمَعْنى الارتضاء للشَّيْء والتصديق لِلْقَوْلِ، وَلها مَوَاضِع أخر، وَذَلِكَ إِذا أسكت رجلا قلت: إيها عَنَّا، فَإِذا أغريته بِشَيْء قلت: ويها. وَإِذا تعجبت من طيب شَيْء قلت: واها مِنْهُ، قَالَ أَبُو النَّجْم: (واها لريا ثمَّ واها واها ... ) وَقَوله: تِلْكَ شكاة ظَاهر عَنْك عارها. هَذَا بعض بَيت من شعر أبي ذُؤَيْب، وأوله: (وعيرها الواشون أَنِّي أحبها ... وَتلك شكاة ظَاهر عَنْك عارها) (فَإِن أعْتَذر مِنْهَا فَإِنِّي مكذب ... وَإِن تعتذر يردد عَلَيْك اعتذارها) والشكاة: الْعَيْب والذم. وَمعنى: ظَاهر عَنْك عارها: أَي لَا يعلق بك الْعَيْب، وَلكنه ينبو عَنْك، وَهُوَ من قَوْلهم: ظهر فلَان على السَّطْح: أَي علا عَلَيْهِ. قَالَ الله عز وَجل: {فَمَا اسطاعوا أَن يظهروه} [الْكَهْف: 97] أَي يعلوا عَلَيْهِ. وَالْمعْنَى: تعييرهم بذلك لَا يحط مِنْك. أخبرنَا مُحَمَّد بن أبي مَنْصُور قَالَ: أخبرنَا جَعْفَر بن أَحْمد قَالَ: أخبرنَا عبد الْعَزِيز بن الْحسن الضراب قَالَ: حَدثنَا أبي قَالَ: حَدثنَا أَحْمد ابْن مَرْوَان قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْقرشِي قَالَ: حَدثنَا أبي قَالَ: حَدثنَا الْأَصْمَعِي عَن ابْن أبي الزِّنَاد قَالَ: كَانَ أهل الشَّام ينادون ابْن الزبير: يَا ابْن ذَات النطاقين. فَيَقُول: أَنا ابْنهَا حَقًا، أَنا ابْنهَا حَقًا، وَجعل الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 يَقُول: (وعيرها الواشون أَنِّي أحبها ... وَتلك شكاة ظَاهر عَنْك عارها) 2723 - / 3522 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: رَأَيْت زيد بن عَمْرو بن نفَيْل قَائِما مُسْندًا ظَهره إِلَى الْكَعْبَة يَقُول: يَا معشر قُرَيْش! وَالله مَا مِنْكُم على دين إِبْرَاهِيم غَيْرِي. كَانَ زيد بن عَمْرو قد وهب لَهُ عقل رصين يعْمل بِمُقْتَضَاهُ، وتلاه تتبع للكتب والْآثَار، فاهتدى إِلَى دين الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وَأقر بتوحيد الْإِلَه سُبْحَانَهُ. وَمعنى: يحيي الموءودة: يمْنَع قَتلهَا. وترعرعت: قويت على الْحَرَكَة. 2724 - / 3526 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي من أَفْرَاد مُسلم: ذكر مئثرة الأرجوان. قد ذكرنَا المئثرة فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام. والديباج فِي مُسْند حُذَيْفَة. وَأما الأرجوان فَقَالَ أَبُو عبيد: الشَّديد الْحمرَة، وَلَا يُقَال لغير الْحمرَة أرجوان. الحديث: 2723 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 والبهرمان دونه بِشَيْء من الْحمرَة. والمفدم: المشبع حمرَة. وَقَوله: وفرجيها مكفوفين بالديباج. الْفرج: الشق. وَقد ذكرنَا مَا يُبَاح من الْحَرِير فِي الثَّوْب فِي مُسْند عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ 0 2725 - / 3527 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: أَنَّهَا تقدّمت إِلَى الزبير فَقَالَ: استرخي عني. أَي: ابعدي عني، لأجل الْإِحْرَام. 2726 - / 3528 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: عَن أبي نَوْفَل قَالَ: رَأَيْت عبد الله بن الزبير على عقبَة الْمَدِينَة. أَي رَأَيْته مصلوبا عَلَيْهَا. وَكَأَنَّهَا عقبَة يذهب مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَة فَإِن هَذَا كَانَ بِمَكَّة. قَوْله: وَأُلْقِي فِي مَقَابِر الْيَهُود. كَانَ الْيَهُود قَدِيما قد سكنوا الْحجاز، فروى مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَمَّن لَا يتهم عَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ: بعث مُوسَى بعثا إِلَى الْحجاز وَأمرهمْ بقتل الْكفَّار، فظفروا وَقتلُوا العمالقة حَتَّى انْتَهوا إِلَى ملكهم - الَّذِي كَانَ يُقَال لَهُ الأرقم - يَتِيما، فَقَتَلُوهُ وَأَصَابُوا ابْنا لَهُ لم ير - زَعَمُوا - أحسن مِنْهُ، فضنوا بِهِ عَن الْقَتْل، فَأَجْمعُوا على أَن الحديث: 2725 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 456 يقدموا بِهِ على مُوسَى ليرى فِيهِ رَأْيه، فقدموا بِهِ، وَتُوفِّي مُوسَى قبل قدومه، فَتَلقاهُمْ النَّاس وأخبروهم بِفَتْح الله عَلَيْهِم، فَقَالُوا لَهُم: هَل استبقيتم أحدا؟ قَالُوا: هَذَا الْفَتى ليرى نَبِي الله فِيهِ رَأْيه. فَقَالُوا: إِن هَذِه لمعصية خالفتم فِيهَا نَبِيكُم، لَا تدْخلُوا علينا بِلَادنَا، فحالوا بَينهم وَبَين الشَّام، فَقَالُوا: مَا نرى بَلَدا إِذْ منعتم بِلَادكُمْ خيرا لكم من الْبِلَاد الَّتِي جئْتُمْ مِنْهَا يعنون الْحجاز، فَكَانَ ذَلِك أول سُكْنى الْيَهُود الْحجاز. فَأَما الْقُرُون فعنى بهَا الشّعْر. والسبتيان: النَّعْلَانِ. والسبت: جُلُود الْبَقر المدبوغة بالقرظ يتَّخذ مِنْهَا النِّعَال وَلَا شعر عَلَيْهَا. وَقد ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند ابْن عمر. وَقَوله: يتوذف. قَالَ أَبُو عبيد: التوذف: التَّبَخْتُر. وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يَقُول: التوذف: الْإِسْرَاع، قَالَ بشر بن أبي خازم: (يُعْطي النجائب بالرحال كَأَنَّهَا ... بقرالصرائم والجياد توذف) وَأما الْكذَّاب فَهُوَ الْمُخْتَار بن أبي عبيد. والمبير: المهلك. وَقَوْلها: لَا إخالك: لَا أَظُنك، وَألف إخال مَكْسُورَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 (225) كشف الْمُشكل من مُسْند أم كُلْثُوم بنت عقبَة بن أبي معيط أسلمت بِمَكَّة، وبايعت رَسُول الله قبل الْهِجْرَة، وَهِي أول من هَاجر من النِّسَاء بعد هِجْرَة رَسُول الله. قَالَ مُحَمَّد بن سعد: وَلَا نعلم قرشية خرجت من بَيت أَبَوَيْهَا مسلمة مهاجرة إِلَّا هِيَ، فَإِنَّهَا خرجت وَحدهَا، وصاحبت رجلا من خُزَاعَة حَتَّى قدمت الْمَدِينَة فِي هدنة الْحُدَيْبِيَة. وَقد ذكرنَا قصَّتهَا، وَكَيف نزل فِيهَا: {فامتحنوهن} [الممتحنة: 10] فِي مُسْند الْمسور بن مخرمَة. وَلم يكن لَهَا زوج، فَتَزَوجهَا زيد بن حَارِثَة ثمَّ قتل عَنْهَا، فَتَزَوجهَا الزبير بن الْعَوام ثمَّ طَلقهَا، فَتَزَوجهَا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَمَات عَنْهَا، فَتَزَوجهَا عَمْرو بن الْعَاصِ فَمَاتَتْ عِنْده. وَأخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد. 2727 - / 3529 - " لَيْسَ الْكذَّاب الَّذِي يصلح بَين النَّاس فينمي خيرا أَو يَقُول خيرا ". أما قَوْله: " فينمي خيرا " فَكَذَلِك ذكره أَبُو عبيد بِالتَّخْفِيفِ، وَقَالَ: نميت الحَدِيث، بِالتَّخْفِيفِ: إِذا نقلته على وَجه الْإِصْلَاح، ونميته بِالتَّشْدِيدِ: إِذا نقلته على جِهَة الْإِفْسَاد. قَالَ: وكل شَيْء رفعته فقد نميته، وَمِنْه قَول النَّابِغَة: الحديث: 2727 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 ( ... . . ... وانم القتود على عيرانة أجد) ونمى الخضاب فِي الْيَد وَالشعر: إِنَّمَا هُوَ ارْتَفع وَعلا، فَهُوَ ينمي، وينمو لُغَة. وَقد وَافق أَبَا عبيد فِي هَذَا جمَاعَة مِنْهُم ابْن قُتَيْبَة. وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: أَكثر الْمُحدثين يَقُولُونَ: ونمى خيرا بتَخْفِيف الْمِيم. قَالَ: وَهَذَا لَا يجوز فِي النَّحْو، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يلحن، وَمن خفف الْمِيم لزمَه أَن يَقُول: " خير " بِالرَّفْع. وَأما الرُّخْصَة فِي الْكَذِب فِي هَذِه الْأَمَاكِن الثَّلَاثَة فَاعْلَم أَن الْكَذِب لَيْسَ حَرَامًا لعَينه، بل لما فِيهِ من الضَّرَر، وَالْكَلَام وَسِيلَة إِلَى الْمَقَاصِد، فَكل مَقْصُود مَحْمُود يُمكن أَن يتَوَصَّل إِلَيْهِ بِالصّدقِ وَالْكذب جَمِيعًا فالكذب فِيهِ حرَام، وَإِن أمكن التَّوَصُّل إِلَيْهِ بِالْكَذِبِ دون الصدْق فالكذب فِيهِ مُبَاح إِذا كَانَ تَحْصِيل ذَلِك الْمَقْصُود مُبَاحا، وواجب إِذا كَانَ الْمَقْصُود وَاجِبا، كَمَا لَو رأى رجلا يسْعَى وَرَاء رجل بِسيف ليضربه وَهُوَ يعلم أَنه ظَالِم، فَسَأَلَهُ، هَل رَأَيْته؟ فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ أَن يَقُول: لَا، لِئَلَّا يعين على سفك دم مُسلم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 وَإِذا لم يتم مَقْصُود حَرْب أَو إصْلَاح ذَات بَين واستمالة قلب الْمَجْنِي عَلَيْهِ إِلَّا بكذب فَذَلِك مُبَاح، إِلَّا أَنه يَنْبَغِي أَن يحْتَرز عَنهُ، ويورى بالمعاريض مهما أمكن. وَيتبع هَذِه الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة أَن يَأْخُذهُ ظَالِم ويسأله عَن مَاله فَلهُ أَن يُنكر، ويسأله عَن فَاحِشَة بَينه وَبَين ربه عز وَجل فَلهُ أَن يُنكر. وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِأَن الْمَحْذُور الَّذِي يحصل بِالصّدقِ أَشد وَقعا فِي الشَّرْع من الْكَذِب، وَإِن كَانَ الْمَقْصُود أَهْون من مَقْصُود الصدْق وَجب الصدْق، وَقد يتقابل الْأَمْرَانِ فالميل حِينَئِذٍ إِلَى الصدْق أولى؛ لِأَن الْكَذِب إِنَّمَا أُبِيح لضَرُورَة أَو حَاجَة مهمة، فَإِذا شكّ فِي كَونهَا مهمة فَالْأَصْل التَّحْرِيم. ولغموض إِدْرَاك مَرَاتِب الْمَقَاصِد وَجب الِاحْتِرَاز من الْكَذِب مهما أمكن، فَهَذَا الْكَلَام فِي بَيَان الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة وَمَا أشبههَا على أَنَّهَا من كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَكَذَا رَوَاهَا أَكثر النَّاس، وأخرجت فِي الصَّحِيح بِلَفْظ: قَالَت - يَعْنِي أم كُلْثُوم: لم أسمعهُ - تَعْنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقد أَنبأَنَا عبد الْوَهَّاب الْحَافِظ قَالَ: أخبرنَا جَعْفَر بن أَحْمد السراج قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت قَالَ: قَالَ مُوسَى بن هَارُون: قد وَقع فِي هَذَا الحَدِيث وهم غليظ جدا، وَهُوَ أَن آخر حَدِيث رَسُول الله: " فينمي خيرا أَو يَقُول خيرا " وَقَوله: وَلم أسمعهُ يرخص فِي الْكَذِب إِلَّا فِي ثَلَاث من كَلَام الزُّهْرِيّ. وَقد فصل الْكَلَامَيْنِ يُونُس بن زيد وَمعمر، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 وَبينا أَن قَوْله: وَلم أسمعهُ يرخص - كَلَام ابْن شهَاب. قَالَ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ: ويقوى فِي نَفسِي أَن الْحق مَعَهُمَا، وَالْقَوْل قَوْلهمَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 (226) كشف الْمُشكل من مُسْند أم قيس بنت مُحصن الأَسدِية أُخْت عكاشة. أخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان. 2728 - / 3530 - أَحدهمَا: أَن صَبيا صَغِيرا لم يَأْكُل الطَّعَام بَال على ثوب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنضحه وَلم يغسلهُ. النَّضْح هَاهُنَا الرش. وَهَذَا الحَدِيث يدل على الِاكْتِفَاء بالرش لبول الْغُلَام الَّذِي لم يَأْكُل الطَّعَام. وَقد سبق هَذَا فِي مُسْند عَائِشَة. 2729 - / 3531 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: دخلت بِابْن لي على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أعلقت على من الْعذرَة. أعلقت عَلَيْهِ بِمَعْنى دفعت عَنهُ بالغمز. قَالَ الْأَصْمَعِي: الإعلاق: أَن ترفع الْعذرَة بِالْيَدِ. والعذرة: قريب من اللهاة. وَكَانَ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّة يُقَال: أعلق فلَان لفُلَان إعلاقا. وَقَالَ أَبُو عبيد: الدغر: غمز الْحلق للعذرة، وَهُوَ وجع يهيج فِي الحديث: 2728 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 الْحلق من الدَّم، فَإِذا عولج مِنْهُ صَاحبه قيل: عذرته فَهُوَ مَعْذُور، قَالَ جرير: (غمز ابْن مرّة يَا فرزدق كينها ... غمز الطَّبِيب نغانغ الْمَعْذُور) والدغر: أَن ترفع الْمَرْأَة ذَلِك الْموضع بإصبعها. وَمن الدغر قَول عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام: لَا قطع فِي الدغرة. والمحدثون يَقُولُونَ: الدغرة، بِفَتْح الْغَيْن: وَهِي الخلسة. وَيُقَال فِي الْمثل: " دغرا لَا صفا " يَقُول: ادغروا عَلَيْهِم وَلَا تصافوهم. وَيُقَال: " دغرى لَا صفى " مثل: حلقى عقرى. وَيُقَال: دغرى مثل جمزى، قَالَ الراجز: (قَالَت عمان دغرى لَا صفا ... ) وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْعذرَة: وجع الْحلق، وَأكْثر مَا تعتري الصّبيان فيعلق عَلَيْهِم، والإعلاق والدغر شَيْء وَاحِد: وَهُوَ أَن يرفع اللهاة. وَقَوله: " بِهَذَا العلاق " قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: الصَّوَاب: بِهَذَا الإعلاق مصدر أعلقت عَنهُ. وَأما اللدود فَهُوَ مَا دس فِي الْأَدْوِيَة فِي دَاخل الْفَم من جانبيه. وَالْعود الْهِنْدِيّ: هُوَ الكست، وَهُوَ الْقسْط، يُقَال: كافور وقافور. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 (228) كشف الْمُشكل من مُسْند فَاطِمَة بنت قيس أخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة أَحَادِيث. 2730 - / 3534 - فَفِي الحَدِيث الأول من أَفْرَاد مُسلم: قلت: يَا رَسُول الله! زَوجي طَلقنِي ثَلَاثًا، وأخاف أَن يقتحم عَليّ. فَأمرهَا فتحولت. الاقتحام: الدُّخُول بِسُرْعَة. وَكَأَنَّهَا خَافت على نَفسهَا لوحدتها. وَقد تقدم فِي مُسْند عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: كَانَت فَاطِمَة فِي مَكَان وَحشِي فَلذَلِك أرخص لَهَا فِي الْخُرُوج، فَهَذَا تَأْوِيل عَائِشَة، وَيخرج على مَذْهَب أبي حنيفَة؛ فَإِن عِنْده يجب على المبتوتة أم تَعْتَد فِي الْمنزل الَّذِي طَلقهَا فِيهِ إِذا لم يكن عذر يمْنَع. وَفِي مَذْهَب أَحْمد بن حَنْبَل أَنه لَا يجب على المبتوتة أَن تَعْتَد فِي منزل زَوجهَا، وَلها أَن تَعْتَد فِي غَيره. وَإِنَّمَا أمرهَا بالتحول لِأَنَّهَا لَا حق لَهَا فِي السُّكْنَى. وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا فِي الحَدِيث الَّذِي بعده إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 2731 - / 3535 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: أَن زَوجهَا طَلقهَا الْبَتَّةَ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا نَفَقَة لَك وَلَا سُكْنى ". الحديث: 2730 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 الْمَنْصُور من مَذْهَب أَحْمد أَن الْمُطلقَة لَا نَفَقَة لَهَا وَلَا سُكْنى. وَعَن أَحْمد: لَهَا السُّكْنَى دون النَّفَقَة، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى جَمِيعًا. وَقَول مَرْوَان: سنأخذ بالعصمة الَّتِي وجدنَا النَّاس عَلَيْهَا: أَي بِمَا اعتصموا بِهِ؛ أَي تمسكوا بِهِ مِمَّا يُخَالف هَذَا الحَدِيث. وَفِي كتاب مُسلم " بالقضية " مَكَان " الْعِصْمَة " وَالْمعْنَى: بِمَا يقْضِي بِهِ النَّاس. وَأما رطب ابْن طَابَ فَقَالَ البستي: هُوَ اسْم لنَوْع من ألوان التَّمْر مَنْسُوب إِلَى ابْن طَابَ. وَأما السلت فَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: هُوَ ضرب من الشّعير، رَقِيق القشر، صغَار الْحبّ. أما قَول عمر: لَا نَتْرُك كتاب الله، وتلا: {لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ} [الطَّلَاق: 1] فَإِن فَاطِمَة تأولت الْآيَة وَقَالَت: هَذِه لمن كَانَ لَهَا مُرَاجعَة، فَأَي أَمر يحدث بعد الثَّلَاث. وَكَانَ سعيد بن الْمسيب يَقُول: إِنَّمَا نقلت من بيُوت أحمائها لطول لسانها، وَهُوَ معنى قَوْله: {إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة} . وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن عَبَّاس: {إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة} قَالَ: إِلَّا أَن تبذو على أَهله. وَقد رُوِيَ عَن سعيد بن الْمسيب أَيْضا أَن الْفَاحِشَة: أَن تصيب حدا فَتخرج لإِقَامَة الْحَد عَلَيْهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 وَقَوله فِي مُعَاوِيَة " ترب لَا مَال لَهُ " أَي فَقير. وَهَذَا على وَجه النَّصِيحَة وَشرح الْحَال لَا وَجه الْغَيْبَة. وَقَوْلها حِين قيل لَهَا: تزوجي أُسَامَة، فَقَالَت: أُسَامَة! تحقير، لِأَنَّهَا كَانَت فِي شرف من نَسَبهَا، وَرَأَتْ أَنه مولى. والاغتباط: الْحُصُول فِيمَا يغتبط بِهِ الْإِنْسَان: أَي: يَشْتَهِي مثله. وَأَبُو زيد هُوَ أُسَامَة، كَانَ لَهُ ولد يُقَال لَهُ زيد فكنته بِهِ، وَإِنَّمَا كنيته الْمَشْهُورَة أَبُو مُحَمَّد. وَجُمْلَة أَوْلَاده مُحَمَّد وَحسن وحسين وَجبير وَعَائِشَة وَهِنْد. 2732 - / 3536 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " حَدثنِي تَمِيم أَنه ركب فِي سفينة ثمَّ أرفؤوا إِلَى جَزِيرَة ". أرفؤوا: قربوا إِلَى الشط. تَقول: أرفأت السَّفِينَة: إِذا قربتها إِلَى الشط، وَذَلِكَ الْموضع مرفأ. والجزيرة: المنقطعة عَن المَاء. وَقَالَ ابْن فَارس: والجزر: الْقطع، وَسميت الجزيرة لانقطاعها عَن مُعظم الأَرْض. وَأقرب السَّفِينَة جمع قَارب. قَالَ الْحميدِي: القارب سفينة صَغِيرَة الحديث: 2732 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 تكون مَعَ أَصْحَاب السفن البحرية يستعجلون بهَا حَوَائِجه، فَلَعَلَّ قَوْله: أقربها جمع لذَلِك. قَالَ: وَقد سَمِعت من يَقُول: إِلَّا أَن هَذَا الْجمع يبعد عِنْدِي. والأهلب: الغليظ الشّعْر الخشن. وَقَوله: مَا يَدْرُونَ قبله من دبره. يَعْنِي لِكَثْرَة شعره. وَقَوْلها: أَنا الْجَسَّاسَة. هُوَ اسْم مَأْخُوذ من التَّجَسُّس: وَهُوَ الفحص عَن بواطن الْأُمُور. ومعظم مَا يذكر التَّجَسُّس فِي الشَّرّ. وَالْفرق: الْفَزع. واغتلم: هاج، يشبه فِي ذَلِك بالفحل. والوشيك: الْقَرِيب. وَقَوله: صَلتا. أَي مسلولا من غمده، تهيؤا للضرب بِهِ. والنقب: الطَّرِيق فِي الْجَبَل. وَجمعه أنقاب. والمخصرة: عَصا أَو قضيب كَانَت تكون مَعَ الْملك إِذا تكلم، أَو الْخَاطِب. وطيبة: اسْم الْمَدِينَة وَهُوَ اسْم مَأْخُوذ من الطّيب، وَقد سبق بَيَان هَذَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 (230) كشف الْمُشكل من مُسْند أم حرَام بنت ملْحَان خَالَة أنس بن مَالك. أسلمت وبايعت. وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقيل فِي بَيتهَا. أخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيث وَاحِد. 2733 - / 3538 - وَفِيه أَنَّهَا كَانَت تفلي رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. إِنَّمَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقيل فِي بَيتهَا، وتفلي رَأسه لقرابة بَينهمَا. وَقد روى أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي كتاب " التَّمْهِيد " عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى قَالَ: قَالَ لنا ابْن وهب: أم حرَام إِحْدَى خالات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الرضَاعَة. فَلهَذَا كَانَ يقيل عِنْدهَا وينام فِي حجرها، وتفلي رَأسه. وَعَن يحيى بن إِبْرَاهِيم قَالَ: إِنَّمَا استجاز رَسُول الله أَن تفلي رَأسه أم حرَام، لِأَنَّهَا كَانَت مِنْهُ ذَات محرم من قبل خالاته، لِأَن أم عبد الْمطلب بن هَاشم كَانَت من بني النجار. والثبج: مَا بَين الْكَاهِل إِلَى الظّهْر. والأثبج: الناتئ الثبج: وَهُوَ الَّذِي صغر فِي الحَدِيث: الأثيبج. وَقَوله: قد أوجبوا: أَي وَجَبت لَهُم الْجنَّة. الحديث: 2733 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 (231) كشف الْمُشكل من مُسْند أم سليم بنت ملْحَان أم أنس. وَيُقَال لَهَا الرميصاء والغميصاء. قَالَ ابْن الكسيت: الغمص: مَا سَالَ والرمص: مَا جمد. وَاخْتلفُوا فِي اسْمهَا على أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: سهلة. وَالثَّانِي: رميلة. وَالثَّالِث: رميثة. وَالرَّابِع: أنيفة. تزَوجهَا مَالك بن النَّضر فَولدت لَهُ أنسا، ثمَّ قتل عَنْهَا مُشْركًا، فَخَطَبَهَا أَبُو طَلْحَة وَهُوَ مُشْرك، فَأَبت ودعته إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم، قَالَت: فَإِنِّي أتزوجك وَلَا آخذ مِنْك صَدَاقا غَيره، فَتَزَوجهَا. وَكَانَت قد شهِدت أحدا وحنينا. أخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَرْبَعَة أَحَادِيث. 2734 - / 3542 - فَفِي بعض الْأَحَادِيث: عرقك أدوف بِهِ طيبي. وفيهَا: كَانَ يُصَلِّي على الْخمْرَة. الحديث: 2734 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 فَأَما قَوْلهَا: أدوف، فَإِنَّهُ يُقَال: دفت الدَّوَاء أدوفه دوفا: إِذا خلطته. وَيُقَال: مدوف ومدووف، مثل مصون ومصوون، وَلَيْسَ لَهما نَظِير. والخمرة قد فسرناها آنِفا فِي مُسْند مَيْمُونَة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 470 (232) كشف الْمُشكل من مُسْند زَيْنَب بنت أبي مُعَاوِيَة الثقفية امْرَأَة ابْن مَسْعُود. أخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان. 2735 - / 3543 - فَفِي الحَدِيث الأول: أَنَّهَا قَالَت لعبد الله: إِنَّك رجل خَفِيف ذَات الْيَد. وَهَذَا كِنَايَة عَن الْفقر. وَقد اسْتدلَّ أَصْحَابنَا بِهَذَا الحَدِيث على جَوَاز دفع الْمَرْأَة زَكَاتهَا إِلَى زَوجهَا. وَفِيه عَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: تجوز، كَقَوْل الشَّافِعِي. وَالْأُخْرَى: لَا تجوز كَقَوْل أبي حنيفَة. وَمن لم يجز ذَلِك حمل الحَدِيث على صَدَقَة التَّطَوُّع. وَاحْتج من أجَاز بقولِهَا: أتجزي عني؟ والإجزاء إِنَّمَا يكون فِي الْفَرْض. وَقد تَأَوَّلَه الْآخرُونَ فَقَالُوا: الْمَعْنى: أتجزي فِي تَحْصِيل أجر الصَّدَقَة؟ . 2736 - / 3544 - وَفِي الحَدِيث الثَّانِي: " إِذا شهِدت إحداكن الْعشَاء فَلَا تطيب تِلْكَ اللَّيْلَة ". الْمَعْنى إِذا أَرَادَت شُهُود الْعشَاء. وَإِنَّمَا نهاها عَن التَّطَيُّب لِأَن الطّيب ينم على صَاحبه فَيُوجب الِالْتِفَات إِلَيْهَا. الحديث: 2735 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 471 (234) كشف الْمُشكل من مُسْند الرّبيع بنت معوذ بن عفراء أخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَلَاثَة أَحَادِيث. 2737 - / 3547 - فَفِي الحَدِيث الأول: " كُنَّا نَصُوم صبياننا يَوْم عَاشُورَاء، ونجعل لَهُم اللعبة من العهن نلهيهم. قَالَ الزّجاج: العهن: الصُّوف. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: هُوَ الصُّوف الْمَصْبُوغ. وَفِي هَذَا الحَدِيث تدريج الصّبيان بالنفل إِلَى زمَان فعل الْوَاجِب. 2738 - / 3549 - وَفِي حَدِيث للْبُخَارِيّ: دخل عَليّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَدَاة بني عَليّ. يُقَال: بني الرجل على زَوجته: إِذا دخل بهَا. وَأَصله أَنهم كَانُوا يضْربُونَ قبَّة لمن يدْخل بأَهْله. وَقد سبق هَذَا. الحديث: 2737 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 472 وَالنَّدْب: ذكر الْمَوْتَى والتحزن عَلَيْهِم. وَفِي هَذَا الحَدِيث إِبَاحَة الضَّرْب بالدف فِي الْعرس. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 (235) كشف الْمُشكل من مُسْند أم عَطِيَّة الْأَنْصَارِيَّة وَاسْمهَا نسيبة - بالنُّون المضمومة مَعَ فتح السِّين - بنت كَعْب. وَفِي الصحابيات امْرَأَتَانِ يشاركانها فِي هَذَا الِاسْم: نسيبة بنت رَافع بن الْمُعَلَّى، ونسيبة بنت نيار بن الْحَارِث. أما نسيبة بِفَتْح النُّون وَكسر السِّين فَثَلَاث: نسيبة بنت ثَابت بن عصيمة، ونسيبة بنت سماك بن النُّعْمَان، ونسيبة بنت كَعْب، وَهِي أم عمَارَة الْأَنْصَارِيَّة، وَكَذَلِكَ سَمَّاهَا الْأَكْثَرُونَ - أَعنِي أم عمَارَة. وَكَذَلِكَ ذكرهَا ابْن مَاكُولَا الْحَافِظ. وَقد ذكرهَا ابْن إِسْحَاق فِي " الْمَغَازِي " فَقَالَ: لسينة بِاللَّامِ المضمومة وبالنون، وَوَافَقَهُ الطَّبَرَانِيّ. وَقد اتّفقت أم عَطِيَّة وَأم عمَارَة فِي اسْم الْأَب. وَأخرج لأم عَطِيَّة فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَمَانِيَة أَحَادِيث. 2739 - / 3550 - فَفِي الحَدِيث الأول: دخل علينا رَسُول الله حِين الحديث: 2739 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 توفيت ابْنَته فَقَالَ: " اغسلنها ثَلَاثًا أَو خمْسا ". هَذِه الْبِنْت هِيَ زَيْنَب. وَفِي الحَدِيث اسْتِحْبَاب أَن تكون الغسلات وترا. وَقد صرح بذلك فِي بعض الْأَلْفَاظ. وَفِيه اسْتِحْبَاب الكافور فِي الغسلة الْأَخِيرَة، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأحمد بن حَنْبَل. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يسْتَحبّ. والحقو: الْإِزَار هَاهُنَا، وَالْأَصْل فِي الحقو معقد الْإِزَار. وجميعه أَحَق وأحقاء وحقي. وَقيل للإزار: حقو؛ لِأَنَّهُ يشد على الحقو. وَقَوله: " أشعرنها إِيَّاه " أَي اجعلنه مِمَّا يَلِي جَسدهَا. وَقَوله: ضفرنا شعرهَا ثَلَاثَة قُرُون. عندنَا أَن السّنة أَن يضفر شعر الْميتَة ثَلَاثَة قُرُون ويلقى خلفهَا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره ذَلِك، وَلَكِن ترسله الغاسلة غير مضفور من بَين يَديهَا من الْجَانِبَيْنِ، وتسدل خمارها عَلَيْهِ. وَعِنْدنَا أَلا يسرح شعر الْمَيِّت، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، فَيحمل قَول أم عَطِيَّة: مشطناها، على ضفره. وَقد قَالَ ابْن حَامِد من أَصْحَابنَا: يسرح، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 475 وَأما قَوْلهَا: إِلَّا آل فلَان. تَعْنِي أَنَّهَا تقضي حَقهم فِي المصائب. فَقَالَ: " إِلَّا آل فلَان " فَيحْتَمل أَن يكون إِذْنا خَاصّا، وَيحْتَمل أَن يكون أذن لَهَا فِي لقائهم لَا فِي النِّيَاحَة. وَيحْتَمل أَن يكون قَوْله: " إِلَّا آل فلَان " إِعَادَة لكلامها على وَجه الْإِنْكَار لَهُ كَمَا قَالَ للمستأذن حِين قَالَ: أَنا، فَقَالَ هُوَ: " أَنا أَنا ". 2740 - / 3552 - وَفِي الحَدِيث الثَّالِث: أمرنَا أَن نخرج وَنخرج الْحيض والعواتق. الْإِشَارَة بِالْخرُوجِ إِلَى صَلَاة الْعِيد. وَالْحيض جمع حَائِض. والعواتق جمع عاتق. والعاتق من الْجَوَارِي: المدركة حِين أدْركْت فخدرت: أَي ألزمت الخدر والستر فِيهِ. واعتزال الْمصلى للْحيض خَاصَّة. والجلباب: مَا تتغطى بِهِ الْمَرْأَة من ثوب وَغَيره. 2741 - / 3553 - وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: بعث إِلَى نسيبة بِشَاة، فَأرْسلت إِلَى عَائِشَة مِنْهَا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " هَات، فقد بلغت محلهَا ". الحديث: 2740 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 476 كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد بعث إِلَى نسيبة بِشَاة من الصَّدَقَة، فَأَهْدَتْ مِنْهَا نسيبة إِلَى عَائِشَة، فَقَالَ رَسُول الله: " قد بلغت محلهَا " وَقد فسرنا هَذَا فِي مُسْند جوَيْرِية. 2742 - / 3554 - وَفِي الحَدِيث الْخَامِس: نهينَا عَن اتِّبَاع الْجَنَائِز وَلم يعزم علينا. تَعْنِي أَنه فِي مقَام كَرَاهِيَة لَا فِي مقَام تَحْرِيم. 2743 - / 3555 - وَفِي الحَدِيث السَّادِس: فِي الْمُعْتَدَّة: " فَلَا تلبس مصبوغا إِلَّا ثوب عصب ". العصب من البرود: هوالذي صبغ غزله قبل أَن ينسج. والنبذة: الْيَسِير من الشَّيْء: وَالْجمع نبذ. والكست: هُوَ الْقسْط الْهِنْدِيّ. وَمعنى هَذَا أَن اسْتِعْمَال هَذَا عِنْد الطُّهْر من الْحيض لَا يضر الْعدة. وَفِيمَا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ: 2744 - / 3556 - قَالَت: كُنَّا لَا نعد الكدرة والصفرة شَيْئا. اخْتلف الْعلمَاء فِي الكدرة والصفرة بعد الطُّهْر والنقاء، فَقَالَ عَليّ الحديث: 2742 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 477 ابْن أبي طَالب: لَيْسَ ذَلِك بحيض، وَلَا تتْرك لأَجله الصَّلَاة، فلتتوضأ وَتصلي، وَهَذَا قَول سُفْيَان الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ. وَقَالَ سعيد بن الْمسيب وَأحمد بن حَنْبَل: إِذا رَأَتْ ذَلِك اغْتَسَلت وصلت. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا رَأَتْ بعد الْحيض وَبعد انْقِطَاع الدَّم الصُّفْرَة والكدرة يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ لم تجَاوز الْعشْرَة فَهُوَ من حَيْضهَا، وَلَا تطهر حَتَّى ترى الْبيَاض خَالِصا. وَالْمَشْهُور من مَذْهَب الشَّافِعِي أَنَّهَا إِذا رَأَتْ الصُّفْرَة والكدرة بعد انْقِطَاع دم الْعَادة مَا لم تجَاوز خَمْسَة عشر يَوْمًا فَهُوَ حيض. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 478 كشف الْمُشكل من مسانيد الصحابيات اللواتي انْفَرد البُخَارِيّ بِالْإِخْرَاجِ عَنْهُن (236) كشف الْمُشكل من مُسْند أم خَالِد بنت خَالِد بن سعيد أخرج لَهَا البُخَارِيّ حديثين. 2745 - / 3558 - فَفِي الحَدِيث الأول: قَالَت: أُتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثِيَاب فِيهَا خميصة سَوْدَاء. الخميصة: كسَاء من خَز أَو صوف أسود. وَقد سبق ذكرهَا فِي مَوَاضِع. وَأم خَالِد اسْمهَا أمة. ولدت لخَالِد فِي أَرض الْحَبَشَة وَهُوَ هُنَاكَ مهَاجر. قَوْله: " أبلي وأخلقي " بِالْقَافِ. وَرُبمَا صحف بعض الْمُحدثين فَقَالَ: وأخلفي بِالْفَاءِ. وَأما قَوْله: " سنا " فَفِي الحَدِيث تَفْسِيره أَنه بِلِسَان الْحَبَشَة: الْحسن. وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: سنه بالحبشية: حَسَنَة. وقرأت على شَيخنَا أبي مَنْصُور اللّغَوِيّ قَالَ: سناه فِي كَلَام الْحَبَش: الْحسن. وَقَول ابْن الْمُبَارك: حَتَّى دكن؛ يَعْنِي يقيت تِلْكَ الخميصة حَتَّى دكن لَوْنهَا أَي عَاد إِلَى الدكنة. الحديث: 2745 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 479 (237) كشف الْمُشكل من مُسْند أم رُومَان بنت عَامر كَانَت زَوْجَة الْحَارِث بن سَخْبَرَة، فَولدت الطُّفَيْل، ثمَّ مَاتَ الْحَارِث فَتَزَوجهَا أَبُو بكر فَولدت لَهُ عبد الرَّحْمَن وَعَائِشَة. وَأسْلمت قَدِيما وبايعت وَهَاجَرت، وَمَاتَتْ فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سنة سِتّ من الْهِجْرَة. وَنزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قبرها، كَذَلِك ذكره مُحَمَّد بن سعد. 2746 - / 3560 - وَقد أخرج لَهَا البُخَارِيّ حَدِيثا من طَرِيق مَسْرُوق عَنْهَا. وَهَذَا أَمر مُشكل؛ كَيفَ يروي مَسْرُوق عَمَّن مَاتَ فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ إِلَّا أَن أَقْوَامًا أَنْكَرُوا مَوتهَا فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنْهُم أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ. وَلَا عُمْدَة لمن أنكر إِلَّا رِوَايَة مَسْرُوق. وَقَالَ أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت: لم يسمع مَسْرُوق من أم رُومَان شَيْئا. قَالَ: فَحدثت عَن أبي عمر بن حيويه قَالَ: أخبرنَا دعْلج قَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنَا فُضَيْل عَن حُصَيْن عَن أبي وَائِل عَن مَسْرُوق قَالَ: سَأَلت أم رُومَان عَن حَدِيث الْإِفْك، فحدثتني قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ: كَانَ سَأَلَهَا وَله خمس عشرَة سنة، وَمَات مَسْرُوق وَله ثَمَان وَسَبْعُونَ، وَأم رُومَان أقدم من حدث عَنهُ مَسْرُوق، وَقد صلى خلف أبي بكر، وكلم عمر وعليا وَابْن مَسْعُود وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس الحديث: 2746 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 وَأَبا مُوسَى وخبابا وأبيا وَابْن عمر وَعَائِشَة. قَالَ الْخَطِيب: وَالْعجب كَيفَ خَفِي على إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ اسْتِحَالَة سُؤال مَسْرُوق أم رُومَان، مَعَ علو قدره فِي الْعلم؟ وَذَلِكَ أَن أم رُومَان مَاتَت على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وأحسب الْعلَّة الَّتِي دخلت على الْحَرْبِيّ اتِّصَال السَّنَد وثقة رِجَاله، وَلم يتفكر فِيمَا وَرَاء ذَلِك وَهِي الْعلَّة الَّتِي دخلت على البُخَارِيّ حَتَّى أخرج هَذَا الحَدِيث فِي صَحِيحه. وَأما مُسلم فَلم يُخرجهُ، وَرِجَاله من شَرطه، وَأَحْسبهُ فطن باستحالته فَتَركه. وَقَول إِبْرَاهِيم: إِن مسروقا سَأَلَهَا وَله خمس عشرَة سنة، وَكَانَ مَوتهَا فِي سنة سِتّ. فعلى هَذَا كَانَ لَهُ وَقت وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بضع عشرَة سنة، فَمَا الَّذِي يمنعهُ أَن يسمع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَقد ذكر غير إِبْرَاهِيم مبلغ سنّ مَسْرُوق على خلاف مَا قَالَ، فَقَالَ ابْن سعد: توفّي مَسْرُوق بِالْكُوفَةِ سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ. وَعَن الْفضل بن عمر: وَمَات مَسْرُوق وَله ثَلَاث وَسِتُّونَ سنة، وَهُوَ أشبه بِالصَّحِيحِ. فعلى هَذَا كَانَ لَهُ وَقت موت أم رُومَان سِتّ سِنِين. قَالَ الْخَطِيب: وَلم يزل حَدِيث مَسْرُوق هَذَا يتلجلج فِي صَدْرِي وأستنكره وأجيل فكري فِيهِ سِنِين كَثِيرَة فَلَا أعرف لَهُ عِلّة، لثقة رِجَاله واتصال إِسْنَاده، حَتَّى حَدثنِي الْحسن بن عَليّ بِإِسْنَاد لَهُ عَن حُصَيْن عَن مَسْرُوق عَن أم رُومَان. قَالَ الْخَطِيب: فحزرت أَن يكون مَسْرُوق أرسل الرِّوَايَة عَن أم رُومَان. وَقد ذكر أَن حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن اخْتَلَط فِي آخر عمره، فَلَعَلَّهُ روى الحَدِيث فِي حَال اخْتِلَاطه. وَفِي رِوَايَته عَن حُصَيْن عَن مَسْرُوق قَالَ: سَأَلت أم رُومَان، وَهَذَا أشبه بِالصِّحَّةِ. وَمن الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 الروَاة من يكْتب الْهمزَة ألفا فِي جَمِيع أحوالها: فِي رَفعهَا وخفضها ونصبها، وَلَعَلَّ بعض النقلَة كتب سُئِلت بِالْألف، فَرَآهُ الرَّاوِي سَأَلت، وَرَوَاهُ وَدون عَنهُ. وَفِي الحَدِيث الَّذِي أخرجه لَهَا: أَن عَائِشَة لما رميت خرت مغشيا عَلَيْهَا. فَمَا أفاقت إِلَّا وَعَلَيْهَا حمى بنافض. الْمَعْنى: مَا أفاقت إِلَّا بنافض. والنافض من الْحمى: ذَات الرعدة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 482 (238) كشف الْمُشكل من مُسْند خنساء بنت خدام الْأَنْصَارِيَّة أخرج لَهَا البُخَارِيّ حَدِيثا وَاحِدًا. 2747 - / 3561 - أَن أَبَاهَا زَوجهَا وَهِي ثيب، فَكرِهت ذَلِك، فَأَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرد زواجه. أما الثّيّب الْبَالِغَة فَلَا يملك الْأَب إجبارها إِجْمَاعًا. وَاخْتلفُوا فِي الثّيّب الصَّغِيرَة الَّتِي يُوطأ مثلهَا، فلنا وَجْهَان: أَحدهمَا: أَنه لَا يملك الْأَب تَزْوِيجهَا، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَالثَّانِي: يملك، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك. الحديث: 2747 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 (239) كشف الْمُشكل من مُسْند أم الْعَلَاء الْأَنْصَارِيَّة أخرج لَهَا البُخَارِيّ حَدِيثا وَاحِدًا. 2748 - / 3562 - وَفِيه اقتسم الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار قرعَة، فطار لَهَا عُثْمَان بن مَظْعُون. لما خرج الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الْمَدِينَة لم يُمكنهُم اسْتِصْحَاب أَمْوَالهم فَدَخَلُوا الْمَدِينَة فُقَرَاء فاقتسمهم الْأَنْصَار بِالْقُرْعَةِ فِي نزولهم عَلَيْهِم، ومكنوهم من أَمْوَالهم. وَقَوْلها: فطار لنا. أَي حصل فِي نصيبنا وسهمنا. وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " وَمَا يدْريك؟ " لِأَنَّهَا شهِدت على غيب لَا يعلم مثله إِلَّا بِوَحْي. وَأما قَوْله: " مَا أَدْرِي مَا يفعل بِي؟ " فَفِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن ذَلِك رَاجع إِلَى الدُّنْيَا، فَيكون الْمَعْنى: لَا أَدْرِي مَا يجْرِي عَليّ فِي الدُّنْيَا من قتل أَو جراح أَو غير ذَلِك. وَقد ذهب إِلَى هَذَا جمَاعَة من الْمُفَسّرين، غير أَنه لَا ينطبق على المُرَاد بِالْحَدِيثِ، إِلَّا أَن يكون ذكره من جنس المعاريض. وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه رَاجع إِلَى الْآخِرَة، قَالَ ابْن عَبَّاس: لما نزلت هَذِه الحديث: 2748 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 الْآيَة نزل بعْدهَا: {ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} [الْفَتْح: 2] وَنزل: {ليدْخل الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جنَّات} [الْفَتْح: 5] وَبَيَان هَذَا أَن سُورَة " الْأَحْقَاف " الَّتِي فِيهَا: {وَمَا أَدْرِي مَا يفعل بِي وَلَا بكم} [الْأَحْقَاف: 9] مَكِّيَّة، وَسورَة " الْفَتْح " مَدَنِيَّة، وَعُثْمَان بن مَظْعُون توفّي على رَأس ثَلَاثِينَ شهرا من الْهِجْرَة، وَهُوَ أول من قبر بِالبَقِيعِ. (240) كشف الْمُشكل من مُسْند خَوْلَة بنت ثامر الْأَنْصَارِيَّة وَهِي امْرَأَة حَمْزَة بن عبد الْمطلب. أخرج لَهَا حَدِيثا وَاحِدًا 2749 - / 3563 - أَن رجَالًا يتخوضون فِي مَال الله تَعَالَى. أَي: يتصرفون فِيهِ ويتقحمون فِي استحلاله. الحديث: 2749 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 (241) كشف الْمُشكل من مُسْند صَفِيَّة بنت شيبَة بن عُثْمَان الحَجبي أخرج لَهَا البُخَارِيّ حَدِيثا وَاحِدًا، وَلَيْسَت بصحابية. والْحَدِيث مُرْسل، كَذَلِك قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ وَأَبُو بكر البرقاني. 2750 - / 3564 - والْحَدِيث: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولم على بعض نِسَائِهِ بمدين من شعير. وَفِي هَذَا الحَدِيث توكيد سنة الْوَلِيمَة، لِأَنَّهُ لم يَتْرُكهَا مَعَ الْفقر وَقلة الشَّيْء. وَفِيه صَبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْفقر وضيق الْعَيْش، وَأكل الشّعير الحديث: 2750 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 كشف الْمُشكل من مسانيد الصحابيات اللواتي انْفَرد بِالْإِخْرَاجِ عَنْهُن مُسلم (242) مُسْند جدامة بنت وهب الأَسدِية أُخْت عكاشة وَهِي جدامة بِالدَّال الْمُهْملَة، كَذَلِك سَمَّاهَا الْمُحَقِّقُونَ. وروى حَدِيثهَا كَذَلِك يحيى بن يحيى عَن مَالك. وَقد كَانَ يروي حَدِيثهَا خلف بن هِشَام وَيحيى بن أَيُّوب وَسَعِيد بن أبي أَيُّوب، فَيَقُول: جذامة بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، وَهَذَا تَصْحِيف. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: من قَالَه بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة فقد صحف. قلت: وَلَيْسَ فِي الصحابيات جذامة بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة، بلَى فِيهِنَّ وجدامة بِالدَّال الْمُهْملَة اثْنَتَانِ: هَذِه، وحدامة بنت جندل الأَسدِية وَالَّذِي أخرج مُسلم لجدامة بنت وهب حَدِيث وَاحِد. 2751 - / 3566 - " لقد هَمَمْت أَن أنهى عَن الغيلة حَتَّى ذكرت أَن الرّوم وَفَارِس يصنعون ذَلِك فَلَا يضر أَوْلَادهم ". قَالَ أَبُو عبيد: الغيلة: الغيل؛ وَهُوَ أَن يُجَامع الرجل الْمَرْأَة وَهِي مرضع، الحديث: 2751 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 487 يُقَال: أغيل الرجل وأغال، وَالْولد مغيل ومغال. وَالْعرب تَقول فِي الرجل تمدحه: مَا حَملته أمه وضعا، وَلَا أَرْضَعَتْه غيلا، وَلَا وَضعته يتنا، وَلَا أباتته مئقا. ويروى: على مأقة: وَهُوَ شدَّة الْبكاء. يُقَال أيتنت الْمَرْأَة: إِذا خرجت رجل الْمَوْلُود قبل يَدَيْهِ، فَهِيَ موتن، وَالْولد موتن، غير مَهْمُوز. وَأما ذكره للروم وَفَارِس فَيحْتَمل ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: لكثرتهم. وَالثَّانِي: لِسَلَامَةِ أَوْلَادهم فِي الْغَالِب وصحتهم. وَالثَّالِث: أَنهم أهل طب وَحِكْمَة - فَلَو علمُوا أَن هَذَا يضر مَا فَعَلُوهُ، وَالْعرب لَا تعرف ذَلِك، وَهَذَا الْوَجْه قَالَه لنا شَيخنَا ابْن نَاصِر. قلت: وَالصَّوَاب أَن يُقَال: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرض بِالنَّهْي عَن ذَلِك لما علم من ضَرَره، فَأخْبرنَا ابْن الْحصين قَالَ: أخبرنَا ابْن الْمَذْهَب قَالَ: أخبرنَا الْقطيعِي قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْمُغيرَة قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن مهَاجر قَالَ: حَدثنِي أبي عَن أَسمَاء بنت يزِيد بن السكن الْأنْصَارِيّ قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا تقتلُوا أَوْلَادكُم سرا، فَإِن الغيل يدْرك الْفَارِس فيدعثره من فَوق فرسه ". الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 وَمعنى يدعثره: يهدمه ويطحطحه بَعْدَمَا قد صَار رجلا قد ركب الْخَيل؛ وَهَذَا لِأَن الْمُرْضع إِذا جومعت فسد لَبنهَا فارتضع طفلها لَبَنًا فَاسِدا، فَإِن حملت كَانَ أَكثر فِي الضَّرَر، لِأَن الدَّم الْجيد يتَصَرَّف إِلَى غذَاء الْجَنِين وَيبقى الرَّدِيء للمرضع، إِلَّا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما رأى أَن ترك ذَلِك رُبمَا آذَى الرجل بصبره مُدَّة الرَّضَاع أجَازه بِهَذَا الحَدِيث وَعلل بِذكر فَارس وَالروم. وَقَوله فِي الْعَزْل: " ذَاك الوأد الْخَفي " الوأد مصدر وأد الرجل ابْنَته: إِذا دَفنهَا وَهِي حَيَّة، فَهِيَ موءودة، فَكَأَنَّهُ جعل الْعَزْل كَالْقَتْلِ، لِأَنَّهُ إِتْلَاف مَا هُوَ متهيئ للنماء، صاعد إِلَى مقَام الْكَمَال. وتلاوته قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا الموءودة سُئِلت} [التكوير: 8] عِنْد ذكر الْعَزْل للتّنْبِيه على أَن هَذَا مرتق إِلَى مقَام تِلْكَ، وَهَذَا كُله للإعلام بِالْكَرَاهَةِ. وَقد تقدم فِي مُسْند جَابر أَن رجلا سَأَلَهُ عَن الْعَزْل عَن جَارِيَته، فَقَالَ: " اعزل عَنْهَا إِن شِئْت " وَقد اتّفق الْعلمَاء على جَوَاز الْعَزْل من غير إِثْم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 489 (248) كشف الْمُشكل من مُسْند أم الدَّرْدَاء 2752 - / 3574 - ذكر لَهَا حَدِيثا وَاحِدًا قد سبق فِي مُسْند أبي الدَّرْدَاء. قَالَ البرقاني: وَهَذِه أم الدَّرْدَاء الصُّغْرَى، وَلَيْسَ لَهَا صُحْبَة وَلَا سَماع من رَسُول الله، فَأَما أم الدَّرْدَاء الْكُبْرَى فلهَا صُحْبَة، وَلَيْسَ لَهَا فِي الْكِتَابَيْنِ حَدِيث. قلت: أم الدَّرْدَاء الْكُبْرَى، اسْمهَا خيرة بنت أبي حَدْرَد زَوْجَة أبي الدَّرْدَاء لَهَا صُحْبَة وَرِوَايَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَوَت عَنهُ ثَلَاثَة أَحَادِيث، وَلَيْسَ لَهَا فِي الْكِتَابَيْنِ حَدِيث. وَأم الدَّرْدَاء الصُّغْرَى اسْمهَا هجيمة. الحديث: 2752 ¦ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490