الكتاب: المتواري علي تراجم أبواب البخاري المؤلف: أحمد بن محمد بن منصور بن القاسم بن مختار القاضي، أبو العباس ناصر الدين ابن المنير الجذامي الجروي الإسكندراني (المتوفى: 683هـ) المحقق: صلاح الدين مقبول أحمد الناشر: مكتبة المعلا - الكويت سنة النشر:   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- المتواري على أبواب البخاري ابن المنير الكتاب: المتواري علي تراجم أبواب البخاري المؤلف: أحمد بن محمد بن منصور بن القاسم بن مختار القاضي، أبو العباس ناصر الدين ابن المنير الجذامي الجروي الإسكندراني (المتوفى: 683هـ) المحقق: صلاح الدين مقبول أحمد الناشر: مكتبة المعلا - الكويت سنة النشر:   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. ربِّي يسّر يَا كريم. قَالَ سيدنَا ومولانا الْفَقِيه الإِمَام الْعَالم الْوَرع الْفَاضِل، أوحد الْفُضَلَاء علما وحلماً، أكمل الفصحاء نثراً ونظماً، مظهر مَعَاني الْعُلُوم استنباطاً وفهماً، والمحتوى على عُمْدَة أُصُولهَا وفروعها حفظا وَحكما، الْفَقِيه الأجلّ نَاصِر الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الشَّيْخ الْأَجَل، الْأمين المرتضى المكين الْعدْل، وجيه الدّين أبي الْمَعَالِي مُحَمَّد بن الشَّيْخ الأجلّ السعيد السَّيِّد أبي عَليّ مَنْصُور خطيب الْإسْكَنْدَريَّة - أحسن الله جزاءه آمين -: الْحَمد لله الْكَبِير قبل التَّكْبِير، الْخَبِير بِمَا فِي الضَّمِير، الْمُحِيط بِمَعْنى عبارَة الْمعبر ومغزى إِشَارَة المشير. الَّذِي {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} [الشورى: 11] . أَحْمَده وَهُوَ بِالْحَمْد جدير، وأشكره ونعمه فَوق شكري بِكَثِير. وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَلَا شَبيه وَلَا نَظِير، لَهُ الْملك وَالَّذين تدعون من دونه لَا يملكُونَ من قطمير، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله البشير النذير السراج الْمُنِير ... خير ظهير. وَنَصره فَنعم الْمولى وَنعم النصير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 صلى ... اذْهَبْ عَنْهُم الرجس وطهرهم أفضل التَّطْهِير. وعَلى ... صَلَاة تصلنا بجواره وحبذا الْجوَار للمستجير. أما بعد: فَالسنة هِيَ الْجنَّة الحصينة لمن تدرعها، والشرعة المنيعة لمن تشرعها، وردهَا صَاف وظلها ضاف، وبيانها واف وبرهانها شاف، وَهِي الكافلة بالاستقامة والكافية فِي السَّلامَة، وَالسّلم إِلَى دَرَجَات دَار المقامة، والوسيلة إِلَى الموافاة بصنوف الْكَرَامَة، قدوة المتنسك وَعُرْوَة المتمسك، وبحر الْبَحْث وَعلم الْعلم، ومعدن الْجَوَاهِر السّنيَّة ومنبع الْآدَاب الدُّنْيَوِيَّة، حافظها مَحْفُوظ وملاحظها ملحوظ، والمقتدى بهَا على صِرَاط مُسْتَقِيم، والمهتدى بمعالمها صائر إِلَى مَحل النَّعيم الْمُقِيم، أهل الله لخدمتها خَواص خلقه، وَسَهل عَلَيْهِم فِي طلبَهَا متوعر طرقه فَمنهمْ من حملهَا وَاقْتصر، وَمِنْهُم من هز أفنانها فاجتنى الثَّمر لما هصر. فَمن ثمَّ كَانَ من الْحُقُوق الْوَاجِبَة نشرها على النَّاس قاطبة يحملهَا الْآخِذ إِلَى الْغَالِب، ويبلغها الشَّاهِد إِلَى الْغَائِب. وَقَالَ رَسُول [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : نضر الله امْرَءًا سمع مَقَالَتي فوعاها، ثمَّ أَدَّاهَا كَمَا سَمعهَا فَرب مبلغ أوعى من سامع. فوظيفة الْحَامِل الْجَاهِل فِي هَذِه الْأَمَانَة أَن يُؤَدِّيهَا إِلَى أَهلهَا بِالْوَفَاءِ وَالتَّسْلِيم، ووظيفة الْحَامِل الحاذق أَيْضا أَن يُؤَدِّيهَا إِلَى من عساه أحذق مِنْهُ فِي الْفَهم والتفهيم، وليحذر أَن يحجب عَن الْمَزِيد باعتقاد أَنه ذَلِك الْعَظِيم. ففوق كل ذِي علم عليم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وَمهما ظن أَنه لَيْسَ وَرَاء قدره مرمى، فقد حرم بركَة قَوْله عز وَجل {وَقل رب زِدْنِي علما} [طه: 114] . وَقد كَانَ الْعلمَاء الربانيون من هَذِه الْأمة على مَا وهبوه من الْقُوَّة فِي غَايَة الخزع والهلع، يتدرعون الْعَجز الَّذِي يأباه الْيَوْم لكع بن لكع، حَتَّى كَانَ مَالك رَحمَه الله وَهُوَ الَّذِي لَا يقرى أحد كَمَا يقرى أَهْون مَا عَلَيْهِ أَن يَقُول فِيمَا لَا يدْرِي أَنه لَا يدْرِي، وَيُشِير بهَا إِلَى الأفاضل والأمائل، وَيَقُول: جنَّة الْعَالم لَا أَدْرِي فَإِذا أخطأها أُصِيبَت مِنْهُ الْمقَاتل. وعزم أَمِير الْمُؤمنِينَ على أَن يحمل النَّاس فِي سَائِر المماليك على الإقتداء بموطأ مَالك - رَضِي الله عَنهُ - وإطراح مَا عداهُ، وَأَن لَا يتجاوزه أحد، وَلَا يتعداه، فَمَنعه مَالك من ذَلِك، وَيخرج من أَن يكون فِي قواصي البسيطة من السّنَن المنقولة والعلوم المحفوظة نَوَادِر مَا أحَاط بهَا وَمن أَيْن للبشر قُوَّة مُحِيطَة. وَذَلِكَ أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم نشرُوا الْحق فِي الْبِلَاد، ونصحوا فِي النّظر للعباد، وَقد بَث الله فَضله حَيْثُ شَاءَ، وَلَعَلَّ فِي اللحوق مَا يفوق الْإِنْشَاء، وَقد يفهم الْفَرْع مَا خَفِي عَن الأَصْل، وَكَيف لأحد أَن يحْجر وَاسِعًا من الْفضل، وَبِهَذَا يتنزل قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " رب مبلغ أوعى من سامع " على نصابه، وَيفهم على مَا هُوَ عَلَيْهِ والمتواضع هُوَ الَّذِي يَأْتِي الْبَيْت من بَابه. والعلوم وَاسِعَة وَمَا أُوتِيَ الْخلق مِنْهَا إِلَّا قَلِيلا. وَأُولَئِكَ أَيْضا الأقلون، والزيادات المتواقعة رَحْمَة وَمن يقنط من رَحْمَة ربه إِلَّا الضالون، وَمُقْتَضى الدَّلِيل أَن بَاب الزِّيَادَة مَفْتُوح إِلَى عصرنا هَذَا الَّذِي ساءت بِهِ الظنون، وَقعد الْمُحَقق فِيهِ فِي حيّز المغبون، فَإِن الشَّرِيعَة مَضْمُونَة الْحِفْظ مَأْمُونَة الإضاعة، متكفلة فِي ذمَّة الله إِلَى قيام السَّاعَة. فَيلْزم من ذَلِك أَن يؤهل الله لَهَا فِي كل عصر قومة بأمرها وخزنة لسرها، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 يستنيرون جواهرها ويستبينون بواطنها وظواهرها، ويعالجون إرواء كل فصل بِمَا يَلِيق بالحكمة المضبوطة فِي ذَلِك الْفَصْل، ويتنزلون الْأَحْكَام على الْمصَالح السوانح الْمُخْتَلفَة الْفُرُوع المتفقة الأَصْل. وَإِلَى هَذِه النُّكْتَة أَشَارَ مَالك - رَحمَه الله - فِي متقادم العصور بقوله: " تحدث للنَّاس فَتَاوَى بِقدر مَا أَحْدَثُوا من الْفُجُور ". وَفضل الله وَاسع فَمن زعم أَنه مَحْصُور فِي بعض العصور فقد حجر وَاسِعًا، ورضى بالهوينا، وَمَا أَفْلح من أصبح بهَا قانعاً، وَرُبمَا عقب النجيب والليالي كَمَا علمت حبالى مقربات يلدن كل عَجِيب. وَالْمَقْصُود بِهَذِهِ الْمُقدمَة أَن الإِمَام أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ لما أودع كِتَابه من الْفِقْه الَّذِي اشْتَمَلت عَلَيْهِ التراجم مَا أودع، ورصع فِي عُقُود تِلْكَ الْأَبْوَاب من جَوَاهِر الْمعَانِي وَألْحق اللّبَاب مَا رصّع، ظَهرت من تِلْكَ الْمَقَاصِد فَوَائِد، وخفيت فَوَائِد، واضطربت الأفهام فِيمَا خفى، فَمن محوم وشارد. فَقَائِل يَقُول: اخترم وَلم يهذب الْكتاب، وَلم يرتب الْأَبْوَاب. وَقَائِل يَقُول: جَاءَ الْخلَل من النساخ وتجزيفهم والنقلة وتحريفهم. وَقَائِل يَقُول: أبعد المنتجع فِي الِاسْتِدْلَال، فأوهم ذَلِك أَن فِي الْمُطَابقَة نوعا من الِاعْتِدَال. وَبَلغنِي عَن الإِمَام أبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ أَنه كَانَ يَقُول: " يسلم للبخارى فِي علم الحَدِيث، وَلَا يسلم لَهُ فِي علم الْفِقْه " ويعلل ذَلِك بِأَن أدلته عَن تراجمه متقاطعة، وَيحمل الْأَمر على أَن ذَلِك لقُصُور فِي فكرته وَتجَاوز عَن حد فطرته، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وَرُبمَا يَجدونَ التَّرْجَمَة وَمَعَهَا حَدِيث يتَكَلَّف فِي مطابقته لَهَا جدا، ويجدون حَدِيثا فِي غَيرهَا هُوَ بالمطابقة أولى وأجدى. فيحملون الْأَمر على أَنه كَانَ يضع التَّرْجَمَة ويفكر فِي حَدِيث يطابقها، فَلَا يعن لَهُ ذكر الْجَلِيّ فيعدل إِلَى الْخَفي، إِلَى غير ذَلِك من التقادير الَّتِي فرضوها فِي التراجم الَّتِي انتقدوها فاعترضوها. ويقابل هَذِه الْأَقَاوِيل مَا أثرته عَن جدي - رَحمَه الله - سمعته يَقُول: كِتَابَانِ فقههما فِي تراجمهما: كتاب البُخَارِيّ فِي الحَدِيث، وَكتاب سِيبَوَيْهٍ فِي النَّحْو. فَلَمَّا قدّر لي أَن أتصفّحها وأتلمّحها، لَاحَ لي عَن قرب وكثب مغزاه فِيهَا، فألفيتها أنواعاً: مِنْهَا مَا يتَنَاوَلهُ الحَدِيث بنصه أَو ظَاهره وَهَذِه هِيَ الجلية. وَمِنْهَا مَا يتَنَاوَلهُ أَي يصدق عَلَيْهِ بِإِطْلَاقِهِ وَالْأَصْل نفي الْقُيُود. وَمِنْهَا مَا يكون ثُبُوت الحكم فِيهِ بطرِيق الأولى بِالنِّسْبَةِ إِلَى المنصوصة. وَمِنْهَا مَا يكون حكم التَّرْجَمَة فِيهِ مقيساً على حكم الحَدِيث قِيَاسا مُسَاوِيا. وَقد يعن لَهُ نَص التَّرْجَمَة فيعدل عَنهُ اكْتِفَاء بظهوره، ويعمد إِلَى حَدِيث آخر تتلقى مِنْهُ التَّرْجَمَة بطرِيق خَفِي لطيف فيذكره. وَمِنْهَا مَا لَا ذكر لَهُ فِي الحَدِيث الَّذِي أثْبته، لَكِن يكون الحَدِيث ذَا طرق أثْبته من بَعْضهَا لموافقة شَرط الْكتاب، وَلم يُثبتهُ من الطَّرِيق الْمُوَافقَة للتَّرْجَمَة لخلل شَرطهَا، فَيَأْتِي بِالزِّيَادَةِ الَّتِي لم توَافق شَرطه فِي التَّرْجَمَة، وَرُبمَا أَتَى بهَا فِي صِيغَة التَّعْلِيل كَحَدِيث وَقع لَهُ فِي " اللّقطَة ". وَقد بيّنه فِي بعض التراجم على مَوَاضِع الْخلاف. وَقد يترجم على صُورَة ويورد فِيهَا الْأَحَادِيث المتعارضة، ثمَّ قد بَينه على الْجمع إِن سنح لَهُ، وَقد يَكْتَفِي بِصُورَة الْمُعَارضَة تَنْبِيها على أَن الْمَسْأَلَة اجتهادية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وَمِمَّا يستغربونه من تراجمه أَن يضمن التَّرْجَمَة مَا لم تجر الْعَادة بِذكرِهِ فِي كتب الْفِقْه، كترجمته على أكل الْجمار، فيظن أَن هَذَا لَا يحْتَاج إِلَى إثْبَاته بِدَلِيل خَاص، لِأَنَّهُ على أصل الْإِبَاحَة كَغَيْرِهِ، لَكِن لحظ هُوَ فِيهِ أَنه رُبمَا يتخيل أَن تجمير النّخل إِفْسَاد وتضييع لِلْمَالِ، فنبه على بطلَان هَذَا الْوَهم إِن سبق إِلَيْهِ أحد. قلت: - رَضِي الله عَنْك! - وَقد سبق الْوَهم إِلَى بعض المعاصرين فانتقد على من جمّر نَخْلَة وَاحِدَة بعد أُخْرَى ليقتات بالجمار تحرجاً وتورعاً مِمَّا فِي أَيدي النَّاس لما عدم قوته الْمُعْتَاد فِي بعض الأحيان. وَزعم هَذَا الْمُعْتَرض إِن هَذَا إِفْسَاد خَاص لِلْمَالِ وَفَسَاد عَام فِي المَال. وَرُبمَا يلْحقهُ بنهي مَالك - رَحمَه الله - عَن بيع التَّمْر قبل زهوه على الْقطع إِذا كثر ذَلِك، لِأَن فِيهِ تسبباً إِلَى تقليل الأقوات. فَمَا وقفت على تَرْجَمَة البخارى ظَهرت لي كرامته بعد ثَلَاث مائَة سنة ونيف رَحمَه الله. وَله أَمْثَال هَذِه التَّرْجَمَة كَثِيرَة ومجموع مَا وجدت لَهُ من هَذِه الْأَنْوَاع قريب أَربع مائَة تَرْجَمَة تحْتَاج التَّنْبِيه، فأثبتّها ونبهت على كل نوع مِنْهَا فِي مَكَانَهُ بأقصى الْإِمْكَان، وأخصر وُجُوه الْبَيَان. وَكَأَنَّهُ - رَحمَه الله - تحرج أَن يصنف فِي الْفِقْه على نعت التصانيف المشحونة بالوقائع الَّتِي عَسى كثير مِنْهَا لم يَقع، فَيدْخل فِي حيّز الْمُتَكَلف الَّذِي هدّد بِأَنَّهُ لَا يعان على الصَّوَاب، وَلَا يفتح لَهُ بَاب الْحق فِي الْجَواب. كَمَا نقل عَن مَالك - رَحمَه الله - أَنه كَانَ يكره أَن يُجيب عَن مَسْأَلَة لم تقع ويعتقد أَن الضَّرُورَة إِلَى الْجَواب خَلِيقَة بِأَن يرحم صَاحبهَا بالعثور على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 الصَّوَاب، وَأَن تكلّف الْجَواب عَمَّا لم يَقع تصنع أَو فِي مَعْنَاهُ، يتحرج الْخَائِف من الله من أدناه. ودعوة الْمُضْطَر لَهَا خُصُوصِيَّة بالإجابة، وَحَالَة الِاخْتِيَار تستغرب مَعهَا أَوْصَاف الْإِنَابَة. فَهَذَا - وَالله أعلم - سر كَون البخارى - رَحمَه الله - سَاق الْفِقْه فِي التراجم سِيَاقَة المخلص للسنن الْمَحْضَة عَن المزاحم المستثير لفوائد الْأَحَادِيث من مكامنها، المستبين من إشارات ظواهرها مغازي بواطنها. فَجمع كِتَابه العلمين والخيرين الجمين. فحاز كِتَابه من السّنة جلالتها وَمن الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة سلالتها. وَهَذَا عوض ساعده عَلَيْهِ التَّوْفِيق، وَمذهب فِي التَّحْقِيق دَقِيق. [تَرْجَمَة الإِمَام البُخَارِيّ] وسأذكر من مناقبه الدَّالَّة على علو مقَامه مَا يُوجب التَّقْدِيم لكَلَامه، والاعتقاد فِي كَمَاله وَتَمَامه. ونستتبع ذَلِك ذكر نسبه ومولده ورحلته ووفاته مِمَّا اشْتَمَل عَلَيْهِ تَارِيخ الْخَطِيب - رَحمَه الله - وَقد حدّثنا بجملته وَالِدي - رَحمَه الله - القَاضِي الرئيس الْعدْل الثِّقَة الْأمين وجيه الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن الشَّيْخ الصَّالح أبي عَليّ مَنْصُور بن أبي الْقَاسِم بن الْمُخْتَار بن أبي بكر بن عَليّ الجذامي الجروي - رَحمَه الله وَرَحْمَة وَاسِعَة - قَالَ: حَدثنَا الإِمَام النَّاصِر لدين الله أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد - صلوَات الله عَلَيْهِ وعَلى آبَائِهِ الطاهرين - وَلم تتسع مُدَّة خَليفَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 فِي الْإِسْلَام كاتساع مدّته، وَكَانَت نَحوا من ثَمَان وَأَرْبَعين سنة، قَالَ - صلوَات الله عَلَيْهِ - حَدثنَا الإِمَام الْحَافِظ أَبُو الْعِزّ عبد المغيث بن زُهَيْر الْحَرْبِيّ قَالَ: حَدثنَا أَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْقَزاز الْبَغْدَادِيّ قَالَ: حَدثنَا الْخَطِيب الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الْبَغْدَادِيّ بتأريخه الْكَبِير سَمَاعا عَلَيْهِ وَبَعض مَا أوردناه مُخْتَصر اللَّفْظ وافي الْمَعْنى - إِن شَاءَ الله -. قَالَ الْخَطِيب: " مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْمُغيرَة أَبُو عبد الله الْجعْفِيّ البخارى الإِمَام فِي علم الحَدِيث صَاحب الْجَامِع الصَّحِيح والتأريخ، رَحل فِي طلب الْعلم إِلَى سَائِر الْأَمْصَار وَكتب بخراسان وَالْجِبَال وَالْعراق والحجاز وَالشَّام ومصر، وروى عَن خلق يَتَّسِع ذكرهم. أخبرنَا أَبُو سعيد الْمَالِينِي بِإِسْنَادِهِ إِلَى مُحَمَّد بن أَحْمد بن سَعْدَان البُخَارِيّ قَالَ: مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البخارى جدّه بردزبه، وبردزبه مَجُوسِيّ مَاتَ عَلَيْهَا، وَكَانَ زراعاً، والمغيرة ابْنه أسلم على يَد يمَان وَالِي بُخَارى - وَكَانَ جعفياً - فنسب إِلَى من أسلم على يَدَيْهِ وَهُوَ أَيْضا مَوْلَاهُ. وَقَالَ الْحُسَيْن البُخَارِيّ: رَأَيْت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل شَيخا نحيفاً معتدلاً، ولد يَوْم الْجُمُعَة بعد الصَّلَاة لثلاث عشرَة لَيْلَة خلت من شَوَّال سنة أَربع وَتِسْعين وَمِائَة، وَتُوفِّي لَيْلَة السبت غرَّة شَوَّال سنة سِتّ وَخمسين ومائتي، عَاشَ اثْنَتَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وَسِتِّينَ سنة إِلَّا ثَلَاثَة عشر يَوْمًا. وَقيل لأبي عبد الله: كَيفَ كَانَ بدؤك فِي طلب الحَدِيث؟ قَالَ: ألهمت حفظه وَأَنا فِي الْكتاب، ولي عشر سِنِين تَقْديرا، ثمَّ اخْتلفت إِلَى الداخلي وَغَيره، وَقَالَ يَوْمًا فِيمَا يقْرَأ للنَّاس: سُفْيَان عَن أبي الزبير عَن إِبْرَاهِيم، فَقلت لَهُ: ارْجع إِلَى الأَصْل، فَدخل فَنظر فِيهِ ثمَّ خرج، فَقَالَ كَيفَ هُوَ يَا غُلَام؟ قلت: هُوَ الزبير عَن عدي عَن إِبْرَاهِيم، فَأخذ الْقَلَم مني وَأَصْلحهُ، وَقَالَ: صدقت. فَسئلَ البُخَارِيّ: ابْن كم كنت يؤمئذ؟ قَالَ إِحْدَى عشرَة سنة. قَالَ: وحفظت كتب ابْن الْمُبَارك ووكيع وَأَنا ابْن سِتّ عشرَة سنة، وَخرجت إِلَى الْحَج، وجاورت فِي طلب الحَدِيث وصنفت التأريخ وَأَنا ابْن ثَمَانِي عشرَة سنة عِنْد قبر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وقلّ أَن يكون فِيهِ اسْم إلاّ وَله عِنْدِي قصَّة حققت بذكرها، وصنفته ثَلَاثَة مَرَّات. وَقَالَ: أَبُو بكر الْمَدِينِيّ: كُنَّا يَوْمًا عِنْد إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه بنيسابور، والبخارى حَاضر، فَمر إِسْحَاق بِذكر عَطاء الكيخاراني فِي عد التَّابِعين، فَقَالَ لَهُ إِسْحَاق: يَا أَبَا عبد الله ايش كيخاران؟ فَقَالَ قَرْيَة بِالْيمن، كَانَ مُعَاوِيَة بعث إِلَيْهَا أحد الصَّحَابَة، فَسمع عَطاء مِنْهُ حديثين: هَذَا أَحدهمَا فَقَالَ إِسْحَاق: كَأَنَّك شهِدت الْقَوْم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 وروى السعداني عَن بعض إخوانه أَن البُخَارِيّ قَالَ: أخرجت هَذَا الصَّحِيح من زهاء سِتّ مائَة ألف حَدِيث. وَعَن البُخَارِيّ أَيْضا: مَا وضعت فِيهِ حَدِيثا حَتَّى اغْتَسَلت وَصليت رَكْعَتَيْنِ لكل حَدِيث قبل أَن أثْبته. وَعَن بعض الْمَشَايِخ أَن البُخَارِيّ دوّن تراجم كِتَابه فِي الرَّوْضَة يغْتَسل وَيُصلي لكل تَرْجَمَة. وَقَالَ الْفربرِي: سمع كتاب البُخَارِيّ تسعون ألف رجل مَا بَقِي مِنْهُم غَيْرِي. وَقَالَ مُحَمَّد البخارى بخوارزم: رَأَيْت أَبَا عبد الله فِي الْمَنَام يمشي بأثر رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحَرَّى مَوَاضِع قَدَمَيْهِ. وَقيل: إِن عَيْنَيْهِ ذهبتا فِي صغره، فدعَتْ أمه وابتهلت فرأت إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام - فَقَالَ لَهَا: قد ردّ الله على ابْنك بَصَره رَحْمَة لبكائك ودعائك، فَأصْبح يبصر. وَعَن البُخَارِيّ: كتبت عَن ألف شيخ وَأكْثر، مَا عِنْدِي حَدِيث إِلَّا أحفظ إِسْنَاده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 [ زهده وورعه ] وَمن مناقبه فِي ورعه مُطلقًا، أَنه قَالَ: مُنْذُ ولدت مَا بِعْت وَلَا اشْتريت بدرهم حَتَّى الكاغذ والحبر، كنت أوكّل من يفعل ذَلِك. قلت: كَأَنَّهُ يُقَلّد الْوَكِيل ويخلص من عُهْدَة التَّصَرُّف مُبَاشرَة. وَكَانَ عِنْده بضَاعَة أعْطى بهَا خمس مائَة ألف، فَلم يتَّفق لَهُ بيعهَا. فَلَمَّا كَانَ الْغَد أعطَاهُ بهَا آخر عشرَة آلَاف فَقَالَ: كنت البارحة نَوَيْت أَن أبيعها لمن أعْطى خَمْسَة فَلَا أغير نيتي وأمضاها. وَكَانَ فِي رَمَضَان يخْتم كل لَيْلَة عِنْد الْإِفْطَار ولثلاث عِنْد السحر. ولسعه الزنبور وَهُوَ يُصَلِّي فِي سَبْعَة عشرَة موضعا من بدنه، مَا تغير حَاله وَلَا انتقد ثَوْبه حَتَّى سلم. وَقَالَ مُحَمَّد بن مَنْصُور: كُنَّا فِي مجْلِس البُخَارِيّ فِي الْمَسْجِد، فَأخذ أحد الْحَاضِرين من لحية البُخَارِيّ قذاة فطرحها، فَرَأَيْت البُخَارِيّ ينظر إِلَيْهَا وَإِلَى النَّاس يستغفلهم حَتَّى إِذا غفلوا فِي ظَنّه أَخذهَا وأدخلها فِي كمه، فَلَمَّا خرج من الْمَسْجِد مَدَّ يَده إِلَى كمه فَأَخذهَا وطرحها فِي الأَرْض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 قلت: فهم من قَوْله عز وَجل: {وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} [الزلزلة: 8] فِي تِلْكَ القذاة من ذرة. وَكَأَنَّهُ تورع أَن ينزه لحيته عَن شَيْء وَلَا ينزه عَنهُ الْمَسْجِد. [ حفظه ] وَمن نَوَادِر الْمَنْقُول فِي حفظه، أَن أهل بَغْدَاد امتحنوه بِمِائَة حَدِيث حولوا أسانيدها وبدلوها، ثمَّ عرضهَا عَلَيْهِ عَارض فِي المحفل، فَجعل يَقُول فِي كل حَدِيث: لَا أعرفهُ. فاستقصر النظارة حفظه، فَلَمَّا أتم الْمعَارض الْمِائَة عطف البُخَارِيّ عَلَيْهَا فَجعل يَقُول: أما الحَدِيث الأول فَهُوَ كَذَا، وَإِسْنَاده عِنْدِي كَذَا، إِلَى أَن انْتهى إِلَى آخر فجوّدها من حفظه، فَأقر الْكل لَهُ بِالْفَضْلِ وبإحراز الحصل. قَالَ سيدنَا - رَضِي الله عَنهُ - قلت: وَمن مناقبه الدِّينِيَّة ومآثره الدَّالَّة على خلوص النِّيَّة أَنه امتحن بمناواة مُحَمَّد بن يحي الذهلي، وَكَانَ مُحَمَّد هَذَا من جملَة مشايخه، ومتعيناً فِي عصره، مُتَقَدما بِالسِّنِّ، ومتخصصاً بِالْفَضْلِ، وانتصاباً للإفادة، واشتهاراً زَائِدا على الْعَادة، وأمراً مُطَاعًا حَقًا مراعاً. وَاقْتضى لَهُ مَجْمُوع هَذِه الْأَحْوَال أَن ظهر على البُخَارِيّ، وَعبر فِي وَجه وجاهته، ووكر فِي اعْتِقَاد الْخلق صفو نزاهته، إِلَى أَن نَادَى عَلَيْهِ أَن لَا يجلس أحد إِلَيْهِ، فَأَقَامَ البُخَارِيّ بُرْهَة من الزَّمَان وحيداً فريداً، ثمَّ لم يكفه حَتَّى أجلاه عَن الوطن غَرِيبا شَرِيدًا، وانقسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 النَّاس فِي حَقه إِلَى قسمَيْنِ: أحنهما عَلَيْهِ وأدناهما إِلَيْهِ، هُوَ الَّذِي يظنّ فِيهِ الِاعْتِقَاد وَلَا يتجاسر على إِظْهَار تَعْظِيمه خشيَة الانتقاد؛ حَتَّى قيل عَنهُ - رَضِي الله عَنهُ - إِنَّه دَعَا فِي سُجُوده ذَات لَيْلَة دَعْوَة ورخها من كَانَ مَعَه وأجابها من قبل دعاءه وسَمعه، وَذَلِكَ أَنه قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّه قد ضَاقَتْ عليّ الأَرْض بِمَا رَحبَتْ فاقبضني إِلَيْك " فَقبض لشهر من هَذِه الدعْوَة. ثمَّ لم يكن إِلَّا أَن اجْتمع الخصمان فِي دَار الْجَزَاء، وقدما على الحكم الْعدْل الْمنصف فِي الْقَضَاء فَانْقَلَبَ خمول البُخَارِيّ ظهوراً، وظهورُ غَيره دثوراً، وَقطع النَّاس بتعظيم البُخَارِيّ أعصراً ودهوراً وَقطع ذكر الذهلي حَتَّى كَأَن لم يكن شَيْئا مَذْكُورا، فَهُوَ إِلَى الْآن لَا يعرف اسْمه إِلَّا متوغل فِي معرفَة أَسمَاء الْمَشَاهِير والخاملين، وَلَا يمرّ ذكره على الْأَلْسِنَة إِلَّا فِي الْحِين بعد الْحِين، وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين وَالْعَمَل على الْخَوَاتِم وَعِنْدهَا يَزُول الشَّك بِالْيَقِينِ. وقصته مَعَ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي أسْند الْخَطِيب وَهَذَا مَعْنَاهُ: قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن يَعْقُوب حَدثنَا مُحَمَّد بن نعيم، قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن حَامِد يَقُول سَمِعت الْحسن بن مُحَمَّد يَقُول، سَمِعت مُحَمَّد بن يحيى الذهلي يَقُول لَمَّا ورد مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ نيسابور: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرجل الصَّالح الْعَالم فَاسْمَعُوا مِنْهُ، فَذهب النَّاس إِلَيْهِ وَأَقْبلُوا بِالْكُلِّيَّةِ عَلَيْهِ، حَتَّى ظهر الْخلَل فِي مجْلِس الذهلي فحسده بعد ذَلِك وَتكلم فِيهِ. قَالَ الْفَقِيه - وَفقه الله -: قلت: تَحْسِين الظَّن يُوجب تَحْرِير هَذِه الْعبارَة وَكَأَنَّهُ أَرَادَ - وَالله أعلم -: فَعَلَ مَعَه فعل الحاسدين بِتَأْوِيل عِنْده - وَالله أعلم -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 قَالَ: وَأخْبرنَا أَبُو حَازِم قَالَ، سَمِعت الْحسن بن أَحْمد بن شَيبَان يَقُول، سَمِعت أَبَا حَامِد يَقُول: رَأَيْت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل فِي جَنَازَة أبي عُثْمَان والذهلي يسْأَله عَن الْأَسْمَاء والكنى والعلل، وَهُوَ يمرّ كَأَنَّهُ السهْم. فَمَا أَتَى على ذَلِك شهر حَتَّى تكلم فِيهِ وَقَالَ: من اخْتلف إِلَيْهِ، لَا يخْتَلف إِلَيْنَا، وتعلل بِأَن أهل بَغْدَاد كاتبوه بِأَنَّهُ تكلم فِي اللَّفْظ. وَكَانَ الذهلي يَقُول: من قَالَ: " لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق " فَهُوَ مُبْتَدع يزْجر ويهجر، وَمن قَالَ: الْقُرْآن مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر يقتل وَلَا ينظر. وَالَّذِي صَحَّ عَن البُخَارِيّ - رَحمَه الله - أَنه سُئِلَ عَن اللَّفْظ، وضايقه السَّائِل فَقَالَ: أَفعَال الْعباد كلهَا مخلوقة. وَكَانَ يَقُول مَعَ ذَلِك: الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق. وَذكر أَن مُسلم بن الْحجَّاج رَحمَه الله ثَبت مَعَه فِي المحنة، وَقَالَ يَوْمًا الذهلي - وَمُسلم فِي مَجْلِسه -: من كَانَ يخْتَلف إِلَى هَذَا الرجل، فَلَا يخْتَلف إِلَيْنَا، فَعلم مُسلم أَنه المُرَاد، فَأخذ طيلسانه وَقَامَ على رُؤُوس الأشهاد، فَبعث إِلَى الذهلي بِجَمِيعِ الْأَجْزَاء الَّتِي كَانَ أَخذهَا عَنهُ. وَمن تَمام رسوخ البُخَارِيّ فِي الْوَرع أَنه كَانَ يحلف بعد هَذِه المحنة، أَن الحامد والذام عِنْده من النَّاس سَوَاء، يُرِيد أَنه لَا يكره ذامه طبعا. وَيجوز أَن يكرههُ شرعا، فَيقوم بِالْحَقِّ لَا بالحظ، ويحقق ذَلِك من حَاله أَنه لم يمح اسْم الذهلي من جَامعه، بل أثبت رِوَايَته عَنهُ، غير أَنه لم يُوجد فِي كِتَابه إِلَّا على أحد وَجْهَيْن: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 إِمَّا أَن يَقُول: " حَدثنَا مُحَمَّد " ويقتصر. وَإِمَّا أَن يَقُول: " حَدثنَا مُحَمَّد بن خَالِد ". فينسبه إِلَى جد أَبِيه. فَإِن قلت: فَمَا لَهُ أجمله، وأنفي أَن يذكر بنسبه الْمَشْهُور؟ قلت: لَعَلَّه لما اقْتضى التَّحْقِيق عِنْده أَن يبْقى رِوَايَته عِنْده خشيَة أَن يكتم علما رزقه الله على يَدَيْهِ وعذره فِي قدحه فِيهِ بالتأويل والتعويل على تَحْسِين الظَّن، خشِي على النَّاس أَن يقعوا فِيهِ بِأَنَّهُ قد عدّل من جرحه، وَذَلِكَ يُوهم أَنه صدقه على نَفسه فيجر ذَلِك إِلَى البُخَارِيّ وَهْنا، فأخفى اسْمه وغطّى رسمه وَمَا كتم علمه، فَجمع بَين المصلحتين، وَالله أعلم بمراده من ذَلِك. قَالَ سيدنَا ومولانا الْفَقِيه - رَضِي الله عَنهُ -: هَذَا آخر مَا سنح لنا إثْبَاته من مناقبه، ليعظم بذلك وَقع الْعلم عِنْد طَالبه. رزقنا الله الْعَمَل بِمَا علمنَا، والعذر فِيمَا جهلنا، والتوفيق فِيمَا قُلْنَا، أَو فعلنَا، وَأَدَاء الْأَمَانَة فِيمَا حملنَا. وَهَذَا أَوَان نفتح الْمَطْلُوب بعون الله وتيسيره، وعَلى الله قصد السَّبِيل فِي تحري الصَّوَاب وتحريره، وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 (1 -] كتاب بَدْء الْوَحْي [) (1 - (1) بَاب كَيفَ كَانَ بدؤ الْوَحْي إِلَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَقَول الله - عز وَجل -: 8 - (إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيْك كَمَا أَوْحَينَا إِلَى نوح والنبيين من بعده} [النِّسَاء: 163] . فِيهِ عمر بن الْخطاب: قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لكل امرء مَا نوى، فَمن كَانَت هجرته إِلَى دنيا يُصِيبهَا، أَو امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا، فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ ". قَالَ سيدنَا ومولانا الْفَقِيه - رَضِي الله عَنهُ -: إِن قلت: مَا موقع حَدِيث عمر من التَّرْجَمَة، وَأَيْنَ هُوَ من بُدِئَ الْوَحْي؟ قلت: أشكل هَذَا قَدِيما على النَّاس فَحَمله بَعضهم على قصد الْخطْبَة والمقدمة للْكتاب، لَا على مُطَابقَة التَّرْجَمَة، وَقيل فِيهِ غير هَذَا. وَالَّذِي وَقع لي أَنه قَصده - وَالله أعلم - أَن الحَدِيث اشْتَمَل على أَن من هَاجر إِلَى الله وَحده، وَالنَّبِيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ مُقَدّمَة النُّبُوَّة فِي حَقه هجرته إِلَى الله، وَإِلَى الْخلْوَة بمناجاته، والتقرب إِلَيْهِ الحديث: 8 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 بعباداته فِي غَار حراء، فَلَمَّا ألهمه الله صدق الْهِجْرَة إِلَيْهِ، وَطلب وجد وجد، فَهجرَته إِلَيْهِ كَانَت بَدْء فَضله عَلَيْهِ باصطفائه وإنزال الْوَحْي عَلَيْهِ، مُضَافا إِلَى التأييد الإلهي والتوفيق الرباني الَّذِي هُوَ الأَصْل والمبدأ والمرجع والموئل. وَلَيْسَ على معنى مَا ردّه أهل السّنة على من اعْتقد أَن النُّبُوَّة مكتسبة، بل على معنى أَن النُّبُوَّة ومقدماتها ومتمماتها، كلٌّ فضل من عِنْد الله، فَهُوَ الَّذِي ألهم السُّؤَال وَأعْطى السؤل، وعلق الأمل وَبلغ المأمول، فَلهُ الْفضل أَولا وآخراً وظاهراً وَبَاطنا - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -. وَلم يذكر البُخَارِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: " فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله ". وَهُوَ أمس بِالْمَقْصُودِ الَّذِي نبهنا عَلَيْهِ. وَذكر هَذِه الزِّيَادَة فِي الحَدِيث فِي كتاب الْإِيمَان، وَكَأَنَّهُ اسْتغنى عَنْهَا بقوله: " فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ " فأفهم ذَلِك أَن كل مَا هَاجر إِلَى شَيْء فَهجرَته إِلَيْهِ فَدخل فِي عُمُومه الْهِجْرَة إِلَى الله. وَمن عَادَته أَن يتْرك الِاسْتِدْلَال بِالظَّاهِرِ الْجَلِيّ، ويعدل إِلَى الرَّمْز الْخَفي. وَسَيَأْتِي لَهُ أَمْثَال ذَلِك. (2 -] كتاب الْإِيمَان [) (1) بَاب الدّين يسر وَقَوله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " أحب الدّين إِلَى الله الحنيفية السمحة ". فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " الدّين يسر وَلنْ يشاد الدّين أحد إِلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 غَلبه، فسدّدوا وقاربوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بالغدوة والروحة وَشَيْء من الدلجة ". قَالَ - رَضِي الله عَنهُ -: إِن قَالَ قَائِل: أَيْن مَوضِع أحب الدّين إِلَى الله الحنيفية السمحة، من الحَدِيث الَّذِي ذكره فِي الْبَاب؟ قيل لَهُ: إِن لفظ التَّرْجَمَة فِي الحَدِيث لم يُوَافق شَرط البُخَارِيّ، فَلَمَّا وَافقه حَدِيث الْبَاب بِمَعْنَاهُ، نبه عَلَيْهِ فِي التَّرْجَمَة، يَعْنِي أَنه إِن فَاتَ صِحَة لَفظه، فَمَعْنَاه صَحِيح بِهَذَا الحَدِيث الَّذِي ذكره مُسْندًا. ومقصوده من التَّرْجَمَة وحديثها التَّنْبِيه على أَن الدّين يَقع على الْأَعْمَال، لِأَن الَّذِي يَتَّصِف باليسر والشدة، إِنَّمَا هِيَ الْأَعْمَال دون التَّصْدِيق. وَقد فسّر الْأَعْمَال فِي الحَدِيث بالغدوة والروحة، وَشَيْء من الدلجة. وكنى بِهَذِهِ الفعلات عَن الْأَعْمَال فِي هَذِه الْأَوْقَات، كَقَوْلِه {أقِم الصلواة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل} [هود: 114] . وَقَالَ: " شَيْء من الدلجة " وَلم يقل: " والدلجة " لثقل عمل اللَّيْل، فندب إِلَى حظّ مِنْهُ، وَإِن قلّ، أَو لِأَن الدلجة سير اللَّيْل كُله، وَلَيْسَ الْقيام المحثوث عَلَيْهِ مستوعباً لِليْل، وَإِنَّمَا هُوَ أَخذ مِنْهُ على اخْتلَافهمْ فِي الْقدر الْمَأْخُوذ، وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 (3 - (2) بَاب حسن إِسْلَام الْمَرْء.) فِيهِ أَبُو سعيد: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إِذا أسلم الْمَرْء فَحسن إِسْلَامه، يكفر الله عَنهُ كلّ سَيِّئَة كَانَ زلفها، وَكَانَ بعد ذَلِك الْقصاص: الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا، إِلَى سبع مائَة ضعف، والسيئة بِمِثْلِهَا إِلَّا أَن يتَجَاوَز الله عَنْهَا ". فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إِذا أحسن أحدكُم إِسْلَامه، فَكل حَسَنَة يعملها كتبت لَهُ بِعشر أَمْثَالهَا، إِلَى سبع مائَة ضعف. وكل سَيِّئَة يعملها تكْتب لَهُ بِمِثْلِهَا ". إِن قَالَ قَائِل: كَيفَ موقع هَذِه التَّرْجَمَة من زِيَادَة الْإِسْلَام ونقصانة؟ قيل: لما أثبت لِلْإِسْلَامِ صفة الْحسن، وَهِي زَائِدَة عَلَيْهِ، دلّ على اخْتِلَاف أَحْوَاله. وَإِنَّمَا تخْتَلف الْأَحْوَال بِالنِّسْبَةِ إِلَى الإعمال، وَأما التَّوْحِيد فواحد. (4 - (3) بَاب أحبّ الدّين إِلَى الله أَدْوَمه) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 فِيهِ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] دخل عَلَيْهَا، وَعِنْدهَا امْرَأَة، قَالَ من هَذِه؟ قَالَت: فُلَانَة - تذكر من صلَاتهَا - قَالَ: " مَه عَلَيْكُم بِمَا تطيقون، فوَاللَّه لَا يملّ الله حَتَّى تملوا ". وَكَانَ أحبّ الدّين إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحبه. قَالَ: سيدنَا الْفَقِيه - رَضِي الله عَنهُ: - إِن قَالَ قَائِل: كَيفَ موقعها من زِيَادَة الْإِيمَان ونقصانه؟ . قُلْنَا: لِأَن الَّذِي يَتَّصِف بالدوام وَالتّرْك، إِنَّمَا هُوَ الْعَمَل. وَأما الْإِيمَان فَلَو تَركه لكفر، دلّ على أَن الْعَمَل الدَّائِم هُوَ الَّذِي يُطلق عَلَيْهِ أَنه أحبّ الدّين إِلَى الله عز وَجل، وَإِذا كَانَ هُوَ الدّين كَانَ هُوَ الْإِسْلَام لقَوْله: {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام} [آل عمرَان: 19] . (5 - (4) بَاب زِيَادَة الْإِيمَان ونقصانة) وَقَوله تَعَالَى: {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} [الْمَائِدَة: 3] . فَإِذا ترك شَيْئا من الْكَمَال فَهُوَ نَاقص. فِيهِ أنس: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : يخرج من النَّار من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَفِي قلبه وزن شعيرَة من خير، وَيخرج من النَّار من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَفِي قلبه وزن بُرّة من خير، وَيخرج من النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله، وَفِي قلبه وزن ذرة من خير ". وَفِيه عمر: إِن رجلا من الْيَهُود قَالَ لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ آيَة فِي كتابكُمْ لَو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 علينا] معشر الْيَهُود [نزلت لاتخذنا ذَلِك الْيَوْم عيداً. قَالَ أَي آيَة؟ قَالَ: {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا} [الْمَائِدَة: 3] وَذكر الحَدِيث ". قَالَ سيدنَا الْفَقِيه - رَضِي الله عَنهُ -: فِي الْآيَة تَصْرِيح بإكمال الدّين، وتصوّر إكماله يَقْتَضِي تصوّرّ نقصانه. وَلَا يحمل على التَّوْحِيد، لِأَنَّهُ كَانَ كَامِلا قبل نزُول هَذِه الْآيَة. وَأما الحَدِيث فَوجه دلَالَته أَنه فاوت بَين الْإِيمَان الْقَائِم بِالْقَلْبِ، وَلَو كَانَ هُوَ التَّصْدِيق خَاصَّة لَكَانَ وَاحِدًا. (6 - (5) بَاب الزَّكَاة من الْإِسْلَام) وَقَوله: {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين حنفَاء ويقيموا الصَّلوةَ ويؤتُوا الزَّكاةَ وذَلك ديْنُ القَيّمَة} [البيّنة: 5] . فِيهِ طَلْحَة بن عبيد الله: جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من أهل نجد، ثَائِر الرَّأْس يسمع دوىُّ صَوته وَلَا يفقه مَا يَقُول، حَتَّى دنا فَإِذا هُوَ يسْأَل عَن الْإِسْلَام. فَقَالَ: خمس صلوَات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة، وَصِيَام رَمَضَان، وَالزَّكَاة. فَقَالَ: هَل علىّ غَيرهَا؟ قَالَ: لَا إِلَّا أَن تطوع. فَأَدْبَرَ الرجل يَقُول: وَالله لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 أَزِيد على هَذَا وَلَا أنقص. قَالَ أَفْلح إِن صدق ". قَالَ سيدنَا الْفَقِيه - رَضِي الله عَنهُ -: مَوضِع الاستشهاد قَوْله: {وَذَلِكَ دين القيّمَة} . إِشَارَة إِلَى أَن الصَّلَاة وَالزَّكَاة، دلّ أَنَّهُمَا من الدّين، وَالدّين الْإِسْلَام. (7 - (6) بَاب خوف الْمُؤمن أَن يحبط عمله وَهُوَ لَا يشْعر) وَقَالَ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ: " مَا عرضت قولي على عَمَلي إِلَّا خشيت أَن أكون مُكَذبا ". وَقَالَ ابْن أبي مليكَة: " أدْركْت ثَلَاثِينَ من أَصْحَاب النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، كلهم يخَاف النِّفَاق على نَفسه، مَا مِنْهُم أحد يَقُول: إِنَّه على إِيمَان جِبْرِيل وَمِيكَائِيل ". وَيذكر عَن الْحسن: " مَا خافه إِلَّا مُؤمن، وَمَا أَمنه إِلَّا مُنَافِق، وَمَا يحذر من الْإِصْرَار على التقاتل والعصيان من غير تَوْبَة، لقَوْله عز وَجل: {وَلم يصرُّوْا على مَا فعلوا وهم يعلمُونَ} [آل عمرَان: 135] . فِيهِ زبيد: " سَأَلت أَبَا وَائِل عَن المرجئة فَقَالَ حَدثنِي عبد الله أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] قَالَ: " سباب الْمُسلم فسوق، وقتاله كفر ". وَفِيه عبَادَة: أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] [، خرج يخبر بليلة الْقدر فتلاحى رجلَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 فَرفعت. قَالَ الْفَقِيه - رَضِي الله عَنهُ -: انْتقل من الرَّد على الْقَدَرِيَّة إِلَى الرَّد على المرجئة، وهما ضدان: الْقَدَرِيَّة تكفّر بالذنب، والمرجئة تهدر الذَّنب بِالْكُلِّيَّةِ. وَالَّذِي سَاقه فِي التَّرْجَمَة صَحِيح فِي الردّ عَلَيْهِم. (8 - (7) بَاب مَا جَاءَ أَن الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ والحسبة وَلكُل امْرِئ مَا نوى) فَدخل فِيهِ الْإِيمَان، وَالْوُضُوء، وَالصَّلَاة، وَالزَّكَاة، وَالصِّيَام، وَالْحج، وَالْأَحْكَام. وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَقل كل يعْمل على شاكلته} [الْإِسْرَاء: 84] على نِيَّته.] وَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " وَلَكِن جِهَاد وَنِيَّة ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 فِيهِ عمر: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ وَلكُل امْرِئ مَا نوى، فَمن كَانَ هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله، وَمن كَانَت هجرته لدُنْيَا يُصِيبهَا، أَو امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا، فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ. وَفِيه أَبُو مَسْعُود: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِذا أنْفق الرجل على أَهله - وَهُوَ يحتسبها - فَهُوَ لَهُ صَدَقَة. وَفِيه سعد: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : إِنَّك لن تنْفق نَفَقَة تبتغي بهَا وَجه الله إِلَّا أجرت بهَا حَتَّى مَا تجْعَل فِي فى امْرَأَتك. وَقَالَ الْفَقِيه - رَضِي الله عَنهُ -: المرجئة تزْعم أَن الْمُعْتَبر الْإِيمَان بِاللِّسَانِ، وَلَا حَظّ للقلب فِيهِ، فردّ عَلَيْهِم بِاعْتِبَار نِيَّة الْقلب فِي الْأَعْمَال مُطلقًا فَدخل الْإِيمَان وَغَيره من الْعِبَادَات. (9 - (8) بَاب] قَول النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] [: الدّين النَّصِيحَة لله، وَلِرَسُولِهِ ولأئمة الْمُسلمين،] وعامتهم [) وَقَوله عز وَجل: {إِذا نصحوا لله وَرَسُوله} [التَّوْبَة: 91] . فِيهِ جرير: بَايَعت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] على إقَام الصَّلَاة، وإيتاء الزَّكَاة، والنصح لكل مُسلم. وَفِيه: أَن جَرِيرًا قَامَ يَوْم مَاتَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَحَمدَ الله، وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: عَلَيْكُم باتقاء الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَالْوَقار، والسكينة، حَتَّى يأتيكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 أَمِير. فَإِنَّمَا يأتيكم الْآن. ثمَّ قَالَ: استعفوا لأميركم، فَإِنَّهُ كَانَ يحب الْعَفو. ثمَّ قَالَ: أما بعد! فَإِنِّي أتيت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقلت لَهُ: أُبَايِعك على الْإِسْلَام، فَشرط] علىّ [، " والنصح لكل مُسلم ". وربّ] هَذِه البنية [إِنِّي نَاصح، ثمَّ اسْتغْفر وَنزل. قَالَ الْفَقِيه - رَضِي الله عَنهُ -: جَاءَ حَدِيث بِلَفْظ التَّرْجَمَة " الدّين النَّصِيحَة "، وَلم يدْخلهُ البُخَارِيّ إِنَّمَا أَدخل مَعْنَاهُ فِي الحَدِيث الَّذِي أوردهُ. وَوجه الْمُطَابقَة أَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بايعهم على الْإِسْلَام وعَلى النَّصِيحَة، كَمَا بايعهم على الْإِسْلَام دلّ أَنَّهَا مُعْتَبرَة بعد الْإِسْلَام، خلافًا للمرجئة، إِذْ لَا تعْتَبر عِنْدهم سوى الْإِسْلَام، وَلَا يضّر الْإِخْلَال بِمَا عداهُ. وَظن الشَّارِح أَن مَقْصُود البُخَارِيّ الرَّد على من زعم أَن الْإِسْلَام التَّوْحِيد، وَلَا يدْخل فِيهِ الْأَعْمَال، وهم الْقَدَرِيَّة، وَهُوَ ظَاهر فِي الْعَكْس، لِأَنَّهُ لما بَايعه على الْإِسْلَام، قَالَ لَهُ: " وعَلى النَّصِيحَة ". فَلَو دخلت فِي الْإِسْلَام لما اسْتَأْنف لَهَا بيعَة. وَالله أعلم. (3 -] كتاب الْعلم [) (10 - (1) بَاب الِاغْتِبَاط فِي الْعلم وَالْحكمَة.) وَقَالَ عمر - رَضِي الله عَنهُ -: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 " تفقهوا قبل أَن تسودوا.] وَقَالَ أَبُو عبد الله البُخَارِيّ: وَبعد أَن تسودوا [. فِيهِ ابْن مَسْعُود: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَيْنِ، رجل آتَاهُ الله مَالا، فسلّطه على هَلَكته فِي الْحق، وَرجل آتَاهُ الله الْحِكْمَة، فَهُوَ يقْضِي بهَا ويعلّمها. قَالَ الْفَقِيه - رَضِي الله عَنهُ -: وَجه مُطَابقَة قَول عمر - رَضِي الله عَنهُ - للتَّرْجَمَة أَنه جعل السِّيَادَة من ثَمَرَات الْعلم، وَأوصى الطَّالِب باغتنام الزِّيَادَة قبل بُلُوغ دَرَجَة السِّيَادَة. وَذَلِكَ يُحَقّق اسْتِحْقَاق الْعلم، لِأَنَّهُ يغتبط بِهِ صَاحبه، لِأَنَّهُ سَبَب سيادته. (11 - (2) بَاب مَا ذكر فِي ذهَاب مُوسَى فِي الْبَحْر إِلَى الْخضر) وَقَوله: {هَل أبتعك على أَن تعلمن مِمَّا علمت رشدا} [الْكَهْف: 66] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 فِيهِ ابْن عَبَّاس: إِنَّه تمارى هُوَ والحرّ بن قيس فِي صَاحب مُوسَى [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ خضر. فمرّ بهما أبيّ بن كَعْب، فَدَعَاهُ ابْن عَبَّاس، فَقَالَ: إِنِّي تماريت أَنا صَاحِبي هَذَا فِي صَاحب مُوسَى الَّذِي سَأَلَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَام - السَّبِيل إِلَى لقِيه، قَالَ: سَمِعت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَقُول: " بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلأ من بني إِسْرَائِيل، جَاءَهُ رجلّ فَقَالَ لَهُ: هَل تعلم أحدا أعلم منكّ؟ فَقَالَ مُوسَى: لَا، فَأوحى الله إِلَى مُوسَى، بلَى! عَبدنَا خضر، فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيل إِلَيْهِ، فَجعل الله لَهُ الْحُوت آيَة. وَقيل لَهُ: إِذا فقدت الْحُوت فَارْجِع فَإنَّك ستلقاه ". وَذكر الحَدِيث. قَالَ الْفَقِيه - وَفقه الله -: موقع قَوْله: " فِي الْبَحْر " من التَّرْجَمَة، التَّنْبِيه على شرف التَّعْلِيم، حَتَّى جَازَ فِي طلبه المخاطرة بركوب الْبَحْر، وَركبهُ الْأَنْبِيَاء فِي طلبه، بِخِلَاف طلب الدُّنْيَا فِي الْبَحْر فقد كرهه بَعضهم، واستثقله الْكل، وَوجه مطابقته للقصة: إِن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ للخضر: : هَل أتبعك على أَن تعلمن " فَاتبعهُ ليتعلم مِنْهُ فِي الْبَحْر حَال ركوبهما السَّفِينَة، وَفِي الْبر حَال سيرهما فِي الْبر، بعد النُّزُول. (12 - (3) بَاب فضل من عَلِمَ وعَلَّمَ) فِيهِ أَبُو مُوسَى: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : مثل مَا بَعَثَنِي الله بِهِ من الْهدى وَالْعلم كَمثل الْغَيْث الْكثير أصَاب أَرضًا، فَكَانَ مِنْهَا نقيةٌ قبلت المَاء، فأنبتت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الْكلأ والعشب الْكثير، وَكَانَت مِنْهَا أجادبُ أَمْسَكت المَاء فنفع الله بهَا النَّاس، فَشَرِبُوا وَسقوا وزرعوا، وَأصَاب مِنْهَا طَائِفَة أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قيعان لَا تمسك مَاء، وَلَا تنْبت كلأ. فَذَلِك مثل من فقه فِي دين الله، ونفعني مَا بَعَثَنِي الله بِهِ، فَعلم وَعلم، وَمثل من لم يرفع بذلك رَأْسا، وَلم يقبل هدى الله الَّذِي أرْسلت بِهِ. وَقَالَ اسحاق قيلت المَاء مَكَان " قبلت ". قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قَالَ قَائِل: مَا موقع فضل الْعلم والتعلم من الحَدِيث؟ وَإِنَّمَا هُوَ تَمْثِيل للحالين. قيل لَهُ: قد شبة صَاحب الْعلم فِي نَفعه لِلْخلقِ بالغيث، وَشبه متحمل الْعلم فِي ذكائه بِالْأَرْضِ الطّيبَة المنبتة. وناهيك بهما فضلا. (13 - (4) بَاب رفع الْعلم، وَظُهُور الْجَهْل) وَقَالَ ربيعَة: لَا يَنْبَغِي لأحد عِنْده شَيْء من الْعلم أَن يضيع نَفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 فِيهِ أنس: قَالَ لأحدثكم حَدِيثا لَا يُحَدثكُمْ أحد بعدِي، سَمِعت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَقُول: إِن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يقل الْعلم، وَيظْهر الْجَهْل، وَيظْهر الزِّنَا، وتكثر النِّسَاء، ويقل الرِّجَال حَتَّى يكون لخمسين امْرَأَة الْقيم الْوَاحِد. قَالَ الْفَقِيه - رَضِي الله عَنهُ - إِن قلت مَا وَجه مُطَابقَة قَول ربيعَة لرفع الْعلم؟ . قلت: وَجههَا أَن صَاحب الْفَهم إِذا ضيع نَفسه فَلم يتَعَلَّم، أفْضى إِلَى رفع الْعلم، لِأَن البليد لَا يقبل الْعلم، فَهُوَ عَنهُ مُرْتَفع. فَلَو لم يتَعَلَّم الْفَهم لارتفع الْعلم عَنهُ أَيْضا، فيرتفع عُمُوما، وَذَلِكَ من الأشراط الَّتِي لَا تقارن فِي الْوُجُود إلاَّ شرار الْخلق. فعلى النَّاس أَن يتوقوها مَا أمكن. (14 - (5) بَاب فضل الْعلم.) فِيهِ ابْن عمر - رَضِي الله عَنهُ -: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بَينا أَنا نَائِم، أُوتيت بقدح لبن، فَشَرِبت حَتَّى إنيّ لَا أرى الرىَّ يخرج من أظفاري. ثمَّ أعطيتُ فضلي عمر ابْن الْخطاب. قَالُوا: فَمَا أوّلته يَا رَسُول الله! قَالَ: الْعلم. قَالَ الْفَقِيه - رَضِي الله عَنهُ -: إِن قلت: مَا وَجه الْفَضِيلَة فِي الحَدِيث؟ قلت: لِأَنَّهُ عبر عَن الْعلم بِأَنَّهُ فضلَة النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَنصِيب مِمَّا آتَاهُ الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وناهيك لَهُ فضلا، إِنَّه جُزْء من النبوّة. (15 - (6) بَاب السمر فِي الْعلم.) فِيهِ ابْن عمر - رَضِي الله عَنهُ -: صلى بِنَا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الْعشَاء فِي آخر حَيَاته، فَلَمَّا سلم قَامَ فَقَالَ: " أَرَأَيْتكُم هَذِه، فَإِن رَأس مائَة سنة مِنْهَا لَا يبْقى مِمَّن هُوَ على ظهر الأَرْض أحد ". وَفِيه ابْن عَبَّاس: بتُّ فِي بَيت خَالَتِي مَيْمُونَة بنت الْحَارِث - زوج النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَكَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عِنْدهَا فِي لَيْلَتهَا، فصلى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الْعشَاء، ثمَّ جَاءَ إِلَى منزله فصلى أَربع رَكْعَات، ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ نَام، ثمَّ قَامَ، ثمَّ قَالَ: نَام الغليم - أَو كلمة تشبهها - ثمَّ قَامَ، فَقُمْت عَن يسَاره، فجعلني عَن يَمِينه، فصلى خمس رَكْعَات، ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ نَام حَتَّى سَمِعت غَطِيطه أَو خطيطه. قَالَ إِن قيل: أَيْن السمر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس؟ وَلم ينْقل عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَلَا عَن نَفسه، أَنه تكلم تِلْكَ اللَّيْلَة، إِلَّا قَوْله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] نَام الغليم أَو نَحوه، وَهَذَا لَيْسَ بسمر. قيل: يحْتَمل أَنه يُرِيد هَذِه الْكَلِمَة فَيثبت بهَا أصل السمر. وَيحْتَمل أَن يُرِيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 ارتقاب ابْن عَبَّاس لأحواله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، ويتبعه. وَلَا فرق بَين التَّعَلُّم من الحَدِيث والتعلم من الْفِعْل. فقد سهر ابْن عَبَّاس ليلته فِي طلب الْعلم، وتلقيه من الْفِعْل والتعلم مَعَ السهر، هُوَ معنى السمر. والغاية الَّتِي كره لَهَا السمر إِنَّمَا هِيَ السهر خوف التَّفْرِيط فِي صَلَاة الصُّبْح، فَإِذا كَانَ سمر الْعلم، فَهُوَ فِي طَاعَة الله فَلَا بَأْس. وَالله أعلم. (16 - (7) مَا يسْتَحبّ للْعَالم إِذا سُئِلَ أَي النَّاس أعلم أَن يكل الْعلم إِلَى الله عز وَجل.) فِيهِ ابْن عَبَّاس: عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: قَامَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام خَطِيبًا فِي بني إِسْرَائِيل فَسئلَ: أَي النَّاس أعلم؟ فَقَالَ: أَنا أعلم. فعتب الله عَلَيْهِ إِذْ لم يردَّ الْعلم إِلَيْهِ، فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن عبدا من عبَادي بمجمع الْبَحْرين، هُوَ أعلم مِنْك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 قَالَ: ياربّ وَكَيف بِهِ؟ فَقيل لَهُ: احْمِلْ حوتاً فِي مكتل فَإِذا فقدته فَهُوَ ثمَّ. فَانْطَلق مَعَه فتاه يُوشَع بن النُّون، وحملا حوتاً فِي مكتل حَتَّى كَانَا عِنْد الصَّخْرَة، وضعا رؤسهما فَنَامَا. فانسل الْحُوت من المكتل فَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر سربا ". وَذكر الحَدِيث. قَالَ الْفَقِيه - وَفقه الله -: ظنّ الشَّارِح أَن الْمَقْصُود من الحَدِيث التَّنْبِيه على أَن الصَّوَاب من مُوسَى كَانَ ترك الْجَواب، وَأَن يَقُول: لَا أعلم. وَلَيْسَ كَذَلِك، بل ردّ الْعلم إِلَى الله مُتَعَيّن أجَاب أَو لم يجب. فَإِن أجَاب، قَالَ: الْأَمر كَذَا، وَالله أعلم. وَإِن لم يجب قَالَ: الله أعلم. وَمن هُنَا تأدّب الْمفْتُون فِي أجوبتهم بقوله: " وَالله أعلم ". فَلَعَلَّ مُوسَى لَو قَالَ: أَنا، وَالله أعلم، لَكَانَ صَوَابا. وَإِنَّمَا وَقعت الْمُؤَاخَذَة باقتصاره على قَوْله: أَنا أعلم. فَتَأَمّله. (17 - (8) بَاب من سَأَلَ وَهُوَ قَائِم عَالما جَالِسا) فِيهِ أَبُو مُوسَى: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: يَا رَسُول الله! مَا الْقِتَال فِي سَبِيل الله؟ فَإِن أَحَدنَا يُقَاتل غَضبا، و] يُقَاتل [حمية. فَرفع إِلَيْهِ رَأسه - قَالَ: وَمَا رَفعه إِلَيْهِ إِلَّا أَنه كَانَ قَائِما - فَقَالَ: من قَاتل أَن تكون كلمة الله هِيَ الْعليا، فَهُوَ فِي سَبِيل الله. قَالَ الْفَقِيه - رَضِي الله عَنهُ -: إِن قيل: مَا موقع التَّرْجَمَة من الْفِقْه؟ . قلت: موقعها التَّنْبِيه على أَن مثل هَذَا مُسْتَثْنى من قَوْله: " من أحبّ أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 يتَمَثَّل لَهُ النَّاس قيَاما، فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار ". فنبه بِهَذَا الحَدِيث على أَن مثل هَذِه الْهَيْئَة مَعَ سَلامَة النَّفس مَشْرُوعَة. وَالله أعلم. (18 - (9) بَاب من أجَاب السَّائِل أَكثر مِمَّا سَأَلَهُ) فِيهِ ابْن عمر: إِن رجلا سَأَلَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مَا يلبس الْمحرم؟ فَقَالَ: لَا يلبس الْقَمِيص، وَلَا الْعِمَامَة، وَلَا السَّرَاوِيل، وَلَا الْبُرْنُس، وَلَا ثوبا مَسّه الزَّعْفَرَان، وَلَا الورس. فَإِن لم يجد النَّعْلَيْنِ فليلبس الْخُفَّيْنِ وليقطعهما حَتَّى يَكُونَا تَحت الْكَعْبَيْنِ. قَالَ الْفَقِيه - وَفقه الله تَعَالَى -: رَحْمَة الله على البُخَارِيّ] أنّه [معن فِي استنباط جَوَاهِر الحَدِيث الَّتِي خفيت على الْكثير. وموقع هَذِه التَّرْجَمَة من الْفَوَائِد، التَّنْبِيه على أَن مُطَابقَة الْجَواب للسؤال حَتَّى لَا يكون الْجَواب عَاما، وَالسُّؤَال خَاصّا، غير لَازم، فَيُوجب ذَلِك حمل اللَّفْظ الْعَام الْوَارِد على سَبَب خَاص على عُمُومه، لَا على خُصُوص السَّبَب، لِأَنَّهُ جَوَاب وَزِيَادَة فَائِدَة. وَهُوَ الْمَذْهَب الصَّحِيح فِي الْقَاعِدَة. وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَيْضا: أَن الْمُفْتى إِذا سُئِلَ عَن وَاقعَة، وَاحْتمل عِنْده أَن يكون السَّائِل يتذرع بجوابه إِلَى أَن يعديه إِلَى غير مَحل السُّؤَال، وَجب عَلَيْهِ أَن يفصّل جَوَابه، وَأَن يزِيدهُ بَيَانا، وَأَن يذكر مَعَ الْوَقْعَة مَا يتَوَقَّع التباسه بهَا. وَلَا يعّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 ذَلِك تَعَديا بل تحرياً. وَكثير من القاصرين يدْفع بِمَا لَا ينفع، وَيَأْتِي بِالْجَوَابِ أَبتر تسرعاً، لَا تورعاً. وَالزِّيَادَة فِي الحَدِيث بقوله: ((فَإِن لم يجد النَّعْلَيْنِ)) إِلَى آخِره. وَالله أعلم. (4 -] كتاب الْوضُوء [) (19 - (1) بَاب لَا تقبل صَلَاة بِغَيْر طهُور) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : لَا تقبل صَلَاة من أحدث حَتَّى يتَوَضَّأ. قيل: مَا الْحَدث يَا أَبَا هُرَيْرَة؟ قَالَ: فسَاء أَو ضراط. قلت: - رَضِي الله عَنْك -! إِن قلت: لم ترْجم على الْعُمُوم، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الْمُحدث فِي الصَّلَاة، وَلِهَذَا قَالَ: فسَاء أَو ضراط، لِأَنَّهُ غَالب مَا يسْبق فِي الصَّلَاة، لَا الْبَوْل وَالْغَائِط؟ قلت: نبّه بذلك على التَّسْوِيَة بَين الْحَدث فِي الصَّلَاة، وَالْحَدَث فِي غَيرهَا، لِئَلَّا يتخيل الْفرق كَمَا فرق بَعضهم بَين أَن يشك فِي الْحَدث فِي الصَّلَاة فيتمادى، ويلغي الشَّك، وَبَين شكّه فِي غير الصَّلَاة فيتوضأ وَيعْتَبر الشَّك. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 (20 - (2) بَاب التمَاس الْوضُوء إِذا حانت الصَّلَاة.) وَقَالَت عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا -: حضرت الصُّبْح، وَالْتمس المَاء فَلم يُوجد فَنزل التَّيَمُّم. فِيهِ أنس: رَأَيْت رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وحانت صَلَاة الْعَصْر، فالتمس النَّاس الْوضُوء. فَلم يجدوه فَأتى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِوضُوء فَوضع رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي ذَلِك الْإِنَاء يَده، وَأمر النَّاس أَن يتوضأوا مِنْهُ. قَالَ، فَرَأَيْت المَاء يَنْبع من بَين أَصَابِعه حَتَّى توضأوا من عِنْد آخِرهم. قلت: رَضِي الله عَنْك - موقع التَّرْجَمَة من الْفِقْه، التَّنْبِيه على أَن الْوضُوء لَا يجب قبل الْوَقْت. (21 - (3) بَاب الرجل يوضيء صَاحبه) فِيهِ ابْن عَبَّاس: عَن أُسَامَة: أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لما أَفَاضَ من عَرَفَة عدل إِلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الشّعب، فَقضى حَاجته. قَالَ أُسَامَة: فَجعلت أصب عَلَيْهِ، وَيتَوَضَّأ. فَقلت: يَا رَسُول الله أَتُصَلِّي؟ قَالَ: الْمصلى أمامك. وَفِيه الْمُغيرَة: أَنه كَانَ مَعَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي سفر، وَأَنه ذهب لحَاجَة لَهُ، وَأَن الْمُغيرَة جعل يصب عَلَيْهِ وَهُوَ يتَوَضَّأ، فَغسل وَجهه وَيَديه، وَمسح بِرَأْسِهِ، وَمسح على الْخُفَّيْنِ. قلت: - رَضِي الله عَنْك -: قَاس البُخَارِيّ توضئة الْغَيْر لَهُ على صبّه عَلَيْهِ، لاجتماعهما فِي معنى الْإِعَانَة على أَدَاء الطَّاعَة. وَالله أعلم. (22 - (4) بَاب اسْتِعْمَال فضل وضوء النَّاس. أَمر جرير بن عبد الله أَهله أَن يتوضأوا بِفضل سواكه) فِيهِ أَبُو جُحَيْفَة: خرج النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بالهاجرة فَأتى بِوضُوء فَتَوَضَّأ فَجعل النَّاس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 يَأْخُذُونَ من فضل وضوئِهِ، فيتمسحون بِهِ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى: دَعَا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بقدح فِيهِ مَاء، فَغسل يَدَيْهِ وَوَجهه، وَمَج فِيهِ. ثمَّ قَالَ لَهما: اشربا مِنْهُ، وافرغا على وجوهكما، ونحوركما ". وَفِيه مَحْمُود بن الرّبيع: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مجّ فِي وَجهه - وَهُوَ غُلَام - من بئرهم. وَفِيه الْمسور: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ إِذا تَوَضَّأ يقتتلون على وضوئِهِ. وَفِيه السَّائِب: ذهبت بِي خَالَتِي إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَقَالَت: يَا رَسُول الله إِن ابْن أُخْتِي وَقع، فَمسح رَأْسِي، ودعا لي بِالْبركَةِ، ثمَّ تَوَضَّأ فَشَرِبت من وضوئِهِ. الحَدِيث. قلت: - رَضِي الله عَنْك -! إِن قيل: ترْجم على اسْتِعْمَال فضل الْوضُوء ثمَّ ذكر حَدِيث السِّوَاك والمجة فَمَا وَجهه؟ قلت: مَقْصُوده: الردّ على من زعم أَن المَاء الْمُسْتَعْمل فِي الْوضُوء لَا يتَطَهَّر بِهِ، لِأَنَّهُ مَاء الْخَطَايَا، فَبين أَن ذَلِك لَو كَانَ صَحِيحا وَأَن الْخَطَايَا تحدث فِي عين المَاء شَيْئا يُنَافِي الِاسْتِعْمَال لَكَانَ نجسا، لِأَن النَّجس المبعد، والخطايا يجب إبعادها شرعا. وَمَعَ ذَلِك فَيجوز اسْتِعْمَاله لغير الطَّهَارَة، كالتبرك والتعوذ وَنَحْوه. هَذَا إِن احْتَجُّوا بِأَنَّهُ مَاء الْخَطَايَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 وَإِن احْتَجُّوا بِأَنَّهُ مُضَاف فَهُوَ مُضَاف إِلَى طَاهِر لم يتَغَيَّر بِهِ، لِأَنَّهُ الرِّيق الَّذِي يخالطه عِنْد الْمَضْمَضَة مثلا، طَاهِر بِدَلِيل حَدِيث السِّوَاك والمجة. وَكَذَلِكَ مَاء لَعَلَّه يخالطه من غبرات الْأَعْضَاء بطرِيق الأولى لِأَنَّهَا موهومة لَا مُحَققَة. وَالله أعلم. (23 - (5) بَاب الْوضُوء من النّوم، وَمن لم ير من النعسة والنعستين، والخفقة وضُوءًا) فِيهِ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: إِن رَسُول الله قَالَ: إِذا نعس أحدكُم، وَهُوَ يُصَلِّي، فليرقد حَتَّى يذهب عَنهُ النّوم، فَإِن أحدكُم إِذا صلى - وَهُوَ ناعس - لَا يدْرِي لَعَلَّه يسْتَغْفر فيسبَّ نَفسه. وَفِيه أنس: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: إِذا نعس أحدكُم فِي الصَّلَاة، فلينم حَتَّى يعلم مَا يَقُول. قَالَ سيدنَا الْفَقِيه - وَفقه الله -: إِن قلت: كَيفَ مخرج التَّرْجَمَة من الحَدِيث، ومضمونها أَن لَا يتَوَضَّأ من النعاس الْخَفِيف، ومضمون الحَدِيث النَّهْي عَن الصَّلَاة مَعَ النعاس؟ . قلت: إِمَّا أَن يكون يلقاها من مَفْهُوم تَعْلِيل النَّهْي عَن الصَّلَاة حِينَئِذٍ، بذهاب الْعقل الْمُؤَدِّي إِلَى أَن يعكس الْأَمر، يُرِيد أَن يَدْعُو فيسبّ نَفسه، دلّ أَنه لم يبلغ هَذَا الْمبلغ صلى بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 وَإِمَّا أَن يكون تلقّاها من كَونه إِذا بَدَأَ بِهِ النعاس - وَهُوَ فِي النَّافِلَة - اقْتصر على إتْمَام مَا هُوَ فِيهِ، وَلم يسْتَأْنف أُخْرَى، فتماديه على مَا كَانَ فِيهِ يدلّ على أَن النعاس الْيَسِير لَا يُنَافِي الصَّلَاة. وَلَيْسَ بِصَرِيح فِي الحَدِيث بل يحْتَمل قطع الصَّلَاة الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَيحْتَمل النَّهْي عَن اسْتِئْنَاف شَيْء آخر وَالْأول أظهر. (24 - (6) بَاب الْوضُوء من غير حدث) فِيهِ أنس: كَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يتَوَضَّأ عِنْد كل صَلَاة. قلت: كَيفَ كُنْتُم تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: يجزيء أَحَدنَا الْوضُوء مَا لم يحدث. وَفِيه سُوَيْد بن النُّعْمَان: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] صلى الْعَصْر يَوْم حنين، ثمَّ صلى الْمغرب، وَلم يتَوَضَّأ. قلت: - رَضِي الله عَنْك - سَاق حَدِيث سُوَيْد عقيب الحَدِيث الأوّل، لينبّه على أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ يَأْخُذ بالأفضل فِي تَجْدِيد الْوضُوء من غير حدث، لَا أَنه وَاجِب عَلَيْهِ بِدَلِيل حَدِيث سُوَيْد. (25 - (7) بَاب مَا يَقع من النَّجَاسَات فِي السّمن وَالْمَاء) وَقَالَ الزُّهْرِيّ: لَا بَأْس بِالْمَاءِ مَا لم يُغَيِّرهُ لون، أَو طعم، أَو ريح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وَقَالَ حَمَّاد: لَا بَأْس بريش الْميتَة. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: فِي عِظَام الْمَوْتَى نَحْو الْفِيل وَغَيره: أدْركْت نَاسا من سلف الْعلمَاء يمتشطون بهَا، ويدهنون فِيهَا، وَلَا يرَوْنَ بهَا بَأْسا. وَقَالَ ابْن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم: لَا بَأْس بِتِجَارَة العاج. فِيهِ مَيْمُونَة: إِن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سُئِلَ عَن فَأْرَة سَقَطت فِي سمن، فَقَالَ: ألقوها وَمَا حولهَا، وكلوا سمنكم. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كل كلم يكلمهُ الْمُسلم فِي سَبِيل الله، يكون يَوْم الْقِيَامَة كهيئتها، إِذْ طعنت، تفجر دَمًا: اللَّوْن لون الدَّم، وَالْعرْف عرف الْمسك. قلت: - رَضِي الله عَنْك - مَقْصُوده فِي التَّرْجَمَة أَن الْمُعْتَبر فِي النَّجَاسَات الصِّفَات، فَلَمَّا كَانَ ريش الْميتَة لَا يتَغَيَّر بتغيرها، لِأَنَّهُ لَا تحله الْحَيَاة طهر، وَكَذَلِكَ الْعِظَام، وَكَذَلِكَ المَاء إِذا خالطه نَجَاسَة وَلم يتَغَيَّر، وَكَذَلِكَ السّمن الْبعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 عَن موقع الْفَأْرَة إِذا لم يتَغَيَّر. وَوجه الِاسْتِدْلَال بِحَدِيث دم الشُّهَدَاء أَنه لمّا تَغَيَّرت صفته إِلَى صفة طَاهِر وَهُوَ الْمسك، بَطل حكم النَّجَاسَة فِيهِ، على أَن الْقِيَامَة لَيست دَار أَعمال، وَلَا أَحْكَام. وَإِنَّمَا لما عظم الدَّم لحيلولة صفته إِلَى صفة مَا هُوَ مستطاب مُعظم فِي الْعَادة، علمنَا أَن الْمُعْتَبر الصِّفَات، لَا الذوات. وَالله أعلم. (26 - (8) بَاب لَا يَبُول فِي المَاء الدَّائِم) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ سَمِعت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَقُول: " نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ " وبإسناده قَالَ: " لَا يبولن أحدكُم فِي المَاء الدَّائِم الَّذِي لَا يجْرِي، ثمَّ يغْتَسل فِيهِ ". قلت: - رَضِي الله عَنْك - إِن قلت كَيفَ طابق قَوْله: - نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ " مَقْصُود التَّرْجَمَة؟ وَهل ذَلِك لما قيل: إِن هماماً رَاوِيه روى جملَة أَحَادِيث عَن أبي هُرَيْرَة، استفتحها لَهُ أَبُو هُرَيْرَة بِحَدِيث: " نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ " فَصَارَ همام مهما حدث عَن أبي هُرَيْرَة ذكر الْجُمْلَة من أَولهَا وَاتبعهُ البُخَارِيّ فِي ذَلِك، أَو تظهر مُطَابقَة معنوية؟ . قلت: تمكن الْمُطَابقَة، وتحقيقها: أَن السِّرّ فِي اجْتِمَاع التَّأَخُّر فِي الْوُجُود، والسبق فِي الْبَعْث لهَذِهِ الْأمة أَن الدُّنْيَا مثلهَا لِلْمُؤمنِ مثل السجْن. وَقد أَدخل الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 فِيهِ الْأَوَّلين وَالْآخرُونَ على تَرْتِيب. فَمُقْتَضى ذَلِك أَن الآخر فِي الدُّخُول أوّل فِي الْخُرُوج، كالوعاء إِذا ملأته بأَشْيَاء وضع بَعْضهَا فَوق بعض، ثمَّ استخرجتها، فَإِنَّمَا يخرج أَولا مَا أدخلته آخرا. فَهَذَا هُوَ السِّرّ فِي كَون هَذِه الْأمة آخرا فِي الْوُجُود الأول، أوّلاً فِي الْوُجُود الثَّانِي. وَلها فِي ذَلِك من المصحلة: قلَّة بَقَائِهَا فِي سجن الدُّنْيَا، وَفِي أطباق البلى بِمَا خصها الله بِهِ من قصر الْأَعْمَار، وَمن السَّبق إِلَى الْمعَاد. فَإِذا فهمت هَذِه الْحَقِيقَة تصور الفطن مَعْنَاهَا عَاما، فَكيف يَلِيق بلبيب أَن يعمد إِلَى أَن يتَطَهَّر من النَّجَاسَة، وَمِمَّا هُوَ أيسر مِنْهَا، من الغبرات والقترات، فيبول فِي مَاء راكد ثمَّ يتَوَضَّأ مِنْهُ. فأوّل مَا يلاقيه بَوْله الَّذِي عزم على التَّطْهِير مِنْهُ، فَهُوَ عكس للحقائق وإخلال بالمقاصد، لَا يتعاطاه أريب وَلَا يَفْعَله لَبِيب. وَالله أعلم؟ وَالْحق وَاحِد، وَإِن تبَاعد مَا بَين طرقه. وَسَيَأْتِي للْبُخَارِيّ ذكر حَدِيث: " نَحن الأخرون السَّابِقُونَ " فِي قَوْله: " الإِمَام جنَّة يتقى بِهِ وَيُقَاتل من وَرَائه ". أَي هُوَ أول فِي إِسْنَاد الهمم والعزائم إِلَى وجوده. وَهُوَ آخر فِي صُورَة وُقُوفه، فَلَا يَنْبَغِي لأجناده إِذا قَاتلُوا بَين يَدَيْهِ، أَن يَظُنُّوا أَنهم حموه، بل هُوَ حماهم، وصان بتدبيره حماهم، فَهُوَ وَإِن كَانَ خلف الصَّفّ، إِلَّا أَنه فِي الْحَقِيقَة جنَّة أما الصَّفّ وَحقّ للْإِمَام أَن يكون مَحَله فِي الْحَقِيقَة الْأَمَام. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 (5 -] كتاب الْغسْل [) (27 - (1) بَاب هَل يدْخل الْجنب يَده فِي الْإِنَاء، قبل أَن يغسلهَا إِذا لم يكن على يَده قذر غير الْجَنَابَة؟ .) وَأدْخل ابْن عمر والبراء فِي الطّهُور، وَلم يغسلهَا، ثمَّ تَوَضَّأ، وَلم ير ابْن عمر وَابْن عَبَّاس باساً بِمَا ينتضح من غسل الْجَنَابَة. فِيهِ عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا -: كنت اغْتسل أَنا وَالنَّبِيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من إِنَاء وَاحِد تخْتَلف أَيْدِينَا فِيهِ. وَقَالَ أَبُو بكر بن حَفْص، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة: كنت اغْتسل أَنا وَالنَّبِيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من إِنَاء وَاحِد من جَنَابَة. وَفِيه عَائِشَة: كَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِذا اغْتسل من جَنَابَة غسل يَده. وَفِيه أنس: كَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَالْمَرْأَة من نِسَائِهِ، يغتسلان من إِنَاء وَاحِد من الْجَنَابَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 قلت: - رَضِي الله عَنْك - ذكر فِي التَّرْجَمَة إِدْخَال الْيَد الْإِنَاء قبل غسلهَا فِي غسل الْجَنَابَة. ثمَّ ذكر أَحَادِيث كَثِيرَة لَا تدل على ذَلِك، فَمَا وَجهه؟ . قلت: لما علم أَن الْغسْل إِمَّا لحَدث حكمي أَو لحادث عَيْني، وَقد فرض الْكَلَام فِيمَن لَيْسَ على يَده حَادث نَجَاسَة وَلَا قذر، بَقِي أَن يكون بِيَدِهِ حدث حكمي يمْنَع إدخالها الْإِنَاء، لَكِن الْحَدث لَيْسَ بمانع، لِأَن الْجَنَابَة لَو كَانَت تتصل بِالْمَاءِ حكما لما جَازَ للْجنب أَن يدْخل يَده فِي الْإِنَاء، حَتَّى يكمل طَهَارَته، وَيَزُول حدث الْجَنَابَة عَنهُ. فَلَمَّا تحقق جَوَاز إدخالها فِي الْإِنَاء فِي أثْنَاء الْغسْل، علم أَن الْجَنَابَة لَيست تُؤثر فِي منع مُبَاشرَة المَاء بِالْيَدِ، فَلَا مَانع إِذا من إدخالها أَولا، كإدخالها وسطا، وحقّق ذَلِك أَن الَّذِي ينتضح من بدن الْجنب طَاهِر، فَلَا تضّر مخالطته لماء الْغسْل، فتفهمه. وَالله أعلم. أَن الشَّارِح أبعد عَن مَقْصُوده. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 (28 - (2) بَاب من تَوَضَّأ فِي الْجَنَابَة، ثمَّ غسل سَائِر جسده وَلم يعد غسل مَوَاضِع الْوضُوء مرّة أُخْرَى.) فِيهِ مَيْمُونَة رَضِي الله عَنْهَا: " إِنَّهَا وضعت للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وضوء الْجَنَابَة، فَغسل يَدَيْهِ، ثمَّ تَوَضَّأ وضوء الصَّلَاة، ثمَّ أَفَاضَ على رَأسه المَاء، ثمَّ غسل جسده ". الحَدِيث. قلت: - رَضِي الله عَنْك - إِن قلت: كَيفَ تستفاد التَّرْجَمَة من الحَدِيث، وَإِنَّمَا قَالَت: ثمَّ تَوَضَّأ، ثمَّ أَفَاضَ على رَأسه، ثمَّ غسل جسده، فَدخل فِي قَوْلهَا: " ثمَّ غسل جسده " الْأَعْضَاء الَّتِي تقدم لِأَنَّهَا من جملَة الْجَسَد؟ . قلت: استخراجها مِنْهُ بعيدٌ لُغَة، ومحتملٌ عرفا، إِذا لم تذكر إِعَادَة غسلهَا. وَذكر الْجَسَد بعد ذكر الْأَعْضَاء الْمعينَة، تفهم عرفا بَقِيَّة الْجَسَد لَا جملَته. وَالله أعلم. وَظن الشَّارِح أَن لفظ الحَدِيث فِي الطَّرِيق الْمُتَقَدّمَة على التَّرْجَمَة أقعد بِهَذِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 التَّرْجَمَة، فَإِنَّهَا قَالَت فِيهِ: " ثمّ أَفَاضَ على سَائِر جسده "، فانتقد على البُخَارِيّ كَونه ذكر هَذِه الطَّرِيق وَغَيرهَا أبين مِنْهَا فِي قَصده. وَلَيْسَ كَمَا ظَنّه، بل فِي قَوْله سَائِر قُوَّة عُمُوم يتَنَاوَل بهَا الْجمع، وَمَا يخلص التَّرْجَمَة من اللَّفْظ إِلَّا الْعرف فِي سِيَاقه مثله، لَا اللُّغَة. وَالله أعلم. (29 - (3) بَاب نفض الْيَد من غسل الْجَنَابَة) فِيهِ مَيْمُونَة: " وضعت لنَبِيّ الله غسلا - وَذكر الحَدِيث - فناولته ثوبا، فَلم يَأْخُذهُ فَانْطَلق وَهُوَ ينفض يَدَيْهِ. قلت: - رَضِي الله عَنْك - إِن قلت: مَا وَجه دُخُول هَذِه التَّرْجَمَة فِي الفقة؟ . قلت: مَقْصُوده بهَا، أَن لَا يتخيل أَن مثل هَذَا الْفِعْل اطراح لأثر الْعِبَادَة، وَنقص لَهُ. فَبين أَن هَذَا جَائِز. وَنبهَ أَيْضا، على بطلَان قَول من زعم أَن تَركه للمنديل من قبيل إبْقَاء آثَار الْعِبَادَة عَلَيْهِ، وَأَن لَا يمسحها. وَقد ظن الشَّارِح هَذَا، وترجمة البُخَارِيّ تأباه، وتبيّن أَن هَذَا لَيْسَ مغزاه. وَإِنَّمَا ترك المنديل - وَالله أعلم - خوفًا من الدُّخُول] فِي [المترفين. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 (6 -] كتاب الْحيض [) (30 - (1) بَاب من سمى النّفاس حيضا) فِيهِ أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا: قَالَت بَينا أَنا مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مُضْطَجِعَة فِي خميصة إِذْ حِضْت، فانسللت فَأخذت ثِيَاب حيضتي. فَقَالَ: أنفست؟ فَقلت: نعم! فدعاني فاضطجعت مَعَه فِي الخميلة. قلت: - رَضِي الله عَنْك - إِن قلت:، مَا فقه التَّرْجَمَة، وَكَيف تطابق الحَدِيث وَإِنَّمَا فِيهِ تَسْمِيَة الْحيض نفاساً، لَا تَسْمِيَة النّفاس حيضا؟ . قلت: أما فقههما، فالتنبيه على أَن حكم الْحيض وَالنّفاس فِي مُنَافَاة الصَّلَاة، وَنَحْوهَا وَاحِد. وألجأه إِلَى ذَلِك أَنه لم يجد حَدِيثا على شَرطه فِي حكم النّفاس. فاستنبط من هَذَا الحَدِيث أَن حكمهمَا وَاحِد. وَظن الشَّارِح أَنه يلْزم من تَسْمِيَة الْحيض نفاساً، تَسْمِيَة النّفاس حيضا. وَلَيْسَ كَذَلِك، لجَوَاز أَن يكون بَينهمَا عُمُوم كالإنسان وَالْحَيَوَان، وَالْعرض واللون. وَإِنَّمَا أَخذه البُخَارِيّ من غير هَذَا وَهُوَ أَن الْمُوجب لتسمية الْحيض نفاساً أَنه دم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وَالنَّفس الدَّم. فَلَمَّا اشْتَركَا فِي الْمَعْنى الَّذِي لأَجله سمى النّفاس نفاساً. وَجب جَوَاز تَسْمِيَة الْحيض نفاساً، وَفهم أَنه دم وَاحِد، وَهُوَ الْحق. فَإِن الْحمل يمْنَع خُرُوج الدَّم الْمُعْتَاد، فَإِذا وضعت خرج دفْعَة. وَهَذَا ينبي على أَن تَسْمِيَة النّفاس لم تكن لخُرُوج النَّفس الَّتِي هِيَ النَّسمَة، وَإِنَّمَا كَانَ لخُرُوج الدَّم. وَالله أعلم. (31 - (2) بَاب تقضي الْحَائِض الْمَنَاسِك كلهَا إِلَّا الطّواف بِالْبَيْتِ.) وَقَالَ إِبْرَاهِيم: لَا بَأْس أَن تقْرَأ الْآيَة. وَلم ير ابْن عَبَّاس بِالْقِرَاءَةِ للْجنب باساً. وَكَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يذكر الله كل أحيانه. وَقَالَت أم عَطِيَّة: كُنَّا نؤمر أَن نخرج بِالْحيضِ، فيكبرن بتكبيرهم، و] يدعونَ [وَقَالَ ابْن عَبَّاس: أَخْبرنِي أَبُو سُفْيَان، أَن هِرقل دَعَا بِكِتَاب رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فقرأه، فَإِذا فِيهِ: " بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم "، {يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم} [آل عمرَان: 64] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وَقَالَ عَطاء عَن جَابر: حَاضَت عَائِشَة فنسكت الْمَنَاسِك كلهَا، غير الطّواف بِالْبَيْتِ وَلَا تصلّى. وَقَالَ الحكم: إِنِّي لأذبح وَأَنا جنب. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ} [الْأَنْعَام: 121] . فِيهِ عَائِشَة: إِنَّهَا حَاضَت بسرف فَقَالَ لَهَا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : إِن ذَلِك شَيْء كتبه الله على بَنَات آدم، فافعلي مَا يفعل الْحَاج غير أَن لَا تطوفي بِالْبَيْتِ، حَتَّى تطهري. ] قلت [الْمَقْصُود الَّذِي يَشْمَل جَمِيع مَا ذكره فِي التَّرْجَمَة، أَن هَذَا الْحَدث الْأَكْبَر، وَمَا فِي مَعْنَاهُ من الْجَنَابَة، لَا يُنَافِي كل عبَادَة، بل صحّت مَعَه عبادات بدنية، من أذكار وتلاوة وَغَيرهَا، فمناسك الْحَج من جملَة مَا لَا يُنَافِيهِ الْحَدث الْأَكْبَر، إِلَّا الطّواف. فَمن هَاهُنَا طابقت الْآثَار التَّرْجَمَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 (32 - (3) بَاب الصَّلَاة على النُّفَسَاء، وسنتها) فِيهِ سَمُرَة بن جُنْدُب: إِن امْرَأَة مَاتَت فِي بطن، فصلى عَلَيْهَا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَامَ وَسطهَا. قَالَ سيدنَا الْفَقِيه - رَضِي الله عَنهُ -: ظن الشَّارِح أَن مَقْصُود التَّرْجَمَة، التَّنْبِيه على أَن النُّفَسَاء طَاهِرَة الْعين، لَا نَجِسَة، لِأَنَّهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] صلىّ عَلَيْهَا وَأوجب لَهَا بِصَلَاتِهِ حكم الطَّهَارَة، فينقاس الْمُؤمن الطَّاهِر مُطلقًا عَلَيْهَا فِي أَنه لَا ينجس. وَذَلِكَ كُله أَجْنَبِي عَن مَقْصُوده وَالله أعلم. وَإِنَّمَا قصد أَنَّهَا وَإِن ورد أَنَّهَا من الشُّهَدَاء، فَهِيَ مِمَّن يصلى عَلَيْهَا، كَغَيْر الشُّهَدَاء. أَو أَرَادَ التَّنْبِيه على أَنَّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 لَيست بنجسة الْعين، لَا لِأَنَّهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] صلى عَلَيْهَا، وأنّ هَذَا من خَصَائِصه، بل لِأَن الصَّلَاة على الْمَيِّت فِي الْجُمْلَة تَزْكِيَة لَهُ، وَلَو كَانَ جَسَد الْمُؤمن نجسا لَكَانَ حكمه أَن يطْرَح اطراح الجيفة، وَيبعد وَلَا يوقر بِالْغسْلِ وَالصَّلَاة، وَغير ذَلِك من الْحرم. وَالله أعلم. (7 -] كتاب الصَّلَاة [) (33 - (1) بَاب الصَّلَاة على الْحَصِير) وَصلى جَابر بن عبد الله وَأَبُو سعيد فِي السَّفِينَة قَائِما. وَقَالَ الْحسن: تصلي قَائِما مَا لم يشق على أَصْحَابك تَدور مَعهَا. وَإِلَّا فقاعداً. فِيهِ أنس: إِن جدته مليكَة دعت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لطعام صَنعته لَهُ، فَأكل مِنْهُ ثمَّ قَالَ: قومُوا فلأصلي لكم، قَالَ أنس: فَقُمْت إِلَى حَصِير لنا، قد اسودّ من طول مَا لبس، فنضحته بِمَاء، فَقَامَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وصففت أَنا واليتيم وَرَاءه، والعجوز عَن وَرَائِنَا، فَصلي بِنَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ انْصَرف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 قَالَ سيدنَا الْفَقِيه - رَضِي الله عَنهُ -: وَجه إِدْخَال الصَّلَاة فِي السَّفِينَة فِي تَرْجَمَة الصَّلَاة على الْحَصِير، أَنَّهُمَا اشْتَركَا فِي أَن الصَّلَاة عَلَيْهِمَا صَلَاة على غير الأَرْض. لِئَلَّا يتخيل أَن مُبَاشرَة الْمصلى للْأَرْض شَرط من قَوْله لِمعَاذ: " عفر وَجهك فِي التُّرَاب ". (34 - بَاب كَرَاهِيَة الصَّلَاة فِي الْمَقَابِر.) فِيهِ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : اجعلوا من صَلَاتكُمْ فِي بُيُوتكُمْ، وَلَا تتخذوها قبوراً. قَالَ الْفَقِيه - وَفقه الله - إِن قلت: مَا وَجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة للْحَدِيث؟ . قلت: دلّ الحَدِيث على الْفرق بَين الْبَيْت والقبر. فَأمر بِالصَّلَاةِ فِي الْبَيْت، وَألا يَجْعَل كالمقبرة. فأفهم أَن الْمقْبرَة لَيست بِمحل صَلَاة. لهَذَا أَدخل الحَدِيث تحتهَا. وَالله أعلم. فِيهِ نظر، من حَيْثُ أَن المُرَاد بقوله: " لَا تتخذوها قبوراً " أَن لَا تَكُونُوا فِيهَا كالأموات فِي الْقُبُور. وانقطعت عَنْهُم الْأَعْمَال، وَارْتَفَعت التكاليف، فَهُوَ غير متعرض لصَلَاة الْأَحْيَاء فِي ظواهر الْمَقَابِر. وَالله أعلم. وَلِهَذَا قَالَ " وَلَا تتخذوها قبوراً " وَلم يقل: " مَقَابِر " لِأَن الْقَبْر: هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 الحفرة الَّتِي يستقّر بهَا الميّت والمقبرة اسْم للمكان الْمُشْتَمل على الحفرة، وَمَا وضمّت وَالله أعلم. (35 - (3) بَاب إنشاد الشّعْر فِي الْمَسْجِد) فِيهِ أَبُو سَلمَة: إِنَّه سمع حسان بن ثَابت يستشهد أَبَا هُرَيْرَة: أنْشدك الله، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 هَل سَمِعت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَقُول: يَا حسان أجب عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ؟ اللَّهُمَّ أيده بِروح الْقُدس؛ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: نعم! قلت: رَضِي الله عَنْك -: لَيْسَ لي فِي هَذَا الحَدِيث أَنه أنْشد فِي الْمَسْجِد، وَإِن كَانَ مثبتاً فِي غير هَذَا الطَّرِيق، وَقد ذكره البُخَارِيّ فِي كِتَابه فِي غير هَذَا. قَالَ: مر عمر بِحسان وَهُوَ ينشد فِي الْمَسْجِد. ثمَّ سَاق الحَدِيث. فَإِن قلت: لم عدل عَن الطَّرِيق الْمُفْهم للمقصود إِلَى مَا لَا يفهمهُ مَعَ الْإِمْكَان؟ قلت: كَانَ البُخَارِيّ لطيف الْأَخْذ لفوائد الحَدِيث، دَقِيق الفكرة فِيهَا، وَكَانَ رُبمَا عرض لَهُ الِاسْتِدْلَال على التَّرْجَمَة بِالْحَدِيثِ الْوَاضِح المطابق، فَعدل إِلَى الْأَخْذ من الْإِشَارَة وَالرَّمْز بِهِ. وَكَانَ على الصَّوَاب فِي ذَلِك لِأَن الحَدِيث الْبَين يَسْتَوِي النَّاس فِي الْأَخْذ مِنْهُ. وَإِنَّمَا يتفاوتون فِي الاستنباط من الإشارات الْخفية. وَلم يكن مَقْصُود البُخَارِيّ كَغَيْرِهِ يمْلَأ الصُّحُف بِمَا سبق إِلَيْهِ، وَبِمَا يعْتَمد فِي مثله على الأفهام الْعَامَّة. وَإِنَّمَا كَانَ مقْصده فَائِدَة زَائِدَة. وَوجه الْأَخْذ من هَذَا الطَّرِيق أَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " يَا حسان أجب عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] " ودعا لَهُ أَن يُؤَيّد بِروح الْقُدس، فدلّ على أَن من الشّعْر حَقًا يُؤمر بِهِ، ويتأهل صَاحبه، لِأَن يكون مؤيداً فِي النُّطْق بِهِ بِالْمَلَائِكَةِ. وَمَا كَانَ هَذَا شَأْنه، فَلَا يتخيل ذولب أَنه يحرم فِي الْمَسْجِد، لِأَن الَّذِي يحرم فِي الْمَسْجِد من الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ الْعَبَث والسفه، وَمَا يعدّ فِي الْبَاطِل الْمنَافِي لما اتَّخذت لَهُ الْمَسَاجِد من الْحق. فَأَما هَذَا النَّوْع فَإِنَّهُ حق لَفظه حسن، وَمَعْنَاهُ صدق. فَهَذَا وَجه الْأَخْذ. وَالله أعلم. وَبِه يرْتَفع الْخلاف، وَيحمل الْمَنْع على شعر السَّفه والعبث، وَالْإِجَازَة على شعر الْفَائِدَة وَالْحكمَة. وَنَحْو ذَلِك مِمَّا تحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 الْقَصْد إِلَيْهِ. وَالله أعلم. (36 - (4) بَاب ذكر البيع وَالشِّرَاء على الْمِنْبَر فِي الْمَسْجِد) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ -: بعث رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خيلاً قبل نجد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 فَجَاءَت بِرَجُل من بني حنيفَة، يُقَال لَهُ: ثُمَامَة بن أَثَال، فربطوه بِسَارِيَة من سواري الْمَسْجِد، فَخرج إِلَيْهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَقَالَ، اطلقوا ثُمَامَة فَانْطَلق إِلَى نخل قريب من الْمَسْجِد، فاغتسل ثمَّ دخل الْمَسْجِد فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وأنّ مُحَمَّدًا رَسُول الله. قلت: - رَضِي الله عَنْك - ترْجم قبل هَذَا على " ربط الْأَسير والغريم فِي الْمَسْجِد "، ثمَّ سَاق حَدِيث العفريت الَّذِي هّم النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بربطه إِلَى سَارِيَة الْمَسْجِد، وَلم يربطه رِعَايَة لدَعْوَة سُلَيْمَان - عَلَيْهِ السَّلَام - وَقد كَانَ ذكر الحَدِيث فِي هَذِه التَّرْجَمَة أوقع وأنص على الْمَقْصُود، لِأَن ثُمَامَة كَانَ أَسِيرًا، فَربط فِي الْمَسْجِد. فإمَّا أَن يكون البُخَارِيّ سلك عَادَته فِي الِاسْتِدْلَال بالخفي، والإعراض عَن الِاسْتِدْلَال الْجَلِيّ، اكْتِفَاء بسبق الأفهام إِلَيْهِ. وَإِمَّا أَن يكون ترك الِاسْتِدْلَال بِحَدِيث ثُمَامَة، لِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم يربطه وَلم يَأْمر بربطه. وَحَيْثُ رَآهُ مربوطاً قَالَ: " أطْلقُوا ثُمَامَة "، فَهُوَ بِأَن يكون إنكاراً لفعلهم أولى مِنْهُ بِأَن يكون إِقْرَارا، بِخِلَاف قَضِيَّة العفريت، فَإِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] هُوَ الَّذِي هّم بربطه. وَإِنَّمَا امْتنع لمَانع أَجْنَبِي. وَالله أعلم. وَوجه مُطَابقَة حَدِيث ثُمَامَة للْبيع وَالشِّرَاء فِي الْمَسْجِد أَن الَّذِي تخيل الْمَنْع. إِنَّمَا أَخذه من ظَاهر " إِن هَذِه الْمَسَاجِد إِنَّمَا بنيت للصَّلَاة، وَلذكر الله ". فبيّن البُخَارِيّ تَخْصِيص هَذَا الْعُمُوم الْحَاضِر بِإِجَازَة فعل غير الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد وَهُوَ ربط ثُمَامَة، لِأَنَّهُ لمقصود صَحِيح، فَالْبيع كَذَلِك. وَالله أعلم. (37 - (5) بَاب الصَّلَاة فِي مَسَاجِد السُّوق) وَصلى ابْن عمر فِي مَسْجِد فِي دَار يغلق عَلَيْهِ الْبَاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : صَلَاة الْجَمِيع تزيد على صلَاته فِي بَيته، وَصلَاته فِي سوقه خمْسا وَعشْرين دَرَجَة. الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قلت: مَا وَجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة لحَدِيث ابْن عمر - وَلم يصل فِي سوق -، وَلِلْحَدِيثِ الآخر، وَلَيْسَ فِيهِ لِلْمَسْجِدِ فِي السُّوق ذكر. قلت: أَرَادَ البُخَارِيّ إِثْبَات جَوَاز بِنَاء الْمَسْجِد دَاخل السُّوق، لِئَلَّا يتخيل أَن الْمَسْجِد فِي الْمَكَان الْمَحْجُور لَا يسوغ، كَمَا أَن مَسْجِد الْجُمُعَة لَا يجوز أَن يكون مَحْجُورا. فنبّه بِصَلَاة ابْن عمر، على أَن الْمَسْجِد الَّذِي صلى فِيهِ كَانَ مَحْجُورا، وَمَعَ ذَلِك فَلهُ حكم الْمَسَاجِد. ثمَّ خص السُّوق فِي التَّرْجَمَة لِئَلَّا يتخيل أَنَّهَا لما كَانَت شَرّ الْبِقَاع، وَبهَا يركز الشَّيْطَان، رَأَيْته كَمَا ورد فِي الحَدِيث، يمْنَع ذَلِك من اتِّخَاذ الْمَسَاجِد فِيهَا، وينافي الْعِبَادَة كمنافاتها الطرقات، ومواضع الْعَذَاب وَالْحمام، وَشبهه. فبيّن بِهَذَا الحَدِيث أَنه مَحل للصَّلَاة، كالبيوت. فَإِذا كَانَت محلا للصَّلَاة، جَازَ أَن يَبْنِي فِيهَا الْمَسْجِد. وَالله أعلم. (38 - (6) بَاب تشبيك الْأَصَابِع فِي الْمَسْجِد وَغَيره) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 فِيهِ أَبُو مُوسَى: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " الْمُؤمن لِلْمُؤمنِ كالبنيان، يشدّ بعضه بَعْضًا ". وَشَبك أَصَابِعه -. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: صلى بِنَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِحْدَى صَلَاتي العشّى، صلى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ سلم، ثمَّ إِلَى قَامَ خَشَبَة معروضة فِي الْمَسْجِد، فاتكأ عَلَيْهَا، وَوضع يَده الْيُمْنَى على الْيُسْرَى. وشبّك أَصَابِعه. قلت: رَضِي الله عَنْك، وَجه إِدْخَال هَذِه التَّرْجَمَة فِي الْفِقْه مُعَارضَة الْمَرَاسِيل الَّتِي وَردت فِي النَّهْي عَن التشبيك فِي الْمَسْجِد، وَلَكِن التَّحْقِيق أَنَّهَا لَا تعارضها، إِذا المنهى عَنهُ فعله على وَجه الولع والعبث. وَالَّذِي فِي الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ لمقصود التَّمْثِيل، وتصوير الْمَعْنى فِي النَّفس بِصُورَة الْحس. وَنَحْو ذَلِك من الْمَقَاصِد الصَّحِيحَة. وَالله أعلم. (39 - (7) بَاب اسْتِقْبَال الرجل صَاحبه وَهُوَ يُصَلِّي) وَكَرِهَهُ عُثْمَان. وَهَذَا إِذا اشْتغل بِهِ. فَأَما إِذا لم يشْتَغل بِهِ، فقد قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 زيد بن ثَابت: مَا باليت أَن الرجل لَا يقطع صَلَاة الرجل. فِيهِ عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا -: ذكر عِنْدهَا مَا يقطع الصَّلَاة، فَقَالُوا: يقطعهَا الْكَلْب، وَالْحمار وَالْمَرْأَة، فَقَالَت: لقد جعلتمونا كلاباً، لقد رَأَيْت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يُصَلِّي، وَإِنِّي لبينه وَبَين الْقبْلَة الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك، التَّرْجَمَة لَا تطابق حَدِيث عَائِشَة. لَكِن حَدِيثهَا يدل على الْمَقْصُود بطرِيق الأولى، وَإِن لم يكن فِيهِ تَصْرِيح بِأَنَّهَا كَانَت مستقبلته. فلعلّها كَانَت منحرفة أَو مستدبرة. لَكِن الْجُلُوس فِي مثله الِاسْتِقْبَال. وَالله أعلم. (8 -] كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة [) (40 - (1) بَاب من أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر قبل الْغُرُوب) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : إِذا أدْرك أحدكُم سَجْدَة من صَلَاة الْعَصْر، قبل أَن تغرب الشَّمْس، فليتم صلَاته، وَإِذا أدْرك سَجْدَة من صَلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الصُّبْح، قبل أَن تطلع الشَّمْس فليتم صلَاته ". وَفِيه ابْن عمر: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : إِنَّمَا بقاؤكم فِيمَا سلف قبلكُمْ من الْأُمَم، كَمَا بَين صَلَاة الْعَصْر إِلَى غرُوب الشَّمْس أُوتى أهل التَّوْرَاة التَّوْرَاة، فعملوا حَتَّى انتصف النَّهَار عجزوا، فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثمَّ أُوتى أهل الْإِنْجِيل الْإِنْجِيل، فعملوا إِلَى صَلَاة الْعَصْر، ثمَّ عجزوا، فأعطوا قيراطاً قيراطاً. ثمَّ أوتينا الْقُرْآن فعملنا إِلَى غرُوب الشَّمْس، فأعطينا قيراطين قيراطين. فَقَالَ أهل الْكِتَابَيْنِ:] أَي [رَبنَا أَعْطَيْت هَؤُلَاءِ قيراطين قيراطين وأعطيتنا قيراطاً] قيراطاً [وَنحن] كُنَّا [أَكثر عملا. قَالَ عزّ وجلّ: هَل ظلمتكم من أجركُم من شَيْء؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَذَلِك فضلي أوتيه من أَشَاء ". وَفِيه أَبُو مُوسَى: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : مثل الْيَهُود وَالْمُسْلِمين وَالنَّصَارَى، كَمثل رجل اسْتَأْجر قوما يعْملُونَ لَهُ عملا إِلَى اللَّيْل. فعملوا إِلَى نصف النَّهَار. فَقَالُوا: لَا حَاجَة لنا إِلَى أجرك. فاستأجر آخَرين. فَقَالَ: أكملوا بَقِيَّة يومكم وَلكم الَّذِي شرطتُ. فعملوا حَتَّى إِذا كَانَ حِين صَلَاة الْعَصْر قَالُوا: لَك مَا عَملنَا. فاستأجر قوما فعملوا بَقِيَّة يومهم، حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس فاستكملوا أجر الْفَرِيقَيْنِ. قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قلت: مَا وَجه مُطَابقَة حَدِيث ابْن عمر للتَّرْجَمَة. وَإِنَّمَا حَدِيثه مِثَال لمنازل الْأُمَم عِنْد الله. وَإِنَّمَا هَذَا الْأمة أقصرها عمرا، وأقلها عملا، وَأَعْظَمهَا ثَوابًا؟ قلت: يستنبط بتلطف من قَوْله: " فعملنا إِلَى غرُوب الشَّمْس " دلّ أَن وَقت الْعَمَل ممتدّ إِلَى غرُوب الشَّمْس، وَأَنه لَا يفوت. وَأقرب الْأَعْمَال الْمَشْهُورَة بِهَذَا الْوَقْت صَلَاة الْعَصْر، وَهُوَ من قبيل الْأَخْذ من الْإِشَارَة، لَا من صَرِيح الْعبارَة. فَإِن الحَدِيث مِثَال، وَلَيْسَ المُرَاد عملا خَاصّا بِهَذَا الْوَقْت هُوَ صَلَاة، بل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 المُرَاد سَائِر أَعمال الْأمة من سَائِر الصَّلَوَات وَغَيرهَا من الْعِبَادَات، فِي سَائِر مُدَّة بَقَاء الْملَّة إِلَى قيام السَّاعَة. وَيحْتَمل الْمُطَابقَة مَا قَالَه الْمُهلب: وَهُوَ أَنه نبه على أَن إِعْطَاء الْبَعْض حكم الْكل فِي الْإِدْرَاك غير بعيد كَمَا أَعْطَيْت هَذِه الْأمة بِبَعْض الْعَمَل فِي بعض النَّهَار، حكم جملَة الْعَمَل فِي جملَة النَّهَار، فاستحقت جَمِيع الْأجر. وَفِيه بعدٌ، فَإِنَّهُ لَو قَالَ: إِن هَذِه الْأمة أَعْطَيْت ثَلَاثَة قراريط أشبه. وَلكنهَا مَا أَعْطَيْت إِلَّا بعض أُجْرَة جَمِيع النَّهَار، لِأَن الأمتين قبلهَا مَا استوعبتا النَّهَار، فَأخذت قيراطين. وَهَذِه الْأمة إِنَّمَا أخذت أَيْضا قيراطين. نعم! عملت هَذِه الْأمة قَلِيلا، فَأخذت كثيرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 ثمَّ هُوَ أَيْضا منفك عَن مَحل الِاسْتِدْلَال، لِأَن عمل هَذِه الْأمة آخر النَّهَار، كَانَ أفضل من عمل الْمُتَقَدِّمين قبلهَا. وَلَا خلاف أَن صَلَاة الْعَصْر مُتَقَدّمَة أفضل من صلَاتهَا مُتَأَخِّرَة. ثمَّ هَذَا من الخصائص المستثناة عَن الْقيَاس. فَكيف يُقَاس عَلَيْهِ؟ أَلا ترى أَن صِيَام آخر النَّهَار، لَا يقوم مقَام صِيَام جملَته. وَكَذَلِكَ سَائِر الْعِبَادَات. فَالْأول أولى. وَالله أعلم. (9 -[كتاب الْأَذَان] ) (41 - (1) بَاب من قَالَ: ليؤذّن فِي السّفر مؤذنٌ وَاحِد) فِيهِ مَالك بن الْحُوَيْرِث: قَالَ أتيت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي نفر من قومِي، فَأَقَمْنَا عِنْده عشْرين لَيْلَة. وَكَانَ رحِيما رَفِيقًا. فَلَمَّا رأى شوقنا إِلَى أَهْلينَا. قَالَ: ارْجعُوا فكونوا فيهم، وعلّموهم وصلوا. فَإِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذّن لكم أحدكُم، وليؤمّكم أكبركم. قلت: رَضِي الله عَنْك؛ ترْجم على اذان الْمُسَافِر، وأتى بِهَذَا الحَدِيث. وَإِنَّمَا بيّن لَهُم فِيهِ حَالهم، إِذا وصلوا إِلَى أهلهم. وحينئذٍ قَالَ: " فَإِذا حضرت الصَّلَاة، فليؤذن لكم أحدكُم غير أَن لَهُ أَن لَا يَجْعَل الْكَلَام قاصراً على وصولهم إِلَى أَهْليهمْ، بل عَاما فِي أَحْوَالهم مُنْذُ خُرُوجهمْ من عِنْده. وَفَائِدَة التَّرْجَمَة التَّنْبِيه على أَن وَاحِدًا من الْمُسَافِرين يَكْفِي أَذَانه دون بَقِيَّة الرّفْقَة، لِئَلَّا يتخيل أَنه لَا يَكْفِي الْأَذَان إِلَّا من جَمِيعهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وَقد قَالَ فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، فِي التَّرْجَمَة الثَّانِيَة بعد هَذِه، إِنَّه قَالَ للرفيقين: " أذنا وأقيما " فَبين بِهَذِهِ التَّرْجَمَة أَن التَّعَدُّد لَيْسَ شرطا. (42 - (2) بَاب هَل يتبع الْمُؤَذّن فَاه هَاهُنَا وَهَاهُنَا وَهل يلْتَفت فِي الْأَذَان؟) وَيذكر عَن بِلَال أَنه جعل أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ. وَكَانَ ابْن عمر لَا يَجْعَل أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيم: لَا بَأْس أَن يُؤذن على غير وضوء. وَقَالَ عَطاء: الْوضُوء حق وَسنة. وَقَالَت عَائِشَة: كَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يذكر الله على كل أحيانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 فِيهِ أَبُو جُحَيْفَة: أَنه رأى بِلَالًا يُؤذن، فَجعلت أتبع فَاه هَاهُنَا هَاهُنَا بِالْأَذَانِ. قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قلت: مَا وَجه إِدْخَاله تَحت هَذِه التَّرْجَمَة الْأَذَان على غير وضوء؟ وَمَا الْمُنَاسبَة؟ . قلت: أَرَادَ أَن يحْتَج على جَوَاز الاستدارة، وَعدم اشْتِرَاط اسْتِقْبَال الْقبْلَة فِي الْأَذَان فَإِن الْمُشْتَرط لذَلِك ألحقهُ بِالصَّلَاةِ. فَأبْطل هَذَا الْإِلْحَاق بمخالفته لحكم الصَّلَاة فِي الطَّهَارَة. فَإِذا خالفها فِي الطَّهَارَة، وَهِي إِحْدَى شرائطها، أذن ذَلِك بمخالفته لَهَا فِي الِاسْتِقْبَال، وبطريق الأولى، فَإِن الطَّهَارَة أَدخل فِي الِاشْتِرَاط من الِاسْتِقْبَال وَيُؤَيّد هَذَا النّظر أَن بَعضهم قَالَ: يستدير عِنْد حَيّ على الصَّلَاة، فَسقط اعْتِبَار الِاسْتِقْبَال فِيهَا. وَالله أعلم. (43 - (3) بَاب فضل] صَلَاة [الْفجْر فِي جمَاعَة) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : تفضل صَلَاة الْجَمِيع صَلَاة أحدكُم بِخَمْسَة وَعشْرين جُزْءا، وتجتمع مَلَائِكَة اللَّيْل وملائكة النَّهَار فِي صَلَاة الْفجْر. ثمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة: اقرؤا إِن شِئْتُم {إِن قُرْآن الْفجْر كَانَ مشهودا} [الْإِسْرَاء: 78] . وَفِيه أَبُو الدَّرْدَاء: قَالَ] وَالله [مَا أعرف من] أمة [مُحَمَّد شَيْئا إِلَّا أَنهم يصلونَ جَمِيعًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وَفِيه أَبُو مُوسَى: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أعظم النَّاس أجرا فِي الصَّلَاة، أبعدهم فأبعدهم ممشى. قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قلت: مَا وَجه مُطَابقَة الحَدِيث الآخر للتَّرْجَمَة وَلَا خُصُوص فِيهِ لصَلَاة الْفجْر؟ . قلت: وَجه اخْتِصَاصه بِصَلَاة الْفجْر، أَنه جعل بعدَ الْمَشْي سَببا فِي زِيَادَة الْأجر، لأجل الْمَشَقَّة. وَالْأَجْر على قدر النصب. وَلَا شكّ أَن الممشي إِلَى صَلَاة الْفجْر، أشق مِنْهُ إِلَى بَقِيَّة الصَّلَاة، لمصادفة ذَلِك الظلمَة، وَوقت النومة المشتهاة طبعا. وَالله أعلم. (44 - (4) بَاب إِمَامَة الْمفْتُون والمبتدع) وَقَالَ الْحسن: صلّ وَعَلِيهِ بدعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 فِيهِ عبيد الله بن عدي بن الْخِيَار: أَنه دخل على عُثْمَان - رَضِي الله عَنهُ - وَهُوَ مَحْصُور، وَقَالَ: إِنَّك إِمَام عَامَّة] وَنزل بك مَا نرى [، وَيُصلي لنا إِمَام فتْنَة، ونتحرج، فَقَالَ: الصَّلَاة أحسن مَا يعْمل النَّاس. فَإِذا أَحْسنُوا فَأحْسن مَعَهم. وَإِذا أساؤا فاجتنب إساءتهم. وَكَانَ الزُّهْرِيّ لَا يرى الصَّلَاة خلف المخنث، إِلَّا من ضَرُورَة لَا بُد مِنْهَا. وَفِيه أنس بن مَالك: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لأبي ذَر: أسمع وأطع، وَلَو لحبشي كَانَ رَأسه زبيبة. قلت: رَضِي الله عَنْك {إِن قلت: مَا وَجه مُطَابقَة الحَدِيث الآخر للتَّرْجَمَة. وَهل وصف الإِمَام فِيهِ إِلَّا بِكَوْنِهِ حَبَشِيًّا. فَأَيْنَ هَذَا من كَونه مفتوناً أَو مبتدعاً؟ . قلت: السِّيَاق يرشد إِلَى إِيجَاب طَاعَته، وَإِن كَانَ أبعد النَّاس عَن أَن يطاع، لِأَن مثل هَذِه الصّفة إِنَّمَا تُوجد فِي أعجمي حَدِيث الْعَهْد، دخيلٍ فِي الْإِسْلَام. وَمثل هَذَا فِي الْغَالِب لَا يَخْلُو من نقص فِي دينه، وَلَو لم يكن إِلَّا الْجَهْل اللَّازِم لأمثاله، وَمَا يَخْلُو الْجَاهِل إِلَى هَذَا الْحَد من ارْتِكَاب الْبِدْعَة، واقتحام الْفِتْنَة. وَالله أعلم. وَلَو لم يكن إِلَّا فِي افتنانه بِنَفسِهِ حَتَّى تقدم للْإِمَامَة، وَلَيْسَ من أَهلهَا، لِأَن لَهَا أَهلا من الْحسب، وَالنّسب، وَالْعلم. فَتَأمل ذَلِك. (45 - (5) بَاب تَخْفيف الإِمَام فِي الْقيام، وإتمام الرُّكُوع وَالسُّجُود) فِيهِ ابْن مَسْعُود: إِن رجلا قَالَ: وَالله يَا رَسُول الله} إِنِّي لأتأخر عَن صَلَاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 الْغَدَاة من أجل فلَان مِمَّا يُطِيل بِنَا، فَمَا رَأَيْت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي موعظة أشدّ غَضبا مِنْهُ يؤمئذ. ثمَّ قَالَ: إِن مِنْكُم منفرين، فَأَيكُمْ مَا صلى بِالنَّاسِ فليتجوز. فَإِن فيهم الضَّعِيف وَالْكَبِير وَذَا الْحَاجة. قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قلت: بوّب على التَّخْفِيف فِي شَيْء، ثمَّ ذكر حَدِيثا مُقْتَضَاهُ: التَّخْفِيف فِي الْجمع. قلت: بيّن بالترجمة مَقْصُود الحَدِيث، وَأَن الْوَارِد التَّخْفِيف فِي الْقيام، لَا فِي الرُّكُوع، وَالسُّجُود، لِأَن الَّذِي يطول فِي الْغَالِب إِنَّمَا هُوَ الْقيام. وَأما مَا عداهُ، فَإِنَّهُ سهل لَا يشقّ إِتْمَامه على أحد، وتبيّنه الْأَحَادِيث غَيره. (46 - (6) بَاب وجوب الْقِرَاءَة للْإِمَام وَالْمَأْمُوم فِي الصَّلَاة كلهَا فِي الْحَضَر وَالسّفر. وَمَا يجْهر فِيهَا، وَمَا يُخَافت) فِيهِ جَابر بن سَمُرَة: قَالَ شكا أهل الْكُوفَة سَعْدا إِلَى عمر - رَضِي الله عَنهُ - فَعَزله عَنْهُم، وَاسْتعْمل عَلَيْهِم عماراً، فشكوا حَتَّى ذكرُوا أَنه لَا يحسن يُصَلِّي، فَأرْسل إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا اسحاق، إِن هَؤُلَاءِ يَزْعمُونَ أَنَّك لَا تحسن تصلي. قَالَ] أَبُو اسحاق [: أما - وَالله - إِنِّي كنت أُصَلِّي بهم صَلَاة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، مَا أخرم عَنْهَا، أُصَلِّي صَلَاة الْعشَاء فأركد فِي الْأَوليين، وأحذف الْأُخْرَيَيْنِ. قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 ذَلِك الظَّن بك يَا أَبَا اسحاق. فارسل مَعَه رجلا أَو رجَالًا إِلَى الْكُوفَة. يسْأَل عَنهُ أهل الْكُوفَة، فَلم يدع مَسْجِدا إِلَّا سَأَلَ عَنهُ، ويثنون مَعْرُوفا حَتَّى دخل مَسْجِدا لبني عبس، فَقَامَ رجل مِنْهُم، يُقَال لَهُ أُسَامَة بن قَتَادَة يكنى أَبَا سعدة. فَقَالَ: أما إِذْ نَشَدتنَا، فَإِن سَعْدا كَانَ لَا يسير بالسرية، وَلَا يقسم بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يعدل فِي الْقَضِيَّة، فَقَالَ سعد: أما وَالله لأدعون بِثَلَاث: اللَّهُمَّ إِن كَانَ عَبدك هَذَا كَاذِبًا، قَامَ رِيَاء وَسُمْعَة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرّضه بالفتن. فَكَانَ بعد إِذا سُئِلَ يَقُول: شيخ كَبِير مفتون، أصابني دَعْوَة سعد. قَالَ عبد الْملك بن عُمَيْر: فَأَنا رَأَيْته بعد. قد سَقَطت حاجباه على عَيْنَيْهِ من الْكبر. وَإنَّهُ ليتعرض للجواري فِي الطَّرِيق يغمزهن ". وَفِيه عبَادَة بن صَامت قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب ". وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] دخل الْمَسْجِد، فَدخل رجل فصلى فسلّم على النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَرد وَقَالَ: ارْجع فصلّ فَإنَّك لم تصل - ثَلَاثًا - ثمَّ قَالَ: " وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ، مَا أحسن غَيره فعلمني. فَقَالَ: إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فكبّر. ثمَّ اقْرَأ مَا تيَسّر من الْقُرْآن، الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة الْحَدِيثين للتَّرْجَمَة، أَن حَدِيث سعد يتَضَمَّن أَن الإِمَام يقْرَأ فِي الْأَوليين والأخريين جَمِيعًا. لَكِن يقْرَأ فِي الْأَوليين الْفَاتِحَة وَالسورَة، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَة خَاصَّة. والركود عبارَة عَن طول الْقيام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 حَتَّى تَنْقَضِي الْقِرَاءَة. والحذف: الِاقْتِصَار على الْقِرَاءَة الْخَفِيفَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَوليين. وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة يتَضَمَّن قِرَاءَة الْفَذ، لِأَن الرجل إِنَّمَا صلى فَذا، فإمَّا أَن يتلَقَّى حكم الْمَأْمُوم، كَمَا ذكره فِي التَّرْجَمَة من الْقيَاس على الْفَذ. وَإِمَّا أَن يتلقاه من عُمُوم قَوْله لهَذَا المقصر فِي صلَاته: " إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فَكبر " فعلّمه كَيفَ يُصَلِّي؟ وَلم يخصّ حَالَة الائتمام من حَالَة الإنفاذ فِي سِيَاق الْبَيَان، وَلَا سِيمَا لمن ظهر قصوره فِي الْعلم دلّ على السوية، وَإِلَّا كَانَ بَيَان الحكم على الْفضل مُتَعَيّنا. وَالله أعلم. أما حَدِيث عبَادَة فَهُوَ مُطَابق للتَّرْجَمَة بِعُمُومِهِ وَظَاهره. (47 - (7) بَاب الْجَهْر بِقِرَاءَة] صَلَاة [الْفجْر) وَقَالَت أم سَلمَة - رَضِي الله عَنْهَا -: طفت وَرَاء النَّاس، وَالنَّبِيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يصلّي وَيقْرَأ بِالطورِ ". فِيهِ ابْن عَبَّاس: قَالَ: انْطلق النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي طَائِفَة من أَصْحَابه، عَامِدين إِلَى سوق عكاظ، وَقد حيل بَين الشَّيَاطِين وَبَين خبر السَّمَاء، أرْسلت عَلَيْهِم الشهب فَرَجَعت الشَّيَاطِين إِلَى قَومهمْ بذلك، فَقَالُوا: مَا حَال بَيْننَا وَبَين خبر السَّمَاء إِلَّا شَيْء حدث، فاضربوا مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا، فانظروا مَا هَذَا؟ فَانْطَلقُوا إِلَى سوق عكاظ، وَالنَّبِيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْفجْر، فَلَمَّا سمعُوا الْقُرْآن اسْتَمعُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 لَهُ. فَقَالُوا: هَذَا الَّذِي حَال بَيْنكُم وَبَين خبر السَّمَاء فَرَجَعُوا إِلَى قَومهمْ بذلك، فَقَالُوا: {إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا يهدي إِلَى الرشد فَآمَنا بِهِ} [الْجِنّ: 2] ، الحَدِيث. وَفِيه ابْن عَبَّاس: قَرَأَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِيمَا أَمر، وَسكت فِيمَا أَمر: {وَمَا كَانَ رَبك نسيا} [مَرْيَم: 64] . قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه الِاسْتِدْلَال من حَدِيث ابْن عَبَّاس، عمومُ قَوْله: قَرَأَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِيمَا أَمر - يَعْنِي جهر بِدَلِيل قَوْله. وَسكت فِيمَا أَمر - أَي أسر - فَيدْخل الْفجْر فِي الَّذِي جهر فِيهِ اتِّفَاقًا. (48 - (8) بَاب الْجمع بَين السورتين فِي رَكْعَة) وَالْقِرَاءَة بالخواتيم، وبسورة قبل سُورَة، وبأول سُورَة. وَيذكر عَن عبد الله بن السَّائِب: قَرَأَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] " الْمُؤْمِنُونَ " فِي الصُّبْح، حَتَّى إِذا جَاءَ ذكر مُوسَى وَهَارُون أَو ذكر عِيسَى أَخَذته سعلة، فَرَكَعَ. وَقَرَأَ عمر فِي الرَّكْعَة الأولى بِمِائَة وَعشْرين آيَة من الْبَقَرَة، وَفِي الثَّانِيَة بِسُورَة من المثاني. وَقَرَأَ الْأَحْنَف بالكهف فِي الأولى. وَفِي الثَّانِيَة " بِيُوسُف ". وَذكر أَنه صلى مَعَ عمر الصُّبْح بهما. وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود بِأَرْبَعِينَ آيَة من الْأَنْفَال، وَفِي الثَّانِيَة بِسُورَة من الْمفصل. وَقَالَ قَتَادَة: فِيمَن يقْرَأ سُورَة وَاحِدَة فِي رَكْعَتَيْنِ، أَو يردد سُورَة وَاحِدَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ، كل كتاب الله. وَقَالَ] عبيد الله عَن ثَابت [عَن أنس كَانَ رجل من الْأَنْصَار يؤمهم فِي مَسْجِد قبَاء، فَكَانَ يقْرَأ فِي كل رَكْعَة ب {قل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 هُوَ الله} وبسورة أُخْرَى مَعهَا، فنهوه عَن ذَلِك. فَقَالَ لَهُ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : مَا يمنعك أَن تفعل مَا يَأْمُرك بِهِ أَصْحَابك، وَمَا يحملك على لُزُوم هَذِه السُّورَة فِي كل رَكْعَة. فَقَالَ: إِنِّي أحبها قَالَ: حبّك إِيَّاهَا أدْخلك الْجنَّة. وَفِيه أَبُو وَائِل: جَاءَ رجل إِلَى ابْن مَسْعُود، فَقَالَ: قَرَأت الْمفصل اللَّيْلَة فِي رَكْعَة. فَقَالَ: هذّا كهذ الشّعْر، لقد عرفت النَّظَائِر الَّتِي كَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يقرن بَينهُنَّ. فَذكر عشْرين سُورَة من الْمفصل، سورتين فِي كل رَكْعَة. قلت: رَضِي الله عَنْك! مَوضِع الاستشهاد على الْقِرَاءَة بالخواتيم قَول قَتَادَة فِي الَّذِي يقسم السُّورَة، فَيقْرَأ فِي الثَّانِيَة بِنِصْفِهَا الثَّانِي: " كل كتاب الله ". (49 (9) بَاب جهر الإِمَام بالتأمين) وَقَالَ عَطاء: آمين دُعَاء. وأمّن ابْن الزبير وَمن وراؤه، حَتَّى إِن لِلْمَسْجِدِ للجّة. وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يُنَادي الإِمَام لَا تسبقني بآمين. وَقَالَ نَافِع: كَانَ ابْن عمر لَا يَدعه. ويحضّهم وَسمعت مِنْهُم فِي ذَلِك خَبرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : إِذا أمَن الإِمَام فأمّنوا، فَإِنَّهُ من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه. قَالَ ابْن شهَاب: كَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَقُول آمين. قلت: رَضِي الله عَنْك، وَجه مُطَابقَة قَول عَطاء للتَّرْجَمَة: أَنه حكم بِأَن التَّأْمِين دُعَاء، فَيَقْتَضِي ذَلِك أَن يَقُوله الإِمَام، لِأَنَّهُ فِي مقَام الدَّاعِي بالمأموم. وَإِنَّمَا منع الإِمَام عِنْد الْقَائِل بِالْمَنْعِ، لِأَنَّهَا إِجَابَة للدُّعَاء، فَاقْتضى ذَلِك أَن يُجيب بهَا الْمَأْمُوم دُعَاء إِمَامه. (50 - (10) بَاب اسْتِوَاء الظّهْر فِي الرُّكُوع) وَقَالَ أَبُو حميد فِي أَصْحَابه: ركع النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ثمَّ هصر ظَهره. و " حدّ إتْمَام الرُّكُوع والاعتدال فِيهِ والطمأنينة ". فِيهِ الْبَراء: قَالَ كَانَ رُكُوع النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَسُجُوده، وَبَين السَّجْدَتَيْنِ، وَإِذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 رفع من الرُّكُوع مَا خلا الْقيام وَالْقعُود، قَرِيبا من السوَاء. قلت: رَضِي الله عَنْك! حَدِيث الْبَراء لَا يُطَابق التَّرْجَمَة، لِأَن الْمَذْكُور فِيهَا الاسْتوَاء، والاعتدال. والاستواء هُوَ هَيْئَة مَعْلُومَة سَالِمَة من الحنوّة. وَالْمَذْكُور من الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ يُسَاوِي الرُّكُوع، وَالسُّجُود، وَالْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ فِي الزَّمَان، أَي إطالة وتخفيفاً، وَلَيْسَ أَيْضا من الِاعْتِدَال فِي شَيْء، إِلَّا أَن يَأْخُذهُ من جِهَة أَن المطمئن المتأني فِي غَالب الْحَال، يسْتَقرّ كل عُضْو مِنْهُ مَكَانَهُ، فَيلْزم الِاعْتِدَال. وَالله أعلم. (51 - (11) بَاب الْقِرَاءَة فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود وَمَا يَقُول الإِمَام وَمن خَلفه، إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: كَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِذا قَالَ: " سمع الله لمن حَمده " قَالَ: اللَّهُمَّ رَبنَا وَلَك الْحَمد. وَكَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِذا ركع، وَإِذا رفع رَأسه كبّر، وَإِذا قَامَ من السَّجْدَتَيْنِ قَالَ الله أكبر. قلت: رَضِي الله عَنْك! هَذِه التَّرْجَمَة يحمل أَن يكون وَضعهَا على الْقِرَاءَة فِي الرُّكُوع، ليذكر فِيهَا حَدِيثا بِالْإِجَازَةِ أَو الْمَنْع. ثمَّ عرض لَهُ مَانع من ذَلِك فَبَقيت التَّرْجَمَة بِلَا حَدِيث يطابقها. وَالله أعلم. (52 - (12) بَاب فضل " اللَّهُمَّ رَبنَا وَلَك الْحَمد ") فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : إِذا قَالَ الإِمَام سمع الله لمن حَمده، فَقولُوا: اللَّهُمَّ رَبنَا وَلَك الْحَمد. فَأَنَّهُ من وَافق قَوْله قَول الْمَلَائِكَة، غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: لأقربن صَلَاة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَكَانَ يقنت فِي الرَّكْعَة الْآخِرَة من صَلَاة الظّهْر وَصَلَاة الْعشَاء وَصَلَاة الصُّبْح، بعد مَا يَقُول سمع الله لمن حَمده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 ] فِيهِ رِفَاعَة: كُنَّا يَوْمًا نصلي وَرَاء النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَلَمَّا رفع رَأسه - من الرَّكْعَة، قَالَ: سمع الله لمن حَمده [. قَالَ رجل وَرَاءه: " رَبنَا وَلَك الْحَمد حمداً كثيرا طيبا مُبَارَكًا فِيهِ " فَلَمَّا انْصَرف، قَالَ: من الْمُتَكَلّم؟ قَالَ: أَنا: قَالَ: رَأَيْت بضعَة وَثَلَاثِينَ ملكا يبتدرونها أَيهمْ يَكْتُبهَا أوّل. (53 - (13) بَاب من لم يردّ السَّلَام على الإِمَام، واكتفي بِتَسْلِيم الصَّلَاة) فِيهِ عتْبَان: قَالَ صلينَا مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، ثمَّ سلّم وسلّمنا حِين سلّم. قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة أَنه قَالَ: سلّم وَسلمنَا. وَالتَّسْلِيم الْمُطلق يحمل على أقل مَا يصدق، وَذَلِكَ تَسْلِيمَة وَاحِدَة. وَالزَّائِد يحْتَاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 إِلَى دَلِيل مُثبت غير الْمُطلق. وَالله أعلم. (10 -] كتاب الْجُمُعَة [) (54 - (1) بَاب السِّوَاك يَوْم الْجُمُعَة.) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ مَعَ كل صَلَاة. وَفِيه أنس: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَلَيْكُم بِالسِّوَاكِ. وَفِيه حُذَيْفَة: قَالَ: كَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِذا قَامَ من اللَّيْل يشوص فَاه. قلت: رَضِي الله عَنْك الِاسْتِدْلَال للْجُمُعَة يُطَابق الأول، لِأَنَّهُ إِذا ثَبت السِّوَاك فِي غَيرهَا من الصَّلَوَات فَهِيَ مَعَ النّدب إِلَى الِاغْتِسَال لَهَا وإحسان الْهَيْئَة أولى بِالسِّوَاكِ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 (55 - (2) بَاب هَل على من لم يشْهد الْجُمُعَة غسلٌ من النِّسَاء، وَالصبيان وَغَيرهم؟) وَقَالَ ابْن عمر: إِنَّمَا الْغسْل على من يجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة. فِيهِ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : من جَاءَ مِنْكُم الْجُمُعَة فليغتسل. وَفِيه أَبُو سعيد: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] :] من جَاءَ مِنْكُم الْجُمُعَة فليغتسل [. غسل يَوْم الْجُمُعَة وَاجِب على كل محتلم. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ " - الحَدِيث إِلَى قَوْله - حق على كل مُسلم أَن يغْتَسل فِي كل سَبْعَة أَيَّام يَوْمًا، يغسل فِيهِ رَأسه وَجَسَده. وَقَالَ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : ائذنوا للنِّسَاء بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسَاجِد. وَفِيه ابْن عمر: كَانَت امْرَأَة لعمر تشهد صَلَاة الصُّبْح وَالْعشَاء فِي الْجَمَاعَة فِي الْمَسْجِد فَقيل لَهَا: لم تخرجين؟ وَقد تعلمين أَن عمر يكره ذَلِك، ويغار. قَالَت: فَمَا يمنعهُ أَن ينهاني؟ قَالَ: يمنعهُ قَول رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " لَا تمنعوا إِمَاء الله مَسَاجِد الله ". قلت: رَضِي الله عَنْك الْمَسْأَلَة مخلصة من الْخلاف، لِأَنَّهُ إِنَّمَا ترْجم على من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 لم يشْهد الْجُمُعَة، لَا على من لم تجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة، وَلَا على من لَا تجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة وشهدها. وَلَا خلاف أَن من لم يشهدها، لِأَنَّهَا لَيست وَاجِبَة عَلَيْهِ، أَنه لَا يُخَاطب بِالْغسْلِ. وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِيمَن شَهِدَهَا وَلَيْسَت وَاجِبَة عَلَيْهِ، هَل هُوَ مُخَاطب بِالْغسْلِ أم لَا؟ وَمذهب مَالك اسْتِحْبَابه لمن حضرها، وَلَيْسَت وَاجِبَة عَلَيْهِ، على أَنه ينْقل عَن طاؤس وَأبي وَائِل أَنَّهُمَا كَانَ يأمران نساءهما بِالْغسْلِ يَوْم الْجُمُعَة، فَيحْتَمل أَن يَكُونَا أمراهن بذلك، لِأَنَّهُنَّ يحضرنها. وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك لاعتقادهما أَنَّهُمَا من سنة الْيَوْم، والْحَدِيث الَّذِي فِي التَّرْجَمَة، وَهُوَ قَوْله: " غسل يَوْم الْجُمُعَة وَاجِب على كل محتلم " يُشِير إِلَيْهِ. فَتَأَمّله. وَأدْخل حَدِيث: " ائذنوا للنِّسَاء بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسَاجِد " لينّبه، على سُقُوط الْجُمُعَة عَنْهُن. (11 -] بَاب صَلَاة الْخَوْف [) (56 - (1) بَاب صَلَاة الطَّالِب وَالْمَطْلُوب، رَاكِبًا وإيماء) وَقَالَ الْوَلِيد: ذكرت للأوزاعي صَلَاة شُرَحْبِيل بن السمط وَأَصْحَابه على ظهر الدَّابَّة، قَالَ: كَذَلِك الْأَمر عندنَا إِذا تخوفت الْفَوْت. وَاحْتج الْوَلِيد بقول النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 " لَا يُصَلِّي أحد الْعَصْر إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة ". فِيهِ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لما رَجَعَ من الْأَحْزَاب: لَا يصلين أحد الْعَصْر، إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة، فَأدْرك بَعضهم الْعَصْر فِي الطَّرِيق. وَقَالَ بَعضهم: لَا نصلي حَتَّى نأتيها. وَقَالَ بَعضهم: نصلي، لم يرد منا ذَلِك. فَذكر للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَلم يعنف وَاحِدًا مِنْهُم ". قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قلت أشكل على وَجه الِاسْتِدْلَال بِحَدِيث ابْن عمر، فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَن إِحْدَى الطوائف صلت وَلم يبين ركباناً أَو نزلُوا فَكيف يُطَابق إِطْلَاق الحَدِيث خُصُوص التَّرْجَمَة حَتَّى يستتب؟ قلت: أشكل ذَلِك على ابْن بطال، فَقدر الِاسْتِدْلَال بِالْقِيَاسِ. فَقَالَ: مَوضِع الْمُطَابقَة من تَأْخِير إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ للصَّلَاة إِلَى أَن غَابَتْ الشَّمْس. ووصلوا بني قُرَيْظَة. فَلَمَّا جَازَ لَهَا أَن تُؤخر عَن الْوَقْت، وَالصَّلَاة فِي الْوَقْت مفترضة، فَكَذَلِك يجوز ترك إتْمَام الْأَركان، والانتقال إِلَى الْإِيمَاء انْتهى كَلَامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 والأ بَين عِنْدِي - وَالله أعلم - على غير ذَلِك، فَإِنَّمَا اسْتدلَّ البُخَارِيّ بالطائفة الَّتِي صلت. فَظهر لَهُ أَنَّهَا لم تنزل لِأَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِنَّمَا أَمرهم بالاستعجال إِلَى بني قُرَيْظَة. وَالنُّزُول يُنَافِي مَقْصُود الجدّ فِي الْوُصُول. فَمنهمْ من بنى على أَن النُّزُول للصَّلَاة مَعْصِيّة لِلْأَمْرِ الْخَاص بالجد، فَتَركهَا إِلَى أَن فَاتَ وَقتهَا لوُجُود المعارضين وَمِنْهُم من جمع بَين دليلي وجوب الصَّلَاة، وَوُجُوب الْإِسْرَاع فِي هَذَا السّير، فصلى رَاكِبًا. وَلَو فرضناها صلت نازلة لَكَانَ ذَلِك مضادة لما أَمر بِهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَهَذَا لَا يظنّ بِأحد من الصَّحَابَة على قُوَّة أفهامهم، وَحسن اقتدائهم. وَالله أعلم. وَأما صَلَاة الْمَطْلُوب، فمأخوذ بِالْقِيَاسِ على الطَّالِب، بطرِيق الأولى. وَالله أعلم. (12 -] كتاب الْعِيدَيْنِ [) (57 - (1) بَاب إِذا فَاتَهُ الْعِيد يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) وَكَذَلِكَ النِّسَاء وَمن فِي الْبيُوت والقرى، لقَوْل النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " هَذَا عيدنا يَا أهل الْإِسْلَام. وَأمر أنس مَوْلَاهُم ابْن أبي عتبَة بالزاوية، فَجمع أَهله وبنيه وَصلى كَصَلَاة أهل الْمصر، وتكبيرهم. وَقَالَ عِكْرِمَة: أهل السوَاد يجمعُونَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 الْعِيد يصلونَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يصنع الإِمَام. وَقَالَ:] عَطاء [إِذا فَاتَهُ الْعِيد صلى رَكْعَتَيْنِ. فِيهِ عَائِشَة: أَن أَبَا بكر - رَضِي الله عَنهُ - دخل عَلَيْهَا، وَعِنْدهَا جاريتان فِي أَيَّام منى تدففان - وَالنَّبِيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] متغشٍ بِثَوْبِهِ، فانتهرهما أَبُو بكر فكشف النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَن وَجهه، وَقَالَ: دعهما يَا أَبَا بكر، فَإِنَّهَا أَيَّام عيد. قلت: رَضِي الله عَنْك! مَوضِع الِاسْتِدْلَال من حَدِيث عَائِشَة الْإِشَارَة بقوله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : إِنَّهَا أَيَّام عيدٍ، فأضاف نِسْبَة الْعِيد إِلَى الْيَوْم على الْإِطْلَاق فيستوي فِي إِقَامَتهَا الْفَذ، وَالْجَمَاعَة، وَالنِّسَاء، وَالرِّجَال. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 (13 -] كتاب الاسْتِسْقَاء [) (58 - (1) بَاب سُؤال النَّاس الإِمَام الاسْتِسْقَاء إِذا قحطوا) فِيهِ عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن دِينَار عَن أَبِيه: سَمِعت عمر يتَمَثَّل بِشعر أبي طَالب: (وابيض يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ ... ثمال الْيَتَامَى عصمَة للأرامل) وَفِيه أنس: أَن عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - كَانَ إِذا قحطوا، استسقى بِالْعَبَّاسِ بن عبد الْمطلب، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نتوسل إِلَيْك بنبيّنا فتسقينا، وَإِنَّا نتوسل إِلَيْك بعم نَبينَا، فاسقنا. قَالَ: فيسقون. قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه إِدْخَال التَّرْجَمَة فِي الفقة، التَّنْبِيه على أَن للعامة حَقًا على الإِمَام أَن يستسقى لَهُم إِذا سَأَلُوا ذَلِك. وَلَو كَانَ من رَأْيه هُوَ التَّأْخِير من بَاب التَّفْوِيض إِلَى التَّقْدِير. وَوجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة للحديثين قَول أبي طَالب: " وأبيض يستقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ "، ففاعل يستقى مَحْذُوف. وهم النَّاس. وَكَذَلِكَ قَول عمر: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نتوسل إِلَيْك بنبيّك مُحَمَّد، دلّ على أَنهم كَانُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 يتوسلون. وَأَن لعامة الْمُؤمنِينَ مدخلًا فِي الاسْتِسْقَاء. وَالله أعلم. (14 -[كتاب سُجُود الْقُرْآن] ) (59 - (1) بَاب سُجُود الْمُسلمين مَعَ الْمُشْركين) والمشرك نجس لَيْسَ لَهُ وضوء وَكَانَ ابْن عمر يسْجد على غير وضوئِهِ. فِيهِ ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَرَأَ النَّجْم فَسجدَ، وَسجد الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، وَالْجِنّ، وَالْإِنْس. قلت: رَضِي الله عَنْك! هَذِه التَّرْجَمَة متلبسة. وَالصَّوَاب رِوَايَة من روى أَن ابْن عمر كَانَ يسْجد للتلاوة على غير وضوء. وَالظَّاهِر من قصد البُخَارِيّ أَنه صوب مذْهبه. فاحتج لَهُ بسجود الْمُشْركين لَهَا. والمشرك نجس لَا وضوء لَهُ. وَلم يذكر البُخَارِيّ تَمام الْقِصَّة، وَلَا سَبَب سُجُود الْمُشْركين. وَفِي الْإِمْسَاك عَن ذكره إِيهَام تقربهم على فهمهم، وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَن الْبَاعِث لَهُم على تِلْكَ السَّجْدَة الشَّيْطَان لَا الْإِيمَان فَكيف يعْتَبر فعلهم حجَّة؟ وَالله أعلم بمراده من هَذِه التَّرْجَمَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 (15 -[كتاب تَقْصِير الصَّلَاة] ) (60 - (1) بَاب إِذا صلى قَاعِدا ثمَّ صَحَّ، أَو وجد خفَّة، يتم مَا بَقِي) وَقَالَ الْحسن: إِن شَاءَ الْمَرِيض صلى رَكْعَتَيْنِ قَاعِدا وَرَكْعَتَيْنِ قَائِما. فِيهِ عَائِشَة: إِنَّهَا لم تَرَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يُصَلِّي صَلَاة اللَّيْل قَاعِدا قطّ، حَتَّى أسنّ، فَكَانَ يقْرَأ قَاعِدا حَتَّى إِذا أَرَادَ أَن يرْكَع، قَامَ فَقَرَأَ نَحوا من ثَلَاثِينَ أَو أَرْبَعِينَ آيَة، ثمَّ ركع. قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قلت: مَا وَجه دُخُول التَّرْجَمَة فِي الْفِقْه. وَمن الْمَعْلُوم ضَرُورَة أَن الْقيام إِنَّمَا سقط لمَانع مِنْهُ، فَإِذا جَاءَت الصِّحَّة، وَزَالَ الْمَانِع وَجب الْإِتْمَام قَائِما؟ قلت: إِنَّمَا أَرَادَ دفع خيال من تخيّل أَن الصَّلَاة لَا تتبعّض. فإمَّا قَائِما كلهَا، يسْتَأْنف إِذا صحّ للْقِيَام، وَإِمَّا جَالِسا كلهَا إِذا استصحبت الْعلَّة. فبيّن بِهَذَا الحَدِيث أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ يحافظ على الْقيام فِي النَّافِلَة مَا أمكنه، وَلما أسنّ تعذّر عَلَيْهِ استيعابها بِالْقيامِ، فبعّضها. فَكَذَلِك الْفَرِيضَة، إِذا زَالَ الْمَانِع لم يستأنفها بطرِيق الأولى. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 (16 - كتاب التَّهَجُّد) (61 - (1) بَاب ترك الْقيام للْمَرِيض) فِيهِ جُنْدُب: اشْتَكَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَلم يقم لَيْلَة أَو لَيْلَتَيْنِ. وَقَالَ جُنْدُب: احْتبسَ جِبْرِيل عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَقَالَت امْرَأَة من قُرَيْش: أَبْطَأَ عَنهُ شَيْطَانه، فَنزلت: {وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذا سجى. مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى. وللآخرة خير لَك من الأولى. ولسوف يعطيك رَبك فترضى} [الضُّحَى: 1 - 5] . قلت: رَضِي الله عَنْك] إِن [قلت: ذكر شَارِح البُخَارِيّ فِي شرح هَذَا الحَدِيث أَن الْمَرْأَة الَّتِي نزلت بِسَبَبِهَا سُورَة الضُّحَى خَدِيجَة. ] قلت [وَلَا يَصح عَن خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا وَلَا يَقْتَضِيهِ إيمَانهَا وفضلها. فقد كَانَ من شَأْنهَا أَن تثبت. وناهيك بحديثها أول الْوَحْي، وَقَوْلها: " وَالله لَا يخزيك الله أبدا ". الحَدِيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 (62 - (2) بَاب طول الْقيام فِي صَلَاة اللَّيْل) فِيهِ عبد الله قَالَ: صليت مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَلم يزل قَائِما، حَتَّى هَمَمْت أَن أقعد وأذر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَفِيه حُذَيْفَة: أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : كَانَ إِذا قَامَ للتهجد من اللَّيْل، يشوص فَاه بِالسِّوَاكِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 قلت: رَضِي الله عَنْك! مَا وَجه دُخُول حَدِيث حُذَيْفَة فِي التَّرْجَمَة ومضمونها طول قيام اللَّيْل. وَإِنَّمَا فِي الحَدِيث السِّوَاك بِاللَّيْلِ؟ . قلت: قد استشكله ابْن بطال حَتَّى عد ذكره فِيهَا من غلط النَّاسِخ، أَو لِأَن البُخَارِيّ - رَحمَه الله - اخترم قبل نسخ كِتَابه. وَيحْتَمل عِنْدِي - وَالله أعلم - أَن يكون فِي الحَدِيث إِشَارَة إِلَى معنى التَّرْجَمَة، من جِهَة أَن اسْتِعْمَال السِّوَاك حِينَئِذٍ يدلّ على مَا يُنَاسِبه من إِكْمَال الْهَيْئَة، وَالتَّأَهُّب للعبادات، وَأخذ النَّفس حينئذٍ بِمَا يُؤْخَذ بِهِ فِي النَّهَار، فَكَانَ ليلته [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] نَهَارا، وَهُوَ دَلِيل طول الْقيام فِيهِ، إِذْ النَّافِلَة المخففة لَا يتهيأ لَهَا هَذَا التهيأ الْكَامِل. وَالله أعلم. (62 - (3) بَاب صَلَاة الضُّحَى فِي السّفر.) فِيهِ مُورق: قلت لِابْنِ عمر: تصلي الضُّحَى؟ قَالَ: لَا. قلت فعمر؟ قَالَ: لَا. قلت فَأَبُو بكر؟ قَالَ: لَا. قلت فالنبي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ؟ قَالَ: لَا إخَاله. وَفِيه ابْن أبي ليلى: قَالَ مَا حَدثنَا أحد أَنه رأى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يُصَلِّي الضُّحَى غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 أم هاني، قَالَت: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] دخل بَيتهَا يَوْم فتح مَكَّة، فاغتسل، وَصلى ثَمَان رَكْعَات. فَلم أر صَلَاة قطّ أخف مِنْهَا، غير أَنه يتم ركوعها وسجودها. قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قلت: مَا وَجه مُطَابقَة حَدِيث ابْن عمر للتَّرْجَمَة وَهِي مَخْصُوصَة بِصَلَاة الضُّحَى فِي السّفر. وَحَدِيث ابْن عمر نفي مُطلق عَن الْحَضَر وَالسّفر؟ قلت: أشكل هَذَا على ابْن بطال، فَحَمله على غلط النَّاسِخ، وَأَنه نقل الحَدِيث من التَّرْجَمَة الَّتِي بعد هَذِه وَهِي قَوْله: " بَاب من لم يصلّ الضُّحَى، وَرَآهُ وَاسِعًا ". وَهُوَ مَعْذُور إِذا ذهبت فكرته فِي غور هَذَا المُصَنّف للقصور، فَإِن بَحر البُخَارِيّ - رَحمَه الله - عميق، وقطره فِي أصُول الشَّرِيعَة غريق. وَالَّذِي لَاحَ لي أَن الحَدِيث مَكَانَهُ من التَّرْجَمَة على الصِّحَّة. وَإِن البُخَارِيّ لما اخْتلفت عَلَيْهِ ظواهر الْأَحَادِيث فِي صَلَاة الضُّحَى، كَحَدِيث أبي هُرَيْرَة: " أَوْصَانِي خليلي بِثَلَاث، لَا أدعهن: صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، ونوم على وتر، وَصَلَاة الضُّحَى ". نزل حَدِيث النَّفْي على السّفر، وَنزل حَدِيث الْإِثْبَات على الْحَضَر. وَترْجم لحَدِيث أبي هُرَيْرَة " بَاب صَلَاة الضُّحَى فِي الْحَضَر "، وَهُوَ فِي حَدِيثه بَين. فَإِن قَوْله: " ونوم على وتر " يفهم الْحَضَر. وَالتَّرْغِيب فِي الصّيام أَيْضا. والتأكيد يدلّ على الْحَضَر إِذْ الْوَاجِب مِنْهُ فِي السّفر، لم يُؤَكد فِيهِ فضلا عَن النَّافِلَة. وَأدْخل حَدِيث أم هاني فِي هَذِه التَّرْجَمَة، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَام - يَوْم فتح مَكَّة لم يكن مُقيما بوطنه، فنبّه على أَن أمرهَا فِي السّفر على حسب الْحَال، وتسهيل فعلهَا، لِئَلَّا يتخيل أَنَّهَا مَمْنُوعَة فِي السّفر، أَو مبتدعة. وَالله أعلم. وَيُؤَيّد حمل حَدِيث ابْن عمر على السّفر أَنه كَانَ لَا يسبح فِي السّفر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وَيَقُول: لَو كنت مسبّحاً أتممت صَلَاتي. فَيحمل بَقِيَّة لصَلَاة الضُّحَى على عَادَته الْمَعْرُوفَة. وَالله أعلم. فَتَأَمّله. (17 -] كتاب الْعَمَل فِي الصَّلَاة [) (64 - (1) بَاب إِذا قيل للْمُصَلِّي: تقدم، أَو انْتظر، فانتظر فَلَا بَأْس) فِيهِ سهل بن سعد: كَانَ النَّاس يصلونَ مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وهم عاقدوا أزرهم من الصغر على رقابهم فَقيل للنِّسَاء: لَا ترفعن رؤسكن، حَتَّى يَسْتَوِي الرِّجَال جُلُوسًا. قلت: رَضِي الله عَنْك!] إِن قلت [مَا فِي هَذِه التَّرْجَمَة من حَيْثُ الفقة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 قلت: فِيهَا التَّنْبِيه على جَوَاز إصغاء الْمُصَلِّي فِي الصَّلَاة، إِلَى الْخطاب الْخَفِيف، وتفهمه، والتربّص فِي أَثْنَائِهَا لحق غَيره، ولغير مَقْصُود الصَّلَاة. فَيُؤْخَذ من هَذَا صِحَة انْتِظَار الإِمَام فِي الرُّكُوع للداخل، حَتَّى يدْرك الْإِحْرَام والركعة مَعَه، إِذا كَانَ ذَلِك خَفِيفا، ويضعف القَوْل بِإِبْطَال الصَّلَاة بذلك. بِنَاء على أَن الإطالة، وَالْحَالة هَذِه، أَجْنَبِيَّة عَن مَقْصُود الصَّلَاة. وَهَذَا كُله على أَن النِّسَاء قيل لَهُنَّ فِي الصَّلَاة: لَا ترفعن رؤسكن حَتَّى يَسْتَوِي الرِّجَال. وَيكون الْقَائِل فِي غير صَلَاة. وَإِن كَانَ مَالك قد نَص فِي مَشْهُور قَوْله على أَن الإِمَام لَا يُطِيل، لإدراك أحد. وَقَالَ سَحْنُون: إِن فعل أبطل فَيَنْبَغِي أَن يحملهُ من قَوْلهمَا على الإطالة المتفاحشة لَا المتقاربة. وَالله أعلم بمرادهما من ذَلِك. (18 - كتاب الْجَنَائِز) (65 - (1) بَاب ذكر شرار الْمَوْتَى) فِيهِ ابْن عَبَّاس: قَالَ أَبُو لَهب للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : تَبًّا لَك سَائِر الْيَوْم، فَنزلت: {تبت يدا أبي لَهب وَتب} [المسد: 1] . إِن قلت: هَل أَرَادَ فِي التَّرْجَمَة الْعُمُوم، حَتَّى فِي الْفَاسِق، وَالْكَافِر أَو الْخُصُوص بالكافر؟ . قلت: يحْتَمل أَن يُرِيد الْخُصُوص، فتطابق الْآيَة التَّرْجَمَة. وَيحْتَمل أَن يُرِيد الْعُمُوم، قِيَاسا لمُسلم المجاهر بِالشَّرِّ على الْكَافِر، لِأَن الْمُسلم الْفَاسِق لَا غيبَة فِيهِ. وَقد حمل بَعضهم على البُخَارِيّ، أَنه أَرَادَ الْعُمُوم، فَظن بِهِ النسْيَان لحَدِيث أنس الْمُتَقَدّم: " مر بِجنَازَة ". الحَدِيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ أولى بالترجمة من هَذَا الحَدِيث الَّذِي تضمنه. وَالظَّاهِر أَن البُخَارِيّ جرى على عَادَته فِي الاستنباط الْخَفي، والإحالة فِي الظَّاهِر الْجَلِيّ على سبق الأفهام إِلَيْهِ، على أَن الْآيَة مرتبَة. وَهِي تَسْمِيَة المذموم والغيبة وخصوصاً فِي الْكتاب الْعَزِيز الَّذِي يبْقى وَلَا يفنى آخر الدَّهْر. (19 كتاب الزَّكَاة) (66 - (1) بَاب لَا يقبل الله صَدَقَة من غلُول) لقَوْله عز وَجل: {قَول مَعْرُوف ومغفرة خير من صَدَقَة يتبعهَا أَذَى} [الْبَقَرَة: 263] . قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قلت: مَا وَجه الْجمع بَين التَّرْجَمَة وَالْآيَة، وَهل لَا ذكر قَوْله: {انفقوا من طَيّبَات مَا كسبتم} [الْبَقَرَة: 267] . قلت: جرى على عَادَته فِي إِيثَار الاستنباط الْخَفي، والاتكال فِي الِاسْتِدْلَال بالجلي على سبق الأفهام لَهُ. وَوجه الاستنباط يحْتَمل أَن الْآيَة لَهَا إِثْبَات الصَّدَقَة، غير أَن الصَّدَقَة لما تبعتها سَيِّئَة الْأَذَى بطلت. فالغلول غصب إِذا فيقارن الصَّدَقَة فَتبْطل بطرِيق الأولى. أَو لِأَنَّهُ جعل الْمعْصِيَة اللاحقة للطاعة بعد تقررها، وَهِي الْأَذَى، تبطل الطَّاعَة. فَكيف إِذا كَانَت الصَّدَقَة عين الْمعْصِيَة لِأَن الغال فِي دفْعَة المَال للْفَقِير، غاصبٌ متصرف فِي ملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الْغَيْر، فَكيف تقع الْمعْصِيَة من أول أمرهَا طَاعَة مُعْتَبرَة، وَقد أبطلت الْمعْصِيَة الطَّاعَة المحققة فِي أول أمرهَا فِي الصَّدَقَة المتبعة بالأذى؟ وَهَذَا من لطيف الاستنباط، وخفيه. وَالله أعلم. (67 - (2) بَاب الْعشْر فِي مَا يسْقِي من السَّمَاء وَالْمَاء الْجَارِي) وَلم ير عمر بن عبد الْعَزِيز فِي الْعَسَل شَيْئا. فِيهِ عمر: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِيمَا سقت السَّمَاء والعيون أَو كَانَ عثريا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 الْعشْر وَفِيمَا سقى بالنضح نصف الْعشْر. قلت: رَضِي الله عَنْك! ذكر الْعَسَل فِي التَّرْجَمَة تَنْبِيه على أَن الحَدِيث يَنْفِي وجوب الْعشْر فِيهِ، لِأَنَّهُ خص الْعشْر، أَو نصفه بِمَا يسْقِي، فأفهم ذَلِك أَن مَا لَا يسْقِي لَا يعشر. ويقوى الْمَفْهُوم فِيهِ على طَريقَة الإِمَام بِتَقْدِيم الْخَبَر على الْمُبْتَدَأ، نَحْو صديقي زيد، فِي حصر إِجَابَة الْعشْر فِيهِ. (68 - (3) بَاب صَدَقَة التَّمْر عِنْد صرام النّخل، وَهل يتْرك الصَّبِي فيمس تمر الصَّدَقَة) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: كَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يُؤْتِي بِالتَّمْرِ عِنْد صرام النّخل، فَيَجِيء هَذَا بتمره، وَهَذَا بتمره حَتَّى يصير كوماً من تمر فَجعل الْحسن وَالْحُسَيْن - رَضِي الله عَنْهُمَا - يلعبان بذلك التَّمْر، فَأخذ أَحدهمَا تَمْرَة فَجَعلهَا فِي فِيهِ. فَنظر إِلَيْهِ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فاخرجها من فِيهِ فَقَالَ: أما علمت أَن آل مُحَمَّد لَا يَأْكُلُون الصَّدَقَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 قلت: رَضِي الله عَنْك! مدْخل ترك الصَّبِي فِي الْفِقْه، التَّنْبِيه على الِاعْتِدَال فِي تَأْدِيب الْأَطْفَال، لِأَنَّهُ فسح لَهُم فِي بعض المعلب، وَلم يفسح لَهُم فِي الْأكل، لِأَنَّهُ محرّم على جنسهم ففسح لَهُ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي مس التَّمْر، فَلَمَّا هم بِالْأَكْلِ مَنعه، وَلم يفسح لَهُ فِيهِ، وَإِن كَانَ غير مكّلف. وَفِيه حجَّة لوُجُوب منع ولي الصَّغِيرَة إِيَّاهَا من الطّيب وَنَحْوه وَإِن وَجَبت عَلَيْهَا عدَّة وَفَاة، خلافًا لمن أنكر ذَلِك بِنَاء على أَنَّهَا غير مكّلفة. (69 - (4) بَاب من بَاعَ ثماره، أَو نخله، أَو أرضه، وَقد وَجب فِيهِ الْعشْر، أَو الصَّدَقَة، فَأدى الزَّكَاة من غَيره. أَو بَاعَ ثماره وَلم تجب فِيهِ الصَّدَقَة.) وَقَول النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا، فَم يحظر البيع بعد الصّلاح على أحد، وَلم يخص من وَجَبت عَلَيْهِ الزَّكَاة مِمَّن لم تجب. فِيهِ ابْن عمر: نهى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَن بيع الثَّمَرَة، حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا، وَكَانَ إِذا سُئِلَ عَن صَلَاحهَا، قَالَ: حَتَّى تذْهب عاهتها ". وَفِيه أنس: أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] نهى عَن بيع الثِّمَار، حَتَّى تزهى، قَالَ: وَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 تزهى؟ . قَالَ: حَتَّى تحمارّ. قلت: رَضِي الله عَنْك! مدْخل التَّرْجَمَة فِي الْفِقْه، جوازُ بيع الثَّمَرَة الَّتِي وَجَبت زَكَاتهَا قبل أَدَاء الزَّكَاة. وَيتَعَيَّن حينئذٍ أَن تُؤدِّي الزَّكَاة من غَيرهَا، خلافًا لمن أفسد البيع، وَوجه الِاسْتِدْلَال إِجَازَته للْبيع بعد بَدو الصّلاح. وَهُوَ وَقت الزَّكَاة وَلم يقيّد الْجَوَاز بتزكيتها من عينهَا، بل عّم وَأطلق فِي سِيَاق الْبَيَان. (70 - (5) بَاب أَخذ الصَّدَقَة من الْأَغْنِيَاء، وَترد فِي الْفُقَرَاء حَيْثُ كَانُوا) فِيهِ ابْن عَبَّاس: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لِمعَاذ حِين بَعثه إِلَى الْيمن: إِنَّك ستأتي قوما أهل كتاب، فَإِذا جئتهم فادعهم إِلَى أَن يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. فَإِذا هم أطاعوا لَك بذلك، فَأخْبرهُم أَن الله فرض عَلَيْهِم صَدَقَة تُؤْخَذ من أغنيائهم، وَترد فِي فقرائهم. فَإِن هم أطاعوا لَك بذلك، فإياك وكرائم أَمْوَالهم، وَاتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَينهَا وَبَين الله حجاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 قلت: رَضِي الله عَنْك! قَوْله فِي التَّرْجَمَة: " حَيْثُ كَانُوا " تَنْبِيه حسن على مَسْأَلَة فقهية، وَهِي أنّه هَل يجوز نقل الزَّكَاة من بلد إِلَى آخر؟ قيل بِجَوَازِهِ وبمنعه، وبجوازه إِذا فدحت حَاجَة غير الْبَلَد. وَاخْتَارَ البُخَارِيّ الْجَوَاز مُطلقًا،. لِأَن الضَّمِير فِي الْجَمِيع يعود على الْمُسلمين، فَأَي فَقير مِنْهُم ردّت فِيهِ الصَّدَقَة فِي أَي جِهَة كَانَ، فقد وافى عُمُوم الحَدِيث. فَتَأَمّله. (71 - (6) بَاب مَا يسْتَخْرج من الْبَحْر) وَقَالَ ابْن عَبَّاس لَيْسَ العنبر بركاز، إِنَّمَا هُوَ دسره الْبَحْر. وَقَالَ الْحسن: فِي العنبر واللؤلؤ الْخمس. وَإِنَّمَا جعل النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي الرِّكَاز الْخمس لَيْسَ فِي الَّذِي يصاب فِي المَاء. فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : إِن رجلا من بني إِسْرَائِيل سَأَلَ آخر من بني إِسْرَائِيل أَن يسلفه ألف دِينَار، فَدَفعهَا إِلَيْهِ فَخرج فِي الْبَحْر، فَلم يجد مركبا. فَأخذ خَشَبَة فنقرها، فَأدْخل فِيهَا ألف دِينَار، فَرمى بهَا فِي الْبَحْر، فَخرج الرجل الَّذِي كَانَ أسلفه. فَإِذا بالخشبة فَأَخذهَا لأَهله حطباً - فَذكر الحَدِيث - فَلَمَّا نشرها وجد المَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 قلت: رَضِي الله عَنْك {مَوضِع الاستشهاد فِي حَدِيث الْخَشَبَة، لَيْسَ أَخذ الدَّنَانِير، وَإِنَّمَا هُوَ أَخذ الْخَشَبَة على أَنَّهَا حطب، فدلّ على إِبَاحَة مثل هَذَا مَا يلفظه الْبَحْر، إِمَّا مِمَّا ينشأ فِي الْبَحْر كالعنبر، أَو مِمَّا سبق فِيهِ ملك، وعطب، وَانْقطع ملك صَاحبه مِنْهُ، على اخْتِلَاف بَين الْعلمَاء فِي تملك هَذَا مُطلقًا ومفصلاً. وَإِذا جَازَ تملك الْخَشَبَة، وَقد تقدم عَلَيْهَا ملك، فتملك نَحْو العنبر الَّذِي هُوَ فِي مخلوقات الْبَحْر، وَلم يتَقَدَّم عَلَيْهِ ملك، أولى. (72 - (7) بَاب قَول الله عزّ وجلّ: {والعاملين عَلَيْهَا} [التَّوْبَة: 60] ومحاسبة المصدقين للْإِمَام.) فِيهِ أَبُو حميد: اسْتعْمل رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] رجلا من الْأسد على صدقَات بني سليم، يدعى ابْن اللتبية، فَلَمَّا جَاءَ حَاسبه. قلت: رَضِي الله عَنْك} مدْخل المحاسبة فِي الْفِقْه إِلْزَام الْعَامِل فِي الْقَرَاض وَنَحْوه من الْأُمَنَاء على الْأَمْوَال بِإِقَامَة حِسَابهَا، وَلَا يُنَافِي ذَلِك ائتمانهم عَلَيْهَا، لِأَن المحاسبة تظهر الْأَمَانَة المسقطة للضَّمَان من التَّعَدِّي الْمُوجب لَهُ فَوَجَبت إِذا دعى إِلَيْهَا. وَعِنْدنَا فِي مثله خلاف. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 (73 - (8) بَاب الصَّدَقَة قبل الْعِيد) فِيهِ ابْن عمر أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَمر بِزَكَاة الْفطر قبل خُرُوج النَّاس، إِلَى الصَّلَاة. وَفِيه أَبُو سعيد: كُنَّا نخرج على عهد رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَوْم الْفطر، صَاعا من طَعَام، وَكَانَ طعامنا الشّعير، وَالزَّبِيب، والأقط، وَالتَّمْر.] قَالَ أَبُو سعيد: فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَة وَجَاءَت السمراء، قَالَ: أرى مدا من هَذَا يعدل مَدين [. قلت: رَضِي الله عَنْك! مَوضِع التَّرْجَمَة من الحَدِيث قَوْله: " يَوْم الْفطر "، فَدخل فِيهِ مَا قبل صَلَاة الْعِيد إِلَى طُلُوع الْفجْر، وَهُوَ أول الْيَوْم، دلّ أَنه دَاخل فِي وَقت إخْرَاجهَا. وَالله أعلم. (20 -] كتاب الصَّوْم [) (74 - (1) بَاب اغتسال الصَّائِم) وبلّ ابْن عمر ثوبا، فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِم. وَدخل الشّعبِيّ الْحمام وَهُوَ صَائِم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَا بَأْس أَن يتطعم الْقدر، أَو الشَّيْء. وَقَالَ الْحسن: لَا بَأْس بالمضمضة والتبرد للصَّائِم. وَقَالَ ابْن مَسْعُود: إِذا كَانَ يَوْم صَوْم أحدكُم، فليصبح دهيناً مترجلاً. وَقَالَ أنس: إِن لي أبزن أتقحم فِيهِ، وَأَنا صَائِم. وَقَالَ ابْن عمر: يستاك أول النَّهَار وَآخره. وَقَالَ ابْن سِيرِين: لَا بَأْس بِالسِّوَاكِ الرطب. قيل لَهُ: لَهُ طعم. قَالَ: وَالْمَاء لَهُ طعم، وَأَنت تتمضمض بِهِ. وَلم ير أنس وَالْحسن وَإِبْرَاهِيم بالكحل بَأْسا. فِيهِ عَائِشَة وَأم سَلمَة: كَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يُدْرِكهُ الْفجْر فِي رَمَضَان جنبا من غير حلم فيغتسل ويصوم. قلت: رَضِي الله عَنْك! ردّ على من كره اغتسال الصَّائِم، لِأَنَّهُ إِن كرهه خشيَة وُصُول المَاء حلقه، فالعلة بَاطِلَة بالمضمضة، وبالسواك، وبذوق الْقدر، وَنَحْو ذَلِك. وَإِن كرهه للرفاهية، اسْتحبَّ السّلف للصَّائِم الترفه، والتجمل، وبالترجل والادهان. وأجازوا الْكحل، وَغير ذَلِك. فَلذَلِك سَاق هَذِه الْأَفْعَال تَحت تَرْجَمَة الِاغْتِسَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 (75 - (2) بَاب الصَّائِم إِذا أكل وَشرب نَاسِيا) وَقَالَ عَطاء: إِن استنثر فَدخل المَاء حلقه، فَلَا بَأْس. وَقَالَ الْحسن: إِن دخل حلقه الذُّبَاب، فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحسن وَمُجاهد: إِن جَامع نَاسِيا، فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : إِذا نسي فَأكل وَشرب، فليتّم صَوْمه، فَإِنَّمَا أطْعمهُ الله وسقاه. قلت: رَضِي الله عَنْك! إِدْخَال المغلوب تَحت تَرْجَمَة النَّاسِي، لاجتماعهما فِي سُقُوط الِاخْتِيَار وَرفع الْإِثْم. (76 - (3) بَاب السِّوَاك الرطب واليابس للصَّائِم) وَيذكر عَن عَامر بن ربيعَة: رَأَيْت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يستاك وَهُوَ صَائِم مَا لَا أحصي. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لَوْلَا أَن أشق على أمتِي، لأمرتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 بِالسِّوَاكِ عِنْد كل وضوء. ويروي نَحوه عَن جَابر، وَزيد بن خَالِد، عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَلم يخص صَائِما من غَيره. وَقَالَت عَائِشَة: عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] السِّوَاك مطهرة للفم، مرضاة للرب. وَقَالَ، عَطاء وَقَتَادَة: لَا يبتلع رِيقه. وَفِيه عُثْمَان: إِنَّه تَوَضَّأ فأفرغ على يَدَيْهِ ثَلَاثًا، ثمَّ تمضمض واستنثر. الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك! أَخذ البُخَارِيّ شَرْعِيَّة السِّوَاك للصَّائِم، بِالدَّلِيلِ الْخَاص، وَهُوَ حَدِيث عَامر. ثمَّ انتزعه من الْأَدِلَّة الْعَامَّة الَّتِي تتَنَاوَل أَحْوَال متناول السِّوَاك مُطلقًا: صَائِما ومفطراً، وأحوال عود السِّوَاك من رُطُوبَة ويبس ثمَّ انتزع ذَلِك من أَعم من السِّوَاك، وَهِي الْمَضْمَضَة، إِذْ هِيَ أبلغ من السِّوَاك الرطب. وأصل هَذَا الانتزاع لِابْنِ سِيرِين. قَالَ محتجاً على السِّوَاك: وَالْمَاء لَهُ طعم. (77 - (4) بَاب صِيَام الْأَيَّام الْبيض: ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع عشرَة وَخمْس عشرَة.) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: أَوْصَانِي رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِثَلَاث: صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، وركعتي الضُّحَى، وَأَن أوتر قبل أَن أَنَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 قلت: رَضِي الله عَنْك {ترْجم على الْأَيَّام الْبيض، وَذكر حَدِيثا فِي صَوْم ثَلَاثَة من كل شهر مُطلقًا. وَقد وَردت أَحَادِيث فِي تَخْصِيص الْأَيَّام الْبيض، فنبّه بالترجمة على أَن الْأَحْوَط للمتطوع أَن يخص الثَّلَاث بِهَذِهِ الْأَيَّام الْبيض، ليجمع بَين مَا صحّ وَمَا نقل فِي الْجُمْلَة، وَإِن لم يبلغ مرتبَة هَذَا فِي الصِّحَّة. (78 - (5) بَاب من أَرَادَ أَن يعْتَكف، ثمَّ بدا لَهُ أَن يخرج) فِيهِ عَائِشَة: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ذكر أَن يعْتَكف الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان، فاستأذنته عَائِشَة فَأذن لَهَا. وَسَأَلت حَفْصَة عَائِشَة أَن تستأذن لَهَا. فَفعلت. فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِك زَيْنَب، أمرت بِبِنَاء فَبنى لَهَا. وَكَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِذا صلى انْصَرف إِلَى بنائِهِ، فأبصر الْأَبْنِيَة. فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: بِنَاء عَائِشَة وَحَفْصَة وَزَيْنَب. فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] آلبر أردن بِهَذَا؟ مَا أَنا بمعتكف. فَرجع فَلَمَّا أفطر اعْتكف عشرا من شَوَّال. قلت: رَضِي الله عَنْك} رفع البُخَارِيّ إِشْكَال الحَدِيث فِي التَّرْجَمَة، وَنبهَ على أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم يتْرك الِاعْتِكَاف بعد أَن دخل فِيهِ. وَإِنَّمَا هّم بِهِ ثمَّ عَارضه معَارض فَتَركه. وَقَوْلها: " وَكَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِذا صلى انْصَرف إِلَى الْبناء "، أوّل مَا بنى لَهُ قبل الِاعْتِكَاف، وَالأَصَح - وَالله أعلم - أَنه كَانَ يبْنى لَهُ فِي كل عَام خباء، فَيَنْصَرِف من الصَّلَاة، فيدخله. فقولها: " كَانَ " إِشَارَة إِلَى عَادَته قبل هَذَا الْعَام. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 (21 -] كتاب الْمَنَاسِك [) (79 - (1) بَاب فِي الْحَج من أهلّ فِي زمن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كإهلال النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ) قَالَه ابْن عمر عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . فِيهِ جَابر: أَمر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عليا - رَضِي الله عَنهُ - أَن يقوم على إِحْرَامه، وَذكر قَول سراقَة. وَقَالَ لَهُ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : بِمَا أَهلَلْت يَا عَليّ؟ قَالَ: بِمَا أهل بِهِ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . قَالَ فأهد وامكث حَرَامًا، كَمَا أَنْت. وَفِيه مَرْوَان الأضفر: عَن أنس قَالَ: قدم عَليّ على النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، من الْيمن. فَقَالَ لَهُ: بِمَ أَهلَلْت؟ فَقَالَ: بِمَا أهل بِهِ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . فَقَالَ: لَوْلَا أَن معي الْهدى لأحللت. وَفِيه أَبُو مُوسَى: بَعَثَنِي النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى قومِي بِالْيمن، فَجئْت وَهُوَ بالبطحاء. فَقَالَ بِمَ أَهلَلْت؟ فَقَالَ: أَهلَلْت كإهلال النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . قَالَ: هَل مَعَك من هدى؟ قلت: لَا. قَالَ: فَأمرنِي فطفت بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة. ثمَّ أَمرنِي فأحللت، فَأتيت امْرَأَة من قومِي، فمشطتني وغسلت رَأْسِي. فَقدم عمر فَقَالَ: إِن نَأْخُذ بِكِتَاب الله فَهُوَ يَأْمر بالتمام. قَالَ الله تَعَالَى: {وَأَتمُّوا الحجّ وَالْعمْرَة لله} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 ] الْبَقَرَة: 196 [وَإِن نَأْخُذ بِسنة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فإنّه لم يحلّ حَتَّى نحر الْهَدْي. قلت: رَضِي الله عَنْك! كأنّ البُخَارِيّ لما لم ير إِحْرَام التَّقْلِيد وَلَا الْإِحْرَام الْمُطلق، ثمَّ تعين بعد ذَلِك، أَشَارَ فِي التَّرْجَمَة بقوله: " بَاب من أهل فِي زمن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، كإهلاله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] " إِلَى أَن هَذَا خَاص بذلك الزَّمن، فَلَيْسَ لأحد أَن يحرم الْآن بِمَا أحرم بِهِ فلَان، بل لابد أَن يعين الْعِبَادَة الَّتِي نَوَاهَا. ودعت الْحَاجة إِلَى الْإِطْلَاق، وَالْحوالَة على إِحْرَامه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، لِأَن عليا وَأَبا مُوسَى لم يكن عِنْدهمَا أصل يرجعان إِلَيْهِ فِي كَيْفيَّة الْإِحْرَام، فأحالاه على النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَأما الْآن فقد استقرّت الْأَحْكَام وَعرفت كيفيات الْإِحْرَام. وَمذهب مَالك على الصَّحِيح جَوَاز ذَلِك. وَأَنه لَيْسَ خاصّاً بذلك الزَّمَان. وَالله أعلم. (80 - (2) بَاب قَول الله عز وَجل: {وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِيم رب اجْعَل هَذَا الْبَلَد آمنا واجنبني وبنيّ أَن نعْبد الْأَصْنَام} [إِبْرَاهِيم: 37] الْآيَات وَقَوله عز وَجل: {جعل الله الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قيَاما للنَّاس} [الْمَائِدَة: 97] الْآيَة. فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " يخّرب الْكَعْبَة ذُو السويقتين من الْحَبَشَة ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وَفِيه عَائِشَة: كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاء قبل أَن يفْرض رَمَضَان، وَكَانَ يَوْمًا تستر فِيهِ الْكَعْبَة، فَلَمَّا فرض الله رَمَضَان، قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : من شَاءَ فليصمه وَمن شَاءَ فليتركه. وَفِيه أَبُو سعيد: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : ليحجّن الْبَيْت، وليعتمرنّ بعد خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج. وَرُوِيَ شُعْبَة عَن قَتَادَة: " لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى لَا يحجّ الْبَيْت. وَالْأول أَكثر. قلت: رَضِي الله عَنْك! إِنَّمَا أَدخل خبر ذِي السويقتين تَحت التَّرْجَمَة بِالْآيَةِ، ليبين أَن الْأَمر الْمَذْكُور مَخْصُوص بالزمن الَّذِي شَاءَ الله فِيهِ الْأمان. وَإِذا شَاءَ رَفعه عِنْد خُرُوج ذِي السويقتين ثمّ إِذا شَاءَ أَعَادَهُ بعد. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 (81 - (3) بَاب كسْوَة الْكَعْبَة) فِيهِ عمر: إِنَّه جلس على الْكُرْسِيّ فِي الْكَعْبَة. وَقَالَ: لقد ههمت أَن لَا أدع فِيهَا صفراء وَلَا بَيْضَاء إلاّ قسمته. قلت: إِن صاحبيك لم يفعلا. قَالَ: هما المرءان أقتدي بهما. قلت: رَضِي الله عَنْك! يحْتَمل أَن يكون مَقْصُوده بالترجمة، التَّنْبِيه على أَن كسْوَة الْكَعْبَة مَشْرُوع ومأثور، فيحتج لذَلِك بِأَنَّهَا لم تزل تقصد بِالْمَالِ يوضع فِيهَا على معنى الزِّينَة وَالْجمال، إعظاماً لحرمتها فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام، فالكسوة من هَذَا الْقَبِيل. وَيحْتَمل أَن يُرِيد التَّنْبِيه على حكم الْكسْوَة، وَهل يجوز التَّصَرُّف فِيمَا عتق من الْكسْوَة بِالْقِسْمَةِ، كَمَا يصنعونه، أم لَا؟ فنبّه على أَنه مَوضِع اجْتِهَاد. وَأَن مقتضي رأى عمر - رَضِي الله عَنهُ - أَن يقسم فِي الْمصَالح. ويعارض رَأْيه ترك النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَأبي بكر - رَضِي الله عَنهُ - لقسمتها. فَذَلِك فِي مَحل الِاجْتِهَاد وتعارض الْأَمَانَات. وَالظَّاهِر جَوَاز قسْمَة الْكسْوَة العتيقة، إِذْ بَقَاؤُهَا تَعْرِيض لإتلافها، بِخِلَاف النَّقْدَيْنِ وَلَا جمال فِي كسْوَة مطوية عتيقة. وَيُؤْخَذ من قَول عمر - رَضِي الله عَنهُ - أَن صرف المَال فِي الْمصَالح، كالفقراء وَالْمَسَاكِين، أكد من صرفه فِي كسْوَة الْكَعْبَة، لَكِن الْكسْوَة فِي هَذِه الْأَزْمِنَة أهم. إِذْ الْأُمُور المتقادمة تتأكد حرمتهَا فِي النُّفُوس، وَقد صَار ترك الْكسْوَة فِي الْعرف غضاً من الْإِسْلَام، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وإضعافاً لقلوب الْمُسلمين، فترجحت على الصَّدَقَة بِمثل قيمتهَا. وَالله أعلم. (82 - (4) بَاب إغلاق الْبَيْت، ويصليّ فِي أَي نواحي الْبَيْت شَاءَ.) فِيهِ ابْن عمر: دخل النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الْبَيْت هُوَ، وَأُسَامَة بن زيد، وبلال، وَعُثْمَان بن طَلْحَة، فأغلقوا عَلَيْهِم الْبَاب، فَلَمَّا فتحُوا كنت أوّل من ولج، فَلَقِيت بِلَالًا، فَسَأَلته هَل صلّى فِيهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ؟ قَالَ: نعم! بَين العمودين اليمانيين. ] قلت [: لَيْسَ على معنى التَّحْدِيد وَإِنَّمَا هُوَ اتِّفَاق، ووجهاته مُتَسَاوِيَة من بَاطِنه، كَمَا هِيَ مُتَسَاوِيَة من ظَاهره. أَيْنَمَا صلى إِلَيْهَا، فَهِيَ قبْلَة. وَالله أعلم. (83 - (5) بَاب من كبر فِي نواحي الْكَعْبَة) فِيهِ ابْن عَبَّاس: إِن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لما قدم أَبى أَن يدْخل الْبَيْت، وَفِيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 الْآلهَة. فَأمر بهَا، فأُخرجت، فأَخرجوا صُورَة إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل، فِي أَيْدِيهِمَا الأزلام. فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : قَاتلهم الله {أما وَالله قد علمُوا أَنَّهُمَا لم يستقسما بهَا قطّ. فَدخل الْبَيْت، فَكبر فِي نواحيه، وَلم يصلّ فِيهِ. قلت: رَضِي الله عَنْك} سَاق البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث، وَأثبت فِيهِ التَّكْبِير فِي نواحي الْكَعْبَة، وَلم يثبت بِهِ مُعَارضَة الحَدِيث الْمُتَقَدّم فِي الصَّلَاة، لِأَن هَذَا يَنْفِي الصَّلَاة، وَذَلِكَ أثبتها، والمثبت أولى. وَكَذَلِكَ هَذَا أَيْضا أثبت التَّكْبِير فِي نَوَاحِيهَا، وَسكت عَنهُ الحَدِيث الآخر، فَلَا يُعَارض الثُّبُوت السُّكُوت. فالجمع بَينهَا أَن يكبر فِي نَوَاحِيهَا، ويصلّي فِي أَيهَا شَاءَ. وَالله الْمُوفق. (84 - (6) بَاب من لم يسْتَلم إِلَّا الرُّكْنَيْنِ اليمانيين) فِيهِ] جَابر بن زيد [: أَبُو الشعْثَاء قَالَ: وَمن يَتَّقِي شَيْئا من الْبَيْت؟ وَكَانَ مُعَاوِيَة يسْتَلم الْأَركان. فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: إِنَّه لَا يسْتَلم هَذَانِ الركنان فَقَالَ: لَيْسَ شَيْء من الْبَيْت مَهْجُورًا. وَكَانَ ابْن الزبير يسْتَلم الْأَركان. وَفِيه ابْن عمر: لم أر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يسْتَلم من الْبَيْت إِلَّا الرُّكْنَيْنِ اليمانيين. قلت: رَضِي الله عَنْك! رجح البُخَارِيّ اخْتِصَاص اليمانيين بالاستلام، فَلهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 ترْجم على اختصاصهما، وسَاق الْقَوْلَيْنِ المتعارضين عَن الصَّحَابَة فِي التَّعْمِيم والاختصاص. فنبّه بالترجمة على أَن الِاخْتِصَاص مرجّح لِأَن مُسْتَنده السّنة فِي ترك مَا عداهما. ومستند التَّعْمِيم الرَّأْي، وَقِيَاس بَعْضهَا على بعض فِي التَّعْظِيم، وَهُوَ معنى قَول مُعَاوِيَة: " لَيْسَ شَيْء من الْبَيْت مَهْجُورًا ". وَهَذَا يُقَال بِمُوجبِه وَلَيْسَ ترك الاستلام هجراناً وَكَيف يهجرها، وَهُوَ يطوف بهَا؟ فالحجة مَعَ ابْن عمر أظهر. وَالله أعلم. (85 - (7) بَاب إِذا وقف فِي الطّواف) وَقَالَ عَطاء فِي من يطوف فتقام الصَّلَاة، أَو يدْفع عَن مَكَانَهُ: إِذا سلّم يرجع إِلَى حَيْثُ قطع عَلَيْهِ. فيبني. وَيذكر نَحوه عَن ابْن عمر. وَعبد الرَّحْمَن ابْن أبي بكر: طَاف النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَصلى لسبوعه رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ نَافِع: كَانَ ابْن عمر يصلّي لكل أُسْبُوع رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، قلت لِلزهْرِيِّ: إِن عَطاء يَقُول: تُجزئه الْمَكْتُوبَة من رَكْعَتي الطّواف. قَالَ: السّنة أفضل، لم يطف النَّبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سبوعاً قطّ إِلَّا صلّى رَكْعَتَيْنِ. فِيهِ عَمْرو: وَسَأَلنَا ابْن عمر، أيقع الرجل على امْرَأَته فِي الْعمرَة، قبل أَن يطوف بَين الصَّفَا والمروة؟ قَالَ: قدم النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ سبعا، ثمَّ صلى خلف الْمقَام رَكْعَتَيْنِ. فَطَافَ بَين الصَّفَا والمروة. وَقَالَ: {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة} [الْأَحْزَاب: 21] . وَسَأَلت جَابِرا فَقَالَ: لَا يقرب امْرَأَته حَتَّى يطوف بَين الصَّفَا والمروة. وَترْجم لَهُ " بَاب من صلى رَكْعَتي الطّواف خلف الْمقَام ". قلت: رَضِي الله عَنْك! ذكر طواف النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سبوعاً، ثمَّ صلَاته رَكْعَتَيْنِ لسبوعه. وَإِن تِلْكَ عَادَته فِي كل أُسْبُوع طافه أَن يُصَلِّي لَهُ رَكْعَتَيْنِ. سَاق هَذَا فِي تَرْجَمَة " الْوُقُوف فِي الطّواف "، تَنْبِيها على أَن الْوُقُوف غير مَشْرُوع، لِأَنَّهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ يصل طَوَافه بِصَلَاتِهِ. وَالْوُقُوف لَا يسمّى طَوافا. فَإِذا كَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم يفرق بَين الصَّلَاة وَالطّواف بِالْوُقُوفِ، وهما نَوْعَانِ فَكيف يفرق بَين أَجزَاء الطّواف بِالْوُقُوفِ؟ فَافْهَم ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 (86 - (8) بَاب فتل القلائد للبدن وَالْبَقر) فِيهِ حَفْصَة: قلت: يَا رَسُول الله {مَا شَأْن النَّاس حلّوا، وَلم تحلّ أَنْت؟ قَالَ: إِنِّي لبدّت رَأْسِي، وقلّدت هَدْيِي. فَلَا أحلّ حَتَّى أحلّ من الحجّ. وَفِيه عَائِشَة: كَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يهدي من الْمَدِينَة، فأفتل قلائد هَدْيه، ثمَّ لَا يجْتَنب مَا يجْتَنب الْمحرم. قلت: رَضِي الله عَنْك} ذكر فِي التَّرْجَمَة الْبدن وَالْبَقر، والْحَدِيث مُطلق فِي الْهدى. وَلَكِن قد صَحَّ أَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قد أهداهما جَمِيعًا. وَورد أَنَّهُمَا ذبح الْبَقر عَن نِسَائِهِ فِي حجَّة الْوَدَاع. وكل مَا يذبح فِي الْحَج هدى. وَقد قيل: إِنَّه ذبح عَنْهُن الْبَقر هَديا لتمتع من تمتّع مِنْهُنَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 (87 - (9) بَاب الذّبْح قبل الْهدى) فِيهِ ابْن عَبَّاس: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لمن حلق قبل أَن يذبح: لَا حرج، لَا حرج. وَقَالَ رجل للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : زرت قبل أَن أرمي، قَالَ: لَا حرج. وَقَالَ: رميت بعد مَا أمسيت. قَالَ: لَا حرج. قَالَ: حلقت قبل أَن أنحر، قَالَ: لَا حرج. وَفِيه أَبُو مُوسَى: قَالَ: قدمت على النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَهُوَ بالبطحاء. فَقَالَ: أحججت؟ قلت: نعم: - الحَدِيث إِلَى قَول عمر رَضِي الله عَنهُ: - وَإِن نَأْخُذ بِسنة النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَإِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم يحل حَتَّى بلغ الْهدى مَحَله. قلت: رَضِي الله عَنْك! مَقْصُود البُخَارِيّ التَّنْبِيه على أَن التَّرْتِيب الْمَشْرُوع تَقْدِيم الذّبْح على الْحلق. وَلِهَذَا ترْجم لَهُ. وسَاق هَذِه الْأَحَادِيث. وَمن مضمونها أَنه قَالَ لمن حلق قبل أَن يذبح: " لَا حرج " وَعبارَة نفي الْحَرج إِنَّمَا يكون حَيْثُ يتَوَقَّع الْحَرج، وَلِهَذَا سَأَلَ السَّائِل. دلّ على أَن التَّرْتِيب الَّذِي لَا يتخيّل فِيهِ الْحَرج، وَلَا يشكل على أحد، وَلَا يسْأَل عَنهُ عَادَة سائلٌ، هُوَ الذّبْح قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 الْحلق. وَهَذَا اسْتِدْلَال بِالْمَفْهُومِ. أما قَوْله: " فَإِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، لم يحل حَتَّى بلغ الْهدى مَحَله ". فاستدلال بمنطوق، أَي لم يحلق حَتَّى ذبح. (88 - (10) بَاب الْخطْبَة أَيَّام منى) فِيهِ ابْن عَبَّاس: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خطب النَّاس يَوْم النَّحْر، فَقَالَ: أَيهَا النَّاس أَي يَوْم هَذَا؟ قَالُوا: يَوْم حرَام. قَالَ: فَأَي بلد هَذَا؟ قَالُوا: بلد حرَام. قَالَ: فَأَي شهر هَذَا؟ قَالُوا: شهر حرَام. قَالَ: فَإِن دماءكم، وَأَمْوَالكُمْ، وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُم حرَام، كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا، فِي بلدكم هَذَا، فِي شهركم هَذَا، فَأَعَادَهَا مرَارًا. ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ: هَل بلغت. مرَّتَيْنِ؟ قَالَ ابْن عَبَّاس: فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لوصيته إِلَى أمته. فليلغ الشَّاهِد الْغَائِب، لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض. وَقَالَ جَابر بن زيد عَن ابْن عَبَّاس سَمِعت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يخْطب بِعَرَفَات. وَفِيه أَبُو بكرَة. قَالَ: خَطَبنَا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَوْم النَّحْر، فَذكر مثله سَوَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وَفِيه ابْن عمر: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بمنى: أَتَدْرُونَ أَي يَوْم هَذَا؟ الحَدِيث. وَقَالَ هِشَام بن الْغَازِي: أَخْبرنِي نَافِع عَن ابْن عمر: وقف النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَوْم النَّحْر بَين الجمرات، فِي الْحجَّة الَّتِي حجّ بِهَذَا. وَقَالَ: هَذَا يَوْم النَّحْر الْأَكْبَر. فَطَفِقَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَقُول: اللَّهُمَّ اشْهَدْ. وودّع النَّاس. فَقَالُوا: هَذِه حجَّة الْوَدَاع. قلت: رَضِي الله عَنْك! الْأَحَادِيث كلهَا مُطَابقَة للتَّرْجَمَة، إِلَّا حَدِيث جَابر عَن ابْن عَبَّاس، سَمِعت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يخْطب بِعَرَفَات. فَإِن التَّرْجَمَة إِنَّمَا وَقعت على الْخطْبَة أَيَّام منى، فَمَا سَاقهَا - وَالله أعلم - إِلَّا ليردّ على من زعم أَن يَوْم النَّحْر لَا خطْبَة فِيهِ للْحَاج. وَإِن الَّذِي ذكره النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من قبيل الْوَصَايَا العامّة، لَا على أَنه خطبةٌ وشعارٌ من شَعَائِر الْحَج. كَمَا ذهب الطَّحَاوِيّ وَابْن الْقصار إِلَيْهِ. فردّ البُخَارِيّ على من أنكر كَونهَا خطْبَة بِأَن الرَّاوِي سَمَّاهَا خطْبَة، كَمَا سمّى التَّذْكِرَة يَوْم عَرَفَة خطْبَة. وَقد اتَّفقُوا على خطْبَة عَرَفَة، فَألْحق الْمُخْتَلف فِيهِ بالمتفق عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أنكر الطَّحَاوِيّ كَونه خطْبَة، وَكَونهَا من شعار الْحَج، لِأَنَّهُ لم يذكر فِي يَوْم النَّحْر إِلَّا تَحْرِيم الدِّمَاء، وَالْأَمْوَال، والأعراض. وَهَذَا أَجْنَبِي عَن الْحَج. وَهُوَ وهم من الطَّحَاوِيّ، فَإِنَّهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] نبّه على عظم الْيَوْم، وبيّن أَنه يَوْم النَّحْر الْأَكْبَر. وَهَذَا من مهمات الحجّ. وَفِيه إِشْعَار أَن الْمَنَاسِك الَّتِي فِيهِ من الْمُهِمَّات كالرمي والإفاضة، وَغير ذَلِك. وَفِيه يتّم الْحَج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 (22 - فَضَائِل الْمَدِينَة) (89 - (1) بَاب مَا جَاءَ فِي حرم الْمَدِينَة.) فِيهِ أنس: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : الْمَدِينَة حرم من كَذَا إِلَى كَذَا، لَا يقطع شَجَرهَا، وَلَا يحدث فِيهَا حدث. من أحدثه فَعَلَيهِ لعنة الله، وَالْمَلَائِكَة، وَالنَّاس أَجْمَعِينَ. وَقَالَ أنس: قدم النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الْمَدِينَة، وَأمر بِبِنَاء الْمَسْجِد. فَقَالَ: يَا بني النجار {ثامنوني بحائطكم هَذَا قَالُوا: لَا نطلب ثمنه، إِلَّا إِلَى الله. فَأمر بقبور الْمُشْركين فنبشت، ثمَّ بالخرب فسوّيت، وبالنخل فَقطع، فصفوا النّخل قبْلَة الْمَسْجِد. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : حرّم مَا بَين لابتي الْمَدِينَة على لساني. وأتى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بني حَارِثَة. فَقَالَ: أَرَاكُم يَا بني حَارِثَة} قد خَرجْتُمْ من الْحرم، ثمَّ الْتفت فَقَالَ: بل أَنْتُم فِيهِ. وَفِيه عَليّ: مَا عندنَا إِلَّا كتاب الله، وَمَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، الْمَدِينَة حرم مَا بَين عير إِلَى ... ". من أحدث فِيهَا حَدثا، أَو آوى مُحدثا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة، وَالنَّاس أَجْمَعِينَ. لَا يقبل مِنْهُ صرف وَلَا عدل. الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك! الَّذِي وَقع فِي الْأُمَّهَات مَا بَين عير إِلَى - وَسكت فِي النِّهَايَة -. وَقد نقل من طَرِيق آخر مَا بَين عير إِلَى ثَوْر. وَالظَّاهِر أَن البُخَارِيّ أسقطها عمدا، لِأَن أهل الْمَدِينَة يُنكرُونَ أَن يكون بِالْمَدِينَةِ جبل يُسمى ثوراً. وَإِنَّمَا هُوَ بِمَكَّة. فَلَمَّا تحقق عِنْد البُخَارِيّ أَنه وهم، أسْقطه. وَذكر بَقِيَّة الحَدِيث. وَهُوَ مُفِيد إِذْ الْبدَاءَة يتَعَلَّق بهَا حكم فَلَا يتْرك لإشكال سنح فِي حكم النِّهَايَة. (23 - كتاب الْجِهَاد) (90 - (1) بَاب الدُّعَاء بِالْجِهَادِ وَالشَّهَادَة للرِّجَال وَالنِّسَاء) وَقَالَ عمر - رَضِي الله عَنهُ -: ارزقني شَهَادَة فِي بلد رَسُولك. فِيهِ أنس: كَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يدْخل على أم حرَام فتطعمه، وَكَانَت تَحت عبَادَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 ابْن الصَّامِت، فَدخل عَلَيْهَا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فأطعمته، وَجعلت تفلي رَأسه، فَنَامَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ثمَّ اسْتَيْقَظَ، وَهُوَ يضْحك. قلت: مَا يضحكك يَا رَسُول الله؟ قَالَ: نَاس من أمتِي عرضوا عَليّ غزَاة فِي سَبِيل الله يركبون ثبج هَذَا الْبَحْر، ملوكاً على الأسرة، أَو مثل الْمُلُوك - شكّ إِسْحَاق - قَالَت: فَقلت: يَا رَسُول الله {ادْع الله أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم. فَدَعَا لَهَا] رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] [ثمَّ وضع رَأسه، ثمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يضْحك فَقَالَ مثل مقَالَته الأولى، فَقَالَت: ادْع الله أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم. قَالَ: أَنْت من الأوّلين، فركبت الْبَحْر فِي زمن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، فصرعت عَن دابتها حِين خرجت، فَهَلَكت. قلت: رَضِي الله عَنْك} مدخله فِي الْفِقْه إِن الدُّعَاء بِالشَّهَادَةِ حَاصله أَن يَدْعُو الله أَن يُمكن مِنْهُ كَافِرًا يَعْصِي الله، فيقلته. وَقد اسْتشْكل أَجزَاء الدُّعَاء بِالشَّهَادَةِ على الْقَوَاعِد إِذْ مقتضاها أَن لَا يتَمَنَّى مَعْصِيّة الله لَا لَهُ وَلَا لغيره. وَوجه تَخْرِيجه على الْقَوَاعِد أَن الدُّعَاء قصدا إِنَّمَا هُوَ نيل الدرجَة الرفيعة المعدّة للشهداء. وَأما قتل الْكَافِر فَلَيْسَ بمقصود الدَّاعِي. وَإِنَّمَا هُوَ من ضرورات الْوُجُود، لِأَن الله تَعَالَى أجْرى حكمه أَن لَا ينَال تِلْكَ الدرجَة إِلَّا شهيدٌ. فَلهَذَا أَدخل البُخَارِيّ هَذِه التَّرْجَمَة، وعضدها بالأحاديث - رَحمَه الله تَعَالَى -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 (91 - (2) بَاب قَول الله تَعَالَى: {قل هَل تربصون بِنَا إِلَّا إِحْدَى الحسنيين} [التَّوْبَة: 52] وَالْحَرب سِجَال. فِيهِ ابْن عَبَّاس: إِن أَبَا سُفْيَان أخبرهُ، أَن هِرقل قَالَ لَهُ: سَأَلتك كَيفَ كَانَ قتالكم إِيَّاه؟ فَزَعَمت أَن الْحَرْب سِجَال ودول. وَكَذَلِكَ الرُّسُل تبتلي، ثمَّ تكون لَهُم الْعَاقِبَة. قلت: رَضِي الله عَنْك! اسْتشْكل الشَّارِح التَّرْجَمَة بِالْآيَةِ، ومطابقتها لحَدِيث هِرقل، من حَيْثُ أَنه ظن أَن الْمُطَابقَة فِي قَوْله: " الْحَرْب بَيْننَا وَبَينه سِجَال " مَعَ قَول هِرقل: " وَكَذَلِكَ الرُّسُل ". وَالتَّحْقِيق أَن البُخَارِيّ مَا سَاق الحَدِيث إِلَّا لقَوْله: " وَكَذَلِكَ الرُّسُل تبتلي، ثمَّ تكون لَهُم الْعَاقِبَة ". فَبِهَذَا يتَحَقَّق أَنهم على إِحْدَى الحسنيين: إِن انتصروا فَلهم العاجلة، وَإِن انتصر عدّوهم، فللرسل الْعَاقِبَة. وَالْعَاقبَة خير من العاجلة، وَأحسن. فَفِي تَمام حَدِيث هِرقل تظهر الْمُطَابقَة. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 (92 - (3) بَاب الْعَمَل الصَّالح قبل الْقِتَال) وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: إِنَّمَا تقاتلون بأعمالكم، وَقَول الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كبر مقتا عِنْد الله} [الصَّفّ: 2 - 3] الْآيَة. وَفِيه الْبَراء: أَتَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] على رجل مقنع بالحديد، قَالَ: يَا رَسُول الله {أقَاتل وَأسلم. قَالَ أسلم ثمَّ قَاتل، فَأسلم ثمَّ قَاتل فَقتل. قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : عمل قليلٌ وأجرٌ كثيرٌ. قلت: رَضِي الله عَنْك} الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة وَبَين] الحَدِيث [ظَاهر إِلَّا قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصَّفّ: 2] لَكِن وَجهه على الْجُمْلَة أَن الله تَعَالَى عَاتب من قَالَ أَنه يفعل الْخَيْر، وَلم يَفْعَله. ثمَّ أعقب ذَلِك بقوله: {إِن الله يحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا} [الصَّفّ: 4] . فَأثْنى على من وفى وَثَبت، ثمَّ قَاتل. وَالله أعلم. وَفِي الْآيَة بِالْمَفْهُومِ الثَّنَاء على من قَالَ وَفعل، فَقَوله الْمُتَقَدّم، وتأهبه للْجِهَاد عملٌ صالحٌ قدمّه على الْجِهَاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 (93 - (4) بَاب من اغبرّت قدماه فِي سَبِيل الله. وَقَوله تَعَالَى: {مَا كَانَ لأهل الْمَدِينَة وَمن حَولهمْ من الْأَعْرَاب} [التَّوْبَة: 120] . فِيهِ أَبُو عبس: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : مَا اغبّرت قدما عبدٍ فِي سَبِيل الله، فتمسّه النَّار. قلت: رَضِي الله عَنْك! الْمُطَابقَة بَين الْآيَة والترجمة فِي آخر الْآيَة عِنْد قَوْله: {وَلَا يطؤن موطئاً يغِيظ الْكفَّار} [التَّوْبَة: 120] . فأثابهم الله بخطواتهم وَإِن لم يلْقوا قتالاً. (94 - (5) بَاب الْغسْل بعد الْحَرْب وَالْغُبَار) فِيهِ عَائِشَة: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لما رَجَعَ يَوْم الخَنْدَق اغْتسل، فَأَتَاهُ جِبْرِيل وَقد عصب رَأسه الْغُبَار. فَقَالَ: وضعت السِّلَاح، فوَاللَّه مَا وَضعته. فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : فَأَيْنَ؟ قَالَ: هَاهُنَا. وأوما إِلَى بني قُرَيْظَة، فَخرج إِلَيْهِم النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 قلت: رَضِي الله عَنْك {إِنَّمَا بوّب عَلَيْهِ لِئَلَّا يتَوَهَّم كَرَاهِيَة غسل الْغُبَار، لِأَنَّهُ من حميد الْآثَار كَمَا كره بَعضهم مسح مَاء الْوضُوء بالمنديل، فبيّن جَوَازه بِالْعَمَلِ الْمَذْكُور. (95 - (6) بَاب الْجنَّة تَحت بارقة السيوف) وَقَالَ الْمُغيرَة: أخبرنَا نَبينَا عَن رِسَالَة رَبنَا: إنّه من قتل منا صَار إِلَى الْجنَّة. وَقَالَ عمر - رَضِي الله عَنهُ للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجنَّة وقتلاهم فِي النَّار؟ قَالَ: بلَى. فِيهِ ابْن أبي أوفى: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : وَاعْلَمُوا أَن الْجنَّة تَحت ظلال السيوف. قلت: رَضِي الله عَنْك} لم يترجم على الحَدِيث بِلَفْظِهِ، فإمَّا أَن يكون لفظ التَّرْجَمَة فِي حَدِيث آخر لم يُوَافق شَرطه فنبّه عَلَيْهِ فِي التَّرْجَمَة، أَو نبّه على معنى " تَحت ظلال السيوف "، وَأَن السيوف لما كَانَت لَهَا بارقة وشعاع، كَانَ أَيْضا لَهَا ظلّ بحسبها. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 (96 - (7) بَاب الشَّهَادَة سبعٌ سوى الْقَتْل) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الشُّهَدَاء خَمْسَة: المطعون، والمبطون، وَالْغَرق، وَصَاحب الْهدم، والشهيد فِي سَبِيل الله. وَفِيه أنس: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : الطَّاعُون شَهَادَة لكل مُسلم. قلت: رَضِي الله عَنْك! أشكل على الشَّارِح مُطَابقَة التَّرْجَمَة لحَدِيث: " الشُّهَدَاء خَمْسَة ". فَقَالَ: هَذَا دَلِيل أَن البُخَارِيّ مَاتَ وَلم يهذب كِتَابه. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يدْخل فِي التَّرْجَمَة حَدِيث مَالك - رَحمَه الله -. وَفِيه: " أَن الشُّهَدَاء سَبْعَة سوى الْقَتْل فِي سَبِيل الله " فأعجلته الْمنية. وَيحْتَمل عِنْدِي أَن يكون البُخَارِيّ أَرَادَ التنّبيه على أَن الشَّهَادَة لَا تَنْحَصِر فِي الْقَتْل، بل لَهَا أَسبَاب أخر. وَتلك الْأَسْبَاب أَيْضا اخْتلفت الْأَحَادِيث فِي عَددهَا. فَفِي بَعْضهَا خَمْسَة، وَهُوَ الَّذِي صَحَّ عِنْد البُخَارِيّ، وَوَافَقَ شَرطه. وَفِي بَعْضهَا سَبْعَة. وَلم يُوَافق شَرط البُخَارِيّ، فنبه عَلَيْهِ فِي التَّرْجَمَة، إِيذَانًا بِأَن الْوَارِد فِي عَددهَا من الْخَمْسَة أَو السَّبْعَة. لَيْسَ على معنى التَّحْدِيد الَّذِي لَا يزِيد وَلَا ينقص. بل هُوَ إِخْبَار عَن خُصُوص فِيمَا ذكر الله. وَالله أعلم بحصرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 (97 - (8) بَاب إِضْمَار الْخَيل للسبق.) فِيهِ ابْن عمر: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سَابق بَين الْخَيل الَّتِي لم تضمر. وَكَانَ أمدها من الثَّنية إِلَى مَسْجِد بني زُرَيْق. وَإِن ابْن عمر كَانَ سَابق بهَا. قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قيل: كَيفَ ترْجم على إِضْمَار الْخَيل للسبق، وَذكر الْمُسَابقَة للخيل الَّتِي لم تضمر؟ . قيل: إِنَّمَا كَانَ البُخَارِيّ يترجم على الشَّيْء من الْجِهَة الْعَامَّة، فقد يكون ثَابتا، وَقد يكون منفياً. فَمَعْنَى قَوْله : " بَاب إِضْمَار الْخَيل للسبق " أَي هَل هُوَ شَرط أم لَا؟ فبيّن أَنه لَيْسَ بِشَرْط، لِأَنَّهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سَابق بهَا مضمرة وَغير مضمرة. وَهَذَا أقعد بمقاصد البُخَارِيّ من قَول الشَّارِح: " إِنَّمَا ذكر طرفا من الحَدِيث ليدل على تَمَامه، وَقد سبق إِتْمَامه "، لِأَن للقائل أَن يَقُول: إِذا لم يكن بدّ من الِاخْتِصَاص، فَذكر الطّرف المطابق للتَّرْجَمَة أولى فِي الْبَيَان، لَا سِيمَا والطرف المطابق هُوَ أول الحَدِيث. إِذْ أوّله: عَن ابْن عمر، سَابق النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بَين الْخَيل الَّتِي أضمرت من الحفياء إِلَى ثنية الْوَدَاع. ثمَّ ذكر الْخَيل الَّتِي لم تضمر، كَمَا سَاقه فِي هَذِه التَّرْجَمَة، فَحَمله على تأويلنا لَا معترض عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 (98 - (9) بَاب غَزْو النِّسَاء، وقتالهن مَعَ الرِّجَال) فِيهِ أنس: لما كَانَ يَوْم أحد، انهزم النَّاس عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَلَقَد رَأَيْت عَائِشَة وَأم سليم، وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقزان وَقَالَ غَيره: تنقلان الْقرب _ على متونهما، ثمَّ يفرغانه فِي أَفْوَاه الْقَوْم. قلت: رَضِي الله عَنْك! بوب على غزوهن وقتالهن، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث أَنَّهُنَّ قاتلن. فإمَّا أَن يُرِيد أَن إعانتهن للغزاة غَزْو، وَإِمَّا أَن يُرِيد إنَّهُنَّ مَا ثبتن للمداوة وليسقي الْجَرْحى فِي حَالَة الْهَزِيمَة، وَإِلَّا هن يدافعن عَن أَنْفسهنَّ. هَذَا هُوَ الْغَالِب. فأضاف إلَيْهِنَّ الْقِتَال لذَلِك. وَالله أعلم. (99 - (10) بَاب الْخُرُوج آخر الشَّهْر) وَقَالَ ابْن عَبَّاس: انْطلق النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى الْمَدِينَة لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة، وَقدم مَكَّة لأَرْبَع لَيَال خلون من ذِي الْحجَّة وَفِيه عَائِشَة: خرجنَا مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لخمس لَيَال بَقينَ من ذِي الْقعدَة، وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 يرى إِلَّا الْحَج. وَذكر الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك! فِيهِ السّفر فِي غير يَوْم الْخَمِيس فَتَأَمّله. وَيتَعَيَّن أَن يكون هَا هُنَا يَوْم السبت فتدبره وموقع التَّرْجَمَة من الْفِقْه الرَّد على من يزْعم من الْقَائِلين بتأثير الْكَوَاكِب أَن الْحَرَكَة آخر الشَّهْر فِي محاق الْقَمَر مذمومة. (100 - (11) بَاب التوديع) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: " بعثنَا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي بعث. وَقَالَ: إِن لَقِيتُم فلَانا " وَفُلَانًا " فحرقوهما بالنَّار. فأتيناه نودعه حِين أردنَا الْخُرُوج. فَقَالَ: إِنِّي كنت قد أَمرتكُم أَن تحرقوا فلَانا وَفُلَانًا " بالنَّار. وَإِن النَّار لَا يعذب بهَا إِلَّا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. فَإِن أخذتموهما، فاقتلوهما ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 ] قلت [فِيهِ أَن الْمُسَافِر يودع الْمُقِيم. وَفِيه النّسخ قبل الْفِعْل. (101 - (12) بَاب السّمع وَالطَّاعَة للْإِمَام مَا لم يَأْمر بِمَعْصِيَة) فِيهِ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] السّمع وَالطَّاعَة حق، مَا لم يُؤمر بِمَعْصِيَة فَإِذا أَمر بِمَعْصِيَة فَلَا سمع وَلَا طَاعَة. قلت: رَضِي الله عَنْك! فِيهِ أَن الْمَنْفِيّ محمولّ فِيهِ، وَفِي أَمْثَاله، على الْحَقِيقَة الشَّرْعِيَّة، لَا على الْحَقِيقَة الوجودية، لِأَن قَوْله: " فَلَا سمع وَلَا طَاعَة " يُقَابل قَوْله: " السّمع وَالطَّاعَة حق " فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَإِذا أَمر بِمَعْصِيَة فَلَا سمع وَلَا طَاعَة شرعيين. (102 - (13) بَاب يُقَاتل من وَرَاء الإِمَام ويتقى بِهِ) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وَبِهَذَا الْإِسْنَاد: " من أَطَاعَنِي فقد أطَاع الله. وَمن عَصَانِي فقد عصى الله. وَمن يطع الْأَمِير فقد أَطَاعَنِي. وَمن يعْص الْأَمِير فقد عَصَانِي. فَإِنَّمَا الإِمَام جنَّة يُقَاتل من وَرَائه، ويتقى بِهِ فَإِن أَمر بتقوى الله سُبْحَانَهُ وَعدل، فَإِن لَهُ بذلك أجرا. وَإِن قَالَ بِغَيْرِهِ، فَإِن عَلَيْهِ مِنْهُ ". قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة لقَوْله: " نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ " إِن معنى قَوْله: يُقَاتل من وَرَائه أَي من أَمَامه، فَأطلق الوراء على الْأَمَام، لأَنهم، وَإِن تقدّموه فِي الصُّورَة، فهم أَتْبَاعه فِي الْحَقِيقَة. وَالنَّبِيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يقدم عَلَيْهِ غَيره بِصُورَة الزَّمَان، لَكِن الْمُتَقَدّم عَلَيْهِ مَأْخُوذ عَلَيْهِ الْعَهْد، أَن يُؤمن بِهِ وينصره، كآحاد أمته وَأَتْبَاعه. وَلذَلِك ينزل عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَام - مَأْمُوما. وَإِمَام الْقَوْم مِنْهُم. فهم فِي الصُّورَة أَمَامه. وَفِي الْحَقِيقَة أَتْبَاعه وَخَلفه. (103 - (14) بَاب الْبيعَة فِي الْحَرْب أَن لَا يفرّوا) وَقَالَ بَعضهم: على الْمَوْت، لقَوْله عزّ وجلّ: {لقد رَضِي الله عَن الْمُؤمنِينَ} [الْفَتْح: 18] . فِيهِ ابْن عمر رَجعْنَا من الْعَام الْمقبل، فَمَا اجْتمع منا اثْنَان على الشَّجَرَة الَّتِي بَايعنَا تحتهَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . كَانَت رَحْمَة من الله فسألنا نَافِعًا: على أَي شَيْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 بايعهم رَسُول الله على الْمَوْت؟ قَالَ: لَا، على الصَّبْر. وَفِيه عبد الله بن زيد: لما كَانَ زمن الْحرَّة أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ لَهُ: ابْن حَنْظَلَة يُبَايع النَّاس على الْمَوْت. قَالَ: لَا أبايع على هَذَا، بعد النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَفِيه سَلمَة: بَايَعت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ثمَّ عدلت إِلَى ظلّ شَجَرَة. فَلَمَّا خف النَّاس. قَالَ: يَا ابْن الْأَكْوَع {أَلا تبَايع؟ قلت: قد بَايَعت يَا رَسُول الله} قَالَ: وَأَيْضًا، فَبَايَعته الثَّانِيَة. فَقلت: يَا أَبَا مُسلم {أَي شَيْء كُنْتُم تُبَايِعُونَ يؤمئذ؟ قَالَ: على الْمَوْت. وَفِيه أنس: كَانَت الْأَنْصَار يَوْم الخَنْدَق تَقول: (نَحن الَّذين بَايعُوا مُحَمَّدًا ... على الْجِهَاد مَا بَقينَا أبدا) فأجابهم فَقَالَ: (اللَّهُمَّ لَا عَيْش إِلَّا عَيْش الْآخِرَة ... فَأكْرم الأنصارى والمهاجرة) وَفِيه مجاشع بن مَسْعُود: أتيت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، أَنا وَأخي. فَقلت: بَايعنَا على الْهِجْرَة} قَالَ: مَضَت الْهِجْرَة لأَهْلهَا. فَقلت: علام تبايعنا؟ فَقَالَ: على الْإِسْلَام وَالْجهَاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة لِلْآيَةِ قَوْله أثناءها: {فَأنْزل السكينَة عَلَيْهِم} مَبْنِيا على قَوْله: {فَعلم مَا فِي قُلُوبهم} والسكينة السُّكُوت والطمأنينة فِي موقف الْحَرْب. دلّ ذَلِك على أَنهم أضمروا فِي قُلُوبهم الثُّبُوت، وَأَن لَا يفرّوا فأعانهم على ذَلِك، وَأنزل السكينَة عَلَيْهِم. وَإِنَّمَا أضمروا أَن لَا يفّروا وَفَاء بالعهد. (104 - (15) بَاب الجعائل والحملان فِي السَّبِيل) وَقَالَ مُجَاهِد قلت لِابْنِ عمر: أُرِيد الْغَزْو قَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن أعينك بطَائفَة من مَالِي. قلت: قد أوسع الله سُبْحَانَهُ علىّ. قَالَ: إِن غناك لَك. وَإِنِّي أحب أَن يكون من مَالِي فِي هَذَا الْوَجْه. وَقَالَ عمر: إِن نَاسا يَأْخُذُونَ من هَذَا المَال، ليجاهدوا. ثمَّ لَا يجاهدون، فَمن فعل فَنحْن أَحَق بِمَالِه حَتَّى نَأْخُذ مِنْهُ مَا أَخذ. وَقَالَ طاؤوس وَمُجاهد: إِذا دفع لَك شَيْئا تخرجه فِي سَبِيل الله فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْت وَضعه عِنْد أهلك. فِيهِ عمر: حملت على فرس فِي سَبِيل الله، فرأيته يُبَاع. فَسَأَلت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أشتريه؟ قَالَ لَا تشتر، لَا تعد فِي صدقتك. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : لَوْلَا أَن أشقّ على أمتِي مَا تخلفت عَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 سَرِيَّة. وَلَكِن لَا أجد حمولة، وَلَا أجد مَا أحملهم عَلَيْهِ. ويشقّ عليّ أَن يتخلفوا. الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك {فِيهِ أَن كل من أَخذ مَالا من بَيت المَال على عمل، إِذا أهمل الْعَمَل ردّ مَا أَخذ بِالْقضَاءِ. وَكَذَلِكَ الْأَخْذ مِنْهُ على عمل لَا يتأهل لَهُ. وَلَا يلْتَفت إِلَى تخيلّ أَن الأَصْل فِي مَال بَيت المَال الْإِبَاحَة للْمُسلمين، لأَنا نقُول: الْأَخْذ مِنْهُ على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: إِن الْآخِذ مُسلم، فَلهُ نصيب كَاف على وَجه. وَالْآخر: الْآخِذ على عمل فَإِنَّمَا يسْتَحق بوفائه. (105 - (16) بَاب الْأَجِير) وَقَالَ الْحسن وَابْن سِيرِين: يقسم للْأَجِير من الْمغنم. وَأخذ عَطِيَّة بن قيس فرسا على النّصْف، فَبلغ سهم الْفرس أَربع مائَة دِينَار، فَأخذ مِائَتَيْنِ، وَأعْطى صَاحبه مِائَتَيْنِ. فِيهِ يعلي: قَالَ غزوت مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] غَزْوَة تَبُوك، فَحملت على بكر فاستأجرت أَجِيرا، فقاتل رجلا، فعضّ أَحدهمَا الآخر، فَانْتزع يَده من فِيهِ، فَنزع ثنيتّه. الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك} مَقْصُود التَّرْجَمَة جَوَاز الْأُجْرَة على الْغَزْو، والإسهام للْأَجِير أَجْنَبِي عَنْهَا. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 (106 - (17) بَاب قَول النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] نصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر وَقَول الله عزّ وجلّ: {سنلقي فِي قُلُوب الَّذين كفرُوا الرعب بِمَا اشركوا بِاللَّه} [آل عمرَان: 151] . فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: بعثت بجوامع الْكَلم، ونصرت بِالرُّعْبِ، وَبينا أَنا نَائِم أُوتيت بمفاتيح خَزَائِن الأَرْض، فَوضعت فِي يَدي. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: وَقد ذهب النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَأَنْتُم تنتثلونها. وَفِيه ابْن عَبَّاس: إِن أَبَا سُفْيَان أخبرهُ، أَن هِرقل لما قَرَأَ كتاب رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كثر عِنْده الصخب، وَارْتَفَعت الْأَصْوَات، فخرجنا. فَقلت لِأَصْحَابِي: لقد أَمر امْر ابْن أبي كَبْشَة. إِنَّه يخافه ملك بني الْأَصْفَر. قلت: رَضِي الله عَنْك! مَوضِع التَّرْجَمَة من خبر أبي سُفْيَان قَوْله: " يخافه ملك بني الْأَصْفَر ". (107 - (18) بَاب من أَخذ بالركاب وَنَحْوه) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كل سلامي من النَّاس عَلَيْهِ صَدَقَة كلّ يَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 تطلع فِيهِ الشَّمْس. تعدل بَين اثْنَيْنِ صَدَقَة، وَتعين الرجل على دَابَّته فَيحمل عَلَيْهَا، أَو يرفع عَلَيْهَا مَتَاعه صَدَقَة. الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك {مَوضِع التَّرْجَمَة: " وَتعين الرجل على دابتّه فَيحمل عَلَيْهَا " فيندرج تَحْتَهُ الْأَخْذ بالركاب، لَا من جِهَة عُمُوم صِيغَة الْفِعْل فَإِنَّهُ مُطلق. وَلَكِن بِالْمَعْنَى المساوق. (108 - (19) بَاب السّفر بالمصاحف إِلَى أَرض الْعَدو) وَكَذَلِكَ يرْوى عَن مُحَمَّد بن بشر، عَن عبيد الله، عَن نَافِع عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَقد تَابعه ابْن إِسْحَاق عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَقد سَافر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَأَصْحَابه فِي أَرض الْعَدو، وهم يعلمُونَ الْقُرْآن. فِيهِ ابْن عمر: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] نهى أَن يُسَافر بِالْقُرْآنِ. قلت: رَضِي الله عَنْك} الِاسْتِدْلَال بسفر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَأَصْحَابه، وهم يعلّمون الْقُرْآن، على التَّرْجَمَة ضعيفٌ، لِأَنَّهَا وَاقعَة عين فلعلهم علموه تلقينا، وَهُوَ الْغَالِب حينئذٍ. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 (109 - (20) بَاب يكْتب للْمُسَافِر مَا كَانَ يعْمل فِي الْإِقَامَة) فِيهِ أَبُو بردة: إِنَّه اصطحب وَيزِيد بن أبي كَبْشَة فِي سفر، فَكَانَ يزِيد يَصُوم فِي السّفر فَقَالَ أَبُو بردة: سَمِعت أَبَا مُوسَى مرَارًا، يَقُول: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : إِذا مرض العَبْد أَو سَافر، كتب لَهُ مثل مَا كَانَ يعْمل مُقيما صَحِيحا. قلت: رَضِي الله عَنْك! حمله بَعضهم على النَّوَافِل، وَحجر وَاسِعًا. بل تدخل فِيهِ الْفَرَائِض الَّتِي شَأْنه أَن يعْمل بهَا وَهُوَ صَحِيح. إِذا عجز عَن جُمْلَتهَا، أَو عَن بَعْضهَا بِالْمرضِ كتب لَهُ أجر مَا عجز عَنهُ فعلا، لِأَنَّهُ قَامَ بِهِ عزماً أَن لَو كَانَ صَحِيحا، حَتَّى صَلَاة الْجَالِس فِي الْفَرْض لمرضه يكْتب لَهُ عَنْهَا أجر صَلَاة الْقيام. وَالله أعلم. وَظَاهر التَّرْجَمَة أَنه نزّله على إِطْلَاقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 (110 - (21) بَاب السّير بِاللَّيْلِ وَحده) فِيهِ جَابر: ندب النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] النَّاس يَوْم الخَنْدَق، فَانْتدبَ الزبير ثَلَاثًا. فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : إِن لكل نَبِي حواريّاً، وحواريّ الزبير. قَالَ سُفْيَان. الْحوَاري النَّاصِر. وَفِيه ابْن عمر: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : لَو يعلم النَّاس مَا فِي الْوحدَة مَا أعلم، مَا سَار رَاكب بلَيْل وَحده. قلت: رَضِي الله عَنْك! سير الزبير ليتجسس للْمُسلمين فالوحدة فِيهِ مَطْلُوبَة، بِخِلَافِهَا فِي السّفر. (111 - (22) بَاب الْجِهَاد بِإِذن الْأَبَوَيْنِ) فِيهِ عبد الله بن عمر: وَجَاء رجل إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فاستأذنه فِي الْجِهَاد. فَقَالَ: أَحَي والداك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: ففيهما فَجَاهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 قلت: رَضِي الله عَنْك {وَجه التَّرْجَمَة أَنه أثبت لَهما حق يقدّم على الْجِهَاد. وَالْقَاعِدَة أَن ذَا الْحق إِذْ أسقط حقّه سقط. (112 - (23) بَاب الأساري فِي السلَاسِل) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : عجب الله من قوم يدْخلُونَ الْجنَّة فِي السلَاسِل. قلت: رَضِي الله عَنْك} إِن كَانَ المُرَاد حَقِيقَة وضع السلَاسِل فِي الْأَعْنَاق، فالترجمة مُطَابقَة. وَإِن كَانَ المُرَاد الْمجَاز عَن الْإِكْرَاه، فَلَيْسَتْ مُطَابقَة. (113 - (24) بَاب فضل من أسلم من أهل الْكِتَابَيْنِ) فِيهِ أَبُو مُوسَى: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : ثَلَاثَة يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ: الرجل تكون لَهُ الْأمة فيعلمها، وَيحسن تعليمها، ويؤدبها فَيحسن أدبها، ثمَّ يعتقها فيتزوجها. وَمُؤمن أهل الْكتاب الَّذِي كَانَ مُؤمنا ثمَّ آمن بِالنَّبِيِّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَالْعَبْد يُؤَدِّي حق الله، وَينْصَح لسَيِّده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 ثمَّ قَالَ الشّعبِيّ: أعطيتكها بِغَيْر ثمن، وَقد كَانَ الرجل يرحل فِي أَهْون مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَة. قلت: رَضِي الله عَنْك {إِن قيل مُؤمن أهل الْكتاب لَا بُد أَن يكون مُؤمنا بِهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] للْعهد الْمُتَقَدّم والميثاق، فَإِذا بعث [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فإيمانه الأول يسْتَمر. فَكيف يعدد حَتَّى يَتَعَدَّد أجره. قلت: رَضِي الله عَنْك} إيمَانه الأل بِأَن الْمَوْصُوف كَذَا رَسُول. ثَانِيًا أَن مُحَمَّدًا [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] هُوَ الْمَوْصُوف، وهما معلومان متباينان. (114 - (25) بَاب أهل الدَّار يبيتُونَ، فيصاب الْولدَان والذرارى نياماً لَيْلًا) فِيهِ الصعب: مر نَبِي الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بالأبواء، أَو بودان. وَسُئِلَ عَن أهل الدَّار يبيتُونَ من الْمُشْركين، فيصاب من نِسَائِهِم وذراريهم. قَالَ: هم مِنْهُم. وسمعته يَقُول: لَا حمى إِلَّا لله وَلِرَسُولِهِ. قلت: رَضِي الله عَنْك! الْعجب لزيادته فِي التَّرْجَمَة " نياماً " وَمَا هُوَ فِي الحَدِيث، إِلَّا ضمنا، لِأَن الْغَالِب أَنهم إِذا وَقع بهم فِي اللَّيْل، لم يخلوا من نَائِم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 وَمَا الْحَاجة إِلَى كَونهم نياماً وأيقاظاً، وهم سَوَاء إِلَى أَن قَتلهمْ نياماً أَدخل فِي الغيلة؟ فنبّه على جَوَازهَا فِي مثل هَذَا. (115 - (26) بَاب إِذا حرق الْمُشرك الْمُسلم هَل يحرق؟) فِيهِ أنس: إِن رهطاً من عكل ثَمَانِيَة، قدمُوا على النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فاجتووا الْمَدِينَة، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله ابغنا رسلًا فَقَالَ: مَا أَجِدكُم إِلَّا أَن تلحقوا بالذود. فَانْطَلقُوا فَشَرِبُوا من أبوالها وَأَلْبَانهَا، حَتَّى صحوا، وَقتلُوا الرَّاعِي - إِلَى قَوْله فَقطع أَيْديهم وأرجلهم، ثمَّ أَمر بمسامير فأحميت وكحلهم بهَا - الحَدِيث. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قرصت نملة نَبيا فَأمر بقرية النَّمْل فأحرقت. فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ، أَن قرصتك نملة أحرقت أمة من الْأُمَم تسبّح. قلت: رَضِي الله عَنْك! كَأَنَّهُ جمع بَين حَدِيث: " لَا تعذبوا بِعَذَاب الله "، وَبَين هَذَا، فَحمل الأوّل على غير سَبَب. وَحمل الثَّانِي على مُقَابلَة السَّيئَة بِمِثْلِهَا من الْجِهَة الْعَامَّة، وَإِن لم تكن من نوعها الْخَاص. وَإِلَّا فَمَا فِي الحَدِيث أَن الرَّهْط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 فعلوا بالرعاء ذَلِك. وَهُوَ أحسن من تَقْدِير ابْن بطال عَلَيْهِ أَنه اسْتِدْلَال أولويّ لأَنهم إِذا سملوا وَلم يَفْعَلُوا، فَأولى لَهُم إِذا فعلوا. (116 - (27) بَاب حرق الدّور والنخيل) فِيهِ جرير قَالَ: قَالَ لي النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " أَلا تريحني من ذى الخلصة. - وَكَانَ بَيْتا فِي خثعم، يسمىّ كعبة اليمانية - قَالَ: فَانْطَلَقت فِي خمسين وَمِائَة فَارس من أحمس، وَكَانُوا أَصْحَاب خيل وَكنت لَا أثبت على الْخَيل، فَضرب فِي صَدْرِي] حَتَّى رَأَيْت أثر أَصَابِعه فِي صَدْرِي [وَقَالَ اللَّهُمَّ ثبّته، واجعله هادياً مهدياً! فَانْطَلق إِلَيْهَا فَكَسرهَا وحرقها. وَبعث إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِخَبَرِهِ، فَقَالَ رَسُول جرير: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ، مَا جئْتُك حَتَّى تركتهَا كَأَنَّهَا جمل أجوف أَو أجرب. قَالَ: فَبَارك فِي خيل أحمس ورجالها خمس مرّات. وَفِيه ابْن عمر: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حرّق نخل بني النَّضِير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 قلت: رَضِي الله عَنْك {التَّرْجَمَة أعمّ إِذْ المحرق بَيت الصَّنَم فَلم تحرق بيُوت السُّكْنَى. (117 - (28) بَاب قتل الْمُشرك النَّائِم) فِيهِ الْبَراء: بعث النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] رهطاً من الْأَنْصَار إِلَى أبي رَافع ليقتلوه، فَانْطَلق رجل مِنْهُم فَدخل حصنهمْ، قَالَ: فَدخلت فِي مربط دوابّ لَهُم. فَخَرجُوا يطلبونه فَخرجت فِيمَن خرج أريهم أَنى أَن أطلبه مَعَهم، فوجدوا الْحمار، فَدَخَلُوا وَدخلت. وَأَغْلقُوا بَاب الْحصن فوضعوا المفاتيح فِي كوَّة حَيْثُ أَرَاهَا. فَلَمَّا نَامُوا أخذت المفاتيح ففتحت بَاب الْحصن. ثمَّ دخلت عَلَيْهِ فَقلت: يَا أَبَا رَافع} فَأَجَابَنِي فتعمدت الصَّوْت فضربته، فصاح فَخرجت ثمَّ رجعت كَأَنِّي مغيث. فَقلت: يَا أَبَا رَافع! وغيّرت صوتي. فَقَالَ: مَالك، لأمك الويل. فَقلت: مَا شَأْنك؟ قَالَ: لَا أَدْرِي من دخل علىّ فضربني؟ قَالَ: فَوضعت سَيفي فِي بَطْنه ثمَّ تحاملت عَلَيْهِ حَتَّى قرع الْعظم. ثمَّ خرجت، وَأَنا دهش. فَأتيت سلما لَهُم، لأنزل مِنْهُ فَوَقَعت. فوثئت رجْلي فَخرجت إِلَى أَصْحَابِي فَقلت لَهُم: مَا أَنا ببارح حَتَّى أسمع الواعية فَمَا بَرحت حَتَّى سَمِعت نعاء أبي رَافع تَاجر أهل الْحجاز فَقُمْت وَمَا بِي قلبة حَتَّى أتيت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَأَخْبَرنَاهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وَقَالَ الْبَراء: إِن عبد الله بن عتِيك دخل عَلَيْهِ بَيته وَهُوَ نَائِم. قلت: رَضِي الله عَنْك {يَعْنِي بالنائم المضطجع، لَا خلاف الْيَقظَان، وَإِلَّا فَلَا مُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث. (118 - (29 بَاب الْكَذِب فِي الْحَرْب) فِيهِ جَابر: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من لكعب بن الْأَشْرَف؟ فَإِنَّهُ قد آذَى الله وَرَسُوله؟ قَالَ مُحَمَّد بن مسلمة: أَتُحِبُّ أَن أَقتلهُ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: نعم} قَالَ فَأَتَاهُ، فَقَالَ: إِن هَذَا - يَعْنِي مُحَمَّدًا النَّبِي - قد عنّانا وَسَأَلنَا الصَّدَقَة. قَالَ: وَأَيْضًا وَالله] لتملّنه [قَالَ: فَإنَّا قد اتبعناه ونكره أَن ندعه حَتَّى نَنْظُر إِلَى مَا يصير أمره قَالَ: لم يزل يكلمهُ حَتَّى استمكن فَقتله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 قلت: رَضِي الله عَنْك {. التَّرْجَمَة غير مخلصة إِذْ يُمكن جعله تعريضاً. فَإِن قَوْله: " عنّانا أَي كلفنا. والأوامر والنواهي تكاليف. " وَسَأَلنَا الصَّدَقَة " أَي طلبَهَا منا بِأَمْر الله سُبْحَانَهُ. " ونكره أَن ندعه حَتَّى نَنْظُر مَا يصير أمره " مَعْنَاهُ: نكره الْعُدُول عَنهُ مُدَّة بَقَائِهِ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . فَمَا فِيهِ دَلِيل على جَوَاز الْكَذِب الصَّرِيح، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ فِي المعاريض مندوحة. (119 - (30) بَاب من لَا يثبت على الْخَيل.) فِيهِ جرير: مَا حجبني النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مُنْذُ أسلمت وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسم فِي وَجْهي وَلَقَد شَكَوْت إِلَيْهِ إِنِّي لَا أثبت على الْخَيل، فَضرب فِي صَدْرِي وَقَالَ: " اللَّهُمَّ ثبته واجعله هادياً مهدياً ". قلت: رَضِي الله عَنْك} وَجه دُخُول التَّرْجَمَة فِي الْأَحْكَام أَن الحَدِيث يدلّ على فَضِيلَة ركُوب الْخَيل والثبوت عَلَيْهَا. وَلَوْلَا ذَلِك لما دَعَا بِهِ. (120 - (31) بَاب من رأى العدّو فَنَادَى بِصَوْتِهِ:] يَا صَبَاحَاه [حَتَّى يسمع النَّاس.) فِيهِ سَلمَة: خرجت من الْمَدِينَة ذَاهِبًا نَحْو الغابة حَتَّى إِذْ كنت بثنية الغابة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 لَقِيَنِي غُلَام لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقلت: وَيحك مَالك؟ فَقَالَ: أخذت لقاح النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . قلت: من أَخذهَا؟ قَالَ: غطفان وفزارة. فصرخت ثَلَاث صرخات أسمعت مَا بَين لابتيها] يَا صَاحِبَاه يَا صَاحِبَاه [، ثمَّ اندفعت حَتَّى ألقاهم وَقد أخذوها، فَجعلت أرميهم وَأَقُول: " أَنا ابْن الْأَكْوَع وَالْيَوْم يَوْم الرضع فاستنقذتها مِنْهُم قبل أَن يشْربُوا، فَأَقْبَلت] بهَا أسوقها [. فلقيني النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقلت: يَا رَسُول الله {إِن الْقَوْم عطاش وَإِنِّي أعجلتهم أَن يشْربُوا سقيهم فَابْعَثْ فِي إثرهم. فَقَالَ: يَا ابْن الْأَكْوَع ملكت فَأَسْجِحْ، إِن الْقَوْم يقرونَ فِي قَومهمْ. قلت: رَضِي الله عَنْك} موضعهَا من الْفِقْه أَن هَذِه الدعْوَة لَيست من دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة المنهى عَنْهَا: إِمَّا لِأَنَّهَا استغاثة على الْكفَّار. وَإِمَّا لِأَنَّهَا استغاثة عَامَّة لَا تنتدب فِيهَا قَبيلَة مَخْصُوصَة. (121 - (32) بَاب من قَالَ: أَنا ابْن فلَان) وَقَالَ سَلمَة: خذوها، وَأَنا ابْن الْأَكْوَع. فِيهِ الْبَراء: أمّا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم يول يَوْم حنين. كَانَ أَبُو سُفْيَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 آخِذا بعنان بغلته، فلمّا غشيه الْمُشْركُونَ نزل، فَجعل يَقُول: أَنا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لَا كذب، أَنا ابْن عبد الْمطلب. فَمَا رئى فِي النَّاس يَوْمئِذٍ أَشد مِنْهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . قلت: رَضِي الله عَنْك {موضعهَا من الْفِقْه أَنَّهَا خَارِجَة عَن الافتخار المنهى عَنهُ لاقْتِضَاء الْحَال. ذَلِك خلاف إنكارها على الْقَائِل: " أَنا فَجعل يَقُول: أَنا أَنا ". (122 - (33) بَاب إِذا نزل العدّو على حكم رجل) فِيهِ أَبُو سعيد: لما نزلت بَنو قُرَيْظَة على حكم سعد] هُوَ [ابْن معَاذ بعث النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَكَانَ قَرِيبا مِنْهُ - فجَاء على حمَار، فَلَمَّا دنا قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : قومُوا إِلَى سيدكم، فجَاء فَجَلَسَ إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَقَالُوا: إِن هَؤُلَاءِ قد نزلُوا على حكمك. فَقَالَ فإنى أحكم أَن تقتل الْمُقَاتلَة، وَأَن تسبي الذريّة. قَالَ لقد حكمت فيهم بِحكم الْملك. قلت: رَضِي الله عَنْك} مَوضِع التَّرْجَمَة من الْفِقْه لُزُوم حكم الْمُحكم برضى الْخَصْمَيْنِ، وَإِن لم ينْتَصب عُمُوما. (123 - (34) بَاب الْحَرْبِيّ إِذا دخل دَار الْإِسْلَام بِغَيْر أَمَان) فِيهِ سَلمَة: أَتَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عين من الْمُشْركين، وَهُوَ فِي سفر، فَجَلَسَ عِنْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 أَصْحَابه فَتحدث ثمَّ انْفَتَلَ، فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : اطلبوه واقتلوه، فَقتلته فنفلني سلبه. قلت: رَضِي الله عَنْك {التَّرْجَمَة أعمّ لِأَن الجاسوس حكمه غير حكم الْحَرْبِيّ الْمُطلق الدَّاخِل بِغَيْر أَمَان. (124 - (35) بَاب التجمل للوفود) فِيهِ ابْن عمر: وجد عمر حلَّة من استبرق تبَاع فِي السُّوق. فَقَالَ: يَا رَسُول الله ابتع هَذِه الْحلَّة فتجمل بهَا للوفد والعيد. فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : إِنَّمَا هَذِه لِبَاس من لَا خلاق لَهُ. فَلبث مَا شَاءَ الله، ثمَّ أرسل إِلَيْهِ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بجبّة ديباج فَأقبل بهَا عمر إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: يَا رَسُول الله} قلت إِنَّمَا هَذِه لِبَاس من لَا خلاق لَهُ. ثمَّ أرْسلت إلىّ بِهَذِهِ. قَالَ. تبيعها أَو تصيب بعض حَاجَتك. قلت: رَضِي الله عَنْك! مَوضِع التَّرْجَمَة أَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مَا أنكر عَلَيْهِ طلبه للتجمل وَإِنَّمَا الْمُنكر التجمل بِهَذِهِ الْأَصْنَاف المنهى عَنْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 (125 - (36) بَاب كَيفَ يعرض الْإِسْلَام على الصَّبِي؟) وَذكر حَدِيث ابْن عمر: أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أقبل فِي رَهْط قبل ابْن صياد حَتَّى وجده يلْعَب مَعَ الغلمان. وَذكر الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك {فَائِدَة صِحَة الْعرض عَلَيْهِ اعْتِبَار إِسْلَامه وكفره. وَهل هُوَ اعْتِبَار مُطلق أَو مُقَيّد مُخْتَلف فِيهِ؟ (126 - (37) بَاب إِذا أسلم قوم فِي دَار الْحَرْب، وَلَهُم مَال وأرضون فَهِيَ لَهُم) فِيهِ أَبُو أُسَامَة: قلت يَا رَسُول الله أَيْن تنزل غَدا فِي حجَّته؟ قَالَ: وَهل ترك لنا عقيل منزلا؟ ثمّ قَالَ: نَحن نازلون غَدا بخيف بني كنَانَة المحصب حَيْثُ تقاسمت قُرَيْش على الْكفْر. وَذَلِكَ أَن بني كنَانَة حالفت قُريْشًا على بني هَاشم، أَن لَا يبايعوهم وَلَا يؤووهم. قَالَ الزُّهْرِيّ: والخيف، الْوَادي. وَفِيه عمر: إِنَّه اسْتعْمل مولى لَهُ يدعى هنياً على الْحمى. فَقَالَ: يَا هنى} اضمم جناحك عَن الْمُسلمين، وَاتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم، فَإِنَّهَا مستجابة. وَأدْخل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 رب الصريمة وَالْغنيمَة وإياي وَنعم ابْن عَوْف وَابْن عَفَّان، فَإِنَّهُمَا إِن تهْلك ماشيتهما يرجعا إِلَى نخل وَزرع. وَإِن رب الصريمة وَالْغنيمَة إِن تهْلك ماشيتهما يأتني ببنيه فَيَقُول يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ أفأتركهم أَنا، لَا أبالك. فالماء والكلأ أيسر على من الذَّهَب وَالْوَرق. وأيم الله إِنَّهُم ليروني إِنِّي قد ظلمتهم إِنَّهَا لبلادهم قَاتلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، وَأَسْلمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَام. وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا المَال الَّذِي أحمل عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله، مَا حميت عَلَيْهِم من بِلَادهمْ شبْرًا. قلت: رَضِي الله عَنْك! مُطَابقَة التَّرْجَمَة للْحَدِيث الأول على وَجْهَيْن: إِمَّا أَن يكون النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] سُئِلَ هَل ينزل بداره بِمَكَّة؟ وَهُوَ مُبين فِي بعض الحَدِيث وَقَوله: " وَهل ترك لنا عقيل منزلا "؟ بَين لِأَنَّهُ إِذا ملك مَا استولى عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة من ملك النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَكيف لَا يملك مَا لم يزل لَهُ ملكا أَصَالَة؟ وَإِمَّا أَن يكون سُئِلَ هَل يتْرك من منَازِل مَكَّة شَيْئا، لِأَنَّهَا فتحت عنْوَة؟ فبيّن أَنه منّ على أَهلهَا بِأَنْفسِهِم وَأَمْوَالهمْ فتستقر أملاكهم عَلَيْهَا كَمَا كَانَت. وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فَأهل مَكَّة مَا أَسْلمُوا على أملاكهم، وَلَكِن منّ عَلَيْهِم ثمَّ أَسْلمُوا فَإِذا ملكوا وهم كفار بالمنّ، فَملك من أسلم قبل الِاسْتِيلَاء أولى. وَأما حَدِيث عمر فِي الْمَدِينَة فمطابق للتَّرْجَمَة مُطَابقَة مبينَة، غير أَن عبد الرَّحْمَن وَعُثْمَان لم يَكُونَا من أهل الْمَدِينَة، وَلَا دخلا فِي قَوْله: " قَاتلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، وَأَسْلمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَام ". فَالْكَلَام عَائِد على أهل الْمَدِينَة لَا عَلَيْهِمَا. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 (127 - (38) بَاب كِتَابَة الإِمَام النَّاس) فِيهِ حُذَيْفَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : اكتبوا لي من تلفّظ بِالْإِسْلَامِ من النَّاس. فكتبنا لَهُ ألفا وَخَمْسمِائة رجل فَقُلْنَا لَهُ: نَخَاف وَنحن ألف وَخَمْسمِائة رجل؟ فَلَقَد رَأَيْتنَا ابتلينا حَتَّى إِن الرجل ليُصَلِّي وَحده وَهُوَ خَائِف. رَوَاهُ سُفْيَان عَن الْأَعْمَش. وروى أَبُو حَمْزَة عَن الْأَعْمَش: خَمْسمِائَة وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَة: مَا بَين سِتّمائَة إِلَى سَبْعمِائة. وَفِيه ابْن عَبَّاس: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَقَالَ: يَا رَسُول الله {إِنِّي كتبت غَزْوَة كَذَا وَكَذَا، وامرأتي حَاجَة. قَالَ ارْجع فحجّ مَعَ امْرَأَتك. قلت: رَضِي الله عَنْك} مَوضِع التَّرْجَمَة من الْفِقْه أَن لَا يتخيل أَن كِتَابَته النَّاس إحصاء لعددهم وَقد تكون ذَرِيعَة لارْتِفَاع الْبركَة مِنْهُم، كَمَا ورد فِي الدَّعْوَات على الْكفَّار: اللَّهُمَّ أحصهم عددا " أَي ارْفَعْ الْبركَة مِنْهُم ". فَإِنَّمَا خرج هَذَا من هَذَا النَّحْو لِأَن الْكِتَابَة لمصْلحَة دينية. والمؤاخذة الَّتِي وَقعت، لَيست من نَاحيَة الْكِتَابَة وَلَكِن من إعجابهم بكثرتهم، فأدبوا بالخوف الْمَذْكُور فِي الحَدِيث. ثمَّ إِن التَّرْجَمَة تطابق الْكِتَابَة الأولى وَأما هَذِه الثَّانِيَة فكتابة خَاصَّة لقوم بأعيانهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 (128 - (39) بَاب إِن الله يُؤَيّد الدّين بِالرجلِ الْفَاجِر) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: شَهِدنَا مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ لرجل مِمَّن يَدعِي الْإِسْلَام: هَذَا من أهل النَّار. فقاتل الرجل قتالاً شَدِيدا، فأصابته جِرَاحَة فَلم يصبر فَقتل نَفسه فَقَالَ: أشهد أَنِّي عبد الله وَرَسُوله {وَأمر بِلَالًا يُنَادي فِي النَّاس، أَنه لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا نفس مسلمة، وَأَن الله ليؤيد هَذَا الدّين بِالرجلِ الْفَاجِر. قلت: رَضِي الله عَنْك} مَوضِع التَّرْجَمَة من الْفِقْه أَن لَا يتخيل فِي الإِمَام وَالسُّلْطَان الْفَاجِر إِذا حمى حوزة الْإِسْلَام أَنه مطرح النَّفْع فِي الدّين لفجوره، فَيخرج عَلَيْهِ ويخلع، لِأَن الله قد يُؤَيّد دينه بِهِ، فَيجب الصَّبْر عَلَيْهِ والسمع وَالطَّاعَة لَهُ، فِي غير الْمعْصِيَة. وَالله أعلم. وَمن هَذَا الْوَجْه اسْتِحْسَان الدُّعَاء للسلاطين بالتأييد والنصر، وَغير ذَلِك من الْخَيْر، من حَيْثُ تأييدهم للدّين، لَا من حَيْثُ أَحْوَالهم الْخَارِجَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 (129 - (40) بَاب من تكلم بِالْفَارِسِيَّةِ والرطانة وَقَوله تَعَالَى: {وَاخْتِلَاف أَلْسِنَتكُم وألوانكم} [الرّوم: 22] . فِيهِ جَابر: قلت: يَا رَسُول الله ذبحنا بَهِيمَة لنا، وطحنت صَاعا من شعير، فتعال أَنْت وَنَفر. فصاح النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : يَا أهل الخَنْدَق! إِن جَابِرا قد صنع سؤراً فحىّ هلا بكم. وَفِيه أم خَالِد: أتيت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مَعَ أبي وعلىّ قَمِيص أصفر. فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " سنه سنه ". قَالَ ابْن الْمُبَارك: وَهِي بالحبشية: حَسَنَة. قَالَت: فَذَهَبت أَلعَب بِخَاتم النُّبُوَّة. فزبرني أبي. فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : أبلى وأخلقي ثَلَاث مَرَّات] قَالَ عبد الله [فَبَقيت حَتَّى ذكر. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: أَن الْحسن بن على أَخذ تَمْرَة من تمر الصَّدَقَة، فَجَعلهَا فِي فِيهِ فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]] بِالْفَارِسِيَّةِ [: كخ كخ. أما تعرف أَنا لَا نَأْكُل الصَّدَقَة. (السؤر: الْوَلِيمَة بِالْفَارِسِيَّةِ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 قلت: رَضِي الله عَنْك {مَوضِع التَّرْجَمَة فِي الحَدِيث مُطَابق إِلَّا قَوْله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : ". وَوجه مناسبته فِي الْجُمْلَة أَنه خاطبه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِمَا يفهم مِمَّا لَا يتَكَلَّم بِهِ الرجل. فَهُوَ كمخاطبته العجمي بِمَا يفهمهُ من لغته. (130 _ (41) بَاب مَا يكره من ذبح الْإِبِل وَالْغنم فِي الْغَنَائِم) نَافِع: كُنَّا مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِذِي الحليفة، فَأصَاب النَّاس جوعٌ، وأصبنا وَكَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي أخريات النَّاس - فعجلوا فنصبوا الْقُدُور، فَأمر بالقدور فأكفيت ثمَّ قسم، فَعدل عشرَة عشرَة من الْغنم بِبَعِير،، وَفِي الْقَوْم خيل يسيرَة، فطلبوه فأعياهم فَأَهوى إِلَيْهِ رجل بِسَهْم. فَقَالَ: هَذِه الْبَهَائِم لَهَا أوابد كأوابد الْوَحْش. قلت: رَضِي الله عَنْك} وَجه الْمُطَابقَة انه أكفأ الْقُدُور، لِأَن الذّبْح كَانَ تعدّيا على حق الْغَيْر. وَقد ذهب بعض الْعلمَاء إِلَى أَن الْمَذْبُوح تعدّيا سَرقَة أَو غصبا ميتَة وَله انتصر البُخَارِيّ. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 (131 - (42) بَاب إِذا اضْطر الرجل إِلَى النّظر فِي شُعُور أهل الذِّمَّة وَالْمُؤْمِنَات إِذا عصين الله، وتجريدهن.) فِيهِ أَبُو عبد الرَّحْمَن: وَكَانَ عثمانياً، قَالَ لِابْنِ عَطِيَّة، وَكَانَ علوياً: إِنِّي لَا أعلم مَا الَّذِي جرأ صَاحبك على الدِّمَاء، سمعته يَقُول: بَعَثَنِي النَّبِي وَالزُّبَيْر فَقَالَ: ائْتُوا رَوْضَة خَاخ تَجِدُونَ بهَا امْرَأَة أَعْطَاهَا حَاطِب كتابا، فأتينا الرَّوْضَة فَقُلْنَا: الْكتاب؟ فَقَالَت: لم يُعْطِنِي. فَقُلْنَا: لتخرجنّ أَو لنجرّدنك، فأخرجت من حجزَتهَا. الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك {مَا فِي الحَدِيث دَلِيل على أَنَّهَا كَانَت مُؤمنَة وَلَا ذِمِّيَّة وَلَكِن لما اسْتَوَى حكمهَا فِي حُرْمَة الْفَاحِشَة وَالنَّظَر لغير الْحَاجة، شملها الدَّلِيل. (24 -] كتاب فرض الْخمس [) (132 - (1) بَاب أَدَاء الْخمس من الدّين) فِيهِ ابْن عَبَّاس: قدم وَفد عبد الْقَيْس، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله} إِن هَذَا الْحَيّ من ربيعَة، وبيننا وَبَيْنك كفار مُضر، فلسنا نصل إِلَيْك إِلَّا فِي الشَّهْر الْحَرَام. فمرنا بِأَمْر نَأْخُذ بِهِ وندعوا إِلَيْهِ من وَرَائِنَا. فَقَالَ آمركُم بِأَرْبَع، وأنهاكم عَن أَربع: الْإِيمَان بِاللَّه، شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَعقد بيدَيْهِ، وإقام الصَّلَاة، وإيتاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 الزَّكَاة، وَصِيَام رَمَضَان، وَأَن تُؤَدُّوا لله خمس مَا غَنِمْتُم. وأنهاكم عَن الدُّبَّاء والنقير والحنتم والمزفت. قَالَ الْفَقِيه - وَفقه الله -: وَترْجم عَلَيْهِ " أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان "، وَفَائِدَة الْجمع بَين الترجمتين: إِن قَدرنَا الْإِيمَان قَول وَعمل دخل " أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان ". وَإِن قُلْنَا: إِنَّه التَّصْدِيق بِاللَّه دخل أَدَاؤُهُ فِي الدّين. وَهُوَ عِنْدِي فِي لفظ هَذَا الحَدِيث خَارج عَن الْإِيمَان دَاخل فِي الدّين لِأَنَّهُ ذكر أَربع خِصَال: أَولهَا الصَّلَاة، وَآخِرهَا أَدَاء الْخمس، دلّ أَنه لم يعن بالأربع إِلَّا هَذِه الْفُرُوع. وَأما الْإِيمَان الَّذِي أبدل مِنْهُ الشَّهَادَة، فخارج عَن الْعدَد. فَلَو جعل الْإِيمَان بَدَلا من الْأَرْبَع لاختل الْكَلَام أَيْضا. وَالَّذِي يخلص من ذَلِك كُله إِخْرَاج الْإِيمَان من الْأَرْبَع، وَجعل الشَّهَادَة بَدَلا مِنْهُ. وَكَأَنَّهُ قَالَ: آمركُم بِأَرْبَع أَصْلهَا الْإِيمَان الَّذِي هُوَ الشَّهَادَة. ثمَّ اسْتَأْنف بَيَان الْأَرْبَع، كَأَنَّهُ قَالَ: والأربع إقَام الصَّلَاة، إِلَى آخِره. وَلَا يَنْتَظِم الْكَلَام إِلَّا كَذَلِك. وَالله أعلم. (133 - (2) بَاب نَفَقَة نسَاء النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعد وَفَاته) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : لَا تقتسم ورثتي دِينَارا. مَا تركت بعد نَفَقَة نسَائِي، وَمؤنَة عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَة. وَفِيه عَائِشَة: توفّي النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَمَا فِي بَيْتِي من شَيْء يَأْكُلهُ ذُو كبد، إِلَّا شطر شعير فِي رف لي، فَأكلت مِنْهُ حَتَّى طَال عليّ، فكلته ففنى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وَفِيه عَمْرو بن الْحَارِث: مَا ترك النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَّا سلاحه، وَبغلته الْبَيْضَاء، وأرضاً تَركهَا صَدَقَة. قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة لحَدِيث عَائِشَة. قَوْلهَا: " فَأكلت مِنْهُ حَتَّى طَال عليّ فكلته ففنى ". وَلم تذكر أَنَّهَا أَخَذته فِي نصِيبهَا. إِذْ لَو لم تكن لَهَا النَّفَقَة مُسْتَحقَّة لَكَانَ الشّعير الْمَوْجُود لبيت المَال، أَو مقسوماً بَين الْوَرَثَة، وَهِي إِحْدَاهُنَّ. وَوجه مطابقتها للْحَدِيث الَّذِي بعده قَوْله: " وأرضاً تَركهَا صَدَقَة "، لِأَنَّهَا الأَرْض الَّتِي أنْفق على نِسَائِهِ مِنْهَا بعد وَفَاته [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، على مَا هُوَ مشروح فِي الحَدِيث. (134 - (3) بَاب مَا جَاءَ فِي بيُوت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَمَا ينْسب من الْبيُوت إلَيْهِنَّ وَقَوله تَعَالَى: {وَقرن فِي بيوتكن وَلَا تبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى} [الْأَحْزَاب: 33] وَقَوله: {لَا تدْخلُوا بيُوت النَّبِي إِلَّا أَن يُؤذن لكم} [الْأَحْزَاب: 53] . فِيهِ عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا -: لما ثقل النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] اسْتَأْذن أَزوَاجه أَن يمرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 فِي بَيْتِي فَأذن لَهُ. وَقَالَت: توفّي النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي بَيْتِي، وَفِي نوبتي، وَبَين سحرِي وَنَحْرِي، وَجمع الله بَين ريقي وريقه. وَفِيه صَفِيَّة: أَنَّهَا جَاءَت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] تزوره، وَهُوَ معتكف فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان، ثمَّ قَامَت تنْقَلب وَقَامَ مَعهَا] رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] [حَتَّى إِذا بلغ قَرِيبا من بَاب الْمَسْجِد، عِنْد بَاب أم سَلمَة زوج النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . الحَدِيث. وَفِيه ابْن عمر: ارتقيت فَوق بَيت حَفْصَة. وَفِيه عَائِشَة: كَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يصليّ الْعَصْر، وَالشَّمْس لم تخرج من حُجْرَتهَا. وَفِيه ابْن عمر: قَامَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] خَطِيبًا فَأَشَارَ نَحْو مسكن عَائِشَة فَقَالَ: الْفِتْنَة هَهُنَا - ثَلَاثًا - من حَيْثُ يطلع قرن الشَّيْطَان. وَفِيه عَائِشَة: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ عِنْدهَا، وَإِنَّهَا سَمِعت إنْسَانا يسْتَأْذن فِي بَيت حَفْصَة. الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه دُخُول التَّرْجَمَة فِي الْفِقْه، أَن سكناهن فِي بيُوت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من الخصائص كَمَا استحققن النَّفَقَة. والسر فِي ذَلِك حبسهن عَلَيْهِ أبدا. وسَاق البُخَارِيّ الْأَحَادِيث الَّتِي تنْسب إلَيْهِنَّ الْبيُوت فِيهَا تَنْبِيها على أَن هَذِه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 النِّسْبَة تحقق دوَام استحقاقهن للبيوت مَا بَقينَ. وَالله أعلم. (135 - (4) بَاب مَا ذكر من درع النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَعَصَاهُ وسيفه، وقدحه، وخاتمه، وَمَا اسْتعْمل الْخُلَفَاء بعده من ذَلِك مِمَّا لم تذكر قسمته، وَمن شعره وَنَعله، وآنيته مِمَّا يتبرك أَصْحَابه وَغَيرهم بعد وَفَاته.) فِيهِ أنس: إِن أَبَا بكر لما اسْتَخْلَفَهُ بَعثه إِلَى الْبَحْرين، وَكتب لَهُ هَذَا الْكتاب] وختمه بِخَاتم النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] [وَكَانَ نقش الْخَاتم ثَلَاثَة أسطر: مُحَمَّد سطر، وَرَسُول سطر، وَالله سطر. وَفِيه أنس: إِنَّه أخرج نَعْلَيْنِ جرداوين لَهما قبالان، وهما نعلا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . وَفِيه أَبُو بردة: أخرجت إِلَيْنَا عَائِشَة كسَاء ملبّداً. وَقَالَت: فِي هَذَا نزع روح - النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-. وَقَالَ مرّة: أخرجت إِلَيْنَا إزاراً غليظاً مِمَّا يصنع بِالْيمن وَكسَاء ملبّداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 وَفِيه أنس: إِن قدح النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] انْكَسَرَ، فَاتخذ مَكَان الشّعب سلسلة من فضّة. وَفِيه عَليّ بن حُسَيْن: إِنَّه لقى الْمسور بن مخرمَة حِين قدمُوا الْمَدِينَة من عِنْد يزِيد مقتل الْحُسَيْن بن عَليّ. فَقَالَ الْمسور: هَل لَك إليّ من حَاجَة تَأْمُرنِي بهَا فَقلت لَهُ: لَا. فَقَالَ: هَل أَنْت معطى سيف النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَإِنِّي أَخَاف أَن يَغْلِبك الْقَوْم عَلَيْهِ. وأيم الله لَئِن أعطيتنيه لأتخلص إِلَيْهِ أبدا حَتَّى تبلغ نَفسِي. إِن علىّ بن أبي طَالب خطب ابْنة أبي جهل على فَاطِمَة، فَسمِعت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يخْطب النَّاس فِي ذَلِك على منبره، وَأَنا يؤمئذ محتلم. فَقَالَ: إنّ فَاطِمَة مني، وَأَنا أَخَاف أَن تفتن فِي دينهَا. إِلَى قَوْله: " وَالله لَا تَجْتَمِع ابْنة رَسُول الله وَابْنَة عَدو الله أبدا ". وَفِيه ابْن الْحَنَفِيَّة: قَالَ: لَو كَانَ عليّ ذَاكِرًا عُثْمَان، ذكره يَوْم جَاءَ أنَاس فشكوا إِلَيْهِ سعاة عُثْمَان، فَقَالَ لي عليّ: اذْهَبْ إِلَى عُثْمَان فَأخْبرهُ أَنَّهَا صَدَقَة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَمر سعادتك يعْملُونَ بهَا، فَأَتَيْته بهَا. فَقَالَ: اغنها عنّا. فَأتيت بهَا عليّا فَأَخْبَرته فَقَالَ: ضعها حَيْثُ أَخَذتهَا. وَقَالَ ابْن الحنيفية أَيْضا: أَرْسلنِي أبي، خُذ هَذَا الْكتاب فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى عُثْمَان، فإنّ فِيهِ أَمر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِالصَّدَقَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه دُخُول التَّرْجَمَة وأحاديثها فِي الْفِقْه تَحْقِيق أَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم يُورث وَأَن آلاته بقيت عِنْد من وصلت إِلَيْهِ للتبرك. وَلَو كَانَت مِيرَاثا لاقتسمها ورثته. (136 - (5) بَاب قَوْله تَعَالَى: {فَإِن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ} [الْأَنْفَال: 41] يعْنى للرسول قسم ذَلِك. قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إِنَّمَا أَنا قَاسم وخازن. وَالله يُعْطي ". فِيهِ جَابر: ولد لرجل منا من الْأَنْصَار غُلَام، فَأَرَادَ أَن يُسَمِّيه مُحَمَّدًا، فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . سموا باسمي وَلَا تكنوا بكنيتي. إِنَّمَا جعلت قاسماً وَبعثت قاسماً. أقسم بَيْنكُم. وَقَالَ جَابر: ولد لرجل منا غُلَام، فَسَماهُ الْقَاسِم. فَقَالَت الْأَنْصَار: لَا نكنيك أَبَا الْقَاسِم وَلَا ننعمك عينا. فاخبر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: أَحْسَنت الْأَنْصَار، سمّوا باسمي وَلَا تكنوا بكنيتي. فَإِنَّمَا أَنا قَاسم. وَفِيه مُعَاوِيَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : من يرد الله بِهِ خيرا يفقّهه فِي الدّين. وَالله الْمُعْطِي، وَأَنا الْقَاسِم. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة، عَن النَّبِي _[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : إِنَّمَا أَنا قَاسم أَضَع حَيْثُ أمرت. وَفِيه خَوْلَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : إنّ رجَالًا يتخوّضون فِي مَال الله بِغَيْر حق، فَلهم النَّار يَوْم الْقِيَامَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 قلت: رَضِي الله عَنْك {وَجه مُطَابقَة الْأَحَادِيث لِلْآيَةِ تَحْقِيق أَن المُرَاد فِيهَا بِذكر الرَّسُول -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إِنَّمَا هُوَ تولّيه للْقِسْمَة، لَا لِأَنَّهُ يملك خمس الْخمس، كَمَا قَالَه بعض الْعلمَاء، لِأَنَّهُ حصر حَاله فِي الْقِسْمَة ب " إِنَّمَا " فَخرج الْملك. (137 - (6) بَاب من قَاتل للمغنم هَل ينقص من أجره؟) فِيهِ أَبُو مُوسَى: قَالَ أَعْرَابِي للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : الرجل يُقَاتل للمغنم، وَالرجل يُقَاتل للذّكر وليرى مَكَانَهُ. فَمن فِي سَبِيل الله؟ فَقَالَ: من قَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا فَهُوَ فِي سَبِيل الله ". قلت: رَضِي الله عَنْك} مُقْتَضى الحَدِيث أنّ من قَاتل للمغنم، فَلَيْسَ فِي سَبِيل الله. وَهَذَا لَا أجر لَهُ الْبَتَّةَ. فَكيف تطابق تَرْجَمته عَلَيْهِ بِنَقص الْأجر؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 (138 - (7) بَاب قسْمَة الإِمَام مَا يقدم عَلَيْهِ، ويخبأ لمن يحضرهُ أَو غَابَ عَنهُ) فِيهِ الْمسور: أهديت للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أقبية من ديباج مزرّرة بِالذَّهَب فَقَسمهَا فِي نَاس من أَصْحَابه. وعزل مِنْهَا وَاحِدَة لمخرمة فجَاء مخرمَة، وَمَعَهُ ابْنه الْمسور بن مخرمَة، إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَسمع صَوته فَأخذ قبَاء فَتَلقاهُ بِهِ، واستقبله بأزراره. وَقَالَ: يَا أَبَا الْمسور: خبأت لَك هَذَا مرّتين، وَكَانَ فِي خلقه شّدة. قلت: رَضِي الله عَنْك {فِي الْكَلَام الْمَشْهُور بَين النَّاس الْهَدِيَّة لمن حضر، وَفِي هَذَا الحَدِيث خلاف ذَلِك. وَإِن الْأَمر موكول إِلَى الِاجْتِهَاد. (139 - (8) بَاب الْغَازِي فِي مَاله حيّاً وميّتاً، مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وولاة الْأَمر) فِيهِ ابْن الزبير: لما وقف الزبير يَوْم الْجمل دَعَاني فَقُمْت إِلَى جنبه. فَقَالَ: يَا بنّي} إِنَّه لَا يقتل الْيَوْم إِلَّا ظَالِم أَو مظلوم. وَإِنِّي لَا أَرَانِي إِلَّا سأقتل الْيَوْم مَظْلُوما، وَإِن من أكبر همي لديني. أفتري ديننَا يبْقى من مالنا شَيْئا؟ قَالَ: يَا بني! بِعْ مالنا واقض ديني. وَأوصى بِالثُّلثِ، وَثلثه لِبَنِيهِ، يعْنى بني عبد الله بن الزبير. يَقُول: ثلّث الثُّلُث، فَإِن فضل من مالنا شَيْء بعد قَضَاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 الدّين، فثلثه لولدك. وَكَانَ بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير خبيب وَعباد. وَله يؤمئذ تسع بَنِينَ وتسع بَنَات. قَالَ عبد الله: فَجعل يوصيني بديني وَيَقُول: يَا بنيّ {إِن عجزت عَن شَيْء مِنْهُ، فَاسْتَعِنْ بمولاي. قَالَ: فوَاللَّه مَا دَريت مَا أَرَادَ حَتَّى قلت: يَا أَبَت من مَوْلَاك؟ قَالَ: الله. فوَاللَّه مَا وَقعت فِي كربَة من دين إِلَّا قلت: يَا مولى الزبير} اقْضِ عَنهُ دينه فيقضيه. فَقتل الزبير وَلم يدع دِينَارا وَلَا درهما، إِلَّا أَرضين: مِنْهَا الغابة وَإِحْدَى عشرَة دَارا بِالْمَدِينَةِ، ودارين بِالْبَصْرَةِ، وداراً بِالْكُوفَةِ، وداراً بِمصْر. وَإِنَّمَا كَانَ دينه الَّذِي عَلَيْهِ أَن الرجل كَانَ يَأْتِيهِ بِالْمَالِ فيستودعه إِيَّاه. فَيَقُول الزبير: لَا وَلكنه سلف، فإنيّ أخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَة وَمَا ولى إِمَارَة قطّ، وَلَا جباية خراج، وَلَا شَيْئا إِلَّا أَن يكون فِي غَزْوَة مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، أَو مَعَ أبي بكر، وَمَعَ عمر وَعُثْمَان فحسبت مَا عَلَيْهِ من الدّين ألفي ألف ومأتي ألف. قَالَ: فلقى حَكِيم بن حزَام عبد الله، فَقَالَ: يَا ابْن أخي! كم على أخي من الدّين؟ فكتمه. وَقَالَ: مئة ألف. فَقَالَ حَكِيم: وَالله مَا أرى أَمْوَالكُم تسع لهَذِهِ. قَالَ لَهُ عبد الله: أفرأيتك إِن كَانَت ألفي ألف ومئتي ألف؟ قَالَ: مَا أَرَاكُم تطيقون هَذَا؟ فَإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 عجزتم عَن شَيْء مِنْهُ فاستعينوا بِي. وَكَانَ الزبير اشْترى الغابة بسبعين وَمِائَة ألف. فَبَاعَهَا عبد الله بِأَلف ألف وسِتمِائَة ألف. ثمَّ قَامَ. فَقَالَ: من كَانَ لَهُ على الزبير حق فليوافنا بِالْغَابَةِ، فَأَتَاهُ عبد الله بن جَعْفَر، وَكَانَ على الزبير أَربع مئة ألف. فَقَالَ لعبد الله: إِن شِئْتُم تركتهَا لكم. قَالَ عبد الله: لَا. قَالَ: فَإِن شِئْتُم جعلتموها فِيمَا تؤخرون إِن أخّرتم. ثمَّ قَالَ عبد الله: لَا. قَالَ: فَاقْطَعُوا لي قِطْعَة. قَالَ عبد الْملك: لَك من هَهُنَا إِلَى هَهُنَا. قَالَ: فَبَاعَ مِنْهَا فَقضى دينه فأوفاه. وبقى مِنْهَا أَرْبَعَة أسْهم وَنصف. فَقدم على مُعَاوِيَة وَعِنْده عمر بن عُثْمَان وَالْمُنْذر بن الزبير وعبد الله بن زَمعَة - فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: كم قوّمت الغابة؟ قَالَ: كل سهم مئة ألف. قَالَ: كم بقى؟ قَالَ: أَرْبَعَة أسْهم وَنصف. فَقَالَ الْمُنْذر بن الزبير: قد أخذت سَهْما بمئة ألف. وَقَالَ عمر بن عُثْمَان: قد أخذت سَهْما بمئة ألف. قَالَ مُعَاوِيَة: كم بَقِي؟ قَالَ سهم وَنصف. قَالَ: قد أَخَذته بِخَمْسِينَ ومئة ألف. فَلم فرغ ابْن الزبير من قَضَاء دينه. قَالَ بَنو الزبير: اقْسمْ بَيْننَا ميراثنا. فَقَالَ: لَا اقْسمْ بَيْنكُم حَتَّى أنادي بِالْمَوْسِمِ أَربع سِنِين: أَلا من كَانَ لَهُ على الزبير دين، فليأتنا فلنقضه {قَالَ: فَجعل كل سنة يُنَادي بِالْمَوْسِمِ. فَلَمَّا قضى أَربع سِنِين قسم بَينهم. وَكَانَ للزبير أَربع نسْوَة، وَرفع الثُّلُث فَأصَاب كل امْرَأَة ألف ألف ومئتا ألف. قلت: رَضِي الله عَنْك} وَجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة للْحَدِيث أَن الزبير مَا وسع عَلَيْهِ بِولَايَة وَلَا جباية، بل ببركة غَزوه مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . فَبَارك الله فِيهَا سَهْما من الْغَنَائِم لطيب أَصْلهَا، وسداد مُعَامَلَته فِيهَا. ووهّم شَارِح البُخَارِيّ راويّ الحَدِيث فِي أَسبَاب الْجُمْلَة، فَقَالَ: التَّحْقِيق: إِنَّهَا سَبْعَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وَخَمْسُونَ ألف ألف وَتِسْعمِائَة ألف. وَوهم الشَّارِح أَيْضا إِنَّمَا هِيَ " وسِتمِائَة ألف ". (140 - (9) بَاب " من الدَّلِيل على أَن الْخمس لنوائب الْمُسلمين. مَا سَأَلَ هوَازن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] برضاعة فيهم. فتحلّل من الْمُسلمين، وَمَا كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يعد النَّاس أَن يعطيهم من الْفَيْء والأنفال من الْخمس وَمَا أعْطى الْأَنْصَار وَمَا أعْطى جَابر بن عبد الله من تمر خَيْبَر ") فِيهِ مَرْوَان والمسور: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حِين جَاءَهُ وَفد هوَازن مُسلمين فَسَأَلُوهُ أَن يردّ إِلَيْهِم أَمْوَالهم وَسَبْيهمْ. فَقَالَ لَهُم النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أحب الحَدِيث إليّ أصدقه، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا السَّبي وَإِمَّا المَال. وَقد كنت اسْتَأْنَيْت بهم وَقد كَانَ انتظرهم بضع عشرَة لَيْلَة حِين قفل من الطَّائِف. فلمّا تبين لَهُم أنّ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] غير رادّ إِلَيْهِم إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا فَإنَّا نَخْتَار سبينَا فَقَامَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: إخْوَانكُمْ هَؤُلَاءِ جاؤنا تَائِبين وَإِنِّي قد رَأَيْت أَن أردّ إِلَيْهِم سَبْيهمْ. وَمن أحب أَن يطيب فَلْيفْعَل. وَمن أحب أَن يكون على حَظه حَتَّى نُعْطِيه إِيَّاه من أول مَا يفئ الله علينا فَلْيفْعَل. فَقَالَ النَّاس قد طيبّنا ذَلِك لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . الحَدِيث. وَفِيه أَبُو مُوسَى: بلغنَا مخرج النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَنحن بِالْيمن. فخرجنا مُهَاجِرين أَنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وإخوان لي أَنا أَصْغَرهم. أَحدهمَا أَبُو بردة وَالْآخر أَبُو رهم، إِمَّا فِي بضع أَو ثَلَاثَة وَخمسين رجلا من قومِي. فَرَكبْنَا سفينة فَأَلْقَتْنَا السَّفِينَة إِلَى النَّجَاشِيّ بِالْحَبَشَةِ ووافقنا جَعْفَر بن أبي طَالب وَأَصْحَابه عِنْده، فَقَالَ جَعْفَر: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعثنَا هَهُنَا وأمرنا بِالْإِقَامَةِ فأقيموا مَعنا. فَأَقَمْنَا مَعَه حَتَّى قدمنَا جَمِيعًا، فَوَافَقنَا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حِين افْتتح خَيْبَر فَأَسْهم لنا - أَو قَالَ - فأعطانا مِنْهَا. وَمَا قسم لأحد غَابَ عَن فتح خَيْبَر مِنْهَا شَيْئا إِلَّا أَصْحَاب سَفِينَتنَا مَعَ جَعْفَر وَأَصْحَابه قسم لَهُم مَعَهم. قلت: رَضِي الله عَنْك! الْأَحَادِيث مُطَابقَة للتَّرْجَمَة إِلَّا حَدِيث أبي مُوسَى فَإِن ظَاهره أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قسم لَهُم من أصل الْغَنِيمَة مَعَ القائمين وَإِن كَانُوا غائبين تَخْصِيصًا لَهُم، لَا من الْخمس إِذْ لَو كَانَ مِنْهُ لم تظهر الخصوصية لِأَن الْخمس لعامة الْمُسلمين. والْحَدِيث نَاطِق بهَا. وَالله أعلم. (25 -] كتاب الْجِزْيَة [) (141 - (1) بَاب الْجِزْيَة وَالْمُوَادَعَة مَعَ أهل الْحَرْب) وَقَوله تَعَالَى: {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر وَلَا يحرّمون مَا حرّم الله وَرَسُوله وَلَا يدينون دين الْحق من الَّذين أُوتُوا الْكتاب حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون} [التَّوْبَة: 29] وَمَا جَاءَ فِي أَخذ الْجِزْيَة من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس والعجم. وَقَالَ ابْن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 عُيَيْنَة: عَن ابْن أبي نجيح قلت لمجاهد: مَا شَأْن أهل الشَّام عَلَيْهِم أَرْبَعَة دَنَانِير، وَأهل الْيمن عَلَيْهِم دِينَار. قَالَ: جعل ذَلِك من قبل الْيَسَار " فِيهِ جَابر بن زيد: عَن بجالة قَالَ: كنت كَاتبا لجزء بن مُعَاوِيَة عَم الْأَحْنَف وأتانا كتاب عمر بن الْخطاب قبل مَوته بِسنة: فرقوا بَين كل ذِي محرم من الْمَجُوس وَلم يكن عمر أَخذ الْجِزْيَة من الْمَجُوس حَتَّى شهد ابْن عَوْف أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَخذهَا من مجوس هجر. وَفِيه عمر بن عَوْف: أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بعث أَبَا عُبَيْدَة إِلَى الْبَحْرين يَأْتِي بجزيتها. وَكَانَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] هُوَ الَّذِي صَالح أهل الْبَحْرين وأمّر عَلَيْهِم الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ، فَقدم أَبُو عُبَيْدَة بِمَال من الْبَحْرين فَسمِعت الْأَنْصَار بقدومه فَوَافَقت صَلَاة الصُّبْح مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَلَمَّا انْصَرف تعرضوا إِلَيْهِ فتبسّم حِين رَآهُمْ، وَقَالَ: أظنكم سَمِعْتُمْ أَن أَبَا عُبَيْدَة قد جَاءَ بِشَيْء. قَالُوا: أجل. قَالَ: فأبشروا وأمّلوا مَا يسركم. فوَاللَّه لَا الْفقر أخْشَى عَلَيْكُم وَلَكِن أخْشَى أَن تبسط عَلَيْكُم الدُّنْيَا كَمَا بسطت على من قبلكُمْ فتتنافسوها كَمَا تنافسوها وتهلككم كَمَا أهلكتهم. وَفِيه جُبَير بن حَيَّة: بعث عمر النَّاس فِي أفناء الْأَمْصَار يُقَاتلُون الْمُشْركين. فَأسلم الهرمزان، فَقَالَ: إِنِّي مستسرك فِي مغازيّ هَذِه، قَالَ نعم مثلهَا وَمثل من فِيهَا من النَّاس من عَدو الْمُسلمين مثل طَائِر لَهُ رَأس وَله جَنَاحَانِ وَله رجلَانِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 فَإِن كسر أحد الجناحين نهضت الرّجلَانِ بالجناح وَالرَّأْس وانكسر الْجنَاح الآخر نهضت الرّجلَانِ وَالرَّأْس وَإِن شرح الرَّأْس ذهبت الجناحان وَالرجلَانِ. وَالرَّأْس كسْرَى والجناح قَيْصر والجناح الآخر فَارس فَمر الْمُسلمين فلينفروا إِلَى كسْرَى. قَالَ جُبَير: فندبنا عمر. وَاسْتعْمل علينا النُّعْمَان بن مقرن حَتَّى إِذا كُنَّا بِأَرْض العدّو وَخرج علينا عَامل كسْرَى فِي أَرْبَعِينَ ألفا فَقَالَ ترجمان لَهُ: ليكلمني رجل مُسلم فَقَالَ الْمُغيرَة: سل عَمَّا شِئْت. قَالَ: مَا أَنْتُم؟ قَالُوا: نَحن أنَاس من الْعَرَب كُنَّا فِي شقاء شَدِيد وبلاء شَدِيد نمصّ الْجلد والنوى من الْجُوع ونلبس الْوَبر وَالشعر، ونعبد الْحجر وَالشَّجر. فَبينا نَحن كَذَلِك إِذْ بعث إِلَيْنَا رب السَّمَوَات وربّ الأَرْض نبيّاً من أَنْفُسنَا نَعْرِف أَبَاهُ وأمّه فَأمرنَا نبيّنا أَن نقاتلكم حَتَّى تعبدوا الله وَحده، أَو تؤدّوا الْجِزْيَة. وَأخْبرنَا نبينّا عَن رِسَالَة ربّنا أَنه من قتل منّا صَار إِلَى الْجنَّة فِي نعيم لم ير مثله قطّ. وَمن بقى منّا ملك رِقَابكُمْ فَقَالَ النُّعْمَان: رُبمَا أشهدك الله مثلهَا مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَلم يندّمك وَلم يخزك. وَلَكِن شهِدت الْقِتَال مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كثيرا، كَانَ إِذا لم يُقَاتل فِي أول النَّهَار انْتظر حَتَّى تهب الأوراح وتحضر الصَّلَوَات. قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن أَرَادَ البُخَارِيّ بالموادعة عقد الذِّمَّة لَهُم بِأخذ الْجِزْيَة وإعفائهم بعد ذَلِك من الْقَتْل، فَهَذَا حكم الْجِزْيَة. وَالْمُوَادَعَة غير ذَلِك. وَإِن أَرَادَ مُشَاركَة قِتَالهمْ مَعَ إِمْكَانه قبل الظفر بهم، وَهُوَ معنى الْمُوَادَعَة فَمَا فِي هَذِه الْأَحَادِيث مَا يطابقها إِلَّا تَأَخّر النُّعْمَان عَن مُقَابلَة الْعَدو وانتظاره زَوَال الشَّمْس فَهُوَ موادعة فِي هَذَا الزَّمَان مَعَ الْإِمْكَان لمصْلحَة. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 (142 - (2) بَاب إِذا وادع الإِمَام ملك الْقرْيَة هَل يكون ذَلِك لبقيّتهم؟) فِيهِ أَبُو حميد: غزونا مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- تَبُوك. وَأهْدى ملك أَيْلَة للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بغلة بَيْضَاء، فكساها بردا، وَكتب لَهُم ببحرهم. قلت: رَضِي الله عَنْك! المسئلة الْمُخْتَلف فِيهَا بَين الْعلمَاء إِذا وادع الْملك عَن رَعيته عُمُوما أَو خُصُوصا وَلم ينصّ على نَفسه. هَل يدْخل ضمنا وَعَادَة أَو لَا يدْخل إِلَّا لفظا وَالْأَصْل بَقَاؤُهُ على إِبَاحَة الدَّم؟ وَمَا فِي حَدِيث صَاحب أَيْلَة كَيْفيَّة طلب الْمُوَادَعَة، هَل كَانَ لنَفسِهِ أَوَّلهمْ أَو للجموع؟ لكنه نسب الْهَدِيَّة إِلَيْهِ خَاصَّة وَنسب الْمُوَادَعَة للْجَمِيع، فَأخذ من ذَلِك أَن مهادنة الْملك أَو غَيرهَا لَا يدْخل فِيهَا الرعيّة إِلَّا بنصّ على التَّخْصِيص. (143 - (3) بَاب إِذا قَالُوا: صبأنا وَلم يحسنوا أسلمنَا) وَقَالَ ابْن عمر: فَجعل خَالِد يقتل. فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : اللَّهُمَّ أَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا صنع خَالِد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وَقَالَ عمر: إِذا قَالَ " مترس " فقد آمن إِن الله يعلم الْأَلْسِنَة كلهَا. وَقَالَ: تكلّم. لَا بَأْس. قلت: رَضِي الله عَنْك {مَقْصُود التَّرْجَمَة أَن الْمَقَاصِد تعْتَبر بأدلتها كَيفَ مَا كَانَت الْأَدِلَّة لفظية أَو غَيرهَا، على لفظ لُغَة الْعَرَب أَو غَيرهَا. (144 - (4) بَاب طرح جيف الْمُشْركين فِي الْبِئْر وَلَا يُؤْخَذ لَهَا ثمن) فِيهِ ابْن مَسْعُود: بَيْنَمَا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ساجد وَحَوله نَاس من قُرَيْش إِذْ أَتَى عقبَة بن أبي معيط بسلا جزور فقذفه على ظَهره فَلم يرفع رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- رَأسه حَتَّى جَاءَت فَاطِمَة - إِلَى قَوْله - فَدَعَا عَلَيْهِم، فقد رَأَيْتهمْ قتلوا يَوْم بدر فَألْقوا فِي بِئْر. الحَدِيث بِكَمَالِهِ. قلت: رَضِي الله عَنْك} الظَّاهِر أَن البُخَارِيّ بلغه حَدِيث ابْن أبي ليلى فِي أَن الْمُشْركين سَأَلُوا رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَن يشتروا مِنْهُ جثث الْقَتْلَى، فَأبى، لَكِن لم يُوَافق شَرط البُخَارِيّ فَتلقى مَعْنَاهُ من هَذَا الحَدِيث إِذْ الْعَادة تشهد أَن أهل هَؤُلَاءِ الْقَتْلَى لَو فَهموا أنّه يقبل مِنْهُم فدَاء أَجْسَادهم لبذلوا الرغيب فِيهَا، لكِنهمْ يئسوا أَن يقبل ذَلِك مِنْهُم. ففهم مَقْصُود الحَدِيث من التَّرْجَمَة بِهَذِهِ الطَّرِيقَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 (145 - (5) بَاب إِثْم الغادر للبرّ والفاجر) فِيهِ أنس: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لكل غادر لِوَاء يَوْم الْقِيَامَة ينصب أَو يرى يَوْم الْقِيَامَة يعرف بِهِ. وَفِيه ابْن عمر: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لكلّ غادر لواءٌ ينصب بغدرته. وَفِيه ابْن عَبَّاس: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَوْم فتح مَكَّة: إِن هَذَا بلد حرّمه الله تَعَالَى يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فَهُوَ حرَام بحرمته إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأَنه لم يحلّ الْقِتَال فِيهِ لأحد قبلي، وَلم يحل إِلَّا لي سَاعَة من نَهَار، فَهُوَ حرَام لَا يعضد شوكه وَلَا ينفر صَيْده، وَلَا يلتقط لقطته إِلَّا من عرّفها - وَلَا يختلي خَلاهَا. الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة لحَدِيث مَكَّة، أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] نصّ على أَنَّهَا اختصّت بِالْحُرْمَةِ إِلَّا فِي السَّاعَة المستثناة. وَلَيْسَ المُرَاد حُرْمَة قتل الْمُؤمن الْبر فِيهَا، إِذْ كل بقْعَة كَذَلِك. فَالَّذِي اختصّت بِهِ حُرْمَة قتل الْفَاجِر المتأهل للْقَتْل. فَإِذا استقرّ أَن الْفَاجِر قد حرم قَتله لعهد الله الَّذِي خصّها بِهِ. فَإِذا خصّ أحد فَاجِرًا بِعَهْد الله فِي غَيرهَا لزم نُفُوذ الْعَهْد لَهُ وَثُبُوت الْحُرْمَة فِي حَقه، فيقوى عُمُوم الحَدِيث الأول فِي الغادر بالبّر والفاجر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 (26 - كتاب الصَّيْد والذبائح) (146 - (1) بَاب التَّسْمِيَة على الصَّيْد) وَقَوله تَعَالَى: {يأيها الَّذين آمنو ليبلونكم الله بشئ من الصَّيْد تناله أَيْدِيكُم ورماحكم} [الْمَائِدَة: 94] وَقَوله تَعَالَى: {أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم غير محلّي الصَّيْد وَأَنْتُم حرم إِن الله يحكم مَا يُرِيد. ياأيها الَّذين آمنُوا لَا تحلوا شَعَائِر الله} الْآيَة إِلَى قَوْله: {فَلَا تخشوهم واخشون} [الْمَائِدَة 1 - 3] وَقَالَ ابْن عَبَّاس (الْعُقُود) العهود. مَا أحل مِنْهَا وَمَا حرّم (إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم) الْخِنْزِير (يجرمنكم) يحملنكم (شنآن قوم) عَدَاوَة (المنخنقة) تنخنق فتموت (الموقوذة) تضرب بالخشب يوقذونها فتموت (المتردّية) الَّتِي تتردى من الجيل (النطيحةّ) تنطح الشَّاة فَمَا أَدْرَكته يتحّرك بِذَنبِهِ أَو بِعَيْنِه فأذبح وكل. فِيهِ عدي: سَأَلت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- عَن صيد المغراض، فَقَالَ: مَا أصَاب بحدّه] فكله، وَمَا أصَاب بعرضه وقيذه وَسَأَلته عَن [صيد الْكَلْب قَالَ: مَا أمسك عَلَيْك. فَإِن أَخذ الْكَلْب ذَكَاة. فَإِن وجدت مَعَ كلبك كَلْبا غَيره فَخَشِيت أَن يكون أَخذه مَعَه - وَقد قَتله - فَلَا تَأْكُل. فَإِنَّمَا ذكرت اسْم الله على كلبك، وَلم تذكره على غَيره. قلت: رَضِي الله عَنْك! لَيْسَ فِي جَمِيع مَا ذكره من الآى وَالْأَحَادِيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 تعرض للتسمية المترجم عَلَيْهَا إلاّ آخر حَدِيث عدي فعدّه بَيَانا لما احتملته الْأَدِلَّة من التَّسْمِيَة. وَلذَلِك أَدخل الْجَمِيع تَحت التَّرْجَمَة. وَالله أعلم. وَعند الْأُصُولِيِّينَ نظر فِي الْمُجْمل إِذا اقْترن بِهِ قرينَة لفظية مبيّنة، هَل يكون الدَّلِيل الْمُجْمل مَعهَا، أَو إِيَّاهَا خَاصَّة؟ (147 - (2) بَاب إِذا أكل الْكَلْب) وَقَوله تَعَالَى: {يسئلونك مَاذَا أحل لَهُم قل أحل لكم الطَّيِّبَات وَمَا علمْتُم من الْجَوَارِح مكلبين تُعَلِّمُوهُنَّ مِمَّا علمكُم الله فَكُلُوا مِمَّا أمسكن عَلَيْكُم واذْكُرُوا اسْم الله عَلَيْهِ} [الْمَائِدَة: 4] . وَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِن أكل الْكَلْب فقد أفْسدهُ، إنمّا أمسك على نَفسه وَالله سُبْحَانَهُ يَقُول: {تُعَلِّمُوهُنَّ مِمَّا علّمكم الله} فَيضْرب ويعلّم حَتَّى يتْرك. وَكَرِهَهُ ابْن عمر. قَالَ عَطاء: إِن شرب الدَّم وَلم يَأْكُل فَكل " فِيهِ عدي: سَأَلت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقلت: إنّا قومّ نصيد بِهَذِهِ الْكلاب. فَقَالَ: إِذا ارسلت كلابك المعلّمة، وَذكرت اسْم الله فَكل مَا أمسكن عَلَيْك وَإِن قتلن، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 إِلَّا أَن يَأْكُل الكلبُ فَإِنِّي أَخَاف أَن يكون إِنَّمَا أمْسكهُ على نَفسه. وَإِن خالطها كلاب من غَيرهَا فَلَا تَأْكُل. قلت: رَضِي الله عَنْك {سَاق الْأَحَادِيث وَالْآيَة بعْدهَا، لِأَنَّهَا بيَّنت أَن الْإِمْسَاك فِي الْآيَة شَرط فِيهِ أَن يكون على صَاحبه أَي وفاءٍ بِطَاعَتِهِ لَا لشَهْوَة الْجَارِح. فَإِذا أكل تحقق إِمْسَاكه لنَفسِهِ، لَا لربّه. (148 - (3) بَاب مَا جَاءَ فِي التصيّد) فِيهِ عدي: قلت يَا رَسُول الله} إِنَّا قوم نتصيّد بِهَذِهِ الْكلاب. الحَدِيث. وَفِيه أَبُو ثَعْلَبَة: قلت يَا رَسُول الله إِنَّا بِأَرْض أهل كتاب نَأْكُل فِي آنيتهم وَأَرْض صيد أصيد بقوسي، وأصيد بكلبي الْمعلم وَالَّذِي لَيْسَ بمعلم. الحَدِيث. وَفِيه أنس: أنفجنا أرنباً بمر الظهْرَان، فسعوا عَلَيْهَا حَتَّى لغبوا فسعيت عَلَيْهَا حَتَّى أَخَذتهَا، فَجئْت بهَا إِلَى أبي طَلْحَة فَبعث إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بوركها وفخذيها فَقبله. وَفِيه أَبُو قَتَادَة: إِنَّه كَانَ مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِبَعْض طَرِيق مَكَّة، فَرَأى حمارا وحشياً، فَاسْتَوَى على فرسه - الحَدِيث - فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : إِنَّمَا هِيَ طعمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 أطعمكموها الله. قلت: رَضِي الله عَنْك {مَقْصُوده بِهَذِهِ التَّرْجَمَة التَّنْبِيه على أَن الصَّيْد لمن عيشه ذَلِك. أَو لمن عيشه مستقلّ بِدُونِهِ، وَلكنه عرض لَهُ ذَلِك. كلّه جَائِز ومشروع. وَفِي صيد اللَّهْو خلاف. (149 - (4) التصيد على الْجبَال) فِيهِ أَبُو قَتَادَة: كنت مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِيمَا بَين مَكَّة وَالْمَدينَة - وهم محرمون وَأَنا حل على فرسي - وَكنت رقّاء على الْجبَال، فَبينا أَنا كَذَلِك إِذْ رَأَيْت النَّاس يتشوفون بِشَيْء. فَذَهَبت أنظر فَإِذا هُوَ حمَار وَحش فعقرته. الحَدِيث. فَقلت: رَضِي الله عَنْك} نبّه على جَوَاز ارْتِكَاب المشاق لنَفسِهِ ولدابّته، لغَرَض صَحِيح، وَهُوَ الصَّيْد. وَالله أعلم. (150 - (5) بَاب آنِية الْمَجُوسِيّ وَالْميتَة.) فِيهِ أَبُو ثَعْلَبَة: قلت: يَا رَسُول الله! إِنَّا بِأَرْض أهل كتاب، نَأْكُل فِي آنيتهم، فَقَالَ: لَا تَأْكُلُوا فِي آنيتهم إِلَّا أَن لَا تَجدوا أبدا فَإِن لم تَجدوا أبدا فَاغْسِلُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وكلوا. الحَدِيث. وَفِيه سَلمَة بن الْأَكْوَع: قَالَ لما أَمْسوا يَوْم فتح خَيْبَر أوقدوا النيرَان فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- على مَا أوقدتم هَذِه النيرَان؟ قَالُوا: لُحُوم الْحمر الإنسية. فَقَالَ: أهريقوا مَا فِيهَا وكسروا قدورها فَقَامَ رجل من الْقَوْم فَقَالَ: نهريق مَا فِيهَا ونغسلها فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : أَو ذَاك. قلت: رَضِي الله عَنْك {ترْجم على آنِية الْمَجُوسِيّ، وَالْأَحَادِيث فِي أهل الْكتاب، لِأَنَّهُ بني على أَن الْمَحْذُور مِنْهَا وَاحِد، وَهُوَ عدم توقيّهم النَّجَاسَات. ونبّه بقوله فِي التَّرْجَمَة: " وَالْميتَة " على أَن الْحمر لما كَانَت مُحرمَة لم تُؤثر فِيهَا الذَّكَاة. (151 - (6) بَاب مَا يذبح على النصب والأصنام) فِيهِ ابْن عمر عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : زيد بن عَمْرو بن نفَيْل بِأَسْفَل بلدح وَذَلِكَ قبل أَن ينزل على النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- الْوَحْي، فقدّم إِلَيْهِ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- سفرة فِيهَا لحم، فَأبى أَن يَأْكُل ثمَّ قَالَ: لَا آكل مِمَّا تذبحون على أصنامكم. وَلَا آكل إِلَّا مِمَّا ذكر اسْم الله عَلَيْهِ. قلت: رَضِي الله عَنْك} قدّم إِلَيْهِ هَذَا الطَّعَام فأباه، وقدّمه لزيد فأباه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 زيدٌ، وَأَقْبل على أَصْحَاب الطَّعَام. فَقَالَ قَوْله هَذَا. وَالله أعلم. (152 - (7) بَاب قَول النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- " فليذبح على اسْم الله تَعَالَى ") فِيهِ جُنْدُب بن سُفْيَان: قَالَ ضحينا مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أضحاة ذَات يَوْم، فَإِذا أنَاس قد ذَبَحُوا ضحاياهم قبل الصَّلَاة، فَلَمَّا انْصَرف رأى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَنهم ذَبَحُوا قبل الصَّلَاة فَقَالَ: من ذبح قبل الصَّلَاة فليذبح مَكَانهَا أُخْرَى. وَمن كَانَ لَا يذبح حَتَّى صلينَا فليذبح على اسْم الله. قلت: رَضِي الله عَنْك! فَائِدَة هَذِه التَّرْجَمَة بعد تقدم التَّرْجَمَة على التَّسْمِيَة التَّنْبِيه على أَن النَّاسِي ذبح على اسْم الله، لِأَنَّهُ لم يقل فِي هَذَا الحَدِيث فليسم، وَإِنَّمَا جعل أصل ذبح الْمُسلم على اسْم الله من صفة فعله ولوازمه. كَمَا ورد ذكر اسْم الله على قلب كل مُسلم سمّى أَو لم يسمّ. أما التعمد للترك فملتحق بالمتهاون باسم الله. وَذَلِكَ كالضد الْخَاص للتسمية. وَالله أعلم. (153 - (8) بَاب مَا ندّ من الْبَهَائِم فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْوَحْش) وَأَجَازَهُ ابْن مَسْعُود: وَقَالَ ابْن عَبَّاس: مَا أعجزك من الْبَهَائِم مِمَّا فِي يدك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 فَهُوَ كالصيد. وَفِي بعير تردّى فِي الْبِئْر فذكه من حَيْثُ قدرت عَلَيْهِ. وَرَأى ذَلِك عليّ وَابْن عمر وَعَائِشَة. فِيهِ رَافع: قلت يَا رَسُول الله! إِنَّا لاقوا الْعَدو غَدا، وَلَيْسَ مَعنا مدى فَقَالَ: " اعجل - أَو ارن - مَا أنهر الدَّم، وَذكر اسْم الله عَلَيْهِ فَكل. لَيْسَ السنّ وَالظفر. وأصبنا نهب إبل وغنم فندّ مِنْهَا بعير، فَرَمَاهُ رجل بِسَهْم فحبسه، فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : إِن لهَذِهِ الْإِبِل أوابد كأوابد الْوَحْش. فَإِذا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْء فافعلوا بهَا هَكَذَا. قلت: رَضِي الله عَنْك: فهم البُخَارِيّ من الحَدِيث الِاقْتِصَار فِي إِبَاحَة الْبَعِير على السهْم الَّذِي حَبسه. وَالْأَمر مُحْتَمل لِأَن يكون احْتبسَ وَلم تنفذ مقاتله حَتَّى ذكى وَهِي وَاقعَة عين. وتشبيهه فِي الحَدِيث النعم الشاردة بالوحش فِي الحكم. وَلكنه فِي صفة الْوُجُود أَي قد تنفر كالوحش. (154 - (9) بَاب لُحُوم الْحمر الإنسية) فِيهِ سَلمَة عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . وَفِيه عمر: نهى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة يَوْم خَيْبَر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وَفِيه عليّ: نهى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- عَن الْمُتْعَة عَام خَيْبَر وَعَن لُحُوم حمر الإنسية. وَفِيه جَابر: نهى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَوْم خَيْبَر عَن لُحُوم الْحمر، وَرخّص فِي لُحُوم الْخَيل. وَفِيه الْبَراء، وَابْن أَبى أوفى: نهى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- عَن لُحُوم الْحمر. وَفِيه أَبُو ثَعْلَبَة: حرم رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة. رَوَاهُ صَالح والزبيدي وَعقيل عَن ابْن شهَاب. وَقَالَ مَالك وَمعمر والماجشون وَيُونُس وَابْن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ. قَالَ نهى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- عَن أكل كل ذِي نَاب من السبَاع. وَفِيه أنس: أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- جَاءَهُ جاءٍ فَقَالَ: أكلت الْحمر، ثمَّ جَاءَهُ جاءٍ] فَقَالَ [: أفنيت الْحمر. فَأمر منادياً يُنَادي فِي النَّاس: إِن الله وَرَسُوله ينهيانكم عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة، فَإِنَّهَا رِجْس فأكفيت الْقُدُور وَإِنَّهَا لتفور بِاللَّحْمِ. وَفِيه عَمْرو: قلت لجَابِر بن زيد: يَزْعمُونَ أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- نهى عَن الْحمر الْأَهْلِيَّة. فَقَالَ: قد كَانَ يَقُول ذَلِك الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ عندنَا بِالْبَصْرَةِ. وَلَكِن أَبَا ذَلِك الْبَحْر ابْن عَبَّاس وَقَرَأَ: {قل لَا أجد فِيمَا أوحى إِلَى محرما} [الْأَنْعَام: 145] . قلت: رَضِي الله عَنْك! ذكر البُخَارِيّ طَرِيقين فِي الحَدِيث: إِحْدَاهمَا النَّهْي عَنْهَا مُطلقًا وإكفاء الْقُدُور. وَالْأُخْرَى أَنه سمع أَنهم أكلوها وَلم يُبَادر النَّهْي فِي الأولى وَالثَّانيَِة، فَلَمَّا قيل فِي الثَّالِثَة: أفنيت الْحمر نهى. فأفهم أَن النَّهْي خوف فنَاء الظّهْر، وَإِلَّا كَانَت المسارعة للنَّهْي متعّينة. فَمن هَهُنَا نَشأ الْخلاف الْمَذْكُور بَين الصَّحَابَة فِيهَا. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 (155 - (10) بَاب الْمسك) فِيهِ أَبُو هريره: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : مَا من مكلوم يكلم فِي الله إِلَّا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وَكَلمه يدمى، اللَّوْن لون دم، وَالرِّيح ريح مسك. وَفِيه أَبُو مُوسَى: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : مثل الجليس الصَّالح وَالسوء كحامل الْمسك ونافخ الْكِير. فحامل الْمسك إِمَّا أَن يحذيك، وَإِمَّا أَن تبْتَاع مِنْهُ، وإمّا أَن تَجِد مِنْهُ ريحًا طيبَة. ونافخ الْكِير أما أَن يحرق ثِيَابك. وَإِمَّا أَن تَجِد مِنْهُ ريحًا خبيثة. قلت: رَضِي الله عَنْك {وَجه الِاسْتِدْلَال من الحَدِيث الأول طَهَارَة الْمسك، وَإنَّهُ من الطَّيِّبَات شرعا وتشبيه النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- الشَّهِيد بِهِ فِي سِيَاق التَّعْظِيم، فَلَو كَانَ منتناً نجسا لَكَانَ من الْخَبَائِث وَكَذَلِكَ الحَدِيث الثَّانِي. (156 - (11) بَاب إِذا ندّ بعيرٌ لقوم فَرَمَاهُ بَعضهم بِسَهْم فَقتله وَأَرَادَ إصلاحهم فَهُوَ جَائِز لخَبر رَافع عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] .) فِيهِ رَافع: كُنَّا فِي سفر فندّ بعير من الْإِبِل فَرَمَاهُ بِسَهْم فحبسه. ثمَّ قَالَ: إنّ لَهَا أوابد كأوابد الْوَحْش. فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا. قلت: رَضِي الله عَنْك} ذكر هَذِه التَّرْجَمَة وَمَا بعْدهَا من الحَدِيث تَنْبِيها على أَن ذبح غير الْمَالِك الَّذِي يَحِيف إِنَّمَا هُوَ ذبح التعدّي كَمَا فِي الحَدِيث الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وأمّا هَذَا الذّبْح لمصلحتهم وَخَوف فَوَاته عَلَيْهِم فمشروع حَتَّى لَو مرّ مارّ بصيد، وَهُوَ فِي أَيدي الْجَوَارِح وَلم تنفذ مقاتله وَقدر أَن يذكيه ذَكَاة الْمَقْدُور عَلَيْهِ، فَتَركه إِلَى أَن مَاتَ توجه عَلَيْهِ ضَمَان لصَاحبه الَّذِي ارسل الْجَارِح بِنَاء على أَن التفويت بِالتّرْكِ كالتفويت بِالْفِعْلِ وَفِيه خلاف. (27 -[كتاب الْأَضَاحِي] ) (157 - (1) بَاب مَا يشتهى من اللَّحْم يَوْم النَّحْر) فِيهِ أنس: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : من كَانَ ذبح قبل الصَّلَاة فليعد. فَقَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله {إِن هَذَا يَوْم يشتهى فِيهِ اللَّحْم - وَذكر جِيرَانه - وَعِنْدِي جَذَعَة خير من شأتي لحم. فرخصّ لَهُ فِي ذَلِك. فَلَا أَدْرِي أبلغت الرُّخْصَة من سواهُ أم لَا؟ ثمَّ إِنَّه انكفأ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إِلَى كبشين فذبحهما. وَقَامَ النَّاس إِلَى غنيمَة فتوزّعوها، أَو قَالَ فتجزعوها. قلت: رَضِي الله عَنْك} غَرَض التَّرْجَمَة أَن شَهْوَة اللَّحْم فِي الْأَضْحَى عَادَة مَشْرُوعَة وَلَيْسَ من قبيل مَا نقل عَن عمر أَنه قَالَ لجَابِر، وَقد رأى مَعَه جمالاً وَلَحْمًا بدرهم. فَقَالَ عمر: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: قرمنا إِلَى اللَّحْم فَقَالَ عمر: أَيْن تذْهب عَن قَوْله: {أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ} [الْأَحْقَاف: 20] ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 (158 - (2) بَاب من ذبح أضْحِية غَيره. وأعان رجل ابْن عمر فِي بدنته وَأمر أَبُو مُوسَى بَنَاته أَن يضحين بأيديهن.) فِيهِ عَائِشَة: قَالَت دخل رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بسرف وَأَنا أبْكِي فَقَالَ: مَالك؟ أنفست؟ قلت: نعم {قَالَ: هَذَا أَمر كتبه الله على بَنَات آدم. فاقضى مَا يقْضِي الْحَاج غير أَن لَا تطوفي بِالْبَيْتِ. وضحى رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- عَن نِسَائِهِ بالبقر. قلت: رَضِي الله عَنْك} التَّرْجَمَة غير مُطَابقَة لحَدِيث ابْن عمر لِأَنَّهُ ذكر الْإِعَانَة فَلَعَلَّهُ عقلهَا وَذبح ابْن عمر. وَلكنه رأى الِاسْتِعَانَة إِذا شرعت التحقت بهَا الِاسْتِنَابَة. وَأما حَدِيث أَزوَاجه -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَيحْتَمل أَن يكون -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- هُوَ المضحّي من مَاله عَن أهل بَيته، فهنّ فِيهَا تبع. وَيحْتَمل أَن يكون ملكهن الْأَعْيَان فتطابق التَّرْجَمَة. (28 -] كتاب الْأَشْرِبَة [) (159 - (1) بَاب الْخمر من الْعِنَب وَغَيره.) فِيهِ ابْن عمر: لقد حرمت الْخمر، وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وَفِيه أنس: قَالَ حرمت علينا الْخمر حِين حرمت، وَمَا نجد خمر الأعناب إِلَّا قَلِيلا. وَعَامة خمرنا الْبُسْر وَالتَّمْر. وَفِيه ابْن عمر: قَالَ قَامَ عمر على الْمِنْبَر فَقَالَ: أما بعد {نزل تَحْرِيم الْخمر وَهِي من خَمْسَة: الْعِنَب، وَالتَّمْر، وَالْعَسَل، وَالْحِنْطَة، وَالشعِير. وَالْخمر مَا خامر الْعقل. قلت: رَضِي الله عَنْك} غرضها الردّ على الْكُوفِيّين إِذْ فرّقوا بَين مَاء الْعِنَب وَغَيره. فَلم يحّرموا من غَيره إِلَّا الْقدر الْمُسكر خَاصَّة، وَزَعَمُوا أَن الْخمر مَاء الْعِنَب خَاصَّة. (160 - (2) بَاب فِيمَن يسْتَحل الْخمر ويسميه بِغَيْر اسْمه) وَقَالَ هِشَام بن عمار، حَدثنَا صَدَقَة بن خَالِد، حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن يزِيد ابْن جَابر، حَدثنَا عَطِيَّة بن قيس الْكلابِي، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن غنم الْأَشْعَرِيّ، قَالَ: حَدثنِي أَبُو عَامر أَو أَبُو مَالك - الْأَشْعَرِيّ: وَالله مَا كَذبَنِي، سمع النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَقُول: " لَيَكُونن من أمتِي أَقوام يسْتَحلُّونَ الْحر وَالْحَرِير وَالْخمر وَالْمَعَازِف، ولينزلنّ أَقوام إِلَى جنب علم تروح عَلَيْهِم سارحة لَهُم تأتيهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 بحاجة، فَيَقُولُونَ: ارْجع إِلَيْنَا غَدا فيبيتهم الله، وَيَضَع الْعلم. ويمسخ آخَرين قردة وَخَنَازِير إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. قلت: رَضِي الله عَنْك! الحَدِيث مُطَابق للتَّرْجَمَة إِلَّا قَوْله: " ويسمّيه بِغَيْر اسْمه " وَإِن كَانَ قد ورد مبيّناً فِي غير هَذَا الطَّرِيق. وَلكنه لما لم يُوَافق شَرط البُخَارِيّ تِلْكَ الزِّيَادَة ترْجم عَلَيْهَا وقنع من الِاسْتِدْلَال عَلَيْهَا بقوله: " من أمتِي " فإنّ كَونهم من الأمّة يبعد مَعَه أَن يستحلولها بِغَيْر تَأْوِيل وَلَا تَحْرِيف. فَإِن ذَلِك مجاهرة بِالْخرُوجِ عَن الْأمة إِذْ تَحْرِيم الْخمر مَعْلُوم ضَرُورَة. فَهَذَا هُوَ سرّ مُطَابقَة التَّرْجَمَة لهَذِهِ الزِّيَادَة. وَالله أعلم. (161 - (3) بَاب من رأى أَن لَا يخلط الْبُسْر وَالتَّمْر إِذا كَانَ مُسكرا وَأَن لَا يَجْعَل إدامين فِي إدام) فِيهِ أنس: إِنِّي لأسقي أَبَا طَلْحَة، وَأَبا دُجَانَة، وَسُهيْل بن الْبَيْضَاء خليط تمر وَبسر إِذا حرمت الْخمر، فقذفتها وَأَنا ساقيهم وأصغرهم وإنّا لنعدّها يومئذٍ الْخمر. وَفِيه جَابر: نهى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- عَن الزَّبِيب وَالتَّمْر والبسر وَالرّطب. وَفِيه أَبُو قَتَادَة: نهى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَن يجمع بَين التَّمْر والزهو وَالتَّمْر وَالزَّبِيب ولينبذ كل وَاحِد مِنْهُمَا على حِدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 وَترْجم لحَدِيث أنس " بَاب خدمَة الصغار الْكِبَار ". قلت: رَضِي الله عَنْك! وهم الشَّارِح البُخَارِيّ فِي قَوْله: " إِذا كَانَ مُسكرا " وَقَالَ: إِن النَّهْي عَن الخليطين عَام وَإِن لم يسكر كثيرهما لسرعة سريان الْإِسْكَار إِلَيْهِمَا من حَيْثُ لَا يشْعر بِهِ. وَلَا يلْزم البُخَارِيّ ذَلِك. إِمَّا لِأَنَّهُ يرى جَوَاز الخلطيين قبل الْإِسْكَار. وَإِمَّا لِأَنَّهُ ترْجم على مَا يُطَابق الحَدِيث الأول - أعنى حَدِيث أنس - وَلَا شكّ أَن الَّذِي كَانَ يسْقِيه للْقَوْم حِينَئِذٍ مُسكر. وَلِهَذَا دخل عِنْدهم فِي عُمُوم التَّحْرِيم للخمر. وَقَالَ أنس: وَإِنَّا لنعدّها يؤمئذٍ الْخمر دلّ على أَنه مُسكر. وَأما قَوْله: " لَا يَجْعَل إدامين فِي إدام " فيطابق حَدِيث جَابر وَأبي قَتَادَة وَيكون النَّهْي معلّلاً بعلل مُسْتَقلَّة. إِمَّا تحقق إسكار الْكثير. وَإِمَّا يُوقع الْإِسْكَار بالاختلاط سَرِيعا. وَإِمَّا الْإِسْرَاف والشدة. وَالتَّعْلِيل بالإسراف مبيّن فِي حَدِيث النَّهْي عَن قرَان التَّمْر هَذَا. وَالتَّمْرَتَانِ نوع وَاحِد فَكيف بالمتعدد. (162 - (4) بَاب شرب اللَّبن. وَقَالَ عزّ وجلّ: {وإنّ لكم فِي الْأَنْعَام لعبرةً نسقيكم مِمَّا فِي بطونه من فرثٍ ودمٍ لَبَنًا خَالِصا سائغاً للشاربين} [النَّحْل: 66] . فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ: أَتَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لَيْلَة أسرى بِهِ بقدح لبن] وقدح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 خمر [. وَفِيه أم الْفضل: شكّ النَّاس فِي صِيَام النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَوْم عَرَفَة فَأرْسلت إِلَيْهِ بقدح لبن فَشرب. وَفِيه جَابر: جَاءَ أَبُو حميد بقدح فِيهِ لبن من النقيع. فَقَالَ لَهُ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : أَلا خمرته، وَلَو أَن تعرض عَلَيْهِ عوداً. وَفِيه الْبَراء: قدم النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من مَكَّة، وَأَبُو بكر مَعَه. قَالَ أَبُو بكر: مَرَرْنَا براعٍ - وَقد عَطش النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : فحلبت كثبة من لبن فِي قدح. فَشرب النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] حَتَّى رضيت. الحَدِيث. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : نعم الصَّدَقَة اللقحة الصغيّ منحةً، وَالشَّاة الصفيّ منحة تَغْدُو بِإِنَاء وَتَروح بآخر. وَفِيه ابْن عَبَّاس: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- شرب لَبَنًا فَمَضْمض ومضمضنا. وَفِيه أنس: قَالَ، قَالَ: النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- رفعت إِلَى السِّدْرَة] الْمُنْتَهى [. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 فَإِذا أَرْبَعَة أَنهَار: نهران ظاهران، ونهران باطنان. فَأَما الظاهران فالنيل والفرات. وَأما الباطنان فنهران فِي الجنّة. وأتيت بِثَلَاث أقداح قدح فِيهِ لبن. وقدح فِيهِ خمر، وقدح فِيهِ عسل. فَأخذت الَّذِي فِيهِ اللَّبن فَشَرِبت. فَقيل لي: أصبت الْفطْرَة، أَنْت وَأمتك. قلت: رَضِي الله عَنْك {أَطَالَ فِي هَذِه التَّرْجَمَة النَّفس، ليردّ قَول من تخيّل أَن اللَّبن يسكر كَثِيره. فردّ هَذَا الْفِقْه الْبعيد بِالنَّصِّ. ثمَّ هُوَ غير مُسْتَقِيم لِأَن اللَّبن بمجرّده لَا يسكر مُطلقًا. وَإِنَّمَا يتَّفق ذَلِك نَادرا لصفة تحدث عَلَيْهِ. (163 - (5) بَاب استعذاب المَاء) فِيهِ أنس: كَانَ أَبُو طَلْحَة أَكثر أنصاريّ بِالْمَدِينَةِ مَالا من نخل وَكَانَ أحب أَمْوَاله إِلَيْهِ بيرحاء، وَكَانَت مُسْتَقْبلَة الْمَسْجِد، وَكَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يدخلهَا وَيشْرب من مَاء فِيهَا طيب، فَلَمَّا نزلت: {لن تنالوا البرّ حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} [آل عمرَان: 92] الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك} إِن التمَاس المَاء العذب الطيّب دون غَيره لَيْسَ منافياً فِي الزّهْد، وَلَا دَاخِلا فِي الترفّه والترف الْمَكْرُوه، بِخِلَاف تطييب المَاء بالمسك وَمَاء الْورْد وَغَيره فَهُوَ مَكْرُوه عِنْد مَالك. وَقد نصّ على كَرَاهَة المَاء المطيّب بالكافور للْمحرمِ والحلال. قَالَ لِأَنَّهُ من نَاحيَة السَّرف. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 (164 - (6) بَاب شرب اللَّبن بِالْمَاءِ) فِيهِ أنس: إِنَّه رأى رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- شرب لَبَنًا. وأتى دَاره وحلبت شَاة، فشبت لرَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من الْبِئْر. فَتَنَاول الْقدح فَشرب - وَعَن يسَاره أَبُو بكر وَعَن يَمِينه أَعْرَابِي - فَأعْطى الْأَعرَابِي فَضله. ثمَّ قَالَ: الْأَيْمن فالأيمن. وَفِيه جَابر: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- دخل على رجل من الْأَنْصَار، وَمَعَهُ صَاحب لَهُ. فَقَالَ لَهُ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : إِن كَانَ عنْدك مَاء بَات هَذِه اللَّيْلَة فِي شنّة إِلَّا كرعنا. قَالَ: وَالرجل يحوّل المَاء فِي حَائِطه. فَقَالَ. يَا رَسُول الله {عِنْدِي مَاء بائت فَانْطَلق إِلَى الْعَريش بهما فسكب فِي قدح ثمَّ حلب عَلَيْهِ من دَاجِن لَهُ، فَشرب النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ثمّ شرب الرجل الَّذِي جَاءَ مَعَه. وَترْجم لحَدِيث جَابر: " بَاب الكرع فِي الْحَوْض ". وَفِيه: فَقَالَ: يَا رَسُول الله} بِأبي أَنْت وَأمي وَهِي سَاعَة حارة. قلت: رَضِي الله عَنْك! شرب اللَّبن بِالْمَاءِ، هُوَ أصل فِي نَفسه. وَلَيْسَ من بَاب الخليطين فِي شَيْء. (165 _ (7) بَاب شرب الْحَلْوَاء وَالْعَسَل) وَقَالَ الزُّهْرِيّ: لَا يحلّ شرب بَوْل النَّاس لشدّة تنزل، لِأَنَّهُ رِجْس. قَالَ الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 تَعَالَى: {أحل لكم الطَّيِّبَات} [الْمَائِدَة: 4] وَقَالَ ابْن مَسْعُود فِي السكر: " إِن الله لَا يَجْعَل شفاكم فِيمَا حرّم عَلَيْكُم. فِيهِ عَائِشَة: كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يُعجبهُ الْحَلْوَاء وَالْعَسَل.] والحلواء كل شَيْء حُلْو [. قلت: رَضِي الله عَنْك {ترْجم على شَيْء وأعقبه بضده. " وبضدّها تتبين الْأَشْيَاء ". يُشِير إِلَى أَن الطَّيِّبَات هِيَ الْحَلَال لَا الْخَبَائِث. والحلو من الطيبّات وَأَشَارَ بقول ابْن مَسْعُود إِلَى أَن كَون الشَّيْء شِفَاء يُنَافِي كَونه حَرَامًا وَالْعَسَل شِفَاء فَوَجَبَ أَن يكون حَلَالا. ثمَّ عَاد إِلَى مَا يُطَابق التَّرْجَمَة نصّا. ونبّه بقوله: " شرب الْحَلْوَاء " أنهّا لَيست الْحَلْوَاء الْمَعْهُودَة الَّتِي يتعاطاها المترفهون. وَإِنَّمَا هِيَ شَيْء حُلْو يشرب: إِمَّا عسل بِمَاء أَو غير ذَلِك مِمَّا يشاكله. (166 - (8) بَاب الْأَيْمن فالأيمن فِي الشّرْب.) فِيهِ أنس: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أى بِلَبن قد شيب بِمَاء. - وَعَن يَمِينه أعرابيّ وَعَن شِمَاله أَبُو بكر - فَشرب ثمَّ أعْطى الأعرابيّ وَقَالَ: الْأَيْمن فالأيمن. قلت: رَضِي الله عَنْك} الحَدِيث مُطَابق للتَّرْجَمَة. والتيامن وَإِن كَانَ مُسْتَحبا فِي كل شَيْء إِلَّا أَن الْمَنْقُول عَن مَالك أنّ الْبدَاءَة فِي المَاء خَاصَّة. فلعلّ البُخَارِيّ احْتَرز من هَذَا فخصّ التَّرْجَمَة بالشرب مُوَافقَة للواقعة. وَالْقِيَاس أَن مناولة الطَّعَام أَيْضا كَذَلِك. وملتحق بِهِ كل مَا يقسم على هَذَا الْوَجْه مُطلقًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 (167 - (9) بَاب الشّرْب من فَم السقاء) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: نهى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- عَن الشّرْب من فَم الْقرْبَة أَو السقاء. وَابْن عَبَّاس مثله. قلت: رَضِي الله عَنْك {لم يسْتَغْن بالترجمة الَّتِي قبلهَا، وَهِي قَوْله: " بَاب اختناث الأسقية " وَعدل عَنْهَا لاحْتِمَال أَن يظنّ أَن النَّهْي عَن صُورَة اختناثها. فبيّن بالترجمة الثَّانِيَة أَن النَّص مُطلق فِيمَا يختنث وَفِيمَا لَا يختنث كالفخار، مثلا. (168 - (10) بَاب الشّرْب فِي نفسين أَو ثَلَاثَة) فِيهِ أنس: إِنَّه كَانَ يتنفس فِي الْإِنَاء مرّتين أَو ثَلَاثَة. وَزعم أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ يتنفّس كَذَلِك. قلت: رَضِي الله عَنْك} أورد الشَّارِح سُؤال التَّعَارُض بَين هَذَا الحَدِيث وَبَين النَّهْي عَن التنفس فِي الْإِنَاء. وَهُوَ الحَدِيث الْمُتَقَدّم على هَذِه التَّرْجَمَة. وَأجَاب بِالْجمعِ بَينهمَا. وَلَقَد أغْنى البُخَارِيّ عَن ذَلِك فَإِنَّهُ ترْجم على الأولى: " بَاب التنفس فِي الْإِنَاء " فَجعل الْإِنَاء ظرفا للتنفس، وَهُوَ الْمنْهِي عَنهُ. وَجعل الشّرْب مَقْرُونا بنفسين أَي لَا يشرب بِنَفس وَاحِد خوف الربو، بل يفصل بَين الشربين بِنَفس أَو أَكثر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 (169 - (11) شرب الْبركَة، وَالْمَاء الْمُبَارك) فِيهِ جَابر: رَأَيْتنِي مَعَ رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَقد حضرت الْعَصْر، وَلَيْسَ مَعنا ماءٌ غير فَضله. فَجعل فِي إِنَاء فَأتى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِهِ، فَأدْخل يَده فِيهِ وَفرج أَصَابِعه، ثمَّ قَالَ: حيّ على أهل الْوضُوء، وَالْبركَة من الله. فَلَقَد رَأَيْت المَاء يتفجّر من بَين أَصَابِعه فَتَوَضَّأ النَّاس وَشَرِبُوا. فَجعلت لَا آلو مَا جعلت فِي بَطْني مِنْهُ. فَعلمت أَنه بركَة. قلت لجَابِر: كم كُنْتُم يَوْمئِذٍ؟ قَالَ: " ألف وَأَرْبع مائَة " وَقَالَ جَابر مرّة: " خمس عشرَة مائَة ". قلت: رَضِي الله عَنْك! مَقْصُوده - وَالله أعلم - أَن شرب الْبركَة يغْتَفر فِيهِ الْإِكْثَار لَا كالشرب الْمُعْتَاد الَّذِي ورد أَن يَجْعَل لَهُ الثُّلُث لقَوْله: " وَجعلت لَا آلو مَا جعلت فِي بَطْني مِنْهُ ". (29 -] كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور [) (170 - (1) بَاب لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ) فِيهِ ابْن عمر: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أدْرك عمر - وَهُوَ يسير فِي ركب - يحلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 بِأَبِيهِ. فَقَالَ: أَلا إِن الله يَنْهَاكُم أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمن كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه أَو ليصمت. قَالَ عمر: فوَاللَّه مَا حَلَفت بهَا مُنْذُ سَمِعت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ذَاكِرًا وَلَا آثراً. وَقَالَ مُجَاهِد: {أَو أثارة من علم} [الْأَحْقَاف: 4] قَالَ يأثر علما. فِيهِ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَالله لَا أَحْلف على يَمِين فَأرى غَيرهَا خيرا مِنْهَا. الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك {عبّر أَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أخبر عَن أيمانه كلهَا أَنَّهَا قَابِلَة للتحلّل بِالْكَفَّارَةِ. وإنمّا تكفر الْيَمين بِاللَّه تَعَالَى خَاصَّة. فَدخل فِي ذَلِك أَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم يحلف إِلَّا بِاللَّه فَيخرج الْحلف بِالْآبَاءِ. وَقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة. (171 - (2) بَاب من حلف على الشَّيْء وَإِن لم يحلف) فِيهِ ابْن عمر: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] اصْطنع خَاتمًا من ذهب. وَكَانَ يلْبسهُ، فَيجْعَل فصّه فِي بَاطِن كفّه. ثمَّ إِنَّه جلس على الْمِنْبَر فَنَزَعَهُ، فَقَالَ: إِنِّي كنت ألبس هَذَا الْخَاتم وَأَجْعَل فصّه من دَاخل فَرمى بِهِ، وَقَالَ: وَالله لَا ألبسهُ أبدا. فنبذ النَّاس خواتيمهم. قلت: رَضِي الله عَنْك} مَقْصُود التَّرْجَمَة أَن يخرج مثل هَذَا من قَوْله تَعَالَى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 8 - (وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم} [الْبَقَرَة:: 224] لِأَن لَا يتخيل أَن الْحَالِف قبل أَن يسْتَحْلف مُطلقًا مرتكب للنَّهْي. فبيّن أَن الْيَمين لمثل هَذَا الْقَصْد الصَّحِيح مَشْرُوعَة. وَالْقَصْد تَأْكِيد الْكَرَاهَة عِنْدهم للتختم بِالذَّهَب. (172 - (3) بَاب من حلف بِملَّة سوى الْإِسْلَام) وَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " من حلف بِاللات فَلْيقل: لَا إِلَه إِلَّا الله وَلم ينبّه بالْكفْر. فِيهِ ثَابت بن الضَّحَّاك: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : من حلف بِغَيْر مِلَّة الْإِسْلَام، فَهُوَ كَمَا قَالَ. وَمن قتل نَفسه بِشَيْء عذّب بِهِ فِي نَار جَهَنَّم. وَلعن الْمُؤمن كقتله. وَمن رمى مُؤمنا بِكفْر فَهُوَ كقتله. قلت: رَضِي الله عَنْك {قصد بِهَذِهِ التَّرْجَمَة وَبِمَا أعقبها من حَدِيث " الْحلف بِاللات " أَن يبيّن أَن قَوْله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من حلف بِغَيْر مِلَّة الْإِسْلَام، فَهُوَ كَمَا قَالَ. لَيْسَ على ظَاهره فِي نسبته إِلَى الْكفْر، بل هُوَ كَمَا قَالَ فِي كذبه مثل كذب الْمُعظم للات من الْجِهَة الْعَامَّة إِذا حلف بهَا. (173 - (4) بَاب قَول الله تَعَالَى: {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم} [الْأَنْعَام: 109] ) وَقَالَ أَبُو بكر: فوَاللَّه يَا رَسُول الله} لتحدثني بِالَّذِي أَخْطَأت فِي الرُّؤْيَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 قَالَ: لَا تقسم فِيهِ الْبَراء: " أمرنَا رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بإبرار الْمقسم. وَفِيه أُسَامَة: أَن ابْنة النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أرْسلت إِلَيْنَا أَن ابْني قد احْتضرَ. فأشهدنا وقمنا مَعَه. الحَدِيث. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : لَا يَمُوت لأحد من الْمُسلمين ثَلَاثَة من الْوَلَد فَتَمَسهُ النَّار إِلَّا تَحِلَّة الْقسم. وَفِيه حَارِثَة بن وهب: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَلا أدلكم على أهل الْجنَّة؟ كل ضَعِيف متضعّف، لَو أقسم على الله لأبّره. وَأهل النَّار كل خوّاض عتلّ متكبر. قلت: رَضِي الله عَنْك! مَقْصُوده من هَذَا الْبَاب - وَالله أعلم - الردّ على من لم يَجْعَل الْقسم بِصِيغَة " أقسم " يَمِينا منعقدة كالشافعي وكمالك فِي قَوْله بِأَنَّهَا لَيست يَمِينا حَتَّى تذكر مَعهَا اسْم الله، أَو يَنْوِي. فَذكر البُخَارِيّ الْآيَة. وَقد قرن الْقسم فِيهَا بِاللَّه. ثمَّ بيّن أنّ هَذَا الاقتران لَيْسَ شرطا بالأحاديث، فَإِنَّهُ جعل هَذِه الصِّيغَة بمجردّها يَمِينا تتصف بالبرّ من غير الْحَالِف، وَهُوَ الْمَحْلُوف عَلَيْهِ. (174 - (5) بَاب الْحلف بعزّة الله وَصِفَاته وَكَلَامه) وَقَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَقُول: أعوذ بعزتك. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : يبْقى رجل بَين الْجنَّة وَالنَّار، فَيَقُول: يارب اصرف وَجْهي عَن النَّار. وَعزَّتك لَا أسئلك وَغَيرهَا. وَقَالَ أَيُّوب] عَلَيْهِ السَّلَام [: وَعزَّتك لاغني بِي عَن بركتك. فِيهِ أنس: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لَا تزَال جَهَنَّم تَقول: هَل من مزِيد؟ حَتَّى يضع رب العزّة فِيهَا قدمه، فَتَقول: قطّ قطّ وعزّتك. ويزوى بَعْضهَا إِلَى بعض. قلت: رَضِي الله عَنْك! مَقْصُود التَّرْجَمَة أَن الْحلف بِالصِّفَاتِ الْقَدِيمَة بِصِيغَة الْمصدر كالحلف بالأسماء. وطابقت التَّرْجَمَة قَوْله: " أعوذ بعزتك " مَعَ أَن هَذَا دُعَاء وَلَيْسَ بقسم من نَاحيَة أَن لَا يستعاذ إِلَّا بالقديم. فَأثْبت هَذَا أَن الْعِزَّة من الصِّفَات الْقَدِيمَة، لِأَن من صفة الْفِعْل فتنعقد الْيَمين. وَالله أعلم. (175 - (6) بَاب إِذا حنث نَاسِيا) وَقَوله تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح فِيمَا أخطأتم بِهِ} [الْأَحْزَاب: 5] وَقَالَ: {لَا تواخذني بِمَا نسيت} [الْكَهْف: 73] . فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: يرفعهُ، قَالَ رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إِن الله تجَاوز لأمتي عَمَّا وسوست أَو حدثت بهَا أَنْفسهَا مَا لم تعْمل بِهِ أَو تَتَكَلَّم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وَفِيه عبد الله بن عمر: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بَيْنَمَا هُوَ يخْطب يَوْم النَّحْر إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رجل، فَقَالَ: كنت أَحسب كَذَا. ثمَّ قَامَ آخر فَقَالَ: يَا رَسُول الله {كنت أَحسب كَذَا. فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : افْعَل وَلَا حرج. الحَدِيث. وَفِيه ابْن عَبَّاس مثله. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: إِن رجلا دخل الْمَسْجِد يُصَلِّي - وَالنَّبِيّ -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي نَاحيَة الْمَسْجِد - فجَاء فسلّم عَلَيْهِ. فَقَالَ: ارْجع فصل فانك لم تصل. فَقَالَ فِي الثَّالِثَة: علّمني. فَقَالَ: إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة فأسبع الْوضُوء. ثمَّ اسْتقْبل الْقبْلَة وكبّر واقرأ بِمَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن. ثمَّ اركع حَتَّى تطمئِن رَاكِعا، ثمَّ ارْفَعْ رَأسك حَتَّى تعتدل قَائِما ثمَّ افْعَل ذَلِك فِي صَلَاتك كلهَا. وَفِيه عَائِشَة: هزم الْمُشْركُونَ يَوْم أحد هزيمَة تعرف فِيهَا. فَصَرَخَ إِبْلِيس أَي عباد الله} أخراكم فَرَجَعت أولاهم فاجتلدت هِيَ وأخراهم. فَنظر حُذَيْفَة: فَإِذا هُوَ بِأَبِيهِ. فَقَالَ: أبي أبي، فوَاللَّه مَا انحجزوا حَتَّى قَتَلُوهُ. فَقَالَ حُذَيْفَة: غفر الله لكم! فَقَالَ عُرْوَة: فوَاللَّه مَا زَالَت فِي حُذَيْفَة مِنْهَا بَقِيَّة خير حَتَّى لقى الله. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: من أكل نَاسِيا وَهُوَ صَائِم فليتّم صَوْمه فَإِنَّمَا أطْعمهُ الله وسقاه. فِيهِ ابْن بُحَيْنَة: صلى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بِنَا فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين قبل أَن يجلس. ثمَّ رفع ثمَّ كبّر وَسجد. ثمَّ رفع رَأسه ثمَّ سلّم. وَفِيه ابْن مَسْعُود: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- صلى بهم الظّهْر، فَزَاد وَنقص مِنْهَا فَقَالَ: يَا رَسُول الله أقصرت الصَّلَاة أم نسيت؟ فَقَالَ: وَمَا ذَاك؟ قَالُوا: صليت كَذَلِك. قَالَ: فَسجدَ بهم ثمَّ قَالَ: هَاتَانِ السجدتان لمن لم يدر زَاد فِي صلَاته أَو نقص فيتحّرى الصَّوَاب فليتّم مَا بقى ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 وَفِيه أَبى بن كَعْب: إِنَّه سمع النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَقُول: {لَا تؤاخذني بِمَا نسيت وَلَا ترهقني من أمرى عسراً} [الْكَهْف: 73] قَالَ: كَانَت الأولى من مُوسَى نِسْيَانا. وَفِيه الْبَراء: كَانَ عِنْدهم ضيف فَأمر أهلهم أَن يذبحوا قبل أَن يرجع ليَأْكُل ضيفهم. فذبحوا قبل الصَّلَاة. فَذكرُوا ذَلِك للنَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَأمر أَن يُعِيد الذّبْح. وَفِيه جُنْدُب: شهِدت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ] صلى [يَوْم عيد، ثمَّ خطب فَقَالَ: من ذبح فليعد مَكَانهَا أُخْرَى. وَمن لم يكن ذبح فليذبح باسم الله. قلت: رَضِي الله عَنْك! لما كَانَ حكم النَّاسِي قَاعِدَة مُخْتَلفا فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْجَاهِل هَل يلْحق بالناسي أَو الْعَامِد؟ أَطَالَ البُخَارِيّ الْأَحَادِيث المتعارضة فِيهِ. فَمِنْهَا مَا قَامَ النسْيَان فِيهِ عذرا مُطلقًا. وَمِنْهَا مَا كَانَ الْخَطَأ فِيهِ ملغى، وَألْحق صَاحبه بالتعمد. وَمِنْهَا مَا عذر بِهِ من وَجه دون وَجه. والتدبر يبيّن ذَلِك. وَالله أعلم. (176 - (7) بَاب الْيَمين فِيمَا لَا يملك وَفِي الْمعْصِيَة، وَالْيَمِين فِي الْغَضَب) فِيهِ أَبُو مُوسَى: أَرْسلنِي أَصْحَابِي إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- اسأله الحملان فَقَالَ: وَالله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 لَا أحملكم على شَيْء. ووافقته وَهُوَ غَضْبَان فَلَمَّا انتبه، قَالَ: انْطلق إِلَى أَصْحَابك. فَقَالَ: إِن الله عز وجلّ، أوإن رَسُوله يحملكم. وَفِيه عَائِشَة: حِين قَالَ لَهَا أهل الأفك مَا قَالُوا، فبرأها الله. وَكَانَ أَبُو بكر ينْفق على مسطح لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ. فَقَالَ: وَالله لَا أنْفق على مسطح شَيْئا بعد الَّذِي قَالَ لعَائِشَة فَأنْزل الله سُبْحَانَهُ: {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم وَالسعَة أَن يؤتوا أولي الْقُرْبَى} [النُّور: 22] . قَالَ أَبُو بكر: بلَى وَالله إِنِّي لأحب أَن يغْفر الله لي. فَرجع إِلَى مسطح النَّفَقَة الَّتِي كَانَ ينْفق عَلَيْهِ. وَقَالَ: وَالله لَا أَنْزعهَا مِنْهُ أبدا. وَفِيه أَبُو مُوسَى: أتيت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي نفر من الْأَشْعَرِيين فوافقته وَهُوَ غَضْبَان فاستحملته فَحلف أَن لَا يحملنا. ثمَّ قَالَ: وَالله إِن شَاءَ الله لَا أَحْلف على يَمِين فَأرى غَيرهَا خيرا مِنْهَا، إِلَّا أتيت الَّذِي هُوَ خير. وتحللتها. قلت: رَضِي الله عَنْك! حَدِيث أبي مُوسَى يُطَابق الْيَمين فِيمَا لَا يملك. قَالَ الشَّارِح. لِأَنَّهُ لم يكن يملك ظهرا يحملهم عَلَيْهِ. فَلَمَّا طَرَأَ الْملك حملهمْ. وَفهم عَن البُخَارِيّ أَنه نحا نَاحيَة تَعْلِيق الطَّلَاق قبل ملك الْعِصْمَة، أَو الحرّية قبل ملك الرَّقَبَة. وَالظَّاهِر من قصد البُخَارِيّ غير هَذَا، وَهُوَ أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- حلف أَن لَا يحملهم، فَلَمَّا حملهمْ وراجعوه فِي يَمِينه. قَالَ: مَا أَنا حملتكم وَلَكِن الله حملكم. فبيّن أَن يَمِينه إِنَّمَا انْعَقَدت فِيمَا يملكهُ، لأَنهم سَأَلُوهُ أَن يحملهم. وَإِنَّمَا سَأَلُوهُ ظنا أَنه يملك حملانا فَحلف لَا يحملهم على شَيْء يملكهُ لعدم الْملك حِينَئِذٍ. كأنّه قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَام - وَالله مَا أملكت حملانا فَكيف أحملكم؟ وَالَّذِي حملكم عَلَيْهِ مَال الله لَا ملكه الْخَاص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 فَلَو حملهمْ على مَا يملكهُ لكفّر. وَلَا خلاف فِيهَا إِذا حلف على شَيْء وَلَيْسَ فِي ملكه أَنه لَا يفعل فعلا مُتَعَلقا بذلك الشَّيْء مثل قَوْله: " وَالله لَا ركبت هَذَا الْبَعِير " وَلم يكن فِي ملكه. وَلَو ملكه وَركبهُ حنث وكفّر. وَلَيْسَ هَذَا من تَعْلِيق الْعتْق على الْملك. وَالله أعلم. (177 - (8) بَاب إِذا حلف أَن يأتدم، فَأكل تَمرا بِخبْز، وَمَا يكون من الْأدم) فِيهِ عَائِشَة: قَالَت مَا شبع آل مُحَمَّد -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من خبز برّ مأدومٍ ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى لحق بِاللَّه. فِيهِ أنس: قَالَ أَبُو طَلْحَة لأم سليم: لقد سَمِعت صَوت رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ضَعِيفا أعرف فِيهِ الْجُوع. فَهَل عنْدك من شَيْء؟ فَقَالَت: نعم {فأخرجت أقراصاً من شعير ثمَّ أخذت خماراً لَهَا، فلفّت الْخبز بِبَعْضِه، ثمَّ أرسلتني إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَذَهَبت فَوجدت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي الْمَسْجِد وَمَعَهُ النَّاس - الحَدِيث - فَأَتَت بالخبز فَأمر بِهِ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فقت وعصرت عكة لَهَا، فأدمته ثمَّ قَالَ فِيهِ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مَا شَاءَ أَن يَقُول. الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك} مَقْصُوده أَن يرد على من زعم أَنه لَا يُقَال ائتدم إِلَّا إِذا كَانَ اصطبغ فَذكر حَدِيث عَائِشَة. والمعلوم أَنَّهَا نفت الإدام مُطلقًا فِي سِيَاق وَبَيَان شظف الْعَيْش فَدخل فِيهِ التَّمْر وَغَيره. وَحَدِيث أنس إِنَّهَا عصرت العكة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 على الأقراص فَلم يكن اصطباغ، قَالَ: فأدمته. (178 - (9) بَاب الْوَفَاء بِالنذرِ وَقَوله عزّ وجلّ: {يُوفونَ بِالنذرِ} [الدَّهْر: 7] .) فِيهِ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَن النّذر لَا يقدّم شَيْئا وَلَا يُؤَخِّرهُ. وَإِنَّمَا يسْتَخْرج بِالنذرِ من الْبَخِيل. وَقَالَ مرّة: لَا يردّ شَيْئا. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : لَا يَأْتِي ابْن آدم النّذر بِشَيْء لم أكن قدرته. لَكِن يلقيه النّذر إِلَى الْقدر قد قدّرته. فيستخرج إِلَيْهِ بِهِ من الْبَخِيل فيؤتيني عَلَيْهِ مَا لم يكن يؤتيني عَلَيْهِ من قبل. قلت: رَضِي الله عَنْك! مَوضِع الاستشهاد قَوْله: " يسْتَخْرج بِهِ من الْبَخِيل " مَا يجب عَلَيْهِ، لَا مَا هُوَ متبّرع بِهِ، وَإِلَّا كَانَ جوداً. (179 - (10) بَاب النّذر فِيمَا لَا يملك وَلَا نذر فِي مَعْصِيّة) فِيهِ عَائِشَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من نذر أَن يُطِيع الله فليطعه، وَمن نذر أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 يعصيه فَلَا يَعْصِهِ. وَفِيه أنس: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِن الله لغنىّ عَن] تَعْذِيب [هَذَا نَفسه. - وَرَآهُ يمشي بَين ابنيه -. وَفِيه ابْن عَبَّاس: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- رأى رجلا يطوف بِالْكَعْبَةِ بزمام أَو غَيره فَقَطعه. وَقَالَ: يَقُود إنْسَانا بخزامة فِي أَنفه فقطعها النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بِيَدِهِ. ثمَّ أمره أَن يَقُود بِيَدِهِ. وَقَالَ ابْن عَبَّاس مرّة: بَيْنَمَا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يخْطب إِذا هُوَ برجلٍ قَائِم فَسَأَلَهُ عَنهُ فَقَالَ: أَبُو إِسْرَائِيل نذر أَن يقوم وَلَا يقْعد، وَلَا يستظل، وَلَا يتَكَلَّم، ويصوم. فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : مره فَلْيَتَكَلَّمْ، ويستظل، وليقعد وليتّم صَوْمه. قلت: رَضِي الله عَنْك! نفى الشَّارِح تَرْجَمته هَهُنَا على النّذر فِيمَا لَا يملك، وَقَالَ: " لَا مدْخل لَهُ فِي هَذِه الْأَحَادِيث، وَإِنَّمَا يدْخل فِيهَا نذر الْمعْصِيَة ". وَالصَّوَاب مَعَ البُخَارِيّ، فَإِنَّهُ تلقى عدم لُزُوم النّذر فِيمَا لَا يملك نذر الْمُتَصَرف فِي ملك الْغَيْر، وَهُوَ مَعْصِيّة. فَمن هَهُنَا أدخلهُ فِي التَّرْجَمَة. وَالله أعلم. وَلِهَذَا لم يقل: " بَاب النّذر فِي مَا لَا يملك، وَفِي الْمعْصِيَة " وَلكنه قَالَ: " النّذر فِيمَا لَا يملك ". ثمَّ قَالَ: " وَلَا نذر فِي مَعْصِيّة "، اندرج النّذر فِي ملك الْغَيْر فِي النّذر فِي الْمعْصِيَة الَّذِي نَفَاهُ عَن الْعُمُوم فَتَأَمّله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 (30 -] كتاب كفّارات الْأَيْمَان [) (180 - (1) بَاب قَوْله تَعَالَى: {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} [التَّحْرِيم: 2] وَمَتى تجب الكفّارة على الْغَنِيّ وَالْفَقِير.) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَ: هَلَكت، قَالَ: مَا شَأْنك؟ قَالَ: وَقعت على امْرَأَتي فِي رَمَضَان. قَالَ: تَسْتَطِيع أَن تَصُوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين. قَالَ: لَا. قَالَ: فتستطيع أَن تطعم سِتِّينَ مِسْكينا. قَالَ: لَا فأجلس. الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك! مَقْصُوده التَّنْبِيه على أَن الكفّارة إِنَّمَا تجب بِالْحِنْثِ، كَمَا أَن كَفَّارَة الْإِفْطَار إِنَّمَا كَانَت بعد اقتحام الذَّنب. وأدرج فِي ذَلِك إِيجَابهَا على الْفَقِير، لِأَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- علم فقره، وَمَعَ ذَلِك أعظاه مَا يكفّر بِهِ، كَمَا لَو أعْطى الْفَقِير مَا يغطى بِهِ دينه. (181 - (2) بَاب يعْطى فِي الْكَفَّارَة عشرَة مَسَاكِين أقرباء كَانُوا أَو بعداء) وَذكر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: أطْعم أهلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 قلت: رَضِي الله عَنْك {أعَاد الحَدِيث فِي هَذِه التَّرْجَمَة وَمَا فِيهِ إِلَّا " أطْعم أهلك " لَكِن إِذا جَازَ أعْطى الأقرباء فالبعداء أجوز. وقاس البُخَارِيّ كَفَّارَة الْيَمين على كَفَّارَة الْإِفْطَار فِي إجَازَة الصّرْف إِلَى الأقرباء. (182 - (3) بَاب عتق المدبّر وَأم الْوَلَد وَالْمكَاتب فِي الْكَفَّارَة، وَعتق ولد الزِّنَا. وَقَالَ طَاوس: يَجْزِي المدبّر وأمّ الْوَلَد.) فِيهِ جَابر: إِن رجلا من الْأَنْصَار دبر مَمْلُوكا، وَلم يكن لَهُ مَال غَيره. فَبلغ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ من يَشْتَرِيهِ مني؟ فَاشْتَرَاهُ نعيم بن النحّام بثمان مائَة دِرْهَم. قلت: رَضِي الله عَنْك} وَجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة لبيع المدبّر أَنه بَاعه. وَبيعه يدلّ على ملكه، فَهُوَ كالقنّ. وَقَول طَاوس بِإِجَازَة أم الْوَلَد توجب إجَازَة الْمكَاتب بطرِيق الأولى. وَلَا أعلم مُنَاسبَة بَين عتق ولد الزِّنَا وَبَين مَا أدخلهُ فِي التَّرْجَمَة إِلَّا أَن يكون الْمُخَالف فِي عتقه خَالف فِي عتق مَا ذكره فاستدلّ عَلَيْهِ البُخَارِيّ بطرِيق لَا قَابل بِالْفَضْلِ. أَو لِأَن الَّذِي منع عتق الْمكَاتب وَنَحْوه فِي الْكَفَّارَة بنى على نقص قِيمَته فِي الْكِتَابَة. فَلَا يجزيء فِي الْكَفَّارَة كعيب الْعين. فنقض عَلَيْهِ البُخَارِيّ بِنَقص ولد الزِّنَا فِي الْقيمَة، وَمَعَ ذَلِك جَازَ عتقه فِي الْكَفَّارَة وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 (183 - (4) بَاب إِذا عتق عبدا بَينه وَبَين آخر فِي الْكَفَّارَة لمن وَلَاؤُه؟) فِيهِ عَائِشَة إِنَّهَا أَرَادَت تشتري بَرِيرَة، فَاشْتَرَطُوا عَلَيْهَا] الْوَلَاء، فَقَالَ [: الْوَلَاء لمن أعتق. قلت: رَضِي الله عَنْك! ترْجم على العَبْد الْمُشْتَرك بِعِتْق أَحدهمَا وَحَدِيث بَرِيرَة لَا اشْتِرَاك فِيهِ. لكِنهمْ لما اشترطوا الْوَلَاء وَكَانَت الرَّقَبَة لعَائِشَة صَار الْحق فِي الْأمة مَدْخُولا فِيهِ على الِاشْتِرَاك. فأسقط الشَّرْع حق الْوَلَاء عَن غير الْمُعْتق، وَخص بِهِ الْمُعْتق. فَكَذَلِك أحد الشَّرِيكَيْنِ إِذا أعتق] نصِيبه [وَكَانَ مُوسِرًا. ويجزيه فِي الْكَفَّارَة عِنْد مَالك - رَحمَه الله -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 (184 - (5) بَاب الِاسْتِثْنَاء فِي الْيَمين) فِيهِ أَبُو مُوسَى: أتيت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي نفر من الْأَشْعَرِيين أستحمله. فَقَالَ: وَالله لَا أحملكم. فلبثنا مَا شَاءَ الله. ثمَّ أَتَى بِإِبِل فَأمر لنا بِثَلَاث ذود فَقُلْنَا: لَا يُبَارك لنا فأتينا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَأَخْبَرنَاهُ. فَقَالَ: مَا أَنا حملتكم بل الله حملكم. وَأَنا إِن شَاءَ الله لَا أَحْلف على يَمِين فَأرى غَيرهَا خيرا مِنْهَا، إِلَّا كفرت عَن يَمِيني. وأتيت الَّذِي هُوَ خير، أَو أتيت الَّذِي هُوَ خير وكفرت عَن يَمِيني. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ سُلَيْمَان: لأطوفن اللَّيْلَة على تسعين امْرَأَة، كُلهنَّ تَلد غُلَاما يُقَاتل فِي سَبِيل الله. فَقَالَ لَهُ صَاحبه - يعْنى الْملك -: قل: إِن شَاءَ الله. فنسى فَلم يَأْتِ مِنْهُنَّ، إِلَّا وَاحِدَة جَاءَت بشق غُلَام. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة يرويهِ: لَو قَالَ: إِن شَاءَ الله لم يَحْنَث، وَكَانَ دركاً لَهُ فِي حَاجته وَقَالَ مرّة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لَو اسْتثْنى. قلت: رَضِي الله عَنْك! ترْجم على الِاسْتِثْنَاء فِي الْيَمين وَلَيْسَ فِي حَدِيث أبي مُوسَى إِلَّا قَوْله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : " وَإِنِّي إِ، شَاءَ الله "، وَهَذِه لَيست بِيَمِين. وَأما حَدِيث سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَفِيهِ: " لأطوفنّ. وَهَذَا وَإِن لم يكن فِيهِ يَمِين وَلَكِن فِيهِ مَا يتَعَيَّن أَن يكون جَوَاب قسم. وَكَانَ البُخَارِيّ يَقُول: إِذا اسْتثْنى من الْأَخْبَار فَكيف لَا يسْتَثْنى من الْأَخْبَار الْمُؤَكّدَة بالقسم وَهُوَ أحْوج للتفويض إِلَى الْمَشِيئَة، لِأَنَّهُ أَدخل فِي التألى على الله تَعَالَى بِالْغَيْبِ الْمُسْتَقْبل؟ وَالله أعلم. وَفِي حَدِيث سُلَيْمَان لَطِيفَة تدل على أَن الْفَصْل الْيَسِير بَين الْيَمين وَالِاسْتِثْنَاء لَا يضر، لِأَنَّهُ قَالَ: " فَقَالَ لَهُ الْملك، قل: إِن شَاءَ الله فنسى ". فَمُقْتَضى هَذَا أَنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 لَو قَالَهَا لاعتبر اسْتِثْنَاؤُهُ. وَذَلِكَ مَعَ الْفَصْل بقول الْملك بَين الْيَمين وَبَين الِاسْتِثْنَاء. وَلَكِن الْمَذْهَب الصَّحِيح عِنْد الْعلمَاء اشْتِرَاط الِاتِّصَال فِي الِاسْتِثْنَاء، فَيحمل على أَن الْملك قَالَ لَهُ ذَلِك خلال يَمِينه بِحَيْثُ لَو لم ينس لَكَانَ الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِلا. فَفِيهِ دَلِيل على أَن حُدُوث نيّة الِاسْتِثْنَاء خلال الْيَمين كافٍ وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد مَالك، لأنّا لَا نعتبر مُقَارنَة النيّة لأوّل الْيَمين بل لَو حدثت مُتَّصِلَة بآخر جُزْء مِنْهَا اعْتبر. وَالله أعلم. (185 - (6) بَاب الْكَفَّارَة قبل الْحِنْث وَبعده) فِيهِ حَدِيث أبي مُوسَى: إِلَى قَوْله: [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إِنِّي وَالله إِن شَاءَ الله لَا أَحْلف على يَمِين فَأرى غَيرهَا خيرا مِنْهَا إِلَّا أتيت الَّذِي هُوَ خير، وتحلللتها. وَفِيه عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لَا تسْأَل الْإِمَارَة - إِلَى قَوْله - وَإِذا حَلَفت على يَمِين وَرَأَيْت غَيرهَا خيرا مِنْهَا فأت الَّذِي هُوَ خير وكفّر عَن يَمِينك. قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قيل ترْجم على التَّكْفِير قبل وَبعد. وسَاق الحَدِيث الْمُجْمل فِي التَّرْتِيب لِأَن الْوَاو لَا تدّل على الْجمع الْمُطلق. فَالْجَوَاب أَنه لَو كَانَ التَّرْتِيب بَينهمَا شَرْعِيًّا بِحَيْثُ لَا تشرع الْكَفَّارَة إِلَّا بعد الْحِنْث لنّبه الشَّرْع عَلَيْهِ فَلَمَّا لم تلْتَفت إِلَى ذَلِك فهم التَّسَاوِي فِيهِ. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 (31 - كتاب الْبيُوع) (186 - (1) بَاب مَا جَاءَ فِي قَوْله عز وَجل: {فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض وابتغوا من فضل الله} الْآيَة. {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِما قل مَا عِنْد الله خير من اللَّهْو وَمن التِّجَارَة وَالله خير الرازقين} [الْجُمُعَة: 10 - 11] . وَقَوله تبَارك وَتَعَالَى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن تراضٍ مِنْكُم} [النِّسَاء: 29] . فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ: إِنَّكُم تَقولُونَ: إِن أَبَا هُرَيْرَة يكثر الحَدِيث عَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِمثل حَدِيث أبي هُرَيْرَة؟ وَإِن إخْوَانِي من الْمُهَاجِرين كَانَ يشغلهم صفق بالأسواق، وَكنت ألزم رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] على ملْء بَطْني، فَأشْهد إِذا غَابُوا، وأحفظ إِذا نسوا، وَقد قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إِنَّه لن يبسط أحدكُم ثَوْبه حَتَّى أَقْْضِي مَقَالَتي هَذِه ثمَّ يجمع إِلَيْهِ ثَوْبه إِلَّا وعى مَا أَقُول " فبسطت نميرة عليّ حَتَّى إِذا قضى رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- مقَالَته جمعتها إِلَى صَدْرِي فَمَا نسيت من مقَالَة رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] تِلْكَ من شَيْء. وَفِيه عبد الرَّحْمَن: لما قدمنَا الْمَدِينَة آخى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بيني وَبَين سعد بن الرّبيع فَقَالَ سعد: إِنِّي أَكثر الْأَنْصَار مَالا فأقسم لَك نصف مَالِي، وَانْظُر أَي زَوْجَتي هويت نزلت لَك عَنْهَا، فَإِذا حلّت تَزَوَّجتهَا. فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: لَا حَاجَة لي فِي ذَلِك، هَل من سوق فِيهِ تِجَارَة؟ قَالَ: سوق قينقاع. فغدا إِلَيْهِ فَأتى بأقط وَسمن ... الحَدِيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وَفِيه ابْن عَبَّاس: كَانَت عكاظ ومجنة وَذُو الْمجَاز أسواقاً فِي الْجَاهِلِيَّة، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام كَأَنَّهُمْ تأثموا فِيهِ فَنزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من رّبكم} [الْبَقَرَة: 98] فِي مواسم الْحَج. قلت: رَضِي الله عَنْك جَمِيع مَا ذكره ظَاهر فِي إِبَاحَة التِّجَارَة إلاّ قَوْله: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهواً} الْآيَة فَإِنَّهَا عتبٌ على التِّجَارَة وَهِي أَدخل فِي النَّهْي مِنْهَا فِي الْإِبَاحَة لَهَا لَكِن مَفْهُوم النَّهْي عَن تَركه قَائِما اهتماماً بهَا يشْعر أَنَّهَا لَو خلت من الْمعَارض الرّاجح لَهُم تدخل فِي العتب بل كَانَت حِينَئِذٍ مُبَاحَة. (187 - (2) بَاب: قَول الله تَعَالَى: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهواً انْفَضُّوا} ) فِيهِ جَابر: بَيْنَمَا نَحن نصلّي مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إِذْ أَقبلت عير من الشَّام تحمل طَعَاما فانقلبوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِي مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إلاّ اثْنَي عشر رجلا، فَنزلت: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهواً} الْآيَة. قلت: رَضِي الله عَنْك! إِنَّمَا ذكر الْآيَة فِي هَذِه التَّرْجَمَة بمنطوقها وَهُوَ الذَّم وتقدّم ذكره فِي بَاب الْإِبَاحَة بمفهومها. وَهُوَ تَخْصِيص ذمّها بِحَالَة اشْتغل بهَا عَن الصَّلَاة وَالْخطْبَة. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 (188 - (3) بَاب: {يمحق الله الرّبا ويربي الصَّدقَات} [الْبَقَرَة: 276] .) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : " الْحلف ممحقة للبركة، منفقة للسلعة ". قلت: رَضِي الله عَنْك! ذكر الحَدِيث كالتفسير لِلْآيَةِ، لِأَن الرّبا الزِّيَادَة، فَيُقَال: كَيفَ يجْتَمع المحاق وَالزِّيَادَة؟ فبيّن بِالْحَدِيثِ أَن الْيَمين مزيدة فِي الثّمن وممحقة للبركة مِنْهُ، وَالْبركَة أَمر زَائِد فِي الْعدَد، فَتَأْوِيل قَوْله: {يمحق الله الرِّبَا} يمحق الله الْبركَة مِنْهُ وَإِن كَانَ عدده بَاقِيا على مَا كَانَ. (189 - (4) بَاب التِّجَارَة فِيمَا يكره لبسه للرِّجَال وَالنِّسَاء) فِيهِ ابْن عمر: أَرْسلنِي رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إِلَى عمر بحلة حَرِير - أَو سيراء - فرآها عَلَيْهِ فَقَالَ: " إِنِّي لم أرسل بهَا إِلَيْك لتلبسها إِنَّمَا يلبسهَا من لَا خلاق لَهُ، إِنَّمَا بعثت إِلَيْك لتستمتع بهَا يَعْنِي تبيعها ". فِيهِ عَائِشَة: إِنَّهَا اشترت نمرقة فِيهَا تصاوير، فَلَمَّا رَآهَا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَامَ على الْبَاب فَلم يدْخلهُ فَعرفت فِي وَجهه الْكَرَاهِيَة، فَقلت: يَا رَسُول الله، أَتُوب إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله، فَمَاذَا أذنبت؟ فَقَالَ: " مَا بَال هَذِه النمرقة؟ " قلت: اشْتَرَيْتهَا لَك لتقعد عَلَيْهَا وتوسّدها فَقَالَ: " إِن أَصْحَاب هَذِه الصُّور يَوْم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 الْقِيَامَة يُعَذبُونَ، فَيُقَال لَهُم: أحيوا مَا خلقْتُمْ. وَإِن الْبَيْت الَّذِي فِيهِ الصّور لَا تدخله الْمَلَائِكَة. ". قلت: رَضِي الله عَنْك {فِي تَرْجَمَة البُخَارِيّ إِشْعَار بِحمْل قَوْله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : " إِنَّمَا يلبسهَا من لَا خلاق لَهُ " على الْعُمُوم للرِّجَال وللنساء. وَالْحق أَن النَّهْي خَاص بِالرِّجَالِ. أما النمرقة المصّورة فَإِن الصُّورَة الْمَكْرُوهَة يَسْتَوِي فِيهَا الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي الْمَنْع. (190 - (5) بَاب كم يجوز الْخِيَار؟) فِيهِ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : [إنّ] الْمُتَبَايعين بِالْخِيَارِ فِي بيعهمَا مَا يفترقا أَو يكون البيع خياراً ". وَكَانَ ابْن عمر إِذا اشْترى شَيْئا يُعجبهُ فَارق صَاحبه. وَفِيه حَكِيم بن حزَام: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : البيعان بِالْخِيَارِ مَا لم يفترقا ". قلت: رضى الله عَنْك} ترْجم على قدر أمد الْخِيَار، هَل يَسْتَوِي فِيهِ السّلع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 أَو تَتَفَاوَت بِحَسب الْحَاجة إِلَى التروي فِيهَا؟ وَلَيْسَ فِي الحَدِيث الَّذِي أوردهُ تعرّض لوَاحِد من المذهبين، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَأْخُذ من عدم تحديده فِي الحَدِيث تَفْوِيض الْأَمر إِلَى الْحَاجة فِي اشْتِرَاطه، وَهُوَ مَذْهَب مَالك رَحمَه الله فَيحْتَمل. (191 - (6) بَاب إِذا لم يُوَقت فِي الْخِيَار، هَل يجوز البيع؟) فِيهِ ابْن عمر: أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- [قَالَ] البيعان بِالْخِيَارِ مَا لم يفترقا أَو يَقُول أَحدهمَا لصَاحبه: اختر " وَرُبمَا قَالَ " أَو يكون بيع خِيَار ". قلت: رَضِي الله عَنْك! ، الظَّاهِر أَنه قصد تَجْوِيز البيع، وتفويض الْأَمر بعد اشْتِرَاط الْخِيَار الْمُطلق إِلَى الْعَادة فِي مثل السّلْعَة، وَهَذَا مَذْهَب مَالك رَحمَه الله، وَهُوَ أسعد بِإِطْلَاق الحَدِيث خلافًا لمن منع البيع كَذَلِك إِلْحَاقًا بالعذر. وَالله أعلم. (192 - (7) بَاب إِذا اشْترى شَيْئا فوهبه من سَاعَته قبل أَن يفترقا وَلم يُنكر البَائِع على المُشْتَرِي أَو اشْترى عبدا فَأعْتقهُ.) وَقَالَ طَاوس فِيمَن يَشْتَرِي السّلْعَة على الرِّضَا ثمَّ بَاعهَا: وَجب لَهُ البيع. فِيهِ ابْن عمر: كنت مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي سفر فَكنت على بكر صَعب لعمر، فَكَانَ يغلبني فيتقدّم أَمَام الْقَوْم، فيزجزه عمر ويردّه. فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 لعمر: " بعنيه " قَالَ: هُوَ لَك يَا رَسُول الله. قَالَ: " بعنيه " فَبَاعَهُ من النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: " هُوَ لَك يَا عبد الله بن عمر، تصنع بِهِ مَا شِئْت ". وَفِيه ابْن عمر: بِعْت من أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان مَالا بوادي الْقرى بِمَال لَهُ بِخَيْبَر. فَلَمَّا تبايعنا رجعت على عَقبي حَتَّى خرجت من بَيته خشيَة أَن يرادّني فِي البيع، وَكَانَت السّنة أَن الْمُتَبَايعين بِالْخِيَارِ حَتَّى يفترقا. قَالَ عبد الله: فَلَمَّا وَجب بيعى وَبيعه رَأَيْت أَنِّي قد غبنته بِأَنِّي قد سقته إِلَى أَرض ثَمُود بِثَلَاث لَيَال، وساقني إِلَى الْمَدِينَة بِثَلَاث لَيَال. قلت: رَضِي الله عَنْك! أَرَادَ البُخَارِيّ إِثْبَات خِيَار الْمجْلس بِحَدِيث ابْن عمر مَعَ عُثْمَان. وَلما علم أَن الحَدِيث الأول يُعَارضهُ لِأَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يصرف فِي الْبكر تصّرف الْمَالِك بِنَفس تَمام العقد لفظا، اسْتَأْنف عَن ذَلِك بقوله فِي التَّرْجَمَة: " وَلم يُنكر البَائِع على المُشْتَرِي "، يَعْنِي أَن هَذِه الْهِبَة إِنَّمَا مَضَت بإمضاء البَائِع، وَهُوَ سُكُوته النَّازِل منزلَة قَوْله: أمضيت العقد، لَا بِلَفْظ العقد الأول خَاصَّة. وَالله أعلم. (193 - (8) بَاب ذكر الْأَسْوَاق) وَقَالَ عبد الرَّحْمَن: لما قدمنَا الْمَدِينَة [قلت] : هَل من سوق فِيهِ تِجَارَة؟ قَالَ: دلّوني على السُّوق. وَقَالَ عمر: ألهاني الصّفق بالأسواق. فِيهِ عَائِشَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : " يَغْزُو جيشٌ الْكَعْبَة فيخسف بأولهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وَآخرهمْ ". قُلْنَا: يَا رَسُول الله، كَيفَ يخسف بأولهم وَآخرهمْ؟ [وَفِيهِمْ أسواقهم وَمن لَيْسَ مِنْهُم؟] قَالَ: يخسف بأولهم وَآخرهمْ ثمَّ يبعثون على نياتهم. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : " صَلَاة أحدكُم فِي جمَاعَة تزيد على صلَاته فِي سوقه وبيته " الحَدِيث. وَفِيه أنس: كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي السُّوق - وَقَالَ مرّة بِالبَقِيعِ - فَقَالَ رجل: يَا أَبَا الْقَاسِم فَالْتَفت إِلَيْهِ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَ: " إِنَّمَا دَعَوْت هَذَا، فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " تسمّوا باسمي وَلَا تكنوا بكنيتي ". وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: خرج النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي طَائِفَة من النَّهَار وَلَا يكلّمني حَتَّى أَتَى سوق بني قينقاع. فَجَلَسَ بِفنَاء بَيت فَاطِمَة فَقَالَ: " أَثم لكع، أَثم لكع؟ فحسبته شَيْئا فَظَنَنْت أَنَّهَا تلبسه سخاباً أَو تغسله فجَاء يشتدّ حَتَّى عانقه وقبّله ... الحَدِيث. وَفِيه ابْن عمر: أَنهم كَانُوا يشْتَرونَ الطَّعَام من الركْبَان على عهد النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَبعث عَلَيْهِم من يمنعهُم أَن يبيعوا حَيْثُ اشتروه حَتَّى يبلغوه حَيْثُ يُبَاع الطَّعَام. قلت: رَضِي الله عَنْك! إِنَّمَا أَرَادَ بِذكر الْأَسْوَاق بِإِبَاحَة المتاجر وَدخُول السُّوق وَالشِّرَاء فِيهِ للْعُلَمَاء والفضلاء. وَكَأَنَّهُ لم يَصح عِنْده الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ: " شَرّ الْبِقَاع الْأَسْوَاق، وَخَيرهَا الْمَسَاجِد ". وَهَذَا إِنَّمَا خرج على الْأَغْلَب لِأَن الْمَسَاجِد يذكر فِيهَا اسْم الله تَعَالَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 والأسواق قد غلب على أَهلهَا الْغَلَط وَاللَّهْو والاشتغال بِجمع المَال والتكالب على الدُّنْيَا من الْوَجْه الْمُبَاح وَغَيره، وَأَنه إِذا ذكر الله فِي السُّوق فَهُوَ من أفضل الْأَعْمَال. ورُوي عَن مُحَمَّد بن وَاسع أَنه قَالَ: " سَمِعت سَالم بن عبد الله يَقُول: من دخل السُّوق فَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيي وَيُمِيت وَهُوَ على كل شَيْء قدير كتبت لَهُ ألف حَسَنَة وتمحى عَنهُ ألف ألف سَيِّئَة وَبنى لَهُ بَيت فِي الْجنَّة. وَكَذَلِكَ إِذا لغى فِي الْمَسْجِد ولغط فِيهِ أَو عصى ربّه لم يضّر الْمَسْجِد وَلَا نقص من فَضله وَإِنَّمَا أضرّ نَفسه، وَبَالغ فِي إثمه. وَقد روى عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: " من عصى الله فِي الْمَسْجِد فَكَأَنَّمَا عَصَاهُ فِي الْجنَّة. وَمن عَصَاهُ فِي الْحمام فَكَأَنَّمَا عَصَاهُ فِي النَّار. وَمن عَصَاهُ فِي الْمقْبرَة فَكَأَنَّمَا عَصَاهُ فِي عرصات الْقِيَامَة. وَمن عَصَاهُ فِي الْبَحْر فَكَأَنَّمَا عَصَاهُ على كف الْمَلَائِكَة ". وَذهب الْمُهلب فِي حَدِيث عَائِشَة إِلَى من كثر سَواد العصاة تلْزمهُ الْعقُوبَة مَعَهم. وَإِن مَالِكًا استنبط من الحَدِيث معاقبة جليس شَارِب الْخمر وَإِن لم يشرب. وَهَذَا عِنْدِي مَرْدُود فَإِن الْعقُوبَة الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث هِيَ المحنة السماوية والمحن السماوية لَا تقاس بهَا الْعُقُوبَات الشَّرْعِيَّة. وَلِهَذَا قَالَ -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : " ويبعثون على نياتهم " دلّ على أَن الْمُقَاتلَة عوقبوا والسوقة امتحنوا مَعَهم فِي الدُّنْيَا خاصّة. ثمَّ وَرَاء ذَلِك نظر فِي مصاحبة أهل الْفِتْنَة للتِّجَارَة مَعَهم هَل هِيَ من قبيل إعانتهم على مَا هم عَلَيْهِ؟ أَو يُقَال: إِن ضَرُورَة الْوُجُود توجب معاملتهم، وكل على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 شاكلته، والمفتن يبوء بإثمه. وَهَذَا ظَاهر الحَدِيث. (194 - (9) بَاب هَل يَبِيع حَاضر لباد بِغَيْر أجر وَهل يُعينه أَو ينصحُه؟ وَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : " إِذا استنصح أحدكُم أَخَاهُ فلينصح لَهُ " وَرخّص فِيهِ عَطاء. فِيهِ جرير: بايعتُ رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- على شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله والنصح لكل مُسلم " مُخْتَصر. وَفِيه ابْن عَبَّاس: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : " لَا تلقُّوا الرُّكبان وَلَا يبع حَاضر لباد " فَقلت لِابْنِ عَبَّاس: مَا قَوْله: " لَا يبع حَاضر لباد "؟ فَقَالَ: لَا يكون لَهُ سمساراً. قلت: رَضِي الله عَنْك! سَاق البُخَارِيّ الْعُمُوم وَالْخُصُوص على صِيغَة التَّعَارُض ليرشد إِلَى الْجمع. وَحمل النهى الْخَاص على البيع بِأَجْر لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يكون غَرَضه نصح البَائِع وَإِنَّمَا غَرَضه الْأجر. وَمُقْتَضى هَذَا: إجَازَة بيع الْحَاضِر للبادي بِغَيْر أجر من بَاب النصح لكل مُسلم وترجمته الَّتِي تلِي هَذِه تحقق مَقْصُوده على هَذَا الْوَجْه. (195 - (10) بَاب بيع الجُمّار وَأكله) فِيهِ ابْن عمر: كنت عِنْد النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَهُوَ يَأْكُل جُمّاراً فَقَالَ: " من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 الشَّجَرَة شَجَرَة كَالرّجلِ الْمُؤمن " فَأَرَدْت أَن أَقُول النَّخْلَة. فَإِذا أَنا أحدثُهم فَقَالَ: " هِيَ النَّخْلَة " قلت: رَضِي الله عَنْك! لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على بيع الجُمّار إِلَّا بِالْقِيَاسِ على أكله، إِذْ يدل على أَنه مُبَاح. واستغرب الشَّارِح ذكره لبيع الجُمّار بِنَاء مِنْهُ على أَنه مجمع عَلَيْهِ، وَأَنه لَا يتخيّل أحد فِيهِ الْمَنْع. وَقد وَقع فِي عصرنا لبَعْضهِم إِنْكَار على من جمّر نَخْلَة ليأكله تحرجاً من أكل غَيره مّما لم يصف من الشُّبْهَة وَنسبه لإضاعة المَال وَذهل عَن كَونه حفظ مَاله بِمَالِه. (196 - (11) بَاب من أجْرى أَمر الْأَمْصَار على مَا يَتَعَارَفُونَ بَينهم فِي البيع وَالْإِجَارَة والكيل وَالْوَزْن وسننهم على نياتهم ومذاهبهم الْمَشْهُورَة) وَقَالَ شُرَيْح للغزّالين: سنتّكم بَيْنكُم. وَقَالَ ابْن سِيرِين: لَا بَأْس الْعشْرَة بِأحد عشر وَيَأْخُذ للنَّفَقَة ربحا. وَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لهِنْد: " خذي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ " وَقَالَ تَعَالَى: {وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ} [النِّسَاء: 6] واكترى الْحسن من عبد الله بن مرداس حمارا. قَالَ: بكم؟ قَالَ: بدانقين، فَرَكبهُ ثمَّ جَاءَ مرّة أُخْرَى. وَقَالَ الْحمار الْحمار فَرَكبهُ وَلم يشارطه فَبعث إِلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 بِنصْف دِرْهَم. فِيهِ أنس:: " حجم النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَبُو طيبَة فَأمر لَهُ بِصَاع من تمر، وَأمر أَهله أَن يخففّوا عَنهُ من خراجه ". وَفِيه عَائِشَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لهِنْد حِين قَالَت لَهُ: إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح، فَهَل علىّ من جنَاح أَن آخذ من مَاله سرّاً؟ فَقَالَ:: " خذي أَنْت وبنيك مَا يَكْفِيك بِالْمَعْرُوفِ ". وَقَالَت: عَائِشَة رضى الله عَنْهَا: {وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ} أنزلت فِي وليّ الْيَتِيم الَّذِي يُقيم عَلَيْهِ وَيصْلح فِي مَاله. إِن كَانَ فَقِيرا أكل مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ. قلت: رَضِي الله عَنْك! مَقْصُوده بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِثْبَات الِاعْتِمَاد على الْعرف وَأَنه يقْضِي بِهِ على ظواهر الْأَلْفَاظ. ويردّ إِلَى مَا خَالف الظَّاهِر من الْعرف، وَلِهَذَا: سَاق: " لَا بَأْس الْعشْرَة بِأحد عشر "، أَي يَبِيعهُ بسلعة مُرَابحَة للعشرة بِأحد عشر. وَظَاهره أَن ربح الْعشْرَة أحد عشر فَتكون الْجُمْلَة أحدا وَعشْرين، وَلَكِن الْعرف فِيهِ أَن للعشرة دِينَارا ربحا فَيقْضى بِالْعرْفِ على اللَّفْظ. فَإِذا صحّ الِاعْتِمَاد على الْعرف مُعَارضا بِالظَّاهِرِ فالاعتماد عَلَيْهِ مُطلقًا أولى. وَوجه دُخُول حَدِيث أبي طيبَة فِي التَّرْجَمَة أَنه - عَلَيْهِ السَّلَام - لم يشارطه اعْتِمَادًا على الْعرف فِي مثله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 (197 - (12) بَاب بيع الشَّرِيك من شَرِيكه.) فِيهِ جَابر: جعل النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- الشُّفْعَة فِي كل مَا لم يقسم، فَإِذا وَقعت الْحُدُود، وصرفت الطّرق، فَلَا شُفْعَة. وَترْجم لَهُ " بَاب بيع الأَرْض، والدور، وَالْعرُوض مشَاعا غير مقسوم ". قلت: رَضِي الله عَنْك! أَدخل حَدِيث الشُّفْعَة فِي البيع، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الشَّرِيك يَأْخُذ الشّقص من المُشْتَرِي قهرا بِالثّمن. فَأَخذه لَهُ من شَرِيكه مبايعة جَائِز قطعا. وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن الشُّفْعَة بيع، وَهُوَ أحد المذهبين فِيهَا. (198 - (13) بَاب شِرَاء الْمَمْلُوك من الْحَرْبِيّ، وهبته وعتقه.) قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لسلمان: " كَاتب، وَكَانَ حرّاً، فظلموه وباعوه. وسبى عمّار، وصهيب، وبلال. وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَالله فضل بَعْضكُم على بعض فِي الرزق، فَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 الَّذين فضلوا برادى رزقهم على مَا ملكت أَيْمَانهم فهم فِيهِ سَوَاء أفبنعمة الله يجحدون} [النَّحْل: 71] . فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- هَاجر إِبْرَاهِيم بسارة، فَدخل بهَا قَرْيَة فِيهَا ملك من الْمُلُوك، أَو جَبَّار من الْجَبَابِرَة. فَقيل: دخل إِبْرَاهِيم بِامْرَأَة، هِيَ من أحسن النِّسَاء. فَأرْسل إِلَيْهِ من هَذِه الَّتِي مَعَك؟ قَالَ: أُخْتِي. ثمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: لَا تكذّبي حَدِيثي. فَإِنِّي أَخْبَرتهم أَنَّك أُخْتِي. وَالله إِن على الأَرْض مُؤمن غَيْرِي وَغَيْرك [فَأرْسل بهَا إِلَيْهِ، فَقَامَ إِلَيْهَا] فَقَامَتْ تتوضأ وَتصلي فَقَالَت: اللَّهُمَّ إِنِّي كنت آمَنت بك وبرسولك، وأحصنت فَرجي إِلَّا على زَوجي، فَلَا تسلّط عليّ الْكَافِر، فغطّ حَتَّى ركض بِرجلِهِ. قَالَ الْأَعْرَج قَالَ أَبُو سَلمَة: إِن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ، قَالَت: اللَّهُمَّ إِن يمت، يُقَال: هِيَ قتلته. فَأرْسل فِي الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة، فَقَالَ: وَالله مَا أرسلتم إلىّ إِلَّا شَيْطَانا، ارجعوها إِلَى إِبْرَاهِيم. فَقَالَت: أشعرت أَن الله كبت الْكَافِر وَأَخْدَم وليدة. فِيهِ عَائِشَة: اخْتصم سعد بن وَقاص وعبد الله بن زَمعَة [فِي غُلَام فَقَالَ عبد] هَذَا يَا رَسُول الله أخي، ولد على فرَاش أبي من وليدته. فَنظر النَّبِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى شبهه، فَرَأى شبها بيّناً بِعتبَة فَقَالَ: هُوَ لَك يَا عبد. الْوَلَد للْفراش، وللعاهر الْحجر. واحتجبي مِنْهُ يَا سَوْدَة فَلم ير سَوْدَة قطّ. فِيهِ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: إِنَّه قَالَ لِصُهَيْب اتّق الله وَلَا تدّع إِلَى غير أَبِيك. فَقَالَ صُهَيْب " مَا يسرني أنّ لي كَذَا وَكَذَا، وَأَنِّي قلت ذَلِك، ولكنّي سرقت وَأَنا صبّي. فِيهِ حَكِيم بن حزَام: قلت: يَا رَسُول الله {أَرَأَيْت أموراً كنت أتحنث بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، من صلَة وعتاقة وَصدقَة، هَل لي فِيهَا أجر؟ قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: أسلمت على مَا سلف لَك من خير. قلت: رَضِي الله عَنْك} مَقْصُوده من هَذِه الْأَحَادِيث وَالْآيَة صِحَة ملك الْحَرْبِيّ، وَملك الْمُسلم عَنهُ. والمخاطب فِي الْآيَة الْمُشْركُونَ وبّخوا على قسوتهم بَين الله وَبَين الْأَصْنَام فِي الْعِبَادَة، وكونهم لَا يساوون مماليكهم فِي أَرْزَاقهم، فأثبتوا لأَنْفُسِهِمْ الميزة على مماليكهم، وَلم يثبتوا لله التفرد عَن الْأَصْنَام بِمَا يجب لَهُ من فَأخذ من الْآيَة أَن للْمُشْرِكين أملاكاً، دلّ أَن الْإِشْرَاك لَا يُنَافِي الْملك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 (32 -[كتاب السّلم] ) (199 - (1) بَاب السّلم إِلَى من لَيْسَ عِنْده أصل) فِيهِ عبد الله بن أبي أوفي: كنّا نسلم نبيط أهل الشَّام فِي الْحِنْطَة وَالشعِير وَالزَّبِيب فِي كيل مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم. قلت: إِلَى من كَانَ عِنْده أصل؟ قَالَ مَا كُنَّا نسألهم عَن ذَلِك ثمَّ بعثاني إِلَى ابْن أبي أَبْزَى، فَسَأَلته فَقَالَ: كَانَ أَصْحَاب النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يسلفون على عهد النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَلم يسألهم ألهم حرث أم لَا؟ وَقَالَ جرير عَن الشَّيْبَانِيّ: فِي الْحِنْطَة وَالشعِير وَالزَّبِيب. وَفِيه ابْن عَبَّاس: سُئِلَ عَن السّلم فِي النّخل. فَقَالَ: نهى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- عَن بيع النَّخْلَة حَتَّى يُؤْكَل مِنْهُ وَحَتَّى يؤزن فَقَالَ رجل: وَأي شَيْء يُوزن؟ فَقَالَ رجل إِلَى جَانِبه: يحرز. قلت: رَضِي الله عَنْك! أشكل على الشَّارِح دُخُول حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي هَذَا الْبَاب فَحَمله على غلط النَّاسِخ، وحقق أَنه من الْبَاب الثَّانِي. وَالتَّحْقِيق أَنه من هَذَا الْبَاب. وقلّ أَن يفهم ذَلِك إِلَّا مثل البُخَارِيّ. وَالْفضل للمتقدم. وَوجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 مطابقته أَن ابْن عَبَّاس لما سُئِلَ عَن السّلم إِلَى من لَهُ نخل. فِي ذَلِك النّخل عدّ ذَلِك من قبيل بيع الثِّمَار قبل بَدو صَلَاحهَا. فَإِذا كَانَ السّلم فِي النّخل لَا يجوز وَلم يبْق لوجودها فِي ملك الْمُسلم إِلَيْهِ فَائِدَة مُتَعَلقَة بالسّلم فتعّين جَوَاز السّلم إِلَى من لَيْسَ لَهُ عِنْده أصل وَإِلَّا يلْزمه سدّ بَاب السّلم مُطلقًا، وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع. (200 - (2) بَاب الْكَفِيل فِي السّلم) فِيهِ عَائِشَة اشْترى رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- طَعَاما من يَهُودِيّ بنسيئة، وَرَهنه درعاً لَهُ من حَدِيد. قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه الْمُطَابقَة أَنه قَاس السّلم على البيع، وَالْكَفِيل على الرَّهْن بِجَامِع التوثقة. (33 -[كتاب الشُّفْعَة] ) (201 - (1) بَاب عرض الشُّفْعَة على صَاحبهَا قبل البيع) وَقَالَ الحكم: إِن أذن لَهُ قبل البيع فَلَا شُفْعَة لَهُ. وَقَالَ الشّعبِيّ: من بِيعَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 شفعته وَهُوَ شَاهد لَا يغيرها فَلَا شُفْعَة لَهُ. فِيهِ أَبُو رَافع مولى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : إِنَّه قَالَ لسعد: ابتع منى بَيْتِي فِي دَارك. فَقَالَ سعد: وَالله لَا أزيدك على أَرْبَعَة آلَاف منجمة أَو مقطعَة. فَقَالَ أَبُو رَافع: لقد أَعْطَيْت بهَا خَمْسمِائَة دِينَار. وَلَوْلَا أَنى سَمِعت رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- الْجَار أَحَق بصقبه مَا أعطيتكهما بأَرْبعَة آلَاف. قلت: رَضِي الله عَنْك! رد الشَّارِح على أهل الْعرَاق تمسكهم بقوله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " الْجَار أَحَق بصقبه " فِي إِثْبَات شُفْعَة الْجَار. وَحمل الْجَار على الشَّرِيك. وَأنكر عَلَيْهِم امتناعهم من هَذَا التَّفْسِير بِأَن أَبَا رَافع اسْتدلَّ بِهِ، وَهُوَ رَاوِيه على إِثْبَات الشُّفْعَة لشَرِيكه وَهُوَ سعد. قَالَ: وَكَانَ أَبُو رَافع شريك سعد ببيته وَهُوَ فِي ذَلِك كُله واهم، فَإِن أَبَا رَافع كَانَ يملك بَيْتَيْنِ متميزين من جملَة الْمنزل لَا شِقْصا شَائِعا فَهُوَ جَار لَا شريك. وَهَذَا بِأَن يدل لأهل الْعرَاق أولى مِنْهُ بِأَن يدل عَلَيْهِم فَتَأَمّله. ثمَّ لَا يلْزم من قَول أبي رَافع حمل الحَدِيث على الشَّرِيك لجَوَاز أَن يكون الحَدِيث عِنْده على ظَاهره فِي الْجَار الملاصق، وَلكنه قَاس الشَّرِيك عَلَيْهِ بطرِيق الأولى. وَالله أعلم. (34 - (كتاب الْإِجَارَة) (202 - (1) بَاب إِذا اسْتَأْجر أَجِيرا بعد ثَلَاثَة أَيَّام أَو بعد شهر، أَو بعد سنة - جَازَ، وهما على شَرطهمَا الَّذِي اشترطاه إِذا جَاءَ الْأَجَل) فِيهِ عَائِشَة: اسْتَأْجر النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، وَأَبُو بكر رجلا من بيي الدّيل هادياً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 خريتاً وَهُوَ على دين كفار قُرَيْش فدفعا إِلَيْهِ راحلتيهما ووعداه غَار ثَوْر وَبعد ثَلَاثَة لَيَال فأتاهما براحلتيهما صبح ثَلَاث. قلت: رَضِي الله عَنْك {قَاس البُخَارِيّ الْأَجَل الْبعيد على الْقَرِيب بطريقة لَا قَائِل بِالْفَصْلِ، فَجعل الحَدِيث دَلِيلا على جَوَاز الْأَجَل مُطلقًا. وَعند مَالك تَفْصِيل بَين الْأَجَل الَّذِي لَا تَتَغَيَّر السّلْعَة فِي مثله وَبَين الْأَجَل [الَّذِي] تَتَغَيَّر فِي مثله فتمتنع (203 - (2) بَاب من اسْتَأْجر أَجِيرا فَبين لَهُ الْأجر وَلم يبين لَهُ الْعَمَل) لقَوْله: {إِنِّي أُرِيد أَن أنكحك إِحْدَى ابْنَتي هَاتين على أَن تَأْجُرنِي ثمانى حجج. فَإِن أتممت عشرا فَمن عنْدك [إِلَى قَوْله] قَالَ ذَلِك بيني وَبَيْنك أَيّمَا الْأَجَليْنِ قضيت فَلَا عدوان عَليّ} [الْقَصَص: 27 - 28] الْآيَة. قلت: رَضِي الله عَنْك} رد الْمُهلب على تَرْجَمته بِأَن الْعَمَل كَانَ مَعْلُوما عِنْدهم بِالْعَادَةِ. وَظن البُخَارِيّ أَنه أجَاز أَن يكون الْعَمَل مَجْهُولا. وَلَيْسَ كَمَا ظن، إِنَّمَا أَرَادَ البُخَارِيّ أَن التَّنْصِيص على الْعَمَل بِاللَّفْظِ غير مشترط. وَأَن المتبع الْمَقَاصِد لَا الْأَلْفَاظ، فتكفي دلَالَة العوائد عَلَيْهَا كدلالة النُّطْق، خلافًا لمن غلب التَّعَبُّد على الْعُقُود فراعى اللَّفْظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 (35 - كتاب الْحِوَالَة وَالْكَفَالَة) (204 - (1) [بَاب] هَل يرجع فِي الْحِوَالَة؟) وَقَالَ الْحسن وَقَتَادَة: إِذا كَانَ يَوْم أحَال عَلَيْهِ مَلِيًّا جَازَ. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: يتخارج الشريكان وَأهل الْمِيرَاث فَيَأْخُذ هَذَا عينا وَهَذَا دينا. فَإِن توى لأَحَدهمَا لم يرجع عَلَيْهِ صَاحبه. فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- مطل الْغنى ظلم وَإِذا اتبع أحدكُم عَليّ ملىّ فَليتبعْ. قلت: رَضِي الله عَنْك {أَدخل قسْمَة الدُّيُون وَالْعين تَحت التَّرْجَمَة إِذا كَانَ هَذَا عين وَهَذَا دين. فَتْوَى الدّين الَّذِي لم ينتقص الْقِسْمَة، لِأَنَّهُ رضى بِالدّينِ عوضا فَتْوَى فِي ضَمَانه. وقاس الْحِوَالَة عَلَيْهِ. وَالله أعلم. (205 - (2) بَاب إِن أحَال دين الْمَيِّت على رجل جَازَ) فِيهِ سَلمَة بن الْأَكْوَع: كنّا عِنْد النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إِذْ أَتَى بجنازةٍ فَقَالُوا: صلّ عَلَيْهَا، فَقَالَ: هَل عَلَيْهِ دين؟ قَالُوا: لَا. فَهَل ترك شَيْئا؟ قَالُوا: لَا. فصلى عَلَيْهِ. ثمَّ أَتَى بِجنَازَة أُخْرَى. فَقَالُوا: يَا رَسُول الله} صلّ عَلَيْهَا. قَالَ: هَل عَلَيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 دين؟ قيل: نعم {قَالَ: فَهَل ترك شَيْئا؟ قَالُوا: ثَلَاثَة دَنَانِير، فصلى عَلَيْهَا. ثمَّ أَتَى بالثالث قَالُوا صل عَلَيْهَا. قَالَ: هَل ترك شَيْئا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَعَلَيهِ دين؟ قَالُوا: ثَلَاثَة دَنَانِير. [فَقَالَ] : صلّوا على صَاحبكُم. قَالَ أَبُو قَتَادَة: صلّ عَلَيْهِ يَا رَسُول الله} وعلىّ دينه. فصلى عَلَيْهِ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . قلت: رَضِي الله عَنْك! ترْجم على الْحِوَالَة والْحَدِيث فِي الْكفَالَة لِأَنَّهُمَا عِنْده متقاربتان يُمكن نظم قِيَاس إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى. (206 - (3) بَاب الْكفَالَة فِي الْقَرْض والديون بالأبدان وَغَيرهَا.) وَبعث حَمْزَة بن عَمْرو مصدّقاً فَوَقع رجلٌ على جَارِيَة امْرَأَته. فَأخذ حَمْزَة من الرجل كفلاء حَتَّى قدم على عمر. وَكَانَ عمر قد جلده مائَة فصدّقهم وعذره بالجهالة. وَقَالَ جرير والأشعث لِابْنِ مَسْعُود فِي المرتدّين: استتبهم وكفلهم عَشَائِرهمْ. وَقَالَ حَمَّاد: إِذا تكفل بِنَفس فَمَاتَ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَقَالَ الحكم: يضمن. فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَنه ذكر رجلٌ من بني إِسْرَائِيل سَأَلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 [بعض] بني إِسْرَائِيل أَن يسلفه ألف دِينَار. قَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أشهدهم. قَالَ: كفى بِاللَّه شَهِيدا. قَالَ: ائْتِنِي بالكفيل: قَالَ: كفى بِاللَّه وَكيلا. فَدَفعهَا إِلَيْهِ إِلَى أجل مُسَمّى فَخرج فِي الْبَحْر فَقضى حَاجته، ثمَّ التمس مركبا فَقدم على الْأَجَل الَّذِي أَجله فَلم يجد. فَأخذ خَشَبَة فنقرها فَأدْخل فِيهَا الْألف دِينَار، وصحيفة مِنْهُ إِلَيْهِ، ثمَّ أَتَى بهَا الْبَحْر. فَقَالَ: اللَّهُمَّ تعلم أَنِّي تسلفت مِنْهُ، وسألني شَهِيدا وكفيلاً فرضى بك. وَذكر الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك! أَخذ البُخَارِيّ من الْكفَالَة بالأبدان فِي الْحُدُود الْكفَالَة بالأبدان فِي الدُّيُون بطرِيق الأولى. فَمن هُنَا وَقعت الْمُطَابقَة. وَقَوله: " وَغَيرهَا " يَعْنِي غير الْأَبدَان. أَي وبالحقوق الْمَالِيَّة بِحَدِيث صَاحب الْخَشَبَة. (207 - (4) بَاب قَول الله تَعَالَى: {وَالَّذين عقدت أَيْمَانكُم فآتوهم نصِيبهم} [النِّسَاء: 33] .) فِيهِ ابْن عَبَّاس: {وَلكُل جعلنَا موالى} قَالَ: وَرَثَة {وَالَّذين عقدت أَيْمَانكُم} كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لما قدمُوا الْمَدِينَة يَرث الْمُهَاجِرِي الْأنْصَارِيّ دون ذَوي رَحْمَة للأخوّة الَّتِي آخى بَينهم النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَلَمَّا نزلت: {وَلكُل جعلنَا موالى} نسخت. قَالَ: {وَالَّذين عقدت أَيْمَانكُم} إِلَّا بالنصرة والرفادة - وَقد ذهب الْمِيرَاث - ويوصى لَهُ. وَفِيه أنس: قدم علينا ابْن عَوْف، فآخى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بَينه وَبَين سعد بن الرّبيع. وَفِيه أنس: قيل لَهُ أبلغك أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: لَا حلف فِي الْإِسْلَام؟ فَقَالَ: قد حَالف النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بَين قُرَيْش وَالْأَنْصَار فِي دَاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه دُخُول هَذِه التَّرْجَمَة فِي الْكفَالَة وَالْحوالَة أَن الْكَفِيل والغريم الَّذِي وَقعت الْحِوَالَة عَلَيْهِ ينْتَقل الْحق عَلَيْهِ، كَمَا ينْتَقل هَهُنَا حق الْوَارِث عَنهُ إِلَى الحليف. فَشبه انْتِقَال الْحق على الْمُكَلف بانتقاله عَنهُ وَله. وَفِيه الْقيَاس على أصل قد نسخ، وَهِي قَاعِدَة اخْتِلَاف. (208 - (5) بَاب جوَار أبي بكر فِي عهد الرَّسُول -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وعقده) فِيهِ عَائِشَة: لم أَعقل أبويّ إِلَّا وهما يدينان الدّين وَلم يمرّ علينا يومٌ إِلَّا يأتينا فِيهِ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- طرفِي النَّهَار بكره وَعَشِيَّة. فَلَمَّا ابتلى الْمُسلمُونَ خرج أَبُو بكر مُهَاجرا قبل الْحَبَشَة حَتَّى بلغ برك الغماد. ولقيه ابْن الدغنّة وَهُوَ سيّد القارة. فَقَالَ أَيْن تُرِيدُ؟ قَالَ أَبُو بكر: أخرجني قومِي فَأَنا أُرِيد أَن أسيح فِي الأَرْض فأعبد رَبِّي. قَالَ ابْن الدّغنّة: إِن مثلك لَا يخرج وَلَا يخرج فَإنَّك تكسب الْمَعْدُوم، وَتصل الرَّحِم، وَتحمل الْكل، وتقرى الضَّيْف، وَتعين على نَوَائِب الْحق. وَأَنا لَك جَار، فَارْجِع فاعبد ربّك ببلادك فَرجع ابْن الدّغنّة مَعَ أبي بكر فَطَافَ فِي أَشْرَاف قُرَيْش، فأنفذت قُرَيْش جوَار ابْن الدّغنّة وأمّنوا أَبَا بكر. وَقَالُوا لَهُ: مر أَبَا بكر أَن يعبد ربّه فِي دَاره فليصلّ وليقرأ مَا شَاءَ، وَلَا يؤذينا بذلك وَلَا يستعلن بِهِ. فَإنَّا قد خشينا أَن يفتن أبناءنا وَنِسَاءَنَا. فَقَالَ ذَلِك ابْن الدّغنة لأبي بكر. فَطَفِقَ يعبد ربّه فِي دَاره. وَلَا يستعلن بِالصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَة، ثمَّ بَدَأَ لأبي بكر. فابتنى مَسْجِدا بِفنَاء دَاره وبرز فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيقْرَأ الْقُرْآن، فتتقصف عَلَيْهِ نسَاء الْمُشْركين وأبناءهم يعْجبُونَ وَيَنْظُرُونَ. وَكَانَ أَبُو بكر بكاّء لَا يملك دمعه حِين يقْرَأ الْقُرْآن، فأفزع ذَلِك أَشْرَاف قُرَيْش فَقَالُوا لِابْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 الدّغنة: إِنَّا كُنَّا أجرنا أَبَا بكر أَن يعبد ربّه فِي دَاره. وَفعل كَذَا، فَإِن أحب أَن يعبد ربّه فِي دَاره فعل وَإِن أَبى فَاسْأَلْهُ أَن يرد إِلَيْك ذِمَّتك، فَإنَّا كرهنا أَن نحفرك ولسنا مقرين الاستعلان. فَأَتَاهُ ابْن الدّغنة فَقَالَ: قد علمت الَّذِي عقدت لَك. فإمّا أَن تقتصر عَلَيْهِ وإمّا علىّ ذِمَّتِي. فإنّي لَا أحبّ أَن تسمع الْعَرَب أَنِّي أخفرت فِي رجل عقدت لَهُ. قَالَ أَبُو بكر: فَإِن أردّ إِلَيْك جوارك وأرضى بجوار الله وَالنَّبِيّ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَوْمئِذٍ بِمَكَّة - فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : قد أريت دَار هجرتكم. فَهَاجَرَ من هَاجر قبل الْمَدِينَة. وَرجع إِلَى الْمَدِينَة بعض من كَانَ هَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة. وتجهّز أَبُو بكر مُهَاجرا فَقَالَ. النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : على رسلك. فإنى أَرْجُو أَن يُؤذن لي. فحبس أَبُو بكر نَفسه على النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وعلف راحلتين كَانَتَا عِنْده أَرْبَعَة أشهر. قلت: رَضِي الله عَنْك! أَدخل هَذَا الْبَاب فِي الْكفَالَة وَيَنْبَغِي أَن يُنَاسب كَفَالَة الْأَبدَان، كَمَا ناسب: {وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} كَفَالَة الْأَمْوَال. وَوجه الْمُنَاسبَة أَن المجير كَانَ يكفل للمجار أَن لَا يضام من جِهَة من أجاره مِنْهُم وَضمن لمن أجاره عَمَّن أجاره مِنْهُ أَن لَا يُؤْذِيه فَتكون الْعهْدَة عَلَيْهِ. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 (36 - كتاب الْوكَالَة) (209 - (1) بَاب إِذا أبْصر الرَّاعِي أَو الْوَكِيل شَاة تَمُوت أَو شَيْئا يفْسد فَأصْلح مَا يخَاف الْفساد.) فِيهِ كَعْب بن مَالك: إِنَّه كَانَت لَهُم غنم ترى بسلع، فَأَبْصَرت جَارِيَة لنا بِشَاة من غنمنا موتا. فَكسرت حجرا فذبحتها بِهِ. فَقَالَت لَهُم: لَا تَأْكُلُوهَا حَتَّى أسأَل النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَأمر بأكلها فَيُعْجِبنِي أَنَّهَا أمة وَأَنَّهَا ذبحت. قلت: رَضِي الله عَنْك! ترْجم على أَن الذَّبِيحَة إِذا تَعب عَلَيْهَا قصد الْإِصْلَاح فِي مَحل يخَاف عَلَيْهَا الْفساد، لم يكن الْفَاعِل لذَلِك معتدياً. ثمَّ أَتَى بِحَدِيث الْجَارِيَة وَمَا فِيهِ تعرض لحكم فعلهَا ابْتِدَاء هَل حكم بِأَنَّهُ تعدٍ أم لَا؟ وغايته أَنه أَبَاحَ أكل الشَّاة لمَالِكهَا. فَقَالَ: " كلوها ". لَكِن قد تقدم البُخَارِيّ أَن من ذبح مُتَعَدِّيا فذبيحته ميتَة. فَمن هَهُنَا يُؤْخَذ أَنَّهَا غير متعدية بذبحها لِأَنَّهُ حلّلها. وَأما إِذا بنينَا على ذَبِيحَة التَّعَدِّي لَا تجيف، فَمَا فِيهِ دَلِيل على التَّرْجَمَة. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 (37 -[كتاب الْحَرْث والمزارعة] ) (210 - (1) بَاب إِذا قَالَ: اكْفِنِي مُؤنَة النّخل أَو غَيره وتشركني فِي الثَّمَرَة.) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَت الْأَنْصَار: أقسم بَيْننَا وَبَين إِخْوَاننَا النّخل. قَالَ: لَا. قَالَ: فتكفوننا الْمُؤْنَة ونشرككم فِي الثَّمَرَة. قَالُوا: سمعنَا وأطعنا. قلت: رَضِي الله عَنْك! أَشَارَ فِي التَّرْجَمَة إِلَى حجَّة الْمُسَاقَاة ونزلها الشَّارِح على ذَلِك. وَلَيْسَ فِي الحَدِيث حَقِيقَتهَا لِأَن الرّقاب كَانَت ملكا للْأَنْصَار وهم أَيْضا الْعمَّال عَلَيْهَا، فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا مُجَرّد تمليكهم لإخوانهم نصف الثَّمَرَة بِلَا عوض، غير أَنهم عرضوا عَلَيْهِم الْملك ثمَّ الْقِسْمَة، فنزلوا عَن الْملك الْمُتَعَلّق إِلَى الثَّمَرَة، وَكَأَنَّهُم ساقوا نصِيبهم المعروض عَلَيْهِم بِجُزْء من الثَّمَرَة، وَكَانَ الْجُزْء مبينّا إِمَّا بِالنَّصِّ أَو الْعرف - وَالله أعلم - أَو بَان إِطْلَاق الشّرك منزل عَن النّصْف، وَهُوَ مَشْهُور مَذْهَب مَالك - رَحمَه الله - والجزء الْمَنْسُوب إِلَى الأَصْل هَهُنَا هُوَ الكلّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّصِيب المعروض. ومذهبنا أَن الْمُسَاقَاة على أَن كل الثَّمَرَة للْمَالِك جَائِزَة. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 (211 - (2) بَاب إِذْ زرع بِمَال قوم بِغَيْر إذْنهمْ وَكَانَ فِي ذَلِك صَلَاح لَهُم.) فِيهِ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بَيْنَمَا ثَلَاثَة نفر يَمْشُونَ، فَأَخذهُم الْمَطَر فآؤوا إِلَى غَار. - الحَدِيث - فَقَالَ الثَّالِث: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرت أَجِيرا بفرق أرزّ، فَلَمَّا قضى عمله قَالَ: اعطني حقّى فعرضت عَلَيْهِ فَرغب عَنهُ. فَلم أزل أزرعه حَتَّى جمعت مِنْهُ بقرًا وراعيها فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ الله. فَقلت: اذْهَبْ إِلَى ذَلِك الْبَقر وراعيها فَخذهَا. قَالَ: فَاتق الله وَلَا تستهزئ بِي فَقلت: لَا استهزئ بك. خُذْهُ فَأَخذه كُله. الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك! رد الشَّارِح التَّرْجَمَة وَقَالَ لَا يَصح إِلَّا بِأَن يكون الزَّارِع مُتَطَوعا. والترجمة صَحِيحَة ومطابقة لِأَنَّهُ قد عين لَهُ حقّه ومكنه مِنْهُ وبرئت ذمَّته مِنْهُ. فَلَمَّا ترك الْقَبْض وَوضع الْمُسْتَأْجر يَده ثَانِيًا على الْفرق، فَهُوَ وضع مُسْتَأْنف على ملك الْغَيْر. ثمَّ تصرفه فِيهِ إصْلَاح لَا تَضْييع فاغتفر ذَلِك، وَلم يعد تعدّياً ومعصية. وَمَعَ ذَلِك فَلَو هلك الْفرق لَكَانَ الزَّارِع ضَامِنا لَهُ إِذا لم يُؤذن لَهُ فِي زراعته. فمقصود التَّرْجَمَة إِنَّمَا هُوَ خلاص الزَّارِع من الْمعْصِيَة وَإِن تعرض للضَّمَان. وَيدل على أَن فعله لم يكن مَعْصِيّة أَنه توسل إِلَى الله بِهِ بِنَاء على أَنه أفضل الْأَعْمَال وأقّر على ذَلِك وَوَقعت الْإِجَابَة بِحَسبِهِ. أَو يُقَال أَن توسله إِنَّمَا كَانَ بوفاء الْحق عِنْد حُضُور الْمُسْتَحق مضاعفاً من قبيل حسن الْقَضَاء، لَا من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 كَونه زرع الْفرق الْمُسْتَحق، كَمَا أَن الَّذِي جلس بَين شعب الْمَرْأَة توسل بِمَا ذكره من الْقيام عَنْهَا خوفًا من الله، لَا بجلوسه الأول. فَإِنَّهُ مَعْصِيّة اتِّفَاقًا. وَالله أعلم. (38 - كتاب إحْيَاء الْموَات) (212 - (1) بَاب) فِيهِ ابْن عمر: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَتَى فِي معرسه وَهُوَ بِذِي الحليفة. فَقيل لَهُ: إِنَّك ببطحاء مباركة. قَالَ مُوسَى: وَقد أَنَاخَ بِنَا سَالم بالمناخ الَّذِي كَانَ رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . وَفِيه ابْن عَبَّاس: عَن عمر، عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: أَتَانِي اللَّيْلَة آتٍ من رَبِّي عز وَجل، وَهُوَ بالعقيق أَن صلّ فِي هَذَا الْوَادي الْمُبَارك " ثمَّ قل: عمْرَة فِي حجَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 قلت: رَضِي الله عَنْك {ظن الشَّارِح أَنه أَرَادَ إِلْحَاق المعرس بالأوقاف النَّبَوِيَّة فَقَالَ: هَذَا لَا يقوم على سَاق، وَوهم الشَّارِح. وغرضه غير هَذَا، وَهُوَ أَنه لما ذكر إحْيَاء الْموَات وَالْخلاف فِيهَا. وَهل يتَوَقَّف مُطلقًا على إِذن الإِمَام أَو لَا، ويفصل بَين الْقَرِيب والبعيد. نبّه على أَن هَذِه الْبَطْحَاء الَّتِي عرس فِيهَا الرَّسُول -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، وَأمر بِالصَّلَاةِ فِيهَا، وَأعلم أَنَّهَا مباركة لَا تدخل فِيهِ الْموَات الَّتِي يحيى وَيملك لما ثَبت لَهَا من خُصُوصِيَّة التَّعْرِيس فِيهَا، فَصَارَت كَأَنَّهَا وقف على أَن يقْتَدى فِيهَا بِهِ -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . فَلَو ملكت بِالْإِحْيَاءِ لمنع مَالِكهَا النَّاس من التَّعْرِيس بهَا. (39 -[كتاب الْمُسَاقَاة] ) (213 - (1) بَاب من رأى صَدَقَة المَاء وهبته جَائِزَة مقسوماً كَانَ أَو غير مقسوم) فِيهِ سهل: أَتَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بقدح فَشرب مِنْهُ، وَعَن يَمِينه غُلَام أَصْغَر الْقَوْم وَعَن يسَاره الْأَشْيَاخ. فَقَالَ: يَا غُلَام} أتأذن لي أَن أعْطِيه الْأَشْيَاخ فَقَالَ: مَا كنت لأوثر بفضلي مِنْك، فَأعْطَاهُ أَيَّاهُ. وَفِيه أنس: حلبت لرَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- شَاة داجناً - وَهُوَ فِي دَار أنس - وشيب لَبنهَا بِمَاء من الْبِئْر الَّتِي فِي دَار أنس. فَأعْطى رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- الْقدح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 فَشرب مِنْهُ حَتَّى نزع الْقدح من فِيهِ. وَعَن يسَاره أَبُو بكر. فَقَالَ عمر: - وَخَافَ أَن يُعْطِيهِ الْأَعرَابِي أعْط أَبَا بكر يَا رَسُول الله عنْدك. فَأعْطى الْأَعرَابِي الَّذِي عَن يَمِينه. ثمَّ قَالَ: الْأَيْمن فالأيمن. قلت: رَضِي الله عَنْك {مدخله فِي الْفِقْه تَحْقِيق أَن المَاء يملك. وَلِهَذَا اسْتَأْذن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بعض الشُّرَكَاء فِيهِ. ورتب قسمته يمنة ويسرة وَلَو كَانَ اباحته لم يدْخلهُ ملك وَلَا تَرْتِيب قسمته. والْحَدِيث الثَّانِي طابق التَّرْجَمَة لقَوْله: " شيب بِمَاء " وَالِاسْتِدْلَال بِهِ ضَعِيف. وَلَعَلَّ هَذَا التَّرْتِيب لِأَن اللَّبن هُوَ الَّذِي يملك لَا المَاء. (214 - (2) بَاب من حفر بِئْرا فِي ملكه لم يضمن) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- الْمَعْدن جَبَّار والبئر جَبَّار والعجماء جَبَّار. وَفِي الرِّكَاز الْخمس. قلت: رَضِي الله عَنْك} الحَدِيث مُطلق والترجمة مقيّدة بِالْملكِ. وَإِذا كَانَ الحَدِيث تَحْتَهُ صورٌ إِحْدَاهَا الْملك، وَهُوَ أقعد الصُّور بِسُقُوط الضَّمَان، كَانَ دُخُولهَا فِي الحَدِيث محققاً، فاستقام الِاسْتِدْلَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 (215 - (3) بَاب من قَالَ: إِن صَاحب الْحَوْض والقربة أَحَق بمائه) فِيهِ سهل: أَتَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بقدح فَشرب، وَعَن يَمِينه غُلَام وَهُوَ أحدث الْقَوْم، والأشياخ عَن يسَاره. فَقَالَ: يَا غُلَام أتأذن لي أَن أعطي الْأَشْيَاخ؟ فَقَالَ: مَا كنت أوثر نَصِيبي مِنْك أحدا. فَأعْطَاهُ إِيَّاه. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لأذودنّ رجَالًا عَن حَوْضِي، كَمَا تذاد الغريبة من الْإِبِل عَن الْحَوْض. وَفِيه ابْن عَبَّاس: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- رحم الله أم إِسْمَعِيل {لَو تركت زَمْزَم أَو لم تغرف من المَاء - لكَانَتْ عينا معينا. وَأَقْبل جرهم فَقَالُوا. أَتَأْذَنِينَ أَن ننزل عنْدك؟ قَالَت: نعم} وَلَا حق لكم فِي المَاء، قَالُوا: نعم. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ثَلَاثَة لَا يكلمهم الله - الحَدِيث - وَرجل منع فضل مَاء فَيَقُول الله: " الْيَوْم أمنعك فضلي كَمَا منعت فضل مَا لم تعْمل يداك ". قلت: رَضِي الله عَنْك! انتقد الْمُهلب عَلَيْهِ الِاسْتِدْلَال بِحَدِيث الْغُلَام والأشياخ على أَن صَاحب المَاء أَحَق بِهِ. وَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ إِلَّا أنّ الْأَيْمن أحقّ من صَاحب الْقدح فِي أَن يُعْطِيهِ غَيره. واستدلال البُخَارِيّ ألطف من ذَلِك، لِأَنَّهُ إِذا اسْتَحَقَّه الْأَيْمن فِي هَذِه الْحَالة بِالْجُلُوسِ، واختصّ بِهِ فَكيف لَا يخْتَص بِهِ صَاحب الْيَد والمتسبب فِي تَحْصِيله؟ وظنّ أَن وَجه الدَّلِيل من حَدِيث الْقِيَامَة قَوْله: " لأذودن رجَالًا عَن حَوْضِي " فَقَالَ: هَذَا وَجه الدَّلِيل على اخْتِصَاص صَاحب الْحَوْض بمائه. وَهُوَ وهم. فَإِن تَنْزِيل أَحْكَام التكاليف على وقائع الْآخِرَة غير مُمكن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 وَإِنَّمَا اسْتِدْلَال البُخَارِيّ مِنْهُ بقوله: " كَمَا تذاد الغريبة من الْإِبِل عَن الْحَوْض فَمَا شبه بذودها فِي الدُّنْيَا إِلَّا وَلِصَاحِب الْحَوْض منع غير إبِله من مَائه. وَلَو كَانَ الْمَنْع فِي الدُّنْيَا تعدّيا لما شبه بِهِ ذَلِك الْمَنْع الَّذِي هُوَ حق. (216 - (4) بَاب الرجل يكون لَهُ ممرّ فِي حَائِط أَو نخل) وَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من بَاعَ نخلا بعد أَن تؤبّر، فثمرتها للْبَائِع إِلَّا أَن يشْتَرط الْمُبْتَاع. فِيهِ زيد: رخص النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَن تبَاع الْعَرَايَا بِخرْصِهَا تَمرا. قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه دُخُوله فِي الْفِقْه التَّنْبِيه على اجْتِمَاع الْحُقُوق فِي الْعين الْوَاحِدَة: هَذَا لَهُ الْملك، وَهَذَا لَهُ الِانْتِفَاع. وَفهم البُخَارِيّ من اسْتِحْقَاق البَائِع الثَّمَرَة دون الأَصْل أَن لَهُ التطرق بعد البيع وانتقال الْملك عَنهُ إِلَى أَخذ الثَّمَرَة الْبَاقِيَة لَهُ. وَألْحق بِهِ كلّ ذِي حق فِي ارْض مَمْلُوكَة للْغَيْر. (40 - كتاب الاستقراض والديون [وَالْحجر والتقليس] ) (217 - (1) بَاب من اشْترى بِالدّينِ، وَلَيْسَ عِنْده ثمنه أَو لَيْسَ بِحَضْرَتِهِ.) فِيهِ جَابر: غَدَوْت مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَ: كَيفَ ترى بعيرك؟ أتبيعنيه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 قلت: نعم. فَبِعْته إِيَّاه. فَلَمَّا قدم الْمَدِينَة غَدَوْت إِلَيْهِ بالبعير. فَأَعْطَانِي ثمنه. وَفِيه الْأَعْمَش: تَذَاكرنَا عِنْد إِبْرَاهِيم الرَّهْن فِي السّلم. فَقَالَ حَدثنِي الْأسود عَن عَائِشَة أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- اشْترى طَعَاما من يهوديّ إِلَى أجل. وأرهنه درعاً من حَدِيد. قلت: رَضِي الله عَنْك {فِي التَّرْجَمَة حيف. لِأَن مضمونها جَوَاز الاستقراض وَالِانْتِفَاع بِالدّينِ لمن لَا عِنْده وَفَاء. وَيدخل فِيهِ ذَلِك من لَا قدرَة لَهُ على الْوَفَاء، وَإِذ لم يعرف البَائِع أَو الْمقْرض حَاله، وَهَذَا تَدْلِيس. وَالَّذِي فِي الحَدِيث غير هَذَا، لتحَقّق قدرته -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- على الْوَفَاء بِمَا عقد عَلَيْهِ. (218 - (2) بَاب من أَخذ أَمْوَال النَّاس يُرِيد أداءها أَو إتلافها) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من أَخذ أَمْوَال النَّاس يُرِيد أداءها أدّى الله عَنهُ. وَمن أَخذهَا يُرِيد إتلافها أتْلفه الله. قلت: رَضِي الله عَنْك} هَذِه التَّرْجَمَة تبيّن أَن الِاسْتِدَانَة مقيّدة الْجَوَاز بِالْقُدْرَةِ على التَّحْصِيل، لِأَنَّهُ إِذا علم من نَفسه الْعَجز، فقد أَخذ لَا يُرِيد الْوَفَاء وَكَيف يُرِيد مَا هُوَ عَاجز عَنهُ إلاّ تمنيّاً وَالتَّمَنِّي غير الْإِرَادَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 (219 - (3) بَاب إِذا قضى دون حَقه، أَو حلله فَهُوَ جَائِز) فِيهِ جَابر: إِن أَبَاهُ قتل يَوْم أحد شَهِيدا وَعَلِيهِ دين. فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاء فِي حُقُوقهم. فَأتيت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَسَأَلَهُمْ أَن يقبلُوا تمر حائطي ويحللوا أَبى فَأَبَوا. فَلم يعطهم النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- حائطي. وَقَالَ: سنغدو عَلَيْك. فغدا علينا حِين أصبح، فَطَافَ فِي النّخل، ودعا فِي ثَمَرهَا بِالْبركَةِ. فجددتها فقضيتهم. وبقى لنا من ثَمَرهَا. قلت: رَضِي الله عَنْك {خطأ الشَّارِح قَوْله: " أَو حلله ". وَقَالَ: هِيَ بِالْوَاو، وَإِن كَانَت النّسخ كلّها " بِأَو ". قلت: رَضِي الله عَنْك} وَالصَّوَاب مَا فِي النّسخ. وَالْمَقْصُود " أَو حلله " من جَمِيعه. وَأخذ البُخَارِيّ هَذَا من جَوَاز قَضَاء الْبَعْض والتحلل من الْبَعْض. فَإِذا كَانَ لصَاحب الْحق أَن يهضم بعض حَقه فيطيب للمديان. فَكَذَلِك الْجَمِيع. (220 - (4) بَاب إِذا قاصّه أَو جازفه فِي دين فَهُوَ جَائِز تمر بِتَمْر أَو غَيره) فِيهِ جَابر: إِن أَبَاهُ توفىّ وَترك عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ وسْقا لرجل من الْيَهُود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 فاستنظره جَابر، فَأبى أَن ينظره. فَكلم جَابر رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ليشفع لَهُ إِلَيْهِ فَجَاءَهُ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وكلم الْيَهُودِيّ ليَأْخُذ تمر نخله بِالَّذِي لَهُ فَأبى. فَدخل النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] النّخل فَمشى فِيهَا، ثمَّ قَالَ لجَابِر: جدّ لَهُ فأوف الَّذِي لَهُ فجدّه بَعْدَمَا رَجَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فأوفى لَهُ ثَلَاثِينَ وسْقا. فضلت لَهُ سَبْعَة عشر وسْقا. فجَاء جَابر النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ليخبره بِمَا كَانَ فَوَجَدَهُ يُصَلِّي الْعَصْر، فَلَمَّا انْصَرف أخبرهُ بِالْفَضْلِ. قَالَ أخبر ذَلِك ابْن الْخطاب، فَقَالَ عمر: علمت حِين مَشى فِيهَا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ليباركن فِيهَا. قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه دُخُوله فِي الْفِقْه التَّنْبِيه على أَنه يغْتَفر فِي الْقَضَاء مَا لَا يغْتَفر فِي الْمُعَارضَة لِأَن بيع الْمَجْهُول بالمعلوم من جنسه مزابنة وَإِن كَانَ فِي التَّمْر وَغَيره فمزابنة وَربا. وَالنَّبِيّ -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قضى صَاحب دين جَابر مَجْهُولا عَن تمر الْحَائِط فِي أوساق معيّنة، لِأَنَّهُ قَضَاء. وَأَيْضًا فالتفاوت مُتَحَقق وَهُوَ يدْفع الْمُزَابَنَة خَاصَّة. (221 - (5) بَاب إِذا وجد مَاله مُفلس فِي [البيع] وَالْقَرْض والوديعة فَهُوَ أَحَق بِهِ) وَقَالَ الْحسن: إِذا أفلس وتبيّن لم يجز عتقه وَلَا بَيْعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وَلَا شِرَاؤُهُ. وَقَالَ ابْن الْمسيب: قضى عُثْمَان قَالَ: من اقْتضى من حقّه قبل أَن يفلس، فَهُوَ لَهُ. وَمن عرف مَاله بِعَيْنِه فَهُوَ أَحَق بِهِ. فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : من أدْرك مَاله بِعَيْنِه عِنْد رجل قد أفلس، فَهُوَ أَحَق بِهِ من غَيره. قلت: رَضِي الله عَنْك! أَدخل البُخَارِيّ القروض والوديعة مَعَ البيع: إِمَّا لِأَن الحَدِيث مطلقٌ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ ردّ فِي البيع. وَالْحكم فِي الْقَرْض أَو الْوَدِيعَة أولى. أما الْوَدِيعَة فَملك رَبهَا لم ينْتَقل. وَأما الْقَرْض فانتقال ملكه عَنهُ مَعْرُوف. وَهُوَ أَضْعَف من تمْلِيك الْمُعَاوضَة فَإذْ أبطل التَّفْلِيس ملك الْمُعَاوضَة القوى بِشَرْطِهِ فالضعيف أولى. (222 - (6) بَاب من بَاعَ مَال الْمُفلس أَو المعدم فَقَسمهُ بَين الْغُرَمَاء أَو أعطَاهُ حَتَّى ينْفق على نَفسه) فِيهِ جَابر: أعتق رجل منا غُلَاما لَهُ عَن دبر. فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : من يَشْتَرِيهِ فَاشْتَرَاهُ نعيم بن عبد الله فَأخذ ثمنه فَدفعهُ إِلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 [قلت: رَضِي الله عَنْك!] احْتمل عِنْد البُخَارِيّ دفع الثّمن إِلَيْهِ أَن يكون بَاعه عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لم يكن يملك سواهُ. فَلَمَّا أحجف بِنَفسِهِ تولى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بَيْعه بِنَفسِهِ، لأجل تعلق حق التَّدْبِير. والحقوق إِذا أبطلت احْتِيجَ فِي فَسخهَا إِلَى الحكم. فعلى هَذَا التَّأْوِيل، يكون دفع الثّمن إِلَيْهِ حَتَّى يُنْفِقهُ على نَفسه. وَاحْتمل عِنْده أَن يكون بَاعه عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مديان. وَمَال الْمديَان يقسم بَين الْغُرَمَاء. وَيكون سلمه إِلَيْهِ ليقسمه بَين غُرَمَائه. وَلِهَذَا ترْجم على التَّقْدِيرَيْنِ. وَالشَّارِح بعيد عَن هَذَا كُله. فَتَأَمّله. (41 -[الْخُصُومَات] ) (223 - (1) بَاب من ردّ أَمر السَّفِيه والضعيف الْعقل وَإِن لم يكن حجر عَلَيْهِ الإِمَام) وَيذكر عَن جَابر أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ردّ على الْمُتَصَدّق قبل النَّهْي ثمَّ نَهَاهُ وَقَالَ مَالك: إِذا كَانَ لرجل على رجل مَال وَله عبد لَا شَيْء لَهُ غَيره. فَأعْتقهُ لم يجز عتقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 وَمن بَاعَ على الضَّعِيف وَنَحْوه دفع إِلَيْهِ ثمنه وَأمره بالإصلاح وَالْقِيَام بِشَأْنِهِ فَإِن أفسد بعد مَنعه، لِأَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- نهى عَن إِضَاعَة المَال. وَقَالَ للَّذي يخدع فِي البيع: إِذا بَايَعت فَقل: " لَا خلابة " وَلم يَأْخُذ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مَاله. فِيهِ ابْن عمر: كَانَ رجل يخدع فِي البيع، فَقَالَ لَهُ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : إِذا بَايَعت فَقل: " لَا خلابة ". فَكَانَ يَقُول. وَفِيه جَابر: إِن رجلا أعتق عبدا لَيْسَ لَهُ مَال غَيره، فردّه النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فابتاعه مِنْهُ نعيم بن النحّام. قلت: رَضِي الله عَنْك! هَذِه التَّرْجَمَة وَمَا سَاقه مَعهَا من محاسنه اللطيفة. وَذَلِكَ أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي سَفِيه الْحَال قبل الحكم هَل ترد عقوده؟ اخْتلف قَول مَالك فِي ذَلِك، فَاخْتَارَ البُخَارِيّ ردّها، وَاسْتدلَّ بِحَدِيث الْمُدبر. وَذكر قَول مَالك فِي ردّ عتق الْمديَان قبل الْحجر إِذا أحَاط الدّين بِمَالِه. وَيلْزم مَالِكًا رد أَفعَال سَفِيه الْحَال لِأَن الْحجر فِي السَّفِيه والمديان مطرد. ثمَّ فهم البُخَارِيّ أَنه يرد عَلَيْهِ حَدِيث حبّان فَإِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- اطلع على أَنه يخدع. وأمضى أَفعاله الْمَاضِيَة والمستقبلية فنبه على أَن الَّذِي تُرِيدُ أَفعاله هُوَ الظَّاهِر السَّفه، الْبَين الإضاعة، كإضاعة صَاحب الْمُدبر. وَالتَّفْصِيل بَين الظَّاهِر السَّفه والخفي السَّفه أحد أَقْوَال مَالك أَيْضا. وَأَن المخدوع فِي الْبيُوع يُمكنهُ الِاحْتِرَاز وَقد نبهه رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ثمَّ فهم أَنه يرد عَلَيْهِ كَون النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أعْطى صَاحب الْمُدبر ثمنه وَلَو كَانَ مَنعه لأجل السَّفه لما سلّم إِلَيْهِ الثّمن. فنبه على أَنه إِنَّمَا أعطَاهُ بعد أَن علمه طَرِيق الرشد، وَأمره بالإصلاح وَالْقِيَام بِشَأْنِهِ. وَمَا كَانَ السَّفه حِينَئِذٍ فسقاً. وَإِنَّمَا نَشأ من الْغَفْلَة وَعدم البصيرة بمواقع الْمصَالح فَلَمَّا بَينهَا لَهُ كَفاهُ ذَلِك. وَلَو ظهر للنَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من حَاله بعد ذَلِك، أَنه لم يتَنَبَّه وَلم يرشد لمَنعه التَّصَرُّف مُطلقًا، وَحجر عَلَيْهِ حجرا مطّرداً. وَقد أغْنى البُخَارِيّ الشَّارِح بإشاراته على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 التطويلات الْبَعِيدَة، عَن مَقْصُود صَاحب الْجَامِع. فتأملها. (42 - كتاب اللّقطَة) (234 - (1) بَاب إِذا جَاءَ صَاحب اللّقطَة [بعد سنة] ردّها عَلَيْهِ لِأَنَّهَا وَدِيعَة.) فِيهِ زيد: إِن رجلا سَأَلَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- عَن اللّقطَة فَقَالَ: عرّفها سنة. ثمَّ اعرف وكاءها وعفاصها ثمَّ استنفق فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فأدّها إِلَيْهِ. الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك! فِي بعض طرقه أَنَّهَا وَدِيعَة من رِوَايَة سُلَيْمَان بن بِلَال. وَلَكِن شكّ يحيى بن سعيد عَن يزِيد: هَل الزِّيَادَة من الرَّاوِي، أَو من النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ؟ فأسقطها البُخَارِيّ من التَّرْجَمَة لفظا. وضمّنها معنى فِي صِيغَة التَّعْلِيل بقوله: " لِأَنَّهَا وَدِيعَة " إِذْ ردّها إِلَى صَاحبهَا أَو عرفهَا لَهُ. إِن استنفقها يدل على بَقَاء ملكه، خلافًا لمن أَبَاحَهَا بعد الْحول، بِلَا ضَمَان. (225 - (2) بَاب هَل يَأْخُذ اللّقطَة وَلَا يَدعهَا تضيع حَتَّى يَأْخُذهَا من لَا يسْتَحق؟) فِيهِ سُوَيْد بن غَفلَة: كنت مَعَ سُلَيْمَان بن ربيعَة وَزيد بن صوحان فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 غزَاة. فَوجدت سَوْطًا فَقَالَا لي: ألقه، قلت: لَا، وَلَكِنِّي إِن وجدت صَاحبه، وَإِلَّا استمتعت بِهِ. فَلَمَّا رَجعْنَا حجَجنَا. فمررت بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلت أبي بن كَعْب، فَقَالَ: وجدت صرة على عهد النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . فَقَالَ: عرفهَا حولا. ثمَّ أَتَيْته الرَّابِعَة، فَقَالَ: اعرف عدتهَا ووكاءها ووعاءها. فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا استمتع بهَا. قلت: رَضِي الله عَنْك! مَوضِع الْحجَّة مِنْهُ ترك النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- الْإِنْكَار على أَبى فِي أَخذهَا، دلّ على أَنه خَال من الْمفْسدَة شرعا وَيلْزم اشتماله على الْمصلحَة وإلاّ كَانَ تَصرفا فِي ملك الْغَيْر. وَتلك الْمصلحَة تتَعَيَّن أَن يكون الْحِفْظ لَهَا وصيانتها عَن أَيدي الخونة. فَمن هَاهُنَا أَخذ التَّرْجَمَة. (226 - (3) بَاب) فِيهِ أَبُو بكر: انْطَلَقت فَإذْ براعي غنم يَسُوق غنمه فَقُلْنَا: لمن أَنْت؟ فَقَالَ: لرجل من قُرَيْش - فَسَماهُ فعرفته -. فَقلت لَهُ: هَل فِي غنمك من لبن؟ قَالَ: نعم. قلت: فَهَل أَنْت حالب لنا؟ قَالَ: نعم. فَأَمَرته فاعتقل شَاة من غنمه، ثمَّ أَمرته أَن ينفض ضرْعهَا من الْغُبَار. ثمَّ أَمرته أَن ينفض إِحْدَى كفيه بِالْأُخْرَى. فَحلبَ كثبةً من لبن. وَقد جعلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 لرَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إداوةً، على فِيهَا خرقَة. فَصَبَبْت على اللَّبن حَتَّى برد أَسْفَله فانتهيت إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقلت: اشرب يَا رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَشرب حَتَّى رضيت. قلت: رَضِي الله عَنْك! أَدخل البُخَارِيّ متن هَذَا الحَدِيث فِي أَبْوَاب اللّقطَة، تَنْبِيها على أَن الْمُبِيح للبن فِي حق النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَالْحَالة هَذِه - أَن اللَّبن فِي حكم الضائع الْمُسْتَهْلك، لِأَن الْغنم فِي الصَّحرَاء وَلَيْسَ مَعهَا سوى رَاع وَمَا عَسى هَذَا الرَّاعِي يشرب من لَبنهَا. فالفاضل عَن شربه مستهلك، لَا مَالِيَّة فِيهِ لصَاحبه. فَهُوَ كالسوط الَّذِي اغتفر الْتِقَاطه، وكالتمرة وَأَعْلَى أَحْوَاله أَن يكون كالشاة اللّقطَة فِي المضيعة. وَقد قَالَ فِيهَا: هِيَ لَك، أَو لأخيك أَو للذئب. وَكَذَلِكَ هَذَا اللَّبن هُوَ إِن لم يحتلب مستهلك على كل حَال. فَلهَذَا استباحه، لَا لِأَنَّهُ مَال حربىّ إِذْ الْغَنَائِم لم تكن أحلّت بعدٌ. وَلَا لِأَنَّهُ بِالْعَادَةِ مسموح فِيهِ، لِأَن هَذَا لَيْسَ على إِطْلَاقه عَادَة. وَالله أعلم. (43 - كتاب الْمَظَالِم) (227 - (1) بَاب إِذا حلّل من مظْلمَة فَلَا رُجُوع فِيهِ) فِيهِ عَائِشَة: {وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا أَو إعْرَاضًا فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يصلحا بَينهمَا صلحا} [النِّسَاء: 127] قَالَت: الرجل تكون عِنْده الْمَرْأَة لَيْسَ بمستكثر مِنْهَا يُرِيد أَن يفارقها. فَتَقول أجعلك من شأني فِي حل فَنزلت هَذِه الْآيَة فِي ذَلِك. قلت: رَضِي الله عَنْك! مَا التَّرْجَمَة فِي الظَّاهِر مُطَابقَة، لِأَنَّهَا تتَنَاوَل إِسْقَاط الْحق الْمُسْتَقْبل حَتَّى لَا يكون عدم الْوَفَاء بِهِ مظْلمَة لسقوطه. وَإِنَّمَا البُخَارِيّ تلطّف فِي الِاسْتِدْلَال وكأنّه يَقُول إِذا أنفذ الْإِسْقَاط فِي الْحق المتوقع فَلِأَن ينفذ فِي الْحق الْمُحَقق أولى. وَلِهَذَا اخْتلف الْعلمَاء فِي إِسْقَاط الْحق قبل وُجُوبه هَل ينفذ أَو لَا؟ وَمَا اخْتلف فِي نُفُوذه بعد الْوُجُوب. (44 - كتاب الْهِبَة) (228 - (1) بَاب الْهِبَة للْوَلَد) وَإِذا أعْطى بعض وَلَده شَيْئا لم يجز حَتَّى يعدل بَينهم، وَيُعْطى الآخرين مِنْهُم مثله. وَلَا يشْهد عَلَيْهِ. وَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- اعدلوا بَين أَوْلَادكُم فِي الْعَطِيَّة. وَهل للوالد أَن يرجع فِي عطيته؟ وَمَا يَأْكُل من مَال وَلَده بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يتَعَدَّى؟ وَاشْترى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من عمر بَعِيرًا ثمَّ أعطَاهُ ابْن عمر. وَقَالَ اصْنَع بِهِ مَا شِئْت. فِيهِ النُّعْمَان: إِن أَبَاهُ أَتَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَ: إِنِّي نحلت ابْني هَذَا غُلَاما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 فَقَالَ: أكلّ ولدك نحلت مثله؟ قَالَ: لَا. [قَالَ:] فأرجعه. وَقد ذكره البُخَارِيّ فِي كتاب الشَّهَادَات، وَقَالَ فِيهِ: لَا أشهد على جور. قلت: رَضِي الله عَنْك {جَمِيع مَا فِي التَّرْجَمَة يظْهر استخراجه من حَدِيث النُّعْمَان. إِلَّا قَوْله: " وَمَا يَأْكُل من مَال وَلَده بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يتَعَدَّى " وَوجه مُنَاسبَة هَذِه الزِّيَادَة للْحَدِيث، أَن الاعتصار انتزاع من ملك الْوَلَد بعد تحَققه، كأكله من مَاله بِالْمَعْرُوفِ، فَإِنَّهُ انتزاع. وَكَأَنَّهُ حقق معنى الاعتصار من الحَدِيث وتمكّن الْأَب مِنْهُ بالوفاق على أَن لَهُ أَن يَأْكُل من مَاله. فَإِذا انتزع مَا يَأْكُلهُ من مَاله الْأَصْلِيّ، وَلم يتَقَدَّم لَهُ فِيهِ ملك، فَلِأَن ينتزع مَا وهبه لحقه السَّابِق فِيهِ أولى. (229 - (3) بَاب هبة الْمَرْأَة لغير زَوجهَا، وعتقها إِذا كَانَ لَهَا زوج، فَهُوَ جَائِز إِن لم تكن سَفِيهَة فَإِذا كَانَت سَفِيهَة فَلم يجز) قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم} [النِّسَاء: 15] . فِيهِ أَسمَاء: قَالَت يَا رَسُول الله} مَالِي مالّ إِلَّا مَا أَدخل عَليّ الزبير فأتصدق؟ قَالَ: تصدقي وَلَا توعى فيوعى الله عَلَيْك وَقَالَ مرّة: انفقي وَلَا تحصي، فيحصى الله عَلَيْك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 وَفِيه مَيْمُونَة: زوج النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إِنَّهَا أعتقت وَلم تستأذن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَلَمَّا كَانَ يَوْمهَا الَّذِي يَدُور عَلَيْهَا فِيهِ قَالَت: أشعرت يَا رَسُول الله إِنِّي أعتقت وليدتي. قَالَ: أَو فعلت؟ قَالَت: نعم. قَالَ: أما إِنَّهَا لَو أعطيتهَا أخوالك كَانَ أعظم لأجرك. وَفِيه عَائِشَة: أَن سَوْدَة بنت زَمعَة وهبت يَوْمهَا وليلتها لعَائِشَة زوج النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] تبتغي بذلك رضى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . قلت: رَضِي الله عَنْك {إِذا وهبت الْمَرْأَة يَوْمهَا لضّرتها فَقيل: الْهِبَة للزَّوْج وَقيل: للضرّة وَترْجم البُخَارِيّ على القَوْل الثَّانِي. (230 - (3) بَاب إِذا وهب جمَاعَة لقوم أَو رجل لجَماعَة مقسوماً أَو غير مقسوم) فِيهِ مَرْوَان، والمسور: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- حِين جَاءَهُ وَفد هوَازن مُسلمين فَسَأَلُوهُ أَن يردّ إِلَيْهِم [أَمْوَالهم وسبيتهم فَقَالَ لَهُم:] إمّا السبى وإمّا المَال. فَاخْتَارُوا السبى. الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك} احْتمل عِنْد البُخَارِيّ أَن يكون الصَّحَابَة وهبوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 الْوَفْد مُبَاشرَة وَالنَّبِيّ -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- شَفِيع. وَاحْتمل أَن يَكُونُوا وهبوا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَهُوَ وهب الْوَفْد. فترجم على الِاحْتِمَال. (231 - (4) بَاب من اهدى لَهُ هَدِيَّة وَعِنْده جُلَسَاؤُهُ فَهُوَ أَحَق. وَيذكر عَن ابْن عَبَّاس أَن جلساءه شركاؤه وَلم يَصح) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ للَّذي جَاءَهُ يتقاضاه: أَعْطوهُ أفضل من سنّه الحَدِيث. وَفِيه ابْن عمر: أَنه كَانَ مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي سفر على بكر صَعب لعمر، وَكَانَ يتَقَدَّم النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَ أَبوهُ: لَا يتقدّم النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أحد. فَقَالَ لَهُ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بِعَيْنِه. قَالَ عمر: هُوَ لَك يَا رَسُول الله {فَاشْتَرَاهُ، فَقَالَ: هُوَ لَك يَا عبد الله: فَاصْنَعْ بِمَا شِئْت. قلت: رَضِي الله عَنْك} وَجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة لحَدِيث التقاضي أَنه وهبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 الْفضل بَين السنين، فامتاز بِهِ بَين الْحَاضِرين. (45 - كتاب النِّكَاح) (232 - (1) بَاب تَزْوِيج الْمُعسر الَّذِي مَعَه الْقُرْآن وَالْإِسْلَام) فِيهِ سهل: عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . وَفِيه ابْن مَسْعُود: كُنَّا نغزوا مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لَيْسَ مَعنا نسَاء. فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله {أَلا نستخصى؟ فَنهى عَن ذَلِك. قلت: رَضِي الله عَنْك} مُطَابقَة التَّرْجَمَة لحَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه نَهَاهُم عَن الاستخصاء، ووكلهم إِلَى النِّكَاح. وَلَو كَانَ الْمُعسر لَا ينْكح وَهُوَ مَمْنُوع من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 الاستخصاء - وَهُوَ مَمْنُوع يُكَلف شططاً لَا يُطَاق. وَالله أعلم. (بَاب نِكَاح الثّيّب) قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لَا تعرضن علىّ بناتكن وَلَا أخواتكن. فِيهِ جَابر: قَفَلْنَا مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من غَزْوَة، فتعجلت على بعير لي قطوف فلحقني رَاكب من خَلْفي قَالَ: مَا يعجلك؟ قلت كنت حَدِيث عهد بعرس. قَالَ: بكر أم ثيب؟ قلت: ثيب؟ قَالَ: فَهَلا جَارِيَة تلاعبها وتلاعبك؟ الحَدِيث. وَقَالَ أَيْضا: مَالك والعذارى ولعابهن؟ قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة قَوْله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : " لَا تعرضنّ على بناتكن " لِأَنَّهُ - خَاطب بذلك أَزوَاجه، ونهاهن أَن يعرضنّ عَلَيْهِ ربائبه لحرمتهن. وَهَذَا تحقق أَنه -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- تزوّج الثّيّب ذَات الْبِنْت من غَيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 (234 - (3) بَاب اتِّخَاذ السراري، وَمن أعتق جَارِيَة ثمَّ تزوج بهَا) فِيهِ أَبُو مُوسَى: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَيّمَا رجل كَانَت عِنْده وليدة فعلّمها فَأحْسن تعليمها، وأدّبها فَأحْسن تأديبها، ثمَّ أعْتقهَا وتزوّجها فَلهُ أَجْرَانِ. الحَدِيث. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : لم يكذب إِبْرَاهِيم إِلَّا ثَلَاث كذبات. بَيْنَمَا إِبْرَاهِيم مرّ بجبّار، وَمَعَهُ سارة - ذكر الحَدِيث - فَأعْطَاهُ هَاجر، قَالَت: كفّ الله يَد الْكَافِر، وأخدمني هَاجر. وَفِيه أنس: أَقَامَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بَين خَيْبَر وَالْمَدينَة ثَلَاثًا، بنى على صَفِيَّة بنت حييّ. فدعوت الْمُسلمين إِلَى وليمته فَمَا كَانَ فِيهَا من خبز وَلَا لحم، وَإِلَّا التَّمْر والإقط وَالسمن. فَقَالَ الْمُسلمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ أَو مَا ملكت يَمِينه؟ إِن حجبها فهى من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَإِن لم يحجبها فَهِيَ مَا ملكت يَمِينه. فَلَمَّا ارتحل وطّى لَهَا خَلفه، ومدّ الْحجاب بَينهمَا وَبَين النَّاس. قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة حَدِيث هَاجر للتَّرْجَمَة أَنَّهَا كَانَت أمة مَمْلُوكَة. ثمَّ قد صحّ أَن إِبْرَاهِيم - عَلَيْهِ السَّلَام - أولدها بعد أَن ملكهَا، فهى سَرِيَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 (235 - (49 بَاب الْأَكفاء فِي الدّين) [وَقَوله:] {وَهُوَ الَّذِي خلق من المَاء بشرا فَجعله نسبا وصهراً} [الْفرْقَان: 54] . فِيهِ عَائِشَة: إِن حذيفه بن عتبَة بن ربيعَة - وَكَانَ شهد بَدْرًا مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- تبنى سالما، وأنكحه ابْنة أَخِيه: هِنْد بنت الْوَلِيد بن عتبَة بن ربيعَة، وَهُوَ مولى لامْرَأَة من الْأَنْصَار. كَمَا تبنّى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- زيدا. الحَدِيث. وَفِيه عَائِشَة: دخل النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- على ضباعة بنت الزبير فَقَالَ لَهَا: لعّلك أردتّ الْحَج. قَالَت: وَالله مَا أجدني إِلَّا وجعةً. قَالَ: حجّي، واشترطي، وَقَوْلِي: اللَّهُمَّ محلّي حَيْثُ حبستني. وَكَانَت تَحت الْمِقْدَاد بن الْأسود. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : تنْكح الْمَرْأَة لأَرْبَع: لمالها وحسبها وجمالها ودينها. فاظفر بِذَات الدّين تربت يداك. وَفِيه سهل: مرّ رجل على النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ: مَا تَقولُونَ فِي هَذَا؟ قَالُوا: حرىّ إِن خطب أَن ينْكح، وَإِن شفع أَن يشفع، وَإِن قَالَ أَن يسمع. قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 ثمَّ سكت. فمرّ رجل من فُقَرَاء الْمُسلمين. فَقَالَ: مَا تَقولُونَ فِي هَذَا؟ فَقَالُوا: حرىّ إِن خطب أَن لَا ينْكح، وَإِن شفع أَن لَا يشفع، وَإِن قَالَ أَن لَا يسمع فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . هَذَا خير من ملْء الأَرْض مثل هَذَا. قلت: رَضِي الله عَنْك {مَوضِع التَّرْجَمَة والاستشهاد من حَدِيث ضباعة قَوْله: " وَكَانَت تَحت الْمِقْدَاد ". وضباعة بنت الزبير بن عبد الْمطلب، بنت عمّه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] والمقداد مولى حَلِيف الْأسود بن عبد يَغُوث تبناه، وَنسب إِلَيْهِ. (236 - (5) بَاب الحرّة تَحت العَبْد) فِيهِ عَائِشَة: كَانَت فِي بَرِيرَة ثَلَاث سِنِين عتقت فخيّرت فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : الْوَلَاء لمن أعتق. وَدخل النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وبرمة على النَّار، فَقيل: تصدّق بِهِ على بَرِيرَة فَقَالَ: هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَة، وَلنَا هَدِيَّة. قلت: رَضِي الله عَنْك} لَيْسَ فِي حَدِيث بَرِيرَة هَذَا مَا يدل أَن زَوجهَا كَانَ عبدا. وَإِثْبَات الْخِيَار لَهَا لَا يدل عِنْد الْمُخَالف لِأَن الْمُعتقَة تخيّر عِنْده مُطلقًا تَحت الحرّ وَالْعَبْد. وَقد خرّج حَدِيثهَا أتمّ من هَذَا، وَفِيه التَّصْرِيح بِأَنَّهُ عبد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 (237 - (6) بَاب تَفْسِير ترك الْخطْبَة) فِيهِ ابْن عمر: حِين تأيمت حَفْصَة لقى [عمر] أَبَا بكر. [قَالَ] فَقلت: إِن شِئْت أنكحك حَفْصَة، فَلَبثت ليالى ثمَّ خطبهَا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فلقيني أَبُو بكر، فَقَالَ: لم يَمْنعنِي أَن أرجع إِلَيْك فِيمَا عرضت عليّ إِلَّا أَنى قد علمت أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قد ذكرهَا، فَلم أكن لأفشى سرّ رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، وَلَو تَركهَا لقبلتها. قلت: رَضِي الله عَنْك! تقدم لَهُ " النَّهْي عَن الْخطْبَة على خطْبَة أَخِيه حَتَّى ينْكح أَو يدع " وَذكرهَا هُنَا فِي " تَفْسِير ترك الْخطْبَة " حَدِيث حَفْصَة، فأورد الشَّارِح أَنه لم يكن -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أعلم عمر بِالْخطْبَةِ فضلا عَن التراكن. فَكيف توقف أَبُو بكر عَن الْخطْبَة، أَو قبُولهَا من الْوَلِيّ؟ وَأجَاب بِأَن أَبَا بكر علم أَن عمر يُجيب النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ويرغب إِلَى ذَلِك. فَكَأَنَّهُ قد حصل التراكن بِلِسَان الْحَال، فَلهَذَا امْتنع. وَبنى الشَّارِح الْأَمر على أَن البُخَارِيّ إِنَّمَا ترْجم على هَذَا التَّنْزِيل. وَالظَّاهِر - عِنْدِي - أَنه أَرَادَ أَن يُحَقّق امْتنَاع الْخطْبَة بامتناع أبي بكر هَذَا، وَلم ينبرم الْأَمر عَن الْخَاطِب وَالْوَلِيّ، فَكيف لَو تراكنا؟ وَكَأَنَّهُ من البُخَارِيّ اسْتِدْلَال بِأولى. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 (238 - (7) بَاب قَوْله تَعَالَى: {وآتو النِّسَاء صدقاتهن نحلة} [النِّسَاء: 4] وَكَثْرَة الْمهْر، وَأدنى مَا يجوز من الصَدَاق، وَقَوله تَعَالَى: {وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا} [النِّسَاء: 20] . وَقَوله تَعَالَى {أَو تفرضوا لَهُنَّ فَرِيضَة} [الْبَقَرَة: 236] . قَالَ سهل: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَلَو خَاتمًا من حَدِيد.) فِيهِ أنس: إِن ابْن عَوْف تزوج امْرَأَة على وزن نواة من ذهب فَرَأى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بشاشة الْعَرُوس، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: إنيّ تزوجت امْرَأَة على وزن نواة من ذهب. قلت: رَضِي الله عَنْك! التَّرْجَمَة مُطَابقَة إِلَّا قَوْله: " وَأدنى مَا يجوز من الصَدَاق. وَالظَّاهِر عِنْدِي أَن البُخَارِيّ يرى أَن لَا حدّ لأكثره، وَلَا أقلّه. وَهُوَ قَول مَشْهُور للْعُلَمَاء أَن الْمُعْتَبر فِيهِ التَّرَاضِي. فاستدلّ البُخَارِيّ على الْكثير بقول: {وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} ، وعَلى الْقَلِيل بقوله: {أَو تفرضوا لَهُنَّ فَرِيضَة} فَأطلق، دلّ أَنه غير مَحْدُود. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 (239 - (8) بَاب حق إِجَابَة الْوَلِيمَة والدعوة. وَمن أولم بسبعة أَيَّام وَنَحْوه. وَلم يوقّت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ) فِيهِ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فكّوا العاني، أجِيبُوا الدَّاعِي، وعودوا الْمَرِيض. وَفِيه الْبَراء: أمرنَا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بِسبع، ونهانا عَن سبع. مِنْهَا إِجَابَة الدَّاعِي. وَذكر الحَدِيث. وَفِيه سهل: دَعَا أَبُو أسيد النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي عرسه، وَكَانَت امْرَأَته يومئذٍ خادمهم، وَهِي الْعَرُوس - أنقعت لَهُ تمرات من اللَّيْل. فلمّا أكل سقته إِيَّاه. قلت: رَضِي الله عَنْك! ترْجم على جَوَاز الْوَلِيمَة سَبْعَة أَيَّام، وَلم يَأْتِ فِيهِ بِحَدِيث. وقصده الردّ على من أنكر الْيَوْم الثَّالِث، وَقَالَ: الثَّانِي فضل، وَالثَّالِث سمعة. فاستدل البُخَارِيّ على جَوَازه إِلَى سَبْعَة أَيَّام، وَنَحْوهَا بِإِطْلَاق الْأَمر بإجابة الدَّاعِي غير مقيّدة بِهَذِهِ: فاندرج فِيهِ السَّبْعَة الْمُدعى أَنَّهَا مَمْنُوعَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 (240 - (9) بَاب حسن المعاشرة مَعَ الْأَهْل) فِيهِ عَائِشَة: جلس إِحْدَى عشرَة امْرَأَة فتعاهدن أَن لَا يكتمن من أَخْبَار أَزوَاجهنَّ شَيْئا. قَالَت الأولى: زَوجي لحم جملٍ غثّ على رَأس جبل، لَا سهلٍ فيرتقي، وَلَا سمين فَينْتَقل. قَالَت الثَّانِيَة: زَوجي لَا أبث خَبره، إِنِّي أَخَاف أَن لَا أذره، إِن أذكرهُ أذكر عُجَره وبجره. قَالَت الثَّالِثَة: زَوجي العشنق، إِن أنطق أطلق، وَإِن أسكت أعلق. قَالَت الرَّابِعَة: زَوجي كليل تهَامَة لَا حرّ وَلَا قر، وَلَا مَخَافَة وَلَا سآمة. قَالَت الْخَامِسَة: زَوجي إِن دخل فَهد، وَإِن خرج أَسد، وَلَا يسْأَل عَمَّا عهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 قَالَت السَّادِسَة: زَوجي إِن أكل لف، وَإِن شرب اشتفّ، وَإِن اضْطجع التفّ وَلَا يولج الكفّ ليعلم البثّ. قَالَت السَّابِعَة: زَوجي غياياء - أَو عياياء - طباقاء. كل دَاء لَهُ دَاء. شجك أفلّك، أَو جمع كلا لَك. قَالَت الثَّامِنَة: زَوجي المسّ مسّ أرنب، وَالرِّيح ريح زرنب. قَالَت التَّاسِعَة: زَوجي رفيع الْعِمَاد، طَوِيل النجاد، عَظِيم الرماد، قريب الْبَيْت من الناد. قَالَت الْعَاشِرَة: زَوجي مَالك، وَمَا مَالك، مَالك خير من ذَلِك. لَهُ إبل كثيرات الْمُبَارك، وقليلات المسارح، وَإِذا سمعن صَوت المزهر أيقنّ أَنَّهُنَّ هوالك. قَالَت الْحَادِيَة عشر: زَوجي أَبُو زرع، وَمَا أَبُو زرع؟ ، أنَاس من حلىّ أذنىّ، وملأ من شَحم عضديّ، بجحني فبجحت إليّ نَفسِي، وجدني فِي أهل غنيمَة بشقّ، فجعلني فِي أهل صَهِيل وأطيط ودائس ومنق. فَعنده أَقُول فَلَا أقبّح، وأرقد فأتصّبح، وأشرب فأتقنح. أم أبي زرع فَمَا أم أبي ذرع؟ عكومها رواح، وبيتها فساح. ابْن أبي زرع فَمَا ابْن أبي زرع؟ مضجعه كمسلّ شطبة، ويشبعه زراع الجفرة. بنت أبي زرع فَمَا بنت أبي زرع؟ طوع أَبِيهَا وطوع أمّها، وملّ كسائها، وغيظ جارتها. جَارِيَة أبي زرع فَمَا جَارِيَة أبي زرع؟ لَا تبثّ حديثنا تبثيثاً، وَلَا تملأ بيتنا تعشيثاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 قَالَت: خرج أَبُو زرع والأوطاب تمخض، فلقى امْرَأَة مَعهَا ولدان لَهَا كالفهدين يلعبان من تَحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها. فنكحت بعده رجلا سرياً. ركب شريا، وَأخذ خطياً، واراح علىّ نعما ثرّيا، وَأَعْطَانِي كلّ رَائِحَة زوجا. وَقَالَ: كلي أم زرع، وميرى أهلك. قَالَت: فَلَو جمعت كل شَيْء أعطانيه مَا بلغ أصغرانية أبي زرع. قَالَت عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - فَقَالَ لي رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : كنت لَك يَا عَائِشَة كَأبي زرعٍ لأم زرع. وَفِيه عَائِشَة: كَانَ الْحَبَش يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ. فسترني رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَأَنا أنظر. فَمَا زلت أنظر حَتَّى كنت أَنا أنصرف، فاقدروا قدر الْجَارِيَة الحديثة السن تسمع اللَّهْو. قلت: رَضِي الله عَنْك! نبّه بِهَذِهِ التَّرْجَمَة على أَن إِيرَاد هَذِه الْحِكَايَة من النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لَيْسَ خلياً عَن فَائِدَة شَرْعِيَّة، بل مُشْتَمِلًا عَلَيْهَا. وَتلك الْفَائِدَة: الْإِحْسَان فِي معاشرة الْأَهْل كَمَا ندب الله سُبْحَانَهُ إِلَيْهِ. وَفِي بعض طرقه أَنه قَالَ لَهَا: كنت لَك كَأبي زرع لأم زرع غير أَنِّي لَا أطلقك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 (241 - (10) بَاب قَول الرجل لصَاحبه هَل أعرستم اللَّيْلَة؟ وَطعن الرجل ابْنَته فِي الخاصرة عِنْد العتاب) فِيهِ عَائِشَة: عَاتَبَنِي أَبُو بكر، وَجعل يطعن بِيَدِهِ فِي خاصرتي. فَلَا يَمْنعنِي من التحرك إِلَّا مَكَان رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- على فَخذي. قلت: رَضِي الله عَنْك! أوّل التَّرْجَمَة من حَدِيث أبي طَلْحَة لمّا توفى ابْنه أخرجه فِي " الْعَقِيقَة " وَلم يُخرجهُ هُنَا. وَسَاقه مَعَ طعن الرجل ابْنَته فِي الخاصرة. وَالْجَامِع بَينهمَا أَن كلا الْأَمريْنِ مُسْتَثْنى فِي بعض الْحَالَات. فإمساك الرجل بخاصرة ابْنَته مَمْنُوع إِلَّا لمثل هَذِه الْحَاجة. وسؤال الرجل صَاحبه عَمَّا فعله فِي كسر بَيته مَمْنُوع. وَقد ورد النَّهْي فِيهِ إِلَّا فِي هَذِه الْحَالة الْمُقْتَضِيَة للبسط، ولتسلية الْمُصَاب، وَلَا سِيمَا مَعَ الصّلاح، وَانْتِفَاء الظنة، وَسقط المزاح. (46 -[كتاب الطَّلَاق] ) (242 - (1) بَاب من أجَاز طَلَاق الثَّلَاث) لقَوْله تَعَالَى: {الطَّلَاق مَرَّتَانِ فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 بِإِحْسَان} [الْبَقَرَة: 229] . وَقَالَ ابْن الزبير فِي مَرِيض طلّق: لَا أرى أَن تَرث مبتوتة. وَقَالَ الشّعبِيّ: تَرثه. وَقَالَ ابْن شبْرمَة: تتزوّج إِذا انْقَضتْ العدّة؟ قَالَ: نعم - يَعْنِي الشّعبِيّ - قلت: أَرَأَيْت إِن مَاتَ الزَّوْج الآخر، فَرجع عَن ذَلِك؟ ؟ فِيهِ سهل بن سعد: إِن عويمرا جَاءَ إِلَى عَاصِم فَقَالَ: أَرَأَيْت رجلا وجد مَعَ امْرَأَته رجلا - الحَدِيث -، فَتَلَاعَنا، فَلَمَّا فرغا، قَالَ عُوَيْمِر: كذبت عَلَيْهَا يَا رَسُول الله إِن أَمْسَكتهَا فَطلقهَا ثَلَاثًا قبل أَن يَأْمُرهُ رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . قَالَ ابْن شهَاب: فَكَانَت تِلْكَ سنة المتلاعنين. وَفِيه عَائِشَة: إِن امْرَأَة رِفَاعَة الْقرظِيّ جَاءَت إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَت: يَا رَسُول الله: إِن رِفَاعَة طَلقنِي، فبتّ طَلَاقي، وَإِنِّي نكحت بعده عبد الرَّحْمَن بن الزبير وَأَنا مَعَه مثل الهدبة. فَقَالَ لَهَا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لعلّك تريدين أَن تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَة؟ لَا، حَتَّى يَذُوق عُسَيْلَتك، وتذوقي عُسَيْلَته. وَقَالَت عَائِشَة مرّة إِن رجلا طلّق امْرَأَته ثَلَاثًا، فتزوّجت فطلّق، فَسئلَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : أتحلّ للأوّل؟ قَالَ: لَا، حَتَّى يَذُوق عسيلتها كَمَا ذاق الأوّل. قلت: رَضِي الله عَنْك. لُزُوم الثَّلَاث إِذا وَقعت مفترقات لَا خلاف فِيهِ. فَإِن وَقعت فِي كلمة وَاحِدَة، فالمذاهب أَيْضا كَذَلِك للّزوم، وَنقل عدم اللُّزُوم شاذاً عِنْد الْحجَّاج بن أَرْطَاة وَابْن إِسْحَاق، وَإِنَّمَا سَاق البُخَارِيّ التَّرْجَمَة للرَّدّ على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 الْمُخَالف. فَذكر أَحَادِيث فِيهَا إرْسَال الثَّلَاث دفْعَة، وَأَحَادِيث فِيهَا لُزُوم الثَّلَاث والبتات، وَلم يذكر الْكَيْفِيَّة، وَهل مجتمعاتٍ أَو متفرقات؟ . وَلما قَامَ الدَّلِيل عِنْده على تَسَاوِي الصُّور كَفاهُ الدَّلِيل فِي بَعْضهَا دَلِيلا فِي الْجَمِيع. وَالله أعلم. وَكَأَنَّهُ أثبت حكم الأَصْل بِالنَّصِّ، وَألْحق الْفَرْع بِهِ بِقِيَاس نفي الْفَارِق. (243 - (2) بَاب الشقاق، وَهل يُشِير بِالْخلْعِ عِنْد الضَّرُورَة؟) قَوْله تَعَالَى: {وَإِن خِفْتُمْ شقَاق بَينهمَا فَابْعَثُوا حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا إِن يريدا إصلاحاً يوفق الله بَينهمَا} [النِّسَاء: 35] . فِيهِ الْمسور: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إِن بنى الْمُغيرَة استأذنوني فِي أَن ينْكح علىّ، فَلَا آذن لَهُم. قلت: رَضِي الله عَنْك! يحْتَمل أَن يكون استدلاله بقوله: " إِلَّا أَن يُرِيد على أَن يُطلق ابْنَتي " كَمَا قَالَ الشَّارِح. وَيحْتَمل أَن يسْتَدلّ بقوله: " فَلَا آذن لَهُم " وَوجه الدَّلِيل أَنه أَشَارَ على عليّ بِعَدَمِ نِكَاح لبنتهم. وَمنعه من ذَلِك إِذْ علم من ذَلِك أَنه مَوْقُوف على إِذْنه، فَلم يَأْذَن -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لضَرُورَة صِيَانة فَاطِمَة - عَلَيْهَا السَّلَام - عَن التَّعْرِيض لما جبلت إِلَيْهِ النُّفُوس من الْغيرَة، وَأَحْوَالهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 فَإِذا استقرّ جَوَاز الْإِشَارَة بِعَدَمِ التَّزْوِيج الْتحق جَوَاز الْإِشَارَة بِقطع النِّكَاح لمصْلحَة. وَالله أعلم. (244 (3) بَاب شَفَاعَة النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي زوج بَرِيرَة) فِيهِ ابْن عَبَّاس: إِن زوج بَرِيرَة كَانَ عبدا يُقَال لَهُ مغيث، كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ يطوف خلفهَا يبكي ودموعه تسيل على لحيته. فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لعبّاس: يَا عبّاس: أَلا تعجب من حبّ مغيث بَرِيرَة، وَمن بغض بَرِيرَة مغيثاً؟ فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لَو راجعته {فَقَالَت: يَا رَسُول الله} تَأْمُرنِي؟ قَالَ: إِنَّمَا أشفع. قَالَت: فَلَا حَاجَة لي فِيهِ. قلت: رَضِي الله عَنْك! مدخله فِي الْفِقْه تسويغ الشَّفَاعَة للْحَاكِم عِنْد الْخصم فِي خَصمه إِذا ظهر حَقه، وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالتّرْكِ أَو الصُّلْح، إِذا سلم لَهُ الْقَصْد. وَلَا يعدّ من التضجيع فِي الْأَحْكَام. (245 - (4) بَاب حكم الْمَفْقُود فِي أَهله) وَفِيه ابْن الْمسيب: إِذا فقد فِي الصفّ عِنْد الْقِتَال تَتَرَبَّص امْرَأَته سنة. وَاشْترى ابْن مَسْعُود جَارِيَة فالتمس صَاحبهَا سنة فَلم يجده وفقد. فَأخذ يُعْطي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 الدِّرْهَم وَالدِّرْهَمَيْنِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَن فلَان، فَإِن أَتَى فلى وعلىّ وَقَالَ: هَكَذَا فافعلوا باللقطة. وَقَالَ ابْن عَبَّاس نَحوه. وَقَالَ الزُّهْرِيّ فِي الْأَسير يعلم مَكَانَهُ: لَا تتَزَوَّج امْرَأَته، وَلَا يقسم مَاله. فَإِذا انْقَطع خَبره فسنّته سنّة الْمَفْقُود. فِيهِ يزِيد بن خَالِد: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- سُئِلَ عَن ضَالَّة الْغنم. فَقَالَ: خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَك أَو لأخيك أَو للذئب. وَسُئِلَ عَن ضَالَّة الْإِبِل، فَغَضب حَتَّى احمّرت وجنتاه. فَقَالَ: مَالك وَلها؟ مَعهَا الْحذاء والسقاء، تشرب المَاء وتأكل الشّجر، حَتَّى يلقاها ربّها. وَسُئِلَ عَن اللّقطَة، فَقَالَ: اعرف وكاءها وعفاصها، وعرّفها سنة، فَإِن جَاءَ من يعرفهَا [وَإِلَّا] اخلطها بِمَالك ... ". قلت: رَضِي الله عَنْك! هَذِه التَّرْجَمَة، وَمَا سَاقه فِيهَا من الْآثَار وَالْأَحَادِيث دَلِيل وَاضح على فَضله ودقّة نظره. وَذَلِكَ أَنه وجد الْأَحَادِيث متعارضة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَقْصُود. فَحَدِيث ضَالَّة الْغنم يدلّ على جَوَاز التَّصَرُّف فِي مَاله فِي الْجُمْلَة وَإِن لم تتَحَقَّق وَفَاته. وينقاس عَلَيْهِ تصرف الْمَرْأَة فِي نَفسهَا بعد إيقاف الْحَاكِم، وتطليقه بِشُرُوطِهِ. والْحَدِيث عَن ابْن مَسْعُود وَمَا مَعَه يُؤَيّدهُ. ويقابل هَذَا على الْمُعَارضَة حَدِيث ضَالَّة الْإِبِل. فمقتضاه بَقَاء ملكه أبدا حَتَّى يتَحَقَّق وَفَاته بالتعمير أَو غَيره. وبحسب هَذَا التَّعَارُض اخْتلف الْعلمَاء فِي الْجُمْلَة. وَاخْتَارَ البُخَارِيّ إيقاف الْأَهْل أبدا إِلَى الْوَفَاة يَقِينا أَو التَّعْمِير. ونبّه على أَن الْغنم إِنَّمَا يتَصَرَّف فِيهَا خشيَة الضّيَاع بِدَلِيل التَّعْلِيل فِي الْإِبِل. فالإبل فِي معنى الْأَهْل، لِأَن بَقَاء الْعِصْمَة مُمكن كبقاء الْإِبِل مَمْلُوكَة لَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 (246 - (5) بَاب الْإِشَارَة فِي الطَّلَاق والأمور) وَقَالَ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : لَا يعذب الله بدمع الْعين، وَلَكِن يعذّب بِهَذَا - وَأَشَارَ إِلَى لِسَانه -. وَقَالَ كَعْب بن مَالك: أَشَارَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَي خُذ النّصْف. وَقَالَت أَسمَاء قلت لعَائِشَة: مَا شَأْن النَّاس؟ آيَة - وَهِي تصلّي - فأومأت برأسها أَي نعم {. وَقَالَ أنس: أَوْمَأ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إِلَى أبي بكر أَن يتَقَدَّم. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: أَوْمَأ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بِيَدِهِ: لاحرج. وَقَالَ أَبُو قَتَادَة، قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي الصَّيْد للْمحرمِ: آحد مِنْكُم أمره أَن يحمل عَلَيْهَا، أَو أَشَارَ إِلَيْهَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوا ". قَالَ ابْن عَبَّاس: طَاف النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- على بعيره، فَكَانَ كلّما أَتَى على الرُّكْن أَشَارَ إِلَيْهِ وكبّر. وَقَالَت زَيْنَب، قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : فتح من ردم يَأْجُوج وَمَأْجُوج مثل هَذِه. وَعقد تسعين. قلت: رَضِي الله عَنْك} يُشِير إِلَى طَلَاق الْأَخْرَس وَغَيره بِالْإِشَارَةِ إِلَى الأَصْل. وَالْعدَد نَافِذ كاللفظ، بِدَلِيل أَن الْإِشَارَة مفهمة، فساوت اللَّفْظ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 مَقْصُوده. وَاعْتِبَار الشَّرْع لَهَا دَلِيلا كالنطق يُحَقّق ذَلِك. وَهُوَ مَقْصُود الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة. وَالله أعلم. (247 - (6) بَاب إِذا عرّض بِنَفْي الْوَلَد) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: أَن رجلا أَتَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَ يَا رَسُول الله {ولد لي غُلَام أسود. فَقَالَ: هَل لَك من إبل؟ فَقَالَ: نعم. قَالَ: مَا أَنْوَاعهَا؟ قَالَ: حمر. قَالَ: هَل فِيهَا من أَوْرَق؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فأنىّ ذَلِك؟ قَالَ: لعلّ عرقاً نَزعه. قَالَ: فَلَعَلَّ ابْنك هَذَا نَزعه عرق. قلت: رَضِي الله عَنْك} ذكر البُخَارِيّ التَّعْرِيض عقب الْإِشَارَة، وَقد تقدم لَهُ فِيهَا أَنَّهَا كاللفظ لاشتراكها فِي إفهام الْمَقْصُود. وَقد كَانَ يَنْبَغِي أَن يكون التَّعْرِيض مثل اللَّفْظ الظَّاهِر فِي الْمَقْصُود بطرِيق الْمَنْطُوق، لمشاركته إيَّاهُمَا فِي إفهام الْمَقْصُود، وَهُوَ مَذْهَب مَالك - رَحمَه الله -. وتبويب البُخَارِيّ على الحَدِيث أَنه تَعْرِيض يدلّ أَن مذْهبه إهدار التَّعْرِيض وَذَلِكَ مُنَاقض لمذهبه فِي الْإِشَارَة. وَالتَّحْقِيق أَن الحَدِيث الْمَذْكُور لَيْسَ بتعريض. فَإِن التَّعْرِيض هُوَ إفهام البتّ بِالْقَذْفِ. وَهَذَا السَّائِل إِنَّمَا جَاءَ مستريباً، فلمّا ضرب لَهُ الْمثل زَالَت الرِّيبَة. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 (248 - (7) بَاب الْمُطلقَة إِذا خشى عَلَيْهَا فِي بَيت زَوجهَا أَن يقتحم عَلَيْهَا أَو تبذو على أَهله بِفَاحِشَة) فِيهِ عَائِشَة: إِنَّمَا أنْكرت على فَاطِمَة [- وَزَاد ابْن الزِّنَاد عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ -: عابت عَائِشَة أشدّ الْعَيْب، وَقَالَت: إِن فَاطِمَة كَانَت فِي مَكَان وَحش، فخيف على ناحيتها. فَكَذَلِك أرخص لَهَا رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ] . قلت: رَضِي الله عَنْك! ذكر البُخَارِيّ فِي التَّرْجَمَة علتين: إِحْدَاهمَا: الْخَوْف من الزَّوْج عَلَيْهَا. وَالْأُخْرَى: الْخَوْف مِنْهَا على أهل الزَّوْج، أَن تبذو عَلَيْهِم بِفَاحِشَة. وَذكر حَدِيث فَاطِمَة وَمَا فِيهِ إِلَّا الْخَوْف عَلَيْهَا. وَقد ورد قَول عَائِشَة لَهَا: إِنَّمَا أخرجك هَذَا اللِّسَان. وَلَكِن البُخَارِيّ لمّا لم توَافق هَذِه الزِّيَادَة شَرطه اسقطها من الحَدِيث وضمنّها التَّرْجَمَة. لِأَن الْخَوْف عَلَيْهَا إِذا اقْتضى خُرُوجهَا، فمثلها الْخَوْف مِنْهَا. وَلَعَلَّه الأولى فِي إخْرَاجهَا. فلمّا صحّت عِنْده الزِّيَادَة بِالْمَعْنَى ضمّنها التَّرْجَمَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 (249 - (8) بَاب قَول الله عز وَجل: {وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق الله فِي أرحامهن} [الْبَقَرَة: 228] من الْحيض. فِيهِ عَائِشَة: لما أَرَادَ رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَن ينفر، إِذا صَفِيَّة على بَاب خبائها كئيبة، فَقَالَ لَهَا: عقري - أَو حلقي - إِنَّك لحابستنا، أَكنت أفضت؟ قَالَت: نعم. قَالَ: فانفري إِذا. قلت: رَضِي الله عَنْك! استدلاله بِالْحَدِيثِ على التَّرْجَمَة لطيف وَذَلِكَ أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- رتب على مُجَرّد قَول صَفِيَّة: إِنَّهَا حَائِض، لُزُوم أَن يحتبس عَلَيْهَا. وَهَذَا حكم متعدٍ عَنْهَا إِلَى الزَّوْج. فقاس عَلَيْهِ تصديقها فِي الْحيض وَالْحكم وَالْحمل بِاعْتِبَار رَجْعَة الزَّوْج، وسقوطها، والتحاق الْحمل بِهِ. وَالله أعلم. (250 - (9) بَاب الْمهْر للمدخول عَلَيْهَا، وَكَيف الدُّخُول؟ أَو طلّقها قبل الدُّخُول) فِيهِ ابْن عمر: فرّق النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بَين أخوى بنى العجلان وَقَالَ: الله يعلم أَن أَحَدكُمَا كاذبٌ - الحَدِيث - قَالَ الرجل: مَالِي. قَالَ: لَا مَال لَك إِن كنت صَادِقا فقد دخلت بهَا. وَإِن كنت كَاذِبًا فقد أبعد مِنْك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 قلت: رَضِي الله عَنْك {وَجه الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة أَنه -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- جعل الدُّخُول عِلّة اسْتِحْقَاقهَا لجَمِيع الْمهْر. فاستحقاق الْمَدْخُول بهَا الْمهْر كَامِلا من الْمَنْطُوق، وَعدم اسْتِحْقَاق غير الْمَدْخُول بهَا من الْمَفْهُوم. فالمنطوق وَالْمَفْهُوم، يُطَابق الحَدِيث قسمي التَّرْجَمَة جَمِيعًا. وَالله أعلم. (47 -[كتاب النَّفَقَات] ) (251 - (1) بَاب كسْوَة الْمَرْأَة بِالْمَعْرُوفِ) فِيهِ عليّ: آتى إلىّ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- حلَّة سيراء، فلبستها فَرَأَيْت الْغَضَب فِي وَجهه، فشققتها بَين نسَائِي. قلت: رَضِي الله عَنْك} مَوضِع الْمُطَابقَة تشقيقه للحلة بَين نِسَائِهِ. وَهَذَا من الاقتصاد بِالْمَعْرُوفِ بِحَسب الْحَال لَا بالإسراف والتغالي، لِأَن الَّذِي نَاب فَاطِمَة - عَلَيْهَا السَّلَام - من هَذِه الحلّة خرقَة رضيت بهَا، قبلتها. (252 - (2) بَاب نَفَقَة الْمُعسر على أَهله) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: أَتَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- رجل فَقَالَ: هَلَكت: قَالَ: وَلم؟ قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 وَقعت على أَهلِي فِي رَمَضَان. قَالَ: أعتق رَقَبَة. قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي. قَالَ: فَصم شَهْرَيْن متتاليين. قَالَ: لَا أَسْتَطِيع. قَالَ: فأطعم سِتِّينَ مِسْكينا. قَالَ: لَا أجد. فَأتى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعرق فِيهِ ثمن. فَقَالَ: أَيْن السَّائِل؟ قَالَ: أَنا، قَالَ: فَتصدق بِهَذَا. قَالَ: على أحْوج منّا؟ فوالذي بَعثك بِالْحَقِّ مَا بَين لَا بتيها أهل بَيت أحْوج منا. فَضَحِك النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- حَتَّى بَدَت أنيابه. قَالَ: فَأنْتم إِذا. قلت: رَضِي الله عَنْك {وَجه الِاسْتِدْلَال أَن الْكَفَّارَة وَاجِبَة، وَمَعَ هَذَا اسقطها عَنهُ فِي الْحَال الْمُعَارضَة مَا هُوَ أوجب مِنْهَا، وَهُوَ الانفاق على الزَّوْجَة، وَإِن كَانَ مُعسرا. وَلَو لم تكن النَّفَقَة وَاجِبَة عَلَيْهِ مَا سقط بهَا الْوَاجِب. (253 - (3) بَاب: {وعَلى الْوَارِث مثل ذَلِك} [الْبَقَرَة: 233] وَهل على الْمَرْأَة مِنْهُ شَيْء؟) 8 - (وَضرب الله مثلا رجلَيْنِ أَحدهمَا أبكم لَا يقدر على شَيْء، وَهُوَ كل على مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يوجهه لَا يَأْتِ بِخَير} [النَّحْل: 76] فِيهِ أم سَلمَة: هَل لي من أجر فِي بني أبي سَلمَة أَن أنْفق عَلَيْهِم، وَلست بتاركتهم هَكَذَا وَهَكَذَا. وَإِنَّمَا هم بنيّ. قَالَ: نعم لَك أجر مَا أنفقت عَلَيْهِم. فِيهِ هِنْد: قَالَت: يَا رَسُول الله} إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح، فَهَل عليّ جنَاح أَن آخذ من مَاله مَا يَكْفِينِي وبنىّ؟ قَالَ: خذى بِالْمَعْرُوفِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 قلت: رَضِي الله عَنْك {وَجه الْمُطَابقَة يتَبَيَّن بمقصوده. وَإِنَّمَا قصد الرَّد على من زعم أَن الْأُم يجب عَلَيْهَا نَفَقَة وَلَدهَا بعد أَبِيه، وإرضاعه لدخولها فِي إِطْلَاق: " وعَلى الْوَارِث مثل ذَلِك " فَبين البُخَارِيّ أَن الْأُم كَانَت كلا على الْأَب وَاجِبَة النَّفَقَة عَلَيْهِ. وَمن هُوَ كل بالاصالة لَا يقدر على شَيْء فِي الْغَالِب. كَيفَ أَن يتَوَجَّه عَلَيْهِ أَن ينْفق على غَيره؟ وَبِحَدِيث أم سَلمَة فَإِنَّهُ صَرِيح فِي إنفاقها على بنيها فضلا، وتطوعاً. وَبِحَدِيث هِنْد فَإِنَّهُ أوجب لَهَا أَن تَأْخُذ من مَال زَوجهَا نَفَقَة بنيه، من حَيْثُ لَا يشْعر. فَإِذا كَانَت سَاقِطَة عَنْهَا فِي حَيَاته، فَالْأَصْل اسْتِصْحَاب حَال السُّقُوط بعد الْوَفَاة. (254 - (4) بَاب المراضع من المواليات وغيرهن.) فِيهِ أم حَبِيبَة: زوج النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : قَالَت يَا رَسُول الله} انكح أُخْتِي بنت أبي سُفْيَان. قَالَ: وتحبين ذَلِك؟ قَالَت: نعم، لست لَك بمخلية، وَأحب من شاركني فِي الْخَيْر أُخْتِي. فَقَالَ: إِن ذَلِك لَا يحل لي. فَقلت: يَا رَسُول الله! إِنَّا نتحدث أَنَّك تُرِيدُ أَن تنْكح درة بنت أبي سَلمَة فَقَالَ: ابْنة أم سَلمَة؟ فَقلت: نعم. فَقَالَ: فوَاللَّه لَو لم تكن ربيبتي فِي حجري مَا حلت لي، إِنَّهَا ابْنة أخي من الرضَاعَة. أرضعتني وَأَبا سَلمَة ثويبة. فَلَا تعرضن على بناتكن وَلَا أخواتكن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 وَقَالَ عُرْوَة: ثوثبة أعْتقهَا أَبُو لَهب. قلت: رَضِي الله عَنْك {يُشِير بقوله: " المواليات وغيرهن " إِلَى أَن حُرْمَة الرَّضَاع تَنْتَشِر. كَانَت الْمُرضعَة حرَّة أَصْلِيَّة، أَو مولاة، أَو أمة لِأَن ثويبة كَانَت مولاة أبي لَهب. (48 - كتاب الشَّهَادَات) (255 - (1) بَاب مَا جَاءَ فِي الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي) وَقَوله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم بدين إِلَى أجل مُسَمّى - إِلَى قَوْله - وَالله بِكُل شئ عليم) [الْبَقَرَة: 282] وَقَوله {ياأيها الَّذين آمنُوا كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله، وَلَو على أَنفسكُم أَو الْوَالِدين والأقربين - إِلَى قَوْله - بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرا} [النِّسَاء: 135] . قلت: رَضِي الله عَنْك} وَجه الِاسْتِدْلَال بالاَى على التَّرْجَمَة أَن الْمُدَّعِي لَو كَانَ مُصدقا بِلَا بيّنة لم تكن حَاجَة إِلَى الْإِشْهَاد وَلَا إِلَى كِتَابَة الْحُقُوق وإملائها. فالإرشاد على ذَلِك يدل على الْحَاجة إِلَيْهِ. وَفِي ضمن ذَلِك أَن الْبَيِّنَة على الْمُدعى. (256 - (2) بَاب شَهَادَة المختبئ.) وَأَجَازَهُ عَمْرو بن حُرَيْث قَالَ: وَكَذَلِكَ يفعل بالكاذب الْفَاجِر وَقَالَ الشّعبِيّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وَابْن سِيرِين وَعَطَاء وَقَتَادَة: السّمع شَهَادَة. وَقَالَ الْحسن: لم يشهدوني على شَيْء، وَلَكِن سَمِعت كَذَا وَكَذَا. فِيهِ ابْن عمر: انْطلق النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وأبى بن كَعْب يؤمّان النّخل الَّتِي فِيهَا ابْن صياد حَتَّى إِذا دخل النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- طفق يتقى بجذوع النّخل. وَهُوَ يخْتل أَن يسمع من ابْن صياد شَيْئا قبل أَن يرَاهُ. وَابْن صياد مُضْطَجع على فرَاشه فِي قطيفة لَهُ فِيهَا رمرمة أَو زمزمة. فرأت أم ابْن صياد النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَهُوَ يتقى بجذوع النّخل. فَقَالَت لِابْنِ صياد: أى صَاف {هَذَا مُحَمَّد. فتناهى ابْن صياد. فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : لَو تركته لبين. وَفِيه عَائِشَة: جَاءَت امْرَأَة رِفَاعَة الْقرظِيّ إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَت: كنت عِنْد رِفَاعَة فطلقني. فَأَبت طَلَاقي. فتزوجني عبد الرَّحْمَن بن الزبير وإنمّا مَعَه مثل هدبة الثَّوْب. فَقَالَ أَتُرِيدِينَ أَن تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَة. لَا، حَتَّى تذوقين عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك. وَأَبُو بكر جَالس، وخَالِد بن سعيد بن العَاصِي بِالْبَابِ ينْتَظر أَن يُؤذن لَهُ. فَقَالَ: يَا أَبَا بكر} أما تسمع إِلَى مَا تجْهر بِهِ هَذِه، عِنْد النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . قلت: رَضِي الله عَنْك! مَوضِع الدَّلِيل من حَدِيث زَوْجَة رِفَاعَة أَن خَالِد نقل عَنْهَا وَأنكر عَلَيْهَا بِمُجَرَّد سَماع صَوتهَا، وَإِن كَانَ شخصها محتجباً عَنهُ. وَهَذَا حَاصِل شَهَادَة المختبئ. وَالله أعلم. (257 - (3) بَاب إِذا شهد شَاهد أَو شُهُود بِشَيْء فَقَالَ آخَرُونَ: مَا علمنَا ذَلِك فَيحكم بقول من شهد.) قَالَ الْحميدِي: هَذَا كَمَا أخبر بِلَال أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- صلى فِي الْكَعْبَة. وَقَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 الْفضل: لم يصل وَأخذ النَّاس بِشَهَادَة بِلَال. كَذَلِك إِن شهد شَاهِدَانِ أَن لفُلَان على فلَان ألف دِرْهَم، وَشهد آخَرُونَ بِأَلف وَخمْس مائَة يقْضِي بِالزِّيَادَةِ. فِيهِ عقبَة بن الْحَارِث: إِنَّه تزوج بِنْتا لأبي إهَاب بن عَزِيز، فَأَتَتْهُ امْرَأَة. فَقَالَت: قد أرضعت عقبَة، وَالَّتِي تزوج. فَقَالَ لَهَا عقبَة: مَا أعلم أَنَّك أرضعتني، وَلَا أَخْبَرتنِي. فَأرْسل إِلَى آل إهَاب فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: مَا علمنَا أرضعت صاحبتنا. فَركب إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ. فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : كَيفَ وَقد قيل؟ ففارقها ونكحت غَيره. قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة حَدِيث عقبَة للتَّرْجَمَة أَنه -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- رتب على قَول المثبتة للرضاع إرشاده إِلَى الْفِرَاق، وَإِلَى الْتِزَام الْوَرع وَرفع الشُّبْهَة. وَلَوْلَا ذَلِك لبقي النِّكَاح على مَا كَانَ تَغْلِيبًا لقَوْل النَّافِي. وَوَقع للشَّارِح فِي هَذَا الْبَاب وهم. فَتَأَمّله (258 _ (4) بَاب شَهَادَة الْقَاذِف وَالسَّارِق وَالزَّانِي.) وَقَوله تَعَالَى: {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا. وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذين تَابُوا} [النُّور: 4 - 5] وَجلد عمر أَبَا بكرَة وشبل بن معبد ونافعاً بِقَذْف الْمُغيرَة. ثمَّ استتابهم. فَقَالَ: من تَابَ قبلت شَهَادَته. وَأَجَازَهُ عبد الله بن عتبَة وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَسَعِيد بن جُبَير وَطَاوُس وَمُجاهد وَالشعْبِيّ وَعِكْرِمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وَالزهْرِيّ ومحارب بن دثار وَشُرَيْح وَمُعَاوِيَة بن قُرَّة. وَقَالَ أَبُو الزِّنَاد: الْأَمر عندنَا بِالْمَدِينَةِ إِذا رَجَعَ الْقَاذِف عَن قَوْله، فَاسْتَغْفر ربه قبلت شَهَادَته. وَقَالَ الشّعبِيّ وَقَتَادَة: إِذا أكذب نَفسه جلد وَقبلت شَهَادَته. وَقَالَ الثَّوْريّ: إِذا جلد العَبْد ثمَّ أعتق جَازَت شَهَادَته. أَو إِن استقضى الْمَحْدُود فقضاياه جَائِزَة. وَقَالَ بعض النَّاس: لَا تجوز شَهَادَة الْقَاذِف، وَإِن تَابَ. ثمَّ قَالَ: يجوز نِكَاح بِغَيْر شَاهِدين. وَإِن تزّوج بِشَهَادَة محدودين جَازَ. وَإِن تزوج بِشَهَادَة عَبْدَيْنِ لم يجز وَأَجَازَ شَهَادَة الْمَحْدُود وَالْعَبْد وَالْأمة لرؤية رَمَضَان. وَكَيف تعرف تَوْبَته؟ وَقد نفى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- الزَّانِي سنة. وَنهى عَن كَلَام كَعْب بن مَالك وصاحبيه حَتَّى مضى خَمْسُونَ لَيْلَة. فِيهِ عَائِشَة: إِن امْرَأَة سرقت فِي غَزْوَة الْفَتْح فَأتى بهَا إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَأمر بهَا فَقطعت يَدهَا. قَالَت عَائِشَة: فحسنت توبتها. وَتَزَوَّجت وَكَانَت تَأتِينِي بعد ذَلِك. فأرفع حَاجَتهَا إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . وَفِيه زيد بن خَالِد: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَمر فِيمَن زنا وَلم يحصن بجلد مائَة وتغريب عَام. قلت: رَضِي الله عَنْك! قَوْله فِي التَّرْجَمَة: وَكَيف تعرف تَوْبَته؟ كالترجمة المستقلة المعطوفة ثمَّ بَين كَيْفيَّة الْمعرفَة بِالتَّوْبَةِ بتغريب من يغرب مُدَّة مَعْلُومَة، وبهجران الثَّلَاثَة مُدَّة مَعْلُومَة حَتَّى تتَحَقَّق التَّوْبَة وتحسن الْحَال بِخَير إِلَى أَن التَّوْبَة قه تظهر بقرائن الْأَحْوَال وبالأسباب المضيقة على العَاصِي فَإِنَّهَا زواجر تندمه على جريمته فِي الْغَالِب. وأشكل مَا فِي ذَلِك تَوْبَة الْقَاذِف المحق إِذا لم يكمل النّصاب. أما الْقَاذِف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 الْكَاذِب فِي الْقَذْف فتوبته بَيِّنَة. وَأما الصَّادِق فِي قذفه كَيفَ يَتُوب فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى؟ وأشبه مَا ذَلِك عِنْدِي أَن المعاين للفاحشة لَا يجوز لَهُ أَن يكْشف صَاحبهَا إِلَّا إِذا تحقق كَمَال النّصاب مَعَه. فَإِذا كشفه حَيْثُ لَا نِصَاب فقد عصى الله، وَإِن كَانَ صَادِقا فيتوب من الْمعْصِيَة فِي الإعلان، لَا من الصدْق. وَالله أعلم. (259 - (5) بَاب شَهَادَة الْأَعْمَى وَأمره ونكاحه وإنكاحه ومبايعته) وقبوله فِي التأذين. وَمَا يعرف بالأصوات. وَأَجَازَ شَهَادَته الْقَاسِم وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَالزهْرِيّ وَعَطَاء. وَقَالَ الشّعبِيّ: تجوز شَهَادَته إِذا كَانَ عَاقِلا. وَقَالَ الحكم: رب شَيْء تجوز فِيهِ. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: أَرَأَيْت ابْن عَبَّاس لَو شهد على شَهَادَة إِن كنت ترده؟ وَكَانَ ابْن عَبَّاس يبْعَث رجلا إِذا غَابَتْ الشَّمْس أفطر. وَيسْأل عَن الْفجْر فَإِذا قيل لَهُ طلع، صلى رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ سُلَيْمَان ابْن يسَار: اسْتَأْذَنت على عَائِشَة فَعرفت قَالَت: سُلَيْمَان {ادخل فَإنَّك مَمْلُوك مَا بقى عَلَيْك شَيْء وَأَجَازَ سَمُرَة شَهَادَة امْرَأَة منتقبة. فِيهِ عَائِشَة: سمع النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- رجلا يقْرَأ فِي الْمَسْجِد فَقَالَ: رَحمَه الله} لقد أذكرني فِي كَذَا آيَة أسقطتهن من سُورَة كَذَا وَكَذَا. وَقَالَت عَائِشَة: هجّد النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي بَيْتِي فَسمع صَوت عباد يصلى فِي الْمَسْجِد. فَقَالَ: يَا عَائِشَة أصوت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 عبّاد هَذَا؟ قلت: نعم. قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ عباداً. وَفِيه ابْن عمر: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : إِن بِلَالًا يؤذّن بلَيْل. فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤذن ابْن أم كُلْثُوم. وَكَانَ أعمى، لَا يُؤذن حَتَّى يَقُول لَهُ النَّاس: أَصبَحت. وَفِيه الْمسور: قدمت على رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أقبية فَقَالَ لي أبي: انْطلق بِنَا عَسى أَن يُعْطِينَا مِنْهَا شَيْئا. فَقَامَ أبي على الْبَاب، فَتكلم. فَعرف النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- صَوته. فَخرج النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَمَعَهُ قبَاء وَهُوَ يرِيه محاسنه وَيَقُول: خبأت هَذَا لَك، خبأت هَذَا لَك. قلت: رَضِي الله عَنْك! الْجَامِع بَين هَذِه الْأَحَادِيث معرفَة الصَّوْت وتمييز صَاحبه بِهِ، كتميزه بشخصه لَو رَآهُ. ويقتضى ذَلِك صِحَة شَهَادَة الْأَعْمَى على الصَّوْت. وَأما كَون ابْن عَبَّاس كَانَ يبْعَث رجلا يُخبرهُ بغيبوبة الشَّمْس وَإِن لم يعاينها اكْتِفَاء بِخَبَر الْوَاحِد مَعَ قَرَائِن الْأَحْوَال. وَلَعَلَّ البُخَارِيّ يُشِير بِحَدِيث ابْن عَبَّاس إِلَى شَهَادَة الْأَعْمَى على التَّعْرِيف، أَي يعرف أَن هَذَا فلَان. فَإِذا عرف شهد وَشَهَادَة التَّعْرِيف مُخْتَلف فِيهَا عِنْد مَالك _ رَحمَه الله تَعَالَى _ وَكَذَلِكَ الْبَصِير إِذا لم يعرف نسب الشَّخْص، فَعرفهُ بنسبه من وثق بِهِ. فَهَل يشْهد على فلَان ابْن فلَان بنسبه أَو لَا؟ مُخْتَلف فِيهِ أَيْضا. (260 - (6) بَاب إِذا زكى رجل رجلا كَفاهُ) وَقَالَ أَبُو جميلَة: وجدت مَنْبُوذًا فَلَمَّا رَآنِي عمر كَأَنَّهُ يتهمني. قَالَ عريفي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 إِنَّه رجل صَالح قَالَ: كَذَلِك. قَالَ: اذْهَبْ وعلينا نَفَقَته. فِيهِ أَبُو بكرَة: أثنى رجل على رجل عِنْد النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَ: وَيلك قطعت عنق صَاحبك مرَارًا. ثمَّ قَالَ: من كَانَ مِنْكُم مادحاً أَخَاهُ لَا محَالة، فَلْيقل: أَحسب فلَانا وَالله حسيبه. وَلَا أزكّى على الله أحدا. أَحْسبهُ كَذَا وَكَذَا إِن الله يعلم ذَلِك مِنْهُ. قلت: رَضِي الله عَنْك! استدلاله على التَّرْجَمَة بِحَدِيث أبي بكرَة ضَعِيف فَإِن غَايَته أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- اعْتبر تَزْكِيَة الرجل أَخَاهُ إِذا اقتصد وَلم يتغال. وَالِاعْتِبَار قد يكون لِأَنَّهُ جُزْء النّصاب، وَقد يكون لِأَنَّهُ كافٍ فَهَذَا مسكوت عَنهُ. (261 - (7) بَاب الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ فِي الْأَمْوَال وَالْحُدُود) وَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : شَاهِدَاك أَو يَمِينه. وَقَالَ ابْن شبْرمَة: كلمني أَبُو الزِّنَاد فِي شَهَادَة الشَّاهِد وَيَمِين الْمُدعى فَقلت: قَالَ الله: {واستشهدوا شَاهِدين من رجالكم فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فرجلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء أَن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى} [الْبَقَرَة: 282] مَا كَانَ يصنع بِذكر هَذِه الْأُخْرَى؟ فِيهِ ابْن عَبَّاس: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قضى بِالْيَمِينِ على المدّعى عَلَيْهِ. وَفِيه عبد الله: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: شَاهِدَاك أَو يَمِينه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 قلت: رَضِي الله عَنْك {الْأَحَادِيث والْآثَار مُطَابقَة لترجمته من حَيْثُ الْإِطْلَاق. (262 - (8) بَاب إِذا ادّعى أَو قذف فَلهُ أَن يلْتَمس البيّنة) فِيهِ ابْن عَبَّاس: أَن هِلَال بن أُميَّة قذف امْرَأَته عِنْد النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : البينّة أَو حدّ فِي ظهرك. فَقَالَ: يَا رَسُول الله} إِذا رأى أَحَدنَا على امْرَأَته رجلا ينْطَلق يلْتَمس الْبَيِّنَة؟ فَجعل يَقُول: البيّنة وَإِلَّا حدّ فِي ظهرك. فَذكر حَدِيث اللّعان. قلت: رَضِي الله عَنْك! رأى البُخَارِيّ أَن الْقَاذِف يُمكن من السَّعْي فِي البيّنة على الْمَقْذُوف أَنه زنا وَلَا يرد عَلَيْهِ أَن الحَدِيث فِي الزَّوْجَيْنِ. وَالزَّوْج لَهُ مخرج من الْحَد بِاللّعانِ إِن عجز عَن البيّنة، بِخِلَاف الْأَجْنَبِيّ لأَنا نقُول إِنَّمَا كَانَ هَذَا وَقَوله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : انْطلق قبل نزُول اللّعان، حَيْثُ كَانَ الزَّوْج وَالْأَجْنَبِيّ سَوَاء. فاستقام الدَّلِيل. (263 - (9) بَاب من أَقَامَ الْيَمين بعد البينّة) وَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لعلّ بَعْضكُم أَلحن بحجّته من بعض. وَقَالَ شُرَيْح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 وَطَاوُس وَإِبْرَاهِيم: البيّنة العادلة أَحَق من البيّنة الْفَاجِرَة. فِيهِ أم سَلمَة: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: إِنَّكُم تختصمون إلىّ. ولعلّ بَعْضكُم أَلحن بحجته من بعض. فَمن قضيت لَهُ من حق أَخِيه شَيْئا بقوله، فَإِنَّمَا أقطع لَهُ قِطْعَة من النَّار، فَلَا يَأْخُذهَا. قلت: رَضِي الله عَنْك {مَوضِع الاستشهاد من حَدِيث أم سَلمَة أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم يَجْعَل الْيَمين الكاذبة مُقَيّدَة حلا وَلَا قطعا لحق المحق. بل نَهَاهُ بعد يَمِينه عَن الْقَبْض، وساوى بَين حالتيه بعد الْيَمين وَقبلهَا فِي التَّحْرِيم. فَيُؤذن ذَلِك بِبَقَاء حق صَاحب الْحق على مَا كَانَ عَلَيْهِ. فَإِذا ظفر فِي حَقه ببينّة فَهُوَ بَاقٍ على الْقيام بهَا، لم يسْقط أصل حَقه من ذمَّته مقتطعة بِالْيَمِينِ. (49 -[كتاب الصُّلْح] ) (264 - (1) بَاب إِذا اصْطَلحُوا على جور فَهُوَ مَرْدُود.) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة وَزيد بن خَالِد: جَاءَ أَعْرَابِي فَقَالَ: يَا رَسُول الله} اقْضِ بَيْننَا بِكِتَاب الله، فَقَامَ خَصمه، فَقَالَ: صدق اقْضِ بَيْننَا بِكِتَاب الله، فَقَامَ الْأَعرَابِي، فَقَالَ: إِن ابْني كَانَ عسيفاً على هَذَا، فزنا بامرأته، فَقَالُوا لي: على ابْنك الرَّجْم. ففديت ابْني مِنْهُ بِمِائَة من الْغنم ووليدة. ثمَّ سَأَلت أهل الْعلم فَقَالُوا: إِنَّمَا على ابْنك جلد مائَة، وتغريب عَام. فَقَالَ النَّبِي _[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]_ : لأقضّينّ بَيْنكُمَا بِكِتَاب الله. أما الوليدة وَالْغنم فردّ عَلَيْك، وعَلى ابْنك جلد مائَة وتغريب عَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 وَأما أَنْت يَا أنيس فاغد على امْرَأَة هَذَا، فارجمها فغدا عَلَيْهَا أنيس فرجمها. وَفِيه عَائِشَة: قَالَ النَّبِي _[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]_ من أحدث فِي أمرنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ مَرْدُود. قلت: رَضِي الله عَنْك! الصُّلْح على الْجور قد يكون من الْجَانِبَيْنِ، وَقد يكون من أَحدهمَا. مِثَاله فِي أَحدهمَا أَن يدعى عَلَيْهِ دينا فيجحده ويصالحه على بعض. فَهَذَا يَقُول الدَّافِع أَنه جور. وَلَا يرد بل يمْضِي. وَقد يتفقان على أَنه جور. وَذَلِكَ بِأَن يظنّ الدَّافِع أَن الدَّعْوَى لَو ثبتَتْ لزمَه مِنْهَا حق، فَيكْشف الْعَيْب لَهما إِن حكم الشَّرْع أَن هَذِه الدَّعْوَى لَو اعْترف بهَا، أَو ثبتَتْ ببينّة لم يلْزم فِيهَا حق. وَأَنَّهَا غير متوجهة إِلَى مَال الصُّلْح وَلَا بعضه. فَهَذَا جور يرد فِي مثله خلاف عِنْد مَالك - رَضِي الله عَنهُ -. قيل: يردّ اتبَاعا للْحَدِيث. وَقيل: يلْزم لقَوْله: " الْمُؤْمِنُونَ عِنْد شروطهم ". وَقد فرط الدَّافِع فَكَأَنَّهُ تطوعّ. والتطوع يلْزم على أَهله بِالشُّرُوعِ فِيهِ. (265 - (2) بَاب فضل الْإِصْلَاح بَين النَّاس وَالْعدْل بَينهم.) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- كل سلامي من النَّاس عَلَيْهِ صَدَقَة كلّ يَوْم تطلع فِيهِ الشَّمْس، يعدل بَين النَّاس صَدَقَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 قلت: رَضِي الله عَنْك {ترْجم على الْإِصْلَاح وَالْعدْل. والْحَدِيث لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْعدْل. وَلَكِن لما خَاطب النَّاس كلهم بِالْعَدْلِ بَين النَّاس. وَقد علم أنّ فِي النَّاس الْحُكَّام وَغَيرهم، كَانَ عدل الْحَاكِم إِذا حكم، وَعدل غَيره إِذا أصلح. (50 -[كتاب الشُّرُوط] ) (266 - (1) بَاب إِذا اشْترط فِي الْمُزَارعَة: إِذا شِئْت أخرجتك) فِيهِ ابْن عمر: لما فدع أهل خَيْبَر ابْن عمر. قَامَ عمر خَطِيبًا، فَقَالَ: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ عَامل يهود خَيْبَر على أَمْوَالهم. وَقَالَ: نقركم على مَا أقركم الله. وَإِن ابْن عمر خرج إِلَى مَاله هُنَاكَ فَعدى عَلَيْهِ من اللَّيْل. ففدعت يَدَاهُ وَرجلَاهُ. وَلَيْسَ لنا هُنَاكَ عدوّ غَيرهم. وَلَقَد رَأَيْت إجلاءهم. فَلَمَّا عزم على ذَلِك. أَتَاهُ أحد بني أبي الْحقيق فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ} أتخرجنا، وَقد أقرنا مُحَمَّد. وعاملنا على الْأَمْوَال، وَشرط ذَلِك لنا. فَقَالَ عمر: أظننت أَنِّي نسيت قَول النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : كَيفَ بك إِذا أخرجت من خَيْبَر تعدو بك قلوصك لَيْلَة بعد لَيْلَة فَقَالَ: كَانَت هزيلة من أبي الْقَاسِم. فَقَالَ: كذبت يَا عدوّ الله. فأجلاهم عمر فَأَعْطَاهُمْ قيمَة مَا كَانَ لَهُم من الثَّمر مَالا وإبلاً وعروضاً من أقتاب وحبال وَغير ذَلِك. قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قيل التَّرْجَمَة اشْتِرَاط الْخِيَار من الْمَالِك إِلَى غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 أمد. والْحَدِيث لَا يدل على ذَلِك. قُلْنَا: الصَّحِيح أَن الْخِيَار لَا بدّ من تَقْيِيده بمدّة يجوز لمثلهَا الْخِيَار. وَإِن أطلق نزل فِي كل عقد على مَا يَلِيق بِهِ من الْمدَّة، الَّتِي فِي مثلهَا يَقع الْخِيَار. والْحَدِيث غير متناول للتَّرْجَمَة، لاحْتِمَال أَن يُرِيد: نقرّكم مَا لم يَشَأْ الله إجلاءكم مِنْهَا، لِأَن الْمَقْدُور كَائِن، وَلَا يُنَافِي وجود استرسال الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة. وَقد تَنْفَسِخ الْعُقُود اللَّازِمَة بِأَسْبَاب طارئة، وَقد لَا تَنْفَسِخ، وَلَكِن تمْتَنع مُبَاشرَة أحد الْمُتَعَاقدين لَا ستيفاء الْمَنْفَعَة، كَمَا لَو ظهر فَسَاد الْعَامِل على الْمُسَاقَاة وخيانته. فَإِن مَذْهَب مَالك إِخْرَاجه. وَكَذَلِكَ مُسْتَأْجر الدَّار إِذا أفسد. فَهَذَا - وَالله أعلم - مُرَاد الحَدِيث. أَي تستقرّون فِيهَا مَا لم تجاهروا بِفساد. فَإِذا شَاءَ الله إجلاءكم مِنْهَا تعاطيتم السَّبَب الْمُقْتَضى للإخراج، فأخرجتم وَكَذَلِكَ وَقع صدق الله وَرَسُوله. وَلَيْسَ فِي الحَدِيث أَنه ساقاهم مُدَّة معيّنة، إِمَّا لأَنهم كَانُوا عبيدا للْمُسلمين. ومعاملة السيّد لعَبْدِهِ لَا يشْتَرط فِيهَا مَا يشْتَرط فِي الْأَجْنَبِيّ، لِأَن العَبْد مَال السيّد. وَله على مَاله سلطنة الانتزاع فَكَانَ الْجَمِيع مَاله. وَإِمَّا لِأَن الْمدَّة لم تنقل مَعَ تحرّرها حِينَئِذٍ. وَالله أعلم. (51 - كتاب الْوَصَايَا) (267 - (1) بَاب الْوَصَايَا.) وَقَول النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] " وَصِيَّة الرجل مَكْتُوبَة عِنْده " وَقَول الله عز وَجل: {كتب عَلَيْكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت} [الْبَقَرَة: 180] . فِيهِ ابْن عمر: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: " مَا حق امْرِئ مُسلم لَهُ شَيْء يوصى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 فِيهِ، يبيت لَيْلَتَيْنِ إِلَّا ووصيته عِنْده مَكْتُوبَة ". وَفِيه عَمْرو بن الْحَارِث ختن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَخُو جوَيْرِية بنت الْحَارِث: مَا ترك النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- عِنْد مَوته دِينَارا وَلَا درهما، وَلَا عبدا، وَلَا أمة، وَلَا شَاة، إِلَّا بغلته الْبَيْضَاء، وسلاحه، وأرضاً جعلهَا صَدَقَة. وَفِيه عبد الله بن أبي أوفى: قيل لَهُ: هَل أوصى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ؟ فَقَالَ: لَا. فَقلت: كَيفَ كتب على النَّاس الْوَصِيَّة، وَأمر بِالْوَصِيَّةِ؟ قَالَ: أوصى بِكِتَاب الله. وَفِيه عَائِشَة: ذكر عِنْدهَا أَن عليّا - رَضِي الله عَنهُ - كَانَ وَصِيّا. فَقَالَت: مَتى أوصى إِلَيْهِ وَقد كنت مسندته إِلَى صَدْرِي، فَدَعَا بالطست. فَلَقَد انخنث فِي حجري فَمَا شَعرت أَنه مَاتَ. فَمَتَى أوصى إِلَيْهِ.؟ قلت: رَضِي الله عَنْك! الْأَحَادِيث كلهَا مُطَابقَة إِلَّا حَدِيث عَمْرو بن الْحَارِث. فَلَيْسَ فِيهِ وَصِيَّة. وَالصَّدَََقَة الْمَذْكُورَة يحْتَمل أَن تكون قبله فِي حَدِيثه. وَيحْتَمل أَن يكون موصى بهَا. وَلِهَذَا الِاحْتِمَال أدخلها فِي التَّرْجَمَة. وَالله تَعَالَى أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 (268 - (2) بَاب تَأْوِيل قَوْله: {من بعد وَصِيَّة يوصى بهَا أَو دين) [النِّسَاء: 12] } وَيذكر أَن النَّبِي _[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]_ قضى بِالدّينِ قبل الْوَصِيَّة. وَقَول الله تَعَالَى: {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} [النِّسَاء: 58] فَإِذا الْأَمَانَة أَحَق من تطوع الْوَصِيَّة. وَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : لَا صَدَقَة إِلَّا عَن ظهر غنى. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَا يوصى العَبْد إِلَّا بِإِذن أَهله. وَقَالَ النَّبِي _[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]_ : " العَبْد رَاع فِي مَال سَيّده ". فِيهِ حَكِيم " سَأَلت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَأَعْطَانِي ثلثا. ثمَّ قَالَ لي: يَا حَكِيم إِن هَذَا المَال خضرَة حلوة فَمن أَخذه بسخاوة نفس بورك لَهُ فِيهِ. وَمن أَخذه بإشراف نفس لم يُبَارك لَهُ. وَكَانَ كَالَّذي يَأْكُل وَلَا يشْبع. وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى فَقلت: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَا أرزأ أحدا بعْدك شَيْئا حَتَّى أُفَارِق الدُّنْيَا. فَكَانَ أَبُو بكر _ رَضِي الله عَنهُ _ يَدْعُو حكيماً، ليعطيه الْعَطاء، فيأبى أَن يقبله مِنْهُ ثمَّ عمر _ رَضِي الله عَنهُ _ دَعَاهُ ليعطيه فَأبى أَن يقبله. فَقَالَ: يَا معشر الْمُسلمين! إِنِّي أعرض عَلَيْهِ حَقه الَّذِي قسم الله لَهُ من هَذَا الفىء، فيأبى أَن يَأْخُذهُ، فَلم يرزأ حَكِيم أحدا من النَّاس بعد النَّبِي _[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]_ حَتَّى توفّي. فِيهِ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- كلكُمْ رَاع وكلكم مسئول عَن رعيّته، وَالرجل رَاع فِي أَهله وَمَسْئُول عَن رَعيته _ حسبته أَنه قَالَ _ الرجل رَاع فِي مَال أَبِيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قيل: ترْجم على تَقْدِيم الدّين على الْوَصِيَّة، فَمَا وَجه ذكر حَدِيث العَبْد، وَحَدِيث حَكِيم. قُلْنَا: أما حَدِيث العَبْد فَأصل ينْدَرج تَحْتَهُ مَقْصُود التَّرْجَمَة، لِأَنَّهُ لما تعَارض فِي مَاله حَقه وَحقّ السَّيِّد، قدم الْأَقْوَى وَهُوَ حق السَّيِّد، وَجعل العَبْد مسئولاً عَنهُ مؤاخذاً بحفظه. وَكَذَلِكَ حق الدّين لما عَارضه حق بِالْوَصِيَّةِ. وَالدّين وَاجِب وَالْوَصِيَّة تطّوع وَجب تَقْدِيمه. أما حَدِيث حَكِيم فَيحْتَمل مطابقته وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- زهده فِي قبُول الْعَطِيَّة. وَجعل يَد آخذها الْيَد السُّفْلى - تنفيراً عَن قبُولهَا. وَلم يرد مثل هَذَا فِي تقاضي الدّين. فَالْحَاصِل أَن قَابض الْوَصِيَّة يَده السُّفْلى. وقابض الدّين اسْتِيفَاء لحقه، إِمَّا أَن تكون يَده الْعليا لِأَنَّهُ المتفضل، وَإِمَّا أَن تكون يَده السُّفْلى. هَذَا أقل حاليه فتحقق تَقْدِيم الدّين على الْوَصِيَّة بذلك. وَالْوَجْه الآخر من الْمُطَابقَة ذكره الْمُهلب، وَهُوَ أَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - اجْتهد أَن يُوفيه حَقه فِي بَيت المَال، وَبَالغ فِي خلاصه من عهدته. وَهَذَا لَيْسَ دينا، وَلَكِن فِيهِ شُبْهَة بِالدّينِ لكَونه حَقًا فِي الْجُمْلَة. وَالْوَجْه الأول أقوى فِي مَقْصُود البُخَارِيّ عِنْد الفطن. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 (269 - (2) بَاب هَل ينْتَفع الْوَاقِف بوقفه؟) وَقد اشْترط عمر - رَضِي الله عَنهُ - لَا جنَاح على من وليه أَن يَأْكُل وَقد يلى الْوَاقِف وَغَيره. وَكَذَلِكَ كل من جعل بَدَنَة أَو شَيْئا لله، فَلهُ أَن ينْتَفع بهَا كَمَا ينْتَفع غَيره، وَإِن لم يشْتَرط. فِيهِ أنس: إِن النَّبِي _[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]_ رأى رجلا يَسُوق بدنه فَقَالَ لَهُ: اركبها. فَقَالَ: يَا رَسُول الله {: إِنَّهَا بَدَنَة. فَقَالَ - فِي الثَّالِثَة أَو فِي الرَّابِعَة اركبها وَيلك _ أَو وَيحك ". قلت: رضى الله عَنْك} بنى البُخَارِيّ - رَحْمَة الله - فِي مُطَابقَة حَدِيث عمر للتَّرْجَمَة أَن الْمُخَاطب يدْخل فِي خطابه، وَهُوَ أصل مُخْتَلف فِيهِ. وَمَالك - رَحمَه الله - فِي مثل هَذَا يحكم بِالْعرْفِ، حَتَّى يخرج غير الْمُخَاطب أَيْضا من الْعُمُوم لقَرِينَة عرفية. كَمَا إِذا أوصى بِمَال للْمَسَاكِين، وَله أَوْلَاد، فَلم يقسم حَتَّى افْتقر أَوْلَاده. فَابْن الْقَاسِم يمْنَع الْأَوْلَاد وَإِن كَانُوا مَسَاكِين، لِأَن الْعرف فِي الْإِطْلَاق الْأَجَانِب. ولمطرف أَنهم يُعْطون. وَلابْن الْمَاجشون أَنهم يُعْطون وَإِن كَانُوا يَوْم أوصى أَغْنِيَاء ثمَّ افتقروا. وَلَا يُعْطون إِذا كَانُوا يَوْم الْوَصِيَّة مَسَاكِين. وَلَو وقف على الْمَسَاكِين فافتقر أَوْلَاده فَلم يخْتَلف قَوْلهم أَن يُعْطون بالمسكنة، وَلَكِن قَالَ: يجب إِدْخَال الْأَجَانِب مَعَهم، لِئَلَّا يندرس الْوَقْف، وَيكْتب على الْأَوْلَاد كتابا أَنهم بالمسكنة الْعَامَّة قبضوا، لَا بِخُصُوص الْقَرَابَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وشذت قَاعِدَته هَذِه على كثير من أهل الْعَصْر. فقارب مشايخهم الصَّوَاب وَأبْعد غَيرهم غَايَة الإبعاد. وَالله الْمُوفق. (270 - (4) بَاب قَوْله تَعَالَى: {وابتلوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم وَلَا تَأْكُلُوهَا إسرافاً وبداراً أَن يكبروا. وَمن كَانَ غَنِيا فليستعفف وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ} - إِلَى قَوْله - {نَصِيبا مَفْرُوضًا} [النِّسَاء: 6] وَمَا للْوَصِيّ أَن يعْمل فِي مَال الْيَتِيم، وَمَا يَأْكُل مِنْهُ بِقدر عمالته.) فِيهِ ابْن عمر: تصدق عمر بِمَالِه فِي عهد النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَكَانَ يُقَال لَهُ " ثمغ ". وَكَانَ نخلا فَقَالَ. عمر: يَا رَسُول الله! إِنِّي استنفدت مَالا، وَهُوَ عِنْدِي نَفِيس، فَأَرَدْت أَن أَتصدق بِهِ. فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] تصدق بِأَصْلِهِ، لَا يُبَاع وَلَا يُوهب، وَلَا يُورث، وَلَكِن ينْفق ثمره. فَتصدق بِهِ عمر. فصدقته تِلْكَ فِي سَبِيل الله، وَفِي الرّقاب، وَالْمَسَاكِين، والضيف، وَابْن السَّبِيل، ولذى الْقُرْبَى. وَلَا جنَاح على من وليه أَن يَأْكُل مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ، أَو يُؤْكَل صديقه غير متموّل بِهِ " وَفِيه عَائِشَة: رضى الله عَنْهَا _: {من كَانَ غَنِيا فليستعفف وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ} قَالَت: أنزلت فِي والى الْيَتِيم أَن يُصِيب من مَاله إِذا كَانَ مُحْتَاجا بِقدر مَاله بِالْمَعْرُوفِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 قلت: رَضِي الله عَنْك {لَا يُطَابق حَدِيث عمر مَقْصُود التَّرْجَمَة، لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ هُوَ الْمَالِك لمنافع وَقفه، من شَاءَ فَلهُ ذَلِك. وَلَا كَذَلِك الْمُوصى على أَوْلَاده، فَإِنَّهُم إِنَّمَا يملكُونَ المَال بقسمة الله وتمليكه، لَا حقّ لمَالِكه فِيهِ بعد مَوته. فَكَذَلِك كَانَ الْمُخْتَار أَن وصىّ الْيَتِيم لَيْسَ لَهُ الْأكل من مَاله إِلَّا أَن يكون فَقِيرا فيأكل. ومختلف فِي قَضَائِهِ إِذا أيسر. وَالله أعلم. (171 - (5) بَاب إِذا وقف أَرضًا وَلم يبيّن الْحُدُود فَهُوَ جَائِز. وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة) فِيهِ أنس: كَانَ أَبُو طَلْحَة أَكثر أنصاريّ بِالْمَدِينَةِ مَالا من نخل. وَكَانَ أحبّ أَمْوَاله إِلَيْهِ بيرحاء. وَكَانَت مُسْتَقْبلَة الْمَسْجِد. وَكَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يدخلهَا وَيشْرب من مَاء فِيهَا طيّب. قَالَ أنس لما نزلت: {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} [آل عمرَان: 92] قَامَ أَبُو طَلْحَة، فَقَالَ: يَا رَسُول الله} إِن الله تَعَالَى يَقُول: {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} ، وَإِن أحبّ أَمْوَالِي إليّ بيرحاء. وَإِنَّهَا صَدَقَة لله - عز وَجل - أَرْجُو برّها وَذُخْرهَا عِنْد الله فضعها حَيْثُ أَرَاك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 الله. فَقَالَ: بخ، ذَلِك مَال رابح - أَو رَايِح - وَقد سَمِعت مَا قلت، وإنى أرى أَن تجعلها فِي الْأَقْرَبين. قَالَ: أَبُو طَلْحَة: أفعل يَا رَسُول الله، فَقَسمهَا أَبُو طَلْحَة فِي أَقَاربه وَبنى عَمه. وَفِيه ابْن عَبَّاس: أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله {إِن أمه توفيت، أينفعها إِن تَصَدَّقت عَنْهَا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فإنّ لي مخرافاً. فَأَنا أشهدك أَنِّي تَصَدَّقت بِهِ عَنْهَا. قلت: رَضِي الله عَنْك} الْوَقْف لَازم بالبيّنة، وَاللَّفْظ الْمشَار بِهِ إِلَى الْمَقْصُود فقد يتلفّظ باسمه الْعلم وبحدوده. وَقد يتَلَفَّظ باسمه المتواطئ خَاصَّة. وَقد يذكر الْعلم وَلَا يذكر المحدودية. فبيرحاء علم حَائِط بِعَيْنِه، وَلم يذكر حُدُوده. والمخراف: الْحَائِط. وَقد ذكره مُنْكرا متواطئاً لكنّه قصد فَكَأَنَّمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بِلَفْظِهِ مطابقاً لنيّته، وَكِلَاهُمَا جَائِز ولازم لَهُ دينا. لَكِن إِذا أشهد احْتَاجَ فِي المتواطى إِلَى ذكر الِاسْم الْعلم زِيَادَة على ذَلِك، أَو الْحُدُود. وَهَذَا كُله بعد اللُّزُوم. وترجمة البُخَارِيّ مُطَابقَة صَحِيحَة، وانتقدها الْمُهلب فَقَالَ: إِن كَانَ الْوَقْف غير ذِي اسْم يعرف، فَلَا يجوز حَتَّى يذكر الْحُدُود. قَالَ: " وَلَا خلاف فِي هَذَا " وَوهم، بل لَا خلاف فِيمَا إِذا أَرَادَهُ البُخَارِيّ - وَالله أعلم - لِأَنَّهُ إِنَّمَا تعرض لجَوَاز الْوَقْف. وَلَقَد ثَبت أَن الْوَقْف على هَذِه الصُّورَة لَازم لَهُ. وَلَو استفتى من وقف بِهَذِهِ الصِّيغَة الْمُنكرَة لفظا الْمُتَعَيّن مقصودها نيّة، هَل يجب عَلَيْهِ تَنْفِيذ الْوَقْف لألزمناه ذَلِك، وأوجبنا عَلَيْهِ الْإِشْهَاد بِصِيغَة دَالَّة بنصّ أَو ظَاهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 (272 - (6) بَاب إِذا وقف جمَاعَة أَرضًا مشَاعا فَهُوَ جَائِز) فِيهِ أنس: أَمر النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بِبِنَاء مَسْجِد، فَقَالَ، يَا بنى النجّار ثامنوني بحائطكم هَذَا. قَالُوا: لَا وَالله يَا رَسُول الله لَا نطلب ثمنه إِلَّا إِلَى الله عز وَجل. قلت: رَضِي الله عَنْك! جوّد البُخَارِيّ - رَحمَه الله - فِي التَّرْجَمَة. وَإِنَّمَا عدل عَن قَوْله: إِذا وقف الْمشَاع، لِئَلَّا يدْخل فِيهِ أحد الشُّرَكَاء حِصَّته. وَمَالك - رَحمَه الله - لَا يمضيه على الشَّرِيك إِن كَانَت لَا تَنْقَسِم جبرا لضَرَر الشَّرِيك الآخر بِالْحَبْسِ. فالترجمة للمشاع بَينهم تخلص الْمَسْأَلَة. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 (273 - (7) بَاب إِذا وقف أَرضًا أَو بِئْرا، وَاشْترط لنَفسِهِ مثل مَا للْمُسلمين) وأوقف أنس بن مَالك دَارا، فَكَانَ إِذا قدم نزلها. وتصدّق ابْن الزبير بدوره. وَقَالَ للمردودة من بَنَاته: أَن تسكن غير مضرَّة وَلَا مُضر بهَا. فَإِن استغنت بِزَوْج فَلَيْسَ لَهَا حق. وَجعل ابْن عمر نصِيبه من دَار عمر سُكْنى لذوى الْحَاجة من آل عبد الله. وَفِيه أَبُو عبد الرَّحْمَن: إِن عُثْمَان حِين حوصر أشرف عَلَيْهِم، وَقَالَ: أنْشدكُمْ الله وَلَا أنْشد إِلَّا أَصْحَاب النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ألستم تعلمُونَ أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: " من حفر بِئْر رومة فَلهُ الجنّة. فحفرتها؟ ألستم تعلمُونَ أَنه قَالَ: " من جهّز جَيش الْعسرَة، فَلهُ الجنّة فجهّزته؟ قَالَ: فصدقوه بِمَا قَالَ. وَقَالَ عمر فِي وَقفه: لَا جنَاح على من وليه أَن يَأْكُل مِنْهُ. ويليه الْوَاقِف وَغَيره، فَهُوَ وَاسع لكل ". قلت: رَضِي الله عَنْك! مَا فِي حَدِيث الْبَاب بجملته مَا يُوَافق التَّرْجَمَة إِلَّا وقف أنس خَاصَّة. ووقف عمر - رَضِي الله عَنهُ - بالطريقة الْمُتَقَدّمَة من دُخُول الْمُخَاطب فِي خطابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 قلت: وَلَقَد ظهر للفقيه - وَفقه الله - بعد إتْمَام التصنيف مَقْصُود البُخَارِيّ من بَقِيَّة حَدِيث الْبَاب فيطابق التَّرْجَمَة إِن شَاءَ الله. فَوجه الْمُطَابقَة لوقف الزبير أَن يكون قصد من يلْزمه نَفَقَته من بَنَاته كَالَّتِي لم تزوج لصِغَر مثلا. وَالَّتِي زوجت ثمَّ طلقّت قبل الدُّخُول، لِأَن تنَاول هَاتين أَو إِحْدَاهمَا من الْوَقْف إِنَّمَا يحمل عَنهُ الْإِنْفَاق الْوَاجِب، فقد دخل فِي الْوَقْف الَّذِي أوقفهُ بِهَذَا الِاعْتِبَار. وَالله أعلم. وَوجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة لقَوْله: " من آل عبد الله " يُقَال: كَيفَ يدْخل ابْن عمر فِي وَقفه. فَيَقُول: نعم. يدْخل لِأَن الْآل يُطلق على الرجل نَفسه، لِأَن الْحسن الْبَصْرِيّ كَانَ يَقُول فِي الصَّلَاة على النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] " اللَّهُمَّ صلّ على آل مُحَمَّد ". وَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : اللَّهُمَّ صل على [آل] أبي أوفى. وَقَالَ الله تَعَالَى: {أدخلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب} [غَافِر: 46] أما عُثْمَان - رَضِي الله عَنهُ - فَقَوله وَاضح. وَالله أعلم. (274 - (8) بَاب قَول الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ إِن أَنْتُم ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض فأصابتكم مُصِيبَة الْمَوْت} - إِلَى قَوْله {لَا يهدي الْقَوْم الْفَاسِقين} [الْمَائِدَة: 106 - 107] .) فِيهِ ابْن عَبَّاس: خرج رجل من بنى سهم مَعَ تَمِيم الدَّارِيّ وعدي بن بدّاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 فَمَاتَ السَّهْمِي بِأَرْض لَيْسَ بهَا مُسلم. فلمّا قدما بِتركَتِهِ، فقدوا جَاما من فضّة مخوّصاً من ذهب. فَأَحْلفهُمَا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ثمَّ وجد الْجَام بِمَكَّة. فَقَالُوا: ابتعناه من تَمِيم وعدي. فَقَامَ رجلَانِ من أوليائه، فَحَلفا: لَشَهَادَتنَا أَحَق بِشَهَادَتِهِمَا. وَإِن الْجَام لصَاحِبِهِمْ. قَالَ: وَفِيهِمْ نزلت هَذِه الْآيَة: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت} الْآيَات. قلت: رَضِي الله عَنْك! ذكر شَارِح البُخَارِيّ أَن مَذْهَب ابْن عَبَّاس قبُول شَهَادَة الكفّار على الْمُسلمين فِي الْوَصِيَّة فِي السّفر. وَظن أَن ابْن عَبَّاس احتجّ بحَديثه هَذَا على مذْهبه. وَهُوَ وهم من الشَّارِح. وَالله أعلم. فَإِن شَهَادَة الْكَافِر فِي الْوَاقِعَة عبارَة عَن يَمِينه وَلَا خلاف أَن يَمِينه مَقْبُولَة، وَإِذا ادّعى عَلَيْهِ فأنكروا وَلَا بينّة. وَلَعَلَّ تميماً اعْترف أَن الْجَام كَانَ ملكا، وَادّعى أَنه ملكه مِنْهُ بشرَاء أَو غَيره. وَفِي بعض الحَدِيث التَّصْرِيح بِهَذَا. وَلَو لم يصحّ لَكَانَ الِاحْتِمَال كَافِيا فِي إِسْقَاط الِاسْتِدْلَال لِأَنَّهَا وَاقعَة عين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 (52 -[كتاب الْأَحْكَام] ) (275 - (1) بَاب هَل يقْضى القَاضِي أَو يُفْتى وَهُوَ غَضْبَان) فِيهِ أَبُو بكرَة: إِنَّه كتب إِلَى ابْنه - وَكَانَ بسجستان - بِأَن لَا تقضى بَين اثْنَيْنِ، وَأَنت غَضْبَان، فإنى سَمِعت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَقُول: " لَا يقْضى حكم بَين اثْنَيْنِ، وَهُوَ غَضْبَان ". وَفِيه أَبُو مَسْعُود: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَ: وَالله إِنِّي أتأخر عَن صَلَاة الْغَدَاة من أجل مَا يُطِيل بِنَا فلَان فِيهَا. فَمَا رَأَيْت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قطّ أشدّ غَضبا فِي موعظة مِنْهُ يؤمئذٍ، ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس {إِن فِيكُم منفّرين فَأَيكُمْ مَا صلىّ بِالنَّاسِ فليوجز فَإِن فِيكُم الْكَبِير وَالصَّغِير وَذَا الْحَاجة. وَفِيه ابْن عمر: إِنَّه طلق امْرَأَته - وَهِي حَائِض - فَذكر عمر للنَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فتغيّظ فِيهِ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، ثمَّ قَالَ: فَلْيُرَاجِعهَا، ثمَّ ليمسكها. قلت: رَضِي الله عَنْك} أَدخل فِي تَرْجَمَة الْبَاب الحَدِيث الأول، وَهُوَ دَلِيل على منع الْغَضَب. وَأدْخل الحَدِيث الثَّانِي وَهُوَ دَلِيل جَوَاز الْقَضَاء مَعَ الْغَضَب تَنْبِيها مِنْهُ على الْجمع. فَأَما أَن يحمل قَضَاء النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- على الخصوصية بِهِ للعصمة، والأمن من التَّعَدِّي. وَأما أَن يُقَال: إِن غضب للحق فَلَا يمنعهُ ذَلِك من الْقَضَاء مثل غَضَبه -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . وَإِن غضب غَضبا مُعْتَادا دنيوياً، فَهَذَا هُوَ الْمَانِع - وَالله أعلم -. كَمَا قيل فِي شَهَادَة العدّو إِنَّهَا تقبل إِن كَانَت الْعَدَاوَة دينيّة، وَترد إِن كَانَت دنيوية. وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 (276 - (2) بَاب من لم يكترث بطعن من لَا يعلم فِي الْأُمَرَاء) فِيهِ ابْن عمر: بعث النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بعثاً وأمّر عَلَيْهِم أُسَامَة بن زيد فطعن فِي إمارته، فَقَالَ: إِن تطعنوا فِي إمارته فقد كُنْتُم تطعنون فِي إِمَارَة أَبِيه من قبل وأيم الله إِن كَانَ لخليقاً للإمرة، وَإِن هَذَا لمن أحبّ النَّاس إلىّ بعده ". قلت: رَضِي الله عَنْك {لعلّه عَنى بقوله: " بَاب من لم يكترث بطعن من لَا يعلم " وَعدل عَن قَوْله: " بَاب عدم الاكتراث " للتّنْبِيه على أَن الْحَال تخْتَلف فالمنقول عَنهُ أَنه اكترث بالطعن على سعد، وَسعد مكانته من الدّين مَشْهُورَة. وَلِهَذَا قَالَ لَهُ عمر لما اعتذر، وتبّرأ: ذَلِك الظَّن بك يَا أَبَا اسحق} . وَالْفرق بَين الْحَالَتَيْنِ أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قطع بِحَال أُسَامَة، وبسلامة الْعَاقِبَة، ونجاحها فِي ولَايَته فَلم يُعَارض الْعلم طعن. وَأما عمر - رَضِي الله عَنهُ - فَإِن حَاله الظَّن، وَالظَّن لَا يبعد عَنهُ الطعْن فَعمل بِالِاحْتِيَاطِ. وَالله أعلم. (277 - (3) بَاب تَرْجَمَة الْحَاكِم، وَهل يجوز ترجمان وَاحِد) وَقَالَ خَارِجَة بن زيد بن ثَابت أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أمره أَن يتعلّم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 كتاب الْيَهُود حَتَّى كتب للنَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، وأقرأه كتبهمْ إِذا كتبُوا إِلَيْهِ وَقَالَ عمر وَعِنْده عليّ وَعبد الرَّحْمَن وَعُثْمَان -: مَاذَا تَقول هَذِه؟ . قَالَ عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب: تخبرك بصاحبها الَّذِي صنع بهَا. وَقَالَ أَبُو جَمْرَة: كنت أترجم بَين يَدي ابْن عَبَّاس وَبَين النَّاس. وَقَالَ بعض النَّاس: لابد للْحَاكِم من مترجمين. فِيهِ ابْن عَبَّاس: أَن أَبَا سُفْيَان أخبرهُ أَن هِرقل أرسل إِلَيْهِ فِي ركب من قُرَيْش. ثمَّ قَالَ لِترْجُمَانِهِ: قل لَهُم إِنِّي سَائل هَذَا فَإِن كَذبَنِي فكذّبوه - فَذكر الحَدِيث - فَقَالَ للترجمان قل لَهُ: إِن كَانَ مَا تَقول حَقًا فسيملك مَوضِع قدمىّ هَاتين. قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه الدَّلِيل من قصَّة هِرقل، مَعَ أَن فعله لَا يحتجّ بِهِ صوّب من رَأْيه. وَكَثِيرًا مِمَّا رَآهُ فِي هَذِه الْقِصَّة صَوَاب مُوَافق للحق. فموضع الدَّلِيل تصويب حَملَة الشَّرِيعَة لهَذَا وَأَمْثَاله من رَأْيه، وَحسن تفطنه، ومناسبة استدلاله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 (278 - (4) بَاب بيعَة الصَّغِير) فِيهِ أَبُو عقيل زهرَة بن معبد: عَن جدّه عبد الله بن هِشَام، وَكَانَ قد أدْرك النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَذَهَبت بِهِ أمه زَيْنَب بنت حميد إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالَت: يَا رَسُول الله {بَايعه. فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : هُوَ صَغِير. فَمسح رَأسه، ودعا لَهُ. قلت: رَضِي الله عَنْك} يعْنى بقوله : " بَاب بيعَة الصَّغِير " أَي عدم انْعِقَادهَا شرطا، لأنّه -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لم يبايعه. فالترجمة موهمة، والْحَدِيث يزِيل إيهامها. (279 - (5) بَاب بيعَة النِّسَاء. رَوَاهُ ابْن عَبَّاس) فِيهِ عبَادَة: قَالَ لنا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَنحن فِي مجْلِس: بايعوني على أَن لَا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَان تفترونه بَين أَيْدِيكُم وأرجلكم، وَلَا تعصوا فِي مَعْرُوف. فَمن وفى مِنْكُم فَأَجره على الله. الحَدِيث. وَفِيه عَائِشَة - رضى الله عَنْهَا -: كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يُبَايع النِّسَاء بالْكلَام بِهَذِهِ الْآيَة: {وَلَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا} قَالَت: وَمَا مسّت يَد رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَد امْرَأَة، إلاّ امْرَأَة يملكهَا. وَفِيه أم عطيّة: بَايعنَا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَرَأَ: {على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا، وَلَا يَسْرِقن} [الممتحنة: 12] ونهانا عَن النِّيَاحَة. الحَدِيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 [قلت] : رَضِي الله عَنْك {أَدخل حَدِيث عبَادَة فِي التَّرْجَمَة على بيعَة النِّسَاء، فَإِنَّهَا وَردت فِي نصّ الْكتاب الْعَزِيز فِي حق النِّسَاء، ثمَّ اسْتعْملت فِي حق الرِّجَال، فَصَارَت الْبيعَة معروفه بِهن. وَالله أعلم. (53 -[كتاب الْإِكْرَاه] ) (280 - (1) بَاب فِي بيع الْمُكْره فِي الْحق وَغَيره) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: بَيْنَمَا نَحن فِي الْمَسْجِد إِذْ خرج إِلَيْنَا رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَ: انْطَلقُوا إِلَى يهود، فخرجنا مَعَه جِئْنَا بَيت الْمدَارِس. فَقَامَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فناداهم: يَا معشر يهود} أَسْلمُوا تسلموا فَقَالُوا: فقد بلغت يَا أَبَا الْقَاسِم. قَالَ: ذَاك أُرِيد ثمَّ قَالَهَا ثَلَاثًا. فَقَالَ: اعلموا أَنما الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ، وأنّى اريد أَن أجليكم فَمن وجد مِنْكُم بِمَالِه شَيْئا فليبعه، وَإِلَّا فاعلموا أَن الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ. قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قيل: ترْجم على بيع الْمُكْره فِي الْحق وَغَيره وَلم يذكر إِلَّا بيع الْيَهُود وَأَمْوَالهمْ مكرهين على الْجلاء وَالْإِكْرَاه بِحَق لَا غير. فَمَا موقع قَوْله: " وَغَيره ". قلت: يحْتَمل أَن يُرِيد: " بَاب بيع الْمُكْره فِي الدّين مثلا وَغَيره ". وَالْكل حق وَذكر الحَدِيث لأَنهم أكْرهُوا على بيع أَمْوَالهم، لَا لحق عَلَيْهِم، وَلَكِن كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 الْإِكْرَاه حَقًا. فالإكراه على البيع فِي الْحق، ولسبب آخر غير مالىّ سَوَاء فِي نُفُوذ البيع، كَمَا نقل عَن مَالك أَن الْمُفْسد يلْزم بيع دَاره لحق جَاره فِي إبعاده عَنهُ على تَفْصِيل عِنْد الْفُقَهَاء. (281 - (2) بَاب إِذا استكرهت الْمَرْأَة على الزِّنَا فَلَا حدّ عَلَيْهَا.) لقَوْله تَعَالَى: {وَمن يكرههن فإنّ الله من بعد إكراههن غفورٌ رَحِيم} [النُّور: 33] . وَقَالَ اللَّيْث: حَدثنَا نَافِع أَن صَفِيَّة بنت أَبى عُبَيْدَة أخْبرته أَن عبدا من رَقِيق الْإِمَارَة وَقع على وليدة من الْخمس. فاستكرهها حَتَّى اقتضّها، فجلده عمر الحدّ، ونفاه، وَلم يجلد الوليدة من أجل أَنه استكرهها. وَقَالَ الزُّهْرِيّ فِي الْأمة الْبكر يفترعها الْحر: يُقيم ذَلِك الحكم من الْأمة الْعَذْرَاء بِقدر ثمنهَا ويجلد. وَلَيْسَ فِي الثيّب فِي قَضَاء الْأَئِمَّة غرم، وَلَكِن عَلَيْهِ الْحَد. فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: هَاجر إِبْرَاهِيم بسارة، دخل بهَا قَرْيَة فِيهَا ملك من الْمُلُوك - أَو جبّار من الْجَبَابِرَة - فَأرْسل إِلَيْهِ أَن أرسل بهَا إلىّ. فَأرْسل بهَا. فَقَامَ إِلَيْهَا. فَقَامَتْ تَوَضَّأ وتصلىّ. فَقَالَت: اللَّهُمَّ إنيّ كنت آمَنت بك وبرسولك فَلَا تسلّط على الْكَافِر. فغطّ حَتَّى ضرب بِرجلِهِ. قلت: رَضِي الله عَنْك! إِدْخَال حَدِيث سارة فِي التَّرْجَمَة غير حسن، وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 مُطَابق إِلَّا من جِهَة الْمَلَامَة [عَنْهَا فِي الْخلْوَة لكَونهَا كَانَت مُكْرَهَة على ذَلِك] وَظُهُور الْكَرَامَة فِي إِجَابَة الدعْوَة. وَلم يكن من الْأَدَب الْحسن إِدْخَال الحَدِيث فِي التَّرْجَمَة بِالْجُمْلَةِ. وَالله الْمُوفق. (54 - كتاب [الْحِيَل] ) (282 - (1) بَاب ترك الْحِيَل والأعمال بِالنِّيَّاتِ، وَإِن لكل امْرِئ مَا نوى فِي الْأَيْمَان وَغَيره.) فِيهِ عمر: يَقُول سَمِعت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَقُول: إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِن لكل امْرِئ مَا نوى. فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله. وَمن هَاجر إِلَى دنيا يُصِيبهَا أَو امْرَأَة يتزوّجها، فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ. قلت: رَضِي الله عَنْك! أَدخل التّرْك فِي التَّرْجَمَة حذرا من إِيهَام إجَازَة الْحِيَل، وَهُوَ شَدِيد على من أجازها، فتجرى فِي التَّرْجَمَة خلاف إِطْلَاقه فِي قَوْله: " بَاب بيعَة الصَّغِير "، وَإِن كَانَ -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لم يبايعه كَمَا تقدّم آنِفا. وَلَكِن لَا تدخل بيعَته الْإِنْكَار كالحيل، وَلِهَذَا عوضه عَن الْبيعَة أَن دَعَا لَهُ، وَمسح رَأسه وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 (283 - (2) بَاب فِي الصَّلَاة) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لَا يقبل الله صَلَاة أحدكُم إِذا أحدث حَتَّى يتَوَضَّأ. قلت: رَضِي الله عَنْك! إِن قلت مَا موقعها؟ . قلت: عدّ قَول أبي حنيفَة أَن الْمُحدث عمدا فِي أثْنَاء الْجُلُوس الْأَخير كَالْمُسلمِ، من التحّيل لتصحيح الصَّلَاة مَعَ الْحَدث، لِأَن البُخَارِيّ - رَحمَه الله - بنى على أَن التحلّل من الصَّلَاة ركن مِنْهَا، فَلَا يقبل مَعَ الْحَدث. وَالَّذِي قبله بنى على أَن التحلّل ضدها، لَا ركنها، فتحيّل لقبوله بِهَذَا الرَّأْي. (55 -[كتاب الْفَرَائِض] ) (284 - (1) بَاب تَعْلِيم الْفَرَائِض) قَالَ عقبَة: تعلمُوا قبل الظانين، يعْنى الَّذين يَتَكَلَّمُونَ بِالظَّنِّ. فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إيَّاكُمْ وَالظَّن فَإِن الظَّن أكذب الحَدِيث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 قلت: رَضِي الله عَنْك {إِنَّمَا خصّ البُخَارِيّ تَعْلِيم الْفَرَائِض بِأَن أَدخل فِي تَرْجَمَة بَابه قَوْله: " إيَّاكُمْ وَالظَّن فَإِن الظَّن أكذب الحَدِيث ". وَإِن كَانَ كل بَاب من الْعلم يَلِيق إِدْخَال هَذَا الحَدِيث فِي الْحَث على تعلّمه وَلَكِن بخصوصية الْفَرَائِض أَن الْغَالِب عَلَيْهَا التعبّد، وإنحسام وُجُوه الرَّأْي والمناسبات فَإِن لم يفْرض الفارض بنصّ وَقع فِي مختبط الظنون الَّتِي لَا تنضبط، وَهُوَ الظَّن المنهى عَنهُ، وَلَيْسَ كَذَلِك غَيره من أَبْوَاب الْعلم، لِأَن للرأى فِيهَا مجالاً، وللظنّ ضابطاً واستناداً. (285 - (2) بَاب لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر، وَلَا الْكَافِر الْمُسلم وَإِذا أسلم قبل أَن يقسم الْمِيرَاث فَلَا مِيرَاث لَهُ.) فِيهِ أُسَامَة: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر وَلَا الْكَافِر الْمُسلم. قلت: رَضِي الله عَنْك} قَوْله: " إِذا أسلم قبل أَن يقسم فَلَا مِيرَاث لَهُ "، بِمَعْنى إِذا مَاتَ مُسلم، وَله أَوْلَاد مُسلمُونَ، وَولد كَافِر فَلم يقسم مِيرَاثه حَتَّى أسلم الْكَافِر. وَوجه إِدْخَاله فِي التَّرْجَمَة أَن عُمُوم قَوْله: " لَا يَرث الْكَافِر الْمُسلم " يتَنَاوَلهُ. وَالَّذِي يَقُول: يَرث إِذا أسلم قبل الْقِسْمَة، ورّثه فَهُوَ كَافِر إِذْ الْمِيرَاث إِنَّمَا ينْتَقل حَالَة الْمَوْت، وَقد كَانَ كَافِرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 (286 - (3) بَاب مِيرَاث العَبْد النَّصْرَانِي وَالْمكَاتب النَّصْرَانِي) قلت: رَضِي الله عَنْك! أَدخل البُخَارِيّ هَذِه التَّرْجَمَة، وَلم يدْخل فِيهَا حَدِيثا، وَكَأَنَّهُ أدرجها تَحت الحَدِيث الْمُتَقَدّم، ليفهم أَن النّظر فِيهَا مُحْتَمل أَن يُقَال: لَا يَرِثهُ، عملا بِعُمُوم الحَدِيث. وَأَن يُقَال: يَأْخُذ المَال لِأَن العَبْد مَال، وَله انتزاع مَاله حيّاً، فَكيف لَا يَأْخُذهُ ميّتاً؟ . هَذَا إِن قُلْنَا: إِن يملك. وَإِن قُلْنَا: لَا يملك العَبْد البتّة فَأولى. (56 - كتاب الْمُحَاربين) (287 - (1) بَاب الْمُحَاربين من أهل الْكفْر والردّة) وَقَوله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا} [الْمَائِدَة: 33] . فِيهِ أنس: قَالَ: قدم على النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- نفر عَن عكل، فأسلموا، فاجتووا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 الْمَدِينَة فَأَمرهمْ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَن يَأْتُوا إبل الصَّدَقَة فيشربوا من أَلْبَانهَا وَأَبْوَالهَا. فَفَعَلُوا فصحّوا، فَارْتَدُّوا فَقتلُوا راعيها، وَاسْتَاقُوا الْإِبِل. فَبعث فِي آثَارهم. فَأتى بهم فَقطع أَيْديهم وأرجلهم، وسمل أَعينهم، ثمَّ لم يحسمهم حَتَّى مَاتُوا. قلت: رَضِي الله عَنْك {ترْجم على الْمُحَاربين الْكفَّار، وَأدْخل الْآيَة وَهِي عامّة لَا تخصّ الْكَافِر. وَبهَا اسْتدلَّ الْفُقَهَاء على أَحْكَام الْمُحَاربين الْمُسلمين. وَلَكِن - وَالله أعلم - بنى على قَول من قَالَ: إِنَّهَا نزلت فِي هَؤُلَاءِ النَّفر المرتدّين. وَهُوَ قَول قَتَادَة. (288 - (2) بَاب الرَّجْم فِي البلاط) فِيهِ ابْن عمر: أَتَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّة، قيل: زَنَيَا جَمِيعًا فَقَالَ لَهُم: مَا تَجِدُونَ فِي كتابكُمْ؟ فَقَالُوا: إِن أحبارنا أَحْدَثُوا تحميم الْوَجْه، وَالتَّجْبِيَة. قَالَ ابْن سَلام: ادعهم يَا رَسُول الله بِالتَّوْرَاةِ. فَأتى بهَا، فَوضع يَده على آيَة الرَّجْم، وَجعل يقْرَأ مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا. فَقَالَ لَهُ ابْن سَلام: ارْفَعْ يدك فَرفع يَده، فَإِذا آيَة الرَّجْم تَحت يَده، فَأمر بهما النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَرُجِمَا عِنْد البلاط. فَرَأَيْت الْيَهُودِيّ أجنأ عَلَيْهَا. قلت: رَضِي الله عَنْك} اسْتشْكل ابْن بطال تَرْجَمته هَذِه، وَقَالَ: البلاط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 وَغَيره سَوَاء. أَي فَلَا فَائِدَة للاحتجاج على صُورَة هِيَ غير مَقْصُودَة. وَيحْتَمل عِنْدِي فائدتين تقصدان: إِحْدَاهمَا أَن نبّه أَن الرَّجْم لَا يخْتَص بمَكَان مَخْصُوص لِأَنَّهُ مرّة رجم بالبلاط، ومرّة بالمصلى، وَهُوَ الحَدِيث الَّذِي ترْجم عَلَيْهِ يلى هَذِه التَّرْجَمَة. وَيحْتَمل أَن نبّه على أَنه لم يحْفر للْمَرْأَة لِأَن البلاط لَا يحْفر فِيهِ عَادَة. كَمَا اسْتدلَّ على عدم الْحفر بِكَوْن الْيَهُودِيّ أكبّ عَلَيْهَا يَقِيهَا بِنَفسِهِ على أَن مِنْهُم من قَالَ: إِن البلاط هُوَ الأَرْض الملساء الصلبة. وَالظَّاهِر أَن البلاط مَكَان مَعْرُوف عِنْدهم بِالْمَدِينَةِ وباقٍ على الْعرف الْمَعْهُود فِي إِطْلَاقه كَمَا قدّمناه. (57 -[كتاب الدِّيات] ) (289 - (1) بَاب من أَخذ حقّه واقتصّ دون السُّلْطَان) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: لَو اطلع أحد فِي بَيْتك وَلم تَأذن لَهُ حذفته بحصاة ففقأت عينه، مَا كَانَ عَلَيْك من جنَاح. وَفِيه أنس: إِن رجلا اطلع فِي بَيت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فسدد إِلَيْهِ مشقصاً. قلت: رَضِي الله عَنْك! الحَدِيث الأول مُطَابق للتَّرْجَمَة، وَالثَّانِي ردّ عَلَيْهِ أَن يُقَال المؤمى بالمشقص هُوَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَهُوَ الإِمَام الْأَعْظَم، فَكيف يسْتَدلّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 بِهَذَا على أَن آحَاد النَّاس لَهُم ذَلِك دون الإِمَام؟ . ويمكنه الْإِجَابَة عَن ذَلِك بِأَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أُسْوَة فِي حُقُوقه الْمُتَعَلّقَة بِهِ. وَلَو لم يكن هَذَا لآحاد النَّاس لفعل فِيهِ كَمَا فعل فِي غَيره من التحاكم إِلَى من دونه، كقصّته مَعَ الَّذِي أنكرهُ حَقًا التمسه مِنْهُ فِي الْمُبَايعَة فِي فرس. (290 - (2) بَاب إِذا قتل نَفسه خطأ فَلَا دِيَة لَهُ.) فِيهِ سَلمَة بن الْأَكْوَع: خرجنَا مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى خَيْبَر، فَقَالَ رجل مِنْهُم: أسمعنا يَا عَامر من هنّاتك. فحدا بهم. فَقَالَ: النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من السَّائِق؟ قَالُوا: عَامر، قَالَ: يرحمه الله فَقَالُوا: يَا رَسُول الله هلاّ أمتعتنا بِهِ؟ فأصيب صَبِيحَة ليلته. فَقَالَ الْقَوْم: حَبط عمله، قتل نَفسه. فلمّا رجعت - وهم يتحدثون أَن عَامِرًا حَبط عمله - جِئْت إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، فَقلت: يَا نَبِي الله: - فدَاك أبي وَأمي - زَعَمُوا أَن عَامِرًا حَبط عمله. فَقَالَ: كذب من قَالَهَا. إِن لَهُ لأجرين اثْنَيْنِ: إِنَّه لجاهد مُجَاهِد، وَأي قتل يزِيد عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 قلت: رَضِي الله عَنْك! إِنَّمَا يتم مَقْصُود التَّرْجَمَة بِذكر الْقِصَّة الَّتِي مَاتَ فِيهَا عَامر. وَذَلِكَ أَن سَيْفه كَانَ قَصِيرا. فَرجع إِلَى ركبته من ضَربته. فَمَاتَ مِنْهَا. وَقد بَينه فِي غير هَذَا الْموضع فاكتفي بذلك. (291 - (3) بَاب إِذا أصَاب قوم من رجل، هَل يُعَاقب أم يقْتَصّ مِنْهُم كلهم؟) قَالَ مطرف عَن الشّعبِيّ: فِي رجلَيْنِ شَهدا على رجل أَنه سرق، فَقَطعه علىّ ثمَّ جَاءَ بآخر، قَالَا: أَخْطَأنَا، فَأبْطل شَهَادَتهمَا. وَأخذ بدية الأول. وَقَالَ: لَو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما. فِيهِ ابْن عمر: إِن غُلَاما قتل غيلَة، فَقَالَ عمر: لَو اشْترك فِيهِ صنعاء لقتلتهم بِهِ. وَفِيه مُغيرَة بن حَكِيم عَن أَبِيه: إِن أَرْبَعَة قتلوا صبيّاً. فَقَالَ عمر مثله. وأقاد أَبُو بكر، وعلىّ وَابْن الزبير، وسُويد بن مقرّن من اللَّطْمَة وأقاد عمر من ضَرْبَة بالدّرة. وأقاد علىّ من ثَلَاثَة أسواط. واقتصّ شريحٌ من سَوط وخموش. فِيهِ عَائِشَة: لددنا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي مَرضه. وَجعل يُشِير إِلَيْنَا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 لَا تلدّوني. فَقُلْنَا كَرَاهِيَة الْمَرِيض للدواء. فلمّا أَفَاق، قَالَ: ألم أنهكم أَن تلدّوني؟ قُلْنَا: كَرَاهِيَة الدَّوَاء. فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لَا يبْقى مِنْكُم أحد إلاّ لدّ. وَأَنا أنظر، إِلَّا الْعَبَّاس فَإِنَّهُ لم يشهدكم. قلت: رَضِي الله عَنْك! ترْجم على الْقصاص من الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ وَذكر فِي جملَة الْآثَار الْقصاص من اللَّطْمَة، وَالسَّوْط، يَعْنِي فِي الْمُنْفَرد. فَيُقَال: مَا وَجه تعلق هَذَا الحَدِيث بالترجمة؟ . وَالْجَوَاب: إِنَّه اسْتَفَادَ من إِجْرَاء الْقصاص فِي هَذِه الصَّغَائِر المحقّرات، وَأَن لَا يقنع فِيهَا بالأدب الْعَام أجراه على الشُّرَكَاء فِي الْجِنَايَة، كَالْقَتْلِ وَغَيره. لِأَن نصيب كل واحدٍ مِنْهُم سهم عَظِيم مَعْدُود من الْكَبَائِر، فَكيف لَا نقتصّ مِنْهُ، وَقد اقتصصنا من الصَّغَائِر؟ وَالله أعلم. (292 - (4) بَاب الْقسَامَة) قَالَ الْأَشْعَث قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : شَاهِدَاك أَو يَمِينه. وَقَالَ ابْن أبي مليكَة: لم يعدّ بهَا مُعَاوِيَة. وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى عدىّ بن أَرْطَاة - وَكَانَ أمّره على الْبَصْرَة - فِي قتيلٍ وجد عِنْد بَيت من بيُوت السمانين: إِن وجد أَصْحَابه بينّة، وَإِلَّا فَلَا تظلم النَّاس، فَإِن هَذَا لَا يقْضى فِيهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 حَدثنَا أَبُو نعيم، حَدثنَا سعيد بن عبيد، عَن بشير بن يسَار، زعم أَن رجلا من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ سهل بن أبي حثْمَة أخبرهُ أَن نَفرا من قومه انْطَلقُوا إِلَى خَيْبَر، فَتَفَرَّقُوا فِيهَا، ووجدوا أحدهم قَتِيلا. وَقَالُوا للَّذي وجد فيهم: قتلتم صاحبنا، قَالُوا: مَا قتلنَا، وَلَا علمنَا قَاتلا، فَانْطَلقُوا إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالُوا: يَا رَسُول الله انطلقنا إِلَى خَيْبَر فَوَجَدنَا أحدا قَتِيلا. فَقَالَ الْكبر، الْكبر. فَقَالَ: تَأْتُونِي بالبيّنة على من قَتله. قَالُوا: مالنا بينّة؟ قَالَ: فَيحلفُونَ. قَالُوا: لَا نرضى بأيمان الْيَهُود. فكره رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَن يبطل دَمه، فوداه بِمِائَة من إبل الصَّدَقَة. وَقَالَ أَبُو قلَابَة: إِن عمر بن عبد العزيز أبرز سَرِيره يَوْمًا للنَّاس. ثمَّ أذن لَهُم، فَدَخَلُوا فَقَالَ لَهُم: مَا تَقولُونَ فِي الْقسَامَة؟ قَالُوا: نقُول: الْقود بهَا حق. وَقد أقادت الْخُلَفَاء بهَا. فَقَالَ: مَا تَقول يَا أَبَا قلَابَة؟ ونصبني للنَّاس. فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! عنْدك رُؤُوس الأجناد، وأشراف الْعَرَب. أَرَأَيْت لَو خمسين مِنْهُم شهدُوا على رجل مُحصن بِدِمَشْق أَنه قد زنى، وَلم يروه أَكنت تَرْجمهُ؟ قَالَ: لَا. قلت: أَرَأَيْت لَو أَن خمسين مِنْهُم شهدُوا على رجل مِنْهُم بحمص أَنه قد سرق أَكنت تقطعه، وَلم يروه؟ قَالَ: لَا. فَقلت: وَالله مَا قتل رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أحدا قطّ إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاثَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 خِصَال: رجل قتل بجريرة نَفسه فَقتل، أَو رجل زنى بعد إِحْصَان، أَو رجل حَارب الله وَرَسُوله، وارتدّ عَن الْإِسْلَام. فَقَالَ الْقَوْم: أوليس قد حدّث أنس بن مَالك أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قطع فِي السرق، وَسمر الْأَعْين، ثمَّ نبذهم فِي الشَّمْس؟ فَقلت: إِنَّا نحدّثكم حَدِيث أنس بن مَالك، حَدثنِي أنس: أَن نَفرا من عكل ثَمَانِيَة قدمُوا على النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَبَايعُوهُ على الْإِسْلَام، فاستوخموا الأَرْض فسقمت أَجْسَادهم، فشكوا ذَلِك إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، قَالَ: أَفلا تخرجُونَ إِلَى راعينا فِي إبِله، فتصيبون من أَلْبَانهَا وَأَبْوَالهَا، فَخَرجُوا فَشَرِبُوا مِنْهَا، فصحوا فَقتلُوا راعي النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، فَأرْسل فِي آثَارهم. فأدركوا فجِئ بهم فَقطعت أَيْديهم وأرجلهم، وَسمر أَعينهم. ثمَّ نبذهم فِي الشَّمْس حَتَّى مَاتُوا. قلت: وَأي شَيْء اشدّ مِمَّا صنع هَؤُلَاءِ: ارتدّوا عَن الْإِسْلَام، وَقتلُوا وسرقوا؟ وَقَالَ عَنْبَسَة بن سعيد: وَالله إِن سَمِعت كَالْيَوْمِ قطّ. فَقلت: أتردّ علىّ حَدِيثي يَا عَنْبَسَة؟ . قَالَ: لَا، وَلَكِن جِئْت بِالْحَدِيثِ على وَجهه، وَالله لَا يزَال هَذَا الْجند بِخَير مَا عَاشَ هَذَا الشَّيْخ بَين أظهرهم. قلت: وَقد كَانَ فِي هَذَا سنة من رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، دخل عَلَيْهِ نفر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 الْأَنْصَار، فتحدثوا عِنْده، فَخرج رجل مِنْهُم بَين أَيْديهم فَقتل. فَخَرجُوا بعده فَإِذا هم بِصَاحِبِهِمْ يتشحّط فِي الدَّم. فَرَجَعُوا إِلَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَقَالُوا: يَا رَسُول الله! صاحبنا خرج بَين أَيْدِينَا، فَإِذا نَحن بِهِ يتشحّط فِي دَمه. فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] من تظنّون، - أومن ترَوْنَ - قَتله؟ قَالُوا: نرى أَن الْيَهُود قتلته. فَأرْسل إِلَى الْيَهُود، فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: آنتم قتلتم هَذَا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَتَرْضَوْنَ نفل خمسين من الْيَهُود: مَا قَتَلُوهُ؟ . قَالُوا: مَا يبالون أَن يقتلونا أَجْمَعِينَ ثمَّ ينفلون أَجْمَعِينَ. قَالَ: أفتستحقون الدِّيَة بأيمان خمسين مِنْكُم؟ قَالُوا: مَا كنّا أَن نحلف. فوداه من عِنْده. قلت: وَقد كَانَت هُذَيْل خلعوا خليعاً فِي الْجَاهِلِيَّة، فطرق أهل بَيت من الْيمن بالبطحاء. فانتبه لَهُ رجل مِنْهُم. فخذفه بِالسَّيْفِ فَقتله. فَجَاءَت هُذَيْل فَأخذُوا الْيَمَانِيّ فَرَفَعُوهُ إِلَى عمر بِالْمَوْسِمِ وَقَالُوا: قتل صاحبنا. قَالَ: إِنَّهُم قد خلعوا. قَالُوا: يقسم خَمْسُونَ من هُذَيْل: مَا خلعوا. قَالَ: فأقسم مِنْهُم تِسْعَة وَأَرْبَعُونَ رجلا وَقدم رجلٌ مِنْهُم. فَسَأَلُوهُ أَن يقسم، فَافْتدى يَمِينه مِنْهُم بِأَلف دِرْهَم، فأدخلوا مَكَانَهُ رجل آخر. فَدفعهُ إِلَى أخي الْمَقْتُول. فقرنت يَده بِيَدِهِ. قَالَ. فَانْطَلقَا وَالْخَمْسُونَ الَّذين أَقْسمُوا. حَتَّى إِذا كَانُوا بنخلة أخذتهم السَّمَاء، فَدَخَلُوا فِي غارٍ فِي جبل، فانهجم الْغَار على الْخمسين الَّذين أَقْسمُوا، فماتوا جَمِيعًا وأفلت القرينان، واتبعهما حجر فَكسر رجل أخي الْمَقْتُول، فَعَاشَ حولا، ثمَّ مَاتَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 قلت: وَقد كَانَ عبد الْملك بن مَرْوَان أقاد رجلا بالقسامة، ثمَّ نَدم بعد مَا صنع، فَأمر بالخمسين الَّذين أَقْسمُوا فمحوا من الدِّيوَان، وسيّرهم إِلَى الشَّام. قلت: رَضِي الله عَنْك! مَذْهَب البُخَارِيّ تَضْعِيف الْقسَامَة. فَلهَذَا أصدر الْبَاب بالأحاديث الْجَارِيَة على الْيَمين من جَانب الْمُدعى عَلَيْهِ. وَذكر حَدِيث سعيد بن عبيد، وَهُوَ جارٍ على قَوَاعِد الدَّوَاعِي، وإلزام الْمُدعى البيّنة. وَلَيْسَ من خُصُوصِيَّة الْقسَامَة فِي شَيْء. ثمَّ ذكر البُخَارِيّ حَدِيث الْقسَامَة الدَّال على خُرُوجهَا عَن الْقَوَاعِد بطرِيق الْعرض فِي كتاب الْمُوَادَعَة والجزية حذرا من أَن يذكرهُ هَهُنَا، لِئَلَّا يعْتَمد على ظَاهره فِي الِاسْتِدْلَال على الْقسَامَة، واعتبارها، فيغلط الْمُسْتَدلّ بِهِ على اعْتِقَاد البُخَارِيّ. وَهَذَا الْإخْفَاء مَعَ صِحَة الْقَصْد لَيْسَ من قبيل كتمان الْعلم، بل هُوَ من قبيل مَا ورد: " لَا تعطوا الْحِكْمَة غير أَهلهَا فتظلموها "، فالنصيحة توجب توقى الْغَلَط. وَالله أعلم. وَوهم الْمُهلب، فَظن أَن أَبَا قلَابَة اعْترض على حَدِيث الْقسَامَة بِحَدِيث العرنيين مُعَارضا بِهِ لحَدِيث الْقسَامَة. فَقَالَ: لَا تعَارض لِأَن العرنيين اشْتهر أَمرهم وقتلهم الرَّاعِي وارتدادهم عَن الْإِسْلَام. وَلم يكن هَذَا بِحَيْثُ إخفاؤه وَلَا جحوده، إِنَّمَا قَتلهمْ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بعد ثُبُوت ذَلِك شرعا بطريقه. وَهَذَا وهم من الْمُهلب إِنَّمَا أَبُو قلَابَة لما اعْترض عَلَيْهِ فِي إبِْطَال الْقسَامَة بِالْحَدِيثِ الْعَام الَّذِي دلّ على حصر الْقَتْل الشَّرْعِيّ فِي الثَّلَاثَة: قتل، أَو كفر، أَو زنى، بِحَدِيث العرنيين، لِأَن الْمُعْتَرض سبق إِلَى ذهنه أَن العرنيين لم يثبت عَلَيْهِم أحد الثَّلَاثَة، وَمَعَ هَذَا قتلوا. أجَاب أَبُو قلَابَة فَإِنَّهُ قد ثَبت عَلَيْهِم ثبوتاً وَاضحا الْقَتْل والردّة والمحاربة. وَكَلَام أبي قلَابَة فِي هَذَا الْجَواب مُسْتَقِيم. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 (58 -[كتاب اسْتِتَابَة المرتدّين] ) (393 - (1) بَاب إِذا عرضّ الذمى أَو غَيره بسبّ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَلم يصّرح. نَحْو قَوْله: " السام عَلَيْك ".) فِيهِ انس: مرّ يَهُودِيّ بِالنَّبِيِّ -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، فَقَالَ السام عَلَيْك. فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَعَلَيْك. ثمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُول؟ قَالَ: السام عَلَيْك. قَالُوا: يَا رَسُول الله أَلا نَقْتُلهُ؟ قَالَ: لَا إِذا سلّم عَلَيْكُم أهل الْكتاب فَقولُوا: " وَعَلَيْكُم ". وَفِيه عَائِشَة: اسْتَأْذن رَهْط من الْيَهُود على النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالُوا السام عَلَيْكُم. فَقلت: بل عَلَيْكُم السام واللعنة. فَقَالَ: يَا عَائِشَة! إِن الله رَفِيق يحب الرِّفْق فِي الْأَمر كلّه، قلت: أَو لم تسمع مَا قَالُوا؟ قَالَ. قلت: عَلَيْكُم. وَفِيه ابْن عمر: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : إِن الْيَهُود إِذا سلمُوا على أحدكُم إِنَّمَا يَقُولُونَ: سَام عَلَيْكُم. فَقل: عَلَيْك. وَفِيه ابْن مَسْعُود: قَالَ كَأَنِّي أنظر إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يحْكى نبيّاً من الْأَنْبِيَاء ضربه قومه، فأدموه وَهُوَ يمسح الدَّم من وَجهه، وَيَقُول: رب اغْفِر لقومي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 قلت: رَضِي الله عَنْك! كَأَن البُخَارِيّ كَانَ على مَذْهَب الْكُوفِيّين فِي هَذَا الْمَسْأَلَة، وَهُوَ أَن الذمّى إِذا سبّ يُعَزّر، وَلَا يقبل. وَلِهَذَا أَدخل فِي التَّرْجَمَة حَدِيث ابْن مَسْعُود. وَمُقْتَضَاهُ: إِن خلق الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام الصَّبْر والصفح أَلا ترى إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ضربه قومه فأدموه، وَهُوَ يَدْعُو لَهُم بالمغفرة. فَأَيْنَ هَذَا من السبّ؟ وَكَانَ حَدِيث ابْن مَسْعُود يُطَابق التَّرْجَمَة بالأولوية. (59 -[كتاب الاسْتِئْذَان] ) (294 - (1) بَاب قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تدْخلُوا بُيُوتًا غير بُيُوتكُمْ حَتَّى تستأنسوا أَو تسلموا على أَهلهَا} - إِلَى - {وَمَا تكتمون} [النُّور: 27 - 29] .) وَقَالَ سعيد بن أبي الْحسن لِلْحسنِ: إِن نسَاء الْعَجم يكشفن رُؤْسهنَّ وصدروهن. قَالَ: اصرف بَصرك. وَقَوله تَعَالَى: {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم ويحفظوا فروجهم} [النُّور: 30] قَالَ قَتَادَة: عمّا لَا يحل لَهُم: {وَقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} [النُّور: 31] خَائِنَة الْأَعْين: النّظر إِلَى مَا ينْهَى عَنهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وَقَالَ الزُّهْرِيّ فِي النّظر إِلَى الَّتِي لم تحل من النِّسَاء: لَا يصلح النّظر إِلَى شَيْء مِنْهَا وَإِن كَانَت صَغِيرَة. وَكره عَطاء النّظر فِي الْجَوَارِي يبعن بِمَكَّة إِلَّا أَن يُرِيد أَن يَشْتَرِي. فِيهِ ابْن عَبَّاس: أرْدف النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- الْفضل بن عَبَّاس يَوْم النَّحْر خَلفه على عجز رَاحِلَته، وَكَانَ الْفضل رجلا مضيئاً. فَوقف النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- للنَّاس يفتيهم. وَأَقْبَلت امْرَأَة من خثعم وضيئة تستفتى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَالْفضل ينظر إِلَيْهَا. فأخلف يَده فَأخذ بذقن الْفضل، فَعدل وَجهه عَن النّظر إِلَيْهَا. الحَدِيث. وَفِيه أَبُو سعيد: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: إيَّاكُمْ وَالْجُلُوس بالطرقات. قَالُوا: يَا رَسُول الله {مَا لنا من مجالسنا بُد نتحدث بهَا. قَالَ: فَإِذا أَبَيْتُم إِلَّا الْمجَالِس فأعطوا الطَّرِيق حَقه. قَالُوا: وَمَا حق الطَّرِيق؟ قَالَ: غض الْبَصَر، وكفّ الْأَذَى، وردّ السَّلَام، وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْي عَن الْمُنكر. قلت: رَضِي الله عَنْك} وَجه الْجمع بَين التَّرْجَمَة بِالْآيَةِ وَبَين الْآثَار والآيات الْمَذْكُورَة بعْدهَا، أَن الِاسْتِئْنَاس هُوَ الاسْتِئْذَان. إِنَّمَا جعل من أجل النّظر خشيَة أَن ترى الْعَوْرَة فَجْأَة. فقرر بالآثار أَن رُؤْيَة الْعَوْرَة محرم ومنهى عَنهُ. فَإِذا كَانَ الهجوم بِلَا اسْتِئْذَان ذَرِيعَة إِلَيْهِ وَجب تَحْرِيمه لأدائه إِلَى الْمحرم. (295 - (2) بَاب إِذا دعى فجَاء، هَل يسْتَأْذن؟) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: عَنهُ - عَلَيْهِ السَّلَام - قَالَ: هُوَ إِذْنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وَفِيه: أَنه دعى أهل الصّفة فَأَقْبَلُوا، فَاسْتَأْذنُوا. قلت: رَضِي الله عَنْك {أورد البُخَارِيّ الْحَدِيثين، ظاهرهما التَّعَارُض لينبّه على الْجمع. وَوَجهه أَن الحَدِيث الأول فِيمَن دعى بِالْبَابِ مثلا، فَهَذَا لَا يسْتَأْذن. وَالْعَادَة تشهد بذلك. وَالله أعلم. (296 - (3) بَاب كَيفَ يكْتب إِلَى أهل الْكتاب) فِيهِ ابْن عَبَّاس: إِن أَبَا سُفْيَان أخبرهُ أَن هِرقل أرسل إِلَيْهِ فِي نفر وَكَانُوا الحَدِيث - ثمَّ دَعَا بِكِتَاب رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَإِذا فِيهِ: " بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، من مُحَمَّد بن عبد الله وَرَسُوله، إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم. سَلام على من اتّبع الْهدى. أما بعد ... ". قلت: رَضِي الله عَنْك} وهم ابْن بطال فاستدل بِالْكتاب على جَوَاز بداءة أهل الْكتاب بِالسَّلَامِ، وَلَيْسَ فِيهِ إلاّ سَلام على من اتّبع الْهدى. فَكَأَنَّهُ سَلام مُعَلّق على إسْلَامهمْ. وَالْمُعَلّق على شَرط عدمٌ، عِنْد عدم الشَّرْط. وَلَو كَانَ كَمَا ظنّ لقَالَ: سَلام عَلَيْكُم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 (297 - (4) بَاب المعانقة، وَقَول الرجل: كَيفَ أَصبَحت؟) فِيهِ ابْن عَبَّاس: إِن عليا خرج من عِنْد رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي وَجَعه الَّذِي توفّي فِيهِ. فَقَالَ النَّاس: يَا أَبَا الْحسن: كَيفَ أصبح رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . فَقَالَ: أصبح بِحَمْد الله - بارئاً. فَأخذ بِيَدِهِ الْعَبَّاس، فَقَالَ: أَلا ترَاهُ؟ أَنْت - وَالله بعد ثَلَاث عبد الْعَصَا. وَالله إِنِّي لأرى رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يسْتَوْفى فِي وَجَعه وَإِنِّي لَا أعرف فِي وُجُوه بني عبد الْمطلب الْمَوْت. فَاذْهَبْ بِنَا إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فنسأله فِيمَن يكون الْأَمر؟ فَإِن كَانَ فِينَا علمنَا ذَلِك. وَإِن كَانَ فِي غَيرنَا أمرناه. فأوصى بِنَا. فَقَالَ علىّ: وَالله لَئِن سَأَلنَا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فمنعناها لَا يعطيناها النَّاس أبدا. وَإِنِّي لَا أسالها رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أبدا. قلت: رَضِي الله عَنْك! المعانقة ترْجم عَلَيْهَا، وَلم يذكر حَدِيثهَا. وَإِن كَانَ قد ذكر معانقة النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لِلْحسنِ فِي غير هَذَا الْكتاب. ذكره فِي بَاب " مَا ذكر فِي الْأَسْوَاق " وَكَانَ الَّذِي مَنعه من ذكره هَهُنَا أَن عَادَته لَا يكّرر الحَدِيث، إِلَّا إِذا اخْتلفت أَلْفَاظه، وَإِسْنَاده. فَلَمَّا لم يجد لهَذَا الحَدِيث عِنْده إِسْنَادًا آخر كَانَ فِي مهلة التماسه فاخترم قبل ذَلِك. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 20298 - (5) بَاب الْجُلُوس كَيْفَمَا تيّسر) فِيهِ أَبُو سعيد: نهى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- عَن لبستين: اشْتِمَال الصمّاء، والاحتباء فِي ثوب وَاحِد لَيْسَ على فرج الْإِنْسَان مِنْهُ شَيْء. قلت: رَضِي الله عَنْك! مُطَابقَة التَّرْجَمَة للْحَدِيث من جِهَة الْمَفْهُوم، لِأَنَّهُ إِنَّمَا نهى عَن حَالَة وَاحِدَة من حالات الْجُلُوس، فأفهم بالتخصيص أَن الحكم فِيمَا عدا هَذِه الْحَالة الْإِبَاحَة. وَالله أعلم. (229 - (6) بَاب كل لَهو بَاطِل إِذا اشغل عَن طَاعَة الله عزّ وجلّ وَمن قَالَ لصَاحبه: تعال أقامرك.) وَقَوله تَعَالَى: {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث ليضل عَن سَبِيل الله بِغَيْر علم، ويتخذها هزوا} [لُقْمَان: 6] . فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : من حلف مِنْكُم فَقَالَ فِي حلفه: بِاللات والعزى، فَلْيقل: لَا إِلَه إِلَّا الله. وَمن قَالَ: أقامرك، فليتصدق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 قلت: رَضِي الله عَنْك {وَجه استفادة التَّرْجَمَة من الْآيَة أَن الله عزّ وجلّ جعل اللَّهْو دَاعِيَة الضلال عَن سَبِيل الله. وسبيل الله هِيَ الْحق. فَكل شَيْء ضادّها وحادّها بَاطِل. وَهَذَا الانتزاع أحسن من قَول الْمُؤلف: إِنَّه انتزعه من قَول الْقَاسِم: الْغناء بَاطِل، وَالْبَاطِل فِي النَّار. (60 -[كتاب اللبَاس] ) (300 - (1) بَاب الْحَرِير للنِّسَاء) فِيهِ عَليّ - رَضِي لله اعنه -: كساني النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- حلَّة سيراء، فَخرجت بهَا، فَرَأَيْت الْغَضَب فِي وَجهه فشققتها بَين نسَائِي. وَفِيه عمر - رَضِي الله عَنهُ -: إِنَّه رأى حلَّة سيراء تبَاع، فَقَالَ: يَا رَسُول الله} لَو ابتعتها للوفد - فَذكر الحَدِيث إِلَى قَوْله - إِنَّمَا بعثت بهَا إِلَيْك لتبيعها أَو تكسوها. وَفِيه أنس: إِنَّه رأى على أم كُلْثُوم بنت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- برد حَرِير سيراء. قلت: الْأَحَادِيث مُطَابقَة للتَّرْجَمَة، إِلَّا حَدِيث عمر فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا " لتبيعها أَو تكسوها "، وَلم يقل: للنِّسَاء. وَلَكِن قد علم أَنه لَا يَكْسُوهَا للرِّجَال، لِأَنَّهُ نَهَاهُ عَنْهَا. وَالنَّاس فِي الدّين شرع، فَلم يبْق إِلَّا النِّسَاء. فتعيّن جَوَاز لباسهن لَهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 ويردُ عَلَيْهِ احْتِمَال أَن يَبِيعهَا أَو يَكْسُوهَا كَافِرًا. وَقد ورد هَذَا صَرِيحًا فِي حَدِيث عمر، إِلَّا أَن يكون البُخَارِيّ مَا صحّ عِنْده أَن عمر كساها لأخٍ لَهُ مُشْتَرك بِإِذن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَبنى على أَن الْكَافِر مُخَاطب فتعيّن كَون النِّسَاء. وَالله أعلم. (301 - (2) بَاب مَا كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يتَّخذ من اللبَاس والبسط؟) فِيهِ ابْن عَبَّاس: عَن عمر، دخلت على النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَإِذا هُوَ على حَصِير قد أثر فِي جنبه، وَتَحْت رَأسه مرفقة من أَدَم حشوها لِيف، وَإِذا أهب معلقَة وقرَظ. وَفِيه هِنْد بنت الْحَارِث: عَن أم سَلمَة، اسْتَيْقَظَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من اللَّيْل، وَهُوَ يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله، مَاذَا أنزل اللَّيْلَة من الْفِتْنَة؟ وماذا أنزل من الخزائن؟ من يوقظ صَوَاحِب الحجرات؟ كم من كاسية فِي الدُّنْيَا عَارِية يَوْم الْقِيَامَة. قَالَ الزُّهْرِيّ: كَانَت هِنْد لَهَا أزرار فِي كميّها بَين أصابعها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 قلت: رضى الله عَنْك! الْمُطَابقَة بَين حَدِيث هِنْد وَبَين التَّرْجَمَة من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: أيقظوا صَوَاحِب الحجرات. _ يَعْنِي أَزوَاجه _، ثمَّ حذّرهن من لِبَاس الشفوف لِأَن الْجَسَد بهَا مَوْصُوف. فَإِذا حذّر نِسَاءَهُ مِنْهُ فَمَا الظَّن بِهِ -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . وَالثَّانِي: أَن هنداً راوية الحَدِيث فهمت هَذَا الْمَعْنى فَجعلت أزراراً على كميها خشيَة ظُهُور طرفها. وَأفهم البُخَارِيّ بِهَذَا أَن الحَدِيث على غير مَا ظنّه بَعضهم من أَن المُرَاد: رُبّ كاسيٍ ة من الثِّيَاب عَارِية من التَّقْوَى، فَهِيَ عَارِية يَوْم الْقِيَامَة. وَهَذَا الْمَعْنى يشبه لَوْلَا فهمته هِنْد مِنْهُ. وَالله أعلم. وتاويل رَاوِي الحَدِيث فِي سِيَاق التَّفْسِير مقدّم على غَيره. (302 - (3) بَاب مَا يُدعى بِهِ لمن لَبِسَ ثوبا جَدِيدا) فِيهِ أم خَالِد: أَتَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بِثِيَاب فِيهَا خميصة سَوْدَاء. فَقَالَ: من ترَوْنَ نكسو هَذِه الخميصة؟ فأسكت الْقَوْم. قَالَ: ائْتُونِي بِأم خَالِد. فَأتى بى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، فألبسنيها بِيَدِهِ وَقَالَ: أبلي وأخلقي _ مرَّتَيْنِ _. فَجعل ينظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 إِلَى علم الخميصة، وَيُشِير بِيَدِهِ إلىّ وَيَقُول: يَا أم خَالِد: هَذَا سنا. والسنا بِلِسَان الْحَبَشَة: الْحسن. قلت: رضى الله عَنْك! كَانَ هَذَا من قبيل التهنئة بلباس الْجَدِيد. وَأدْخلهُ البُخَارِيّ لِئَلَّا يظنّ أَن مثل هَذَا من قبيل مَا اخْتلف فِيهِ من التهنئة بالمواسم الشَّرْعِيَّة. وَالله أعلم. (303 - (4) بَاب وصل الشّعْر) فِيهِ مُعَاوِيَة: إِنَّه قَالَ على الْمِنْبَر - وَتَنَاول قصَّةً من شَعرٍ كَانَت بيد حرسي -: أَيْن عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ينْهَى عَن مثل هَذَا. وَيَقُول: إِنَّمَا هَلَكت بَنو إِسْرَائِيل حِين اتّخذ هَذِه نِسَاؤُهُم. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لعن الله الْوَاصِلَة وَالْمسْتَوْصِلَة. وَفِيه أَسمَاء: إِن امْرَأَة جَاءَت إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَت: إِنِّي أنكحت ابْنَتي، ثمَّ أَصَابَهَا شكوى، فتمزّق رَأسهَا، وَزوجهَا يستحثّني بهَا. أفأصل شعرهَا؟ فسبّ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- الْوَاصِلَة وَالْمسْتَوْصِلَة. قَالَ نَافِع: الوشم فِي اللثة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 قلت: رضى الله عَنْك {الْأَحَادِيث مُطَابقَة إِلَّا قَول نَافِع: الوشم فِي اللثة. لَكِن وَجه دُخُوله أَن الوشم كره لِأَن يغيّر الْخلقَة بِمَعْنى التحسين، فساواه الْوَصْل فِي ذَلِك. (304 - (5) بَاب التصاوير) فِيهِ أَبُو طَلْحَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لَا يدْخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ كلب وَلَا تصاوير. قلت: رضى الله عَنْك} اتبع البُخَارِيّ حَدِيث الْوَصْل والوشم بِأَحَادِيث التصاوير، لاشتراك الْجَمِيع فِي مضاهاة خلق الله. ( [كتاب الْأَدَب] ) (305 - (1) بَاب من تركَ صبيةَ غَيره حَتَّى تلعب بِهِ، أَو قَبَّلها أَو مازحها.) فِيهِ أم خَالِد بنت خَالِد: أتيت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- مَعَ أبي، وعلىّ قَمِيص أصفر. قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : سَنه سَنَه. فذهبتُ أَلعَب بِخَاتم النبوّة، فزبرني أبي. فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : دعها، ثمَّ قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : أبلي وأخلقي، ثمَّ أبلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 وأخلقي - ثَلَاثَة مَرَّات -. فَبَقيت حَتَّى ذكر. قلت: رَضِي الله عَنْك! جعل تَمْكِين النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لَهَا من ذَلِك يتنزّل منزلَة ابتدائية يَتَنَاوَلهَا لتلعب، وقاس قبْلَة الصَّغِيرَة على المماسّة. (306 - (2) بَاب رَحْمَة النَّاس والبهائم) فِيهِ مَالك بن الْحُوَيْرِث: أَتَيْنَا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَنحن شبيبة متقاربون. فَأَقَمْنَا عِنْده عشْرين لَيْلَة. فظنّ أَنا اشتقنا أهلنا. وَسَأَلنَا عَمَّن تركنَا فِي أَهْلينَا، وَكَانَ رَقِيقا رحِيما. فَقَالَ: ارْجعُوا إِلَى أهليكم فعلمّوهم ومروهم. وصلّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أصلّى. وَإِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن لكم أحدكُم. ثمّ ليؤمّكم أكبركم. " وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَامَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي صَلَاة وقمنا مَعَه، فَقَالَ أَعْرَابِي وَهُوَ فِي الصَّلَاة،: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي ومحّمداً، وَلَا ترحم مَعنا أحدا. فلمّا سلّم النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ للأعرابي: لقد حجّرت وَاسِعًا - يُرِيد رَحْمَة الله -. وَفِيه النُّعْمَان بن بشير: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ترى الْمُؤمنِينَ فِي تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كَمثل الْجَسَد. إِذا اشْتَكَى عُضْو تداعى لَهُ سَائِر جسده بالسهر والحمى. وَفِيه أنس: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : مَا من مُسلم غرس غرساً فَأكل مِنْهُ إِنْسَان أَو دابّة إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 وَفِيه جرير. قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من لَا يرحم لَا يرحم. قلت: رَضِي الله عَنْك {الْأَحَادِيث كلهَا ظَاهِرَة الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة، إِلَّا حَدِيث الْغَرْس. وَلكنه أدخلهُ، لِأَنَّهُ ذكر فِيهِ الصَّدَقَة على النَّاس والبهائم بِمَا عساه يتَنَاوَل من ثمره. وَفِي هَذَا حثّ على شُمُول الرَّحْمَة حَتَّى للبهائم، وترغيب فِي ذَلِك. (307 - (3) بَاب مَا يجوز من ذكر النَّاس نَحْو قَوْلهم: الطَّوِيل والقصير) وَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : " مَا يَقُول ذُو الْيَدَيْنِ ".؟ وَمَا لَا يُرَاد بِهِ شين الرجل. فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: صلّى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- الظّهْر رَكْعَتَيْنِ ثمّ سلّم - الحَدِيث - وَكَانَ فِي الْقَوْم رجل كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَدعُوهُ ذَا الْيَدَيْنِ. فَقَالَ: أصدق ذُو الْيَدَيْنِ؟ . قلت: رَضِي الله عَنْك} أَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى أَن ذكر مثل هَذَا إِن كَانَ للْبَيَان والتمييز، كَمَا ورد فِي الحَدِيث، فَهُوَ الْجَائِز. وَإِن كَانَ فِي غير هَذَا السِّيَاق كالتنقيص والتغييب فَهَذَا الَّذِي لَا يجوز. وَإِشَارَة عَائِشَة فِي بعض الحَدِيث إِلَى الْمَرْأَة الَّتِي دخلت عَلَيْهَا، ثمَّ خرجت فَأَشَارَتْ عَائِشَة بِيَدِهَا أَنَّهَا قَصِيرَة. فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : اغتبتها، لِأَن عَائِشَة لم تفعل هَذَا بَيَانا. وَإِنَّمَا قصدت إِلَى الْإِخْبَار عَن صفتهَا خاصّة ففهم التغييب، فنهيت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 (308 - (4) بَاب الْغَيْبَة. وَقَوله تَعَالَى: {وَلَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا} [الحجرات: 12] .) فِيهِ ابْن عَبَّاس: مرّ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- على قبرين، فَقَالَ: إنَّهُمَا ليعذّبان. وَمَا يعذبّان فِي كَبِير. أما هَذَا فَكَانَ لَا يسْتَتر من بَوْله. وأمّا هَذَا فَكَانَ يمشي بالنميمة. الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك {بوّب على الْغَيْبَة، وَذكر النميمة تَنْبِيها على اجْتِمَاعهمَا فِي الْمَعْنى. وَهُوَ الذّكر بِظهْر الْغَيْب بِمَا يكره الْإِنْسَان أَن يذكر عَنهُ. وَألْحق الْغَيْبَة بالنميمة بطرِيق الأولى، إِذْ النميمة لَا يكون فِيهَا تنقيص. والغيبة لَا تَخْلُو مِنْهُ، فهى أحرم. (309 - (5) بَاب قَول النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- خير دور الْأَنْصَار.) فِيهِ أَبُو أسيد: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- خير الْأَنْصَار بَنو النجار. قلت: رضى الله عَنْك} ترْجم على خير دور الْأَنْصَار، وَفِي الحَدِيث خير الْأَنْصَار، لينبّه على أنّ المُرَاد بالدور أَهلهَا على حذف الْمُضَاف. وَقد ورد فِي حَدِيث: " خير دور الْأَنْصَار " لم يذكرهُ البُخَارِيّ، لئلاّ يتخيل ظَاهره، وَهُوَ التَّفْضِيل بَين الدّور، لَا بَين الْأَهْل. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 (310 - (6) بَاب من أخبر صَاحبه بِمَا يُقَال فِيهِ.) فِيهِ ابْن مَسْعُود: قسم النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قومة، فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار: وَالله مَا أَرَادَ مُحَمَّد بِهَذَا وَجه الله. فَأتيت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَأَخْبَرته، فتمعّر وَجهه. فَقَالَ: رحم الله مُوسَى {لقد أوذى أَكثر من هَذَا فَصَبر. قلت: رَضِي الله عَنْك} لما ترْجم على النميمة اسْتثْنى هَذَا النَّحْو. وَترْجم عَلَيْهِ بِمَا يفهم مِنْهُ إِلْحَاقه بِالنَّصِيحَةِ الْجَائِزَة. وَلِهَذَا لم يُنكر النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- على النَّاقِل. (311 - (7) بَاب من أثنى على أَخِيه بِمَا يعلم.) وَقَالَ سعد: مَا سَمِعت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَقُول لأحد يمشى على الأَرْض: إِنَّه من أهل الجنّة إِلَّا لعبد الله بن سَلام. فِيهِ ابْن عمر: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- حِين ذكر فِي الْإِزَار مَا ذكر. قَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله! إِن إزَارِي يسْقط من أحد شقيه. قَالَ: إِنَّك لست مِنْهُم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 قلت: رضى الله عَنْك {بيّن بِهَذِهِ التَّرْجَمَة وَبِمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ أَن الحَدِيث الأول وَهُوَ قَوْله: " قطعْتُمْ ظهر الرجل " إِنَّمَا كَانَ لأَنهم جازفوا فِي الثَّنَاء، أَو لأنّ الممدوح كَانَ مِمَّن يفتتن، لِأَنَّهُ -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- هَهُنَا أثنى على أبي بكر بسلامته من الْخُيَلَاء لِأَنَّهُ علم مِنْهُ ذَلِك، وَأَبُو بكر لَا يفتتن. وَمَا لأحد بعد النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- الْجَزْم. (312 - (8) بَاب مَا يجوز من الظَّن على شرار الْخلق.) فِيهِ عَائِشَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : " مَا أَظن فلَانا وَفُلَانًا يعرفان من ديننَا شَيْئا ". قَالَ اللَّيْث: وَكَانَا رجلَيْنِ من الْمُنَافِقين. وَقَالَ مرّة: مَا أَظن فلَانا وَفُلَانًا يعرفان من ديننَا الَّذِي نَحن عَلَيْهِ. قلت: رَضِي الله عَنْك} التَّرْجَمَة على الظَّن، والْحَدِيث صيغته بِنَفْي الظَّن. وَلَكِن نفي الظنّ فِيهِ وَفِي أَمْثَاله مَوْضُوع لظنّ النفى عرفا. وَإِنَّمَا عدل عَن الْحَقِيقَة الْأَصْلِيَّة فِي الْإِطْلَاق تَحْقِيقا للنصفة، وَأَن صَاحبه برِئ من المجازفة حرىّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 بالمناصفة. وَلِهَذَا قبل مَالك فِي الشَّهَادَة صِيغَة " لَا أعلم لَهُ وَارِثا سوى وَلَده " وَهَذِه الصِّيغَة وضعا لنفى الْعلم بزائد على الْوَلَد. وَقد يكون شاكاً فِيهِ. لكنهما عرفا للبتّ بِالنَّفْيِ تَغْلِيبًا. (313 (9) بَاب ستر الْمُؤمن على نَفسه.) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- كل أمتى معافى إِلَّا المجاهرون. وَإِن من المجاهرة أَن يعْمل الرجل عملا بِاللَّيْلِ ثمّ يصبح وَقد ستره الله. فَيَقُول: يَا فلَان {عملت البارحة كَذَا وَكَذَا. وَقد بَات يستره ربّه، وَيُصْبِح فَيكْشف ستر الله عَنهُ. وَفِيه ابْن عمر: إِن رجلا سَأَلَهُ، كَيفَ سَمِعت النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يَقُول فِي النَّجْوَى؟ قَالَ: يدنو أحدكُم من ربه حَتَّى يضع كنفه عَلَيْهِ فَيَقُول: عملت كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُول: نعم. فيقرّره ثمَّ يَقُول: سترت عَلَيْك فِي الدُّنْيَا، وَأَنا أغفرها لَك الْيَوْم. قلت: رَضِي الله عَنْك} ترْجم على ستر الْمُؤمن على نَفسه، ثمَّ ذكر حَدِيث النَّجْوَى. وَمَا فِيهِ " سترت على نَفسك "، " بل سترت عَلَيْك "، لِأَن ستر العَبْد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 على نَفسه هُوَ ستر الله عَلَيْهِ إِذا هُوَ خَالق عبيده وأفعالهم. (314 - (10) بَاب من كفّر أَخَاهُ بِغَيْر تَأْوِيل فَهُوَ كَمَا قَالَ.) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة، وَابْن عمر: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: إِذا قَالَ الرجل لِأَخِيهِ: يَا كَافِر، فقد بَاء بِهِ أَحدهمَا. وَفِيه ثَابت بن الضَّحَّاك: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من حلف بملّة غير الْإِسْلَام كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ. وَمن قتل نَفسه بِشَيْء عذب بِهِ فِي نَار جَهَنَّم. وَلعن الْمُؤمن كقتله. وَمن رمى مُؤمنا بِكفْر فَهُوَ كقتله. قلت: رَضِي الله عَنْك! حمل البُخَارِيّ قَوْله: " فقد بَاء بِهِ أَحدهمَا " على تَحْقِيق الْكفْر على أَحدهمَا لِأَنَّهُ إِن كَانَ صَادِقا فالمرمى كَافِر وَإِن كَانَ كَاذِبًا فقد جعل الرَّامِي الْإِيمَان كفرا. وَمن جعل الْإِيمَان كفرا فقد كفر، وَلأَجل هَذَا ترْجم عَلَيْهِ مقيّداً بِغَيْر تَأْوِيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 (315 - (11) بَاب من لم ير إكفار من قَالَ ذَلِك متأولاً أَو جَاهِلا) قَالَ عمر لحاطب: إِنَّه نَافق. فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : وَمَا يدْريك لعلّ الله قد أطلع على أهل بدر فَقَالَ: " اعْمَلُوا مَا شِئْتُم قد غفرت لكم ". فِيهِ جَابر: إِن معَاذ بن جبل كَانَ يصلّى مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، ثمَّ يأتى قومه فيصلّى بهم صَلَاة، فَيقْرَأ بهم الْبَقَرَة. فتجوّز رجل فصلّى صَلَاة خَفِيفَة، فَبلغ ذَلِك معَاذًا، فَقَالَ: إِنَّه مُنَافِق. فَبلغ ذَلِك الرجل، فَأتى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، فَقَالَ: يَا رَسُول الله {إِنَّا قوم نعمل بِأَيْدِينَا، ونستقى بنواضحنا، وَإِن معَاذًا صّلى بِنَا البارحة، فَقَرَأَ الْبَقَرَة فتجوّزت، فَزعم أَنى مُنَافِق. فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَا معَاذ} أفتّان أَنْت - ثَلَاثًا - اقْرَأ {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} ، و {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} وَنَحْوهمَا. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : من حلف مِنْكُم فَقَالَ فِي حلفه: " بِاللات والعزّى، فَلْيقل: لَا إِلَه إِلَّا الله. وَمن قَالَ لصَاحبه: تعال أقامرك فليتصدّق ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وَفِيه ابْن عمر: إِنَّه أدْرك عمر، وَهُوَ فِي ركب وَهُوَ يحلف بِأَبِيهِ. فناداهم النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : أَلا إنّ الله يَنْهَاكُم أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ. فَمن كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه، أَو ليصمت. قلت: رضى الله عَنْك! الْأَحَادِيث مُطَابقَة للتَّرْجَمَة إِلَّا حَدِيث عمر - رضى الله عَنهُ -. وَلَكِن لما كَانَ الْحلف تَعْظِيمًا للمحلوف بِهِ. وَلم يكن الخطّاب مُؤمنا كَانَ الْحلف تَعْظِيمًا للْكَافِرِ، وَلَكِن عذر بالتأويل. (316 - (12) بَاب مَا لَا يستحى من الْحق لأجل التفقه فِي الدّين) فِيهِ أم سَلمَة: إِن أم سليم قَالَت: يَا رَسُول الله [إِن الله] لَا يستحي من الْحق. هَل على الْمَرْأَة من غسل إِذا هِيَ احتملت؟ قَالَ: نعم، إِذا رَأَتْ المَاء. وَفِيه ابْن عمر: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: مثل الْمُؤمن مثل شَجَرَة خضر لَا يسْقط وَرقهَا، وَلَا يتحات. فَأَرَدْت أَن أَقُول: هِيَ النَّخْلَة وَأَنا غُلَام شَاب - فَاسْتَحْيَيْت، فَقَالَ: هِيَ النَّخْلَة. فَقَالَ عمر: لَو كنت قلتهَا كَانَ أحبّ إلىّ من كَذَا وَكَذَا. وَفِيه أنس: جَاءَت امْرَأَة إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- تعرض عَلَيْهِ نَفسهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 فَقَالَت: هَل لَك فِي حَاجَة؟ فَقَالَت ابْنَته: مَا أقل حياءها فَقَالَ: هِيَ خير مِنْك عرضت على رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- نَفسهَا. قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة لحَدِيث الَّتِي عرضت نَفسهَا، وَإِنَّمَا فعلت ذَلِك دينا، لَا لحظ نفس، وَلما ترتّب على تَزْوِيجه -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بهَا من حملهَا للشريعة عَنهُ، وَلما بطن وَرَاء الْحجب أُسْوَة نِسَائِهِ - رَضِي الله عَنْهُن - فطلبها لذَلِك دَاخل فِي طلب التفقّه فِي الدّين وَالْعلم. (317 - (13) بَاب هجاء الْمُشْركين.) فِيهِ عَائِشَة: رَضِي الله عَنْهَا -: اسْتَأْذن حسان النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي هجاء الْمُشْركين، فَقَالَ -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : فَكيف بنسبي؟ فَقَالَ حسان: لأسلنك مِنْهُم كَمَا تسل الشعرة من الْعَجِين. وَفِيه عُرْوَة: ذهبت أسبّ حسان عِنْد عَائِشَة، فَقَالَت: لَا تسبّه فَإِنَّهُ كَانَ ينافح رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: فِي قصصه يذكر للنَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَقُول: إِن أَخا لكم - يَعْنِي ابْن رَوَاحَة -. قَالَ: (وَفينَا رَسُول الله يَتْلُو كِتَابه ... إِذا أنشق مَعْرُوف من الْفجْر سَاطِع) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 (يبيت يجافى جنبه عَن فرَاشه ... إِذا استثقلت بالكافرين الْمضَاجِع) وَفِيه أَبُو سَلمَة: إِنَّه سمع حسان بن ثَابت يستشهد أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: أناشدنّك الله، هَل سَمِعت رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَقُول: يَا حسّان اجب عَن رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- اللَّهُمَّ أيد بِروح الْقُدس؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: نعم ". وَفِيه الْبَراء: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لحسّان: اهجهم - أَو هاجمهم - وَجِبْرِيل مَعَك. قلت: رَضِي الله عَنْك! كل هَذِه الْأَحَادِيث مُطَابقَة، وَشعر ابْن رَوَاحَة أَيْضا لقَوْله: " إِذا استثقلت بالكافرين الْمضَاجِع ". (318 - (14) بَاب مَا يكره أَن يكون الْغَالِب على الْإِنْسَان الشّعْر حَتَّى يصدّه عَن ذكر الله، وَالْقُرْآن، وَالْعلم.) فِيهِ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]-: لِأَن يمتلئ جَوف أحدكُم قَيْحا حَتَّى يرِيه، خير لَهُ عَن أَن يمتلئ شعرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 قلت: رَضِي الله عَنْك {يُطَابق الحَدِيث التَّرْجَمَة بِالْمَفْهُومِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا ذمّ الامتلاء الَّذِي لَا متّسع مَعَه لغيره. فدلّ أنّ مَا دون ذَلِك لَا يدْخلهُ الذَّم. (319 - (15) بَاب عَلامَة الحبّ فِي الله لقَوْله تَعَالَى: {إِن كُنْتُم تحبون الله فاتّبعوني يحببكم الله} [آل عمرَان: 31] . فِيهِ عبد الله: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : الْمَرْء مَعَ من أحب. وَقَالَ ابْن مَسْعُود مرّة: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَ: مَتى السَّاعَة يَا رَسُول الله؟ قَالَ: مَا أَعدَدْت لَهَا؟ [قَالَ: مَا أَعدَدْت لَهَا] منكثير صَلَاة، وَلَا صَوْم، وَلَا صَدَقَة. وَلَكِنِّي أحبّ الله وَرَسُوله. قَالَ: أَنْت مَعَ من أَحْبَبْت. قلت: رَضِي الله عَنْك} الْآيَة مُطَابقَة للتَّرْجَمَة، لِأَن اتِّبَاع الرَّسُول -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 قد جعله الله عَلامَة لحبّه إِذْ وعد المحبّة عَلَيْهِ. ومطابقة التَّرْجَمَة للأحاديث عسيرٌ فَتَأَمّله. (320 - (16) بَاب قَول النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : إِنَّمَا الْكَرم قلب الْمُؤمن) وَقَالَ: " إِنَّمَا الْمُفلس الَّذِي يفلس يَوْم الْقِيَامَة " كَقَوْلِه: " إِنَّمَا الصرعة الَّذِي يملك نَفسه عِنْد الْغَضَب ". وَكَقَوْلِه: " لَا ملك إِلَّا الله " فوصفه بانتهاء الْملك، ثمَّ ذكر الْمُلُوك أَيْضا فَقَالَ: {إِن الْمُلُوك إِذا دخلُوا قَرْيَة افسدوها} [النَّمْل: 34] . فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : " وَيَقُولُونَ الْكَرم، إِنَّمَا الْكَرم قلب الْمُؤمن ". قَالَ: الْمُبَالغَة بِجَمِيعِ هَذِه الْأَحَادِيث من الْجِهَة الْعَامَّة. وَهَهُنَا وقف الشَّارِح) . قلت: رضى الله عَنْك! والجهة الْخَاصَّة الَّتِي اجْتمعت فِيهَا الْأَخْبَار وُقُوع الْكَلَام على الْمجَاز، وَعكس الْحَقِيقَة الْعُرْفِيَّة والوضعية. وَفَائِدَة الْمجَاز تَحْقِيق الْمَعْنى وتأكيده فِي النَّفس. وَلَا يعدّ ذَلِك خلفا، وَإِنَّمَا هُوَ وضع بَان اللَّفْظ. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 (321 - (17) بَاب [قَول الرجل لصَاحبه: يَا أَبَا فلَان و] أحبّ الْأَسْمَاء إِلَى الله عزّ وجلّ) فِيهِ جَابر: ولد لرجل منّا غُلَام، فَسَماهُ الْقَاسِم، فَقُلْنَا: لَا نكنيك أَبَا الْقَاسِم وَلَا كَرَامَة، فَأخْبر النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، فَقَالَ: سمّ ابْنك عبد الرَّحْمَن. قلت: رضى الله عَنْك! مُطَابقَة التَّرْجَمَة أَنهم أَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَن كناه بكنية النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لَا أصل الكنية، وَأَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَشَارَ عَلَيْهِ بِعَبْد الرَّحْمَن. إِنَّمَا يُشِير بِمَا هُوَ خير عِنْد الله. وَقد ورد حَدِيث على لفظ التَّرْجَمَة فِي عبد الرَّحْمَن وعبد الله ". (322 - (18) بَاب الكنية للصبى، وَقبل أَن يُولد للرجل.) فِيهِ أنس: كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أحسن النَّاس خلقا. وَكَانَ لي أَخ يُقَال لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 أَبُو عُمَيْر قَالَ: أَحْسبهُ - فطيم قَالَ: وَكَانَ إِذا جَاءَ قَالَ: أَبَا عُمَيْر مَا فعل النغير؟ نغر كَانَ يلْعَب بِهِ فَرُبمَا حضر صلَاته وَهُوَ فِي بيتنا، فيأمرنا بالبساط الَّذِي تَحْتَهُ فيكنس، وينضح، ثمَّ يقوم ونقوم خَلفه، ثمَّ يصلى بِنَا. [قلت: رضى الله عَنْك!] يُرِيد أَن الكنية اسْم جامد مرتجل مركب، لَا على حَقِيقَة الْإِضَافَة الَّتِي يتَوَقَّف صدقهَا على أَن للمكنىّ ولدا، وَهُوَ أَبوهُ. 20323 - (19) بَاب المعاريض مندوحة عَن الْكَذِب) وَقَالَ أنس: مَاتَ ابْن لأبي طَلْحَة فَقَالَ: كَيفَ الْغُلَام؟ قَالَ [أم سليم] هدأ نَفسه، وَأَرْجُو أَن يكون قد استراح، فظنّ أَنَّهَا صَادِقَة. فِيهِ أنس: كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي مسير لَهُ، فحدا الْحَادِي، فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : ارْفُقْ يَا أَنْجَشَة - وَيحك - بِالْقَوَارِيرِ ". قَالَ أَبُو قلَابَة: يعْنى النِّسَاء. وَقَالَ أنس مرّة: لَا تكسر الْقَوَارِير. قَالَ قَتَادَة: يعْنى ضعفة النِّسَاء. قَالَ أنس: كَانَ بِالْمَدِينَةِ فزع، فَركب النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فرسا لأبي طَلْحَة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 فَقَالَ مَا رَأينَا من شَيْء. وَإِن وَجَدْنَاهُ لبحراً. [ذكر الطَّبَرِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن فِي المعاريض لمندوحة عَن الْكَذِب. وَعَن ابْن عَبَّاس - رضى الله عَنهُ - قَالَ: مَا أحبّ أَن لى بمعاريض الْكَلَام كَذَا وَكَذَا. وَمعنى مندوحة، أَي متّسع. وَيُقَال: مِنْهُ انتدح فلَان بِكَذَا، ينتدح انتداحاً إِذا اتّسع بِهِ. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: يُقَال: ندحت الشَّيْء إِذا وسّعته. قَالَ الطَّبَرِيّ: انتدحت الْغنم فِي مرابضها، إِذا تبدّدت واتّسعت عَن البطنة. واندح بطن فلَان، واندحى يعْنى استرخى واتّسع] . قلت: رضى الله عَنْك! مُطَابقَة التَّرْجَمَة للْحَدِيث الأول بيّنة، وَأما مَا بعده فَلَيْسَ من المعاريض الَّتِي يفزع إِلَيْهَا عَن الْكَذِب. وَإِنَّمَا هُوَ تَشْبِيه ومبالغة. لَكِن وَجه دُخُوله أَن التَّشْبِيه إِذا جَازَ ذكره بِصِيغَة الْإِجَازَة بِلَا آلَة تَشْبِيه، وَلم يعدّ حلفا وَلَا دعت إِلَيْهِ حَاجَة. فالمعاريض عِنْد الْحَاجة أولى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 (324 - (20) بَاب تشميت الْعَاطِس إِذا حمد الله) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة، وَفِيه الْبَراء: أمرنَا رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بتشميت الْعَاطِس. الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك! التَّرْجَمَة مُطلقَة بِالْحَمْد، والْحَدِيث مُطلق. فنبّه البُخَارِيّ على أَن الحَدِيث لَيْسَ على إِطْلَاقه، بل هُوَ مُقَيّد بالأحاديث الَّتِي أوردهَا قبل هَذِه التَّرْجَمَة، وَقد تضمنّت اشْتِرَاط الْحَمد. (62 -[ كتاب المرضى ] ) (325 - (1) [بَاب] مَا جَاءَ فِي كَفَّارَة الْمَرِيض) وَقَوله تَعَالَى: {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} النِّسَاء: 123] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 فِيهِ عَائِشَة - رضى الله عَنْهَا - قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : مَا من مُصِيبَة تصيب الْمُسلم إِلَّا كفر الله بهَا عَنهُ حَتَّى الشَّوْكَة يشاكها. فِيهِ أَبُو سعيد وَأَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- مَا يُصِيب الْمُسلم من نصب وَلَا وصب وَلَا هم وَلَا حزن، وَلَا أَذَى وَلَا غم، حَتَّى الشَّوْكَة يشاكها إِلَّا كفّر الله بهَا عَن خطاياه. فِيهِ كَعْب: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : مثل الْمُؤمن كَمثل الخامة من الزَّرْع، من حَيْثُ أتتها الرّيح كفأتها، فَإِذا اعتدلت تكفّأ بالبلاء. والفاجر كالأرزة صماء معتدلة حَتَّى يقصمها الله إِذا شَاءَ. فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من يرد الله بِهِ خيرا يصب مِنْهُ. قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة لِلْآيَةِ التنبيّه على أَن الْمَرَض كَمَا يكون مكفراً للخطايا فقد يكون جَزَاء لَهَا. وَالْمعْنَى فِي تَعْجِيل جَزَائِهِ بِالْمرضِ، وتكفير سيئاته مُتَقَارب. (326 - (2) بَاب عِيَادَة الْمغمى عَلَيْهِ) فِيهِ جَابر: مَرضت فَأَتَانِي النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يعودنِي وَأَبُو بكر - رضى الله عَنهُ -، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وهما ماشيان، فوجداني أغمى عليّ فَأَفَقْت. الحَدِيث. قلت: رضى الله عَنْك! ترْجم على هَذَا الْبَاب لِئَلَّا يعْتَقد أَن عِيَادَة الْمغمى عَلَيْهِ سَاقِط الْفَائِدَة إِذْ لَا يفِيق لعائده. وَمَا فِي الحَدِيث أَنَّهُمَا علما أَنه مغمى عَلَيْهِ قبل عيادته. فلعلّه وَافق حضورهما. وَزعم بَعضهم أَن عِيَادَة الْمَرِيض بِعَيْنِه غير مَشْرُوعَة، لِأَن عائده يرى فِي بَيته مَا لَا يرَاهُ هُوَ، فالمغمى عَلَيْهِ أشدّ. 63 -[كتاب الطِّبّ] ) (327 - (1) بَاب شرب السمّ، والدواء بِهِ، وَمَا يخَاف مِنْهُ) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : من تردى من جبل فَقتل نَفسه [فَهُوَ فِي نَار جَهَنَّم يتردى فِيهِ خَالِدا مخلداً فِيهَا أبدا، وَمن تحسى سمّاً فَقتل نَفسه] فسمّه فِي يَده يتحسّاه [فِي نَار جَهَنَّم خَالِدا مخلداً فِيهَا أبدا، وَمن قتل نَفسه] بحديدة، فحديدته فِي يَده يجاء بهَا فِي بَطْنه فِي نَار جَهَنَّم خَالِدا مخلداً فِيهَا أبدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 وَفِيه سعد: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : بِسبع تمرات عَجْوَة، لم يضّره ذَلِك الْيَوْم سمّ وَلَا سحر. قلت: رضى الله عَنْك {الحَدِيث الأول مُطَابق لأوّل التَّرْجَمَة والْحَدِيث الثَّانِي مُطَابق لآخرها، لنه مَا بيّن دواءه إلاّ وَهُوَ دَاء. وَقد أثبت أَنه مضّر بقوله: " لم يضرّه ذَلِك الْيَوْم سمّ ". ومدخله فِي الْفِقْه جَوَاز إِضَافَة الضَّرَر إِلَى الْأَسْبَاب، والضّار والنافع هُوَ الله حَقِيقَة. (64 -[كتاب الْأَطْعِمَة] ) (328 - (1) بَاب من أكل حَتَّى شبع.) فِيهِ أنس: قَالَ أَبُو طَلْحَة لأم سليم: لقد سَمِعت صَوت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ضَعِيفا أعرف فِيهِ الْجُوع، فَهَل عنْدك من شَيْء؟ فأخرجت لَهُ أقراصاً من شعير، ثمَّ أخرجت خماراً لَهَا فلفّت الْخبز بِبَعْضِه، ثمّ دسّته تَحت ثوبي، وردّتني بِبَعْضِه. ثمَّ أرسلتني إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَذَهَبت بِهِ، فَوجدت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وَمَعَهُ نَاس، فَقُمْت عَلَيْهِم فَقَالَ لي رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : آرسلك أَبُو طَلْحَة؟ فَقلت: نعم: قَالَ: بِطَعَام؟ فَقلت نعم فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لمن مَعَه: قومُوا، فَانْطَلق، فَانْطَلَقت بَين أَيْديهم [حَتَّى] جِئْت أَبَا طَلْحَة. فَقَالَ أَبُو طَلْحَة: يَا أم سليم} قد جَاءَ رَسُول الله بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عندنَا من الطَّعَام مَا نطعمهم. فَقَالَت: الله وَرَسُوله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 قَالَ فَانْطَلق أَبُو طَلْحَة حَتَّى لقى رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَأقبل أَبُو طَلْحَة وَرَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- حَتَّى دخلا. فَقَالَ رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : هلميّ يَا أم سليم مَا عنْدك. فَأَتَت بذلك الْخبز. فَأمر بِهِ ففت، وعصرت [عَلَيْهِ] أمّ سليم عكّة لَهَا فأدمته. ثمَّ قَالَ فِيهِ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- مَا شَاءَ الله أَن يَقُول ثمَّ قَالَ: ائْذَنْ لعشرة فَأذن لَهُم فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثمَّ خَرجُوا. ثمّ قَالَ: ائْذَنْ لعشرة ... فَأكل الْقَوْم كلهم فشبعوا. وَالْقَوْم ثَمَانُون رجلا. وَفِيه عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر: قَالَ: كنّا مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ثَلَاثِينَ وَمِائَة. فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- هَل مَعَ أحد مِنْكُم طَعَام؟ فَإِذا مَعَ رجل صَاع من طَعَام أَو نَحوه، فعجن ثمَّ جَاءَ رجل مُشْرك مشعانّ طَوِيل بِغنم يَسُوقهَا. فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أبيع أَو عَطِيَّة - أَو قَالَ: هبة -؟ لَا، قَالَ: بل بيع. فَاشْترى مِنْهُم شَاة فصنعت. فَأمر النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بسواد الْبَطن فشوى. وأيم الله! مَا من ثَلَاثِينَ وَمِائَة إِلَّا قد حزّ لَهُ حزّة من سَواد بَطنهَا. إِن كَانَ شاهداّ أعطَاهُ إِيَّاهَا، وَإِن كَانَ غَائِبا خبّأها لَهُ. ثمَّ جعل فِيهَا قصعتين فأكلنا أَجْمَعُونَ وشبعنا، وَفضل فِي قصعتين فَحَملته على الْبَعِير - أَو كَمَا قَالَ -. وَفِيه عَائِشَة: قَالَت: توفى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- حِين شبعنا من الأسودين: التَّمْر وَالْمَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 قلت: رَضِي الله عَنْك! تقدم لَهُ فِي جملَة التراجم: " بَاب شرب الْبركَة " وسَاق قَول أنس: " فَجعلت لَا آلو مَا جعلت فِي بَطْني مِنْهُ، ونبّه ثمَّ على أَن شرب أنس لَيْسَ من الْإِكْثَار الْمَكْرُوه، لن هَذَا شراب خَاص لبركته، فَرغب فِيهِ تبّركاً لَا تكّثراً. وَلم يتَعَرَّض فِي تَرْجَمَة الشِّبَع هُنَا لهَذَا الْمَعْنى. فَيحْتَمل أَن شبعهم مِنْهُ كَانَ على عَادَتهم فِي الِاقْتِصَار على مَا يمْلَأ ثلث المعى. وَيحْتَمل الشِّبَع الَّذِي هُوَ الامتلاء، لِأَنَّهُ طَعَام بركَة، فَهُوَ كشرب الْبركَة. وَالله أعلم. (329 - (2) بَاب: {لَيْسَ على الْأَعْمَى حرجٌ وَلَا على الْأَعْرَج حرجٌ وَلَا على الْمَرِيض} - إِلَى قَوْله - {لَعَلَّكُمْ تعقلون} [النُّور: 61] . النهد والاجتماع على الطَّعَام.) فِيهِ سُوَيْد بن النُّعْمَان: خرجنَا مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إِلَى خَيْبَر، فَلَمَّا كُنَّا بالصهباء دَعَا النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لطعام، فَمَا أَتَى إِلَّا بسويق. فلكناه، فأكلنا مِنْهُ بِمَاء فَمَضْمض، ومضمضنا، وَصلى بِنَا الْمغرب وَلم يتَوَضَّأ. قَالَ سُفْيَان سَمِعت مِنْهُ عوداً وبدءاً. وَترْجم لَهُ " بَاب السويق ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 قلت: رَضِي الله عَنْك {مَوضِع الْمُطَابقَة من التَّرْجَمَة وسط الْآيَة وَهُوَ قَوْله: {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَو أشتاتا} [النُّور: 61] وَذكر الحَدِيث، وَهُوَ أصل فِي جَوَاز أكل المخارجة فِي حق الأسخياء لَا السُّفَهَاء. (330 - (3) بَاب طَعَام الْوَاحِد يكفى الِاثْنَيْنِ) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : طَعَام الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَة [وَطَعَام الثَّلَاثَة كَافِي الْأَرْبَعَة] . قلت: رَضِي الله عَنْك} إِن قلت: كَيفَ مُطَابقَة التَّرْجَمَة الحَدِيث. ومقتضاها أَن الْوَاحِد إِذا قنع بِنصْف شبعه توفّر نصف طَعَامه للْآخر. والْحَدِيث لَا يَقْتَضِي ذَلِك. وَإِنَّمَا يقتضى أَن الَّذِي يُمكنهُ تَركه من شبعه إِنَّمَا هُوَ الثُّلُث. وَمَا يلْزم من إِمْكَان ترك النّصْف لِأَنَّهُ يجحف. قلت: رَضِي الله عَنْك! قد ورد حَدِيث بِلَفْظ التَّرْجَمَة لكنه لم يُوَافق شَرط البُخَارِيّ. فاستقرأ مَعْنَاهُ على الْجُمْلَة من هَذَا الحَدِيث. وَرَأى أَن من أمكنه ترك الثُّلُث أمكنه ترك النّصْف لتقاربهما. وَالله أعلم. (331 - (4) بَاب الشَّاة المسموطة، والكتف وَالْجنب.) فِيهِ قَتَادَة: كُنَّا نأتي أنس بن مَالك، وخبّازه قَائِم. فَمَا أعلم النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] رأى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 رغيفاً مرقّقاً حَتَّى لحق بِاللَّه. وَلَا رأى شَاة سميطاً بِعَيْنِه قطّ. فِيهِ عَمْرو بن أُميَّة: قَالَ: رَأَيْت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يحتزّ من كتف شَاة فَأكل مِنْهَا، فدعى إِلَى الصَّلَاة، فَقَامَ فَطرح السكين، فصلّى وَلم يتَوَضَّأ. قلت: رضى الله عَنْك! ظنّ الشَّارِح أَن مَقْصُود التَّرْجَمَة تَحْقِيق أَنه أكل السميط. فأورد عَلَيْهِ حَدِيث أنس، أَنه مَا رأى سميطاً قطّ. واعتقد أَن البُخَارِيّ أَرَادَ ذَلِك وتلقاه من " حزّها بالسكيّن " وَإِنَّمَا تحزّ إِذا شويت بجلدها. وَجمع بَينهمَا بِأَن المنفى سمط جَمِيع الشَّاة، والمثبت سمط بَعْضهَا. وَذَلِكَ كلّه وهم، لَيْسَ فِي حزّ الْكَتف مَا يدلّ على أَنَّهَا كَانَت مسموطة. بل إنّما حزّها لِأَن عَادَة الْعَرَب فِي الْغَالِب أَن لَا تنضج اللَّحْم، والشواء المهضب يتمادحون بِأَكْلِهِ، وَهُوَ الَّذِي لم ينضح. فلعدم نضجها احْتِيجَ إِلَى حزّها. وَالْحَدِيثَانِ متفقان. (332 - (5) بَاب الْحَلْوَاء، وَالْعَسَل.) فِيهِ عَائِشَة: رَضِي الله عَنْهَا - كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يحبّ الْحَلْوَاء وَالْعَسَل. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: كنت ألزم النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لشبع بَطْني، حِين لَا آكل الخمير، وَلَا ألبس الْحَرِير، وَلَا يخدمني فلَان وَلَا فُلَانَة وألزق بَطْني بالحصير، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 واستقرئ الرجل الْآيَة - وَهِي معي - كي يَنْقَلِب بِي فيطعمني. وَخير النَّاس للْمَسَاكِين جَعْفَر بن أبي طَالب يَنْقَلِب بِنَا ويطعمنا مَا كَانَ فِي بَيته، حَتَّى إِن كَانَ ليخرج إِلَيْنَا العكّة لَيْسَ فِيهَا شَيْء فيشقها ونلعق مَا فِيهَا. قلت: رَضِي الله عَنْك {وَجه مُطَابقَة التَّرْجَمَة لحَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنه أَرَادَ التنبيّه على أَن الْحَلْوَاء الْمَذْكُورَة لَيست الْمَعْهُودَة الْآن على وَجه الْإِسْرَاف، واجتماع الْمُفْردَات الْكَثِيرَة. وَإِنَّمَا هِيَ الحلو وَلَو نَبِيذ التَّمْر. ويبيّن بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة خشونة الْعَيْش الَّتِي تناسب هَذِه الْحَلْوَاء الْمَعْهُودَة. (333 - (6) بَاب الرجل يتكلّف لإخوانه الطَّعَام.) فِيهِ أَبُو مَسْعُود: كَانَ من الْأَنْصَار رجل يُقَال لَهُ أَبُو شُعَيْب، وَكَانَ لَهُ غُلَام لحام. فَقَالَ: اصْنَع لي طَعَاما أَدْعُو النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- خَامِس خَمْسَة فَتَبِعهُمْ رجلٌ. فَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إِنَّك دَعوتنَا خَامِس خَمْسَة، وَهَذَا الرجل قد تبعنا، فَإِن شِئْت أَذِنت لَهُ، وَإِن شِئْت تركته. قَالَ: بل أَذِنت لَهُ. قلت: رَضِي الله عَنْك} ترْجم لهَذَا الحَدِيث بِصِيغَة التكلّف، وَلم يترجم كَذَلِك لحَدِيث أبي طَلْحَة. وسرّ ذَلِك أَنه قَالَ لغلامه: اصْنَع لي طَعَاما لخمسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 فَكَانَت نيّته فِي الاصالة التَّحْدِيد، وَلِهَذَا لم يَأْذَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- للسادس حَتَّى أذن لَهُ أَبُو شُعَيْب. أما حَدِيث أبي طَلْحَة فَإِنَّهُ استصحب مَعَه أمة كَبِيرَة لم يَدعهَا أَبُو طَلْحَة، لاسترسال نيّة أبي طَلْحَة من الأول. وَالْمَعْرُوف أَن التَّحْدِيد يُنَافِي الْبركَة، والاسترسال يلائمه. والتحديد فِي الطَّعَام حَال المتكّلف. وَالله أعلم. (65 - كتاب الرّؤيا) (334 - (1) بَاب كشف الْمَرْأَة فِي الْمَنَام) فِيهِ عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا -: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : أريتك فِي الْمَنَام مرّتين، قبل أَن أتزوجك إِذا رجل يحملك فِي سَرقَة من حَرِير، فَيَقُول: هَذِه امْرَأَتك فأكشفها فَإِذا هِيَ أَنْت، فَأَقُول: إِن يكن هَذَا من عِنْد الله يمضه. وَترْجم لَهُ: " بَاب الْحَرِير فِي الْمَنَام ". قلت: رَضِي الله عَنْك! كَأَن البُخَارِيّ يقف على كَلَام من لَا يُوَافقهُ كَلَامه - وَالله أعلم - فيرّد عَلَيْهِ بالرمز فِي هَذِه التراجم. فَفِي النَّاس من قَالَ: " مَا احْتَلَمت قطّ إِلَّا بولىٍ وشاهدي عدل " - يُشِير إِلَى أَنه لَا يرى فِي الْمَنَام، إِلَّا مثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 مَا يجوز فِي الْيَقَظَة شرعا - وَهَذَا غير لَازم. فَإِن النَّائِم يرى أَمْثَالًا هُوَ فِيهَا غير مكلّف، أَلا ترى أَنه -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- رأى عَائِشَة، وكشف عَنْهَا قبل أَن يتَزَوَّج بهَا على سَبِيل التَّمْثِيل. وَيحْتَمل أَن يكون إِنَّمَا رأى مِنْهَا مَا يجوز للخاطب أَن يرَاهُ، وَيكون الضَّمِير فِي قَوْله: " فأكشفها " للسرقة. وَحَدِيث السوارين يكْشف الْإِشْكَال. وَالله أعلم. (335 - (2) بَاب عَمُود الْفسْطَاط تَحت وسادته، وَدخُول الجنّة فِي الْمَنَام.) فِيهِ ابْن عمر: رَأَيْت فِي يَدي سَرقَة من حَرِير، لَا أَهْوى بهَا إِلَى مَكَان فِي الجنّة إِلَّا طارت بِي إِلَيْهِ. فقصصتها على حَفْصَة، فقصّتها حَفْصَة على النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فَقَالَ: إِن أَخَاك رجل صَالح. [قلت: رَضِي الله عَنْك!] : روى غير البخارى هَذَا الحَدِيث بِزِيَادَة " عَمُود الْفسْطَاط وَوضع ابْن عمر لَهُ تَحت الوسادة "، وَلَكِن لم توَافق الزِّيَادَة شَرطه، فدرجها فِي التَّرْجَمَة تَنْبِيها. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 336 - (3) بَاب الطّواف بِالْكَعْبَةِ فِي الْمَنَام) فِيهِ ابْن عمر: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بَينا أَنا نَائِم رَأَيْت أَنِّي أَطُوف بِالْكَعْبَةِ، فَإِذا رجل آدم سبط الشّعْر بَين الرجلَيْن ينطف رَأسه مَاء. فَقلت: من هَذَا؟ فَقَالُوا: ابْن مَرْيَم. فَذَهَبت ألتفت فَإِذا رجل آخر جسيم أَعور الْعين الْيُمْنَى. فَقَالُوا: هَذَا الدَّجَّال. قلت: رَضِي الله عَنهُ! ذكر الشَّارِح أَن الْكَعْبَة مِثَال الإِمَام الْأَعْظَم. ومصداق ذَلِك عِنْدِي، أَنى رَأَيْت قبل وَاقعَة بَغْدَاد - حرز الله الْمُسلمين عَن مصيبتها - كَأَنِّي فِي الْحرم شرّفه الله. وَكَانَ مَكَان الْكَعْبَة خَال مِنْهَا. وَكَانَ ذَلِك قبل الْوَاقِعَة بِنَحْوِ السنّة. وَالله أعلم. (66 -[كتاب الرقَاق] ) (337 - (1) بَاب لَا عَيْش إِلَّا عَيْش الْآخِرَة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 فِيهِ ابْن عَبَّاس - رضى الله عَنهُ -: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : نعمتان مغبون فيهمَا كثير من النَّاس: الصِّحَّة والفراغ. وَفِيه أنس وَسَهل: كنّا مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بالخندق، وَهُوَ يحْفر وَنحن ننقل التُّرَاب، ويمرّ بِنَا. فَيَقُول: (اللَّهُمَّ لَا عَيْش إِلَّا عَيْش الْآخِرَة ... فَاغْفِر للْأَنْصَار والمهاجرة) قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه دُخُول الحَدِيث الأول فِي التَّرْجَمَة أَن النَّاس غبن كثير مِنْهُم فِي هَاتين النعمتين إيثاراً مِنْهُم لعيش الدُّنْيَا على عَيْش الْآخِرَة. فبيّن بِحَدِيث التَّرْجَمَة أَن الْعَيْش الَّذِي شغفوا بِهِ لَيْسَ بِشَيْء، إِنَّمَا الْعَيْش هُوَ الَّذِي شغلوا عَنهُ. (338 - (2) بَاب من بلغ سِتِّينَ سنة فقد أعذر الله إِلَيْهِ الْعُمر) لقَوْله عزّ وجلّ: {أَو لم نعمّركم مَا يتَذَكَّر فِيهِ من تذكر وَجَاءَكُم النذير} [فاطر: 37] يعْنى الشيب. فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أعذر الله إِلَى امْرِئ أخرّ أَجله حَتَّى بلغ سِتِّينَ سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: لَا يزَال قلب الْكَبِير شابّاً فِي اثْنَتَيْنِ: حبّ الدُّنْيَا، وَطول الأمل. وَفِيه أنس: عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : قَالَ: يكبر ابْن آدم، وتكبر مَعَه اثْنَتَانِ: حب المَال وَطول الأمل. وَفِيه عتْبَان بن مَالك: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : لن يوافى عبد يَوْم الْقِيَامَة يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله، يَبْتَغِي بهَا وَجه الله إِلَّا حرمّ الله عَلَيْهِ النَّار. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : يَقُول عزّ وجلّ {مَا لعبدي جَزَاء إِذا قبضت صَفيه من أهل الدُّنْيَا إِذا احتسبه إِلَّا الجنّة. قلت: رَضِي الله عَنْك} وَجه مُطَابقَة حَدِيث عتْبَان للتَّرْجَمَة التنبيّه على أَن هَذَا الْإِعْذَار لَا يقطع التَّوْبَة بعد ذَلِك. وَإِنَّمَا هُوَ إعذار لقطع الحجّة الْبَالِغَة قبل هَذَا السن. وَبَقَاء الرَّجَاء بالأحاديث الَّتِي سَاقهَا مَعَ حَدِيث التَّرْجَمَة. فقبول الله التَّوْبَة لعَبْدِهِ بعد هَذَا السّن من فَضله، لَا من حق العَبْد على أَنه لَا حق لَهُ على الله قبل وَلَا بعد. (339 - (3) بَاب مَا يحذر من زهرَة الدُّنْيَا والتنافس فِيهَا.) فِيهِ عَمْرو بن عَوْف: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بعث أَبَا عُبَيْدَة إِلَى الْبَحْرين يَأْتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 بجزيتها فَقدم بِالْمَالِ فَسمِعت الْأَنْصَار بقدومه، فوافت صَلَاة الصُّبْح مَعَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَلَمَّا انْصَرف تعرضوا لَهُ فَتَبَسَّمَ. قَالَ: أظنكم سَمِعْتُمْ بقدوم أبي عُبَيْدَة، قَالُوا: أجل. قَالَ فأبشروا وأمّلوا مَا يسرّكم. فوَاللَّه {مَا الْفقر أخْشَى عَلَيْكُم، وَلَكِن أخْشَى عَلَيْكُم أَن تبسط عَلَيْكُم الدُّنْيَا، كَمَا بسطت على من كَانَ قبلكُمْ، فتنافسوها كَمَا تنافسوها، وتلهيكم كَمَا ألهتهم. وَفِيه عقبَة بن عَامر: خرج النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَوْمًا. فصلىّ على أهل أحد صلَاته على الْمَيِّت - الحَدِيث -. ثمَّ قَالَ: وإنى وَالله مَا أَخَاف عَلَيْكُم أَن تُشْرِكُوا بعدِي، ولكنى أَخَاف عَلَيْكُم مَا يخرج الله لكم من بَرَكَات الأَرْض. قيل مَا بَرَكَات الأَرْض يَا رَسُول الله؟} قَالَ: زهرَة الدُّنْيَا. الحَدِيث، على مَا فِي " كتاب الزَّكَاة، بَاب الصَّدَقَة على الْيَتَامَى ". فِيهِ عمرَان إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: خير الْقُرُون قَرْني، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ. ثمَّ يكون بعدهمْ قوم يشْهدُونَ وَلَا يستشهدون، ويخونون وَلَا يؤتمنون، وَيظْهر فيهم السّمن. وَفِيه خباب: قَالَ: إِن أَصْحَاب مُحَمَّد مضوا، وَلم تنقصهم الدُّنْيَا شَيْئا. وَإِنَّمَا أصبْنَا من الدُّنْيَا مَا لَا نجد لَهُ موضعا إِلَّا التُّرَاب. قلت: رَضِي الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة هَذِه التَّرْجَمَة لحَدِيث عمر قَوْله: " وَيظْهر فيهم السّمن " فَذَلِك من زهرَة الدُّنْيَا. وَيحْتَمل أَن يكون سَاقه على أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 السّلف - رَضِي الله عَنْهُم - سلمُوا من فتْنَة الدُّنْيَا، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَام وَصفهم بِأَنَّهُم خير الْقُرُون، إِلَى الْقرن الثَّالِث، حذرا من أَن يتخيّل إِلَيْهِم أَنهم افتتنوا بزهرة الدُّنْيَا، وَأَن الَّذِي خشى عَلَيْهِم وَقع مِنْهُم فبرّأهم بِحَدِيث عَمْرو وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث خبّاب. (67 -[كتاب الْقُرْآن] ) (340 - (1) بَاب نزل الْقُرْآن بِلِسَان قُرَيْش وَالْعرب. وَقَوله تَعَالَى: {قُرْآنًا عَرَبيا} و {بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين} [الشُّعَرَاء: 195] .) فِيهِ أنس: قَالَ: أَمر عُثْمَان زيد بن ثَابت، وَسعد بن الْعَاصِ، وعبد الله بن الزبير، وَعبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام أَن ينسخوها فِي الْمَصَاحِف. وَقَالَ لَهُم: إِذا اختلفتم أَنْتُم وَزيد بن ثَابت فِي عربيّة من عَرَبِيَّة الْقُرْآن فاكتبوها بِلِسَان قُرَيْش. قَالَ: الْقُرْآن انْزِلْ بلسانهم، فَفَعَلُوا. فِيهِ يعلي بن أُميَّة: إِنَّه كَانَ يَقُول: لَيْتَني أرى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- حِين ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي. فَلَمَّا كَانَ بالجعرّانة وَعَلِيهِ الثَّوْب قد أظلّ عَلَيْهِ، وَمَعَهُ نَاس من أَصْحَابه، إِذْ جَاءَهُ رجل متضمّخ بِطيب، فَقَالَ: يَا رَسُول الله! كَيفَ ترى فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 رجل أحرم فِي جبّة بعد مَا تضمخ بِطيب، فَنظر النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- سَاعَة، فَجَاءَهُ الوحى فَأَشَارَ عمر إِلَى يعلى أَن تعال. فجَاء يعلى، فَأدْخل رَأسه. فَإِذا هُوَ محمّر الْوَجْه يغطّ كَذَلِك سَاعَة، ثمَّ سرّى عَنهُ، فَقَالَ: أَيْن الَّذِي سَأَلَ عَن الْعمرَة آنِفا؟ الحَدِيث. قلت: رَضِي الله عَنْك {حَدِيث يعلى أقعد بالترجمة الْمُتَقَدّمَة الَّتِي ضمنهَا نزُول الْوَحْي مُطلقًا. وَهَذِه خصّها بِالْقُرْآنِ. وَكَأَنَّهُ قصد التَّنْبِيه على أَن الْقُرْآن والسنّة كليهمَا بوحى وَاحِد بِلِسَان وَاحِد. (341 - (2) بَاب نزُول السكينَة وَالْمَلَائِكَة عِنْد الْقِرَاءَة) فِيهِ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم: عَن أسيد بن حضير، بَينا هُوَ يقْرَأ من اللَّيْل سُورَة الْبَقَرَة وفرسه مربوطة، إِذْ جالت الْفرس فَسكت فسكنت. ثمَّ قَرَأَ فجالت فَانْصَرف، وَكَانَ ابْنه يحي قَرِيبا مِنْهَا فأشفق أَن تصيبه. فلمّا أصبح حدّث النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] . فَقَالَ: اقْرَأ يَا ابْن حضير، اقْرَأ يَا ابْن حضير. قَالَ: فَأَشْفَقت يَا رَسُول الله} أَن تطَأ يحيى. فَرفعت رَأْسِي إِلَى السَّمَاء فَإِذا مثل الظلة، فِيهَا أَمْثَال المصابيح فَخرجت حَتَّى لَا أَرَاهَا وَقَالَ: وتدرى مَا ذَاك؟ قَالَ: لَا. قَالَ: تِلْكَ الْمَلَائِكَة دنت لصوتك. وَلَو قَرَأت لأصبحت ينظر النَّاس إِلَيْهَا لَا تتوارى مِنْهُم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 قلت: رَضِي الله عَنْك {ترْجم على نزُول السكينَة وَالْمَلَائِكَة، وَلم يذكر فِي هَذَا الحَدِيث إِلَّا الْمَلَائِكَة، لَكِن فِي حَدِيث الْبَراء فِي سُورَة الْكَهْف تِلْكَ السكينَة نزلت. فلمّا أخبر عَن نُزُولهَا عِنْد سَماع الْقُرْآن، نبّه البُخَارِيّ [على] تلازمهما، وَفهم من الظلّة أَنَّهَا السكينَة. فَلهَذَا سَاقهَا فِي التَّرْجَمَة. وَالله أعلم. (342 - (3) بَاب فضل الْقُرْآن على سَائِر الْكَلَام) فِيهِ أَبُو مُوسَى: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : مثل الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن كَمثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيّب. وَالَّذِي لَا يقْرَأ الْقُرْآن كالتمرة طعمها طيب وَلَا ريح لَهَا. وَمثل الْفَاجِر الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن كَمثل الريحانة رِيحهَا طيّب وطعمها مرّ. وَمثل الْفَاجِر الَّذِي لَا يقْرَأ الْقُرْآن كَمثل الْحِنْطَة طعمها مرّ وَلَا ريح لَهَا. وَفِيه عمر: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : إِنَّمَا أجلكم فِيمَا خلا من الْأُمَم، كَمَا بَين صَلَاة الْعَصْر ومغرب الشَّمْس. ومثلكم وَمثل الْيَهُود وَالنَّصَارَى كَمثل رجل اسْتعْمل عمّالاً، فَقَالَ: من يعْمل لي من نصف النَّهَار إِلَى الْعَصْر على قِيرَاط. فَعمِلت النَّصَارَى. ثمَّ أَنْتُم تَعْمَلُونَ من الْعَصْر إِلَى الْمغرب بقيراطين قيراطين. قَالُوا - الْيَهُود -: نَحن أَكثر عملا وأقلّ عَطاء. قَالَ: هَل ظلمتكم من حقكم؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَذَلِك فضلي أوتيه من أَشَاء. قلت: رضى الله عَنْك} وَجه مُطَابقَة الْحَدِيثين للتَّرْجَمَة أَنه وصف حَامِل الْقُرْآن وَالْعَامِل بالكمال، وَهُوَ اجْتِمَاع المنظر والمخبر. وَلم يثبت هَذَا الْكَمَال لحامل غَيره من الْكتب، فَكيف بالْكلَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 (343 - (4) بَاب من لم يتغنّ بِالْقُرْآنِ. قَوْله تَعَالَى: {أَو لم يَكفهمْ أَنا أنزلنَا عَلَيْك الْكتاب يُتْلَى عَلَيْهِم} [العنكبوت: 51] .) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لم يَأْذَن الله لشَيْء مَا أذن لنبيّ أَن يتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ. وَقَالَ صَاحب لَهُ: يُرِيد يجْهر بِهِ. وَقَالَ مرّة: مَا أذن لنبيَ أَن يتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ. قَالَ سُفْيَان: تَفْسِيره يسْتَغْنى بِهِ. وَذكر فِي كتاب الِاعْتِصَام حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: لَيْسَ منا من لم يتغنّ بِالْقُرْآنِ. وَزَاد غَيره: يجْهر بِهِ. ذكره فِي بَاب قَوْله تَعَالَى: {وأسروا قَوْلكُم أَو أجهروا بِهِ} . [الْمَائِدَة: 13] . قلت: رَضِي الله عَنْك! يفهم من تَرْجَمَة البُخَارِيّ أَن يحمل التغنى على الِاسْتِغْنَاء لَا على الْغناء بِكَوْنِهِ أتبع الحَدِيث بِالْآيَةِ. ومضمونها الْإِنْكَار على من لم يسْتَغْن بِالْقُرْآنِ عَن غَيره من الْكتب السالفة وَمن المعجزات الَّتِي كَانُوا يقترحونها، وَهُوَ مُوَافق لتأويل ابْن عُيَيْنَة. وَلَكِن ابْن عُيَيْنَة حمله على الِاسْتِغْنَاء الَّذِي هُوَ ضد الْفقر. وَالْبُخَارِيّ يحملهُ على الِاسْتِغْنَاء الَّذِي هُوَ أعمّ من هَذَا، وَهُوَ الِاكْتِفَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 مُطلقًا ويندرج فِي ذَلِك عدم الافتقار إِلَى الِاسْتِظْهَار والاستغناء بِالْحَقِّ لِأَن فِيهِ من المواعظ والآيات والزواجر مَا نزع صَاحبه عَن حوائج الدُّنْيَا وَأَهْلهَا. وَأطَال ابْن بطال فِي نقل الردّ على من فسّره بالاستغناء، وَإِن ذَلِك مُخَالفَة للغة. وقدح فِي الْآثَار الَّتِي اسْتشْهد بهَا المفسّر لِابْنِ عُيَيْنَة. وَعِنْدِي أَن التَّفْسِير صَحِيح لُغَة، يدلّ عَلَيْهِ قَوْله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، فِي الْخَيل: " وَرجل ربطها تغّنيا وَتَعَفُّفًا ". وَلَا خلاف لُغَة أَنه مصدر " تغني "، ثمَّ لَا إِشْكَال بعد أَن تغنى بهَا. وَهَذَا بِمَعْنى اسْتغنى بهَا وتعفف. وَلم أَقف على هَذَا الاستشهاد لغيري. وَالله الْمُوفق. (344 - (5) بَاب اغتباط صَاحب الْقُرْآن.) فِيهِ ابْن عمر: سَمِعت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَقُول: لَا حسد إِلَّا على اثْنَيْنِ: رجلّ آتَاهُ الله الْكتاب، فَقَامَ بِهِ آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار. وَرجل آتَاهُ الله مَالا فَهُوَ يتَصَدَّق بِهِ آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار. فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَيْنِ: رجل علّمه الله الْقُرْآن فَهُوَ يَتْلُو آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار، فَسَمعهُ جارٌ لَهُ، فَقَالَ: لَيْتَني أُوتيت مثل مَا أُوتى، فَعمِلت مثل مَا يعْمل. وَرجل آتَاهُ الله مَالا فَهُوَ يهلكه فِي الْحق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 فَقَالَ رجل: لَيْتَني أُوتيت مثل مَا أُوتى فلَان فَعمِلت مثل مَا يعْمل. قلت: رضى الله عَنْك {بينّ بالترجمة أَن الْحَسَد الْمَذْكُور فِي الحَدِيث هُوَ الِاغْتِبَاط. وَقد فسّره فِي الحَدِيث بتمنّى الْمُمَاثلَة فِي الْخَيْر، لَا بتمنّي سلب الْخَيْر عَن الْغَيْر وجرّه إِلَيْهِ. (345 - (6) بَاب خَيركُمْ من تعلّم الْقُرْآن وعلّمه) فِيهِ عُثْمَان: عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: خَيركُمْ من تعلّم الْقُرْآن وعلّمه. وَقَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن: وَذَلِكَ الَّذِي أقعدني مقعدي هَذَا. وَقَالَ مرّة: " إِن أفضلكم من تعلّم الْقُرْآن وعلمّه ". وَفِيه سهل بن سعد: إِن امْرَأَة أَتَت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، وَقَالَت: إِنَّهَا قد وهبت نَفسهَا لله عزّ وجلّ وَلِرَسُولِهِ - الحَدِيث -. فَقَالَ [رجل] : زوّجنيها - إِلَى قَوْله - زوّجتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن. قلت: رضى الله عَنْك} مُطَابقَة الْأَحَادِيث للتَّرْجَمَة بيّنة إِلَّا حَدِيث سهل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 وظنّ ابْن بطال أَن وَجه مطابقته أَنه زوّجه الْمَرْأَة لحُرْمَة الْقرَاءَات، وَلَيْسَ كَذَلِك. بل معنى قَوْله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : " زوّجتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن " بِأَن تعلّمها مَا مَعَك من الْقُرْآن، فَهُوَ من قبيل التَّزْوِيج على الْمَنَافِع الَّتِي يجوز عقد الْإِجَارَة عَلَيْهَا. وعَلى هَذَا حمله الْأَئِمَّة. وَهُوَ الَّذِي فهمه البُخَارِيّ - رَحمَه الله -، فَأدْخلهُ فِي بَاب تَعْلِيم الْقُرْآن. وَالله أعلم. وَقد ظهر بِهَذَا الحَدِيث فضل الْقُرْآن على صَاحبه فِي الدّين وَالدُّنْيَا، يَنْفَعهُ فِي دينه بِمَا فِيهِ من المواعظ والآيات، وينفعه فِي دُنْيَاهُ، لِأَنَّهُ قَامَ لَهُ مقَام المَال الَّذِي يتوصّل بِهِ إِلَى النِّكَاح وَغَيره من الْمَقَاصِد. (346 - (7) بَاب تَعْلِيم الصّبيان الْقُرْآن.) فِيهِ ابْن جُبَير: قَالَ: إِن الَّذِي تَدعُونَهُ الْمفصل هُوَ الْمُحكم. [وَقَالَ:] قَالَ ابْن عَبَّاس: توفىّ رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَأَنا ابْن عشر سِنِين. وَقد قَرَأت الْمُحكم. قيل لَهُ: وَمَا الْمُحكم؟ قَالَ الْمفصل. قلت: رَضِي الله عَنْك! إِنَّمَا ذكر قَول ابْن جُبَير تَوْطِئَة لتفسير ابْن عَبَّاس الْمُحكم بالمفصل، وَأَنه تعلّمه وَهُوَ صبىّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 وَلَو اسْتشْهد بِمثل " غطّوا أست قارئكم "، وَكَانَ طفْلا لم يلْتَزم ستر عَوْرَته بعد، لَكَانَ أقعد بتعليم الصّبيان. (347 - (8) بَاب نِسْيَان الْقُرْآن، وَهل يَقُول: نسيت آيَة كَذَا وَكَذَا. وَقَوله تَعَالَى:: {ونقرئك فَلَا تنسى} [الْأَعْلَى: 6] . فِيهِ عَائِشَة - رضى الله عَنْهَا - قَالَت: سمع النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- رجلا يقْرَأ فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ: يرحمه الله، لقد أذكرني آيه كَذَا وَكَذَا أسقطتهن فِي سُورَة كَذَا. فِيهِ عبد الله: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : مَا لأَحَدهم يَقُول: نسيت آيَة كَيْت وَكَيْت، بل هُوَ نسّى. قلت: رضى الله عَنْك! ترْجم على نِسْيَان الْقُرْآن، فأضاف النسْيَان إِلَيْهِ، وَذكر الْأَحَادِيث الَّتِي ظَاهرهَا التَّعَارُض. فَقَوله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أسقطتهن من سُورَة كَذَا، يدّل على الْجَوَاز لِأَن الْإِسْقَاط نِسْيَان، وَقد أَضَافَهُ إِلَى نَفسه على أَنه الْفَاعِل، وَإِلَى الْقُرْآن على أَنه الْمُتَعَلّق. وَقَوله: مَا لأَحَدهم يَقُول: نسيت آيَة كَذَا، إنكاراً لهَذَا الْإِطْلَاق، فأفهم أَن محمل الْمَنْع غير محمل الْإِذْن. فَالَّذِي منع أَن يُوهم بِإِطْلَاقِهِ أَنه ترك شَيْئا من كتاب الله، لِأَن " نسى " مُشْتَرك بَين " سَهَا " وَبَين " ترك " قصدا. فَمَا كَانَ موهماً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 منع من إِطْلَاقه. فَأَما قَوْله: " أذكرني آيه أسقطتها "، فَهُوَ صَرِيح فِي السَّهْو بِقَرِينَة قَوْله: " لقد أذكرني فَزَالَ الْوَهم فَجَاز الْإِطْلَاق. وظنّ الشَّارِح أَن النهى عَن قَوْله: " نسيت " من قبيل الزام إِضَافَة الْأَفْعَال إِلَى الله لِأَنَّهُ خَالِقهَا حَقِيقَة، وإضافتها إِلَى الْغَيْر مجَاز. وَهَذَا وهم مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لَا طرد فِي كل فعل، ولعارض قَوْله: " أسقطتهن " ثمَّ هُوَ خلاف الْإِجْمَاع فِي جَوَاز إِضَافَة أَفعَال الْعباد إِلَيْهِم مَعَ الْعلم بِأَنَّهُ مخلوقة لله، فَلَيْسَ إِلَّا مَا قدّمته. وَالله أعلم. وَلِهَذَا خلص الْوَهم بقوله: " هُوَ نسى " لِأَن هَذَا لَا يُوهم التّرْك من نَفسه عمدا، فَتَأَمّله. (348 - (9) بَاب الترتيل فِي الْقُرْآن.) 8 - (ورتل الْقُرْآن ترتيلاً} [المزمل: 4] وَقَوله تَعَالَى: {وقرآناً فرقناه لتقرأه على النَّاس على مكث ونزلناه تَنْزِيلا} [الْإِسْرَاء: 106] . وَمَا يهذّ كهذّ الشّعْر. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: فرقناه: فصلناه. فِيهِ عبد الله: إِن رجلا قَالَ: قَرَأت الْمفصل البارحة، فَقَالَ: هذّا كهذّ الشّعْر. إِنَّا قد سمعنَا الْقِرَاءَة، وَإِنِّي لأحفظ القرناء الَّتِي كَانَ يقْرَأ بهَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ثَمَانِي عشرَة سُورَة من الْمفصل، وسورتين من آل حَامِيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 وَفِيه ابْن عَبَّاس: فِي قَوْله تَعَالَى: {لَا تحرّك بِهِ لسَانك لتعجل بِهِ} قَالَ: كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إِذا نزل جِبْرِيل بِالْوَحْي، وَكَانَ مِمَّا يُحَرك بِهِ لِسَانه وشفتيه، فيشتد عَلَيْهِ. فَأنْزل الله سُبْحَانَهُ: {لَا تحرّك بِهِ لسَانك لتعجل بِهِ} . الحَدِيث. قلت: رضى الله عَنْك {الصَّحِيح فِي قَوْله: {وقرآناً فرقناه} أَن المُرَاد " نزلناه " نجوماً لَا جملَة وَاحِدَة، بِخِلَاف الْكتب الْمُتَقَدّمَة، فَإِنَّهَا نزلت جملَة. وَهَكَذَا معنى: {لتقرأه على النَّاس على مكث} فقرأه عَلَيْهِم حسب نُزُوله فِي ثَلَاث وَعشْرين سنة. وعَلى هَذَا التَّأْوِيل يخرج عَن مَقْصُود التَّرْجَمَة إِلَّا أَن يُقَال: لما أنزلهُ منجّماً مفرقاً، ناسب هَذَا الأناة فِي تِلَاوَته، وَهُوَ معنى الترتيل. (349 _ (10) بَاب حسن الصَّوْت بِالْقِرَاءَةِ.) فِيهِ أَبُو مُوسَى: أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ لَهُ: لقد أُوتيت مزمار من مَزَامِير آل دَاوُد ". قلت: رضى الله عَنْك} حسن الصَّوْت يُطلق على وَجْهَيْن: يُطلق على الغنّة الخلقية، فَهَذَا لَا يترجم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غير مكتسب، وَلَا تَكْلِيف بِهِ. وَيُطلق على تعَاطِي حسن الصَّوْت، فَمن هُوَ خلقه فِيهِ فيزيده حسنا، وممّن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 لَيْسَ خلقه فِيهِ، فيتسلق على أَن يكتسبه. وَهَذَا يدْخل تَحت التَّكْلِيف والترجمة. وليحذر أَن يتَكَلَّف من ذَلِك مَا يفْسد عَلَيْهِ أصل صلَاته إِن كَانَ مُصَليا، أَو أصل الْفضل إِن كَانَ تالياً. فقد رَأينَا بَعضهم يكثر من التنحنح، يزْعم أَنه يصقل حلقه بذلك فِي أثْنَاء الصَّلَاة، فَيبْطل على نَفسه وعَلى مأموميه. (350 _ (11) بَاب قَول الْمُقْرِئ للقارئ: حَسبك.) فِيهِ عبد الله: قَالَ النَّبِي _[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]_ : اقْرَأ على. قلت: يَا رَسُول الله {اقْرَأ عَلَيْك، وَعَلَيْك أنزل؟ قَالَ: نعم. فَقَرَأت سُورَة النِّسَاء، حَتَّى أتيت إِلَى هَذِه الْآيَة: {فَكيف إِذا جِئْنَا من كل أمة بِشَهِيد وَجِئْنَا بك على هَؤُلَاءِ شَهِيدا} [النِّسَاء: 41] . قَالَ: حَسبك. فَالْتَفت إِلَيْهِ، فَإِذا عَيناهُ تَذْرِفَانِ. قلت: رضى الله عَنْك} مدْخل هَذِه التَّرْجَمَة فِي الْفِقْه إزاحة الشُّبْهَة عَمَّن يستمع إِلَى قَارِئ قُرْآن أَو حَدِيث، يعرض لَهُ مَانع من ملل أَو غَيره، فَلهُ أَن يكف الْقَارئ، وَلَا يخرج بِكَوْنِهِ قطع عَلَيْهِ التِّلَاوَة. وَلَا يعد فِيمَن استخفّ بِكِتَاب الله، لِأَن الدّين يسر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 (68 -[كتاب التَّمَنِّي] ) (351 - (1) بَاب مَا يجوز من اللو وَقَوله: {لَو أَن لي بكم قُوَّة} [هود: 80] ) فِيهِ ابْن عَبَّاس: وَذكر المتلاعنين، فَقَالَ عبد الله بن شَدَّاد هِيَ الَّتِي قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لَو كنت راجماً امْرَأَة بِغَيْر بيّنة؟ فَقَالَ: لَا. تِلْكَ امْرَأَة أعلنت. وَفِيه ابْن عَبَّاس: أعتم النَّبِي _[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]_ بالعشاء فَخرج عمر، فَقَالَ: الصَّلَاة يَا رَسُول الله! رقد النِّسَاء وَالصبيان. فَخرج وَرَأسه يقطر يَقُول: لَوْلَا أشقّ على أمتِي لأمرتهم بِالصَّلَاةِ فِي هَذِه السَّاعَة. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي _[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]_ : لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ. وَفِيه أنس: وَاصل النَّبِي _[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]_ آخر الشَّهْر، وواصل أنَاس من النَّاس، فَبلغ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَ: لَو مدّ بى الشَّهْر لواصلت وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم - الحَدِيث -. وَقَالَ مرّة: لَوْلَا تأخري لزدتكم كالمنكّل لَهُم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وَفِيه عَائِشَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . لَوْلَا أَن قَوْمك حَدِيث عَهدهم بالجاهلية فَأَخَاف أَن تنكر قُلُوبهم أَن أَدخل الْجدر بِالْبَيْتِ، وَأَن ألصق بَابه بِالْأَرْضِ. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : لَوْلَا الْهِجْرَة لَكُنْت امْرَءًا من الْأَنْصَار، لَو سلك النَّاس وَاديا وسلكت الْأَنْصَار وَاديا - أَو شعبًا - لَسَلَكْت وادى الْأَنْصَار - أَو شعب الْأَنْصَار -. قلت: رضى الله عَنْك {" لَو " على وَجْهَيْن: للشّرط فِي الْمُضِيّ، وللمنى. فالتي للشّرط خَارِجَة عَن التَّرْجَمَة بالتمني. وَإِنَّمَا الِاشْتِرَاك بَينهمَا لَفْظِي، وَجَمِيع مَا أوردهُ البُخَارِيّ هَهُنَا من قبيل الشّرطِيَّة لَا التَّمَنِّي، إِلَّا قَوْله تَعَالَى: {لَو أَن لى بكم قُوَّة} ، فإدخاله تِلْكَ فِي التَّرْجَمَة منتقد. وَالله أعلم. (69 -[كتاب الْقدر] ) (352 _ (} ) بَاب جف الْقَلَم على علم الله. وَقَوله: وأضله الله على علم.) وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : جف الْقَلَم بِمَا أَنْت لَاق وَقَالَ ابْن عَبَّاس: {لَهَا سَابِقُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 61] سبقت لَهُم السَّعَادَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 قلت: رَضِي الله عَنْك! التَّأْوِيل فِي الْآيَة مُحْتَمل لما أَرَادَ البُخَارِيّ وَهُوَ إِضَافَة الْعلم إِلَى الله. أَي أضلّه الله على علمه الْقَائِم بِأَنَّهُ سَيكون ضَالًّا. وَيحْتَمل: ". وأضلّه الله على علم " من هَذَا الضال بِالْحَقِّ وَلكنه حاد عَن علمه عناداً من قبيل: {وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم} [النَّمْل: 14] وعَلى هَذَا يخرج عَن التَّرْجَمَة. وَالله أعلم. (70 -[كتاب الِاعْتِصَام بِالْكتاب وَالسّنة] ) (353 - (1) بَاب مَا ذكر النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، وحض عَلَيْهِ من اتِّفَاق أهل الْعلم، وَمَا اجْتمع عَلَيْهِ الحرمان مَكَّة وَالْمَدينَة وَمَا كَانَ بهما من مشَاهد النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- والمهاجرين وَالْأَنْصَار، ومصلى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- والمنبر والقبر.) فِيهِ جَابر: إِن أَعْرَابِيًا بَايع النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- على الْإِسْلَام - الحَدِيث - فَقَالَ: أَقلنِي بيعتي - الحَدِيث -. فَقَالَ: إِنَّمَا الْمَدِينَة كالكير تنفى خبثها وتنصع طيبّها. وَفِيه ابْن عَبَّاس: كنت أَقْْرِئ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، فلّما كَانَ آخر حجَّة حجّها عمر. قَالَ عبد الرَّحْمَن بمنى: لَو شهِدت أَمِير الْمُؤمنِينَ أَتَاهُ رجل. فَقَالَ: إِن فلَانا يَقُول: لَو مَاتَ أَمِير الْمُؤمنِينَ فَبَايعْنَا فلَانا. فَقَالَ عمر: لأقومنّ العشية فأحذّر هَؤُلَاءِ الرَّهْط الَّذين يُرِيدُونَ يغصبونهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 قلت: لَا تفعل، فَإِن الْمَوْسِم يجمع رعاع النَّاس، ويغلبون على مجلسك. فَأَخَاف أَن لَا ينزلوها على وَجههَا. ويطيروا بِهِ كل مطير. فأمهل حَتَّى تقدّم الْمَدِينَة دَار الْهِجْرَة وَدَار السنّة. فتخلص بأصحاب النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، ويحفظوا مَقَالَتك، وينزلوها على وَجههَا. الحَدِيث. وَفِيه مُحَمَّد: كُنَّا عِنْد أبي هُرَيْرَة، وَعَلِيهِ ثَوْبَان ممشقان من كتّان، فتمخط فَقَالَ: بخٍ بخٍ أَبُو هُرَيْرَة لقد رَأَيْتنِي وَإِنِّي لأخرّ فِيمَا بَين مِنْبَر النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] إِلَى حجرَة عَائِشَة مغشياً علىّ، فيجئ الجائي فَيَضَع رجله على عنقِي، وَيرى أَنِّي مَجْنُون، وَمَا بى جُنُون، مَا بِي إِلَّا الْجُوع. وَفِيه ابْن عَبَّاس: قيل لَهُ: أشهدت الْعِيد مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ؟ فَقَالَ: نعم {وَلَوْلَا منزلتي مِنْهُ من الصغر مَا شهدتّه. أَتَى الْعلم الَّذِي عِنْد دَار كثير بن الصَّلْت فصلى، ثمَّ خطب. الحَدِيث. وَفِيه ابْن عمر: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- كَانَ يَأْتِي قبَاء رَاكِبًا وماشياً. وَفِيه عَائِشَة: قلت لعبد الله بن الزبير: ادفني مَعَ صواحبي، وَلَا تدفني مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي الْبَيْت، فَإِنِّي أكره أَن أزكى. وَفِيه [هِشَام عَن أَبِيه] أَن عمر أرسل إِلَى عَائِشَة ائذني لى أَن أدفن مَعَ صاحبيّ، فَقَالَت: أَي وَالله} ، وَكَانَ الرجل إِذا أرسل عَلَيْهَا من الصَّحَابَة، قَالَت: لَا وَالله، لَا أوثرهم بِأحد أبدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 وَفِيه أنس: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- كَانَ يصلى الْعَصْر، فَيَأْتِي العوالي، وَالشَّمْس مُرْتَفعَة. قَالَ يُونُس: وَبعد العوالي أَرْبَعَة أَمْيَال أَو ثَلَاثَة. وَفِيه السَّائِب: كَانَ الصَّاع على عهد رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- مدّاً وَثلثا بمدّكم الْيَوْم وَقد زيد [فِيهِ] وَفِيه أنس: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: اللَّهُمَّ بَارك فِي مكيالهم وَبَارك فِي صاعهم ومدّهم - يَعْنِي أهل الْمَدِينَة -. وَفِيه ابْن عمر: أَن الْيَهُود جَاءُوا إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بِرَجُل وَامْرَأَة زَنَيَا فَأمر بهما فَرُجِمَا قَرِيبا من حَيْثُ مَوضِع الْجَنَائِز عِنْد الْمَسْجِد. وَفِيه [أنس] : إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- طلع عَلَيْهِ أحد، فَقَالَ: هَذَا جبل يحبّنا ونحبّه اللَّهُمَّ إِن إِبْرَاهِيم حرّم مَكَّة، وَإِنِّي أحرم مَا بَين لَا بتيها. وَفِيه سهل: إِنَّه كَانَ بَين جِدَار الْمَسْجِد مِمَّا يَلِي الْقبْلَة وَبَين الْمِنْبَر ممرّ الشَّاة. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: مَا بَين بَيْتِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة. ومنبري على حَوْضِي. وَفِيه ابْن عمر: سَابق النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بَين الْخَيل، فَأرْسلت الَّتِي أضمرت مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 وأمدها [إِلَى] الحفياء - إِلَى ثنية الْوَدَاع. [وَالَّتِي لم تضمر أمدها ثنية الْوَدَاع] إِلَى مَسْجِد بني زُرَيْق. وَفِيه ابْن عمر: سَمِعت عمر على مِنْبَر النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ... ". وَفِيه عَائِشَة: كَانَ يوضع لى ولرسول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- هَذَا المركن فنشرع فِيهِ جَمِيعًا. وَفِيه أنس: حَالف النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بَين الْأَنْصَار وقريش فِي دَاري الَّتِي بِالْمَدِينَةِ. وقنت شهرا يَدْعُو على أَحيَاء من بني سليم. وَفِيه أَبُو بردة: قدمت الْمَدِينَة فلقينى عبد الله بن سَلام، فَقَالَ لى: انْطلق إِلَى الْمنزل فأسقيك فِي قدح شرب فِيهِ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . وتصلى فِي مَسْجِد صلى فِيهِ [النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ] . فَانْطَلَقت مَعَه فسقاني سويقا، وأطعمني تَمرا وصلّيت فِي مَسْجده. وَفِيه عمر: أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: أَتَانِي اللَّيْلَة آتٍ من رَبِّي، وَهُوَ بالعقيق، أَن صلّ فِي هَذَا الْوَادي الْمُبَارك، وَقل: عمْرَة وَحجَّة. وَفِيه ابْن عمر: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أرى فِي معرسه، وَهُوَ بذى الحليفة، فَقيل لَهُ: إِنَّك ببطحاء مباركة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 وَفِيه ابْن عمر: وَقت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قرنا لأهل [نجد] ، والجحفة لأهل الشَّام، وَذَا الحليفة لأهل الْمَدِينَة. وَبَلغنِي أَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: وَلأَهل الْيمن يَلَمْلَم، وَذكر لَهُ الْعرَاق، فَقَالَ: لم يكن عراق يَوْمئِذٍ. قلت: رضى الله عَنْك! ذكر هَذِه التَّرْجَمَة فِي " كتاب الِاعْتِصَام "، فساق فِيهَا الْأَحَادِيث والْآثَار الَّتِي تَضَمَّنت ذكر مَا يسْتَحق أَن يعتصم بِهِ، ويتيمّن من بقْعَة تخْتَار للسُّكْنَى، وتقصد للبركة، ويعتمد على أَهلهَا فِي أَحْكَام الْملَّة، ونوازل الدّين كالمدينة. وَحَدِيث ابْن عَوْف أقعد بِهَذَا الْمَعْنى، فَإِن الْمَدِينَة عَادَتْ عَلَيْهَا وعَلى أَهلهَا بركَة النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- حَيا وَمَيتًا، حَتَّى حركاته الجبلية، فضلا عَن الشَّرْعِيَّة تفيدها خُصُوصِيَّة، وتزيدها مزية، مثل خُرُوجه إِلَى " العوالي " على الْوَجْه الَّذِي صَارَت مسافتها معلما من معالم الصَّلَاة. وَلذكر دَار فلَان الَّذِي اشتهرت مبانيها فِي هَذَا الحَدِيث فَصَارَت مشهداً للصَّلَاة. وعَلى الْجُمْلَة فَإِذا كَانَت مواطنها ومساكنها مفضلة مقتدى بهَا فِي الْأَحْكَام مَوَاقِيت ومشاهد. فَكيف ساكنها وعالمها؟ . فَإِذا كَانَ جبلها قد تميزّ على الْجبَال. فَكيف لَا يتَمَيَّز عالمها على الْعلمَاء فِي مزية الْكَمَال؟ وَإِذا عَادَتْ بركَة كَون النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- على الجمادات بالسعادات فَكيف لَا تعود بركته على أهل الديانَات بالمزايا والزيادات؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 فرحمه الله على مَالك لقد أنزلهَا منزلهَا، وَعَفا الله عَمَّن كثر عَلَيْهِ فِي الِاحْتِجَاج بإجماعها، وَلَقَد تريّب بِالشُّبْهَةِ وقنع بسماعها وإسماعها. وَظهر لى من تَرْجَمَة البُخَارِيّ أَن الله شرح صَدره لما شرح لَهُ صدر مَالك من تفضيلها، وَمن قَاعِدَته فِي الِاعْتِبَار بإجماعها على جُمْلَتهَا وتفضيلها. وَالله أعلم. (354 - (2) بَاب قَول الله عز وَجل {لَيْسَ لَك من الْأَمر شئ} [آل عمرَان: 128] ) فِيهِ ابْن عمر: سمع النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَقُول فِي صَلَاة الْفجْر: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد فِي الْآخِرَة - ثمَّ قَالَ -: اللَّهُمَّ الْعَن فلَانا وَفُلَانًا فَأنْزل الله تَعَالَى: {لَيْسَ لَك من الْأَمر شئ أَو يَتُوب عَلَيْهِم أَو يعذبّهم فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ} [آل عمرَان: 128] قلت: رضى الله عَنْك! أَدخل البُخَارِيّ هَذِه التَّرْجَمَة فِي كتاب الِاعْتِصَام بِالسنةِ ليحقق أَن الِاعْتِصَام فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ بِاللَّه، لَا بِذَات الرَّسُول -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . إِذا الرَّسُول -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- معتصم بِأَمْر الله، لَيْسَ لَهُ من الْأَمر بِشَيْء إِلَّا التَّبْلِيغ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 والتبليغ أَيْضا من فضل الله وعونه. أَلا إِلَى الله تصير الْأُمُور. (355 - (3) بَاب قَول الله عزّوجلّ: {وَكَانَ الْإِنْسَان أَكثر شَيْء جدلاً} [الْكَهْف: 54] . وَقَوله تَعَالَى: {وَلَا تجادلوا أهل الْكتاب إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن} [العنكبوت: 46] .) فِيهِ عَليّ: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- طرقه وَفَاطِمَة بنت رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَ لَهما: أَلا تصلّون؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله إِنَّمَا أَنْفُسنَا بيد الله، فَإِذا شَاءَ أَن يبعثنا بعثنَا. فَانْصَرف النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَلم يرجع إِلَيْهِ شَيْئا. وَهُوَ مُدبر يضْرب فَخذه وَهُوَ يَقُول: {وَكَانَ الْإِنْسَان أَكثر شَيْء جدلاً} [الْكَهْف: 54] . وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- انْطَلقُوا إِلَى يهود، فخرجنا مَعَه حَتَّى جِئْنَا إِلَى بَيت الْمِدْرَاس. فناداهم النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَا معشر الْيَهُود: أَسْلمُوا تسلموا. فَقَالُوا: بلغت يَا أَبَا الْقَاسِم {فَقَالَ: ذَلِك أُرِيد، أَسْلمُوا تسلموا. فَقَالُوا: قد بلّغت - قَالَهَا ثَلَاثًا -؟ . قَالَ: اعلموا أنمّا الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ. وَإِنَّمَا أُرِيد أَن أجليكم من هَذِه الأَرْض، فَمن وجد مِنْكُم بِمَالِه شَيْئا فليبعه، وإلاّ فاعلموا أَنما الأَرْض لله وَلِرَسُولِهِ. قلت: رَضِي الله عَنْك} أَدخل الْجِدَال الْمَذْكُور فِي الْآيَة فِي كتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 " الِاعْتِصَام " لينّبه على أَن المذموم مِنْهُ ضدّ الِاعْتِصَام فَيجب تَركه. والمحدود مَعْدُود من الِاعْتِصَام. مثل الأوّل بِالْآيَةِ الأولى، وَالثَّانِي بِالثَّانِيَةِ. (356 - (4) بَاب الْحجَّة على من قَالَ: إِن أَحْكَام النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- كَانَت ظَاهِرَة. وَمَا كَانَ يغيب بَعضهم عَن مشَاهد النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَأُمُور الْإِسْلَام) فِيهِ أَبُو مُوسَى: إِنَّه اسْتَأْذن عمر فَوَجَدَهُ مَشْغُولًا، فَرجع. فَقَالَ عمر: ألم نسْمع صَوت عبد الله بن قيس؟ ائذنوا لَهُ، فدعى بِهِ. فَقَالَ: مَا حملك على مَا صنعت؟ فَقَالَ: كُنَّا نؤمر بِهَذَا. قَالَ: لتأتينى على هَذَا ببيّنة أَو لأفعلنّ بك. فَانْطَلق إِلَى مجْلِس الْأَنْصَار، فَقَالُوا: لَا يشْهد إِلَّا أصاغرنا، فَقَامَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، فَقَالَ: كُنَّا نؤمر بِهَذَا. فَقَالَ عمر: خفى علىّ هَذَا من أَمر النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ألهاني الصفق بالأسواق. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: إِنَّكُم تَزْعُمُونَ أَن أَبَا هُرَيْرَة يكثر الحَدِيث عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَالله الْموعد، إنى كنت أمرءاً مِسْكينا ألزم النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- على ملْء بَطْني. وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يشغلهم الصفق بالأسواق، وَكَانَت الْأَنْصَار يشغلهم الْقيام على أَمْوَالهم، فَشَهِدت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ذَات يَوْم، قَالَ: من يسبط رادءه حَتَّى اقضى مَقَالَتي ثمَّ يقبضهُ فَلَنْ ينسى شَيْئا سَمعه منى. فبسطت بردة كَانَ علىّ. فوالذي بَعثه بِالْحَقِّ مَا نسيت شَيْئا سمعته مِنْهُ. قلت: رضى الله عنكّ ردّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة وَمَا مَعهَا قَول من زعم أَن التَّوَاتُر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 شَرط قبُول الْخَبَر وحقّق بِمَا ذكره قبُول خبر الْآحَاد، وَأدْخلهُ فِي الِاعْتِصَام، لِأَن التَّمَسُّك بِهِ وَاجِب. (357 - (5) بَاب الْأَحْكَام الَّتِي تعرف بالدلائل، وَكَيف معنى الدّلَالَة وتفسيرها؟) قد أخبر النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بِأَمْر الْخَيل، ثمَّ سُئِلَ عَن الْحمر فدلّهم على قَوْله: {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره} [الزلزلة: 7] . وَسُئِلَ عَن الضبّ، فَقَالَ: لَا آكله وَلَا أحرّمه. وَأكل على مائدة النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، فاستدل ابْن عَبَّاس أَنه لَيْسَ بِحرَام. فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: الْخَيل لثَلَاثَة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعَلى رجل وزر - الحَدِيث -. وَسُئِلَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- عَن الْحمر، فَقَالَ: مَا أنزل الله علىّ فِيهَا إِلَّا هَذِه الْآيَة الفاذة الجامعة: {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرّة خيرا يره} . وَفِيه عَائِشَة إِن امْرَأَة سَأَلت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- عَن الْحيض كَيفَ تَغْتَسِل مِنْهُ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 قَالَ: تأخذين فرْصَة ممسكة فتوضئ بهَا. قَالَت عَائِشَة: فَعرفت الَّذِي يُرِيد النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فجذبتها إلىّ فعلّمتها. وَفِيه ابْن عَبَّاس: إِن أمّ حفيد أَهْدَت إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- سمناً وإقطا، وأضباً، فعا بِهن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فأكلن على مائدته. فَتَرَكَهُنَّ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- كالمتقذر لَهُ. وَلَو كنّ حَرَامًا مَا أكلن [على] مائدته، وَلَا أَمر بأكلهن. وَفِيه جَابر: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : من أكل ثوماً أَو بصلاً فليعتزلنا أَو ليعتزل مَسْجِدنَا - وليقعد فِي بَيته. وَإنَّهُ أَتَى ببدر - وَقَالَ ابْن وهب: يَعْنِي طبقًا فِيهِ خضرات من بقول - فَوجدَ لَهَا ريحًا فَسَأَلَ عَنْهَا فَأخْبر بِمَا فِيهَا من الْبُقُول. فَقَالَ: قرّبوها إِلَى بعض أَصْحَابه كَانَ مَعَه. فلمّا رَآهُ كره أكلهَا. قَالَ: " كل، فَإِنِّي أُنَاجِي من لَا تناجي ". وَقَالَ ابْن وهب: " بِقدر فِيهِ خضرات ". وَفِيه جُبَير بن مطعم: إِن امْرَأَة أَتَت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وكلمته بِشَيْء، فَأمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 بهَا. فَقَالَت: أَرَأَيْت يَا رَسُول الله {إِن لم أجدك. فَقَالَ: إِن لم تجديني فائتى أَبَا بكر. وَزَاد لنا الحميديّ عَن إِبْرَاهِيم بن سعد: " كَأَنَّهَا تعنى بِالْمَوْتِ ". قلت: رضى الله عَنْك} أَدخل هَذِه التَّرْجَمَة فِي كتاب الِاعْتِصَام تحذيراً من الاستبداد بِالرَّأْيِ فِي الشَّرِيعَة، وتنبيهاً على الرأى الْمَحْمُود فِيهَا، وَهُوَ الْمُسْتَند إِلَى قَول النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَو إِشَارَته أَو قرينَة حَاله، أَو فعله، أَو سُكُوته عَن فعل إِقْرَارا عَلَيْهِ. ويندرج فِي هَذَا الاستنباط التَّعَلُّق بِمَا وَرَاء الظَّاهِر وَعدم الجمود عَلَيْهِ، فَدخل فِي ذَلِك تَصْحِيح الرَّأْي المنضبط، والردّ على الظَّاهِرِيَّة وَغَيرهم. وَبِذَلِك تبيّن مَا هُوَ اعتصام مِمَّا هُوَ استبداد واسترسال. (358 - (6) بَاب النَّهْي عَن التَّحْرِيم إِلَّا مَا تعرف إِبَاحَته) وَكَذَلِكَ الْأَمر نَحْو قَوْله: " حِين أحلّوا ": أصيبوا من النِّسَاء. قَالَ جَابر: وَلم يعزم عَلَيْهِم ولكنّه أحلهن لَهُم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 وَقَالَت أم عَطِيَّة نهينَا عَن إتباع الْجَنَائِز، وَلم يعزم علينا. فِيهِ جَابر: أَهْلَلْنَا - أَصْحَاب النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي الْحَج خَالِصا لَيْسَ مَعَه عمْرَة. فَقدم النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- صبح رَابِعَة مَضَت من ذِي الْحجَّة. فلمّا قدمنَا أَمر النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَن نحلّ. وَقَالَ: أحلّوا وأصيبوا من النِّسَاء. قَالَ جَابر: وَلم يعزم عَلَيْهِم، وَلَكِن أحلهن لَهُم. فَبَلغهُ أَنا نقُول: - لما لم يكن بَيْننَا وَبَين عَرَفَة إِلَّا خمس - أمرنَا أَن نحلّ إِلَى نسائنا، فنأتى عَرَفَة تقطر مذاكيرنا المنى. فَقَامَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقَالَ: قد علمْتُم أَنى أَتْقَاكُم لله وأبرّكم وأصدقكم، وَلَوْلَا هدى لَحللت كَمَا تحلّون فحلّوا. فَلَو اسْتقْبلت من أمرى مَا اسْتَدْبَرت مَا أهديت. فَحَلَلْنَا وَسَمعنَا وأطعنا. وَفِيه عبد الله الْمُزنِيّ: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : صلّو قبل صَلَاة الْمغرب. - وَقَالَ فِي الثَّالِثَة لمن شَاءَ، كَرَاهِيَة أَن يتّخذها النَّاس سنّة. وَفِيه جُنْدُب: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : اقْرَأ وَالْقُرْآن مَا ائتلفت قُلُوبكُمْ فَإِذا اختلفتم فَقومُوا عَنهُ. وَفِيه ابْن عَبَّاس: لمّا حضر النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وَفِي الْبَيْت رجال فيهم عمر بن الْخطاب - فَقَالَ: هلمّ أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده. قَالَ عمر: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 غَلبه الوجع، وعندكم الْقُرْآن، فحسبنا كتاب الله عزّو جلّ. وَاخْتلف أهل الْبَيْت واختصموا، فَمنهمْ من يَقُول: قرّبوا، يكْتب لكم رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- كتابا لن تضلّوا بعده. وَمِنْهُم من يَقُول مَا قَالَ عمر. فلمّا كثر اللَّغط وَالِاخْتِلَاف عِنْد النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: قومُوا عنىّ. فَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: إِن الرزيّة كل الرزّية مَا حَال بَين أَن يكْتب لَهُم رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- الْكتاب من أجل اخْتلَافهمْ ولغطهم. قلت: رَضِي الله عَنْك! قصد بِهَذِهِ التَّرْجَمَة التَّنْبِيه على أَن الْمُخَالفَة الَّتِي وَقعت أَحْيَانًا لما طلب مِنْهُم لم تكن عُدُولًا عَن الِاعْتِصَام إِذْ لم يخالفوا وَاجِبا وَلم يُؤثر عَنْهُم ذَلِك. وصور الْمُخَالفَة فَهموا فِيهَا عدم الْعَزْم عَلَيْهِم وتمكينهم من بعض الْخيرَة. وَهَذَا فِي الْحَقِيقَة لَيْسَ خلافًا، وَلكنه إِخْبَار لما كَانَ لَهُم فِيهِ خِيَار، وَإِن كَانَ الْعلمَاء الْمُحَقِّقُونَ أَنْكَرُوا اجْتِمَاع الطّلبَة والخيرة وَلَو كَانَ الطّلب ندبا، وعدّوا ذَلِك تناقضاً لَا سَبِيل إِلَيْهِ شرعا، وَلَا يُوجد من الْعلمَاء من أجَاز ذَلِك وَهُوَ نفس البُخَارِيّ. وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم. (71 -[كتاب التَّوْحِيد] ) (359 - (1) بَاب قَوْله تَعَالَى: {إنى أَنا الرَّزَّاق ذُو القوّة المتين} ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 فِيهِ أَبُو مُوسَى: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- مَا أحد أَصْبِر على أَذَى سَمعه من الله، يدّعون لَهُ الْوَلَد، ثمَّ يعافيهم ويرزقهم. قلت: رضى الله عَنْك! وَجه مُطَابقَة الحَدِيث لِلْآيَةِ على صِفَتي الرزق وَالْقُوَّة أَي الْقُدْرَة. أما الرَّزَّاق فَوَاضِح بقوله: " ويرزقهم ". أما الْقُدْرَة وَالْقُوَّة فبقوله: " مَا أحد أَصْبِر على أَذَى سَمعه من الله عزّ وجلّ " فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى قدرَة الله على الْإِحْسَان إِلَيْهِم مَعَ كفرهم بِهِ. وَأما الْبشر فَإِنَّهُ لَا يقدر على الْإِحْسَان إِلَى المسئ طبعا وَكَيف يتكلّف ذَلِك شرعا، لِأَن الَّذِي يحمل على الْمُكَافَأَة والمسارعة بالعقوبة خوف الْفَوْت. وَالله سُبْحَانَهُ قَادر أزلاً وأبداً، لَا يعجزه شئ وَلَا يفوتهُ. والتلاوة: {إِن الله هُوَ الرَّزَّاق ذُو الْقُوَّة المتين} [الذاريات: 58] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 (360 - (2) بَاب قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ الله سميعا بَصيرًا} [النِّسَاء: 143] .) وَقَالَت عَائِشَة: الْحَمد لله الَّذِي وسع سَمعه الْأَصْوَات. فَأنْزل الله تَعَالَى: {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} [المجادلة: 1] . فِيهِ أَبُو مُوسَى: كنّا مَعَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فِي سفر، فكنّا إِذا علونا كبّرنا، فَقَالَ: أربعوا على أَنفسكُم، فَإِنَّكُم لَا تدعون أصمّ وَلَا غَائِبا، تدعون سميعاً بَصيرًا - الحَدِيث -. وَفِيه أَبُو بكر الصّديق - رَضِي الله عَنهُ: إِنَّه قَالَ للنَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : علّمني دُعَاء أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتي قَالَ: " قل: اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا، وَلَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت، فَاغْفِر لي مغْفرَة من عنْدك، إِنَّك أَنْت الغفور الرَّحِيم. وَفِيه عَائِشَة - رضى الله عَنْهَا -: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : إِن جِبْرِيل ناداني فَقَالَ: إِن الله سمع قَول قَوْمك وَمَا ردّوا عَلَيْك. قلت: رَضِي الله عَنْك! الْأَحَادِيث مُطَابقَة للتَّرْجَمَة إِلَّا حَدِيث أبي بكر فَلَيْسَ فِيهِ صِفَتي السّمع وَالْبَصَر، غير أَنه قَالَ: " أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتي " وَلَوْلَا أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 سمع الله سُبْحَانَهُ يتَعَلَّق بالسرّ وأخفى لما أَفَادَ الدُّعَاء فِي الصَّلَاة سرّاً. (361 - (3) بَاب السُّؤَال بأسماء الله والاستعاذة بهَا.) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إِذا جَاءَ أحدكُم فرَاشه فلينفضه بصنفة ثَوْبه ثَلَاث مرّات وَليقل: " بِاسْمِك ربّى وضعت جَنْبي، وَبِك أرفعه، إِن أَمْسَكت نفس فَاغْفِر لَهَا، وَإِن أرسلتها فاحفظها بِمَا تحفظ بِهِ عِبَادك الصَّالِحين. وَفِيه حُذَيْفَة: كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إِذا أَوَى إِلَى فرَاشه قَالَ: " اللَّهُمَّ بِاسْمِك أَحْيَا وأموت ". وَإِذا أصبح قَالَ: " الْحَمد لله الَّذِي أَحْيَانًا بعد مَا أماتنا وَإِلَيْهِ النشور ". وَفِيه ابْن عَبَّاس: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- لَو أَن أحدهم إِذا أَرَادَ أَن يأتى أَهله قَالَ: " باسم الله اللَّهُمَّ جنبّنا الشَّيْطَان، وجنّب الشَّيْطَان مَا رزقتنا ". فَإِنَّهُ إِن يقدّر بَينهمَا ولدٌ فِي ذَلِك لم يضّره الشَّيْطَان. وَفِيه عدي: سَأَلت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَقلت: أرسل كلابى المعلّمة؟ فَقَالَ: إِذا أرْسلت كلابك المعلّمة، وَذكرت اسْم الله فأمسكن فَكل - الحَدِيث -. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 وَفِيه عَائِشَة: قَالُوا يَا رَسُول الله {إِن هُنَا أَقْوَامًا حَدِيث عهد بشرك يَأْتُوا بلحمان لَا نَدْرِي يذكرُونَ اسْم الله علينا أم لَا؟ قَالَ: اذْكروا اسْم الله وكلوا. وَفِيه أنس: ضحىّ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- بكبشين يسمّى ويكبّر. وَفِيه جُنْدُب: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ يَوْم النَّحْر: من ذبح قبل أَن يصلّى فليذبح مَكَانهَا أُخْرَى. وَمن لم يذبح فليذبح باسم الله. وَفِيه ابْن عمر: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ فَمن كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه. قلت: رَضِي الله عَنْك} مَقْصُوده بالترجمة التَّنْبِيه على أَن الِاسْم هُوَ المسمّى، وَلذَلِك صحّت الِاسْتِعَاذَة والاستعانة. وَظهر ذَلِك فِي قَوْله: " بِاسْمِك وضعت جَنْبي وَبِك أرفعه ". فأضاف الْوَضع إِلَى الِاسْم وَالرَّفْع إِلَى الذَّات دلّ على أَن الِاسْم هُوَ الذَّات. وَبهَا يستعان رفعا ووضعاً، لَا بِاللَّفْظِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 (362 - (4) بَاب قَوْله تَعَالَى: {ويحذّركم الله نَفسه} [آل عمرَان: 28 - 30] . وَقَوله تَعَالَى: {تعلم مَا فِي نفسى وَلَا أعلم مَا فِي نَفسك} [الْمَائِدَة: 116] .) فِيهِ عبد الله: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : مَا من اُحْدُ أغير من الله. وَمن أجل ذَلِك حرّم الْفَوَاحِش. وَمَا أحد أحبّ إِلَيْهِ الْمَدْح من الله. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : لما خلق الله الْخلق كتب فِي كِتَابه - وَهُوَ يكْتب على نَفسه، وَهُوَ وضع عِنْده على الْعَرْش -: " إِن رحمتى تغلب غَضَبي ". فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : " يَقُول الله: أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي، وَأَنا مَعَه إِذا ذَكرنِي، فَإِذا ذَكرنِي فِي نَفسه ذكرته فِي نَفسِي، وَإِذا ذَكرنِي فِي مَلأ ذكرته فِي مَلأ خير مِنْهُم. وَإِن تقرّب مني شبْرًا تقرّبت مِنْهُ ذِرَاعا. وَإِن تقرّب إلىّ ذِرَاعا تقرّبت إِلَيْهِ باعاً. وَمن أَتَانِي يمشى أَتَيْته هرولة. قلت: رَضِي الله عَنْك! ترْجم على ذكر النَّفس فِي حق الْبَارِي جلّ جَلَاله وَجَمِيع مَا ذكره يشْتَمل على ذَلِك إِلَّا حَدِيث عبد الله الْمَذْكُور أوّلاً، فَلَيْسَ للنَّفس فِيهِ ذكر. فَوجه مطابقته - وَالله أعلم - أَنه صدّر الْكَلَام بِأحد. و " أحد " الْوَاقِع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 فِي النَّفْي عبارَة عَن النَّفس على وَجه مَخْصُوص، وَلَيْسَ هُوَ اُحْدُ فِي قَوْله تَعَالَى: {قل هُوَ الله أحد} ، هذاك من الْوحدَة أَي الْوَاحِد. وَهَذَا كلمة مترجلة فِي النَّفْي لبنى آدم، هَذَا أَصله. فَإِذا قَالَ الْقَائِل: " مَا فِي الْبَيْت أحد " لم يفهم إِلَّا نفى الأناس. وَلِهَذَا كَانَ قَوْلهم: " مَا فِي الدَّار أحد إِلَّا وتداً " اسْتثِْنَاء من غير الْجِنْس. وَمُقْتَضى الحَدِيث إِطْلَاقه على الْحق، لِأَنَّهُ لَوْلَا صِحَة الْإِطْلَاق مَا انتظم الْكَلَام، كَمَا لَا يَنْتَظِم فِي مثل قَول الْقَائِل: " مَا أحسن من ثوبي "، إِذْ الثَّوْب لَيْسَ من الأحدييّن، بِخِلَاف " أحد " أعلم من زيد لِأَن زيدا من الأحديين. (363 - (5) بَاب قَوْله تَعَالَى: {ولتصنع على عَيْني} [طه: 39]- تغذي - وَقَوله: {تجرى بأعيننا} [الْقَمَر: 14] .) فِيهِ ابْن عمر: ذكر الدَّجَّال عِنْد النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، فَقَالَ: إِن الله لَا يخفى عَلَيْكُم. إِن الله لَيْسَ بأعور - أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عينه -، وَإِن الْمَسِيح الدَّجَّال أَعور عين الْيُمْنَى. وَفِيه أنس: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : مَا بعث الله من نبيّ إِلَّا أنذر قومه الْأَعْوَر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 الْكذَّاب. إِنَّه أَعور وَإِن ربّكم لَيْسَ بأعور، مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ " كَافِر ". قلت: رضى الله عَنْك! وَجه الِاسْتِدْلَال على إِثْبَات الْعين لله، لَا بِمَعْنى الْجَارِحَة من قَوْله: " إِن الله لَيْسَ بأعور "، إِن العور عرفا عدم الْعين، وضد العور ثُبُوت الْعين. فلمّا نفى عَن الْحق جلّ جَلَاله هَذِه النقيصة وَهِي عدم الْعين لزم ثُبُوت الْكَمَال بضدها، وَهُوَ وجود الْعين، وعَلى التَّمْثِيل والتقريب للفهم، لَا على معنى إِثْبَات الْجَارِحَة. وَبَين الْمُتَكَلِّمين خلاف فِي مُقْتَضى لفظ الْعين وَنَحْوهَا: فَمنهمْ من جعلهَا صِفَات سمعية أثبتها السّمع لَهُ، وَلم يهتد إِلَيْهِ الْعقل. وَكَذَلِكَ الْوَجْه وَالْيَد وَالْجنب. وَمِنْهُم من جعلهَا كِنَايَة عَن صفة الْبَصَر. وَالْيَد كِنَايَة عَن صفة الْقُدْرَة. وَمِنْهُم من آمن بهَا إِيمَانًا بِالْغَيْبِ، وفوّض فِي مَعْنَاهَا إِلَى الله تَعَالَى. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 (364 - (6) بَاب قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ عَرْشه على المَاء} [هود: 7] . {وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم} [التَّوْبَة: 129] .) قَالَ أَبُو الْعَالِيَة: {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} ارْتَفع: {فسوّاهن} خَلقهنَّ. وَقَالَ مُجَاهِد: اسْتَوَى [علا] على الْعَرْش. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: الْمجِيد: الْكَرِيم، والودود: الحبيب. يُقَال حميد مجيد، كَأَنَّهُ فعيل من ماجد، ومحمود من حميد. فِيهِ عمرَان: قَالَ إِنِّي عِنْد النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- إِذْ جَاءَهُ وَفد من بنى تَمِيم فَقَالَ: اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أهل الْيمن إِذا لم يقبلهَا بَنو تَمِيم. فَقَالُوا: قبلنَا، جئْنَاك لنتفقّه فِي الدّين، ولنسألنّك عَن أوّل هَذَا الْأَمر مَا كَانَ. قَالَ: كَانَ الله وَلم يكن شَيْء قبله وَكَانَ عَرْشه على المَاء. ثمَّ خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض، وَكتب فِي الذّكر كل شَيْء. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ يَمِين الله ملأى - الحَدِيث -. وَفِيه أنس: جَاءَ زيد بن حَارِثَة يشكو، فَجعل النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَقُول: " اتّق الله، وَأمْسك عَلَيْك زَوجك ". وَكَانَت [زَيْنَب] تَفْخَر على أَزوَاج النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] [تَقول] : زوّجكن أهاليكن، وزوّجني الله من فَوق سبع سماوات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ الله لما قضى الْخلق كتب فَوق عَرْشه: " إِن رحمتى سبقت غَضَبي: " وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من آمن بِاللَّه وَرَسُوله، وَأقَام الصَّلَاة وَصَامَ رَمَضَان، كَانَ حَقًا على الله أَن يدْخلهُ الجنّة. هَاجر فِي سَبِيل الله أَو جلس فِي أرضه الَّتِي ولد فِيهَا. قَالُوا: يَا رَسُول الله {أَفلا ننبئى النَّاس بذلك، قَالَ: إِن فِي الجنّة مائَة دَرَجَة أعدّها الله تَعَالَى للمجاهدين فِي سَبيله، كل دَرَجَتَيْنِ مَا بَينهمَا كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض. فَإِذا سَأَلْتُم الله فَاسْأَلُوهُ الفردوس فَإِنَّهُ أَوسط الجنّة، وَأَعْلَى الجنّة. وفوقه عرش الرَّحْمَن. وَمِنْه تنفجر أَنهَار الجنّة. وَفِيه أَبُو ذَر: دخلت الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- جَالس. فلمّا غربت الشَّمْس قَالَ: يَا أَبَا ذَر} هَل تدرى أَيْن تذْهب هَذِه؟ قَالَ: قلت: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: إِنَّهَا تذْهب تستأذن فِي السُّجُود فَيُؤذن لَهَا. وَكَأَنَّهَا قد قيل لَهَا: ارجعي من حَيْثُ خرجت، فَتَطلع من مغْرِبهَا، ثمّ قَرَأَ: {ذَلِك مُسْتَقر لَهَا} . فِي قِرَاءَة عبد الله. وَفِيه زيد: أرسل إلىّ أَبُو بكر الصّديق فتتبّعت الْقُرْآن حَتَّى وجدت آخر سُورَة التَّوْبَة مَعَ خُزَيْمَة - أَو أبي خُزَيْمَة - الْأنْصَارِيّ لم أَجدهَا مَعَ غَيره: {لقد جَاءَكُم رَسُول الله من أَنفسكُم} [التَّوْبَة: 128] حَتَّى خَاتِمَة بَرَاءَة - يعْنى: {وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم} [التَّوْبَة: 129] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 وَفِيه ابْن عَبَّاس: كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يَقُول عِنْد الكرب: لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَلِيم الْحَكِيم، لَا إِلَه إِلَّا الله رب الْعَرْش الْعَظِيم، لَا إِلَه إِلَّا الله ربّ السَّمَوَات وَرب الأَرْض وَرب الْعَرْش الْكَرِيم. وَفِيه أَبُو سعيد: عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: النَّاس يصعقون يَوْم الْقِيَامَة، فَإِذا أَنا بمُوسَى آخذ بقائمة من قَوَائِم الْعَرْش. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- فَأَكُون أوّل من يبْعَث فَإِذا مُوسَى آخذ بالعرش. قلت: رضى الله عَنْك! ترْجم على ذكر الْعَرْش للتّنْبِيه على أَنه مَخْلُوق حَادث مرتسم بسمات الْحُدُوث، متصف بِصِفَات الْإِمْكَان. وكلمّا ذكره مُشْتَمل على ذكر الْعَرْش إِلَّا قَوْله: " قَالَ ابْن عَبَّاس: الْمجِيد الْكَرِيم،. والودود: الحبيب، فَقَالَ: حميد مجيد، كَأَنَّهُ فعيل من ماجد، ومحمود من حميد " فَهَذَا الْفضل لَا يتَعَلَّق بالعرش، وَلكنه نبّه على لَطِيفَة وَهِي أَن الْمجِيد فِي قَوْله: " على قِرَاءَة الْكسر - لَا يتخيّل أَنَّهَا صفة الْعَرْش، وَأَنه بذلك قديم، بل هِيَ صفة الْحق، بِدَلِيل قِرَاءَة الرّفْع. وبدليل اقترانها " بالودود " وَهِي صفة الْحق، فَيكون الْكسر على الْجوَار حينئذٍ. وَالله أعلم. (365 - (7) بَاب قَوْله تَعَالَى: {تعرج الْمَلَائِكَة وَالروح} [المعارج: 4] . وَقَوله تَعَالَى: {إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب} [فاطر: 10] ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 قَالَ ابْن عَبَّاس: بلغ أَبَا ذَر مبعث النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، فَقَالَ لِأَخِيهِ: اعْلَم لي علم هَذَا الرجل الَّذِي يزْعم أَنه يَأْتِيهِ الْخَبَر من السَّمَاء. وَقَالَ مُجَاهِد: الْعَمَل الصَّالح يرفع الْكَلم الطّيب. وَيُقَال، ذِي المعارج: الْمَلَائِكَة تعرج إِلَى الله. فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- قَالَ: يتعاقبون فِيكُم مَلَائِكَة بِاللَّيْلِ وملائكة بِالنَّهَارِ، ويجتمعون فِي صَلَاة الْعَصْر وَصَلَاة الْفجْر، ثمَّ يعرج الَّذين باتوا فِيكُم فيسألهم رَبهم - الحَدِيث -. وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من تصدق بِعدْل تَمْرَة من كسب طيّب وَلَا يصعد إِلَى السَّمَاء إِلَّا الطيّب. وَفِيه ابْن عَبَّاس: إِن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- كَانَ يَدْعُو بِهن عِنْد الكرب: لَا إِلَه إِلَّا الله الْعَلِيم الْحَلِيم رب الْعَرْش الْعَظِيم، لَا إِلَه إِلَّا الله رب السَّمَوَات وربّ الْعَرْش الْكَرِيم. وَفِيه أَبُو سعيد: بعث على إِلَى النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- من الْيمن بذهيبة فِي تربَتهَا فَقَسمهَا بَين أَرْبَعَة فتغضبت قُرَيْش وَالْأَنْصَار. وَقَالُوا: يعْطى صَنَادِيد أهل نجد، ويدعنا. قَالَ: إنّما أتألفهم. فَأقبل رجل غائر الْعَينَيْنِ، نأتى الجبين، كثّ اللِّحْيَة، مشرق الوجنتين، محلوق الرَّأْس، فَقَالَ: يَا مُحَمَّد! اتقّ الله. قَالَ: فَمن يُطِيع الله إِذا عصيته. فيأمني على أهل الأَرْض، وَلَا تأمنوني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 وَفِيه أَبُو ذَر: سَأَلت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- عَن قَوْله: {وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا} [يس: 38] . قَالَ مستقرها تَحت الْعَرْش. قلت: رَضِي الله عَنْك! جَمِيع مَا سَاقه فِي التَّرْجَمَة مُطَابق لَهَا من ذكر العروج والصعود نَحْو ذَلِك، إِلَّا حَدِيث ابْن عَبَّاس، فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا قَوْله: " رب الْعَرْش الْعَظِيم ". فَوجه مطابقته - وَالله أعلم - أَنه نبّه على بطلَان قَول من أثبت الْجِهَة والحيّز. وَفهم من قَوْله: " ذِي المعارج " أَن العلوّ الفوقي مُضَاف إِلَى الْحق على ظَاهره. فبيّن البُخَارِيّ أنّ الْجِهَة الَّتِي يصدق عَلَيْهَا أَنَّهَا سَمَاء، والحيّز الَّذِي يصدق عَلَيْهِ أَنه عرش، كل ذَلِك مَخْلُوق مربوب مُحدث، وَقد كَانَ الله وَلَا مَكَان ضَرُورَة. وَحدثت هَذِه الْأَمْكِنَة. وحدوثها وَقدمه - جلّ جَلَاله - يحِيل وَصفه بالتحيّز فِيهَا لِأَنَّهُ لَو تحيّز لاستحال وجوده قبل الحيّز مثل كل متحيّز. تَعَالَى الله عَن ذَلِك. (366 - (8) بَاب قَوْله تَعَالَى: {إِن الله يمسك السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَن تَزُولَا} [فاطر: 41] .) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 فِيهِ عبد الله بن مَسْعُود: جَاءَ حبر إِلَى رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن الله يضع السَّمَاء على إِصْبَع، وَالْجِبَال على إِصْبَع، وَالشَّجر والأنهار على أصْبع، وَسَائِر الْخلق على إِصْبَع، ثمَّ يَقُول بِيَدِهِ أَنا الْملك. فَضَحِك رَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، وَقَالَ: وَمَا قدرُوا الله حق قدره ". قلت: رَضِي الله عَنْك! ظنّ الْمُهلب أَن قَول النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- وضحكه ردّ على الحبر، وَلَيْسَ كَذَلِك فقد تقدّم فِي الحَدِيث أَنه ضحك تَصْدِيقًا للحبر وَذكره مُسلم أَيْضا. ولمّا اعْتقد الْمُهلب هَذَا اسْتشْكل إِيرَاد البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي تَفْسِير الْآيَة، لِأَن ذَلِك يُوهم تصويب قَول الحبر. وَالْحق عندنَا أَن الحَدِيث تَفْسِير لِلْآيَةِ. والأصابع والقبضة وَالْيَد فِي حَقه تَعَالَى إمّا صِفَات، وَإِمَّا رَاجِعَة إِلَى الْقُدْرَة على خلاف فِي ذَلِك. وَقد تقّدم. وَيحْتَمل أنّ يكون النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- ، صدّق الحبر مُطلقًا وَهُوَ الظَّاهِر. وَيحْتَمل أَنه أنكر عَلَيْهِ فهمه من الْأَصَابِع الْجَوَارِح، وَحِينَئِذٍ تَلا: " وَمَا قدرُوا الله حق قدره ". وَإِن بنينَا على تَصْدِيقه مُطلقًا فتلاوة الْآيَة على من كيّف مُطلقًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 (367 - (9) بَاب قَوْله تَعَالَى: {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} [الرَّحْمَن: 29] . {وَمَا يَأْتِيهم من ذكر من ربّهم مُحدث} [الْأَنْبِيَاء: 2] . وَقَوله تَعَالَى: {لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} [الطَّلَاق: 1] .) وَأَن حَدثهُ لَا يشبه حدث المخلوقين لقَوْله: {لَيْسَ كمثله شئ وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} [الشورى: 11] . وَقَالَ ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : إِن الله يحدث من أمره [مَا يَشَاء وإنّ] ممّا أحدث أَن لَا تكّلموا فِي الصَّلَاة. فِيهِ ابْن عَبَّاس: قَالَ: كَيفَ تسْأَلُون أهل الْكتاب عَن كتبهمْ، وعندكم كتاب الله أقرب الْكتب عهدا بِاللَّه تقرؤنه مَحْضا لم يشب. وَقَالَ مرّة: وَكِتَابكُمْ الَّذِي أنزل على نبيّكم أحدث الْأَخْبَار بِاللَّه. قلت: رضى الله عَنْك! يحْتَمل بِأَن البُخَارِيّ أجَاز وصف الْكَلَام بِأَنَّهُ مُحدث لَا مَخْلُوق، كَمَا زعم بعض أهل الظَّاهِر، تمسكاً بقوله: {مَا يَأْتِيهم من ذكر من الرَّحْمَن مُحدث} [الشُّعَرَاء: 5] فَإِن أَرَادَ هَذَا فقد بيّن أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 الإحداث هَهُنَا لَيْسَ الْخلق والاختراع. لِأَنَّهُ لَو كَانَ مخلوقاً لَكَانَ مثل كَلَام المخلوقين. وكما أَن الله لَيْسَ كمثله شَيْء، فَكَذَلِك لَيْسَ كَمثل صِفَاته صِفَات. وَيحْتَمل أَن يُرِيد البُخَارِيّ حمل لفظ الْمُحدث على معنى الحَدِيث. فَمَعْنَى قَوْله: {من ذكر من رَبهم مُحدث} أَي متحدّث بِهِ. وَالظَّاهِر أَنه أَرَادَ الأول. وتخلص بِنِسْبَة الإحداث إِلَى إِنْزَال علمه على الرَّسُول -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- والخلق، لِأَن علومهم محدثة. (368 - (10) بَاب قَوْله: {وأسروا قَوْلكُم أَو اجهروا بِهِ إِنَّه عليم بِذَات الصُّدُور أَلا يعلم من خلق وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير} [الْملك: 13 - 14] ) يتخافتون: يتسارّون. فِيهِ ابْن عَبَّاس: فِي قَوْله: {وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا} [الْإِسْرَاء: 110] . نزلت وَرَسُول الله -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- مختف بِمَكَّة، فَكَانَ إِذا صلّى بِأَصْحَابِهِ رفع صَوته بِالْقُرْآنِ، فَإِذا سَمعه الْمُشْركُونَ سبّوا الْقُرْآن وَمن أنزلهُ، وَمن جَاءَ بِهِ. فَقَالَ الله لنبيّه: {وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا} [الْإِسْرَاء: 110] عَن أَصْحَابك فَلَا تسمعهم: {وابتغ بَين ذَلِك سَبِيلا} [الْإِسْرَاء: 110] . وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : لَيْسَ منّا من لم يتغنّ بِالْقُرْآنِ وَزَاد غَيره: يجْهر بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 قلت: رَضِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَنْك! ظنّ الشَّارِح أَن البُخَارِيّ قصد التَّرْجَمَة على صفة الْعلم، وَلَيْسَ كَذَلِك. وَلَو كَانَ كَمَا ظنّ تقاطعت الْمَقَاصِد فِيمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ التَّرْجَمَة. وَأي مُنَاسبَة بَين الْعلم وَبَين قَوْله: " وَمن لم يتغنّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ منّا ". وَإِنَّمَا قصد البُخَارِيّ - وَالله أعلم - الْإِشَارَة إِلَى النُّكْتَة الَّتِي كَانَت بِسَبَب محنته حَيْثُ قيل عَنهُ: إِنَّه قَالَ: " لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق " فَأَشَارَ بالترجمة إِلَى تِلَاوَة الْخلق تتصف بالسّر والجهر. وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي كَونهَا مخلوقة. وَفِي قَوْله تَعَالَى: {وأسروا قَوْلكُم أَو اجهروا بِهِ} ثمَّ قَوْله: {أَلا يعلم من خلق} تَنْبِيه على أَن قَوْلهم مَخْلُوق. وَقَوله: {وَلَا تجْهر بصلاتك} يَعْنِي بِقِرَاءَتِك دلّ أَنَّهَا فعله. وَقَوله: " وَمن لم يتغنّ بِالْقُرْآنِ فأضاف التَّغَنِّي إِلَيْهِ دلّ على أَن الْقِرَاءَة فعل الْقَارئ. فَهَذَا كلّه يُحَقّق مَا وَقع لَهُ من ذَلِك، وَهُوَ الْحق اعتقاداً، لَا إطلاقاً خوف الْإِيهَام، وحذراً من الابتداع بمخالفة النسف فِي الْإِطْلَاق. وَهُوَ الَّذِي أنكر عَلَيْهِ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي حَيْثُ قَالَ: من قَالَ: إِن الْقُرْآن مَخْلُوق فقد كفر، وَمن قَالَ: " لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فقد ابتدع ". وَنقل عَن البُخَارِيّ أَنه سُئِلَ، هَل قَالَ هَذِه الْمقَالة؟ فَقَالَ: إِنَّمَا سُئِلت مَا تَقول فِي لفظك بِالْقُرْآنِ؟ فَقلت: أَفعَال الْعباد كلهَا مخلوقة. وَالله أعلم. ذكره الْخَطِيب فِي تَارِيخه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 (369 - (11) بَاب قَول النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : رجل آتَاهُ الله الْقُرْآن فَهُوَ يقوم بِهِ آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار " وَرجل يَقُول: لَو أُوتيت مثل مَا أُوتى هَذَا فعلت كَمَا يفعل ") فبيّن أَن قِيَامه بِالْكتاب هُوَ فعله. وَقَالَ: {وَمن آيَاته خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف أَلْسِنَتكُم وألوانكم} [الرّوم: 22] وَقَالَ: {وافعلوا الْخَيْر لعلّكم تفلحون} [الْحَج: 77] . وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رجل آتَاهُ الله الْقُرْآن فَهُوَ يتلوه آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار. وَرجل يَقُول: لَو أُوتيت مثل مَا أُوتى هَذَا عملت فِيهِ مثل مَا يعْمل. [قلت:] قد قَارب الإفصاح فِي هَذِه التَّرْجَمَة عمّا رمز إِلَيْهِ فِي الَّتِي قبلهَا. (370 - (12) بَاب قَول النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : الماهر بِالْقُرْآنِ مَعَ الْكِرَام البررة. وَقَالَ: زيّنوا الْقُرْآن بِأَصْوَاتِكُمْ.) فِيهِ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : مَا أذن الله لشَيْء مَا أذن لنبيّ حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 الصَّوْت بِالْقُرْآنِ يجْهر بِهِ. وَفِيه عَائِشَة [حِين] قَالَ لَهَا أهل الْإِفْك مَا قَالُوا، قَالَت وَالله! مَا كنت أَظن أَن الله ينزل فِي شأني وَحيا يُتْلَى، ولشأني فِي نَفسِي أَحْقَر من أَن يتَكَلَّم الله فىّ بِأَمْر يُتْلَى. فَأنْزل الله تَعَالَى: {إِن الَّذين جَاءُوا بالإفك} [النُّور: 11] الْعشْر الْآيَات. وَفِيه الْبَراء سَمِعت النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يقْرَأ فِي الْعشَاء بِالتِّينِ وَالزَّيْتُون. فَمَا سَمِعت أحسن صَوتا أَو قُرْآنًا مِنْهُ. وَفِيه ابْن عَبَّاس: كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- متوارياً بمكّة، وَكَانَ يرفع صَوته بِالْقُرْآنِ. فَإِذا سَمعه الْمُشْركُونَ سبّوا الْقُرْآن وَمن جَاءَ بِهِ، فَقَالَ لنبيّه: {وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا} [الْإِسْرَاء: 110] . وَفِيه أَبُو سعيد: قَالَ لِابْنِ أبي صعصعة: إِنِّي أَرَاك تحبّ الْغنم والبادية فَإِذا كنت فِي غنمك أَو باديتك فأذّنت بِالصَّلَاةِ فارفع صَوْتك بالنداء، فَإِنَّهُ لَا يسمع مدى صَوت الْمُؤَذّن إنس وَلَا جن، وَلَا شَيْء إِلَّا شهد لَهُ يَوْم الْقِيَامَة. [قَالَ أَبُو سعيد] سمعته من النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . وَفِيه عَائِشَة: كَانَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- يقْرَأ الْقُرْآن، وَرَأسه فِي حجري وَأَنا حَائِض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 وَقلت: رَضِي الله عَنْك {ظنّ الشَّارِح أَن غَرَض البُخَارِيّ إِثْبَات جَوَاز قِرَاءَة الْقُرْآن بتحسين الصَّوْت، وَلَيْسَ كَذَلِك. وَإِنَّمَا غَرَضه الْإِشَارَة إِلَى مَا تقدّم من وصف التِّلَاوَة بالْحسنِ والتحسين، وَالرَّفْع والخفض، ومقارنة الْحَالَات البشرية، كقولها: " قَرَأَ الْقُرْآن فِي حجري وَأَنا حَائِض ". فَهَذَا كلّه يُحَقّق أَن الْقِرَاءَة فعل الْقَارئ، ومتصفة بِمَا تتصف الْأَفْعَال بِهِ، ومتعلّقة بالظروف المكانية والزمانية أُسْوَة بالأفعال كلهَا. (371 - (13) بَاب قَول الله تبَارك وَتَعَالَى: {وَلَقَد يسرنَا الْقُرْآن للذّكر فَهَل من مدّكر} [الْقَمَر: 17] .) وَقَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : " كلّ ميسّر لما خلق لَهُ " [يُقَال: ميسّر:] مهيّأ. فِيهِ عمرَان: قلت: يَا رَسُول الله} فيمَ يعْمل الْعَامِلُونَ؟ . قَالَ: كل ميسّر لما خلق لَهُ. وروى عَليّ مَعْنَاهُ عَن النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 قلت: رَضِي الله عَنْك {الشَّارِح بعيد عَن قصد البُخَارِيّ بِهَذَا التراجم. وَهُوَ رَاجع إِلَى مَا تقدّم من وصف الْقِرَاءَة بالتيسير. وَهَذَا يدلّ على أَنَّهَا فعل. وَيشْهد قَوْله: " كل ميسّر لما خلق لَهُ ". وَمِمَّا خلق لَهُ التِّلَاوَة. وَالله أعلم. (372 - (14) بَاب قَوْله تَعَالَى: {وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة} [الْأَنْبِيَاء: 47] وَإِن أَعمال بني آدم وأقوالهم توزن. وَقَالَ مُجَاهِد: القسطاط الْعدْل بالرومية وَيُقَال: الْقسْط مصدر المقسط وَهُوَ الْعَادِل، فَأَما القاسط فَهُوَ الجائر.) وَفِيه أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- : كلمتان حبيبتان إِلَى الرَّحْمَن، خفيفتان على اللِّسَان، ثقيلتان فِي الْمِيزَان: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، وَسُبْحَان الله الْعَظِيم ". قلت: رَضِي الله عَنْك} جمع البُخَارِيّ فِي هَذِه التَّرْجَمَة بَين فَوَائِد. وَمِنْهَا وصف الْأَعْمَال بِالْوَزْنِ. وَمِنْهَا: إدراج الْكَلَام فِي الْأَعْمَال، لأنّه وصف الْكَلِمَتَيْنِ بالخفّة على اللِّسَان، والثقل فِي الْمِيزَان، دلّ أَن الْكَلَام عمل يُوزن. وَمِنْهَا: أَنه ختم كِتَابه بِهَذَا التَّسْبِيح. وَقد ورد فِي الحَدِيث مَا يدّل على اسْتِحْبَاب ختم الْمجَالِس بالتسبيح وَأَنه كَفَّارَة لما لَعَلَّه يتّفق فِي أثْنَاء الْكَلَام ممّا يَنْبَغِي هجره. وَهَذَا نَظِير كَونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 بَدَأَ كِتَابه بِحَدِيث: " الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " فَكَأَنَّهُ تأدّب فِي فاتحته وخاتمته بآداب السنّة وَالْحق. فالأدب فِي الِابْتِدَاء إخلاص الْقَصْد والنيّة، وَفِي الِانْتِهَاء مراقبة الخواطر، ومناقشة النَّفس على الْمَاضِي والاعتماد، فِي تَكْفِير مَا لَعَلَّه يحْتَاج إِلَى التَّكْفِير بِمَا جعله الشَّرْع مكفّراً للهفوات، مخلصاً للحسنات من النزعات الدَّاخِلَة فِي حيّز الْفَوات. وَالله أعلم. تمّ الْكتاب بِحَمْد الله وعونه وتيسير مِنْهُ. ونسأل الله اللَّطِيف بِلُطْفِهِ وَرَحمته أَن يَجعله عوناً على طَاعَته موصلاً إِلَى جنّته وَكَرمه، وَأَن ينفع بِهِ مؤلّفه وكاتبه ومستمعه وقارئه بِمُحَمد نبيّه وعترته - صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله، ورضى الله عَن أَصْحَابه وذرّيتّه. وَوَافَقَ الْفَرَاغ مِنْهُ يَوْم الِاثْنَيْنِ الْمُبَارك خَامِس عشرى رَجَب الْفَرد سنة ألف وَمِائَة وَإِحْدَى وَعشْرين. وَالْحَمْد لله وَحده - تمّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433